جواهر الكلام - ج ٣١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المسألة ( السابعة عشرة )

قد عرفت فيما تقدم أنه يجوز أن يجمع بين نكاح وبيع وغيرهما في عقد واحد ، ويقسط العوض حينئذ على الثمن الذي هو قيمة المبيع ومهر المثل الذي هو قيمة البضع ، كما عرفته فيما تقدم ولو كان معها دينار مثلا فقالت : زوجتك نفسي وبعتك هذا الدينار بدينار فعن المبسوط ووافقه المصنف بطل البيع ، لأنه ربا باعتبار مقابلته بدينار مع زيادة النكاح أو عوضه وفسد المهر حينئذ وصح النكاح الذي قد عرفت غير مرة أن المهر ليس من أركانه.

ولكن في القواعد وتبعه في المسالك أن الأقوى وجوب ما يقتضيه التقسيط من المسمى للنكاح وبطلان البيع خاصة ، إذ لو أخلينا النكاح من المسمى لزم وقوع الدينار كله بإزاء الدينار ، فيصح البيع حينئذ لانتفاء الربا ، فلو فرض مهر مثلها دينارا كان ما يخص المهر منه نصف دينار ، لاتفاقهما على جعله في مقابلة دينارين ، ويبطل البيع في نصف الدينار بالدينار الذي يقابله ، ولو فرض مهر مثلها عشرة دنانير قسم الدينار على أحد عشر جزء ، وكان المهر عشرة أجزاء من أحد عشر جزء من الدينار ، وبطل البيع في جزء من أحد عشر جزء من دينار ، ولعل هذا آت في كل مختلفين جمعا في عقد واحد بعوض واحد ، ولا يلزم من بطلان الربا بطلان الأمرين ، لوجود المقتضي للصحة وانتفاء المانع.

وفيه أن عقد المعاوضة واحد إلا أن عدم بطلان النكاح من جهة عدم اعتبار العوض فيه ، وإلا فلا ريب في بطلان « بعتك الفرس والدينار بدينار » بل « وبعتك الفرس ووهبتك الدينار بدينار » بناء على جريان الربا في سائر المعاوضات ، فتأمل جيدا ، هذا كله مع اتحاد الجنس.

أما لو اختلف الجنس كالدينار بالدرهم صح الجميع لعدم الربا‌

١٢١

نعم يعتبر تحقق شرط الصرف وهو التقابض في المجلس وإلا بطل فيما يقابل الدرهم من الدينار ، وصح فيما اقتضاه المهر من التقسيط ، لعدم اعتبار التقابض فيه في المجلس وكأن المصنف ذكر هاتين المسألتين في هذا الباب ـ مع أنهما ليستا منه ـ لما يحكى عن العامة من عد ذلك من مفسدات المهر ، والله العالم.

( فروع :)

( الأول )

لو أصدقها عبدا فأعتقته ثم طلقها قبل الدخول فعليها نصف قيمته بلا خلاف ولا إشكال ، كما عرفته في المباحث السابقة. ولكن الكلام فيما لو دبرته فإنه قيل : كانت بالخيار في الرجوع بالتدبير وإعطائه نصف العين وفي الإقامة على تدبيره وإغرامه نصف القيمة ، وذلك لأن التدبير طاعة مقصودة قد تعلقت بالعبد ، فكانت كالزيادة المتصلة التي قد سمعت أنها لا تجبر معها على دفع العين ، بل قد سمعت قوة احتمال تعين القيمة ، في مثل ذلك ، ولتعلق حق الحرية بالعين ولا عوض عنه ، بخلاف حق الزوج ، فإن القيمة تقوم مقامه ، فتدفع حينئذ جمعا بين الحقين ، إلا أن ذلك كما ترى ، ضرورة عدم إخراج التدبير المدبر عن الملك ، كضرورة كون الطلاق مملكا للنصف ، فالمتجه حينئذ انتقال نصف العين إلى المطلق ، لكون العين باقية على ملكها ، فلا مانع حينئذ من إعمال سبب الطلاق قبل الدخول عمله ، كما في غير التدبير من الوصايا المتعلقة بالصداق ، واحتمال خصوصية للتدبير يدفعه منع ذلك بعد فرض جواز الرجوع كغيره من الوصايا ، نعم قد يتم ذلك لو قلنا بعدم جواز الرجوع به ، كما هو المشهور بين العامة على ما قيل ، كمنع احتمال ترجيح استصحاب بقاء حكم الوصية أو عموم‌

١٢٢

ما دل على نفوذها ما لم يرجع صاحبها وعدم جواز تبديلها (١) على ما دل (٢) على تنصيف الطلاق بناء العتق على التغليب الذي لأجله شرع التدبير ، لكون التعارض بينهما من وجه ، خصوصا مع عدم منع التدبير رجوع الواهب بالموهوب ولا الرجوع بالعين لعيب مثلا في البيع ، فإنه لا فرق بينهما في المقام ، وما في بعض كتب العامة من قوة الفسخ فيهما ، وكونه كالعقد بخلاف الطلاق مجرد استحسان ، ومن هنا كان خيرة ثاني الشهيدين بطلان التدبير في النصف ، إلا أن الانصاف عدم خلو الأول من قوة أيضا.

وعلى كل حال فان رجعت بالتدبير أخذ نصفه ، وإن أبت لم تجبر على الرجوع وكان عليها قيمة النصف بل قد يقال : بأن له قيمة النصف في الأول أيضا وإن رجعت فيه بعد الطلاق قبل الغرامة ، لما عرفت من كون الطلاق مملكا من حينه ، فمع فرض تمليكه القيمة عليها يكون العبد مدبرا لا دليل على عود استحقاقه إلى العين بعد الرجوع ، اللهم إلا أن يقال : إن لم يعد الحق إليها فلا ريب في أنها أقرب إليه من القيمة ، وفيه أنه لا دليل فيه أيضا على وجوب الأقرب بعد فرض تعلق السبب بمقتضاه.

