جواهر الكلام - ج ٣١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

( المسألة الثامنة )

إذا شرط أن لا يخرجها من بلدها قيل كما عن النهاية والمهذب والوسيلة والجامع والنافع يلزم الشرط للعمومات ، بعد أن كان سائغا جاريا مجرى مقاصد العقلاء وهو المروي‌ صحيحا (١) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل يتزوج امرأة ويشترط لها أن لا يخرجها من بلدها قال : يفي لها بذلك ، أو قال : يلزمه ذلك » والصحيح لابن أبي عمير (٢) قال : « قلت لجميل بن دراج : رجل تزوج امرأة وشرط لها المقام بها في أهلها أو بلد معلوم ، فقال : قد روى أصحابنا عنهم عليهم‌السلام أن ذلك لها ، وأنه لا يخرجها إذا شرط ذلك لها ».

خلافا لما عن المبسوط والخلاف والغنية والسرائر من بطلان الشرط بمخالفته مقتضي العقد الذي هو استحقاق الاستمتاع بها في كل زمان ومكان ، فيحمل الخبر حينئذ على الاستحباب ، وفيه ( أولا ) أن مقتضي ذلك بطلان العقد أيضا و ( ثانيا ) أنا نمنع الاستحقاق المزبور حتى مع الشرط ، ودعوى مخالفة الشرط استحقاقه كذلك يدفعها أن ذلك آت في كل شرط يمنع ما يقتضيه إطلاق العقد لو لا الشرط ، كالأجل ونحوه مما هو معلوم أنه ليس منافيا للكتاب والسنة ، وحينئذ فحمل الرواية على الاستحباب بمجرد ذلك غير جائز ، إذ لا معارض لها ، والمعارضة العامة غير كافية ، بل لو سلم تعارض‌ عموم « المؤمنون » (٣) وعموم ما دل (٤) على الاستمتاع في كل زمان ومكان من وجه كان الترجيح للأول ، ولو للصحيح المزبور ، مضافا إلى ظهور الثاني في ثبوت ذلك من حيث كونها زوجة ، فلا ينافي عدمه من حيث الشرط ، فتأمل جيدا.

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب المهور الحديث ١ ـ ٣

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

(٤) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٣.

١٠١

ومن ذلك يظهر لك أنه لا فرق في اللزوم بين ذلك وبين اشتراط منزل مخصوص خلافا لبعضهم ، فاقتصر على خصوص البلد ، بناء منه على مخالفة المسألة للقواعد ، فيجب الاقتصار على المتيقن ، وفيه ـ مع أنك قد سمعت التصريح به في خبر ابن أبي عمير ـ ما عرفته من جريان المسألة على العمومات التي لا فرق فيها بين الجميع ، كما هو واضح ، والله العالم.

وكيف كان فبناء على صحة الشرط المزبور حكي عن الشيخ وجماعة أنه لو شرط لها مهرا إن أخرجها إلى بلاده وأنقص منه إن لم تخرج معه ، فأخرجها إلى بلد الشرك أي أراد إخراجها إليه لم يجب عليها إجابته لما في ذلك من الضرر في الدين ، ولذا وجب الهجرة عنها ولها الزائد الذي قد اشترطه في العقد لها ، وأنه لا يسقط إلا بامتناعها ، والفرض أن ذلك كان منها بحق.

وإن أخرجها إلى بلد الإسلام كان الشرط لازما قيل للعمومات وخصوص‌ حسن علي بن رئاب (١) عن الكاظم عليه‌السلام قال : « سئل وأنا حاضر عن رجل تزوج امرأة على مأة دينار على أن تخرج معه إلى بلاده ، فان لم تخرج معه فمهرها خمسون دينارا أرايت إن لم تخرج معه إلى بلاده؟ قال : فقال : إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد الشرك فلا شرط له عليها في ذلك ، ولها مأة دينار التي أصدقها إياها ، وإن أراد أن يخرج بها إلى بلاد الإسلام ودار الإسلام فله ما اشترط عليها ، والمسلمون على شروطهم ، وليس له أن يخرج بها إلى بلاده حتى يؤدى لها صداقها أو ترضى من ذلك بما رضيت به ، وهو جائز له ».

ولكن مع ذلك فيه تردد مما عرفت ومن مخالفته للأصول ، لجهل المهر ، وللحكم بأن لها الزائد إن أراد إخراجها إلى بلاد الشرك من غير خروج إليها مع أنه خلاف الشرط ، وللحكم بأنه لا يخرجها إلى بلاد الإسلام إلا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

١٠٢

بعد أن يوفي لها مهرها الأزيد ، مع عدم جواز الامتناع لها مع الدخول ، وعدم وجوب الوفاء بالمهر إلا بعد الدخول ، أو المطالبة مع التهيؤ للتمكين ، ولما عن السرائر من لزوم إطاعة الزوج والخروج معه إلى حيث شاء.

ومن هنا كان المتجه بطلان الشرط ، بل والمهر للجهالة ، فيجب مهر المثل حينئذ ، لكن في المسالك « يشكل فيما لو زاد عن المفروض على تقديرية ، لقدومها على الأقل ، وكذا مع زيادته على الأقل إذا لم يخرجها من بلدها ، وكذا يشكل فيما لو نقص عن المقدر على تقديرية ، لالتزامه بالأزيد منه مع الشرط عليه ، فلزوم المقدر مع عدم لزوم الشرط أولى » وفيه أن ذلك كله غير مجد فساد الشرط الملزم به ، نعم قد يقال باغتفار مثل هذه الجهالة في المهر الذي قد تقدم البحث في اعتبار المعلومية فيه على وجه لا تبطله الجهالة بذلك ونحوه ، خصوصا وقد عرفت الحال في مثل ذلك في الإجارة التي هي أضيق دائرة من المهر.

