جواهر الكلام - ج ٢٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

لا يتأتى معها القيام بحقوق الزوجية ، وحصول التمانع بينها وبين الإرشاد يقتضي تقديمه كما في يحيى عليه‌السلام.

ولعل الأولى في الجواب أن المراد بالحصور ما عن كثير من المفسرين من أنه المبالغ في حبس النفس عن الشهوات والملاهي ، من الحصر بمعنى الحبس ، وحينئذ فمدحه عليه‌السلام بتنكبه عن الشهوات وإعراضه عن الملاهي واللذات كما هو المعهود من حاله على ما حكاه عنه‌ العسكري عليه‌السلام (١) قال : « ما من عبد الله إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة ما خلا يحيى بن زكريا عليه‌السلام ، فلم يذنب ولم يهم بذنب » عكس المعهود من حال غيره الذي زين له حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة وغيرها من الملاذ والشهوات ، فلا دلالة في الآية على رجحان ترك التزويج ، ضرورة أن حصوريته بالمعنى المزبور لا تنافي تزويجه للنسل وغيره ، لا للشهوة واللذة ونحوهما.

ولعله إلى هذا وما يقرب منه يرجع ما أجيب عنه أيضا بأن مدحه عليه‌السلام ليس على ترك التزويج حتى يدل على مرجوحيته ، بل على انكسار الشهوة الطبيعية له بغلبة الخوف واستيلاء الخشية وقهرها بالعبادات والرياضات ، ولا ريب في حسن ذلك ومدحه وإن أدى الى ترك التزويج المطلوب ، فإن تأدية الشي‌ء إلى ترك أمر مطلوب لا ينافي حسنه ، لتمانع أكثر الطاعات مع اتصاف جميعها بالحسن ، وانما أطلق عليه الحصور لأن وجود الشهوة فيه بمنزلة العدم ، فكأنه حصور لا شهوة له أصلا ، وليس إطلاقه عليه لترك النساء الملزوم لترك التزويج حتى يكون مدحا له على ذلك فيستلزم مرجوحية التزويج ، ولا لسلب الشهوة ونزعها عنه بالكلية حتى ينافي وروده مورد المدح والثناء ، ووقوعه نعتا لمن لا يليق به النقص. وعلى كل حال فلا دلالة في الآية على رجحان ترك التزويج لمن لم تتق نفسه اليه.

بل مما ذكرنا يستفاد الجواب عن الثاني ، ضرورة كون الذم المستفاد من آية التزيين لمن لم يبالوا بالدين وحدوده ، واتبعوا ما تهواه أنفسهم من حب‌

__________________

(١) البحار ـ ج ١٤ ـ ص ١٨٦ ـ الطبع الحديث.

٢١

الشهوات من النساء وغيرها ، لا أنه شامل من تزوج على الوجه الشرعي لإرادة النسل والذرية ، ورفع الوحشة من الوحدة ، والإعانة على كثير من الطاعات والعبادات ، وإن لم تكن نفسه تائقة إلى التزويج ، على أن الآية لو كان المراد ظاهرها لنا في رجحان التزويج لمن تاقت نفسه ، ضرورة أولوية اندراجه في آية التزيين من غير التائق.

وربما أجيب عن الثاني بأن الذم المستفاد من الآية مختص بمحبة ذلك للشهوة البهيمية دون إرادة الطاعة وامتثال الأمر ، وفيه أن النكاح ليس من قبيل العبادات الموقوفة على إرادة الطاعة وقصد الامتثال حتى يلزم أن لا يكون فعله على غير ذلك الوجه مستحبا ومرادا ، بل من المعاملات التي يكفي في رجحانها وفضيلتها ترتب الآثار والأغراض المطلوبة من الأمر عليها ، وإن لم يكن وقوعها على وجه الطاعة وقصد الامتثال ، ومن المعلوم أن ما يقتضي إرادة النكاح والأمر به من المصالح كتكثير النسل والأمة وإبقاء النوع والخلاص من الوحدة وغيرها مما لا يختلف الحال فيها بين أن يكون وقوع النكاح بقصد الامتثال وإرادة الطاعة ، أو لميل النفس وحب الشهوة ، نعم وقوعه على وجه العبادة يتوقف على أن يكون الفعل لأجل أمر الشارع وإرادته ، ولا كلام فيه ، فان كل أمر مطلوب يصير بالنية وقصد الامتثال عبادة ، ويحصل به التقرب ، وهذا لا يقتضي توقف حصول المطلوب مطلقا على ذلك ، وما يقال : إن المستحب ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه ، فإنما أرادوا به أثابه فاعله على بعض الوجوه ، لا على كل وجه.

