جواهر الكلام - ج ٢٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

أو عدم التمكن منها ، ومقتضى ذلك ثبوت ما علم هاهنا من حكم الحرة مع الاستطاعة للأمة بدونها ، فان المفهوم من جعل شي‌ء بدلا عن آخر بعد بيان حكمته قصد إثبات ذلك الحكم بعينه عند انتفائه للبدل ، وحيث إن المستفاد من قوله تعالى بعد ذكر المحرمات من النساء ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (١) هو جواز نكاح الحرة مجردا عن وصف الرجحان والوجوب ولو من جهة العموم فينبغي أن يكون ذلك هو حكم الأمة التي هي بدل عنها ، فكأنه قيل : أحل لكم نكاح الحرائر من النساء ، ومن لم يستطع نكاحهن فلينكح من الإماء ، فيكون المستفاد منه الجواز لا الرجحان ، ولا ينافيه رجحان نكاح الحرة من دليل آخر ، على أن سوق الآية لوقوعها بعد ذكر ما يحرم ويحل يقتضي أن المقصود بيان حكم الأمة من حيث الحل والحرمة دون الرجحان وعدمه ، بل إرادته منافية لقوله تعالى ( وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ ) فان المعنى كما ستعرف أن الصبر على ترك نكاح الأمة مع وجود الشرطين خير من نكاحها ، وهو صريح في رجحان الترك ، فلا يصح الحمل على رجحان الفعل المضاد له.

ولعل هذا أولى من الجواب عن ذلك ، بأن استفادة الرجحان فرع تقدير الأمة وإرادة الطلب ، وهو غير متعين ، لاحتمال أن يكون المقدر ما يقتضي مجرد الجواز والإباحة ، بل هو أولى لأنه متيقن بخلاف الأمر ، فإنه يتضمن شيئا زائدا على الجواز ، وهو مشكوك فيه ، فيجب نفيه بالأصل ، إذ يمكن المناقشة فيه بأن مخالفة الأصل لازمة على تقدير الجواز أيضا ، فإن الأصل عدم التحريم مع فقد الشرطين ، بل المخالفة على هذا التقدير أظهر كما لا يخفى.

وأولى من الجواب بأن رفع الرجحان الذي هو بمنزلة الفصل يستلزم رفع الجنس الذي هو رفع الجواز على ما هو التحقيق ، وفيه أنه يقتضي رفع الحصة المعينة من الجواز التي تقوم بها الرجحان ، لا ارتفاع الجواز مطلقا كما هو المطلوب.

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٤.

٤٠١

وما في السابع من أن ما ذكره لما يقتضيه نظم العبارة كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام ، ضرورة ظهور الآية في أن الصبر على ترك النكاح مع الشرطين خير من فعله ، على أن الصبر الذي قد صرح أهل اللغة به وشهد به العرف ـ وهو تحمل المشقة وحبس النفس عن الجزع ـ إنما يناسب ترك النكاح مع الشرطين ، لما فيه من المشقة الظاهرة ، بخلاف فاقد التوقان والقادر على نكاح الحرة ، فإنه لا مشقة عليه بترك نكاح الأمة لانتفاء الموجب له في الأول ، والاستغناء بنكاح الحرة في الثاني ، ودعوى ظهور كلمات الفقهاء في الوجوب مع خوف الضرر بالعزوبة أو الوقوع في المحرم فلا يكون الصبر معه خيرا يدفعها أن المسلم وجوبه مع خوف الضرر البدني ، ولم يعلم إرادته من الآية ، للمحكي عن أكثر المفسرين : منهم جار الله الزمخشري والعلامة الطبرسي أن المراد من خشية العنت خوف الإثم الذي تؤدي إليه الشهوة ، وحينئذ يكون حكم نكاح الأمة مع خوف الضرر البدني حكم المحرمات بالنسب وغيره ، فكما لا تحل تلك به فكذلك هذه ، وإلا لزم جواز نكاح المحرمات بأسرها مع الانحصار ، بل وجوبه بذلك ، وبطلانه ضروري ، على أنه لو صح لوجوب تخصيص مفهوم الآية بما عدا ذلك ، وليس في هذا ما يقتضي حمل قوله تعالى ( أَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ ) على أفضلية الصبر مع فقد الشرطين كما ذكره المعترض ، وهو ظاهر.

وأما وجوب النكاح مع خوف الوقوع في المحرم لغلبة الشهوة كما ذكره بعضهم فقد عرفت ما فيه في محله سابقا ، لأن ترك المحرم أمر مقدور لا يتوقف على التزويج ، ولذا لم يجز ارتكابه مع عدم التمكن من النكاح المحلل بالكلية وإن بلغ من الشهوة ما بلغ ، ولو لا أنه مقدور لما حرم ذلك ، والقول بوجوبه وإن فرض اقتداره على ترك المحرم بالتقوى وشدة الورع كما ترى ، ضرورة أن القول بوجوبه على تقديره ليس تعبدا محضا ، بل إنما هو لاستلزام ترك النكاح الوقوع في المحرم على ما مر سابقا ، وقد عرفت ما فيه ولو سلم فتخصيص ، هذه الصورة أعني نكاح الأمة من ذلك لدلالة الآية عليه لا ينافي طريقة التحقيق ، فان تخصيص العمومات غير‌

٤٠٢

عزيز ، ويشهد له ظاهر كلام الفقهاء والمفسرين ، حيث اقتصروا في معنى الآية على ما هو الظاهر ، ولم يتعرض أحد منهم حتى القائل بجواز نكاح الأمة مطلقا لتأويل الآية وصرفها عن ظاهرها ، ولا بقيام الاحتمال فيها ، مع ما علم من طريقتهم في استنباط الأحكام من الآيات وذكر ما فيها من الوجوه والاحتمالات ، وهذا بمنزلة التصريح منهم بعدم وجوب النكاح في تلك الصورة ، وإلا فكان ينبغي لهم التعرض لتنزيل الآية على الوجوب حتى يوافق ما ذهبوا اليه ، والموجود في كلامهم خلافه.