على أنه قد يقال : المهر هو المأة ، وإنما اشترط عليها الإبراء إن لم يخرجها ، فتجب عليه المأة إن أراد إخراجها إلى بلاد الشرك ، وإن عصته لوجوب الهجرة عنها فلا بد من صرف الإخراج المشترط إلى الجائز منه ، لئلا يخالف المشروع ، والإطاعة إنما تجب فيما ليس معصية لله وليس نصا في وجوب إعطائها المهر قبل الإخراج مطلقا لاحتمال أنه ليس له الإخراج حتى يلزمه الأداء ولو بعده ، أو حتى يوطن نفسه على الأداء ، أو إذا طالبته ورضي من ذلك بما رضيت يشمل الرضا بالتأخير ، ويمكن أن يكون التقديم مرادا من الشرط ، بمعنى أنه اشترط على نفسه تعجيل ذلك إليها إن أراد إخراجها إلى بلاده ، كما أنه يمكن بناء ذلك على وجوب تعجيل الزوج المهر إذا طلبته الزوجة ، لإرادة التمكين وغير ذلك.

ومن ذلك يظهر لك قوة العمل بالخبر (١) المزبور المعتبر سندا المعمول به عند جمع من الأصحاب ، وهو العمدة لا العمومات وهذه التكلفات ، ضرورة كون مضمون الخبر من التعليق الممنوع لو لا الخبر المزبور ، فلا تجدي هذه التجشمات‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

١٠٣

ولذا لم يجز نظائره لا في النكاح ولا في غيره ، وما في الإجارة لو قلنا بجوازه فهو للدليل ، كما هو واضح ، والله العالم.

المسألة ( التاسعة )

لو طلقها بائنا ثم تزوجها في عدته ثم طلقها قبل الدخول كان لها نصف المهر لخروجها عن الزوجية الأولى بالطلاق البائن الذي لا ينافيه جواز تزويجها في العدة باعتبار كونها حقا له لحرمة مائة ، فلا تمنعه ، وإنما تمنع غيره ، فإذا تزوجها ثبت المهر حينئذ في ذمته كغيره من عقود النكاح ، وبالطلاق قبل الدخول يعود اليه نصف ما فرض في العقد الجديد ، خلافا لبعض العامة ، فأوجب لها جميع المهر تنزيلا للعقد منزلة الرجعة ، فتكون من المطلقة المدخول بها ، وضعفه ظاهر.

المسألة ( العاشرة )

لو وهبته نصف مهرها مشاعا ثم طلقها قبل الدخول فله الباقي ، ولم يرجع عليها بشي‌ء ، سواء كان المهر دينا أو عينا بناء على كفاية لفظ الهبة في الإبراء صرفا لما وقع منها من الهبة إلى حقها منه بمعنى أنه بالطلاق قبل الدخول يتمحض النصف الباقي للزوج ، لأنه مصداق ( فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (١) فلا يرجع إلى المثل أو القيمة ، لعدم تعذره ، لكن في القواعد والمسالك احتمال الرجوع بنصف الباقي بعينه وقيمة الأخر من الموهوب ، لشيوع نصفيهما في تمام العين ، وشيوع النصف الموهوب أيضا ، فتعلق الهبة بنصفي النصيبين ، فالنصف الباقي بمنزلة ما تلف نصفه وبقي النصف ، بل قيل : إنه يظهر من المبسوط احتمال الرجوع بنصف الباقي خاصة ، لأنه لما تعلقت الهبة بالنصف المشاع فقد تعلقت بنصفي النصيبين‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٧.

١٠٤

فإنما ملك من نصيبها النصف وهو الربع ، واستعجل نصف نصيب نفسه ، وانما بقي له النصف الأخر من نصيبه وهو الربع ، وربما احتمل أيضا التخيير بين بذل تمام النصف الباقي وعين نصفه مع بذل نصفه الأخر دفعا لضرر تبعض الصفقة.

إلا أن الجميع كما ترى ، ضرورة عدم تأتيها مع فرض بقاء النصف المشاع الذي هو مصداق ( فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) نعم لو كان النصف الموهوب معينا لا مشاعا اتجه ذلك ، كما هو واضح. وكذا لو خالعته على النصف فإنه إن قيدته بالنصف الذي يبقى لها بعد الطلاق فلا كلام ، وإن أطلقت انصرف إلى ما تملكه بعد الطلاق ، وعلى كل حال إذا تم الخلع ملك الزوج تمام المهر ، بل مما فرق بينه وبين الهبة بأنه بذل على الطلاق المنصف للمهر ، فهو تمليك بعد الطلاق ، وللشافعية كما قيل وجه بالشيوع في نصفي النصيبين ، ولا ريب في ضعفه ، والله العالم.

المسألة ( الحادية عشرة )

لو تزوجها بعبدين مثلا فمات أحدهما رجع عليها بنصف الموجود ونصف قيمة الميت ضرورة كون ذلك كانتقال أحدهما عن ملكها ، لأن التالف عليهما والموجود بينهما وتزلزل ملكهما في النصف المشاع من كل منهما ، إلا أنه لما كان ما يرجع اليه مضمونا عليها وجب الانتقال إلى بدل التالف عليه في يدها ، وعن الشافعية احتمال الرجوع بتمام الموجود أو ما يساوى منه النصف ، لصدق أنه نصف المفروض ، واحتمال التخيير نحو ما سمعته في المشاع ، ولا ريب في ضعفهما.