ومن ذلك يعلم الكلام فيما لو دفعت نصف القيمة ثم رجعت في التدبير الذي هو أولى من الأولى بالحكم السابق وإن قيل كان له العود في العين لأن القيمة أخذت لمكان الحيلولة كالعين المغصوبة ولكن فيه تردد منشؤه ما عرفت ، وما في المتن من استقرار الملك بدفع القيمة ولو للأصل.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من كتاب الوصايا.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥١ ـ من أبواب المهور.

١٢٣

( الثاني )

قد عرفت فيما مضى أن المولى عليها إذا زوجها الولي بدون مهر المثل لا لمصلحة كان لها عدم إجازة المهر ، بل والعقد في وجه تقدم الكلام في ذلك مفصلا ، ولكن في المتن هنا قيل : يبطل المهر ولها مهر المثل ، وقيل : يصح المسمى وهو أشبه بعمومات الولاية وبما ثبت كتابا (١) وسنة (٢) من أن له العفو عن المهر وهو مناف لما اختاره سابقا ، اللهم إلا أن يحمل على الصحة التي لا تنافي اعتراضها ، فلاحظ وتأمل.

وفي المسالك « أن المختار صحة العقد ولزوم المسمى مع المصلحة ، وثبوت الخيار لها فيه مع عدمها ، فان فسخت فلها مهر المثل مع الدخول كالمفوضة ـ إلى أن قال : ـ ولو كان المولى عليه ذكرا وزوجه الولي بأكثر من مهر المثل فالأقوى وقوفه على الإجازة لعقد الفضولي بالنسبة إلى المسمى ، فإن أبطله ثبت مهر المثل كالسابق ، ويتخير الأخر حينئذ في العقد ، هذا إذا كان الصداق من مال الولد ، فلو كان من مال الأب جاز ، لأنه لا تخيير للولد حينئذ ، وإن دخل في ملك الولد ضمنا » وظاهره الفرق في الحكم بينهما ، وفيه نظر يعرف مما قدمناه سابقا فلاحظ وتأمل.

( الثالث )

لو تزوجها على مال مشار اليه غير معلوم الوزن أو غيره مما يعتبر فيه العد والكيل والذرع فتلف قبل قبضه فأبرأته منه صح لعموم أدلة الإبراء (٣)

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب المهور.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب المهور.

١٢٤

خلافا لما عن الشيخ من المنع عند الجهل بالقدر في قول وكذا لو تزوجها بمهر فاسد واستقر لها مهر المثل فأبرأته منه أو من بعضه صح لذلك ولو لم تعلم كميته ، لأنه إسقاط للحق ، فلم يقدح فيه الجهالة التي لا دليل يعارض العمومات وغيرها على مانعيتها ، نعم لو أبرأته من مهر المثل قبل الدخول بناء على وجوبه به لم يصح ، لعدم الاستحقاق حينئذ ، فهو إبراء مما لم يجب ، مع احتمال أن يقال : إنه مع تحقق استحقاق أن تستحق بالعقد مثلا يصح له إسقاط ذلك الاستحقاق لكنه ليس إبراء من مهر المثل ، فتأمل ، والله العالم.

( تتمة : )

إذا زوج ولده الصغير فان كان له مال فالمهر على الولد ، وإن كان فقيرا أي لم يكن له مال فالمهر في عهدة الوالد وحينئذ ف لو مات الوالد أخرج المهر من أصل تركته لأنه من ديونه سواء بلغ الولد وأيسر أو مات قبل ذلك بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص ، ففي‌ صحيح الفضل بن عبد الملك (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يزوج ابنه وهو صغير ، قال : لا بأس ، قلت : يجوز طلاق الأب ، قال : لا ، قلت : على من الصداق؟ قال : على الأب إن كان ضمنه لهم ، وإن لم يكن ضمنه فهو على الغلام إلا أن لا يكون للغلام مال ، فهو ضامن له وإن لم يكن ضمن » وموثق عبيد (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يزوج ابنه وهو صغير قال : إن كان لابنه مال فعليه المهر ، وإن لم يكن للابن مال فالأب ضامن المهر ضمن أم لم يضمن » ‌وخبر علي بن جعفر (٣) عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن الرجل يزوج ابنه وهو صغير فدخل الابن بامرأته على من المهر؟ على الأب؟ قال : المهر على الغلام ، وإن لم يكن له شي‌ء فعلى الأب ضمن ذلك عن ابنه أو لم يضمن إذا كان هو أنكحه وهو صغير » ‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب المهور الحديث ٢ ـ ١ ـ ٤

١٢٥

وعلى ذلك ينزل إطلاق‌ صحيح ابن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن رجل كان له ولد فزوج منهم اثنين وفرض الصداق ثم مات ، من أين يجب الصداق من جملة المال أو من حصتهما؟ قال : من جميع المال ، إنما هو بمنزلة الدين ».

فلا حاجة حينئذ بعد ذلك إلى ما عن السرائر والتذكرة ـ من الاستدلال عليه بأنه لما قبل النكاح لولده مع علمه بإعساره وبلزوم الصداق فعقد النكاح علمنا بالعرف والعادة أنه دخل على أن يضمنه ـ الواضح منعه ، بل يمكن دعوى أن المرأة مع علمها بالحال دخلت على أن الصبر إلى الإيسار.

