جواهر الكلام - ج ٣١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

نعم لو سافر باثنتين عدل بينهما في السفر أقرع عليهما أو لإحداهما خاصة أو لم يقرع ، لعدم كونه غائبا عنهما ، فان ظلم إحداهما قضى لها إما في السفر أو في الحضر من نوبة المظلوم بها ، وله أن يخلف إحداهما في أثناء السفر في بعض الأماكن بالقرعة وغيرها على الأصح ، لعدم الفرق بينه وبين منزله قبل إنشاء السفر ، فان تزوج في السفر بأخرى خصها بثلاث أو بسبع في السفر ثم عدل بينهن ، إذ السفر لا يسقط حق الجديدة ، لإطلاق أدلته.

ولو خرج وحده ثم استجد زوجة لم يلزمه القضاء للمتخلفات من نوبة الجديدة وإن قلنا بالقضاء إن استصحب إحدى القديمات بالقرعة ، نعم إن أقام في السفر أو منتهاه لزمه القضاء ، مع أن فيه البحث السابق ، والله العالم.

وكيف كان فالظاهر أنه يستحب أن يقرع بينهن إذا أراد استصحاب بعضهن للتأسي (١) ولأنه أطيب لقلوبهن وأقرب إلى العدل ، ولا يجب ، للأصل ، وكيفيتها معلومة ، ولا تنحصر في طريق ، لكن في كشف اللثام « أنها يكتب اسم كل منهن بالسفر في رقعة يجعلها في بندقة طين أو غيره فيقال لمن لم يعلم بالحال : أخرج على السفر رقعة فكل من خرجت رقعتها سافر بها ، فإن أراد إخراج أخرى أمره بإخراج رقعة أخرى ، وكذا إذا أراد السفر بثالثة ، وله إن أراد السفر باثنتين أن يجعل اسم كل اثنتين في بندقة ، والأول أعدل ، أو يخرج السفر على الأسماء فإن أراد السفر بواحدة كتب في رقعة سفر وفي ثلاث حضر ، فان خرج على فلانة رقعة السفر سافر بها ، وإن خرجت رقعة الحضر أخرج باسم أخرى ، وإن أراد أن يسافر باثنتين كتب في رقعتين سفر وفي أخريين حضر ، أو اقتصر على رقعتين إحداهما سفر وفي الأخرى حضر ، وإن أراد السفر بثلاث كتب في ثلاث سفر وفي واحدة حضر ». ونحوه في المسالك ولا بأس به إن أراد بذلك أحد الأفراد ، إذ لا دليل على تعيين ذلك في كيفيتها ، والأمر سهل.

وهل يجوز العدول عمن خرج اسمها إلى غيرها؟ قيل كما عن المبسوط‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٠٢.

١٨١

والوسيلة لا يجوز لأنها تعينت للسفر وإلا انتفت فائدتها ، وفيه تردد بل الأقوى أن له ذلك ، للأصل السالم عن معارضة ما يقتضي كونها من الملزمات ، وفائدة القرعة استحباب اختيارها للسفر ، كما هو واضح ، والله العالم.

ولا تتوقف قسم الأمة على إذن المالك ، لأنه لا حظ له فيه ، فليس له منعها عن المطالبة به وعن إسقاطه وهبته للزوج أو ضرائرها ، وفي المسالك « هذا لا كلام فيه » وهو جيد إن تم إجماعا ، خصوصا لو أرادت الصلح عنه بمال.

وعلى كل حال فهل يتوقف القسم لها على وجوب نفقتها كالحرة؟ وجهان ، من كونه من جملة الحقوق المترتبة على التمكين ، ودورانه مع النفقة في الحرة وجودا وعدما ، ومن أن وجوب النفقة على الزوج يتوقف على تسليمها إليه نهارا ، وهو غير واجب على السيد ، فلا يكون حكمها كالناشز ، بل المسافرة في واجب ، وعن المبسوط « النفقة والقسم شي‌ء واحد ، فكل امرأة لها النفقة لها القسم ، وكل من لا نفقة لها لا قسم لها » وهذا يقتضي عدم وجوب القسم لأمة مع عدم تسليم المولى نهارا ، لسقوط نفقتها حينئذ وإن كان ذلك غير واجب على المولى » وفي المسالك « لعله الوجه » قلت : قد يقال : إن مقتضي إطلاق أدلة القسم وجوبه عليه ، خصوصا مع إقدامه على عدم استحقاقه التسليم نهارا بناء عليه على مولاها ، فحينئذ امتناعها عليه بحق لا يسقط حقها من القسم ، والله العالم.

ويستحب التسوية بين الزوجات في الإنفاق وإطلاق الوجه والجماع وغير ذلك ، لأنه من كمال العدل والانصاف المرغب فيهما شرعا ، مع ما في ذلك من جبر قلوبهن وحفظهن عن التحاسد والتباغض ، و‌في الخبر (١) عن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه « من كان عنده امرأتان فإذا كان يوم واحدة فلا يتوضأ عند الأخرى » ‌بل في‌ خبر معمر بن خلاد (٢) النهي عن ذلك ، فإنه سأل الرضا عليه‌السلام « عن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ٣ وفيه‌ « ان عليا عليه‌السلام كان له امرأتان ، فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضأ في بيت الأخرى » ‌

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ٢.

١٨٢

تفضيل نسائه بعضهن على بعض فقال : لا » ‌وإن كان من المعلوم عدم وجوبها ، للأصل‌ وخبر عبد الملك بن عتبة الهاشمي (١) سأل الكاظم عليه‌السلام « عن الرجل يكون له امرأتان يريد أن يؤثر إحداهما بالكسوة والعطية أيصلح ذلك؟ قال : لا بأس واجهد في العدل بينهما » ‌وظاهر قوله تعالى (٢) ( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ ) وغير ذلك ، ولذا أفتى الأصحاب باستحباب التسوية في غير ما دل الدليل على وجوبه من القسم والإنفاق الواجبين ونحوهما ، بل لا يبعد القول بكراهة التفاضل ، لما سمعته من الخبر السابق (٣) ، والله العالم.

