جواهر الكلام - ج ٣١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

أشار في المسالك بقوله : « إذا أقرع بينهن وتمت النوبة فلا حاجة إلى إعادة القرعة ، بل يراعى ما اقتضته من الترتيب الأول وجوبا أو استحبابا هذا إذا أوجبنا القسمة مطلقا أو أراد العود إليها على الاتصال ، أما لو أعرض عنهن مدة طويلة ففي وجوب البناء على الترتيب السابق نظر ، لأن القسمة الحاضرة حق جديد لا تعلق له بالسابق ، بل يحتمل سقوط اعتباره وإن عاد على الاتصال حيث لا نوجبها مطلقا ، لأن كل دور على هذا التقدير له حكم برأسه ».

قلت : يمكن دعوى ظهور النص والفتوى في اتحاد القسم ، سواء قلنا بوجوبه ابتداء أو بعد الشروع ، وعدم وجوبه على الزوج على الثاني بعد إتمام الدور لا ينافي تعينه بالكيفية التي وقعت أولا وإن لم يكن مستحقا عليه ، ضرورة كونه قسما على كل حال ، ولعله لذا كان خيرة المصنف وجوب التسوية على الترتيب مع قوله بالوجوب بالشروع.

بل لعل ذلك هو الوجه فيما احتمل من وجوب الترتيب أيضا فيما لو أساء وبدأ بواحدة من غير قرعة بناء على وجوبها ثم أقرع بين الباقيات ، فان عصيانه لعدم مراعاة القرعة لا ينافي صدق كونه قسما وتعين الحق للباقيات في غير الليلة التي ظلم بها ، فيجب عليه حينئذ ذلك الترتب لتشخص القسم بما وقع وإن ظلم في الأولى ، والوجه الأخر سقوط اعتبار البدأة شرعا ، فتعتبر القرعة كما لو ابتدأ بالقسم ، بل في المسالك هو أجود وإن كان لا يخفى عليك الحال بعد الإحاطة بما ذكرناه ، والله العالم.

وكيف كان ف الواجب في القسمة المضاجعة بأن ينام قريبا منها على النحو المعتاد معطيا لها وجهه كذلك في جملة من الليل ، بحيث يعد معاشرا بالمعروف لا هاجرا وإن لم يتلاصق الجسمان لا المواقعة التي لا تجب عليه إلا في كل أربعة أشهر مرة ، وليست مقدورة في كل وقت ، فهي حينئذ حق له متى أراده فعله بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل ظاهرهم المفروغية من ذلك ، وهو كذلك بالنسبة إلى المواقعة التي دل عليه ـ مضافا إلى الأصل وغيره ـ خبر إبراهيم‌

١٦١

الكرخي (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل له أربعة نسوة فهو يبيت عند ثلاث منهن في لياليهن ويمسهن وإذا نام عند الرابعة في ليلتها لم يمسها فهل عليه في هذا إثم؟ قال : إنما عليه أن يكون عندها في ليلتها ، ويظل عندها في صبيحتها ، وليس عليه أن يجامعها إذا لم يرد ذلك ».

وأما المضاجعة على الوجه المزبور فإنها وإن لم نجد بها نصا بخصوصها كما اعترف به في كشف اللثام ، بل قال : « المروي الكون عندها » لكن قد يدعى أنها المتعارفة من المبيت عندها ، بل هو وشبهه السبب في تعيين ليلة لها وإضافتها إليها ، بل هي المرادة من المعاشرة بالمعروف ، بل يمكن استفادتها من آية (٢) ( وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ ) إلى آخرها الظاهرة في اشتراط ذلك بالنشوز ، وأنه مع الطاعة ليس للزوج عليها هذا السبيل ، بل ربما كان في‌ قوله (٣) « أيضرب أحدكم المرأة ثم يظل معانقها » ‌والله العالم.

وعلى كل حال ف يختص الوجوب بالليل الذي خلقه للناس سكنا من حركات التعب ونهضات النصب ، وجعله لهم لباسا ليلبسوا من راحته ومنامه فيكون ذلك لهم جماحا وقوة ، ولينالوا به لذة وشهوة في المضاجعة والمواقعة ونحوهما ، دون النهار الذي خلقه لهم مبصرا ليبتغوا فيه من فضله وليتسببوا إلى رزقه ويسرحوا في أرضه طلبا لما فيه نيل العاجل من دنياهم ودرك الأجل من آخر أهم (٤) مضافا إلى الأصل واقتصار النصوص على الليلة (٥) والسيرة المستمرة وغير ذلك ، خلافا للمحكي عن المبسوط « كل امرأة قسم لها ليلا فان لها نهار تلك‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ١.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٣٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨٦ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

(٤) ما ذكره ( قده ) في خواص الليل والنهار مأخوذة من الصحيفة السجادية : الدعاء ٦ وذكرها في البحار أيضا ـ ج ٥٨ ص ١٩٩ ط الحديث.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ و ٥ و ٩ ـ من أبواب القسم والنشوز.

١٦٢

الليلة » وعن ابن الجنيد « العدل بين النساء هو إذا كن حرائر مسلمات لم يفضل إحداهن على الأخرى في الواجب لهن من مبيت بالليل وقيلولة صبيحة تلك الليلة ، كان ممنوعا من الوطء أو لا ».

ولعله إليه أشار المصنف بقوله وقيل : يكون عندها في ليلتها ويظل عندها في صبيحتها كما أنه أشار بقوله وهو المروي إلى خبر الحضرمي (١) السابق ، وقد يشهد للأول (٢) ‌نصوص « للحرة يومان وللأمة يوم » (٣) وتخصيص البكر والثيب بالأيام (٤) بناء على كون اليوم اسما لمجموع الليل والنهار ، لكن النصوص المزبورة معارضة بالمعتبرة المصرحة بدل اليوم بالليلة (٥) فلا بد من التجوز بأحد الطرفين ، إما بأن يراد من اليوم الليلة خاصة تسمية للجزء باسم كله ، أو يراد من الليلة مجموع اليوم المشتمل على النهار تسمية للكل باسم جزئه ، ولا ريب في رجحان الأول لاعتضاده بما سمعت ، وصحة السند ، وتعارف لحوق اليوم لليل في ذلك وإن لم يكن واجبا ، وخبر الحضرمي مع قصوره عن معارضة غيره سندا وغيره إنما دل على الصبيحة لا القيلولة ، اللهم إلا أن يريد الإسكافي من القيلولة المكث عندها في تلك الصبيحة بقرينة قوله : « صبيحة تلك الليلة » أو يحمل الخبر على إرادة اليوم من الصبيحة على معنى خصوص القيلولة منه ، لأنها هي التي تشبه الليل في السكون والنوم وغيرهما ، بخلاف غيرها من أجزاء النهار المعتاد فيها الخروج لتدبير المعاش ولغيره ، وعلى كل حال فحمله على الندب متجه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ١ وهو خبر إبراهيم الكرخي المتقدم في ص ١٦٢.