المسألة الثانية ( عشرة )

لو شرط الخيار في النكاح بطل العقد فضلا عن الشرط على المشهور بين الأصحاب ، بل لا أجد خلافا في بطلان الشرط ، بل لعل الإجماع بقسميه عليه‌

١٠٥

لمعلومية عدم قبول عقد النكاح لذلك ، لأن فيه شائبة العبادة التي لا تقبل الخيار ، ولحصر فسخه بغيره ، ولذا لا تجري فيه الإقالة بخلاف غيره من عقود المعاوضات ، فيكون حينئذ اشتراط الخيار فيه منافيا لمقتضاه المستفاد من الأدلة الشرعية ، بل لم يريدا بلفظ العقد معنى النكاح مع اشتراطه ، ومن هنا كان هذا الشرط مبطلا للعقد وإن قلنا بأن فساد الشرط بالمخالفة للكتاب والسنة لا يبطل النكاح كما عرفت الكلام فيه سابقا ، فما وقع من بعضهم ـ من تعليل البطلان هنا بأن التراضي لم يقع على العقد إلا مقترنا بالشرط المذكور فإذا لم يتم الشرط لا يصح العقد مجردا ، لعدم القصد اليه كذلك ـ في غير محله ، ضرورة أن ذلك يأتي في كل شرط فاسد ، وقد عرفت سابقا الإجماع على عدم اقتضائه الفساد هنا وحينئذ فقول المصنف ـ : فيه تردد منشؤه الالتفات إلى تحقق الزوجية ، لوجود المقتضى وارتفاعه عن تطرق الخيار ، أو الالتفات إلى عدم الرضا بالعقد ، لترتبه على الشرط غير متجه أيضا ، وكان الأولى جعل منشئه التردد في أن بطلان هذا الشرط لمخالفته مقتضى العقد أو لكونه غير مشروع ، فيكون مخالفا للكتاب والسنة ، فعلى الأول يتجه بطلان العقد دون الثاني اللهم إلا أن يكون مراده ذلك.

وعلى كل حال فما عن ابن إدريس ـ من بطلان الشرط خاصة ، بل قال فيما حكي عنه : إنه لا دليل على بطلان العقد من كتاب ولا سنة ولا إجماع ، بل الإجماع على الصحة ، لأنه لم يذهب إلى البطلان أحد من أصحابنا ، وإنما هو من تخريج المخالفين وفروعهم ، اختاره الشيخ على عادته في الكتاب ـ واضح الفساد بناء على ما عرفت من أن البطلان هنا للمنافاة لمقتضى العقد ، لا لكونه غير مشروع في نفسه كي يختص بالبطلان في عقد النكاح كغيره من الشروط الفاسدة فيه ، اللهم إلا أن يمنع ذلك ، فإنه لا يخلو من تأمل ، هذا كله في اشتراط الخيار في عقد النكاح.

أما لو اشترطه في المهر صح العقد والمهر والشرط ، لكون المهر كالعقد المستقل‌

١٠٦

بنفسه ، ومن ثم صح إخلاؤه عنه ، فيندرج اشتراط الخيار فيه حينئذ تحت‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « المؤمنون عند شروطهم » ‌نعم يشترط ضبط مدته كغيره من العقود ، ولا يقدح إطلاق الأصحاب المعلوم بناؤه على ذلك وإن كان ربما احتمل عدم اعتبار ضبطه لذلك ، ولأنه يغتفر فيه من الجهالة ما لا يغتفر في غيره ، لكن المذهب الأول ، ولا يتقيد بثلاثة وإن حكي عن الشيخ أنه مثل بها.

ثم إن استمر عليه وانقضت مدته لزم ، وإن فسخه ذو الخيار يرجع إلى مهر المثل ، كما لو عرى العقد عن المهر ، وإنما يجب بالدخول كما مر الكلام فيه وفي هذه المسألة ، والله العالم.

المسألة ( الثالثة عشرة )

الصداق يملك بالعقد على أشهر الروايتين والقولين ، بل المشهور منهما شهرة عظيمة ، بل عن الحلي نفي الخلاف فيه ، ولعله كذلك ، فاني لم أجده إلا من المحكي عن الإسكافي ، فملكها النصف به والأخر بالدخول أو ما يقوم مقامه مع عدم صراحته في ذلك ، لاحتمال إرادته الاستقرار كما في كشف اللثام ، فلا خلاف حينئذ أصلا ، كما يشهد به ما سمعته من الحلي ، وعليه يمكن دعوى لحوقه بالإجماع إن لم يكن سبقه.

مضافا إلى ظهور قوله تعالى (٢) ( وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ ) وغيره مما دل على وجوب دفعه إليهن المقتضى لملكهن فضلا عن ظهور الإضافة في الاختصاص ، وإلى أن ذلك شأن المعاوضات ، فكما أن المشتري يملك المبيع بالعقد والبائع الثمن به فكذلك النكاح الذي لا ريب في ملك الزوج البضع به المقتضي ملك الامرأة المهر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٤.

١٠٧

به الذي هو عوض عن ذلك في اللفظ والقصد ، وإلى ما دل من النصوص (١) السابقة المعتضدة بالفتاوي على كون النماء المتخلل بين العقد والطلاق لها ، وهو مستلزم لملكها ، وفضلا عن ظهور الإضافة في الاختصاص الذي لا يعارضه‌ صحيح أبي بصير (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل تزوج امرأة على بستان له معروف وله غلة كثيرة ثم مكث سنين لم يدخل بها ثم طلقها ، قال : ينظر إلى ما صار إليه من غلة البستان من يوم تزوجها ، فيعطيها نصفه ويعطيها نصف البستان ، إلا أن يعفو فتقبل منه ، ويصطلحان على شي‌ء ترضى به منه ، فإنه أقرب للتقوى » ‌لقصوره باعتضاد الأول مع تعدده بما عرفت ، مع احتمال أن تكون الغلة من زرع يزرعه للرجل ، وأن يكون الصداق وهو البستان دون أشجاره ، وعلى التقديرين فليست الغلة من نماء المهر ، فيختص بالرجل ، ويكون الأمر حينئذ بدفع النصف محمولا على الاستحباب كما يرشد إليه‌ قوله عليه‌السلام : « فإنه أقرب للتقوى » ‌أو لأنه عوض أجرة الأرض.