وكذا يستحب أن يكون في صبيحة كل ليلة عند صاحبتها للخبر (٤) المتقدم سابقا الذي منه قيل بالوجوب. وقد عرفت الحال فيه ، وأن يأذن لها في حضور موت أبيها وأمها لما في منعها من ذلك من المشقة والوحشة وقطيعة الرحم وإن كان له منعها عن ذلك وعن عيادة أبيها وأمها فضلا عن غيرهما وعن الخروج من منزله إلا لحق واجب لأن له الاستمتاع بها في كل زمان ومكان ، فليس لها فعل ما ينافيه بدون إذنه ، ومنه الخروج إلى بيت أهلها ولو لعيادتهم وشهادة جنائزهم ، وفي‌ خبر عبد الله بن سنان (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إن رجلا من الأنصار على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج في بعض حوائجه فعهد إلى امرأته أن لا تخرج من بيتها حتى يقدم ، قال : وأن أباها مرض فبعثت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تستأذنه في أن تعوده فقال : اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك ، قالت : فثقل فتأمرني أن أعوده فقال : اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك ، قال : فمات أبوها فبعثت إليه إن أبي قد مات فتأمرني أن أصلي عليه ، فقال : اجلسي في بيتك وأطيعي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ١.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١٢٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٩١ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

١٨٣

زوجك ، قال : فدفن الرجل ، فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الله تعالى غفر لك ولأبيك بطاعتك لزوجك » ‌بل منه يستفاد أن له منعها عن الخروج لغير الحق الواجب وإن لم يكن منافيا لاستمتاعه المفروض امتناعه عليه بسفر أو غيره.

وقد ظهر لك من ذلك كله كيفية القسم وزمانه ، لكن المصنف ترك التعرض لمكانة ، وفي القواعد « أما المكان فإنه يجب أن ينزل كل واحدة منزلا بانفراده ، ولا يجمع بين ضرتين في منزل إلا مع اختيارهن أو مع انفصال المرافق ، ويستدعيهن على التناوب ، وله المضي إلى كل واحدة ليلة ، وأن يستدعي بعضا ويمضي إلى بعض ، ولو لم ينفرد بمنزل بل كان كل ليلة عند واحدة كان أولى ، ولو استدعى واحدة فامتنعت فهي ناشز لا نفقة لها ولا قسمة إلى أن تعود إلى الطاعة وهل له أن يساكن واحدة ويستدعي إليها؟ فيه نظر ، لما فيه من التخصيص » لكن لا يخفى عليك خلو النصوص عن إفادة جميع ما ذكره وكذلك آية المعاشرة بالمعروف (١) بعد أن كان المراد منه ما وقته الشارع من القسم الواجب والنفقة ، وكذلك قوله تعالى (٢) ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ، وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) بل ربما كان دالا على خلاف بعض ما ذكره ، نعم لا بأس بذلك سياسة وجلبا للقلوب ، ومراعاة لكمال العدل ونحو ذلك مما يصلح للاستحباب لا الإيجاب المحتاج إلى دليل مخصوص واف بالمطلوب.

نعم إن ظهر منه الإضرار بها بأن لا يوفيها حقها قسمة وغيرها استعدت عليه الحاكم لرفع ذلك عنها ، وفي القواعد أيضا « أنه يأمره بأن يسكنها إلى جنب ثقة ليشرف عليها ، فيطالبه الحاكم بما يمنعه من حقوقها ، فإن أراد السفر بها لم يمنعه الحاكم ، لكن يكاتب حاكم ذلك البلد بالمراعاة » وإن كان فيه أيضا نحو ما تقدم إلا أن الأمر فيه سهل ، خصوصا بعد ما تسمعه في السياسة بينهما لو حصل الشقاق ، والله العالم.

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١٩.

(٢) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٦.

١٨٤

( وأما اللواحق : )

( فمسائل : )

( الاولى )

القسم بناء على وجوبه مطلقا حق مشترك بين الزوج والزوجة لاشتراك ثمرته التي هي الاستمتاع لكل منهما بل وعلى المختار أيضا على معنى أنه حيث يجب ولو بالشروع يكون مشتركا بينهما ، فما في المسالك ـ من أن ذلك إنما يوافق القول بوجوبه مطلقا خاصة ، إذ الحق بناء على القول الأخر مختص بالزوج دون غيره ـ في غير محله ، ضرورة أن المختص به الشروع به لا بعده ، فإنه حينئذ يكون حقا لهما إلى تمام الدور ، بل الظاهر أن المراد بالقسم هو ذلك ، وحينئذ فلا حاجة إلى الاعتذار فيها عن المصنف وغيره ممن عبر بهذه العبارة مع عدم قوله بوجوب القسم مطلقا باحتمال إرادة الأعم من الواجب من الحق ، ضرورة معلومية الاشتراك في ثمرته ، وإنما الكلام في اشتراك حقيته أو اختصاصها بالزوج ، ثم قال : « ولو أراد بالحق ما هو أعم من الواجب فلا بد من استعماله في معنييه ، فليدخل حق الزوج فيه ، فإنه واجب ، ويمكن حينئذ أن يريد القدر المشترك بين الواجب وغيره ، وهو الراجح مطلقا ، وقد كان يمكن تفريع قوله « فلو أسقطت حقها منه » على الحكم بكونه حقا للزوج فليس لها حينئذ إسقاط نصيبها من القسم إلا برضاه ، وتحصل المطابقة بين الحكمين » إذ قد عرفت أن الحكم بالاشتراك متجه على التقديرين.

