جواهر الكلام - ج ٣١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المسألة ( الثانية )

إذا خلا الزوج بالزوجة خلوة خالية عن موانع الوقاع فادعت المواقعة فإن أمكن الزوج إقامة البينة على فساد دعواها بأن ادعت هي أن المواقعة قبلا وكانت بكرا فلا كلام في بطلان دعواها حينئذ من غير يمين ، لبعد احتمال عودها وإن كان يسمع منها لو ادعته ، لكن مع إقامتها البينة بالمواقعة أو بالزوال سابقا ، نعم قد يناقش بأن الختانين يلتقيان من دون زوال البكارة كما في كشف اللثام ، هذا وفي المسالك في شرح عبارة المتن « إذا ادعت بعد الخلوة التامة الخالية من موانع الوقاع الدخول وأنكر فإن كانت بكرا فلا إشكال ، لإمكان الاطلاع على صدق أحدهما باطلاع التعاقب من النساء عليها ، وذلك جائز لمكان الحاجة ، كنظر الشاهد والطبيب » وفيه مضافا إلى ما عرفت أن رؤياها ثيبا لا دلالة فيه على صدق دعواها ، لاحتمال زوال بكارتها بغير وقاعه ، كما أن كونها بكرا لا يوجب تمكينها من نفسها للاطلاع على معرفة حالها ، خصوصا مع حرمة النظر إلى العورة ، وما فيه من المشقة ، لمنافاته الحياء ، فلها المطالبة حينئذ باليمين أو يكون القول قولها على اختلاف القولين ، اللهم إلا أن يقال : إنه يظهر من بعض النصوص (١) السابقة في العيوب أن للحاكم تعرف نحو ذلك بنحو ذلك ، فله الإلزام في مقام قطع الخصومة ، وتبين صحة الدعوى من فسادها.

وعلى كل حال ف الا يتمكن الزوج من إقامة البينة على وجه المزبور كان القول قوله مع يمينه ، لأن الأصل عدم المواقعة وحينئذ ف هو منكر لما تدعيه المرأة عليه ، فيكون القول قوله بيمينه ، وقيل كما عن الشيخ في النهاية والتهذيبين القول قول المرأة مع يمينها عملا بشاهد حال الصحيح في خلوته بالحلائل فيكون قولها موافقا للظاهر ، وهو المحكي عن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ و ١٥ ـ من أبواب العيوب والتدليس.

١٤١

ابن أبي عمير وجماعة من القدماء ، كما سمعته سابقا في البحث عن استقرار المهر بالخلوة للنصوص (١) السابقة الحاكمة باستقرار المهر بها التي يجب الجمع بينها وبين ما دل (٢) على عدم استقراره إلا بالوقاع بالحكم شرعا بالوقاع معها ، إلا أن يعلم عدمه مع عدم الدعوى منها ، فضلا عما إذا ادعت ذلك كما في الفرض ، بل في بعضها (٣) عدم سماع دعوى عدم الوقاع منهما معها وإن تصادقا عليه لاتهامهما بإرادة عدم استقرار المهر وعدم العدة عليها ، ولعل ذلك أولى مما سمعته من ابن الجنيد من العمل بهذه النصوص على جهة قرار المهر بالخلوة وإن لم يكن معها وقاع ، لما سمعته فيما تقدم.

ولكن مع ذلك الأول أشبه منه بأصول المذهب وقواعده وأشهر بين الطائفة ، بل لعله إجماع بين المتأخرين منهم ، لقصور النصوص المزبورة عن المعارضة باعتبار ضعف سند أكثرها وموافقة لفظها‌ المروي (٤) عن عمر « من أرخى سترا وأغلق بابا فقد وجب عليه المهر » ‌الذي قد أفتى به أبو حنيفة وكثير من العامة ، فيقوى الظن بخروجها مخرج التقية ، فلا تصلح لإثبات ذلك ، كما لا تصلح لما سمعته من ابن الجنيد من استقرار المهر بالخلوة المجردة عن الوقاع ، فيبقى الظهور المزبور بلا مستند شرعي صالح لقطع الأصول الموافقة لدعوى عدم الوقاع ، والظاهر إذا لم يكن عليه دليل شرعي لا يعارض الأصل ، كما هو واضح.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب المهور.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب المهور الحديث ٦ والباب ـ ٥٥ ـ منها الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

(٤) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٥٥.

١٤٢

المسألة ( الثالثة )

لو أصدقها تعليم سورة أو صناعة فقالت : علمني غيره فالقول قولها بلا خلاف ولا إشكال لأنها منكرة لما يدعيه نحو إنكارها وصول المهر لو ادعى عليها تسليمه ، ونحو إنكارها لو ادعى عليها تعليم السورة فقالت : علمني غيرها ، وحينئذ يلزم في الفرض بأجرة التعليم كما عرفته سابقا.

المسألة ( الرابعة )

إذا أقامت المرأة بينة أنه تزوجها في وقتين بعقدين على مهرين متفقين أو مختلفين أو أقر الرجل بذلك فادعى الزوج تكرار العقد الواحد وزعمت المرأة أنهما عقدان فالقول قولها لأن الظاهر معها أي ظاهر الإتيان بالصيغ إرادة ترتب آثارها عليها الذي هو مقتضى أصالة الصحة فيها ، لكن في المسالك « قدم قولها عملا بالحقيقة الشرعية ، لأن العقد حقيقة شرعية في السبب المبيح للبضع ، واستعماله في نفس الإيجاب والقبول المجردين عن الأثر مجاز بحسب الصورة ، كتسمية الصورة المنقوشة على الجدار فرسا ، ومثله ما لو قال لغيره : بعني هذا العبد ثم ادعى أنه ملكه ، فإنه لا يلتفت اليه ، ويجعل استدعاؤه البيع إقرارا له بالملك ، ولا يعتد بقوله : إني طلبت منه صورة البيع ـ إلى إن قال ـ : والمراد بقول المصنف : لأن الظاهر معها أن الظاهر من إطلاق اللفظ حمله على حقيقته دون مجازه ، وأراد بالظاهر معنى الأصل من حيث إن استعمال العقد في غير حقيقته خلاف الظاهر في الاستعمال وإن كان المجاز في نفسه كثيرا شائعا » وفي كشف اللثام « قدم قولها من غير خلاف يظهر ، لأن الأصل والظاهر معها ، فإن الأصل والظاهر التأسيس والحقيقة في لفظ العقد وفي صيغته ، ولا عقد في المكرر حقيقة ولا في الصيغة المكررة بمعنى‌

١٤٣

الإنشاء المعتبر في العقود ».