هذا مع إمكان أن يقال : لو أريد من خشية العنت ما يعم خوف الضرر البدني فلا دلالة في الآية على جواز ترك النكاح معه ، لعدم تحقق معنى الصبر فيه حقيقة ، فإن الصبر تحمل المشقة والكلفة ، ولا مشقة في ترك النكاح مع خشية الضرر البدني ، وإنما الموجود معه خوف حصول المشقة دون المشقة نفسها ، بخلاف الترك مع خوف الوقوع في المحرم ، فإنه لا ينفك عن المشقة الحاصلة باعتبار المنازعة وقهر القوة الشهوية ، وعلى هذا فيكون الصبر على ترك النكاح مقصورا على خوف الإثم خاصة وإن كان خشية العنت أعم من ذلك ، وإطلاق الصبر على ترك النكاح مع خشية العنت نظرا إلى المشقة التي يؤول إليها الترك معها غالبا وإن كان ممكنا إلا أنه تكلف مستغنى عنه ، ولو سلم فالواجب تخصيص قوله تعالى ( وَأَنْ تَصْبِرُوا ) بما عدا خوف الضرر البدني ، لوجوب النكاح معه بمقتضى الحمل على العموم ، وهذا أولى من حمله على أفضلية الترك مع فقد الشرطين ، فإنه بعيد جدا بخلاف التخصيص ، كما أنه يجب حكم الفقهاء باستحباب النكاح لمن تاقت نفسه اليه بناء على عمومه بما عدا هذه الصورة ، لدلالة الآية على أن ترك النكاح فيها بالخصوص أفضل ، فإن الخاص مقدم على العام ، ولا بعد في ذلك إذا اقتضته الأدلة الشرعية ، إذ ربما كان مصلحة ترك نكاح الأمة أهم من مصلحة الفعل وإن تاقت النفس اليه ، فلا يكون الفعل حينئذ راجحا كما عن بعضهم التصريح به أو كالتصريح.

وما في الثامن من أن الخاص ولو كان مفهوما مقدم على العام وإن كان منطوقا‌

٤٠٣

لقوته ، وما قيل من تقدم المنطوق على المفهوم إنما هو مع التعادل من سائر الجهات ، لا أن المنطوق من حيث أنه منطوق مقدم على المفهوم من حيث إنه مفهوم ، وما يقال ـ من أن المفهوم وإن ترجح باعتبار كونه خاصا فالعام يترجح لكونه منطوقا فيتعادل الدليلان ـ يدفعه أن تعادل الدليلين بتعادل جهتي الترجيح ، وهما هنا غير متكافئين ، لأن الفهم يتسارع الى التخصيص عند جمع الدليلين وملاحظتهما من غير توقف ، ولأن تخصيص العموم شائع كثير بخلاف إلغاء المفهوم ، ولأن دلالة المفهوم على المورد المعين أظهر من دلالة المنطوق العام عليه ، والترجيح ها هنا ليس إلا لقوة الدلالة خصوصا المفهوم في قوله تعالى (١) ( ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ ) حتى قيل : إنه لا يقصر عن المنطوق.

وما في التاسع من أن العامل في قوله تعالى ( فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) فعل النكاح المقدر بقرينة ذكره في الشرط ، والتقدير إن من لم يستطيع أن ينكح المحصنات المؤمنات فلينكح أو فله أن ينكح مما ملكت ، وقد عرفت أن النكاح حقيقة فيما لا يشمل الملك ، على أن الحمل على إرادة التسري ينافيه معلومية عدم اشتراطه بعدم الاستطاعة وخوف العنت ، بل وقوله تعالى ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) وقوله تعالى ( وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) بل وقوله تعالى ( وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ ) إذ لا ريب في جواز التسري والوطء بملك اليمين من دون كراهة ولا منع ، سواء قدر على الحرة أو لم يقدر ، وسواء خشي العنت أو لم يخش.

وقد ظهر لك من ذلك تمامية دلالة الآية على المطلوب ، وكفى بها دليلا فضلا عن النصوص المذكورة.

ولكن مع ذلك كله قيل والقائل جماعة يكره ذلك أي نكاح الأمة من دونهما أي الشرطين وهو الأشهر بين المتأخرين ، بل في الغنية الإجماع عليه ، للأصل المستفاد من عموم الكتاب (٢) والسنة (٣) وقول الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٥.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب مقدمات النكاح.

٤٠٤

في خبر ابن أبى منصور (١) : « لا بأس أن يتزوج الأمة متعة بإذن مولاها » وصحيح البزنطي (٢) : « سألت الرضا عليه‌السلام يتمتع الأمة بإذن أهلها ، قال : نعم إن الله تعالى يقول ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) » وإشعار لفظ « لا ينبغي » في النصوص السابقة (٣) وإشعار نصوص النهي عن تزويج الأمة على الحرة (٤) ومن حيث تخصيص النهي بكونه على الحرة ، فلو أن النهي كان عاما لخلا التقييد عن الفائدة ، ومن حيث دلالتها على التزويج ولو في الجملة وهو منصرف الى العموم ، لعدم الصارف له عنه ، وإشعار معقد الإجماع على جواز تزويج الأمة على الحرة ، بإذنها ، وإشعار ما دل (٥) على جواز تزويج الحرة على الأمة.

إلا أن الجميع كما ترى فإن الإجماع لا وثوق به بعد شهرة القدماء نقلا وتحصيلا على خلافه ، ومعارض بما سمعته من ابن أبى عقيل من النسبة إلى آل الرسول ( صلوات الله عليهم ) والعمومات مخصصة بما عرفت ، بل الآية مساقة لتخصيص قوله تعالى (٦) ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) منها ، ونصوص المتعة ـ مع معارضتها بما دل على النهي ، مثل‌ خبر يعقوب بن يقطين (٧) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يتزوج الأمة على الحرة متعة ، قال : لا » ـ لا تنافي ما دل على الاشتراط بالأمرين الآخرين ، بل‌ قوله عليه‌السلام في الصحيح منها (٨) : « نعم إن الله » الى آخره ظاهر في إرادة ما تضمنته الآية المشتملة على اعتبار الشرطين مع ذلك و « لا ينبغي » مع أنه للقدر المشترك بين المحرم والمكروه قد عرفت القرائن الدالة على إرادة الحرمة منه ، ونصوص النهي عن تزويج الأمة على الحرة من حيث كونه على الحرة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب المتعة الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب المتعة الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

(٦) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٤.