وتحقيق المقام أن ما أمر به الشارع إما أن يكون تعلق الأمر به لمصلحة في الفعل لا تحصل إلا بقصد الامتثال وإرادة الطاعة ، بحيث لا يكون الإتيان به بدون ذلك مرادا ومطلوبا بذلك الأمر كأوامر العبادات ، فإنها وإن كانت بحسب الظاهر متوجهة إلى نفس الفعل إلا أنها في الحقيقة متعلقة به من حيث إنه مأمور به ومراد للشارع ، لتوقف صحتها على ذلك ، وعدم حصول الامتثال بها من دونه ، ولا فرق في ذلك بين أن تكون العبادة من قبيل الأفعال كالصلاة والزكاة ، أو التروك كالصيام والإحرام ، إذ كما لا يجزى وقوع الفعل في العبادات الوجودية على أي وجه اتفق فكذا لا يجزي الترك كذلك في العبادات العدمية ، بل لا بد في كل من الفعل والترك من نية‌

٢٢

القربة وقصد الامتثال إذا كان عبادة ، وإما أن يكون تعلق الأمر به لمصلحة حاصلة بنفس الماهية والطبيعة من غير توقف على قصد الامتثال وإرادة الطاعة ، كالأمر بإزالة الأخباث عن الثوب والبدن ، فان المطلوب منه طهارتهما حال الصلاة وغيرها مما يشترط فيه الطهارة ، ولا ريب في حصول هذا الغرض ، لتحقق الإزالة المعتبرة وإن لم يقصد بها التقرب وإطاعة الأمر ، بل لو كان غافلا عن النجاسة غير شاعر بها واتفق له إزالتها فإنه يمتثل بذلك ، ويخرج عن عهدة التكليف ، وكالأمر بانقاذ الغريق ، والإطعام في المخمصة وفي عام الجدب ، فان الغرض منه إبقاء النفس المحترمة ، وإنقاذها من الهلكة ، ولا فرق في ذلك بين تحققه بقصد القربة والإتيان به لرجاء النفع ، أو لمجرد الرأفة ، أو لغير ذلك من الأغراض ، فإن الخروج عن العهدة حاصل على جميع تلك الوجوه ، ومن هذا القبيل أكثر التروك المطلوبة ، فإن المقصود منها عدم صدور الأفعال القبيحة من المكلف ، وإن لم يكن الترك بقصد الامتثال والكف عن الفعل القبيح ، فان من ترك الزنا يندفع عنه إثمه وإن كان امتناعه عنه للعجز أو الخوف أو الحياء أو للمحافظة على الحشمة والخوف من الفضيحة ، فإن ذلك كله من أسباب العصمة ورفع الإثم والعقوبة.

وبالجملة فامتثال الأمر في غير العبادات لا يتوقف على قصد الطاعة وإرادة الموافقة للأمر ، بل انما يتوقف على موافقة الغرض وترتب المصالح المقتضية للأمر وإن لم يكن شاعرا به ، أو كان ولكن فعله لما فيه من الحظوظ النفسانية ، نعم صيرورة تلك الأمور عبادة وترتب الأجر والثواب عليها موقوف على حصول القربة وقصد الامتثال ، وهي من هذا الوجه داخلة في القسم الأول ، فإن ترتب الأجر والثواب عليها ليس لامتثال الأمر الأصلي فيها ، لما عرفت من أنه لا يوجب ذلك ، بل لامتثال الأمر الثانوي ، أي الأمر بجعلها عبادة وفعلها من حيث إنها مرادة للشارع.