قلت : لا حقيقة شرعية في لفظ العقد قطعا ، وعلى تقديره فليس هو محط النزاع بينهما ، ضرورة كون الواقع بينهما مصداق العقد لا لفظه ، ودعوى اعتبار ترتب الأثر في أصل وضعه واضحة الفساد ، ضرورة تحقق معناه الحقيقي في جميع صور الفساد التي لم يترتب الأثر فيها ، والإنشاء متحقق فيها وإن لم يكن صحيحا يترتب عليه الأثر ، ولا ريب في تحقق جميع ما يعتبر في العقد من الإنشاء وغيره في العقد المكرر ، ولذا لو صادف فساد الأول أثر فيه ، نعم مع فرض كون الأول صحيحا لا يؤثر لانتفاء شرط تأثيره نحو غيره من العقود الفاسدة ، فالصحة والفساد شي‌ء والحقيقة والمجاز شي‌ء آخر ، كما هو واضح. نعم ما سمعته من التعليل الأول في كشف اللثام متجه ، ومرجعه إلى ما ذكرناه ، إذ التأسيس هو الصحة بمعنى ترتب الأثر وعلى كل حال مع اقتصارهما على الدعوى المزبورة ولو لموت ونحوه ف هل يجب عليه المهران المسميان فيهما؟ قيل : نعم عملا بمقتضى العقدين المحكوم بصحتهما شرعا فيترتب على كل منهما أثره كما هي القاعدة في كل سبب ، وقيل كما عن الشيخ في المبسوط وسديد الدين والد العلامة : يلزمه مهر ونصف ، لمعلومية تحقق الفرقة وإلا لم يصح العقد الثاني ، والوطء غير معلوم ، بل الأصل عدمه ، فتستحق النصف منه ، وربما قيل بلزوم مهر واحد ، لأصالة براءة الذمة بعد أن كان من أسباب الفرقة ما لا يوجب مهرا ولا نصفه كردتها وفسخه بعيبها قبل الدخول ، وفسخها بعيبه غير العنن قبله أيضا ، بل قد ينقدح من ذلك عدم لزوم مهر أصلا بعد فرض كون النزاع بعد الفراق منهما ، إلا أن الجميع كما ترى.

ولذا كان الأول أشبه بأصول المذهب وقواعده ، ضرورة عدم ما يصلح به الخروج عن مقتضي السبب الثابتة سببيته والمستصحب مقتضاه ، وأصالة عدم الدخول لا تصلح لإثبات التنصيف الذي ينفى مقتضية بأصالة عدم حصوله ، كأصالة‌

١٤٤

عدم العيب ونحوه ، ومجرد احتمال كون الفرقة مما تقتضي عدم المهر أصلا أو نصفه لا يقطع أصالة بقاء الاستحقاق والملك ونحوهما التي يكفي في ثبوتها احتمال كون الفرقة بما يقتضي تمام المهر ، ولا ريب في تحقق الاحتمال في الفرض ، كما هو واضح.

نعم لو ادعى كون الفرقة في الأول بالطلاق قبل الدخول على وجه يسمع ذلك منه اتجه حينئذ لزوم مهر ونصف ، بل لو ادعى الطلاق في الثاني أيضا قبله لزم مهر واحد مجتمع منهما ، بل ربما قيل إنه لو ادعى الفسخ بأحد الأسباب الموجبة لعدم المهر مع إمكانه فيجب المهر الثاني خاصة ما لم يدع الطلاق فيه أيضا قبله ، فنصفه لا غير ، وفيه منع قبول دعواه الفسخ بالعيب ، لأصالة عدمه ، وما عن الشهيد في الشرح ـ من القبول محتجا بأن تجويزه ينفي القطع بالزيادة على المهر الثاني ـ كما ترى ، وليس هو كدعوى الطلاق الذي هو فعله ، ويرجع فيه إليه ، وأما الدخول فالأصل عدمه ، كما أن الأصل استصحاب المهر كملا إلى أن يدعى المزيل ، فلو سكت عن الدعوى ثبت المهران على الأقوى ، وهذا كما يقال : إن المستودع بعد ثبوت الإيداع مطالب بالوديعة ومحبوس ما دام ساكتا ، فان ادعى تلفا أو ردا صدق بيمينه وانقطعت المطالبة ، والله العالم.

١٤٥

( النظر الثالث )

( في القسم والنشوز والشقاق‌ )

والقول الان في القسم ، والكلام فيه وفي لواحقه ، أما الأول فنقول : هو بفتح القاف مصدر قسمت الشي‌ء أقسمه ، وبالكسر : الحظ والنصيب ، ويقال : هو التقدير ، وعرفا هو قسمة الليالي بين الزوجات ، ويمكن اعتباره من كل منهما.