نعم في القواعد « لو تبرأ الأب في العقد من ضمان العهدة صح إن علمت المرأة بالإعسار » ولعله لأن‌ المؤمنين عند شروطهم (٢) ‌ولدخول المرأة على ذلك ، وللاقتصار في خلاف الأصل على المتيقن ، بل لو لم تعلم بالإعسار ، فكذلك أيضا لما عرفت ، وإن قيل : إن لها حينئذ خيار الفسخ ، مع أن فيه ما فيه ، كما أن ما في كشف اللثام ـ من احتمال عدم اعتبار التبري حينئذ ، لإمكان كون رضاها بذلك لظنها الإيسار وأن التبري قد كان مما ليس عليه ضمانه ، ولو أنها علمت كون الضمان عليه لم ترض بالتبري منه ـ كذلك أيضا هذا.

ولكن في المسالك الإشكال في أصل صحة ذلك ، لإطلاق النص والفتوى بلا معارض ، على أن الصبي غير محتاج إلى النكاح ، فلاحظ له في التزام المهر في ذمته مع الإعسار عنه ، وتزويج الولي له غير متوقف على وجود المصلحة ، بل على انتفاء المفسدة ، ولو قيد ذلك بما إذا كان في التزام الصبي بالمهر مصلحة ـ بأن كانت مناسبة له وخاف فوتها بدون ذلك ونحوه ـ قرب من الصواب إلا أن تخصيص النصوص الصحيحة بذلك لا يخلو من إشكال.

قلت : قد عرفت ما يقتضي تخصيصها لو سلم عمومها ، لإمكان دعوى ظهورها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب المهور الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

١٢٦

في صورة الإطلاق أو عدم ظهورها فيما يشمل هذه الصورة ، فما عساه يقال ـ : إن بين أدلة (١) المقام‌ و « المؤمنون عند شروطهم » (٢) ‌تعارض العموم من وجه وترجيح الأول على الثاني ليس بأولى من العكس المعتضد بإطلاق الفتاوى ـ واضح الضعف ، خصوصا بعد ما سمعت من عدم ظهور النصوص في الفرض ، وإنما هي ظاهرة في النكاح من حيث نفسه ، وكذا الكلام في صورة عدم المسمى لفساد أو لتفويض أو لنحو ذلك ، فوجب مهر المثل بالدخول بعد البلوغ ، فان ضمان الأب حينئذ له وإن بقي الولد على إعساره لا يخلو من إشكال أو منع ، بل قد يتوقف في ضمانه بالفرض في مفوضة البضع أيضا.

ولو كان الصبي مالكا لبعض المهر دون بعض ففي المسالك « لزمه منه بنسبة ما يملكه ، ولزم الأب الباقي ـ ثم قال فيها أيضا ـ : إن إطلاق النصوص والفتاوى يقتضي عدم الفرق في مال الصبي بين كونه مما يصرف في الدين على تقديره وغيره ، فيشمل ما لو كان له دار سكنى ودابة ركوب ونحو ذلك ، فيكون المهر حينئذ في ذمته وإن كان لا يجب عليه الوفاء منها ، بل تنتظره حتى يقدر على الوفاء إن شاء جمعا بين الأصلين » قلت : إن كان المراد من النصوص بالمال للصبي الذي تتسلط المرأة على استيفاء مهرها منه كان المتجه حينئذ عدم اعتبار المستثنيات المزبورة ، وإن كان المراد صدق له مال وإن لم يكن كذلك لقلته أو لكونه مرهونا أو لغير ذلك من الموانع التي تمتنع المرأة من استيفاء مهرها إلا أنه مع ذلك يصدق عليه أن عنده مال وشي‌ء اتجه حينئذ عدم التوزيع في الفرع الأول ، بل يكون تمام المهر عليه ، ولعل ذلك هو الموافق لقاعدة الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن ، ولتعليق ضمان الأب على ما إذا لم يكن عنده شي‌ء في خبر علي بن جعفر (٣) ومال في غيره (٤) فتأمل جيدا.

وعلى كل حال ففي كل موضع لا يضمن الأب المهر لو أداه تبرعا عن‌

__________________

(١) و (٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب المهور ٠ ـ ٤ ـ ١

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

١٢٧

الصبي أو ضمنه لا بقصد الرجوع لم يكن له رجوع للأصل ، كما لو أداه عن أجنبي أو أداة أجنبي ، نعم لو أداه بقصده مع الغبطة أو عدم المفسدة يتجه حينئذ رجوعه ، لعموم ما دل على نفوذ تصرف الأولياء ، وخصوصا الإجباري منه ، وما عن التذكرة ـ من عدم الرجوع بالأداء ، ورجوعه بالضمان مع قصده الرجوع به في موضع منها ـ غير واضح الوجه ، ضرورة عدم الفرق بينهما في ذلك كما عرفت.

ولا يخفى أن مورد النصوص الأب وفي التعدي إلى الجد وإن علا وجهان ، من كونه أبا حقيقة ، بل ولايته أقوى من ولاية الأب في بعض المواضع ، ومن مخالفة الحكم للأصول ، فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن ، خصوصا والمنساق منه هنا الأب ، بل في المسالك منع كونه أبا حقيقة ، ولذا يصح سلبه عنه ، ومطلق الاستعمال أعم من الحقيقة ، وإن كان فيه ما فيه.

ولا فرق في ضمان الأب المهر بين المؤجل منه والمعجل وإن زاد الأجل على زمان البلوغ ، بل ولا في النكاح بين الفضولي وغيره مع إجازة الأب له ، نعم لو لم يجز الأب لعدم علمه مثلا فأجاز الولد بعد بلوغه أمكن عدم الوجوب على الولي ، للأصل وظهور خبر علي بن جعفر (١) في خلافه.

وكذا لا فرق فيه بين أن يكون دينا في ذمة الوالد أو عينا يبذلها للمهر بها عن ولده ، بل صريح بعضهم المفروغية من ذلك ، ولعله للقطع بإلغاء الخصوصية في مضمون النصوص ، إلا أن الانصاف عدم خلوه من نوع تأمل وإن كان الأقوى ذلك ، والله العالم.