(٢) هكذا في النسختين الأصليتين والصحيح « وقد يشهد للثاني » الا أن يريد ( قده ) به الأول من قولي الخلاف ، وهما المحكي عن المبسوط والمحكي عن ابن الجنيد.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ و ٣ و ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ و ٩ ـ من أبواب القسم والنشوز.

١٦٣

بل المستحب أيضا إلحاق اليوم بالليل بل هو من الفرد الكامل من العدل والعشرة بالمعروف والمعهود من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) بلعن علي عليه‌السلام (٢) « إنه كان لا يتوضأ في يوم إحداهن عند الأخرى ».

وكيف كان فقد ذكر غير واحد أنه لا يراد من البيتوتة معها في الليلة القيام معها في جميعها ، بل ما يعتاد منها ، وهو بعد قضاء الرحل من الصلاة في المسجد ومجالسة الضيف ونحو ذلك ، حملا للإطلاق على المتعارف ، مع عدم منافاته للمعاشرة بالمعروف ، نعم ليس له الدخول في تلك الليلة على الضرة إلا للضرورة فيما قطع به الأصحاب كما في الرياض ، لمنافاته المعاشرة المزبورة ، ومن الضرورة عيادتها إذا كانت مريضة ، بل عن المبسوط تقييده بثقل المرض وإلا لم يجز ، فان مكث في غير ذلك أثم ، ووجب قضاء زمانه ما لم يقصر بحيث لا يعد إقامة عرفا ، فيأثم خاصة.

قلت : إن كان استثناء الجلوس عند الأضياف ونحوه لعدم منافاته صدق المبيت ليلة عرفا ، فلا تفاوت بين الجلوس عندهم وعند الضرة ، ضرورة كون الواجب مصداق ذلك والفرض تحققه ، بل هو غير مناف للعدل وللعشرة بالمعروف بعد أن لم يكن لهن حق فيه ، نعم لو قيل بأن الواجب المبيت في جميع الليلة عندها وإنما خرج خصوص بعض الأفعال المزبورة التي يكون الزمان من لوازمها لا أن زمانها مستثنى كي لا يتفاوت صرفه في الضيف أو في زيارة الصديق أو نحوهما إلا أنه محل للنظر والبحث والانصاف تحقق السيرة القطعية في عدم المداقة في ذلك ، كما أن الانصاف الاكتفاء بمطلق ما يكون مثله عذرا في العادة في التخلف عنها في بعض الليلة بل قد يسامح فيه بلا عذر ، والميزان ما يتحقق به مسمى العدل والعشرة بالمعروف ، لا الفرد الكامل منهما الذي لا يستطيعه إلا الأنبياء أو الأوصياء ( صلوات الله عليهم )

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ٣.

١٦٤

وعدم الميل إلى إحداهن على وجه تبقى الأخرى كالمعلقة.

هذا وقد قيل أيضا إن إطلاق النص والفتوى بوجوب الليلة وارد مورد الغالب وهو ما يكون معاشه نهارا فلو انعكس كالوقاد والحارس والبزار فعماد قسمته النهار خاصة بلا خلاف ، جمعا بين الحقين ، ودفعا للضرر ، والتفاتا إلى قوله تعالى (١) : ( جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً ).

ولو اختلف عمله فكان يعمل تارة بالليل ويستريح بالنهار وتارة يعمل بالنهار ويستريح بالليل وجب عليه مراعاة التسوية بين زوجاته بحسب الإمكان ، فإن شق عليه ذلك لزمه لكل واحدة ما يتفق في نوبتها من الليل أو النهار.

ولو كان مسافرا معه زوجاته فعماد القسمة في حقه وقت النزول ، قليلا كان أم كثيرا ، ليلا أم نهارا ، قلت : قد ذكر هذا الحكم بعض العامة والخاصة ، وهو إن تم إجماعا كان هو الحجة ، وإلا أمكنت المناقشة باحتمال سقوط القسم في حقه باعتبار تعذر محله ، والآية (٢) لا تفيد عموم قيام الليل والنهار مقام الأخر في كل أمر وجب في أحدهما على وجه يفيد المطلوب ، وأصالة بقاء الحق لا يصلح مثبتا لمشروعية أدائه في غير المحل المخصوص ، إذ هو بالنسبة إلى ذلك من الأصول المثبتة ، على أنهم قد ذكروا سقوط القسم للعذر والسفر على وجه لا يجب عليه قضاؤه ، ولعل ذلك ونحوه من عدم المداقة في هذا الحكم التي قلناه سابقا ، والله العالم.

وإذا كانت الأمة مع الحرة أو الحرائر حيث يجوز الجمع بينهما في التزويج فللحرة ليلتان وللأمة ليلة بلا خلاف معتد به أجده فيه ، إذ المحكي عن بعض القدماء منا من عدم القسم للأمة محجوج بالنصوص (٣) التي كادت تكون متواترة في خلافه ، مضافا إلى ما دل (٤) على أن الأمة على النصف من الحرة ،

__________________

(١) و (٢) سورة الفرقان : ٢٥ ـ الآية ٦٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ و ٣ و ٤ والباب ـ ٨ ـ من أبواب القسم والنشوز.

(٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب القسم والنشوز.