وكيف كان ف لكل واحد من الزوجين حق يجب على صاحبه القيام به ويستحب كتابا (١) وسنة متواترة (٢) وإجماعا وإن كان حق الزوج على الزوجة أعظم بمراتب ، فإنه لا حق لها عليه مثل ما له عليها ، بل ولا من كل مأة واحد ، بل هو أعظم الناس حقا عليها (٣) ‌وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) : « لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ، ولو صلح لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها ، والذي نفسي بيده لو كان من مفرق رأسه إلى قدمه قرحة تشرح بالقيح والصديد ثم استقبلته تلمسه ما أدت حقه » وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام (٥) : « كتب الله الجهاد على الرجال والنساء فجهاد الرجل بذل ماله ونفسه حتى يقتل في سبيل الله ، وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته » ‌وجهادها أيضا حسن التبعل (٦) إلى غير‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٨. وسورة النساء : ٤ ـ الآية ١٩ و ٣٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧٩ و ٨١ و ٨٧ و ٨٨ ـ من أبواب مقدمات النكاح.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧٩ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

(٤) كنز العمال ـ ج ٨ ص ٢٥١ ـ الرقم ٤٠٩١.

(٥) و (٦) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب جهاد العدو الحديث ١ ـ ٢

١٤٦

ذلك مما ورد فيه (١) ، ولا ينافيه قوله تعالى (٢) ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ ) بعد ارادة التشبيه في أصل الحقيقة لا في الكيفية ، ضرورة شدة اختلافهما.

ومن حقه عليها « أن تطيعه ولا تعصيه ولا تتصدق من بيته إلا باذنه ولا تصوم تطوعا إلا باذنه ، ولا تمنعه نفسها ، ولو كانت على ظهر قتب ، ولا تخرج من بيتها إلا باذنه » (٣) ‌ولو إلى أهلها ولو لعيادة والدها أو في عزائه (٤) ‌و « أن تطيب بأطيب طيبها ، وتلبس أحسن ثيابها ، وتتزين بأحسن زينتها ، وتعرض نفسها غدوة وعشية » (٥) ‌بل « ليس للمرأة أمر مع زوجها في عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ولا نذر في مالها إلا بإذن زوجها إلا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة قرابتها » (٦) ‌بل « أيما امرأة قالت لزوجها : ما رأيت منك خيرا قط أو من وجهك خيرا فقد حبط عملها » (٧) و « أيما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حق لم تتقبل منها صلاة حتى يرضى عنها ، ولا يرفع لها عمل » (٨) و « إن خرجت من غير إذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع إلى بيتها » (٩).

ومن حقها عليه أن يشبعها وأن يكسوها وأن يغفر لها إذا جهلت (١٠) ‌« ولا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧٩ و ٨١ ـ من أبواب مقدمات النكاح.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٨.

(٣) و (٥) الوسائل الباب ـ ٧٩ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١ ـ ٢

(٤) الوسائل الباب ـ ٩١ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب الوقوف والصدقات الحديث ١.

(٧) الوسائل الباب ـ ٨٠ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٧.

(٨) الوسائل الباب ـ ٨٠ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١ و ٢.

(٩) الوسائل الباب ـ ٧٩ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

(١٠) الوسائل الباب ـ ٨٨ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

١٤٧

يقبح لها وجها » (١) و « رحم الله عبدا أحسن فيما بينه وبين زوجته ، فان الله تعالى قد ملكه ناصيتها ، » (٢) وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) : « أوصاني جبرئيل بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة مبينة » ‌و « عيال الرجال أسراؤه ، وأحب العباد إلى الله تعالى أحسنهم صنعا إلى أسرائه » (٤) ‌و « إنما المرأة لعبة من اتخذها فلا يضعها » (٥) ‌« أيضرب أحدكم المرأة ثم يظل معانقها » (٦) ‌و « خيركم خيركم لنسائه ، وأنا خيركم لنسائي » (٧) إلى غير ذلك مما يدخل تحت قوله تعالى (٨) ( وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ).

ف حينئذ قد ظهر لك أنه كما يجب على الزوج النفقة من الكسوة والمأكل والمشرب والإسكان على حسب ما ستعرف فكذا يجب على الزوجة التمكين من الاستمتاع مع عدم المانع عقلا أو شرعا ولو كانت على ظهر قتب وأن تتجنب ( تجتنب خ ل ) ما ينفر منه الزوج من الثوم والبصل والأوساخ والقذارات وغير ذلك.

وأما القسمة بين الأزواج فهي حق على الزوج وله ، لاشتراك ثمرته ، وهو الاستئناس ، ولأن الأخبار (٩) توجب استحقاقها ، وحق الاستمتاع يوجب استحقاقه ، فلكل منهما الخيار في قبول إسقاط صاحبه له وعدمه ولا يتعين عليه القبول حرا كان أو عبدا ولو كان عنينا أو خصيا فإن القسمة للايناس والعدل والتحرز عن الإيذاء ، وللمعاشرة بالمعروف ، فلم يفرق فيها بين الحر والعبد ، ولا بين العنين والفحل ، ولا بين الخصي وغيره ، لاشتراك الجميع في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب النفقات الحديث ١ من كتاب النكاح.

(٢) و (٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ٨٨ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٥ ـ ٤ ـ ٩

(٥) و (٦) الوسائل الباب ـ ٨٦ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٢ ـ ١

(٧) الوسائل الباب ـ ٨٨ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١١.

(٨) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١٩.

(٩) الوسائل الباب ـ ١ و ٥ ـ من أبواب القسم والنشوز.

١٤٨

الفائدة المطلوبة منه.

بل وكذا لو كان مجنونا وإن كان يقسم عنه الولي بأن يطوف به عليهن أو يدعوهن إليه أو بالتفريق ، نعم إن لم يوثق به أو لا ينتفع به في مثل ذلك فلا قسم في حقه ، وإن أمن وكان قد قسم لبعض نسائه ثم جن فعلى الولي أن يطوف به على الباقيات قضاء لحقوقهن ، كما يقتضي ما عليه من الدين ، وكذا إذا طلبن القسم بناء على اشتراك حق القسم بينهما ، وإن قلنا باختصاصه بالزوج لم يجب على الولي الإجابة ، ولو أردن التأخير إلى أن يضيق فيتم المؤانسة فلهن ذلك ، وإن لم يكن عليه شي‌ء من القسم بأن كان معرضا عنهن أجمع أو جن بعد التسوية بينهن فان رأى منه الميل إلى النساء أو قال أهل الخبرة : إن غشيانهن ينفعه فعلى الولي أن يطوف به عليهن ، أو يدعوهن إلى منزله ، فإن جار في القسمة أثم.