وعلى كل حال فلو أسقطت حقها منه كان للزوج الخيار بين الرضا‌

١٨٥

بذلك وعدمه ، لما سمعته من الاشتراك بينهما المقتضي لعدم سقوط أحدهما بإسقاط الأخر ، ومنه يعلم صورة العكس ، وهي لو أسقط هو حقه من ذلك كانت الزوجة بالخيار ، للاشتراك المزبور ، ولعل اقتصار المصنف باعتبار كون الغالب وقوع ذلك ، والظاهر أن المراد بالإسقاط هنا الاذن منها ، لا أنه كإسقاط الحقوق التي تسقط بالإسقاط على وجه لم يكن لصاحب الحق العود اليه ، ولا أنه من قبيل ما في الذمة. وذلك لأنه استمتاع في زمان مستمر ، فما دامت مستمرة هي على الاذن في ذلك كان ساقطا ، فإذا رجعت عن الاذن كان الحق لها ، بل لو خرجت عن قابلية الاذن بإغماء أو جنون لم يستمر السقوط.

ولها أن تهب ليلتها للزوج أو بعضهن مع رضاه لتسلطها على حقها كالمال ، إلا أنه لما كان مشتركا بينها وبين الزوج اعتبر رضاه ، و‌للمرسل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) « إن سودة بنت زمعة لما كبرت وهبت نوبتها لعائشة فكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقسم لها يوم سودة ويومها » ‌نعم الظاهر أن إطلاق الهبة على ذلك توسع ، باعتبار أنه ليس من موردها الذي هو الأعيان ، نعم الظاهر اعتبار القبول من الموهوبة ، فان لم تقبل لم ينتقل الحق إليها.

ومن هنا يمكن أن يقال : بجريان جميع أحكام الهبة على ذلك ، فيكون الخارج بما هنا من النص والفتوى تعلق الهبة بغير العين ، لكن الإنصاف أن ذلك ليس بأولى من القول بعدم جريان شي‌ء من أحكام الهبة عليها وعدم اندراجها في إطلاق دليلها وإن شاركتها في بعض الأحكام ، فلا يجرى عليها حكم هبة الرحم ونحو ذلك من أحكام الهبة ، وإطلاق لفظ الهبة في المرسل والعبارات كله من باب التوسع ، وإلا فالمراد الاذن منها في إسقاط حقها على وجه مخصوص ، وهو وضعه عند واحدة منهن ، وأما هبتها للزوج فليس معناه إلا الإسقاط.

ومن هنا قال المصنف فان وهبت للزوج وضعها حيث شاء منهن‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٩٦.

١٨٦

ومن غيرهن ولو بأن يترك المبيت فيها عند أحد منهن ، ثم إن كانت نوبة الواهبة متصلة بنوبة الموهوبة بات عندها ليلتين على الولاء ، وإن كانت منفصلة فالأصح كما في المسالك وجوب مراعاة النوبة فيهما ، لأن لها حقا من بين الليلتين سابقا ، فلا يجوز تأخيره ، ولأن الواهبة على تقدير تأخر ليلتها قد ترجع بين الليلتين ، والموالاة تفوت حق الرجوع ، وإن وهبت حقها من الزوج فله وضعه حيث شاء ، بمعنى أنه ينظر في ليلة الواهبة وليلة التي يريد تخصيصها أهما متواليان أم لا؟ ويكون الحكم على ما سبق.

وإن وهبتها لهن أجمع وجب قسمتها عليهن على معنى المبيت عند كل واحدة منهن بعض الليلة ، ولو رضين بقسمتها ليال على معنى أن يكون عند واحدة منهن في كل دور جاز أيضا ، واتفاق رجوعها بعد استيفاء إحداهن دون الأخرى غير قادح ، ومثله يأتي في القسمة أبعاضا ، ومن هنا كان المتجه القرعة في الابتداء مع التشاح ، فينحصر الخسران حينئذ بالتي حصل رجوع الواهبة قبل استيفائها.

وإن وهبتها لبعض منهن معينة اختصت بالموهوبة على حسب ما عرفت. هذا ولكن في المسالك « وإن وهبت حقها من جميعهن وجبت القسمة بين الباقيات ، وصارت الواهبة كالمعدومة ، ومثله ما لو أسقطت حقها مطلقا ، هذا إذا لم نوجب القسمة ابتداء ، وإلا لم يتم تنزيلها كالمعدومة فيما لو كن أربع ، لاشتراكهن حينئذ في تمام الدور ، وهو الأربع ، ولو جعلناها معدومة فضل له ليلة ، والواجب على هذا التقدير أن يرجع الدور على ثلاث دائما ما دامت الواهبة مستحقة ، بخلاف ما لو طلقها أو نشزت ، فان حكم ليلتها ساقط وتصير كالمعدومة محضا وعلى التقدير الأخر يفضل له ليلة » وهو جيد.

لكن قد يناقش بعدم الفرق بين القولين في عدم تمامية التشبيه ، اللهم إلا أن يكون المراد أنه لا حق لها تهبه على القول بالوجوب بالشروع ، فمرجع هبتها حينئذ إلى تنزيلها منزلة العدم ، وفيه نظر ، ضرورة إمكان هبتها في أثناء الدور ،

١٨٧

وإمكان عدم الحق لها وإن كان معلقا على الشروع كما نبه عليه قوله وكذا لو وهبت ثلاث منهن لياليهن للرابعة لزمه المبيت عندها من غير إخلال الذي وافقه عليه في المسالك ، حيث قال : « ولو فرض هبة الجميع لواحدة انحصر الحق فيها ، ولزمه مبيت الأربع عندها على تقدير القول بوجوب القسمة دائما ، ولا ينزل حينئذ منزلة الواحدة ، بل بمنزلة الأربع ، وعلى القول الأخر يجب عليه إكمال الدور لها حيث ابتدأ به ، ويسقط عنه بعد ذلك إلى أن يبتدئ به فيجب عليه إكمال الأربع ، وهكذا. ويجرى عليه أيضا قوله : « لزمه المبيت عندها من غير إخلال » يعنى بالدور الواجب » فتأمل جيدا ، والله العالم.