١٦٥

وحينئذ فالمتجه كون الدور من ثمانية ، خمس للزوج ، وليلتان للحرة ، وليلة للأمة ، لكن نظر فيه في المسالك « بأن تنصيف الليلة في القسمة يجوز لعوارض كما سيأتي وإن لم يجز التنصيف ابتداء ، فلا مانع من كونه هنا كذلك ، ولما كان الأصل في الدور أربع ليال فالعدول إلى جعله من ثمان بمجرد ذلك مشكل ، خصوصا إذا قيل بجواز جمع ليلتي الحرة من الثمان ، لأن ذلك خلاف وضع القسمة » وفيه ما قد عرفت سابقا من أن القسم لا يقع في أقل من ليلة ، لما فيه من تنغيص العيش ، وتعسر ضبط أجزاء الليل ، والمنافاة لظاهر التقدير بالليلة واليوم ، فلا يجوز قسمة الليلة الواحدة كما اعترف به سابقا ، والمقام من ذلك قطعا ، وعليه جرى‌ قوله عليه‌السلام (١) « وإن تزوج الحرة على الأمة فللحرة يومان وللأمة يوم » ‌ونحوه آخران (٢) وقوله عليه‌السلام في الموثق (٣) : « للحرة ليلتان وللأمة ليلة » ‌ونحوه غيره (٤) إذ هو مبنى إما على بيان أقل القسمة بناء على جوازها بالأزيد أو على كيفيتها على وجه لا زيادة ولا نقيصة ، نحو‌ ما ورد في الحرة (٥) من أنها « لها ليلة من أربع » ‌الذي فهموا منه عدم جواز القسم بأقل منها ، بل قد سمعت البحث في الأزيد ، كل ذلك مضافا إلى ما عن الخلاف وغيره من الإجماع على ذلك ، قلت : بل لعله من المسلمين فضلا عن المؤمنين.

ثم إن إطلاق النص والفتوى جواز الجمع بين ليلتي الحرة والتفريق خلافا لما عن بعض ، فأوجب الثاني إلا برضاها بالأول ، لأن لها حقا في كل أربع واحدة ولا يسقطه اجتماعها مع الأمة ، وفيه ـ مع إمكان تحصيل ذلك أيضا في بعض أفراد الجمع ، كما لو كانت الليلة الأولى الرابعة من الدور الأول ، والأولى من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ و ٤.

(٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ٣ ـ ٠

(٥) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب القسم والنشوز.

١٦٦

الدور الثاني ـ أن المراد من تلك النصوص تقدير الحق بذلك لا حصر القسم به ، ولذا جوزناه بالأزيد ، على أن المنساق منها حال اتحادها مع وجوب القسم ابتداء أو مع اجتماعها مع الحرة دون اجتماعها مع الأمة الذي أطلق فيه الليلتان الصادقتان على حالي الاجتماع والتفريق فالأصح حينئذ جواز كل منهما بناء على المختار من جواز القسم بأزيد ، بل لعله كذلك أيضا بناء على القول الأخر ، ضرورة كون الليلتين هنا بمنزلة الليلة حال الاجتماع مع الحرة ، والله العالم.

والكتابية الحرة كالأمة التي هي خير منها ( وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ) (١) في القسمة وحينئذ فلو كان عنده مسلمة وكتابية كان للمسلمة ليلتان وللكتابية ليلة بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، لإطلاق (٢) إنهن بمنزلة الإماء ، وخصوص الخبر (٣) المنجبر بذلك ، بل عن جماعة عد مثله‌ في الصحيح « للمسلمة الثلثان ، وللأمة والنصرانية الثلث » ‌فتوقف ثاني الشهيدين فيه في المسالك في غير محله وحينئذ ف لو كانت عنده أمة مسلمة وحرة ذمية كانتا سواء في القسمة فتستحقان ليلتين من ثمان

بل المتجه على ذلك ما ذكره غير واحد من الأصحاب قاطعين به من أنه لو كان عنده أمة كتابية كان لها ربع القسمة ، فتستحق ليلة من ست عشرة ليلة ، لئلا تساوى الأمة المسلمة التي هي خير من الحرة الكافرة ، وللأصل مع عدم المخرج عنه سوى إطلاق الخبر المتقدم بالتنصيف للنصرانية ، وليس فيه حجة لتخصيصه بقرينة السياق ـ حيث جعلت في مقابلة الأمة ـ بما لو كانت حرة ، بل ربما ظهر من ذلك دليل آخر للحكم في المسألة السابقة بناء على مخالفة وجوب القسمة لأصالة‌

__________________

(١) إشارة إلى الآية الكريمة ٢٢١ من سورة البقرة ( وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ).

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ١ والباب ـ ٤٥ ـ من أبواب العدد الحديث ١ من كتاب الطلاق.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٣.

١٦٧

البراءة ، فيقتصر في الخروج عنها بالإضافة إلى الكتابية الحرة على ما هو المتيقن من الأدلة ، وليس إلا كونها كالأمة ، إذ مساواتها للحرة المسلمة لا دليل عليها سوى إطلاق الأدلة (١) بأن للحرة من أربع ليال ليلة الذي هو غير منصرف إلى مثلها قطعا ، كل ذلك مضافا إلى أصالة عدم التداخل في السببين اللذين هما الكتابية والمملوكية المقتضي كل منهما نقصا عن مقابله ، وأنه على النصف ، فإذا كان أحدهما مقتضيا ليلة من ثمان فإذا انضم الثاني معه اقتضى من الست عشرة واحدة ، بل‌ قوله عليه‌السلام (٢) : « الأمة على النصف من الحرة» ‌مقتض ذلك أيضا ، ضرورة اقتضائه حينئذ كون الأمة الكتابية على النصف من الحرة الكتابية التي قد عرفت مساواتها للأمة المسلمة ، والنصف من النصف ربع ، وهو المطلوب ، على أن المراد من كون الأمة على النصف من الحرة من حيث كونها أمة ، وكذا الكتابية من حيث كونها كتابية ، لا أن المراد منه أن الأمة وإن كانت كتابية على النصف من الحرة وإن كانت مسلمة ، بل ليس المراد عند التأمل إلا أن الأمة الكتابية على النصف من الحرة كذلك ، والأمة المسلمة على النصف من الحرة كذلك كما هو واضح ، هذا.

ومن التأمل فيما ذكرنا يظهر لك الحكم في جميع صور اجتماع الزوجات المتفرقات في القسمة ، وهي أربعون صورة : ست منها ثنائية ، وأربع عشرة ثلاثية ، وعشرون رباعية ، تبلغ مع الصور المتفرقة إحدى وخمسون ، وهي من واحدة إلى أربع أحرار مسلمات ، ومثلها كتابيات ، واثنتان إماء كتابيات ، وهما واحدة واثنتان فيهما.