وهل على المجنون القضاء بعد الإفاقة؟ المشهور على ما حكي نعم ، وفي المسالك « لو قيل بعدم الوجوب كان وجها ، لأن المجنون غير مكلف ، والقضاء تابع للتكليف بالفعل أو ثابت بأمر جديد ، وهو منتف هنا » وفيه أن قضاء ذلك من تأدية الحق الثابت في ذمة المجنون بحكم خطاب الوضع كالدين ونحوه ، ثم قال : « ولو انتفى الميل والمصلحة لم يجب على الولي أن يقسم به ، ويظهر من العبارة وجوب القسم به مطلقا ، وهو يتم على القول باشتراك الحق بين الزوجين وطلبن ذلك ، لكن المصنف لا يقول به ، كما سيأتي ، فعدم الوجوب هنا أجود ».

هذا ، وفي القواعد « ولو كان يجن ويفيق لم يجز له أن يختص واحدة بنوبة الإفاقة إن كان نوبتها مضبوطا ، بأن يجن يوما ويفيق يوما مثلا ، بل يطرح أيام الجنون وينزلها منزلة أيام الغيبة ، ويقسم أوقات الإفاقة ، فلو أقام المجنون عند واحدة لم يقض لغيرها إذ لا اعتداد به ، ويحتمل القضاء ، ويحتمل أن يكون إليه القسمة أوقات الإفاقة وإلى الولي القسمة أوقات الجنون ، فيكون لكل منهن نوبة من كل من الحالتين ، وإن لم يكن نوبة الإفاقة مضبوطا فأفاق في نوبة واحدة قضى للأخرى ما جرى لها في الجنون ، اى لم يعتد ، لكونه عندها في الجنون وإن كان بقسمة الولي ،

١٤٩

لقصور حقها من الاستئناس حال الجنون ، ولو خاف من أذى زوجته المجنونة سقط حقها من القسمة للضرورة وإلا وجب للعموم وانتفاء العذر » (١) واستظهر بعضهم السقوط إذا لم يكن لها شعور تنتفع بالقسم وتستأنس به ، إلى غير ذلك من كلماتهم المشتملة على أحكام كثيرة التي لم نقف فيها على دليل خاص ، وإنما ذكرها بعض العامة ، بل ربما كان بعضها منافيا للآخر ، خصوصا مع عدم الدليل على الفرق بين الأدواري حال جنونه وبين المطبق ، كما أن المتجه بناء على وجوب القسمة عدم وجوب القبول على الولي لو أردن التأخير إلى زمان الإفاقة.

وأقصى ما يقال : هو ما أشرنا إليه من أن المستفاد من النص (٢) والفتوى أن القسم حق مشترك بين الزوج والزوجة ، وأنه لا يسقط بالجنون من أحدهما مع إمكانه ، وحينئذ يختص نقص ذلك بمن عرض في ليلتها ، نحو غيره من الأعذار كالمرض ونحوه.

وأما انتقال الحكم التكليفي إلى الولي في الزوج والزوجة ـ على وجه يجب عليه أن يطوف به وأن يأتي بالزوجة على وجه لا نقصان فيما يمكن من الاستمتاع بها وغير ذلك من الأحكام التي سمعتها ـ فلا دليل عليه ، نعم لو كانت له مصلحة في الطواف به ، كما لو فرض نفعه بذلك أو منعه من الفساد به ، أو نحو ذلك من المصالح كان على الولي حينئذ مراعاتها ، فتأمل جيدا ، فإنه لم نجد دليلا واضحا سوى اعتبارات يشكل التمسك بها على أصولنا.

وكيف كان فالمشهور على ما حكاه غير واحد وجوب القسمة ابتداء ، بمعنى وجوبها بالعقد والتمكين كالنفقة ، للأمر بالمعاشرة بالمعروف (٣) التي هي معظمها على أن الأمر فيه للتكرار قطعا ، وليس في كل الأوقات ، فبقي أن يكون بحسب ما تقتضيه القسمة ، إذ لا قائل بثالث ، والتأسي بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « فإنه كان يقسم‌

__________________

(١) ليس هذه من عبارة القواعد ، وانما هي من كشف اللثام ملفقة بعبارة القواعد.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ و ٥ ـ من أبواب القسم والنشوز.

(٣) سورة النساء ٤ : ـ الآية ١٩.

١٥٠

بينهن » (١) دائما حتى‌ « كان يطاف به في مرضه محمولا » (٢) وكان يقول « اللهم هذا قسمي فيما أملك وأنت أعلم بما لا أملك » (٣) يعنى من جهة الميل القلبي ، وإطلاق‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر البصري (٤) « في الرجل تكون عنده المرأة فيتزوج أخرى كم يجعل للتي يدخل بها؟ قال : ثلاثة أيام ، ثم يقسم » ‌كإطلاق المستفيضة الآمرة بالقسم للحرة ثلثي ما للأمة (٥) وما يشعر به‌ خبر علي بن جعفر (٦) عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن رجل له امرأتان قالت إحداهما : ليلتي ويومي لك يوما أو شهرا أو ما كان أيجوز ذلك؟ قال : إذا طابت نفسها واشترى ذلك منها لا بأس به » ‌من كون ذلك حقا لها على وجه لها بيعه ، وكذا غيره كخبر الحسن ابن زياد (٧) وغيره قال : « سألته عن الرجل يكون له المرأتان وإحداهما أحب إليه من الأخرى إله أن يفضلها بشي‌ء؟ قال : نعم له أن يأتيها ثلاث ليال والأخرى ليلة ، لأن له أن يتزوج أربع نسوة ، فثلاثة يجعلها حيث شاء ، قلت : فتكون عنده المرأة فيتزوج جارية بكرا ، قال : فليفضلها حين يدخل بها ثلاث ليال ، وللرجل أن يفضل نساءه بعضهن على بعض ما لم يكن أربعا » وصحيح ابن مسلم (٨) « سألته‌

__________________

(١) و (٢) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٩٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ٤.