المسألة ( الثانية )

إذا وهبت ورضى الزوج الذي قد عرفت اعتبار رضاه للاشتراك في الحق الذي علمته صح لما تقدم.

ولو رجعت كان لها ذلك ولكن في غير ما مضى وإن كانت الموهوبة رحما لها ، لعدم كونها هبة حقيقة ، ولعدم القبض فيما رجعت فيه ، ومن هنا كان لا يصح رجوعها في الماضي بمعنى أنه لا يقضى لكونه بمنزلة التلف المانع من الرجوع به ويصح فيما يستقبل الذي هو متجدد ولا قبض فيه ، فلها الرجوع فيه بحيث لو رجعت في أثناء الليل وعلم به خرج من عند الموهوبة.

ولو رجعت ولم يعلم الزوج بذلك لم يقض ما مضى قبل علمه للأصل بعد عدم التقصير منه ، وفي المسالك « في المسألة وجه آخر ، أنه يقضى كما قيل بانعزال الوكيل قبل العلم بالعزل ، والحق الأول » قلت : هو لا يخلو من قوة باعتبار انكشاف استيفاء حقها مع عدم إذنها ، وعدم التقصير لا مدخلية له في تدارك الحق لذيه ، وليس هو كالمال المأذون في أكله الذي تأتي فيه قاعدة‌

١٨٨

الغرور ، كما أنه ليس من قسم الوكالة التي ثبت بالنص (١) والفتوى عدم انفساخها قبل العلم ، بعد حرمة القياس عندنا ، فيتجه حينئذ التدارك لها ، خصوصا مع علم الزوجة دونه ، فإنها حينئذ هي ظالمة تقاص من ليلتها ، لأن ( الْحُرُماتُ قِصاصٌ ) (٢) والله العالم.

المسألة ( الثالثة )

لو التمست عوضا عن ليلتها فبذله الزوج هل يلزم؟ قيل والقائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة لا يلزم لأنه حق لا يتقوم منفردا أي غير مالي ، لعدم كونه في مقابلة عين أو منفعة ، وإنما هو مأوى ومسكن فلا تصح المعاوضة عليه والأقوى خلافه ، لإطلاق أدلة الصلح مثلا الشاملة لمثل ذلك من الحقوق كحق الخيار والشفعة ، من غير فرق بين الصلح على إسقاطه أو انتقاله فيما كان قابلا منه للانتقال ، كما في المقام ، مضافا إلى‌ خبر علي بن جعفر (٣) عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن رجل له امرأتان قالت إحداهما : ليلتي ويومي لك يوما أو شهرا أو ما كان ، أيجوز ذلك؟ قال : إذا طابت نفسها واشترى منها ذلك فلا بأس » ‌ومن المعلوم أن إطلاق الشراء مجاز ، لأن البيع متعلق بالأعيان ، فهو كناية عن المعاوضة عليه بالصلح مثلا.

والظاهر عدم اختصاص ذلك بالزوج ، بل يجوز للنساء بعضهن مع بعض ، لكن مع إذن الزوج ، للإطلاق المزبور ، كما أن الظاهر جوازه لهن بتبديل ليلة بعضهن بالأخرى لذلك أيضا.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب الوكالة.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٩٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ٢.

١٨٩

هذا وفي المسالك « حيث لا تصح المعاوضة يجب عليها رد العوض إن كانت قبضته ، ويجب القضاء لها إن كانت ليلتها قد فاتت ، لأنه لم يسلم لها العوض ، هذا مع جهلهما بالفساد أو علمهما وبقاء العين ، وإلا أشكل الرجوع ، لتسليطه لها على إتلافه بغير عوض حيث يعلم أنه لا يسلم له ، كما في البيع الفاسد مع علمهما بالفساد » وفيه أنه لا يتم مع فرض كون البذل بعنوان المعاوضة التي لم يتم له فيها المعوض وعدم الرجوع في البيع الفاسد لو سلم فلدليل خاص من إجماع ونحوه ، ضرورة أن التسليط المزبور لو اقتضى عدم الرجوع لاقتضى في المعوض أيضا كما في العوض ، وقد تقدم تحقيق المسألة في محله.

المسألة ( الرابعة )

لا قسمة للصغيرة ولا المجنونة المطبقة ولا الناشزة ولا المسافرة بغير إذنه بمعنى أنه يؤديه ذلك لهن فعلا ولا يقضي لهن عما سلف أما في الأولى والثالثة فلا أجد فيه خلافا هنا ، وذلك لأن القسمة من جملة حقوق الزوجية ، وهي بمنزلة النفقة التي تسقط بالصغر والنشوز ، ولعله كذلك في الناشزة ، أما الصغيرة القابلة للاستمتاع الملتذة به فلا دليل عليه ، لاندراجها في اسم الزوجة التي قد سمعت ما يدل (١) على استحقاقها الليلة من الأربع ، وسقوط النفقة المشروطة بالدخول لو قلنا به لا يقتضي سقوط حقها من القسم ، اللهم إلا أن يشك في شمول أدلته لمثلها ، والأصل البراءة ، ولعله كذلك.

وأما المجنونة المطبقة فقد علل بأنها لا عقل لها يدعوها إلى الأنس بالزوج والتمتع به ، وهو كما ترى أخص من المدعى ، ولذلك قال في المسالك : « والأولى تقييد المطبقة بما إذا خاف أذاها أو لم يكن لها شعور بالإنس به وإلا لم يسقط حقها منه » وربما يؤيد ذلك في الجملة ما سمعته سابقا في جنون الزوج ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ و ٩ ـ من أبواب القسم والنشوز.