وبذلك ظهر لك ضعف الاستدلال به للإسكافي ، مضافا إلى ظهور عدة من النصوص السابقة التي منها‌ خبر محمد بن مسلم (٣) سأل الباقر عليه‌السلام « متى يجب المهر؟ قال : إذا دخل بها » وخبر يونس بن يعقوب (٤) عن الصادق عليه‌السلام « لا يوجب المهر إلا الوقاع » ‌المحمول فيهما الوجوب على الثبوت والاستقرار ، لظهوره وغلبة استعماله في ذلك ، أو للجمع أو لغير ذلك ، فيكون المراد أنه لا يوجبه بتمامه إلا الوقاع في مقابلة احتمال وجوبه بالخلوة أيضا ، وإلى أنها لو ملكته به لاستقر ولم يزل إلا بناقل من بيع ونحوه ، والملازمة ثم بطلان اللازم ممنوعان ، ويكفي في السبب طلاقها قبل الدخول ، كل ذلك مع قطع النظر عما دل على وجوبه أجمع بالموت من النصوص (٥) المعمول بها كما ستعرف ، وعن الحاوي وجوب النصف‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب المهور.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

(٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب المهور الحديث ٧ ـ ٦

(٥) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب المهور الحديث ٢٠ الى ٢٤.

١٠٨

عليها فيما لو أبرأته ، ووجوب دفع قيمة النصف عليها لو زاد عندها زيادة متصلة ولو كان قد دفع إليها عوضه عبدا آبقا وحبرة ، وغير ذلك مما يشرف الفقيه على القطع بفساد القول المحكي.

وحينئذ ف لها التصرف فيه قبل القبض على الأشبه الأشهر ، بل المشهور ، بل لم أجد فيه خلافا إلا من الشيخ في محكي الخلاف ، فمنع منه قبله ، ويمكن دعوى لحوقه بالإجماع ، بل وسبقه للأصل ، وعموم تسلط الناس (١) وما دل (٢) على جواز إبرائها إياه منه ، وعلى العفو عنه (٣) ودفع الآبق والحبرة عنه (٤) وغير ذلك مما لا يعارضه النهي (٥) عن بيع ما لم يقبض الذي هو أخص من المدعى ، بل هو وارد في بيع ما اشتراه (٦) وقد عرفت حمله على الكراهة في محله ، ومن الغريب استدلاله على ذلك بأن الإجماع محقق على تصرفها به بعد القبض دون ما قبله الذي يمكن منعه عليه ، كما عرفت. على أن الدليل غير منحصر بالإجماع ، بل يكفى ما عرفت من الأصل والعموم وغيرهما.

وعلى كل حال فإذا طلق الزوج عاد إليه النصف ، وبقي للمرأة النصف بلا خلاف كتابا (٧) وسنة (٨) وإجماعا فلو عفت عما لها كان الجميع للزوج بلا خلاف أيضا ولا إشكال كتابا (٩) وسنة (١٠) وإجماعا بقسميه ، مضافا إلى عموم تسلط‌

__________________

(١) البحار ج ٢ ص ٢٧٢ ط الحديث.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٦ و ٣٥ و ٤١ ـ من أبواب المهور.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب المهور الحديث ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام العقود الحديث ١ و ١١ و ١٢ و ١٥ وغيرها من كتاب التجارة.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام العقود من كتاب التجارة.

(٧) و (٩) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٧.

(٨) الوسائل الباب ـ ٥١ ـ من أبواب المهور.

(١٠) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب المهور.

١٠٩

الناس على أموالهم (١) فإذا كان الصداق دينا أو عينا وقد تلفت في يد الزوج صح عفوها بلفظه والاسقاط والإبراء والترك ، بل في القواعد والمسالك وكشف اللثام والهبة ، بل في الأخيرين والتمليك ، بل لم يحك أحد منهما الخلاف هنا ولعله لدلالة كل منهما على إسقاط الحق الذي لا يختص بلفظ ، ولا إشكال فيه مع إرادة معنى الإبراء منهما ، إنما الكلام فيما لو أريد منهما معناهما لو تعلقا بالعين على أن يكون الإبراء تبعا لذلك ، وكان وجهه صحة تمليك ما في الذمة ممن هو عليه بالهبة ، لكونه مقبوضا ، فيحصل الإبراء باعتبار عدم قصور ملك الإنسان على نفسه ، بخلاف هبة ما في ذمة الغير ، فإنه لا يتصور قبضه دينا ، وتشخيصه بالعين يخرجه عن الدين الذي هو محصل البحث.

لكن قد يناقش بأنه لا معنى لملك الكلي في الذمة إلا استحقاقه على من في ذمته ، ضرورة كونه معدوما لا يصلح لقيام صفة الملكية ، فلا يتصور حصولها لمن في ذمته على نفسه ، وحينئذ يتجه عدم الصحة إلا ما دل عليه الدليل في البيع وغيره من العقود المملكة لا المسقطة.

وقد يدفع بأن الشارع قد جعل الوجود الذمي كالوجود الخارجي ، فيصح قيام صفة الملكية فيه إلا أن ذلك لما كان يتبعه الاستحقاق للمالك يتجه سقوطه في الفرض ونحوه ، لعدم تصور استحقاقه على نفسه ، لا يقال : إن ذلك يقتضي أيضا جواز هبة ما في ذمة الغير للغير ، إذ هو حينئذ كالأعيان ، لأنا نقول : إنه وإن كان كذلك لكنه يمنعه اعتبار القبض في صحة الهبة ، وقد عرفت عدم إمكان قبضه دينا ، واحتماله بالضمان مثلا يدفعه أنه ليس قبضا ، وإنما هو عقد آخر وإن أفاد كونه مقبوضا لمن صار في ذمته بعد الضمان ، هذا ولتمام الكلام فيه محل آخر.