(٧) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المتعة الحديث ٣.

(٨) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب المتعة الحديث ٣.

٤٠٥

وإن جمع الشرطين ولو لعدم قدرته على وطء التي عنده فيمكن أن يكون شرطا ثالثا ، لأن المراد كفاية إذنها وإن فقد الشرطين ، والتزويج في الجملة لا إطلاق فيه ، ويكفي فيه الجواز مع الشرطين ، كما أنه يكفي في معقد الإجماع ونصوص تزويج الحرة على الأمة.

وأضعف من ذلك القول بالتفصيل بين من عنده الحرة وغيره ، فلا يجوز للأول ، ويجوز للثاني ، مع أنه لم نعرف قائله وإن حكي عن الشيخ أنه حكاه عن قوم من أصحابنا ، بل ظاهر حكايته المنع وإن رضيت الحرة وهو مخالف لما تعرفه من الإجماع ، على أنه قد بالغ بعض الأفاضل في نفي هذا القول ، وأنه ليس قولا في المسألة ، وإن مرجعه الى القول بالجواز ، ويؤيده تصريح بعض المتبحرين بأن ليس في المسألة إلا قولين ، وظاهر المسالك أن هذا القائل قد اعتبر في المنع وجود الحرة فعلا لا القدرة عليها ، لكنه كما ترى أيضا. وعلى كل حال فثبوته قولا في المسألة هنا وهي جواز تزويج الأمة مع عدم الشرطين أو أحدهما لا من حيث إذن الحرة وعدمه مشكل ، ومع تسليمه فهو أضعف من سابقه كما لا يخفى عليك.

وكذا ما عد قولا رابعا ، وهو ما يظهر من المفيد من التحريم دون الفساد ، فإنه ليس قولا في أصل التحريم ، مع أنه في غاية الضعف مناف للفهم العرفي المستفاد من الآية والنهي في الرواية في أمثال هذه المقامات مما كان مورده ركني ( ركن خ ل ) العقد التي هي أولى من نواهي حرمة الجمع ، كما هو واضح بأدنى نظر.

ثم المراد من الطول هنا المهر وإن كان هو أعم كما سمعت التصريح به في الخبر (١) لكن ألحق به المصنف وغيره النفقة أيضا ، وكأنه أخذه من أصل المعنى اللغوي ، وهو الزيادة والفضل والسعة في المال ، لكن الإنصاف أنه يمكن عدم اعتبار غير المهر في الطول الذي هو شرط الجواز وأما النفقة فأمر قد ضمنه الله تعالى خصوصا بعد قوله تعالى (٢) ( إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ )

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٥.

(٢) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣٢.

٤٠٦

وخصوصا بعد قوله تعالى (١) ( وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ ).

ولو وجد الشرطان فنكح الأمة ثم ارتفعا لم يؤثر ذلك في صحة النكاح السابق ، بل لو فرض أنه قد كان طلقها طلاقا رجعيا جاز له الرجوع بها وإن فقد الشرطان ، لأنها بمنزلة الزوجة ، ولو أمكنه زوال العنت بوطء ملك اليمين مع فقده الطول للحرة لم يجز له نكاح الأمة ، لعدم الشرط ، وربما احتمل الجواز ، لصدق عدم استطاعة طول حرة ، وفيه أن خوف العنت شرط آخر ، والفرض عدم حصوله ، هذا.

وفي المسالك « القدرة على وطء الحرة شرط في وجود الطول ، فلو كان عنده حرة رتقاء أو ضعيفة عن الوطء بمرض أو صغر أو كانت غائبة عنه بحيث خشي العنت قبل الوصول إليها جاز له نكاح الأمة ، لفقد شرط الطول ودفعا للحرج ، نعم لو قدر مع وجودها على زوال العنت ببعض الاستمتاعات غير الوطء امتنع » وظاهره الجواز من غير مراعاة الاذن من الحرة ، وهو لا يخلو من إشكال لما ستعرف ، نعم ما فيها أيضا من « أنه لا فرق في المنع عن العقد على القول به بين الدائم والمنقطع ، لشمول النكاح المشروط لهما ، وأما التحليل فان جعلناه عقدا امتنع أيضا ، وإن جعلناه اباحة فلا ، كما لا يمتنع وطؤها بملك اليمين » جيد جدا خلافا لبعضهم ، فخص المنع بالدائم معللا له بأنه المنساق من الإطلاق وبما سمعته من صحيح (٢) نفي البأس عن المتعة الذي قد عرفت سوقه من حيث كونه على الحرة ، أو لبيان أصل جواز ذلك بإذن أهلها ، والانسياق المزبور ممنوع ، خصوصا بعد ملاحظة موارد نظائر المقام ، كما هو واضح. لكن ما ذكره من المنع في التحليل بناء على العقد يمكن منعه حتى عليه أيضا لظهور النص والفتوى فيما لا يشمله ، كما صرح به‌

__________________

(١) سورة الذاريات : ٥١ ـ الآية ٢٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب المتعة الحديث ٣.

٤٠٧

بعضهم.

والتمكين من نكاح الكتابية بناء على جوازه رافع لخشية العنت الذي هو أحد شرطي الجواز ، فيكفي حينئذ في المنع وإن صدق معه عدم طول نكاح المؤمنة المحصنة ، اللهم إلا أن يقال بمعونة قوله تعالى (١) ( وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ) والعسر في شدة المحافظة عن سؤرها وغيره إن المراد خشية العنت من حيث عدم نكاح المؤمنة ، فيكفي حينئذ في جواز نكاح الأمة المؤمنة وإن تمكن من نكاح الكتابية ، أو يقال بجواز كل منهما له أو نحو ذلك فتأمل جيدا.

ولو توقف نكاح الحرة على مهر يجحف بالحال أو زيادة لا يتسامح في مثلها فالظاهر عدم وجوب البذل وإن تمكن ، والاستطاعة في الآية (٢) محمولة على المتعارف ، ولعل ذلك مثل بذلك الزيادة المزبورة في تحصيل ماء الطهارة وساتر الصلاة وراحلة الحج ، هذا.