وكيف كان فلو دفع الأب المهر الذي ضمنه في ذمته لإعسار الصبي وبلغ الصبي فطلق قبل الدخول استعاد الولد النصف منه دون الوالد ، لأن الطلاق مملك جديد للنصف لا فاسخ لسبب الملك ولما قيل من أن ذلك من الوالد يجري مجرى الهبة من الوالد إلى الامرأة ، وعلى كل حال فمع طلاقه يرجع‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

١٢٨

اليه نصف المال الذي دفع مهرا ، بل هو كذلك لو دفعه عن الصبي الموسر تبرعا أو ضمنه عنه كذلك ، بل لا فرق بين الولد والأجنبي في ذلك فضلا عن الكبير كما لا فرق بين الولد وبين الأجنبي.

ومنه يعلم الوجه في قول المصنف :

( فرع )

لو أدى الوالد المهر عن ولده الكبير تبرعا ثم طلق الولد رجع الولد بنصف المهر ، ولم يكن للوالد انتزاعه منه ، لعين ما ذكرناه في الصغير ولكن في المتن وفي المسألتين تردد وكذا في القواعد ، لكن في الدفع عن الكبير ولدا كان أو أجنبيا ، بل في محكي التحرير الحكم برجوع النصف للوالد كما في القواعد ، ولعل ذلك كله لأن دفع الوالد إنما هو للوفاء عما في ذمة الولد تحقيقا أو تقديرا ، كما في الصبي المعسر الذي كان ينبغي صيرورة العوض في ذمته مقابل البضع الذي ملكه على حسب المعاوضات ، كما يومئ اليه التعبير في النصوص (١) بضمان الوالد المشعر بكونه كالضمان عنه ، فمع الطلاق الذي هو فسخ عقد النكاح يعود النصف إلى من دفعه وفاء ، نحو الفسخ بالعيب في البيع الذي دفع فيه الثمن عن ذمة المشتري تبرعا مثلا.

ومن هنا جزم في القواعد بأنه « لو طلق الولد قبل أن يدفع الأب عن الصبي المعسر سقط النصف عن ذمة الأب والابن ، ولم يكن للابن مطالبة الأب بشي‌ء » بل في كشف اللثام « أنه ظاهر ، لأنه بضمانه تمام المهر للامرأة لا يثبت للابن عليه شي‌ء ، وإنما ينتقل إليه المهر بدفعه عنه إليها ، كما أن المديون لا يطالب الضامن عنه بشي‌ء إذا أبرأه المضمون له ، نعم لو كان المهر عينا للأب ملكتها المرأة بالإصداق وإن لم تقبضها ، فإذا طلقها رجع إليه لا إلى الأب نصفها ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب المهور.

١٢٩

إلا أن الجميع كما ترى بعد ما عرفت من ظهور النص (١) والفتوى في أن الطلاق مملك لا أنه فاسخ يعود به السبب الأول للملك ، بل ظاهر المحكي عن الشيخ الإجماع عليه ، وحينئذ لا فرق بين دفع الأب وعدم دفعه ، بل ولا بينه وبين الضمان تبرعا ، ولا بين كونه عينا أو دينا ، ضرورة عدم الفرق في تسبيبه الملك لنصف العين أو الدين ، فيطالب به الأب.

ولعله لذا اعترف في المسالك بعدم ظهور الفرق بين الدفع وعدمه في الصبي المعسر برجوع الولد بالنصف ، لكن قال : إن ذلك يتم لو كان الأب متبرعا بالدفع عن الصغير ، وفيه أنه لا فرق أيضا مع دفعه أو ضمانه كذلك ، نعم لو لم يكن قد دفع ولا ضمن لم يكن له الرجوع بشي‌ء على الوالد ، لأن ذمته المشغولة لا والده ، والفرض عدم دفع عنه.

ومن الغريب ما سمعته من كشف اللثام من قياس ذلك على الضمان الذي لا يتم التشبيه فيه إلا بالضمان عنه باذنه فاتفق أن المضمون له قد أبرأ ذمة الضامن فإنه تبرأ ذمة المضمون عنه أيضا ، لكونه دينا واحدا ، وهو غير ما نحن فيه ، نعم لو قلنا في الصبي المعسر إن ذمته المشغولة والأب ملتزم بالتأدية عنه اتجه حينئذ ما ذكره ولكنه خلاف ظاهر النصوص (٢) بل صريحها وصريح الفتاوى ، بل ما في النصوص من التعبير بالضمان يراد منه الالتزام نحو‌ قوله عليه‌السلام (٣) : « من أتلف مال غيره فهو له ضامن » ‌لا الضمان المصطلح ، على أنه على تقديره فهو حينئذ ضمان شرعي قهري لا ينافي تملك نصفه للولد بالطلاق.

ودعوى أن المراد بالاية ( فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (٤) عود النصف للفارض ، وهو‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء والباب ـ ١٧ ـ من أبواب المهور والباب ـ ٢٤ و ٣١ و ٣٤ و ٣٥ ـ منها.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب المهور.

(٣) راجع التعليقة في ص ٩١.

(٤) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٧.

١٣٠

هنا الأب ، أو أن المراد لها نصف ما فرضتم لهن ، فيبقى النصف الأخر على حاله يدفعها ظهور النص والفتوى في إرادة ما يشمل فرض الولي ، ولهذا لم يكن عندهم إشكال معتد به في تملك الولد النصف مع الدفع ، وظهورهما أيضا في إرادة تملك المطلق نصف المفروض الذي ملكته الامرأة بتمامه في العقد كما هو واضح ، وكأن تردد المصنف باعتبار اشتهار تعليل هذا الحكم بما ذكره من التنزيل منزلة الهبة ، وحينئذ فإذا دفع وطلق الولد كان له باعتبار لزوم هبة الرحم ، وإن كان من الأجنبي كان هذا الدفع منه للزوجة بمنزلة قبض الموهوب وتصرفه بالهبة ، فليس له الرجوع ، ويتعين للولد النصف بالطلاق ، أما إذا لم يدفع فلا هبة ، فإذا طلق لم يكن للولد الرجوع على الوالد ، وفيه أنه لا رجوع له إلا مع الضمان التبرعي ، والطلاق مملك للولد النصف ، فيستحق حينئذ على الضامن إذا ملكت الامرأة عليه الكل بالضمان.