واعلم أن القسمة في المتفرقة من ثمان في عشرين صورة ، ومن ست عشرة في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ و ٩ ـ من أبواب القسم والنشوز.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ١ وفيه‌ « قسم للحرة مثلي ما يقسم للمملوكة ».

١٦٨

عشرين ، وفي المتفقة من أربع في أربع ، ومن ثمان في ست ، ومن ست عشرة في اثنتين ، والله العالم ، هذا.

وفي إلحاق المبعضة بالحرة أو الأمة أو التقسيط إشكال من أصالة التسوية بين الزوجات إلا من علم خروجها ، وهو هنا غير معلوم ، مضافا إلى تغليب الحرية ، ومن أن الحرية سبب التسوية وتحققها مع التبعيض غير معلوم ، بل الظاهر العدم ، لظهور عدم المساواة ومن الجمع بين مقتضى النصيبين ، ومن التردد في الدخول في الحرة أو الأمة أو في كل باعتبار ، ولعل الأخير أقوى نظرا إلى غير ذلك من الأحكام التي جرى فيها التقسيط.

وكيف كان فهنا‌ فروع : وهي لو بات عند الحرة ليلتين فأعتقت الأمة قبل ليلتها أو في أثنائها ورضيت بالعقد ساوت الحرة وكان لها ليلتان ، لأنها صادفت محل الاستحقاق والتحقت بالحرة قبل توفية حقها وللشافعية وجه بالعدم نظرا إلى الابتداء ولو بات عند الحرة ليلتين ثم بات عند الأمة ليلة ثم أعتقت لم يبت عندها أخرى لأنها استوفت حقها نعم يستأنف في الدور الثاني التسوية ، وهل العتق في اليوم الثاني لليلتها كالعتق في الليلة؟ أما على القول بعدم الدخول في القسم أصلا فليس مثله قطعا ، وعلى القول الأخر فيه وجهان ، من عدم الاستيفاء ، ومن كونه تابعا ، هذا إن بدأ بالقسمة بالحرة.

وأما العكس كما لو بات عند الأمة ليلة ثم أعتقت في أثناء ليلتها ساوت الحرة ، فكانت لها أيضا ليلة واحدة ، وإن أعتقت بعد تمام نوبتها قبل استيفاء الحرة حقها ولو في أثنائها في الليلة الأولى أو الثانية لم تساوها ، فيجب حينئذ للحرة ليلتان ، ثم يسوى بينهما بعد ذلك في دور آخر ، لأنها إنما استحقت ليلة واحدة على أن يكون نصف ما للحرة.

وقيل والقائل الشيخ في محكي المبسوط يقضي للأمة ليلة ، لأنها ساوت الحرة قبل توفية حقها وفيه تردد لما عرفت ، وعن الشافعية قول‌

١٦٩

بأنها إن عتقت قبل الليلة الأولى من ليلتي الحرة أو فيها لم يكن لها إلا ليلة ، وإن أعتقت في الليلة الثانية خرج من عندها في الحال ، وهو قريب من قول الشيخ ، وإن كان الظاهر أنه لا يرى الخروج من عندها ، وقد تقدم لك تمام الكلام في هذه المسائل في نكاح الكفار.

كما أنه قد ظهر لك مما ذكرنا الضابط في المسألة ، وهو أن الأمة متى أعتقت بعد استيفاء حقها من النوبة فلا شي‌ء لها وأعطيت الحرة حقها كاملا ، سواء كانت متقدمة أو متأخرة ، ومتى أعتقت قبل تمام نوبتها أكمل لها نصيب الحرة.

وليس للموطوءة بالملك القسمة بلا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه واحدة كانت أو أكثر فله مع تعددهن تخصيص من شاء منهن بالمبيت إذا لم يكن له زوجة أو كان وفضل من الدور شي‌ء فصرفه إلى الأمة. وبالجملة فحكمهن في القسمة حكم المعدومات ، فلو كان له زوجة واحدة ولم نوجب القسمة لها من كل أربع كان مبيته عند الأمة دائما بمنزلة الاعراض عن الزوجة ومبيته وحده.

وكذا لا خلاف معتد به في أن له أن يطوف على الزوجات في بيوتهن ، وأن يستدعيهن إلى منزله ، وأن يستدعي بعضا ويسعى إلى بعض لأن تعيين المسكن يرجع إليه ، كما أن الطاعة واجبة عليها ، ودعوى منافاة الأخير للعدل والعشرة بالمعروف واضحة المنع بعد فرض إرادة المقرر بالشرع منهما فيما جعله الشارع لهن فيه حقا ، نعم لا يبعد استحباب المساواة ، وأفضل منه خصوص الطواف عليهن تأسيا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) وأتم في استجلاب المودة والعشرة بالمعروف. والله العالم.

وتختص البكر عند الدخول في التفضيل بسبع ليال والثيب بثلاث‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ٢ وسنن البيهقي ج ٧ ص ٢٩٨.

١٧٠

على المشهور ، للنبوي (١) « للبكر سبعة أيام وللثيب ثلاثة » ‌ولصحيح ابن أبى عمير عن غير واحد عن محمد بن مسلم (٢) قال : « قلت : الرجل يكون عنده المرأة يتزوج أخرى أله أن يفضلها؟ قال : نعم إن كانت بكرا فسبعة أيام ، وإن كانت ثيبا فثلاثة أيام » وخبره الآخر (٣) قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : « رجل تزوج امرأة وعنده امرأة ، فقال : إذا كانت بكرا فليبت عندها سبعا ؛ وإن كانت ثيبا فثلاثا » ‌وخبر هشام بن سالم (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يتزوج البكر ، قال : يقيم عندها سبعة أيام » ‌وعلى ذلك ينزل إطلاق‌ خبر البصري (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يكون عنده المرأة فيتزوج الأخرى كم يجعل للتي يدخل بها؟ قال : ثلاثة أيام ثم يقسم ».