وفي المسالك « المعتبر في المال المبذول في المهر القدر الزائد عما يستثنى من المسكن والخادم وثياب البدن ونحوها ، لأن ذلك لا ينافي الفقر ، والفقير غير مستطيع ، مع احتماله ، لتحقق القدرة في الجملة المانعة من نكاح الأمة ».

قلت : لعل إيكال صدق الاستطاعة طولا الى العرف أولى من التعرض لجزئياته التي لم تنضبط ، لاختلافها مكانا وزمانا ، ومن ذلك ما ذكره فيها أيضا من أنه « لو كان له مال غائب يتحقق به الطول ولكن لا وصول اليه الآن مع خوف العنت فإن أمكنه الاستدانة عليه فهو مستطيع ، وإلا فلا ، ومن ثم جاز له أخذ الزكاة ، ولو وجد من يشتريه بأقل من ثمن المثل ففيه الوجهان السابقان. وما فيها أيضا من أنه « لو لم يكن مالكا للمهر ولكنها رضيت بتأجيله فان كان إلى وقت لا يترقب فيه المال عادة فلا عبرة به ، وإن كان مما يتوقع فيه القدرة فوجهان ،

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢١.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٥.

٤٠٨

من تحقق القدرة على الحرة الآن ، ومن أن المعتبر المال المخصوص للحرة ، والفرض عدمه ، وشغل الذمة بمثل ذلك مع إمكان كذب الظن فضلا عن الاحتمال لا دليل عليه إن لم يكن فيه ضرورة ، وهذا أقوى ، ولا فرق بين طلبها مع ذلك مقدار مهر المثل معجلا أو أزيد منه أو أنقص ، وكما لا يجب التزام دينها كذلك لا يجب التزامه من غيرها بقرض وعدمه ، حيث لا يكون عنده وفاء » إلى غير ذلك مما ليس وظيفة الفقيه التعرض له في مثل الألفاظ التي لا حقيقة لها شرعية ، بل ربما كان بعض المتنبهين لمصاديق العرف أعرف من الفقيه بها ، والمرجع إليه في معرفة نفسه بخوف العنت وعدم الطول ما لم يعلم كذبه.

وكيف كان فلا يخفى أنه بناء على القول الأول لا يجوز له أن ينكح إلا أمة واحدة لزوال العنت بها اللهم إلا أن يفرض عدمه فيجوز له الثانية وأما من قال بالقول الثاني أباح اثنتين لأن الفرض عدم حرمة نكاح الأمة عنده للعمومات ، نعم لا تجوز له الثالثة اقتصارا في المنع على موضع الوفاق وهو الثلاث كما ستعرفه ، فيبقى ما عداه على أصل الجواز وعموماته ، والله العالم.

المسألة ( الرابعة )

لا يجوز للعبد أن يتزوج أكثر من حرتين كما ستعرف إن شاء الله.

المسألة ( الخامسة )

لا يجوز نكاح الأمة على الحرة إلا بإذنها بلا خلاف أجده فيه‌

٤٠٩

في المستثنى والمستثنى منه إلا ما عساه يظهر مما حكاه الشيخ عن قوم من أصحابنا من عدم الجواز وإن أذنت ، وهو مع أنه غير معروف القائل واضح الضعف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى النصوص‌ قال ابن بزيع (١) في الصحيح : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام هل للرجل أن يتمتع المملوكة بإذن أهلها وله امرأة حرة؟ قال : نعم إذا رضيت الحرة ، قلت : فان رضيت الحرة يتمتع منها ، قال : نعم » بل قد يشعر به‌ خبر حذيفة بن منصور (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج أمة على حرة لم يستأذنها ، قال : يفرق بينهما ، قلت : عليه أدب ، قال : نعم ، اثني عشر سوطا ونصف ، ثمن حد الزاني وهو صاغر » وغيره من النصوص (٣) نعم يعتبر وجود الشرطين السابقين بناء على منع نكاح الأمة بدونهما ، ولا ينافي وجود الحرة عنده تصور وجودهما بعد إمكان خوف العنت معها لرتق أو مرض أو غيرهما ، وعدم الطول لنكاح حرة غيرها ، لكن قد يظهر مما في المسالك في المسألة السابقة عدم اعتبار إذن الحرة حينئذ ، وفيه أنه مخالف لظاهر الأدلة.

نعم يمكن عدم اعتبار إذنها على القولين إذا كانت ليست من أهل الاذن لصغر أو جنون ، بناء على ظهور اعتبار الاذن في القابلة لذلك ، فيبقى غيرها حينئذ على عمومات الحل ، مع احتمال العدم ، لإطلاق النهي عن نكاح الأمة على الحرة ، وظهور القابلية إنما هو في المستثنى ، فيقتصر عليه في تخصيص المستثنى منه ، واحتمال الرجوع إلى إذن الولي لا دليل عليه ، إلا إطلاق الولاية الذي لا يشمل مثل ذلك قطعا ، فلو تجدد لها القابلية بعد النكاح ففي اعتبار إذنها حينئذ في البقاء أو أن لها الخيار في فسخ عقد نفسها خاصة أو مع عقد الأمة وجوه ، أما الغيبة ونحوها مما يمنع الاستئذان ممن له أهلية الإذن فالظاهر بقاء اعتبار الاذن معها ، لإطلاق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٤ والباب ـ ٤٩ ـ من أبواب حد الزنا من كتاب الحدود.

٤١٠

الأدلة.

وعلى كل حال فان بادر وعقد من دون إذن كان العقد باطلا عند بني أبي عقيل والجنيد وإدريس والشيخ في محكي التبيان وظاهر المبسوط وقيل والقائل الشيخان وأتباعهما كان للحرة الخيار في الفسخ والإمضاء لعقد الأمة ولها فسخ عقد نفسها أيضا ، لنحو ما سمعته في عقد بنت الأخ والأخت على العمة والخالة حتى التصريح بالبطلان هنا في بعض النصوص (١) كما هناك ، ولكن قد عرفت جوابه هناك ، كما عرفت أن الأقوى الصحة مع الوقوف على الاذن شبه الفضولي ، بل قد لا ينافيه القول بالبطلان بعد حمله على إرادة العقد بدون الاذن سابقا ولاحقا ، كالحكم به هنا في نصوص المقام وغيره ، ضرورة عدم صدق النكاح بغير إذن على من لحقه الاذن ، بل يمكن إرادة عدم ترتب أثر الصحة قبل الاذن من البطلان ، كما اتفق التعبير بذلك عن الفضولي ممن يرى صحته.