على أن دعوى الهبة في السابق مع عدم قصدها ، وعدم ولاية الدافع عن المدفوع عنه في بعض أفرادها ، وغير ذلك مما ينفي كونه هبة ، وخصوصا مع ملاحظة النظائر التي يدفع فيها الدين تبرعا عن المديون وبدون إذنه ، لعدم اعتبار المملوكية في المدفوع وفاء كي يحتاج إلى هذا التقدير مما لا ينبغي صدورها ممن له أدنى ممارسة في الفقه ، ولعله لذلك تردد المصنف ، واستشكل غيره ، والتحقيق ما عرفت.

ومن ذلك كله تعرف النظر في جملة من كلمات القوم التي أطنب فيها في المسالك ، كما أنك منه قد عرفت الوجه في جميع أفراد المسألة ، والله العالم.

١٣١

( الطرف الرابع في التنازع )

( وفيه مسائل : )

إذا اختلفا في أصل استحقاق المهر وعدمه ف لا ريب في أن القول قول الزوج مع يمينه بلا خلاف ولا إشكال إذا كان ذلك قبل الدخول للأصل بل الأصول السالمة عن المعارض ، لاحتمال تجرد العقد عن المهر الذي قد عرفت عدم اعتباره في صحته ، بل قيل : مقتضى الأصل تجرده ، ولذا كان الأصل التفويض لو وقع الاختلاف بينهما في التسمية وعدمها بلا خلاف ولا إشكال أيضا ، نعم قد يظهر من بعض العامة التحالف ، ومرجعه الى حكم التفويض أيضا ، وعلى كل حال فلا إشكال في الحكم المزبور.

لكن الاشكال لو كان الاختلاف بينهما في أصل استحقاق المهر وعدمه بعد الدخول ف المشهور كما في كشف اللثام أن القول قوله أيضا نظرا إلى البراءة الأصلية لاحتمال أن ذلك قد كان بانكاح أبيه وهو صغير معسر ، فيكون المهر على أبيه ، وإنكاح سيده لأنه رق سابقا فيكون المهر في ذمة السيد ، بل في الرياض الحكم بذلك قطعا مع ثبوت انتفاء التفويض باتفاقهما عليه أو البينة أو ما في معناها ، لجواز كون المسمى دينا في ذمة الزوجة أو عينا في يدها ، فلا يكون العقد المشتمل على التسمية بمجرده مقتضيا لاشتغال ذمة الزوج بشي‌ء من المهر وظاهرا ، مع احتماله أيضا لأصالة البراءة المرجحة على أصالة عدم التسمية ، مع أن فرض‌

١٣٢

التساوي لا يوجب الحكم باشتغال الذمة إلا مع رجحان الأصالة الأخيرة ، وليس فليس كل ذلك.

مضافا إلى ما في كشف اللثام من الاستدلال عليه بالأخبار ك‌

قول الصادق عليه‌السلام في خبر الحسن بن زياد (١) : « إذا دخل الرجل بامرأته ثم ادعت المهر وقال : قد أعطيتك فعليها البينة وعليه اليمين » ‌وفي‌ صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (٢) : « إذا أهديت إليه ودخلت بيته وطلبت بعد ذلك فلا شي‌ء لها ، إنه كثير لها أن يستحلف بالله ما لها قبله من صداقها قليل ولا كثير ».

قلت : قد يقال : الظاهر أن مبني هذه النصوص على ما إذا كانت العادة الإقباض قبل الدخول ، بل قيل إن الأمر كذلك كان قديما ، فيكون حينئذ ذلك من ترجيح الظاهر على الأصل ، وعلى كل حال موضوعها غير مفروض المسألة ، ضرورة كونه في اختلافهما في وصول المهر إليها وعدمه ، بخلاف ما نحن فيه الذي قد سمعت مفروضه استحقاق المهر وعدمه.

بل من ذلك يظهر لك وجه النظر فيما سمعته من الرياض على التقديرين لأن احتمال كون المهر دينا له في ذمتها أو عينا لا ينافي دعواها الاستحقاق ، وإنما ينافي جوابه دعواها بعدم الاستحقاق ، ضرورة كون ذلك على فرضه أداء منه لما استحق عليه ، فكان عليه إثباته ومن هنا لم يذكر الأصحاب ذلك في وجه براءته التي هي مقتضي الأصل ، وإنما ذكروا احتمال كون المهر في ذمة الوالد والسيد ، فإنه عليهما يكون إنكاره الاستحقاق عليه في محله ، وهو الموافق حينئذ للأصل.

ومن هنا قال في المسالك : « هذا التوجيه حسن حيث يكون الزوج محتملا لكونه بأحد الوصفين ، فلو علم انتفاؤهما في حقه ـ بأن كانت حريته معلومة ولم يتزوج المرأة المدعية إلا وهو بالغ أو مات أبوه قبل أن يتزوجها ونحو ذلك ـ لم يتمسك بالبراءة الأصلية ، للقطع باشتغال ذمته بعوض البضع ، لانحصار أمره حينئذ‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب المهور الحديث ٧ ـ ٨

١٣٣

في الأمرين على سبيل منع الخلو ، لأنه إن كان لم يسم مهرا فقد استقر عليه مهر المثل ، وإن كان قد سمى استقر المسمى ، والأصل عدم دفعه إليها ، واللازم من ذلك أن لا يلتفت إلى إنكاره ، بل إما أن يحكم عليه بمهر المثل ، أو ما تدعيه المرأة إن كان أقل ، نظرا إلى أصالة عدم التسمية الموجب لذلك ، وإما أن يطالب بجواب آخر غير أصل الإنكار ، فإن ادعى تسميته حكم عليه بالمسمى إلى أن يثبت براءة ذمته منها أو عدمها فيثبت عليه مقتضى التفويض » وهو صريح في أن القول قولها حينئذ مع العلم بانتفاء الاحتمالين.