نعم في‌ خبر الحسن بن زياد (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قلت : « فيكون عنده المرأة فيتزوج عليها جارية بكرا ، قال : فليفصلها حين يدخل بها ثلاث ليال » ‌وفي‌ موثق سماعة (٧) « سألته عليه‌السلام عن رجل كانت له امرأة فيتزوج عليها ، هل يحل له أن يفضل واحدة على الأخرى؟ قال : يفضل المحدثة حدثان عرسها ثلاثة أيام إذا كانت بكرا ، ثم يسوى بينهما بطيبة نفس إحداهما للأخرى ».

بل عن الشيخ في التهذيبين الجمع بينهما وبين النصوص السابقة بحمل السبع للبكر على الجواز ، والثلاث على الأفضل ؛ بل عن ابن سعيد موافقته على ذلك ، بل لعله ظاهر المحكي عن السرائر أيضا « إذا عقد على بكر جاز أن يفضلها بسبع ، ويعود إلى التسوية ؛ ولا يقضى ما فضلها ، فان كانت ثيبا فضلها بثلاث ليال لكن على الخلاف أن للبكر حق التخصيص بسبعة وللثيب حق التخصيص بثلاثة خاصة لها أو بسبعة يقضيها للباقيات » واستدل عليه بالإجماع والأخبار (٨) وبما‌ روى (٩) عن‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٠١ وكنز العمال ج ٨ ص ٢٥٣ الرقم ٤١٣٦ وفيهما‌

« للبكر سبع وللثيب ثلاث » ‌

(٢) و (٣) و (٤) و (٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ١ ـ ٥ ـ ٣ ـ ٤

(٦) و (٧) و (٨) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ٧.

(٩) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٠٠.

١٧١

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنه قال لأم سلمة حين بنى بها : « ما بك على أهلك من هوان إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ودرت ».

وقد يظهر من المحكي عن أبي على وجه آخر للجمع ، قال : « إذا دخل ببكر وعنده ثيب واحدة فله أن يقيم عند البكر أول ما يدخل بها سبعا ثم يقسم وإن كانت عنده ثلاث ثيب أقام عند البكر ثلاثا حق الدخول ، فان شاء أن يسلفها من يوم إلى أربعة تتمة سبعة ، ويقيم عند كل واحدة من نسائه مثل ذلك ثم يقسم لهن جاز ، والثيب إذا تزوجها فله أن يقيم عندها ثلاثا حق الدخول ثم يقسم لها ولمن عنده واحدة كانت أو ثلاثا قسمة متساوية » إلا أنه كما ترى لا شاهد له ، ولا ينتقل إليه من مجرد اللفظ.

بل قد يناقش في الجمع الأول أيضا المقتضي لكون الحكم من أصله ندبيا ، وإن مال إليه بعض الأفاضل من متأخري المتأخرين ، مؤيدا بالأصل مع انتفاء الصارف عنه من النص وكلام أكثر الأصحاب من حيث تضمنهما ما يدل على الوجوب في مقام توهم الحظر بظهور النص والفتوى أن ذلك على جهة الاستحقاق لها ، والأصل فيه وجوب الوفاء ممن عليه ، وبه تقوى إرادة الوجوب من الأمر به هنا ، مضافا إلى ما سمعته من معقد إجماعه في الخلاف ، ولمعلومية رجحان نصوص السبع في البكر بالشهرة العظيمة بل عدم الخلاف كما قيل ، بل الإجماع المحكي عن جماعة على وجه لا يقاومها خبرا الثالث (١) المحمولان على أنها إنما تستحقها دون التكلمة سبعا ، وإنما له تقديمها ويقضيها للباقيات كما سمعته من الإسكافي في الجملة ، أو على إرادة استمرار تفضيلها بالثلاثة التي له ولها من الأربع ، بل لعله ظاهر الأول منهما بقرينة ما قبله وما بعده ، فيراد حينئذ من حين الدخول بها وحدثان العرس الأيام القريبة منه ، أو غير ذلك.

وأما الثيب فلا خلاف أجده في النص والفتوى في عدم زيادة تفضيلها على الثلاث‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ٧ و ٨.

١٧٢

إلا ما يحكى عن بعض الفتاوى والأخبار من التفضيل بالسبع أيضا فعن‌ العلل (١) « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تزوج زينب بنت جحش فأولم وأطعم الناس ـ إلى أن قال ـ ولبث سبعة أيام بلياليهن عند زينب ، ثم تحول إلى بيت أم سلمة ، وكان ليلتها وصبيحة يومها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ‌وهو مع قصور سنده وشذوذه وعدم مكافأته لما مر من الأخبار محمول على الاختصاص به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لعدم وجوب القسم عليه ، وإلا ما سمعته من الخلاف الذي هو ليس تفضيلا لها ، وإنما هو تقديم وقضاء للباقيات ، مع أنا لم نجده فيما وصل إلينا من النصوص المعتبرة سوى ما سمعته من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأم سلمة (٢) المفتي به عند العامة التي جعل الله الرشد في خلافها المحمول أيضا على اختصاصه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به ، فلا محيص حينئذ عن القول المشهور نقلا وتحصيلا.

بل الظاهر أنه لا يقضي لنسائه شي‌ء من ذلك ، لظهور النص (٣) والفتوى في استحقاقهما القدر المزبور ، بل لم نعرف فيه خلافا بيننا إلا ما سمعته من الإسكافي منا الذي لم نعثر على دليل معتد به له ، وأبي حنيفة من غيرنا ، فأوجب القضاء مطلقا ، ولا ريب في ضعفه ، من غير فرق بين طلب الثيب المبيت عندها سبعا وعدمه ، خلافا لما عن مشهور الشافعية من أنها إن التمست السبع قضاهن أجمع ، وإن بات عندها سبعا من غير التماس لم يقض إلا الأربع ، لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خير أم سلمة في الخبر (٤) المتقدم بين اختيار الثلاث خالصة والسبع بشرط القضاء ، فدل على أنها إن اختارت السبع لزم القضاء ، ولأن السبع حق البكر ، فإذا التمستها فقد رغبت فيما ليس مشروعا لها ، فيبطل أصل حقها ، وإن التمست الست فما دونها ، أو التمست البكر إقامة ما زاد على السبع لم يقض إلا الزائد ، لأنها لم تطمع في الحق المشروع لغيرها ، وقد سمعت كلام الشيخ في الخلاف ، وأنه اما أن يخصها بثلاث أو بسبع ويقضيها لخبر أم سلمة الذي هو عامي ، فالتحقيق ما عرفت.