(٥) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح‌ « مثلي ما للأمة » ‌كما هو مستفاد من الروايات المروية في الوسائل في الباب ـ ٨ ـ من أبواب القسم والنشوز.

(٦) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ٢.

(٧) ذكر صدره وذيله في الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ٢ ووسطه في الباب ـ ٢ ـ منها الحديث ٧ عن الحسين بن زياد ، الا أن الموجود في التهذيب ج ٧ ص ٤١٩ والاستبصار ج ٣ ص ٢٤٢ الحسن بن زياد وفي الجميع‌ « فليلتيه يجعلهما حيث شاء » ‌

(٨) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ٣.

١٥١

عن الرجل يكون عنده امرأتان إحداهما أحب إليه من الأخرى ، قال : له أن يأتيها ثلاث ليال والأخرى ليلة ، فإن شاء أن يتزوج أربع نسوة كان لكل امرأة ليلة ، فلذلك كان له أن يفضل بعضهن على بعض ما لم يكن أربعا » ‌إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أن لكل زوجة ليلة من أربع ليال (١) الشامل لصورتي الاتحاد والتعدد المؤيدة بآية النشوز (٢) المشعرة باشتراط الهجر في المضاجع به دون ما لم يكن نشوزا ، فإنه لا سبيل له إلى ذلك.

ولكن مع ذلك كله قيل والقائل الشيخ فيما حكي من مبسوطة لا تجب القسمة حتى يبتدئ بها ، وهو أشبه فلا يجب حينئذ للواحدة مطلقا التي لا موضوع للقسمة فيها ، بل ولا للمتعددات إلا مع المبيت ليلة عند إحداهما فيجب حينئذ ذلك لهن حتى يتم الدور ، ثم لا يجب عليه شي‌ء ، فله الإعراض حينئذ عن القسم عنهن أجمع ، للأصل وظهور قوله تعالى (٣) ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) في أن الواحدة كملك اليمين لا حق لها أصلا ويتم دلالته على عدم وجوب القسم مطلقا بالإجماع المركب ، كما في المسالك من أن كل من قال بعدمه للواحدة قال بعدمه للأزيد إلا مع الابتداء بواحدة ، وما‌ روى (٤) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أنه غضب على بعض نسائه فاعتزلهن أجمع شهرا » ‌، ولو كان القسم واجبا اختصت الناشزة بالحرمان ، ولا دليل على أن ذلك من خصوصياته ، بل الأصل الاشتراك ، على أن حق الاستمتاع ليس للزوجات ، ومن ثم لم يجب على الزوج بذله إذا طلبته إلا الجماع ، فإنه يجب في كل أربعة أشهر مرة.

كل ذلك مضافا إلى استفاضة النصوص أو تواترها في حصر حق الزوجة على الزوج في غير ذلك ، ففي‌ خبر إسحاق بن عمار (٥) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « ما حق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب القسم والنشوز.

(٢) و (٣) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٣٤ ـ ٣

(٤) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٨.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب النفقات الحديث ٥ من كتاب النكاح.

١٥٢

المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسنا؟ قال : يشبعها ويكسوها ، وإن جهلت غفر لها » ‌وفي خبر شهاب بن عبد ربه (١) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « ما حق المرأة على زوجها؟ قال : يسد جوعتها ، ويستر عورتها ، ولا يقبح لها وجها ، فإذا فعل ذلك فقد والله أدى إليها حقها ».

وفي خبر العرزمي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « جاءت امرأة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألته عن حق الزوج على المرأة فخبرها ، ثم قالت : فما حقها عليه؟ قال : يكسوها من العري ويطعمها من الجوع ، وإن أذنبت غفر لها ، فقالت : فليس عليه شي‌ء غير هذا؟ قال : لا ، قالت : لا والله لا تزوجت أبدا ثم ولت » ‌الحديث ، وفي‌ خبر يونس بن عمار (٣) قال : « زوجني أبو عبد الله عليه‌السلام جارية كانت لإسماعيل ابنه ، فقال : أحسن إليها ، فقلت : وما الإحسان إليها؟ قال : أشبع بطنها ، واكس جنبها ، واغفر ذنبها » ‌إلى غير ذلك من النصوص الدالة على هذا المعنى.

ودعوى تخصيص هذه النصوص بما سمعته من أدلة القسمة واضحة المنع ، ضرورة قصورها عن ذلك ، بل عدم دلالة كثير منها على المدعى ، فان الأمر بالمعاشرة بالمعروف لا يقتضي وجوب المبيت ـ ولو كانت واحدة ـ في كل أربع ليال ليلة واحدة ، وإن سلم كونه من المعروف لكن من المعلوم عدم وجوب كل معروف معها ، وإنما المسلم وجوبه ما أدى تركه إلى الظلم والجور عليها ونحو ذلك ، كما هو واضح.

والتأسي بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بعد معلومية عدم وجوب القسم عليه ، ولذا أذن له بايواء من يشاء منهن واعتزال من شاء (٤) ـ لا محل له.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب النفقات الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب النفقات الحديث ٨ من كتاب النكاح.

(٤) سورة الأحزاب : ٣٣ ـ الآية ٥١.

١٥٣

وخبر البصري إنما يراد منه بيان عدم استحقاق الجديدة أكثر من ثلاث ليال يختص بها وأما غيرها فليس لها إلا على جهة القسمة ، لا أن المراد بيان وجوبها ابتداء ، كما هو واضح لمن تأمله.