بل قد يقال بذلك مع عدم العلم أيضا ، بدعوى أن الأصل ثبوت الاستحقاق بالدخول حتى يعلم عدمه ، لاستفاضة النصوص (١) بكون الدخول موجبا للمهر والغسل والعدة ، وهو قاعدة شرعية قاطعة لأصالة البراءة ، مضافا إلى أولوية البضع من المال بأصالة الاحترام والضمان ، ولعله إلى ذلك أومأ في كشف اللثام حيث إنه بعد أن ذكر ما عرفت عن المشهور قال : « ويشكل بأن الأصل مع الدخول شغل ذمة الزوج خصوصا إذا علم انتفاء الأمرين » بل هو ظاهر المسالك في أثناء كلام له ، بل لعله إليه يرجع ما عن الإرشاد في مفروض المسألة من وجوب مهر المثل بتقريب الأصل السابق وأصالة عدم التسمية ، فيثبت التفويض الموجب لمهر المثل ، وليس ذلك من الأصول المثبتة ، لأن التفويض قيده عدم ( عدمي خ ل ) يمكن إثباته بالأصل ، فيترتب حكم التفويض ، ولا حاجة إلى ما في المسالك من أنه لا بد من تقييده بعدم زيادته على ما تدعيه ، لأن الزائد عنه منفي بإقرار المدعي ، فلا يجب دفعه إليه ، وذلك لأن مفروض المسألة الاقتصار في اختلافهما على أصل استحقاق المهر وعدمه ، وما ذكره من التقييد خروج عن مفروض المسألة المتجه فيه الضمان بمهر المثل الذي هو قيمة له كالمال ، فلا وجه حينئذ للقول بأن ثبوت استحقاق المهر إنما يقتضي ثبوت أقل ما يتمول الصالح لأن يكون مهرا يتحقق به أصالة ثبوته بالدخول ، ضرورة أنك قد عرفت اقتضاء أصالة احترام البضع وضمانه على حسب‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب المهور.

١٣٤

المال ضمانه بقيمته التي هي مهر المثل ، حيث لا يثبت الأقل أو الأكثر بالتسمية بالعقد مثلا ، وحينئذ فالزوج مدع إن ادعى الأقل ، كما أنها مدعية لو ادعت الأكثر.

ومن ذلك يعلم ما في قول المصنف ولا إشكال لو قدر المهر بأرزة واحدة أي ربع حبة ، والحبة ثلث قيراط ، وهو جزء من عشرين جزء من دينار لأن الاحتمال متحقق والزيادة غير معلومة اللهم إلا أن يريد عدم الاشكال باعتبار رفع الاختلاف بينهما ، ضرورة أعمية دعواها الاستحقاق من الأرزة وغيرها ، فلا نزاع بينهما ، لعدم إنكاره دعواها ، لا أن الأرزة فقط ثابتة حتى لو زادت على دعواها استحقاق المهر بإنكار التسمية بذلك ، فان القول حينئذ قولها بيمينها ، للأصل ويثبت لها مهر المثل لما عرفت ، ولو زادت مع ذلك في جوابه ببيان دعوى استحقاقها بدعوى التسمية بأزيد من ذلك كان ذلك من الاختلاف في القدر الذي ستعرف الكلام فيه.

ومن ذلك كله ظهر لك ما عن التحرير من أنه « إذا وقع الاختلاف في أصل المهر بعد الدخول يستفسر هل سمى أم لا؟ فان ذكر تسمية كان القول قوله مع اليمين ، وإن ذكر عدمها لزمه مهر المثل ، وإن لم يجب بشي‌ء حبس حتى يبين » إذ من المعلوم أن الاستفسار إنما يجب مع إفادة الكلام فائدة بدونه ، وقد عرفت أن مجرد الاعتراف بالنكاح مع الدخول له حكم يترتب عليه ، فلا يجب الاستفسار وإن كان جائزا ، كما أن من المعلوم ان القول قولها في عدم التسمية لا قوله ، نعم هو كذلك لو اتفقا عليها واختلفا فيها قلة وكثرة ، كما تسمع الكلام فيه ، وحبسه إذ لم يبين تعجيل عقوبة لا سبب لها ، وذلك لأن الدخول يقتضي حكما فينبغي ترتيبه عليه حتى يتبين خلافه.

ولو عدل الزوج قبل الحكم عليه بمهر المثل إلى دعوى لا تنافي الأولى بأن قال : كنا سمينا قدرا ولكن وصل إليها أو أبرأتني منه أو نحو ذلك سمعت الدعوى ورتب عليها حكمها من قبوله في القدر وقبول قولها في عدم القبض والإبراء ، وهو‌

١٣٥

حسن إن تجبه بإنكار التسمية ، وإلا كان لها أيضا مهر المثل بيمينها على نفي التسمية ، كما هو واضح.