__________________

(١) و (٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ٢.

(٢) و (٤) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٠٠.

١٧٣

ثم إن الظاهر اعتبار الولاء فيها لأنه المنساق ، بل كاد يكون صريح قوله في بعضها : « ثم يقسم » ولأن الغرض وهو الإيناس ورفع الوحشة لا يتم إلا به ، نعم يتحقق بما سمعته في القسمة ، وفي المسالك « يتحقق بعدم خروجه إلى أحد من نسائه مطلقا على حد ما يعتبر في القسمة ولا إلى غيرها لغير ضرورة أو طاعة ، كصلاة جماعة ونحوها مما لا يطول زمانه وإن كان طاعة ، لأن المقام عندها واجب فهو أولى من المندوب » وفيه ما عرفت مضافا إلى كون المدار سبق المبيت عندها على النحو المتعارف حتى بالنسبة إلى عروض بعض العوارض من ضيف أو عبادة في ليلة مشرفة ونحو ذلك.

وعلى كل حال فلو فرق الليالي أساء قطعا بل في المسالك « وفي الاحتساب به وجهان ، من امتثال الأمر بالعدد ، مكان ذلك بمنزلة القضاء ، ومن اشتمال التوالي على غاية لا تحصل بدونه ، كالأنس وارتفاع الحشمة والحياء » قلت : كأن مراده وجوب قضاء عدد مشتمل على التوالي في أحد الوجهين ، لكنه كما ترى ، خصوصا مع عدم اعتبار التوالي في النصوص شرطا ، ومع إرادة أيام مخصوصة متوالية متصلة بالعقد ، وبذلك افترق الحال بين التوالي في الكفارة وبينه هنا ، بل المتجه هنا إما سقوط القضاء من أصله أو قضائها مع الإخلال بها ولو مفرقة ، ولعل الثاني لا يخلو من قوة.

ثم إنه قد صرح بعضهم بأنه لا فرق هنا بين الحرة والأمة المسلمة والكتابية لإطلاق النص والفتوى ، ولأن المقصود من ذلك أمر متعلق بالبضع ، وهو لا يختلف بالحرية والرق ولا بالإسلام والكفر ، كما يشترك الجميع في مدة الفئة في الإيلاء ، وفيه أنه يمكن أن يكون الإطلاق هنا اتكالا على معلومية نقصان الأمة عن الحرة والكافرة عن المسلمة ، حتى ورد أن الأمة على النصف من الحرة (١) وأن الكتابية بمنزلة الأمة (٢).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب القسم والنشوز.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٣ والباب ـ ٤٥ ـ من أبواب العدد الحديث ١ من كتاب الطلاق.

١٧٤

ومن هنا حكى عن بعضهم التشطير على حسب القسم ، وهو قوى ، خصوصا بناء على أن المقام قسم من القسم أيضا.

إنما الكلام في كيفيته ، فيحتمل تكميل المنكسر ، فيثبت للبكر الأمة أربع ليال ، وكذا الحرة الكتابية ، وللثيب منهما ليلتان ، وليلة للأمة الكتابية ، ويحتمل التزام التشقيص هنا إما لجوازه في القسم أو في خصوص المقام ، لعدم كونه منه ، بل في المسالك « أنه أصح الوجهين » وهو متجه على ما سمعته منه سابقا ، أما على المختار فالمتجه الأول ، لكونه من القسم الذي لا يجوز فيه التشقيص ، وحذف الكسر منها مرجوح بالنسبة إلى تكميلها به ترجيحا لحق الجديدة ، كما عساه يومئ إليه ترجيحها بالسبع والثلاث.

وكيف كان فالمعتبر في الحرية والرقية بحالة الزفاف ، فلو نكحها أمة وزفت إليه حرة لحقها حكم الحرائر ، بل لا يبعد ذلك لو أعتقت في أثناء أيامها ، لما عرفته سابقا ، ولو قضى حق الجديدة ثم طلقها ثم راجعها لم يعد حق الزفاف ، لأنها باقية على النكاح الأول الذي قضى حقه ، نعم لو طلقها بائنا ثم جدد نكاحها في العدة فالأصح تجدد الحق ، لعود الجهة بالفراق المبين ، وقد يحتمل عود الأول ، لكنه واضح الضعف ، ومثله ما لو أعتق مستولدته أو أمته التي هي فراشه ثم نكحها.

ولو كان قد أبانها قبل أن يوفيها حقها ثم جدد نكاحها ففي المسالك « لزمه التوفية ، لأنه ظلم بالطلاق ـ ، قال ـ : وعلى هذا فلو أقام عند البكر ثلاثا وافتضها ثم أبانها ثم نكحها وجب أن يبيت عندها ثلاثا حق زفاف الثيب ولو قلنا بعود الأول وجب أن يبيت عندها أربعا لأن حق الزفاف في النكاح الثاني على هذا يبني على النكاح الأول ، وقد بقي منه هذا المقدار » قلت : قد يمنع وجوب وفاء الأول الذي قد سقط بالطلاق ، بل يمكن منع كونه ظلما لاحتمال اشتراطه ببقاء كونها زوجة ، لا أنه يحرم عليه طلاقها قبل توفية حقها ، وكذا الكلام في صاحبة الدور ، كما ستسمع الكلام فيه في المسائل إنشاء الله.

١٧٥

هذا وقد ظهر لك أن للجديدة حق الاختصاص بالعدد المذكور ، والتقدم به على غيرها ، فان زفت إليه بعد تمام الدور حصل لها الاختصاص خاصة ، وكذا لو تزوجها على واحدة بناء على عدم القسم لها ، ولو كان عنده امرأتان فزفت اليه جديدة بعد ما قسم لإحداهما دون الأخرى ففي المسالك « قضى حق الزفاف ، وتحقق هنا الاختصاص والتقديم ، ثم قسم للقديمة الأخرى وأعطى الجديدة نصف ما وفي القديمة ، لاستحقاقها حينئذ ثلث القسم ، فان كان قد قسم للأولى ليلة وفي الأخرى بعد حق الزفاف ليلة ، وبات عند الجديدة نصف ليلة ، وخرج بقية الليلة إلى مسجد ونحوه ، ثم استأنف القسم بينهن على السوية ، ولو قسم للأولى خمس عشرة وتزوج بكرا خصها بسبع ، ثم قسم ثلاثا للقديمة وواحدة للجديدة خمسة أدوار ـ وقال فيها أيضا ـ لو تزوج في أثناء القسم ظلم من بقي بتأخير حقها بعد حضوره ، ولكن لا يؤثر في تقديم الجديدة ، ويجب التخلص من مظلمة المتأخرة على الوجه الذي ذكرناه » انتهى.