والمراد من أخبار الحرة والأمة بيان كيفية العدل حيث يريد القسمة.

وخبر علي بن جعفر في الامرأة التي لها ضرة واستحقت عليه ليلة يبيت ليلة عند ضرتها.

وخبر الحسن بن زياد وغيره إنما يراد منه بيان تفضيل بعض النساء على بعض ، لا أن المراد به وجوب القسمة بينهن ابتداء على وجه يحرم عليه اعتزالهن أجمع والإعراض عن مضاجعتهن والاشتغال بعبادته أو مطالعته أو غير ذلك من أغراضه.

على أن جميع هذه النصوص جارية مجرى الغالب في حال الزوج أنه يبيت عند زوجته ، فمع فرض تعددها كان عليه ملاحظة العدل في القسمة والتفضيل على الوجه المذكور في النصوص ، وليس المراد وجوبها ابتداء ، ولا وجوب مبيت ليلة من الأربع لو كانت واحدة ، بل ينبغي الجزم بعدم الأخير كما جزم به في الرياض ، لعدم دلالة شي‌ء من تلك الأدلة عليه ، سوى دعوى ظهور خبر الحسن بن زياد وما شابهه في أن لكل امرأة ليلة من أربع ليال الممنوعة على مدعيها على وجه يفيد ذلك بحيث يعارض الأصل ، ونصوص حصر حق الزوجة في غير ذلك.

ومن هنا كان صريح ابن حمزة وظاهر المحكي عن المقنعة والنهاية والغنية والمهذب والجامع وجوب القسم مع التعدد دون الواحدة ، واختاره بعض المتأخرين ومتأخريهم ، ولا ينافي ذلك ما سمعته من دعوى الإجماع المركب المردودة على مدعيها بذلك الذي منه وغيره يظهر ما في دعوى الشهرة على القول الأول أيضا.

وقد تحصل من ذلك أن الأقوال في المسألة ثلاثة ، ولكن القول بوجوب القسمة ابتداء ولو في المتعددات التي هي محل اجتماع القولين ـ مع ما عرفته فيه‌

١٥٤

من عدم الدليل الواضح فضلا عن أن يكون بحيث يعارض ما سمعت ـ يستلزم أحكاما عديدة يصعب التزامها ، بل لعلها مخالفة للمعلوم من سيرة أهل الشرع وطريقتهم ، كعدم جواز الاشتغال في العبادات والاستئجار في الليل لبعض الأعمال وغير ذلك إلا برضا صاحبة الليلة.

ولا يقال : إن مثله أيضا لازم على القول بوجوب القسمة بعد الشروع ، لأن له طريقا إلى التخلص بإتمام الدور ، على أنك قد عرفت أن مبنى ذلك عدم حق للزوجة ، وإنما هو من جهة مراعاة العدل في القسمة الذي يمكن دعوى عدم منافاته إذا كان ذلك لعذر شرعي أو عرفي أو غرض من أغراض العقلاء ونحوها ، فإن الذي ينافيه ترجيح بعض الزوجات على بعض فيما ليس له الترجيح فيه من دون عروض إقبال ، بل لو قلنا بكونه حقا للزوجة بدليل صحة شرائه منها وهبته لشريكتها وسقوطه بإسقاطها ونحو ذلك إلا أنه مقدر بملاحظة صدق عدم خروجه عن العدل إلى صدق الجور والظلم.

والقول في حقوق الزوجات المتحقق بما عرفت بخلاف القول بكونه حقا لها ابتدائيا متعلقا بعين الزوج على نحو تعلق حقه بها ، فان ذلك يقضى بالتزام أحكام كثيرة يصعب قيام الدليل عليها ، بل ربما كان بعضها مخالفا للمعلوم من السيرة ، بل وللمقطوع به من الشرع ، كما لا يخفى على من أعطى النظر حقه في جميع لوازم هذا القول ، وخصوصا مع ملاحظة كونه حقا لها على وجه يكون الأصل فيه القضاء مع الفوات ولو لعذر إلا ما خرج لدليل يقتضي سقوطه ، بل هو مناف للنصوص (١) السابقة التي كادت تكون متواترة في حصر حق الزوجة على الزوج في غيره ، بخلافه على ما ذكرناه ، فإنه ليس حقا لها من حيث كونها زوجة ، ولذلك لا يجب لها مع الاتحاد ، بل ولا مع التعدد مع عدم القسمة ، وإنما يجب عليه العدل في القسمة ، وعدم الجور فيها إن أرادها ، ولم يكن حقا لها ، أو كان ولكن كان من حيث عدم العدل في القسمة ، فلا ينافي تلك النصوص المراد بها حصر حقوق الزوجة من حيث الزوجية ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب النفقات الحديث ٣ و ٥ و ٧.

١٥٥

فتأمل جيدا ، فإنه دقيق نافع ، والله العالم.

وعلى كل حال ف قد بان لك أن مقتضى القول الأول أن من كان له زوجة واحدة ف ان لها ليلة واحدة من أربع ، وله ثلاث يضعها حيث يشاء ولو عند مملوكاته وللاثنتين ليلتان وله ليلتان يضعهما حيث يشاء وللثلاث ثلاث ، والفاضل وهو ليلة واحدة له يضعها حيث يشاء وو أما لو كان له أربع فلكل واحدة ليلة ، بحيث لا يحل له الإخلال بالمبيت في إحداهن إلا مع العذر العقلي أو الشرعي المرجح على أداء حقها المسقطين لأدائه أوله ولقضائه أو السفر منه أو منها على الوجه الذي ستعرف الحال فيه أو إذنهن أو إذن بعضهن فيما يختص به الأذنة إذ لا سلطان لها على غير حقها ، كما أنه بان لك جميع ما يتفرع على الأقوال الثلاثة بحيث لا يحتاج إلى الإيضاح والإطناب.