ولو اختلفا في قدره بأن ادعت الامرأة تسمية الزائد والرجل الناقص أو اختلفا في وصفه بعد الاتفاق على جنسه أي نوعه على وجه ترتفع الجهالة القادحة فيه ثم ادعت المرأة زيادة وصف آخر مثلا وأنكر هو ذلك ف لا ريب في أن القول قوله أيضا كما هو المشهور بين الأصحاب ، بل هو كالمجمع عليه ، بل ربما حكاه عليه بعضهم ، لأصالة البراءة من الزائد ومن الوصف الذي هو بمنزلة دعوى الاشتراط ، ولصحيح أبي عبيدة (١) عن الباقر عليه‌السلام « في رجل تزوج امرأة فلم يدخل بها فادعت أن صداقها مأة دينار وذكر الزوج أن صداقها خمسون دينارا وليس لها بينة على ذلك ، قال : القول قول الزوج مع يمينه ».

وجعل بعضهم من الاختلاف في الوصف الاختلاف في التعجيل والتأجيل أو زيادة الأجل ، لمعارضة أصالة عدم التأجيل وزيادته بأصالة عدم الزيادة في المهر ، فإن التأجيل نقص في المهر وعدمه زيادة فيه ، والأصل عدمها ، وهكذا في كل وصف يقتضي زيادة المهر مضافا إلى أصالة عدم اشتغال الذمة الان مثلا في الاختلاف في الأجل ، وفيه منع واضح ومخالفة للمعلوم في غير المقام من عدم معارضة أصالة عدم ذكر الأجل أو زيادته بأصالة عدم الزيادة باعتبار ورودها عليه.

ومن الغريب ما في المسالك من تفسير عبارة المصنف بدعوى الامرأة استحقاقها عليه من جهة المهر مأة دينار سواء كان ذلك جميعه أو بعضه ، ثم حكى عن مشهور الأصحاب تقديم قول الزوج وذكر الصحيح المزبور إلى أن قال : « ولا فرق بين كون مدعاه مما يبذل مهرا عادة لأمثالها وعدمه عندنا ، لعموم الأدلة ـ ثم قال ـ : ومقتضى إطلاق الأصحاب والرواية أنه لا يستفسر هنا بكون ذلك تسمية أم من مهر المثل ، وللبحث في ذلك مجال ، لأنه لو كان بعد الدخول مع اتفاقهما على عدم التسمية فالواجب مهر المثل ، فإذا كان الذي يعترف به أقل منه فدعواه في قوة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

١٣٦

إيتاء الزائد ، والتخلص منه بالإبراء ونحوه ، ومثل ذلك لا يقبل قوله فيه ، وكذا مع اتفاقهما على التسمية واعترافه بأنها أكثر ولكن يدعى التخلص من الزائد ، ضرورة أن ذلك ليس من الاختلاف في القدر المذكور في النص والفتوى بل لعلهما صريحان في خلافه ـ ثم قال ـ : والحق حمل النص والفتوى على ما لو أطلق الدعوى أو ادعى تسمية هذا القدر وادعت هي تسمية الأزيد ـ إلى أن قال ـ : ومع ذلك ففيهما معا بحث ، لأنه مع الإطلاق كما يحتمل كونه بطريق التسمية يحتمل كونه بطريق عوض البضع المحترم ، وعوضه مطلقا مهر المثل ، وإنما يتعين غيره بالتسمية ، والأصل عدمها ، وهذا الأصل مقدم على أصل البراءة ، لوجود الناقل عنها ، ومع اختلافهما في قدر التسمية يكون كل منهما منكرا لما يدعيه الأخر منهما ، فلو قيل بالتحالف ووجوب مهر المثل كان حسنا ، إلا أن إطلاق الرواية الصحيحة المتناول لمحل النزاع يؤنس بترجيح ما أطلقه الأصحاب على ما فيه من الحزازة ، ومن ثم قال العلامة في القواعد : وليس ببعيد من الصواب تقديم من يدعى مهر المثل منهما ، فان ادعى النقصان وادعت الزيادة تحالفا وردا إليه ، ولو ادعيا الزيادة عليه المختلفة احتمل تقديم قوله لأنه أكثر من مهر المثل ومهر المثل ، ولو ادعيا النقصان عنه احتمل تقديم قولها ومهر المثل ، وعلى كل حال فلا خروج عما عليه الأصحاب ويتناوله إطلاق النص الصحيح وإن كان ما قربه العلامة في محل القرب ».

قلت : هذا منه أيضا كسابقه ، ضرورة عدم اندراج صورة الإطلاق في النص والفتوى وإن كان الحكم فيها ما ذكره بناء على عدم وجوب الاستفسار أو عدم التمكن منه على وجه يفيد ، وإنما محل كلام الأصحاب الصورة الثانية خاصة ، ولا وجه للتحالف فيها بعد تصادم الدعويين منهما ، ورجوع الحال إلى الاختلاف في الدين من حيث كونه دينا زيادة ونقصا ، ولا ريب في أن القول قول مدعى النقيصة بعد اتفاقهما على قدر متيقن ، والاختلاف إنما هو في الزائد والقول قول منكره ، لأصالة البراءة ، وكلام العلامة بعد أن ذكر أنهما لو اختلفا في قدره أو وصفه أو ادعى التسمية‌

١٣٧

فأنكرت قدم قوله ولو قدره بأرزة مع اليمين قال ما سمعته ، وظاهره الفتوى في الأول ، على أن التحالف لم يذكره إلا فيما إذا اختلفا بدعوى الزيادة على مهر المثل منه والنقصان منهما ، أما إذا كان دعوى أحدهما مهر المثل كان القول قوله ، لاعتضاد أصالة عدم الزائد بظهور الحال في ذلك ، وهو غير ما ذكره من التحالف مطلقا.