ومن ذلك يظهر الوهن في الاستدلال على البطلان بظاهر الإجماعات المحكية على ذلك ، وإلا كانت موهونة بالقول الثاني الذي قد يدعى شهرته بين القدماء ، بل لعل الشق الأول منه يرجع الى ذلك أيضا كما هو ظاهر كشف اللثام أو صريحه ، ضرورة عدم إرادة ما يقابل اللزوم من الخيار فيه ، وإلا لاقتضى صحة النكاح بغير رضاها وإن كان لها فسخه ، وهو مناف لما دل من نص وإجماع على اعتبار الاذن في الصحة ، اللهم إلا أن يستفاد ذلك من اعتبار إذنها أيضا في نكاحها على الأمة ، مع أنه هناك للزوم ، لا لأصل الصحة ، ولكن فيه أنه بعد تسليمه لا ينبغي قياس ما نحن فيه عليه بعد اختلافهما ، في مفاد الدليل ، فيحمل حينئذ على إرادة الوقف على رضاها من الخيار فيه ، بمعنى أن لها الخيار في صحته وفساده بإيجاد الشرط ، وهو رضاها وعدمه ، وهو عين ما قلناه.

نعم قد زاد هؤلاء بأن لها مع ذلك الخيار في عقد نفسها أيضا وكان المراد تخييرها بين رد عقد الأمة وبين فسخ عقد نفسها ، فلها حينئذ الالتزام بهما معا ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١ و ٢ و ٥.

٤١١

وليس لها رد عقد الأمة وفسخ عقد نفسها ، ولعل الوجه فيه ظهور النصوص (١) والفتاوى في أن أمر الجمع بينها وبين الأمة إليها ، فإن رضيت به صح ، وإلا كان لها إبطاله ، وهو يحصل بأحد أمرين : رد عقد الأمة أو فسخ عقد نفسها ، فتخير فيهما ، وفيه أنه منحصر في الأول بعد سبق لزوم عقدها ، وعدم الدليل على طرو تزلزله كما عرفته سابقا في عقد بنت الأخ والأخت على العمة والخالة ، بل فحوى صحيح الحذاء (٢) يقضي بخلافه ، على أنه مع فسخها عقد نفسها يلزم صحة عقد الأمة من دون إذن ، فينافي ما دل على اعتبار الاذن في صحة النكاح ، وانتفاء الزوجة بعد إيقاع العقد لا يكفي ، لصدق النكاح بغير إذن الحرة وإلا لكفى موتها مثلا بعد العقد قبل الاذن.

ومن ذلك كله بان لك أن ما قلناه لا الأول ولا الثاني أشبه بأصول المذهب وقواعده التي هي من صحة الفضولي إلا إذا رجعا إليه على حسب ما سمعت ، هذا كله فيما لو تزوج أمة على حرة.

أما لو تزوج الحرة على الأمة كان العقد ماضيا بلا خلاف أجده فيه ، بل في الرياض الإجماع عليه للعمومات وغيرها ولكن لها الخيار في نفسها إن لم تعلم لخبر سماعة (٣) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في رجل تزوج امرأة حرة وله امرأة أمة ولم تعلم الحرة أن له امرأة أمة ، قال : إن شاءت الحرة أن تقيم مع الأمة أقامت ، وإن شاءت ذهبت إلى أهلها ، قال : قلت له : فان لم ترض بذلك وذهبت إلى أهلها أفله عليها سبيل إذا لم ترض بالمقام؟ قال : لا سبيل له عليها إذا لم ترض حين تعلم ، قلت : فذهابها إلى أهلها فهو طلاقها ، قال : نعم إذا خرجت من منزله اعتدت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء ثم تتزوج إن شاءت » وخبر يحيى‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة والباب ـ ٧ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٤ والباب ـ ٤٩ ـ من أبواب حد الزنا.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٣.

٤١٢

الأزرق (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كانت له امرأة ولية فتزوج حرة ولم يعلمها بأن له امرأة وليدة ، فقال : إن شاءت الحرة أقامت وإن شاءت لم تقم ، قلت : قد أخذت المهر فتذهب به ، قال : نعم بما استحل من فرجها ».

ولعل المستفاد منهما اعتبار الاذن هنا في اللزوم لا الصحة بخلاف الصورة السابقة ، واحتمال اعتباره فيها كالسابقة لا دليل عليه ، بل ظاهر العمومات وغيرها خلافه ، كما أنه قد يستفاد منهما عدم وجوب إعلام الحرة بأن عنده أمة ، للأصل وغيره ، ودعوى استلزام ثبوت الحق لها بالخيار لوجوب الاعلام يدفعها منع الملازمة أولا ، ومنع ثبوت الحق لها حال الجهل ثانيا ، كدعوى ظهور الأدلة في اعتبار الاذن في الجمع بينها وبين الحرة من غير فرق بين سبقها على الأمة والعكس ، وإن اختلفا في تزلزل عقد الأمة في الأول والحرة في الثاني ، لأصالة لزوم السابق ، وكذا الكلام في عقد العمة والخالة على بنت الأخ والأخت كما سمعته هناك من المسالك ، بل ظاهرها المفروغية ، من ذلك ، إلا أنها كما ترى مجرد احتمال في الأدلة لا يساعد ظاهرها عليها كما عرفت ، هذا.

ولكن في الرياض « ولو أدخل الحرة على الأمة جاز ، ولزم علم الحرة بأن تحته أمة إجماعا ونصوصا » ولم نتحقق ذلك ، ويمكن أن يريد الإجماع والنصوص على الحكم الأول ، وهو الجواز أو يريد اعتباره في لزوم العقد أو غير ذلك ، وعلى كل حال فلا خيار لها في عقد الأمة الثابت لزومه ، خلافا للمحكي عن البيان ، فخيرها فيه أيضا لما عرفت ، وفيه ما سمعت ، وفي محكي المبسوط جعله رواية ولم نتحققها.