وقد يقال : ( أولا ) أنه لا ظلم ، لاشتراط حقها بعدم اتفاق نكاح جديد في الأثناء وإلا كان مقدما لإطلاق النصوص السابقة و ( ثانيا ) أنه لو فرض نكاحه بعد وفاء الأولى ليلتها دون الثانية اختصت الجديدة بأيام زفافها ، ثم كان لها ليلة من الأربع ، ولا يختص قسمها بين الباقية والجديدة حتى أنه تستحق الثلث مما لها.

ولكن قد يدفع الأخير بأنه لا حق للجديدة مع القديمة المستوفية حقها في القسم قبل صيرورة الجديدة زوجة ، وانما تشارك الباقية ، فيكون كما لو كان عنده زوجتان ، إلا أن القديمة الباقية قد استحقت عند القديمة الأولى ، لأن القسم كان بينهما ، فيكون للقديمة الباقية ثلثان وللجديدة ثلث ، ويتجه حينئذ ما ذكره من أنه إذا وفى القديمة ليلتها كان للجديدة نصف ليلة.

وبتقرير آخر هو أن القديمة السابقة قد استوفت حقها من الأربع قبل صيرورة الجديدة زوجة ، فاستحقت الثانية ليلة منها أيضا بمقتضى القسم بينهما قبل‌

١٧٦

تجدد الجديدة ، فلم يبق من الدور حينئذ إلا ليلتان للجديدة فيهما الربع ، وهو نصف ليلة ، وأما الليلتان منه للقديمتين فلا حق لها فيهما.

وكذا الكلام في القسم للأولى بخمس عشرة فإنه إذا أراد وفاء الثانية حقها مع إعطاء الجديدة حقها من الأدوار المتجددة بات عندها خمسة أدوار على الوجه المزبور ، وهو ثلاث عند القديمة وواحدة عند الجديدة ، فيحصل حينئذ خمس عشرة ليلة للقديمة ، وخمس للجديدة يكون المجموع عشرين ، إذ ليس للجديدة في الأدوار المزبورة إلا خمس ، لأن لها من كل أربع ليلة وللقديمة الباقية كذلك ، مضافا إلى استحقاقها في مقابلة ما أخذته القديمة السابقة وهو عشرة ، إلا أن خمس منها للزوج ، فالجديدة حينئذ إنما لها ثلث من الخمس عشرة ، وهو خمس هي نصف ما وفي به القديمة الباقية أي العشرة ، فلا فرق بين هذا المثال وبين الليلة ونصف في المثال السابق مع قطع النظر عن الخمسة التي هي له دفعها في مقابلة الخمسة السابقة التي أخذ منها القديمة السابقة.

وكذا الكلام فيما تسمعه من المصنف وغيره من أنه لو كان له أربع فنشزت واحدة ثم قسم لكل خمس عشرة فبات عند اثنتين ثم أطاعت الناشز وجب توفية الثالثة خمس عشرة والناشز خمسا ، إذ لا حق لها في الثلاثين ليلة التي باتها عند الأولتين ، لأنها كانت ناشزا ، ولها مع الثالثة اشتراك في استحقاق الدور ، فكأن له زوجتين ، للناشز في كل دور ليلة ، وللثالثة ثلاث إلى أن يكمل الخمس عشرة ليلة ، فيبيت عند الثالثة في كل دور ثلاثا وعند الناشز ليلة خمسة أدوار ثم يستأنف القسم للأربع.

لكن هذا إذا قلنا بأنه إذا كان له أقل من أربع فقسم بما يستوعب الدور أو يزيد عليه سقط حقه من الأربع ، وإلا كان متبرعا على كل من الأولتين بثلاث وثلاثة أرباع ، فلا يكون عليه للثالثة تمام الخمس عشرة ، بل إحدى عشرة وربع.

وظاهر الأصحاب كما قيل على الأول بناء على وجوب العدل بينهن ، خرج ما إذا قسم ليلة ليلة بالنص والإجماع على أنه حينئذ له أن يضع ما له من الأربع عند من‌

١٧٧

شاء من أزواجه ، فيبقى غير هذه الصورة على أصل وجوب العدل ، وإن كان قد يناقش بأن العدل إنما يجب فيما لهن من الحق لا فيما يتفضل به عليهن ، أو على أنه إذا قسم لهن أزيد من ليلة كان حقه بعد تمام قسمة كل منهن مساويا لما قسمه لها في المضاعفة ، فإذا قسم لاثنتين كان له بعد ليلتي الأولى أربع وكذا بعد ليلتي الثانية ، ونزلت الليلتان منزلة ليلة ، فلا يكون له فيهما حق ، فله أن يأخذ بحقه بعد الأولى بأن يبيت بعد ليلتها عند غيرها وأن يأخذه بعد الثانية ، فهنا أيضا لما وفي لكل من الاثنتين خمس عشرة كان الجميع حقهما ، فله أن يبيت خمس عشرة ليلة عند غير زوجاته الثلاث ثم يبيت عند الثالثة خمس عشرة وأن يؤخر حقه عن توفية الثالثة حقها ، وعلى كل حال فلها الخمس عشرة كاملة ، وإذا رجعت الرابعة إلى الطاعة بكل ما كان له من الحق كما لو كانت له ثلاث فتزوج رابعة في الليلة الرابعة أو يومها.

وكذا لو نشزت واحدة وظلم واحدة وأقام عند الأخريين ثلاثين ليلة ثم أراد القضاء للثالثة فأطاعت الناشز ، فإنه يقسم للمظلومة ثلاثا وللناشز يوما خمسة أدوار ، فيحصل للمظلومة خمس عشرة ليلة عشرة قضاء لأنه كان لها من كل ثلاث ليال ليلة ، لنشوز الرابعة ، وقد بات فيها عند إحدى الأخريين ، وخمس أداء فكلما بات عندها ليلتين قضاء كانت الثالثة أداء لها ، بخلاف الصورة الأولى ، فإن تمام الخمس عشرة فيها أداء ، لانتفاء الظلم ، ويحصل خمس للمطيعة ، كما في الصورة السابقة.