وكيف كان فلا خلاف في عدم جواز جعل القسمة ـ سواء قلنا بوجوبها ابتداء أو بالشروع ـ أنقص من ليلة ، لكونها خلاف المأثور ، بل خلاف ما دل على استحقاقها ليلة (١) ولو عند القسمة ، ولتعسر ضبط أجزاء الليل ، ولما في قسمته من تنغص العيش ، كما لا خلاف في جوازها ليلة ليلة.

وإنما الكلام في أنه هل يجوز أن يجعل القسمة أزيد من ليلة لكل واحدة؟ قيل والقائل الشيخ في المحكي من مبسوطة وجماعة نعم يجوز للأصل وإطلاق الأمر بالقسمة (٢) مع عدم العول والجوز فيها ، ولا شي‌ء منهما في المفروض ، بل ربما كان ذلك أصلح لهن وأتم لمطلوبهن ، بل وللزوج خصوصا مع تباعد أمكنتهن على وجه يشق عليه ليلة ليلة.

والوجه عند المصنف وجماعة اشتراط جوازه ب رضاهن فلا يجوز مع عدمه ، لخبر سماعة (٣) « سألته عن رجل كانت له امرأة فيتزوج‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ و ٥ و ٩ ـ من أبواب القسم والنشوز.

(٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ٤ ـ ٨

١٥٦

عليها هل يحل له أن يفضل واحدة على الأخرى؟ قال : يفضل المحدثة حدثان عرسها ثلاثة أيام إذا كانت بكرا ، ثم يسوى بينهما بطيبة نفس إحداهما للأخرى » ‌بناء على أن المراد به التسوية التي يتراضيان بها ، فلو جعل لكل واحدة منهن ليلتين متواليتين ولم تطب نفس إحداهما إلا بليلة ليلة لم تفعل ذلك ، ولأنه الثابت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) الذي يجب التأسي به ، ولظهور النصوص (٢) في استحقاق كل زوجة ليلة من أربع ، ولأنه ربما أدى ذلك إلى الضرر في صاحبة النوبة ، لإمكان عروض عارض له عن إتمام ما تساوي به ضرتها.

وفي الجميع نظر ، فان خبر سماعة لو سلم إمكان إرادة ذلك منه لا يصلح لذلك بعد عدم ظهوره ، وكونه من المأول ، ويمكن إرادة استحباب التسوية بينهما برضاهما فيما فضل عنده من الليالي وغير ذلك.

والتأسي بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع عدم وجوب أصل القسمة عليه المقتضي لعدم وجوب كيفيتها عليه أيضا لا محل له.

والنصوص مساقة لبيان مقدار الاستحقاق الذي هو أربع من لياليه على وجه لو أراد التفضيل بما زاد عنده من الأربع كان له ، لا أن المراد منها بيان الاستحقاق المنافي لذلك ، كما لا يخفى على من تأملها ، بل يمكن دعوى كون المراد منها بيان أقل أفراد القسمة ، واحتمال وجوب وفائها حقها مع المطالبة به يدفعه منع ثبوت الحق لها مع فرض كون القسمة على ذلك.

وعروض العارض كما هو محتمل في القسمة ليلة ليلة محتمل في القسمة بأزيد ، وأما الضرر فيمكن التخلص منه بتقييد الجواز بما لا ضرر فيه ، وبما لا يعد فيه هجرا وعشرة بغير المعروف ، وبما لا يتعارف في كيفيته قسمة مثل ذلك والمهاياة فيه ، ولعل العلامة وغيره ممن أطلق الجواز يريد ذلك أيضا.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٠٠ و ٣٠١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ و ٥ و ٩ ـ من أبواب القسم والنشوز.

١٥٧

فالأقوى حينئذ خصوصا على المختار الجواز مطلقا لكن على الوجه المزبور ، وكأنه أولى مما عن الشيخ من تحديده بالثلاث ، كما هو عند جمهور العامة ، وما عن الإسكافي من التحديد بالسبع الذي يمكن أن يكون الوجه فيه تحديد العشرة بالمعروف ، وعدم الهجر بذلك عرفا أو أن ذلك أقصى المأثور ولو في التي تزوجها جديدا ، ولا ريب في أولوية ما ذكرناه من ذلك ، كما هو واضح ، والله العالم.

ولو تزوج أربعا دفعة مثلا رتبهن بالقرعة مع التشاح ، سواء قلنا بوجوب القسمة ابتداء أو بالشروع تخلصا من ترجيح بلا مرجح ، ومن العول فيها ، ومن لحوق شبهة الميل إلى من يبتدئ بها ، ففي الخبر (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل » ‌وفحوى القرعة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين نسائه إذا أراد سفرا فيصحب من أخرجتها القرعة (٢) ولأنها على الأول من قبيل المهاياة فيه المعلوم تعيين الأول فيها بالقرعة ، بل هي كقسمة الأشياء المشتركة ، ضرورة تعلق الحق بالعقد ، بل وعلى الثاني الذي هو وإن لم يكن كذلك ولكنه من باب العدل في القسمة المتوقف على القرعة في المبتدأ بها.

وقيل : يبدأ بمن شاء منهن حتى يأتي عليهن ثم يجب التسوية على الترتيب وعند المصنف بل قيل والأكثر هو أشبه بأصول المذهب وقواعده ، لأن ولاية القسمة بيده ، إذ هو المخاطب بها ، وإنما يحرم عليه العول والجور فيها ، ولازم ذلك التخيير في الترتيب ، ووجوب التسوية بعد تمامه على نحوه ، لتحقق القسمة حينئذ ، وتعيين كل ليلة لصاحبتها.