هذا كله مضافا إلى ما في كلام العلامة من النظر الواضح ، إذ لا وجه لتقديم قوله مع دعواه التسمية ولو بالارزة وإنكارها ذلك ، مع أن الأصل عدم التسمية ، فالمتجه حينئذ فيه مهر المثل الذي هو قيمة البضع ، كما أنه لا وجه للرجوع إلى مهر المثل في دعواهما الزيادة المختلفة مع اعتراف الزوج بتسمية الأزيد منه وفي دعواهما النقصان عنه مع اعتراف الزوجة بالأنقص منه ، فالتحقيق حينئذ ما عرفت ، بل لا فرق بين الاختلاف في القدر وفي الوصف لكن على الوجه الذي عرفته.

أما لو كان اختلافهما في دعوى كل منهما وصفا مستقلا تختلف القيمة باختلافه فالمتجه التحالف ، نحو الدعوى في اختلاف العين ، فيفسخ الالتزام بالوصف خاصة مع فرض صحة العقد بدونه ، وإلا فسد المهر ورجع إلى مهر المثل لانفساخ المسمى حينئذ بالتحالف.

ولو فرض اختلافهما في وصف يفسد العقد بانتفائه كان القول قول مدعيه ، لأصالة الصحة.

ومن ذلك كله يعلم ما في إطلاق المسالك من أنه لو قيل بالتحالف على تقدير الاختلاف في الصفة كان وجها فيثبت مهر المثل إلا أن يزيد عما تدعيه المرأة وينقص عما يدعيه الزوج ، كما أنه يعلم أيضا ما في دعوى إطلاق تقديم قول الزوج مع الاختلاف في الوصف وإن كان نحو الاختلاف في التأجيل والحلول أو زيادة الأجل ونقصانه ، ضرورة مخالفته للقواعد وللنظائر في غير المقام من غير دليل خاص.

وكذا ما عن جماعة منهم الشيخ في المبسوط وابن إدريس والعلامة في التحرير من تقديم قول الزوج في الاختلاف في جنس المهر كالاختلاف في القدر ، بل عن‌

١٣٨

ظاهر الخلاف الإجماع عليه ، ضرورة كون المتجه فيه التحالف ، من غير فرق بين أن يختلفا قيمة أولا ، لأن كلا منهما مدع منكر كما في نظائره ، وأصالة براءته من غير العين التي يدعيها معارض بأصالة عدم استحقاقها غير العين التي تدعيها بالعقد.

اللهم إلا أن يريدوا الاختلاف في جنس لم يتعلق غرض بعينه ، وإنما المراد منه القيمة ، كما لو اختلفا في كون المهر مأة دينار أو مأة درهم بعد أن كان المتفق عليهما من النقد ، فإنه يمكن أن يكون ذلك نحو الاختلاف في القدر باعتبار عدم تعلق الغرض بخصوص الدرهم أو الدينار ، وإنما المراد المقدار ، فيكون القول قول الزوج الذي هو مدعي النقيصة ، وربما يومئ إلى ذلك تمثيلهم له بذلك ، لا ما إذا كان الاختلاف في أنه دار مثلا أو حيوان فإنه لا وجه لتقديم قول الزوج المنفي بالأصل ، كالدعوى المقابلة له ، كما هو واضح ، والله العالم. هذا كله في الاختلاف في أصل المهر أو قدره أو جنسه أو وصفه.

أما لو اعترف أي الزوج بالمهر ثم ادعى تسليمه ولا بينة ف لا إشكال ولا خلاف معتدا به في أن القول قول المرأة مع يمينها ، لأصالة عدم التسليم من غير فرق بين ما قبل الدخول وبعده ، نعم قد سمعت سابقا جملة من النصوص (١) وفيها الصحيح وغيره دالة على أن القول قوله مع الدخول ، وهي مطرحة أو منزلة على ما إذا كانت عادة بتقديم المهر على وجه يكون الظاهر مع الزوج ، فتخرج حينئذ هذه الأخبار دليلا على تقديم الظاهر على الأصل ، بل ربما جمع بين المحكي عن صداق الخلاف أن بتقديم قولها الإجماع والأخبار وعن نفقاته أن بتقديم قوله الإجماع والأخبار بذلك أيضا فيحمل الثاني على جريان العادة بالتقديم ، والأول على خلافه إلا أنه مع ذلك لا يخلو من بحث أيضا. والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب المهور.

١٣٩

( تفريع : )

لو دفع قدر مهرها مثلا من دون أن يقترن دفعه بما يقتضي وفاء أو هبة من لفظ أو غيره ثم اختلفا بعد ذلك فقالت المرأة دفعته هبة فقال : بل دفعته صداقا فالقول قوله ، لأنه أبصر بنيته والوفاء إنما يعتبر فيه نية الدافع دون القابض ، بل في المسالك « أنه كذلك بغير يمين ، لأنه لو اعترف لها بما تدعيه لم تتحقق الهبة إلا بانضمام لفظ يدل عليها ، فلا يفتقر إلى يمين » وفيه إمكان الاكتفاء في الهبة بالفعل المنوي به ذلك وإن كان هو حينئذ بحكم المعاطاة وحينئذ يتوجه لها اليمين عليه ، كما يتوجه أيضا لو قرنه بلفظ قابل لكل منهما ، بحيث لا يتشخص المراد به إلا بالقصد أيضا ، ضرورة كونه المنكر باعتبار استناده إلى أمر لا يعلم إلا من قبله.

وكذلك لو ادعت عليه أنه تلفظ بما يدل على الهبة وإن كان ليس نزاعا في النية ، ولكن قوله أيضا موافق لأصل العدم الذي يكفي في تحقق كونه منكرا.

ولو فرض اعترافه بصدور ما يظهر منه الهبة كان القول قولها وإن ادعى هو أنه أراد خلاف الظاهر بل لا يبعد عدم ضمانها للمدفوع مع فرض تلفه حتى لو علم بعد ذلك منه إرادة خلاف الظاهر ، نعم يتجه له الرجوع حينئذ به لو كانت عينه باقية ، كما هو واضح.

١٤٠