وعلى كل حال لا يفتقر إلى قبول عند المشهور بأي لفظ وقع كسائر الابراءات ، لإطلاق الأدلة المعتضدة بفتوى المشهور ، ومما يؤيده هنا إطلاق قوله‌

__________________

(١) البحار ج ٢ ص ٢٧٢ ط الحديث.

١١٠

تعالى (١) ( إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ )‌ وما في الخبر السابق (٢) من أنها « إذا جعلته في حل منه فقد قبضته » ‌فما عن المبسوط ـ من الافتقار إليه مطلقا والشافعية إذا كان بلفظ الهبة والتمليك في وجه ـ ضعيف ، وإن كان ما عن الشيخ أضعف مما عن الشافعية.

وإن كان عينا صح بلفظ الهبة والتمليك ونحوهما مما يقوم مقامهما ، واعتبر فيهما القبول والقبض.

وهل يصح بلفظ العفو؟ كما عن المبسوط والتحرير للاية (٣) لمجيئه بمعنى العطاء كما عن العين والمبسوط ، وفي المسالك أن منه ( وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ؟ ) ( قُلِ : الْعَفْوَ ) من المال » أي الفضل من الأموال التي يسهل إعطاؤها ، وقوله تعالى (٤) : ( خُذِ الْعَفْوَ ) أي خذ ما أعطاك الناس من ميسور أموالهم ، ولا تشدد عليهم ، وفيه أنه لا دلالة على كونه بمعنى العطاء ، وإنما هو عبارة عن نفس المال الزائد ، والعطاء مستفاد في الأول من الإنفاق ، ويحتمل العدم ، لمنع مجيئه بمعنى العطاء ، ولو سلم كان خلاف المعروف ، ولا سيما إذا قال : « عفوت عنه » بل لعل المتعدي بعن لا يكون إلا بمعنى الإبراء ، والآية لا تتعين للفظ العفو ، وإنما المراد إسقاط الحق من العين أو الدين مطلقا ، ولعله أقوى.

ومنه يعلم ما عن المبسوط من أنه إن عفت فهو هبة تقع بثلاثة ألفاظ : الهبة والعفو والتمليك ، وافتقر إلى القبول والقبض إن كان في يدها ، ومضي مدة القبض إن كان في يده ، والاذن في القبض على قول ، ولها الرجوع قبل مضي مدة القبض ، وإن عفى فان كان الطلاق مخيرا فهو إسقاط لحقه ـ كحق الشفعة ـ لا هبة ، فيصح بستة ألفاظ ، وهي جميع ما مر ولا حاجة إلى القبول ، وإن كان مملكا ، وهو الصحيح عندنا فهو هبة انما يقع بالثلاثة الألفاظ ، وافتقر إلى القبول ، وكان له الرجوع قبل القبض أو مضي مدته ، ونحوه عن التحرير ، مضافا إلى ما فيه من النظر من‌

__________________

(١) و (٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

(٤) سورة الأعراف : ٧ ـ الآية ١٩٩.

١١١

وجوه أخر أيضا.

وكذا الكلام لو عفى ( الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ) المذكور في الآية (١) سواء قلنا : إنه الزوج كما عند العامة أو قلنا هو الولي كما عند الخاصة ، كالأب والجد للأب وعن النهاية زيادة الأخ وقيل كما عن المهذب أو من تولته الامرأة عقدها كل ذلك لتظافر نصوصهم في ذلك أو تواترها ، كصحيح ابن سنان (٢) عن الصادق عليه‌السلام « ( الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ) فهو ولي أمرها » ‌وحسن الحلبي (٣) أيضا في قوله تعالى (٤) ( أَوْ يَعْفُوَا ) إلى آخره « هو الأب والأخ ، والرجل يوصى اليه ، والرجل يجوز أمره في مال الامرأة ، فيبيع لها ويشترى ، فإذا عقا فقد جاز » ‌ونحوه في خبر سماعة (٥) عنه عليه‌السلام أيضا ، وفي‌ مرسل ابن أبي عمير (٦) عنه عليه‌السلام أيضا « يعني الأب والذي توكله المرأة وتوليه أمرها من أخ أو قرابة أو غيرهما » وفي خبر إسحاق بن عمار (٧) « أبوها إذا عفا جاز له ، وأخوها إذا كان يقيم بها ، وهو القائم عليها ، فهو بمنزلة الأب يجوز له ، وإذا كان الأخ لا يهتم ولا يقيم عليها لم يجز أمره » وفي خبر أبي بصير (٨) عنه عليه‌السلام أيضا قال : « هو الأخ والأب ، والرجل يوصى اليه ، والذي يجوز أمره في مال يتيمته ، قال : قلت : أرأيت إن قالت : لا أجيز ما يصنع؟ قال : ليس لها ذلك ، أتجيز بيعه‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب عقد النكاح ـ الحديث ٢.

(٣) و (٥) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

(٤) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٧.

(٦) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الوكالة الحديث ١.

(٧) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب المهور الحديث ٥.

(٨) أشار اليه وذكر ذيله في الوسائل في الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب المهور الحديث ٣ وذكر تمامه في البحار ـ ج ١٠٣ ص ٣٥٨ ط الحديث ـ وفيه‌ « في مال بقيمته » ‌

.