نعم قد يقال ـ بناء على مختار المصنف ـ بعدم الالتزام بها في الدور الثاني الذي هو في الحقيقة قسمة جديدة ، وخصوصا مع الإعراض عنهن مدة بعد تمام‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب القسم والنشوز والمستدرك الباب ـ ١٢ ـ منها الحديث ١ وسنن البيهقي ج ٧ ص ٢٩٧ مع الاختلاف في الجميع.

(٢) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٠٢.

١٥٨

الدور ، بل في القواعد بناء أصل المسألة ـ أي القسم بالقرعة أو الاختيار ـ على الوجوب ابتداء وعدمه ، ولعله لاجتماع حقوقهن عليه على الأول بخلافه على الثاني ، فإنه لا حق لأحد منهن عليه ، فحينئذ له الابتداء بمن شاء منهن ، نعم يتجه القرعة في الثاني مع تعددهن لثبوت الحق لهن بالمبيت عند إحداهن.

لكن في محكي المبسوط بعد التصريح بالوجوب بالشروع قال : « فأما إن أراد أن يبتدئ بواحدة منهن فيجب عليه القسم ، لأنه ليس واحدة منهن أولى بالتقديم من الأخرى ، فعليه أن يقسم بينهن بالقرعة ، فمن خرجت بالقرعة قدمها ، هذا هو الأحوط ، وقال قوم : قدم من شاء منهن ، وكان وجهه ما أشرنا إليه من أنه وإن كان لا حق لهن إلا أنه مخاطب بقسمة العدل بينهن إن أراد القسمة ، ولا تتحقق إلا بمعاملتها قسمة الحق بين مستحقيه ، ولا ريب في الاحتياج في ترجيح الأول من المستحقين لمثل هذا الحق الذي لا يمكن استيفاؤه إلا بالترتيب إلى مرجح ، وليس إلا القرعة ، والأمر بالقسمة للزوج منصرف إلى الكيفية المتعارفة في قسمة أمثال ذلك ، وحينئذ فالمتجه وجوب القرعة على القولين ، لكن ذكروا في كيفيتها أنه إذا كانتا اثنتين كفت القرعة مرة واحدة ، لأن الثانية تعينت وإن كن ثلاثا احتيج إلى قرعتين الأولى لتعيين الأولى منهن والثانية لتعيين إحدى الباقيتين وإن كن أربعا احتيج إلى القرعة ثلاث مرات ، كما هو واضح ».

قلت : يمكن الاكتفاء بالقرعة الواحدة من أول بأن يكتب ليلة كل واحدة منهن في ورقة ثم يقرع فتكون ليلة كل واحدة منهن ما في ورقتها ، وظاهرهم عدم الحاجة في القرعة للواحدة ، وإن قلنا بوجوب القسم ابتداء لتعيين ليلتها من الأربع مع فرض التشاح مع الزوج ، ولعله لوجوب تعيين الأولى منهن لها في الفرض ، لكونها ذات حق تطالب من هو متمكن منه ، ودعوى أنه واحدة من الأربع لا الأولى منهن فان له أن يتزوج في تلك الليلة من يزاحمها فيها يدفعها وضوح الفرق بين وجود المزاحم وعدمه ، كدعوى أنه هو المزاحم ، لأن الزائد له ، ضرورة عدم كون المراد من كون الفاضل له أنه حق له ، فإنه لا يتصور استحقاقه على نفسه ، بل المراد منه عدم استحقاق أحد عليه ، فلا يتصور‌

١٥٩

كونه مزاحما لمن له حق عليه.

هذا ، وقد يظهر من المتن ومحكي التلخيص اختصاص هذا البحث بمن تزوج دفعة دون من كان تزويجه مرتبا ، ولعله لأن الترتيب في النكاح يقتضي الترتيب في الاستحقاق ، لكن في المسالك « أن ذلك من المصنف على جهة المثال لا الحصر ، لأن الخلاف يجرى وإن تزوجهن على الترتيب ، أما على القول بعدم وجوب الابتداء بالقسمة فظاهر إذ لو كان معرضا عمن تزوجهن أولا ثم تزوج غيرهن وأراد القسمة جاء في البدأة الخلاف ، وكذا لو قسم لاثنين وأكمل الدور لنفسه ثم تزوج ثالثة ، وأما على القول بوجوب القسم مطلقا فيأتي الخلاف فيمن تزوج بها على رأس كل دور ، بأن بات عند ثلاث ليال وتزوج رابعة ، أو عند اثنتين ليلتين وتزوج ثالثة أو اثنتين ».

قلت : قد يقال : إنه مع القسم للمتقدمات يتعين حقهن فيما قسمه لهن ، كما أنه يتعين حق المتجددة فيما له من الليالي ، ضرورة اقتضاء القسم السابق تعين الحق في الأولى من الدور مثلا ، نعم لو تزتبن في النكاح ولم يكن قسم لنشوز أو غيره تأتي البحث حينئذ في كيفية البدأة به ، والسبق في النكاح من حيث كونه كذلك لا يقتضي تعين ليلة مخصوصة من الأربع ، بل هو والنكاح المتأخر سواء في كيفية اقتضاء استحقاق ليلة من أربع ، كما هو واضح. وليس له نقض القسم بدون رضا صاحبة الحق ، إذ هو ليس في خصوص ليلة خاصة من الدور ، بل متى وقع كان مقتضيا لتعلق الحق في كل أولى أو ثانية مثلا من الدور ، بل قد يتوقف في مشروعيته مع التراضي بالقسم في دور خاص وإن يقوى جوازه ، لانحصار الحق فيهما ، أما مع عدم التصريح بذلك فالظاهر تعلقه بكلي الثانية مثلا من الدور لا الخاصة منها ، فلا يجوز نقضه حينئذ من دون تراض.

نعم بناء على عدم وجوب القسم ابتداء قد يقال : إن له في كل دور تجديد القرعة ، خصوصا مع الاعراض عنهن مدة طويلة بعد تمام الدور الأول ، وإلى ذلك‌

١٦٠