ولو جمع بينهما أي الحرة والأمة مثلا في عقد واحد صح العقد فيهما مع الاذن منها سابقا ولاحقا لما عرفت ، والأصح عقد الحرة للعمومات دون الأمة ولا يقدح تبعيض مورد العقد عندنا ، للأصل وغيره ، وفي‌ صحيح الحذاء عن أبي جعفر عليه‌السلام « أنه سئل عن رجل تزوج امرأة حرة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

٤١٣

وأمتين مملوكتين في عقد واحد ، قال : أما الحرة فنكاحها صحيح ، وإن كان سمى لها مهرا فهو لها ، وأما المملوكتان فان نكاحهما في عقد مع الحرة باطل يفرق بينه وبينهما » وينبغي تقييده مع عدم الاذن ، للقطع بالصحة معها ، ومنه يعلم أن ليس لها فسخ عقد نفسها ، وبالأولى يستفاد عدم فسخه مع سبقه ، كما هو واضح ، هذا.

ولا يخفى عليك أن المبعضة خارجة عن مفهوم الأمة ، فالمتجه عدم لحوق الأحكام السابقة جميعها حينئذ ، فتنكح حينئذ على الحرة من غير إذن ، وتنكح عليها الأمة من غير إذن ، اللهم إلا أن يستفاد من الأدلة أن ذلك للشرف بالحرية المختلف كلا وبعضا على وجه لا يكون من القياس ونحوه مما يحرم الأخذ به ، والله العالم.

المسألة ( السادسة )

لا يحل وطء الزوجة حتى تبلغ تسع سنين إجماعا بقسميه ونصوصا (١) بل‌ في الموثق (٢) « لا توطأ جارية لأقل من عشر سنين ، فان فعل فعيبت ضمن » لكنه شاذ يمكن حمله على الدخول في العشر أو على الكراهة أو غير ذلك ، نحو‌ قوله عليه‌السلام في الخبر (٣) : « لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين » المحمولتين على الترديد من الراوي ، أو استحباب التأخير إلى العشر ، أو اختلاف النساء في تحمل الوطء.

ولا فرق في الزوجة بين الدائمة والمستمتع بها إجماعا أيضا بقسميه ، مضافا الى إطلاق النصوص ، بل صرح غير واحد بإلحاق المملوكة بذلك ، بل في التنقيح ومحكي نهاية المرام والكفاية وظاهر المجمع الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب مقدمات النكاح.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٢.

٤١٤

إطلاق الخبرين ، واشتراك علة المنع ، وعدم تحمل الصغيرة الوطء ، وإفضائه إلى الإفضاء ، وقبح وطء ذات الثلاث والأربع ، فيستصحب المنع الى التسع ، ولا ينافي ذلك اقتصار جملة من العبارات على الزوجة ، لأن التخصيص بالذكر لا يقتضي تخصيص الحكم ، ولأنها مسوقة لبيان التحريم المؤبد والخروج عن حبال الزوجية وعدمه ، والثاني مختص بالزوجة ، وكذا الأول على أظهر القولين ، كما ستعرف.

لكن‌ روى الشيخ في الصحيح عن الحلبي (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في رجل ابتاع جارية ولم تطمث ، قال : إن كانت صغيرة لا يتخوف عليها الحبل فليس عليها عدة ، فليطأها إن شاء » وفي الحسن (٢) عنه عليه‌السلام أيضا إنه قال : « في الجارية التي لم تطمث ولم تبلغ الحبل إذا اشتراها الرجل ، قال : ليس عليها عدة يقع عليها » وخبر عبد الرحمن بن أبى عبد الله (٣) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشتري الجارية التي لم تبلغ المحيض وإذا قعدت عن المحيض ما عدتها؟ قال : إذا قعدت عن المحيض أو لم تحض فلا عدة لها » ويمكن حملها كما اعترف به جماعة على من تجاوز سنها التسع ولم تبلغ الحد الذي يخشى معه الحمل ، كذات العشر وغيرها ممن لا تحيض ، فيسقط الاستبراء لها عملا بهذه النصوص المطابقة للأصل والحكمة ، بل يمكن حملها على الوطء بعد التسمع مع عدم مضى مدة الاستبراء من حين الملك ، فيصح على تفسير الصغيرة بمن لم تبلغ التسع كما هو المشهور ، ولا يعارض ذلك باحتمال تخصيص تلك الأدلة بما عدا المملوكة ، ضرورة رجحان الأول عليه بوجوه ، منها الإجماع المحكي صريحا وظاهرا على حرمة وطئها لدون التسع.

نعم‌ روى الصدوق في المحكي من عيونه عن جعفر بن نعيم بن شاذان عن محمد بن شاذان عن الفضل بن شاذان عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (٤) عن الرضا عليه‌السلام « في حد الجارية الصغيرة السن الذي إذا لم تبلغه لم يكن على الرجل استبراؤها ، قال : إذا لم تبلغ استبرأت بشهر ، قلت : وإن كانت ابنة سبع سنين أو نحوها مما‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١١.

٤١٥

لا تحمل ، فقال : هي صغيرة ، ولا يضرك أن لا تستبرئها ، فقلت : ما بينها وبين تسع سنين قال : نعم تسع سنين » وهو كالصريح في الجواز ، لكنها ضعيفة السند ، ركيكة المتن ، متروكة الظاهر ، متدافعة الصدر والعجز ، مخالفة للإجماع والأخبار لا يخلو عليها آثار التقية ، فلا يصلح التعويل عليها في مثل هذا الحكم.

وكيف كان فالظاهر أن الدبر كالقبل في الحرمة ، لاشتراكهما غالبا في الأحكام ، ولإطلاق المنع من الدخول المتناول لهما نصا وفتوى ، كإطلاق معقد الإجماع المحكي على تحريمه ، نعم لا بأس بالاستمتاع بغير الوطء للأصل السالم عن المعارض.