١٩٠

نعم يمكن الشك أيضا ، في تناول الأدلة للمجنونة على حسب ما سمعته في الصغيرة ، خصوصا مع ظهور المفروغية منه عند المصنف وغيره ، وكان التقييد بالمطبقة لإخراج ذات الأدوار ، فإنه لا يسقط حقها حال إفاقتها قطعا ، أما حال أدوارها فيشكل الفرق بينها وبين المطبقة أداء وقضاء.

والمسافرة بغير إذنه في غير واجب أو ضروري من الناشز التي قد عرفت الحال فيها ، نعم إن كان في واجب مضيق أو بإذنه في غرضه لم يسقط حقها ، ووجب القضاء لها بعد الرجوع على ما صرح به بعضهم ، بل ظاهره عدم الخلاف فيه ، لاقتصاره في حكايته على ما إذا كان بإذنه في غرضها ، قال : « فيه قولان ، من الاذن في تفويت حقه فيبقى حقها ، ومن فوات التمكين والاستمتاع المستحق عليها لأجل مصلحتها ، والاذن إنما تؤثر في سقوط الإثم ، وفوات التسليم المستحق وإن كان بسبب غير مأثوم فيه يوجب سقوط ما يقابله ، كما إذا فات تسليم المبيع قبل القبض بسبب يعذر فيه ، فإنه يسقط تسليم الثمن ، والأول خيرة العلامة في التحرير والثاني خيرته في القواعد » قلت : مبني المسألة على الظاهر أمران : ( أحدهما ) أصالة تدارك هذا الحق وقضائه أولا ( ثانيهما ) أن ظاهر أدلة القسم شمولها لمثل المفروض أو أنها ظاهرة في الزوجات القابلة للتقسيم عليهن ، ولعل الأقوى الأول في الأول ، والثاني في الثاني ، وهو كاف في سقوط الحق لها ، بل منه ينقدح الشك أيضا في ثبوته في الأولين إن لم يكن إجماعا ، والله العالم.

١٩١

المسألة ( الخامسة )

لا يجوز أن يزور الزوج الضرة في ليلة ضرتها بغير إذنها ، لما في ذلك من منافاة العدل والإيذاء غالبا ، ولأنها مستحقة لجميع أجزاء الليلة فلا يجوز صرف شي‌ء منها إلى غيرها إلا بما جرت به العادة ، أو دلت قرائن الأحوال على إذنها فيه ، كالدخول على بعض أصدقائه والاشتغال ببعض العبادة ونحو ذلك ، ولا ريب في عدم دخول زيارة الضرة فيه واحتمال أن المستثنى زمان أمثال ذلك فله وضعه حيث شاء ، مناف لظاهر الأدلة إن لم يكن المقطوع به منها.

نعم لو كانت مريضة جاز له عيادتها لقضاء العادة ، كما تجوز عيادة الأجنبي ، ولعدم التهمة في زيارتها حينئذ ، لمكان المرض بخلاف الصحة ، ولذا قيده بعضهم بكون المرض ثقيلا وإلا لم يصح ، ثم إن خرج من عندها في الحال لم يجب قضاؤه حتى لو فرض في حال عصيانه به ، لكونه قدرا يسيرا لا يقدح في المقصود ولم يفد تداركه ف يبقى على الأصل.

وإن استوعب الليلة عندها في غير العيادة أو طال مكثه كذلك فلا شبهة في القضاء ، وإن استوعبها فيها لاقتضاء المرض ذلك ف هل يقضيها؟ قيل : نعم ، لأنه لم يحصل المبيت لصاحبتها والأصل التدارك ، وتممه في المسالك بأنه ليس من ضرورات الزيارة الإقامة طول الليلة ، فهو ظلم ، وكل ظلم للزوجة في المبيت يقضي وقيل : لا يقضى كما لو زار أجنبيا ، وهو أشبه عند المصنف ، لكن في المسالك « أن الأول أقوى ، والفرق بين الأمرين واضح ، والأصل ممنوع فإن زيارة الأجنبي مشروطة بعدم استيعاب الليلة ».

قلت : محل البحث على الظاهر ما إذا اقتضى الحال استيعاب الليلة عندها لتمريضها ، والمراد بالتشبيه بزيارة الأجنبي أنه يكون معتادا كأصل الزيارة ، لا‌

١٩٢

أن المراد الزيارة المستوعبة ، وحينئذ لا يكون فيه ظلم للزوجة ، فيبني على أصالة التدارك مع عدم الظلم ، ويمكن أن يكون بناء المصنف عدم التدارك فيما لا يكون ظلما ، وهو لا يخلو من وجه وإن كان الأقوى خلافه. وعلى كل حال لا يحتسب على المريضة نعم لو طال المكث عندها بغير عيادة اقتص منها بمثله في نوبتها.

أما لو طال المكث عند غير الضرة قضاه من ليلته إن بقيت له ليلة ، وإلا بقيت المظلمة في ذمته إلى أن يتخلص منها بمسامحة ونحوها. ولو دخل على إحدى الضرات في ليلة الأخرى فواقعها ثم عاد إلى صاحبة الليلة لم يقض المواقعة قطعا في حق الباقيات للأصل ولأن المواقعة ليست من لوازم القسمة نعم يتجه قضاء زمان المواقعة مع طوله ، لما عرفت ، وإن لم يطل ففي المسالك فالإثم خاصة ، قلت : في الإثم أيضا نظر ، وعن بعض العامة وجوب قضاء الجماع للمظلومة في ليلة المجامعة كما فعله لها ، ثم يذهب إليها ليحصل العدل وإن لم يكن الجماع واجبا في نفسه ، وهو كما ترى بعد عدم وجوب العدل بنحو ذلك ، والله العالم.