١١٢

في مالها ولا تجيز هذا؟ » ‌وقال الباقر عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم وأبي بصير (١) : « هو الأب والأخ ، والموصى إليه ، والذي يجوز أمره في مال الامرأة من قرابتها ، فيبيع لها ويشتري فأي هؤلاء عفا فعفوه جائز في المهر » وسأل رفاعة (٢) الصادق عليه‌السلام في الصحيح « عن ( الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ) فقال : الولي الذي يأخذ بعضا ويترك بعضا وليس له أن يدع كله » ‌إلى غير ذلك من النصوص المتفقة في الدلالة على أنه غير الزوج.

مؤيدة بأنه المناسب لعطفه على الغائب ، إذ لو أريد به الزوج لما عدل عن الخطاب الذي قد صدر به الآية ، وبأن العفو حقيقة في الإسقاط لا التزام ما سقط بالطلاق ، إذ لا يسمى ذلك عفوا ، وبأن إقامة الظاهر مقام المضمر مع الاستغناء بالمضمر خلاف الأصل ، ولو أريد الأزواج لقيل : أو يعفو ، وبأن المسند إليهن العفو أولا الرشيدات ، فيجب ذكر غير الرشيدات ليستو في القسمة ، وبأن قوله تعالى (٣) : ( إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ ) استثناء من الإثبات ، فيكون نفيا ، وحمله على الولي يقتضي ذلك ، ففيه طرد لقاعدة الاستثناء بخلاف ما لو حمل على الزوج ، فإنه يكون الاستثناء من الإثبات إثباتا وهو خلاف القاعدة ، وبأن قضية العطف التشريك ، وهو حاصل على تقدير إرادة الولي ، ضرورة اشتراكهما حينئذ في النفي ، بخلاف ما لو حمل على الزوج ، فإنه يكون إثباتا ، فلا يحصل معه الاشتراك.

وهذه الوجوه وإن كان في بعضها أو جميعها نظر كما أطنب في بيانه في المسالك لكن قد عرفت أن العمدة النصوص السابقة التي لا يعارضها ما في بعض الشواذ (٤) من كون المراد به الزوج ، خصوصا بعد اتفاق الإمامية أو كالاتفاق على مضمونها ، ولولاه لأمكن إرادة الأعم من الزوج ووليه ووليها منه ، على معنى ثبوت النصف‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب عقد النكاح ـ الحديث ٥ ـ ٣

(٣) سورة البقرة ٢ ـ الآية ٢٣٧.

(٤) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٥١.

١١٣

بالطلاق إلا أن يعفون أو يعفو أحد هؤلاء ، فلا تنصيف حينئذ وإن اختلف مالك الكل.

لكن قد عرفت اشتمال بعض النصوص على الأخ ، والإجماع محقق منا على عدم ولايته ، فلا بد حينئذ من إدراجه فيما بعده من كونه وصيا أو ولته أمرها كما سمعته في خبر إسحاق بن عمار (١) ، فيكون حينئذ تعميما بعد تخصيص ولا بأس به ، كما أنك قد عرفت اشتمالها على من توليه أمرها الذي سمعته من القاضي المؤيد ـ مضافا إلى ذلك ـ بعموم الآية (٢) وبعدم الفرق بين الأخ وغيره في انتفاء الولاية بدون توليتها وثبوتها بتوليتها وتوكيلها ، ولأنها إذا وكلت رجلا وأذنت له في كل ما يراه من التصرف في أموالها مطلقا كان له جميع ما يدخل في الاذن ومنه هذا التصرف ، ولعل اقتصار معظم الأصحاب على الأب والجد لعدم كونه وليا حقيقة ، ضرورة أنه عن أمرها وعن توليتها وتوكيلها.

ومن ذلك يظهر أنه لا وجه لما في المتن وغيره من نسبته إلى القيل مشعرا بتمريضه فضلا عن وقوع الخلاف ، لما عرفت من عدم تصوره فيه ، إذ مع فرض عموم وكالته لما يشمل ذلك لا إشكال في اعتبار عفوه حينئذ ، كما أنه لا إشكال في عدم اعتباره مع فرض عدم عمومها ، واحتمال أن القائل يقول بذلك على هذا التقدير بعيد ، بل لعل النصوص كالصريحة في خلافه.

نعم قد يقال : إن المراد هنا على وجه متحقق فيه الخلاف هو أن توليتها أو توكيلها إذا كان على جهة الإطلاق في غير مقام يقيد بالمصلحة ، نحو إطلاق التوكيل في البيع المنصرف إلى ثمن المثل ، أما فيه فله العفو وإن كان هو نفسه لا مصلحة لها فيه عملا بظاهر النصوص المزبورة ، وحينئذ يكون الوجه في الخلاف أن القاضي عمل بالنصوص المزبورة المؤيدة بإطلاق الآية ، فهو حينئذ كالأب والجد بالنسبة إلى ذلك.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب المهور الحديث ٥.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٧.

١١٤

وهو قوي إن لم نتحقق إعراض الأصحاب عنه على هذا التقدير ، ترجيحا لما دل على اعتبار المصلحة في التصرف في مال المولى عليه من قوله تعالى (١) :

( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ : إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ) وقوله تعالى (٢) ( وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) وغير ذلك على هذه النصوص التي ـ ربما كان خبر إسحاق بن عمار (٣) منها شاهدا على ما سمعت ـ توجب حينئذ صرف ظاهرها إليه أو رفع البعد عنه ، نحو ما يظهر أيضا منها من مضى عفو كل من له الأمر في نكاحها ومالها من وصي أو غيره مما لم نعرف قائلا به وإن كان هو غير بعيد ، بل لو لا اتفاق الأصحاب ظاهرا على خلاف ذلك لأمكن أن يقال المراد من الآية بيان العفو منها أو من وليها على حسب عفوه عن غير ذلك من ديونها وأموالها ، فلا يختص المقام حينئذ بخصوصية.