ومشتبهة السن كالمعلوم صغرها في الحرمة ، للأصل وتعليق الحل في النص على بلوغ التسع ، فالشك فيه شك في المعلق ، كما هو واضح.

وعلى كل حال فـ ( إذا ) أثم و ( دخل بـ ) الزوجة ال صبية أي التي لم تبلغ تسعا فأفضاها حرم عليه وطؤها أبدا وإن قلنا لم تخرج بذلك من حباله كما ستعرف إجماعا محكيا صريحا عن الإيضاح والتنقيح وكنز الفوائد وغاية المرام ، وظاهرا في المسالك ومحكي كشف الرموز والمقتصر والمهذب البارع ، بل والسرائر إن لم يكن محصلا ، بل لعله كذلك إذ لم أجد فيه خلافا إلا من المحكي عن نزهة ابن سعيد مع تصريحه بالتحريم في محكي الجامع ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ، ولا ثالث لهما ، نعم ربما لاح من المفيد وابن الجنيد ، والصدوق ذلك ، حيث لم يتعرضوا للتحريم مع تصريح الأولين ببقائها على الزوجية ، قال الأول : « إذا جامع الرجل الصبية ولها دون تسع سنين فأفضاها كان عليه دية نفسها ، والقيام بها حتى يفرق الموت بينهما » وقال ابن الجنيد : « فإن أولج عليها فأفضاها قبل تسع سنين فعليه أن لا يطلقها حتى تموت ، وينفق عليها ، ويقوم بأمرها ، فإن أحب طلاقها أغرم ديتها ، ولزمه مع ذلك مهرها » وقال الصدوق في المقنع : « ولا تتزوج امرأة حتى تبلغ تسع سنين ،

٤١٦

فان تزوجتها قبل أن تبلغ تسع سنين فأصابها عيب فأنت ضامن » لكن ذلك لا يثبت به قول ، ولذا لم يسند أحد من الأصحاب القول به إليهم.

وأما إطلاق ابن البراج في المحكي من جواهره جواز وطء المفضاة إذا تحقق اندمال جرحها فهو محمول على الزوجة الكبيرة ، فإن الصغيرة لا يتصور فيها ذلك إلا بفرض الإفضاء قبل البلوغ والاندمال بعده ، وهو فرض بعيد لا ينصرف إليه الإطلاق ، إلا أن الانصاف مع ذلك كله عدم خلوه عن القوة ، للعمومات وخلو جميع النصوص المعتبرة ، مع التصريح في بعضها بالبقاء على الزوجية ، كخبر بريد العجلي (١) عن الباقر عليه‌السلام « في رجل اقتض جاريته يعني امرأته فأفضاها ، قال : عليه الدية إن كان دخل بها فأفضاها قبل أن تبلغ تسع سنين ، فإن أمسكها ولم يطلقها فلا شي‌ء عليه » وصحيح حمران (٢) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : « سئل عن رجل تزوج جارية بكرا لم تدرك ، فلما دخل بها اقتضاها فأفضاها ، فقال : إن كان دخل بها ولها تسع سنين فلا شي‌ء عليه ، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقل من ذلك بقليل حين دخل بها فاقتضها فإنه قد أفسدها وعطلها على الأزواج ، فعلى الامام أن يغرمه ديتها ، وإن أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شي‌ء عليه » وغيرهما من النصوص التي لا ينبغي ترك بيان الحرمة المؤبدة فيها التي هي أولى بالبيان من غيرها من الأحكام ، بل لعل قوله عليه‌السلام « أمسكها » في الخبرين ظاهر في ذلك أيضا.

مضافا الى ما في تعطيل هذا الفرج وعدم استنمائه ( استمتاعه ظ ) المنافي لغرض الشارع ، بل ولقوله تعالى (٣) ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) وخصوصا إذا اندمل جرحها وعادت على ما كانت الذي احتمل السيوري فيه الجواز ، بل في كشف اللثام عن بعضهم التصريح به إلا أنه جزم بالعدم معللا له بالاستصحاب وظاهر فتوى الأصحاب ، إلا أنهما كما ترى بعد الإحاطة بما عرفت.

نعم لم أقف إلا على‌ مرسل يعقوب بن يزيد (٤) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « إذا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٩.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢.

٤١٧

خطب المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرق بينهما ولم تحل له أبدا » وهو خبر واحد ضعيف مرسل ، بل ظاهره يقتضي التحريم المؤبد بالدخول مطلقا قبلا أو دبرا ، أفضى أو لم يفض ، عالما كان بالصغر أو جاهلا ، وحصول البينونة بمجرد ذلك ، وهو خلاف فتوى المعظم ، بل الكل في المسألتين ، وخلاف النص المعتبر الدال على بقاء الزوجية مع الإفضاء فكيف بدونه ، فالمتجه طرحه ، ودعوى التمسك به فيما لا تنافيه الأدلة بعد جبر سنده بالشهرة ممكنة موافقة لصناعة الفقه إلا أنها لا تورث الفقيه ظنا.

ومن ذلك كله تعرف ضعف القول بالتحريم المؤبد بالدخول وإن لم يفض الذي أشار إليه المصنف بقوله ولو لم يفضها لم تحرم على الأصح وإن نسب الى الشيخين في المقنعة والنهاية وابن إدريس على أنه لم نتحقق النسبة إلى الأول.

بل الموجود في نسخة عندنا ما سمعته المشعر بالجواز مع الإفضاء فضلا عن عدمه ، نعم قيل إن في التهذيب في آخر باب من يحرم نكاحهن بالأسباب « ومن تزوج بصبية فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرق بينهما ، ولم تحل له أبدا » واحتج على ذلك بمرسلة يعقوب بن يزيد السابقة ، وعلى العبارة المذكورة علامة المتن ، ويمكن أن يكون ذلك من التهذيب ، ووضع العلامة كان خطأ من النساخ.