( المسألة السادسة : )

لو جار في القسمة قضى لمن أخل بليلتها بلا خلاف لكنه مشروط ببقاء المظلوم بهن في حباله ، وبأن يفضل له من الدور فضل يقضى ، فلو كان عنده أربع فظلم بعضهن في ليلتها بأن ترك المبيت فيها عندها وعند ضراتها لم يمكنه القضاء ، لاستيعاب الوقت بالحق على القول بوجوب القسمة ابتداء فيبقى في ذمته إلى أن يتمكن بطلاق واحدة أو نشوزها أو موتها أو غير ذلك مما يكون سببا لرجوع شي‌ء من الزمان اليه يتمكن فيه من القضاء أو يسترضيهن بمال أو غيره ، نعم لو كان ظلمه بالمبيت عندهن فان جعل ليلتها لواحدة معينة قضاها من دورها ، وإن ساوى بينهن وأسقط المظلومة من رأس قضى لها من الزمان بقدر ما فاتها ، بل قيل : مواليا إلى‌

١٩٣

أن يتم لها حقها ثم يرجع إلى العدل ، ووجهه ما تسمعه.

وكذا لا يتمكن من القضاء لو تزوج ثلاثا مثلا بعد مفارقة المظلوم بهن ، فإن المظلومة لا حق لها عند المتجددات ، نعم لو أمكن الجمع بين حق الجديدة والقضاء اتجه حينئذ ذلك. كما لو فارق واحدة منهن وتزوج أخرى أمكن القضاء من دور المظلوم بهما دون الجديدة ، فيعطيها من كل دور ثلاثا وللجديدة ليلة إلى أن يكمل حقها ثم يرجع إلى العدل ، فلو كان معه ثلاث نسوة مثلا فبات عند اثنتين منهن عشرين ليلة مثلا فاستحقت الثالثة عنده عشرا ـ بل قيل : وعليه أن يوفيها إياه ولاء ، لأنها قد اجتمعت في ذمته ، وهو متمكن من وفائها ، فلا يجوز أن يؤخر وإن كان لا يخلو من نظر ـ فنكح جديدة بعد العشرين لم يجز أن يقدم قضاء العشرة ، لأنه ظلم على الجديدة ، بل يوفيها أولا حق الزفاف من ثلاث أو سبع ثم يقسم الدور بينها وبين المظلومة فيجعل لها ليلة وللمظلومة ليلتها وليلتي الظالمتين ، وهكذا ثلاثة أدوار فيوفيها تسعا ، ويبقى لها ليلة.

قال في المسالك : « فان كان قد بدأ بالمظلومة بات بعد ذلك ليلة عند الجديدة ، لحق القسم ثم ليلة عند المظلومة لتمام العشر ، ويثبت للجديدة بهذه الليلة ثلث ليلة ، لأن حقها واحدة من أربع ، فإذا أكمل لها ثلث ليلة خرج باقي الليل إلى مكان خال عن زوجاته ثم يستأنف القسمة للأربع بالعدل ، وإن كان قد بدأ بالجديدة فإذا تمت التسع للمظلومة بات ثلث ليلة عند الجديدة وخرج باقي الليل كما وصفناه ، ثم بات ليلة عند المظلومة ثم قسم بين الكل بالسوية » وفيه نظر كقوله فيها : « إنه قد يحتاج إلى التبعيض بغير الظلم ، كما لو كان يقسم بين نسائه فخرج في نوبة واحدة لضرورة ولم يعد أو عاد بعد وقت طويل ، فيقضى لها من الليلة التي بعدها مثل ما خرج ، ويخرج باقي الليل إلى المسجد أو نحوه كما قررناه ويستثنى من الخروج ما إذا خاف اللص والعسس أو لم يكن في داره مكان منفرد يصلح لمنامه بقية الليلة ، فيعذر في الإقامة ، والأولى أن لا يستمتع فيما وراء زمان القضاء » فتأمل جيدا ، والله العالم.

١٩٤

المسألة ( السابعة : )

لو كان له أربع فنشزت واحدة سقط حقها وفضل له حينئذ من الدور ليلة يضعها حيث يشاء لو كانت قسمته ليلة ليلة ، أما إذا كانت أكثر من ليلة ففي المسالك « استوعب دور القسمة أو زاد عليه ، لأن أقل النسوة المتعددات أن يكونا اثنتين ، فإذا جعل القسم بينهن اثنتين استوعب حقهما الدور ، فيسقط حقه من الزائد ، لأنه أسقطه بيده حيث اختار الزيادة » ونسب ذلك إلى ظاهر مذهب الأصحاب في مسألة الكتاب ونظائرها ، قال : « ويدل عليه أن ثبوت حقه معهن وتفضيل بعضهن على بعض على خلاف الأصل ، والدلائل العامة من وجوب العدل والتسوية بينهن يدل على خلافه ، ويقتصر فيه على مورد النص ، وهو ثبوت حقه في الزائد عن عددهم في الأربع على القسمة ليلة ليلة على ما في الرواية الدالة من ضعف السند ، ولو لا ظهور اتفاق الأصحاب عليه أشكل إثباته بالنص ، وعامة الفقهاء من غير الأصحاب على خلافه ، وأنه متى قسم لواحدة عددا وجب أن يقسم للأخرى مثلها مطلقا مع تساويهما في الحكم ».

قلت : لا ريب في ظهور النص (١) المشتمل على الإشارة إلى الآية الكريمة (٢) كما تقدم سابقا أن للرجل حقا في القسم على نسبة الأربع ، ضرورة عدم الخصوصية للأربع ، ولا ينافي ذلك وجوب العدل والتسوية وعدم التفضيل ، إذ ذلك كله خارج عن محل البحث الذي هو ثبوت حق لهن فيه وعدمه ، فإنه لو فرض استيفاء نصيبه بغير الاستمتاع بأحد منهن لم يكن منافيا للعدل ولا مفضلا ولا تاركا للتسوية ، وفتوى عامة غير الأصحاب بخلافه مما يؤكد حقيقته ، لا أنه يوهنه بعد أن جعل الله الرشد في خلافهم ، وإطلاق المصنف وغيره في المسألة لا ينافي ذلك ، لمعلومية إرادة القسم من ذلك ، بل كاد يكون صريح كلامهم ، خصوصا بعد عدم سوقه لمحل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٦.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٤.