بل ربما حكي عن ابن إدريس والعلامة في المختلف وحاشية الكركي اعتبار المصلحة في العفو ولو عن البعض ، ومقتضاه عدم الخصوصية للمقام ، لكن قد يستفاد من معقد الاتفاق في محكي الخلاف والمبسوط أن للأب والجد العفو ، وأنه المذهب في محكي التبيان ومجمع البيان وروض الجنان للشيخ أبي الفتوح وفقه القرآن للراوندي والأخبار أن للمقام خصوصية ، وهي جواز عفوهما مطلقا مع المصلحة وعدمها.

بل ما ذكره المصنف وغيره ـ من أنه يجوز للأب والجد للأب أن يعفو عن البعض وليس لهما العفو عن الكل بل قيل : إنه يظهر الاتفاق عليه في المبسوط والتبيان ومجمع البيان وفقه القرآن للراوندي ـ أصرح في إثبات الخصوصية ، ولعل دليله الأصل ، وصحيح رفاعة (٤) السابق‌

ومرسل ابن أبي عمير (٥)

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٠.

(٢) سورة الانعام : ٦ ـ الآية ١٥٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب المهور الحديث ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٣.

(٥) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الوكالة الحديث ١.

١١٥

عن الصادق عليه‌السلام « ومتى طلقها قبل الدخول بها لأبيها أن يعفو عن بعض الصداق ويأخذ بعضا ، وليس له أن يدع كله » ‌لكن عن المختلف وفاقا للجامع أن المصلحة إن اقتضت العفو عن الكل جاز ، وفي كشف اللثام وهو الموافق للأصول ويمكن حمل الخبرين على أن الغالب انتفاء المصلحة في العفو عن الكل وفيه أن محل البحث العفو من حيث كونه عفوا مع قطع النظر عن أمر خارج عنه ، ولا ريب في عدم جوازه من الولي في غير المقام ، لكونه تضييع مال المولى عليه.

ولذا قال المصنف وغيره بل ظاهرهم الاتفاق عليه إنه لا يجوز لولي الزوج أن يعفو عن حقه إن حصل الطلاق منه ثم صار مولى عليه بجنون أو بلغ فاسد العقل وقلنا بصحة طلاق الولي عنه حينئذ لأنه منصوب لمصلحته ولا غبطة له في العفو نعم قل يقال ـ : بسبب استبعاد هذا الحكم خصوصا مع تصريح بعضهم بعدم الفرق في البعض بين القليل والكثير المقتضي لجواز العفو مع إبقاء شي‌ء من المهر وإن قل وعدمه إلا مع المصلحة بالنسبة إلى ذلك القليل ، وعدم وفاء مثل الخبرين (١) المزبورين بمثله مع فرض دلالة تلك النصوص (٢) والآية (٣) ولو من جهة الإطلاق على العفو مطلقا ، فيقصران حينئذ عن تقيده بهما ـ أنه يمكن طرحهما أو حملهما على ما لا ينافي ذلك.

وكيف كان فقد عرفت مما قدمناه أنه إذا عفت الزوجة عن نصفها مثلا أو عفى الزوج عن نصفه لم يخرج عن ملك أحدهما بمجرد العفو لأنه وإن قلنا : إنه هبة باعتبار وروده بمعنى العطاء أو لجواز عقد الهبة به مع إرادتها منه ولو مجازا فلا ينتقل إلا بالقبض كغيره من أفراد الهبة ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب عقد النكاح ـ الحديث ٣ والباب ـ ٧ ـ من كتاب الوكالة الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب عقد النكاح والباب ـ ٥٢ ـ من أبواب المهور.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٧.

١١٦

إذ احتمال اختصاصه بتحقق الملك بمجرد العقد به ـ لتوهم دلالة إطلاق الآية (١) والرواية (٢) على ذلك ـ واضح الفساد.

نعم لو كان الصداق دينا على الزوج أو تلف في يد الزوجة كفى العفو عن الضامن له زوجا كان أو زوجة لأنه يكون حينئذ إبراء كما عرفت ذلك ، وعرفت أيضا أنه لا يفتقر إلى القبول على الأصح خلافا للشيخ فلاحظ وتأمل.

أما الذي عليه المال أو عنده فلا ينتقل عنه بعفوه ما لم يسلمه لأنه إن كان عينا فهو حينئذ هبة يحتاج صحتها إلى القبض ، وإن كان دينا فالعفو عنه مع كونه ليس في ذمة العفو عنه كالهبة أيضا لا يتحقق ملكه إلا بالقبض ، بل الظاهر أنه لا بد من تجديد الصيغة بعد تعيينه وتشخيصه ، ولا يكفى التلفظ بالعفو السابق الذي لم يكن مورده عينا ولا دينا في ذمة المعفو عنه ، لأنه بعد التسليم يكون كهبة ما في ذمة الغير لمن ليس عليه ، وهي باطلة على ما قرر في محلها ، واحتمال خصوصية للعفو هنا باعتبار إطلاق الآية (٣) ضعيف ، وحينئذ فظاهر المتن وغيره من كفاية العفو الذي يتعقبه التسليم لا يخلو من نظر إلا إذا قلنا بصحة هبة ما في ذمة الغير لمن ليس عليه الحق بتعقب التشخيص والقبض ، فإنه يتجه حينئذ ما ذكروه والله العالم.

__________________

(١) و (٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب المهور.

١١٧

پالمسألة ( الرابعة عشرة )

قد عرفت فيما تقدم أنه لو كان المهر مؤجلا لم يكن لها الامتناع عن الدخول بها ، لأن بضعها ملك بالمهر المتأخر برضاها فلو عصت وامتنعت وحل مهرها المؤجل هل لها أن تمتنع؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، لاستقرار وجوب التسليم قبل الحلول ، وهو أشبه بأصول المذهب وقواعده كما سمعت الكلام فيه مفصلا ، والله العالم.