وأما النهاية والسرائر فإنه وإن قال فيهما في أول أبواب النكاح : « وإذا تزوج الرجل بصبية لم تبلغ تسع سنين فوطأها فرق بينهما ، ولم تحل له أبدا » لكنهما قالا في باب الزفاف ما يدل على اشتراط الإفضاء ، قال في النهاية : « ولا يجوز للرجل أن يدخل بامرأة قبل أن يأتي لها تسع سنين ، فإن دخل بها قبل أن يأتي لها تسع سنين فعابت كان ضامنا لعيبها ، ويفرق بينهما ، ولا تحل له أبدا » وقال في المحكي من الثاني : « ولا يجوز للرجل أن يطأ امرأة قبل أن يأتي لها تسع سنين ، فان دخل قبل ذلك فعابت كان ضامنا لعيبها ، ولا يحل له وطؤها أبدا » ولعله لذا حكي بعضهم عنهما موافقة الأصحاب حملا لإطلاق كلامهما على مقيده ، فلم يتحقق حينئذ قول بذلك ، فلا وجه لاستعظام جماعة له ، حتى توقف لأجله العلامة في المحكي من تحريره ، ومالك‌

٤١٨

الشهيد الثاني في المسالك وبعض من تأخر.

ثم المراد بالإفضاء على ما صرح به جماعة جعل مسلكي البول والحيض واحدا ، بل هو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل قد يظهر من محكي الخلاف الإجماع عليه ، خلافا لابن سعيد ، فجعله رفع الحاجز ما بين مدخل الذكر والغائط ، ولعله محتمل القواعد أو ظاهرها ، بل ربما ظهر من بعضهم أنه أشهر القولين ، ولعل مراده بين العامة ، بل لعله المشهور عندهم لا عندنا ، فإنه قد صرح غير واحد من أصحابنا باستبعاد وقوعه ، لبعد ما بين المسلكين وقوته ، بل عن ابن فهد التصريح بعدم ترتب حكم عليه لو وقع ، بل في محكي المبسوط بعد أن حكاه عن كثير من أهل العلم قال : « وهذا غلط ، لأن ما بينهما حاجز عريض قوى » ثم الفقهاء فرعوا على الإفضاء إذا كان البول مستمسكا أو غير مستمسك ، وهو إنما يصح على ما قلناه ، وفي محكي السرائر بعد أن حكاه عن توهم كثير من الناس قال : « وهذا غلط عظيم ».

قلت : لكن صرح العلامة في التحرير والمختلف والقواعد بوجوب الدية في كل منهما ، وتبعه على ذلك ولده والسيوري ، معللين له بصدق اسم الإفضاء على كل منهما حقيقة ، وبعد وقوع الثاني لا ينافي التسمية عرفا ، وكذا الفاضل الهندي ، قال : « هو صيرورة مسلك البول والحيض واحدا كما هو الغالب المشهور في تفسيره ، أو مسالك الحيض والغائط واحدا على رأي فإنه أيضا ممكن داخل في مفهوم لفظ الإفضاء ، فإنه الإيصال » بل ظاهر المسالك والروضة ذلك أيضا هذا. وفي المتن فيما يأتي « وأما الإفضاء فهو تصيير المسلكين واحدا » وفي النافع هو أن يصير المسلكين واحدا وقيل أن يخرق الحاجز بين مجرى البول والحيض ، وفي الصحاح والقاموس « أفضي المرأة جعل مسلكيها مسلكا واحدا » وفي مجمع البحرين « يعنى مسلك البول والغائط » وعن الآبي في كشف الرموز تفسير عبارة النافع بذلك أيضا ، ولعلهما أخذاه من تبادرهما من هذا اللفظ عند الإطلاق ، وعليه يكون قولا آخر في المسألة ، ومقتضاه حينئذ كون الإفضاء برفع الحاجزين معا ، فإن صيرورة مسلك البول والغائط واحدا لا يتم إلا برفع الحاجز بين مسلك البول والحيض ، ومسلك‌

٤١٩

الحيض والغائط ، فإن مسلك الحيض متوسط بين المسلكين الآخرين ، فلا يتحدان إلا باتحاد الجميع ، وهو شي‌ء غريب بعيد الوقوع في العادة ، وقد استبعدوا ذهاب الحاجز بين مسلكي الحيض والغائط وحده ، وخطؤوا القائل فيه ، فكيف يرفعه ورفع الحاجز الآخر معه ، فإنه كاد أن يعد ممتنعا إلا أن يراد خرق الحاجزين ولو بتكرار الوطء وفيه بعد من وجه آخر.

والأولى صرف هذا الكلام عن ظاهره ، وتنزيله على ما يرجع الى غيره من الأقوال ، وذلك إما بالحمل على إرادة رفع الحاجز بين مسلكين من مسالكها الثلاث برفع أحد الحاجزين ، فيتحد حينئذ مع ما سمعته من العلامة ، لكن ينافيه تعريف « المسلكين » إذا المناسب لإرادة هذا المعنى التنكير دون التعريف المفهم للعهد.

أو بالحمل على مسلكي البول والحيض فيرجع الى القول الأول ، وظاهر المسالك تنزيل عبارة الشرائع على ذلك ، لكنه مع عدم تعارف التعبير عن مخرج الحيض بالمسلك لا يتأتى في عبارة النافع المقابلة فيها بين هذا المعنى والمعنى الأول اللهم إلا أن يريد بالأول رفع الحاجز بينهما من أصله ، وبالثاني خرق ما بينهما إلا أنه كما ترى.

أو بحمل المسلكين على القبل والدبر ، على أن يكون المراد بصيرورتهما واحدا اتحاد مسلك الغائط ومسلك الحيض من القبل بذهاب الحاجز بينهما ، فيعود الى المعنى الثاني ، ولعل هذا هو الوجه في تنزيله ، بل هو الذي استظهره السيوري فيما حكي عنه من عبارة النافع ، بل قد يشهد له شيوع إطلاق المسلكين عليهما ، وكذا تعبير العلامة في القواعد عن أحد القولين في المسألة بخرق الحاجز بين القبل والدبر ، واستبعاده له بأن الحاجز بينهما عصب قوي يتعذر ازالته بالجماع ، بل عن ولده في الشرح التصريح بكون ذلك هو القول الذي حكاه في المبسوط عن كثير من الناس ، وحينئذ يكون القول باتحاد المسلكين والقول بخرق الحاجز ما بين القبل والدبر والقول بصيرورة مسلكي الغائط والحيض واحدا واحدا ، ويكون‌

٤٢٠