١٩٥

البحث ، كما هو واضح.

فلا ريب في أن المتجه أن له حقا على حسب نسبة الأربع ، ولكن في المسالك يسهل الخطب بدعوى أن الفائدة إنما تظهر على القول بوجوب القسمة ابتداء دائما أما على المختار وهو القول بوجوبها مع الابتداء بها خاصة وجواز الإعراض بعد ذلك فالأمر سهل ، لأنهن إذا وفى لهن العدد الذي جعله لهن جاز له الاعراض عنهن ، سواء كان له حق في المدة أم لا ، مع أنه أيضا لا يخلو من نظر.

وعلى كل حال فإذا نشزت واحدة من الأربع ثم قسم خمس عشرة فوفي اثنتين ثم أطاعت الرابعة وجب أن يجمع بين حقي الباقية والتي أطاعت ، ف يوفي الثالثة خمس عشرة والتي كانت ناشزا خمسا فيقسم الدور بينهما خاصة ، للناشز ليلة وللثالثة ثلاثا خمسة أدوار ، فتستوفي الثالثة خمس عشرة ، والناشز خمسا ثم يستأنف وليس له أن يفي الثالثة خمس عشرة متوالية ، لمزاحمة حق المطيعة جديدا التي صارت بتجدد طاعتها كالمرأة الجديدة التي قد عرفت الحال فيها ، وهو واضح ، والله العالم.

( المسألة الثامنة : )

لو طاف على ثلاث وطلق الرابعة مثلا بعد دخول ليلتها أثم بذلك ، كما في المسالك حاكيا له عن الشيخ وغيره ، بل ظاهره المفروغية منه ، إلا أنه لا يبطل به الطلاق ، لكونه محرما لأمر خارج هو تفويت الحق ، فيكون كالبيع وقت النداء من غير فرق في المطلقة بعد حضور نوبتها بين الراغبة وغيرها ، ولا في الطلاق بين كونه رجعيا وبائنا وإن تمكن في الأول من التخلص بالرجوع ، لكونه بقسميه سببا في تعطيل الحق واشتغال الذمة ، وفيه إمكان عدم الإثم به ، لأن‌

١٩٦

وجوب القسم مشروط بالبقاء على الزوجية ، ولا يجب عليه تحصيل الشرط ، وربما كان ما تسمعه من اختيار المصنف مبنيا على ذلك.

وعلى كل حال فلو كان رجعيا ورجع في العدة وجب قضاء ، وتخلص منها بغير إشكال كما في المسالك ، لأن الرجعة أعادت الزوجية الأولى كما كانت.

وإن تركها حتى انقضت عدتها أو كان الطلاق بائنا ثم تزوجها قيل والقائل الشيخ في المحكي من مبسوطة يجب لها قضاء تلك الليلة لأنه حق استقر في ذمته وأمكنه التخلص منه ، فيجب ولكنه فيه تردد كما عن الإرشاد وظاهر التلخيص ينشأ ، من ذلك ومن سقوط حقها بخروجها عن الزوجية وتباين الحقوق بتباين النكاحين ، فلا يفيد قضاء مثل ما فات في أحدهما في الآخر ، بل يجب العدل في كل منهما ، فلو قضى لها في الثاني لزم الجور على الأخر.

وبذلك يظهر لك وجه ما ذكرناه من الفرق بين الرجعة والتزويج الذي جعله المصنف عنوان المسألة إلا أنه مع ذلك وفي المسالك أن الأقوى وجوب القضاء ، لمنع الملازمة بين الخروج عن الزوجية وسقوط الحقوق المتعلقة بها ، ومن ثم يبقى المهر وغيره من الحقوق المالية وإن طلق ، وتخصيص بعض الحقوق بالسقوط دون بعض لا دليل عليه ، ثم فرع على ذلك وجوب التزويج لو توقفت البراءة عليه ، ولو فرض إمكان التخلص بوجه آخر تخير بينهما ، وحينئذ فلا يمنع من تزويج رابعة ، لكون الفرض عدم الانحصار فيه ، بل وعلى تقديره لم يقدح في صحة التزويج ، لما سمعته من عدم اقتضاء مثل هذا النهي الفساد.

ولا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد ما عرفت من ظهور الأدلة في وجوب هذه الحقوق ما دامت الزوجية باقية ، فهي من قبيل الواجب المشروط ، وليست مثل المهر ونحوه.

وكيف كان فمن المعلوم أن وجوب القضاء مع إمكانه وإلا فلا ، كما إذا لم يبت في ليلتها عند واحدة من الباقيات أو أنه فارق التي باتها عندها وتزوج‌

١٩٧

بجديدة مع المظلومة ، أو نحو ذلك ، فإنه لا يتمكن من القضاء ما دام تحته أربع زوجات ، لاستيعاب حقوقهن الليالي ، بل وكذا إن فارق التي باتها عندها ولم يجدد نكاحها ولا نكاح غيرها مع المظلومة بناء على أنه لا عبرة بالقضاء حينئذ إلا من نوبة المظلوم بها ، وإن كان فيه نظر واضح ، ضرورة عدم الفرق بعد وصول حقها إليها بين أن يكون من نوبتها أو مما فضل له من دوره ، والله العالم.