المسألة ( الخامسة عشرة )

لو أصدقها قطعة من فضة مثلا فصاغتها حليا أو آنية محللة أو للادخار بناء على جوازه ثم طلقها قبل الدخول كانت بالخيار في تسليم نصف العين أو نصف القيمة التي هي هنا المثل لأنه لا يجب عليها بذل الصفة كما تقدم البحث في نظيره من كل عين قد زادت في يدها ، بل قد تقدم سابقا قوة تعيين القيمة لخبر العبد الذي كبر في يدها (١) مؤيدا بأن الطلاق من المملكات التي ينافيها خيارها بين بذل نصف العين ونصف القيمة ، ضرورة قابليته تحقق صفة الملك في الكلي التخييري ، ومن هنا كان المتجه ـ بناء على جواز بذلها نصف العين ووجوب القبول عليه ولو للإجماع ، أو لكونه حينئذ أقرب إلى نصف المفروض من القيمة إن لم نقل : إنه منه ـ أن الواجب أولا للزوج القيمة أو نصف العين ويدفع الأخر عنه ، والأمر سهل بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا.

ولو أصدقها حليا فكسرته أو انكسر عندها وإعادته صنعة أخرى فهو زيادة ونقصان ، وقد عرفت أن المتجه وجوب القيمة أيضا لخبر العبد (٢) لكن ذكروا‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

١١٨

فيه أن لهما معا الخيار كما سمعت.

إنما الكلام فيما إذا أعادت تلك الصنعة الأولى دون صنعة أخرى ، فإنه يحتمل الرجوع إلى نصفه وإن لم ترض الزوجة ، لأنه الان بالصفة التي كانت عليه عند الاصداق من غير زيادة ، ويحتمل اعتبار رضاها بذلك فلا يرجع بدون رضاها لأنها زيادة حصلت عندها باختيارها وإن كانت مثل الأولى ، والزيادة الحاصلة عندها تمنع من الرجوع بدون رضاها وإن جوزنا إعادة المعدوم بعينه ، فإنه يختلف باختلاف وضع الأجزاء وإن تشابه ، ومن المعلوم عادة أن الأجزاء لا تعود إلى أوضاعها السابقة ، نعم يتجه إن قيل باتصال الجسم مع بقائه حال الانكسار وإعادة الصفة بعينه ولم يقل به أحد.

قيل : وفرق بين ذلك وبين الجارية إذا هزلت عنده ثم سمنت ، ـ فإنه يرجع بنصف الجارية وإن لم ترض مع حدوث السمن عندها ـ بأن السمن بدون اختيارها والصفة باختيارها والتزامها المئونة ، ومن العامة من لم يفرق بينهما ، بل عن فخر الإسلام الميل اليه ، لكنه كما ترى ، فإن أبت فله نصف قيمته مصوغا بتلك الصفة ، فإنه بمنزلة التالف ، وهو مركب من جزءين مادي وصوري ، ولا مثل للصوري ، فيتعين القيمة ، ولا بد من أن يكون من غير الجنس تحرزا من الربا ، ويحتمل أن يكون له مثل وزنه اجرة مثل الصفة ، لأن الجزء المادي مثلي ، والمثل أقرب إليه من القيمة ، ولا ينافي اعتبار مثله اعتبار القيمة للجزء الأخر.

ولو كان الصداق ثوبا ف فصلته وخاطته قميصا لم يجب على الزوج أخذه كما لا تجبر هي على دفعه وكان له إلزامها بنصف القيمة ، لأن الفضة لا تخرج بالصياغة عما كانت قابلة له ، وليس كذلك الثوب ومن هنا وجب عليه القبول في الأول بخلاف الثاني ، وقد عرفت سابقا قوة احتمال عدم وجوب القبول في نظير الأول أيضا ، فلاحظ وتأمل.

١١٩

المسألة ( السادسة عشرة )

قد تقدم سابقا أنه لو أصدقها تعليم سورة مثلا كان حده أن تستقل بالتلاوة صحيحا بغير مرشد ولا يكفي في صدقه عرفا تتبعها لنطقه نعم قيل لو استقلت بتلاوة الآية ثم لقنها غيرها فنسيت الأولى لم يجب عليه إعادة التعليم عرفا ، مع أن تحقق المراد من إطلاق تعليم السورة بذلك عرفا محل نظر أو منع ، وعن بعضهم اعتبار ثلاث آيات مراعاة لما يحصل به الاعجاز ، وأقله سورة قصيرة مشتملة على ثلاث آيات كالكوثر ، والأجود الرجوع إلى العرف ، لعدم التقدير شرعا ، ولا مدخلية للإعجاز في ذلك خصوصا مع اختلاف الايات قصرا وطولا.

وعلى كل حال ف لو استفادت ذلك من غيره كان لها عليه أجرة التعليم كما لو تزوجها بشي‌ء وتعذر عليه تسليمه سواء كان بتقصير منها في التعلم منه مع بذله نفسه لذلك وعدمه.

وكذا لو مات أحدهما قبل التعليم وقد شرط تعليمها بنفسه ، أو تعذر تعليمها لبلادتها ، أو أمكن بتكلف عظيم زيادة على المعتاد ، وقد عرفت أن ذلك ليس كالإجارة ، كما أنه ليس ذلك كوفاء دين الإنسان بغير إذنه ، حيث حكم ببراءته ببذل الغير ولو من غير إذنه ، لأن تعليمه بنفسه لا يمكن وفاؤه عنه بتعليم غيره ، لأن ذلك غير التعليم المجعول مهرا ، نعم لو كان الواجب عليه التعليم مطلقا فتبرع واحد عنه سقط حينئذ عنه ولم تستحق الامرأة شيئا ، كما هو واضح.

١٢٠