ولو سيق إليه زوجتان أو زوجات في ليلة أو يوم قيل : يبتدئ بمن شاء في وفاء أيام الاختصاص ، لإطلاق خطابه بذلك مع التساوي في الاستحقاق وإن ترتبا في الزفاف ، وقيل كما عن بعضهم : إنه يقرع بينهن ، لما سمعته في القسم ، ضرورة كون المسألتين من واد واحد ، والأول أشبه عند المصنف بناء على ما سمعته سابقا والثاني أفضل خروجا من شبهة الخلاف والميل والجور ، بل قد عرفت أنه الأقوى عندنا ، لا ما ذكره المصنف ولا ما عن المبسوط‌

١٧٨

والتحرير من وجوب الابتداء بمن سبق زفافها ، لأن لها حق السبق ، وفيه أنه لا يصلح مرجحا بعد الاتحاد في تعلق الحق.

ثم إن الظاهر القرعة في وفاء تمام الحق المعتبر فيه التوالي كما عرفت ، لا أنه يخير بين ذلك وبين أن يبيت الليلة الأولى عند من خرجت القرعة باسمها ثم عند الأخرى وهكذا ، فان في ذلك فوات التوالي فتأمل ، والله العالم.

وتسقط القسمة بالسفر بمعنى أن له السفر وحده من دون استصحاب أحد منهن ، وليس عليه قضاء ما فاتهن في السفر ، سواء قلنا بوجوب القسمة ابتداء أم لا ، للإجماع الفعلي من المسلمين على المسافرة كذلك من غير نكير ولا نقل قضاء مع أصالة عدم وجوبه بعد قصور أدلة القسم لمثله.

ولا شبهة في أنه لو أراد إخراجهن معه فله ذلك ، وعليهن الإجابة إلا لعذر ، وإن أراد إخراج بعضهن جاز اتفاقا ، ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يفعل ذلك ولا قضاء عليه للمتخلفات ، للأصل ، ولأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينقل عنه القضاء ولو وقع لنقل ، خصوصا فيما اشتمل على ذكر سفره بمن خرج اسمها ، بل في المسالك « في بعض الروايات أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يقضي صريحا ، ويؤيده أن المسافرة وإن حظت بصحبة الزوج لكنها قاست مشقة السفر ، ولم يحصل لها دعة الحضر ، فلو قضى لهن كان خلاف العدل ».

وعن بعضهم اشتراط ذلك بكون خروج المصحوبة بالقرعة ، فلو صحبها بدونها قضى ، وإلا كان ميلا وظلما وخروجا عن التأسي ، فإن عدم قضاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للقرعة ، وفي القواعد « ولو استصحب من غير قرعة ففي القضاء إشكال » مما عرفت ، ومن أنه لا حق لهن في أوقات السفر وإلا لم يجز له بانفراده ، وله استصحاب من شاء منهن خصوصا إذا استحبت القرعة كما ستعرف ، والأصل عدم وجوب القضاء ، وأنها وإن فازت بالصحبة فقد قاست شدة السفر.

نعم هل ذلك عام لكل سفر لأن الاشتغال به مطلقا يمنع حق القسمة ، لما فيه من المشقة والعناء المانع من حصول الصحبة والتفرد بالخلوة الذي هو غاية القسمة؟ ظاهر المصنف وصريح غيره ذلك.

١٧٩

وقيل : يقضي سفر النقلة من مكان إلى مكان آخر والإقامة أي الذي تحصل الإقامة فيه دون سفر الغيبة للتجارة ونحوها ولم تتخلل فيه إقامة ، واختاره الفاضل في القواعد قال : « ولو سافر للنقلة وأراد نقلهن فاستصحب واحدة قضى للبواقي وإن كان بالقرعة ، لأن سفر النقلة والتحويل لا يختص بإحداهن ـ أي فهو في حكم الإقامة ، وعليه نقل الكل ـ فإذا خص واحدة قضى للبواقي » بخلاف سفر الغيبة الذي هو للتجارة وغيرها بعزم الرجوع ، فإنه لا حق لهن فيه ، وفي محكي المبسوط « إن في سفر النقلة وجهين ـ ولم يرجح شيئا منهما ـ أحدهما قضاء مدة السفر لذلك ، والأخر قضاء مدة الإقامة معها في بلد النقلة خاصة دون مدة السفر ـ وقال فيها أيضا ـ ولو سافر بالقرعة ثم نوى المقام في بعض المواضع قضى للباقيات ما أقامه دون أيام الرجوع على إشكال ، ولو عزم على الإقامة أياما في موضع ثم أنشأ منه سفرا آخر لم يكن عزم أو لا لزمه قضاء أيام الإقامة دون أيام السفر ، ولو كان قد عزم عليه لم يقض أيام السفر على إشكال » وفي المسالك « عن بعض التفصيل أيضا في سفر النقلة بين الخروج بالقرعة وعدمه ، فيقضى في الثاني دون الأول ».

والأقوى عدم الفرق بين سفر النقلة وغيره ، وبين الخروج بالقرعة وغيره ، وبين سفر الإقامة وغيره ، للأصل السالم عن المعارضة بعد الشك في تناول أدلة القسم لذلك أو ظهورها في غيره ، خصوصا بعد السيرة المستمرة.

إنما الكلام في أيام الإقامة المتخللة في أثناء السفر باعتبار خروجها عن اسم السفر شرعا ، فهي من الحضر ، مع قوة احتمال كونها كأيام السفر ، لاندراجها فيها عرفا ، ولأن السيرة أيضا على عدم الفرق بينها وبين غيرها ، ويمكن دعوى ظهور عبارة المتن في ذلك ، وإشكال الفاضل في أيام الرجوع في غير محله ، ضرورة اتحاد سفر الغيبة ذهابا وإيابا ، والقرعة هنا لا محل لها ، وكذا إشكاله الأخير المبني على أحد الوجهين ، وإيجاب القضاء مع السفر بلا قرعة ، لكن من المعلوم أنه لا مجال لها هنا ، كما هو واضح ، فالمتجه حينئذ ما ذكرنا.

١٨٠