( المسألة التاسعة : )

لو كان له زوجتان في بلدين فأقام عند واحدة عشرا قيل والقائل الشيخ في المحكي من مبسوطة كان عليه للأخرى مثلها إذا كان ذلك منه على جهة القسمة ، وما يمضي عليه في السفر بين البلدين لا يحسب من لياليه ولا من ليالي إحداهما وإن لم يكن على وجه القسمة لم يلزمه للثانية إلا خمس لأنه نصف الدور فنصف العشر حقها ونصفها تبرع ، ولعله لحاجة الإطلاق المزبور إلى التقييد المذكور نسبه المصنف إلى القيل أو للشك في وجوب القسم مع عدم اجتماع النساء في بلد واحد ، بل كان بينهما مسافة فصاعدا ، فله حينئذ الإقامة عند كل واحدة ما يشاء.

هذا ولكن في المسالك بعد أن ذكر ذلك عن المبسوط قال : « وجهه ما أشرنا إليه من أن المبيت عند واحدة من الزوجات زيادة على الليلة توجب المبيت عند الأخرى مثلها مراعاة للعدل بينهن ، وأن جواز المفاضلة بين الاثنتين والثلاث مشروط بجعل القسم ليلة ليلة ونقل المصنف له بصيغة القيل يؤذن باستشكاله ، ووجهه ما علم من أن للزوج مع الاثنتين نصف الدور ، فينبغي أن يكون له من العشر نصفها ، ولكل واحدة منهن ربع ، فلا يلزمه للثانية إلا ليلتان ونصف ».

ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما قدمناه سابقا خصوصا فيما ذكره أخيرا ، بل لم أعثر على غيره قد جزم بالحكم المزبور ، وفي حاشية الكركي على‌

١٩٨

الكتاب « هذا القول مشكل ، لأن لها نصف القسم ، فكيف يجب استيعابه للأخرى » وأجيب بوجوه ثلاثة ( الأول ) حمله على الاستحباب ( الثاني ) حمله على أن له زوجتين آخرتين ، فان مفهوم الاسم ليس بحجة ، و ( الثالث ) حمله على أنه استوفي حقه من القسم ، ولم يذكر ما سمعته من المسالك وجها.

وكيف كان فمن المعلوم أنه يتخير في وفاء الثانية بين الذهاب إليها واستدعائها إليه ، فإن امتنعت منه مع قدرتها سقط حقها ، للنشوز حينئذ ، والله العالم.

( المسألة العاشرة : )

لو تزوج امرأة ولم يدخل بها فأقرع للسفر فخرج اسمها من بين غيرها استصحبها معه ، ولكن جاز له مع العود بل وجب عليه إن طلبته منه توفيتها حصة التخصيص التي هي الثلاث أو السبع لأن ذلك لا يدخل في السفر ، إذ ليس السفر داخلا في القسم خلافا للمحكي عن الشيخ من الاكتفاء في تخصيصها بما يحصل في أيام السفر ، لحصول المقصود بها وهو الأنس وزوال الحشمة ، وفيه ـ بعد منع انحصار الفائدة في ذلك ، بل يمكن أن يكون أهمية الاستمتاع بالجديدة في هذه المدة ، وكون هذه العلة مستنبطة ـ أن أيام التخصيص من ليالي القسم التي فضلت بها مثل ما فضلت الحرة على الأمة ، والاتفاق على أن أيام السفر لا تدخل في القسم ، ولذا لم يقض للمتخلفات ما فاتهن مع المصحوبة فكذلك هنا.

نعم لو كان المتزوج بهما جديدا اثنتين فاستصحب إحداهما في السفر بالقرعة قضى حق المقيمة إذا حضر من الثلاث أو السبع ، إما بعد قضاء حق المصحوبة أو قبله إن ترتبا في النكاح أو بالقرعة ، وذلك لاستصحاب ما لها من الحق من غير ما يدل على إسقاط صحبة الأخرى في السفر له ، قيل كما أنه إذا قسم للأربع لكل منهن ليلة فبات عند ثلاث ثم سافر واستصحب معه غير الرابعة ، فإنه يبقى عليه‌

١٩٩

حق الرابعة ، فإذا عاد وفاها حقها ، وللعامة وجه بالعدم ، للزوم تفضلها ، لأنه لم يقضها ما لها من الحق ، وإنما دخل حقها في السفر ، فلو قضى المقيمة حقها لزم التفضيل ، وهو كما ترى ، والله العالم.

( القول في النشوز : )

وهو الخروج من الزوج أو الزوجة عن الطاعة الواجبة على كل واحد منهما للآخر وأصله لغة الارتفاع يقال : نشز الرجل ينشز إذا كان قاعدا فنهض قائما ، ومنه قوله تعالى (١) ( وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا ) أي انهضوا إلى أمر من أمور الله تعالى ، وسمى خروج أحدهما نشوزا لأنه بمعصيته قد ارتفع عما أوجب الله تعالى عليه من ذلك للآخر ، قيل : ولذلك خص النشوز بما إذا كان الخروج من أحدهما ، لأن الخارج ارتفع على الأخر فلم يقم بحقه ، ولو كان الخروج منهما معا خص باسم الشقاق كما يأتي ، لاستوائهما معا في الارتفاع ، فلم يتحقق ارتفاع أحدهما عن الأخر ، وقال بعضهم : يجوز إطلاق النشوز على ذلك أيضا ، نظرا إلى جعل الارتفاع عما يجب عليه من الطاعة لا على صاحبه ، وهو متحقق فيهما ، وبعض الفقهاء أطلق على الثلاثة اسم الشقاق ، وفي المسالك والكل جائز بحسب اللغة ، ولكن ما جرى عليه المصنف أوفق بقوله تعالى (٢) ( وَاللاّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ ) إلى آخره وقوله تعالى (٣) : ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً ) إلى آخره وقوله تعالى (٤) : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما ).

قلت : الظاهر تحقق اسم النشوز بخروج كل منهما عن الطاعة الواجبة عليه‌

__________________

(١) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ١١.

(٢) و (٣) و (٤) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٣٤ ـ ١٢٨ ـ ٣٥

٢٠٠