وقد ظهر مما ذكرناه أن استحباب النكاح على القول به غير مختص بالواقع على وجه الامتثال وقصد الطاعة ، فإن ذلك إنما يتجه لو كان النكاح من العبادات‌

٢٣

الموقوفة على النية وقصد القربة ، وليس كذلك ، للإجماع على أنه ليس عبادة بالأصل وإن أمكن صيرورته كذلك بالنية ، وقد عرفت أن الطلب في غير العبادة سواء كان على وجه الوجوب أو الندب لا يختص بذلك ، بل يعم الواقع بالنية وبدونها ، ولا ينافي استحباب النكاح كذلك مرجوحية وقوعه على بعض الوجوه إلا إذا قصد التعبد به وأريد بفعله الأجر والثواب ، فإنه حينئذ يجب وقوعه بقصد الطاعة والامتثال ، وهو من هذا الوجه يندرج في القسم الأول ، ويلحقه حكم العبادات ، والنزاع في استحبابه هنا ليس من حيث كونه عبادة ، لأن الكلام في أحكام المعاملات.

وبذلك كله يعلم الجواب عن الاستدلال بالآية من غير حاجة إلى تخصيص محل النزاع ، ولا إلى التزام التخصيص البعيد في ذم حب الشهوات بمن لم يتق إلى النكاح.

وأما الجواب عن الدليل الثالث فبأن تحمل الحقوق الحاصلة بالتزويج يزيد في الأجر المترتب عليه أو في مطلق الأجر ، وهو أي تحمل الحقوق من الأمور الدينية ف‌ في الحديث (١) النبوي « الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله » وفيه (٢) « العبادة سبعون جزءا أفضلها طلب الحلال » وعن أبي جعفر (٣) عليه‌السلام « من طلب الدنيا استعفافا عن الناس وسعيا على أهله وتعطفا على جاره لقي الله عز وجل يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر » وعن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤) أنه قال له رجل : « والله إنا لنطلب الدنيا ونحب أن نؤتى بها ، فقال : تحب أن تصنع بها ما ذا؟ قال : أعود على نفسي وعيالي ، وأصل منها ، وأتصدق ، وأحج ، وأعتمر ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ليس هذا من طلب الدنيا ، هذا طلب الآخرة » وحينئذ فلا ينافي التعريض لتحمل‌

__________________

(١) المستدرك الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب مقدمات التجارة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب مقدمات التجارة ـ الحديث ٦ و ١٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب مقدمات التجارة ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب مقدمات التجارة ـ الحديث ٣.

٢٤

الحقوق رجحان النكاح الذي هو واسطة في حصوله ، بل هو مما يؤكد الرجحان ويحققه ، وإن حصل الاشتغال بتلك الحقوق عن بعض المطالب الدينية ، لأن تمانع الطاعات وتضادها لا يخرجها عن كونها طاعات مأمورا بها ، وإلا لزم خروج أكثر العبادات الوجودية بل جميعها عن كونها عبادة ، فإن الأفعال لا تجتمع غالبا كالتروك ولا يقدح في ذلك كون الأمور المشتغل عنها بتحمل الحقوق كثيرة ، ولا كونها أفضل من التحمل المذكور ، إذ الكلام ها هنا في رجحان النكاح وفضيلته ، لا في كونه أفضل من غيره ، وما ذكر على تقدير تسليمه إنما ينافي الثاني دون الأول ، هذا إذا كان تحمل الحقوق والاشتغال عن المطالب الدينية المذكوران في الاستدلال وجها واحدا لاستحباب ترك النكاح ، بأن يكون المنع من تحمل الحقوق لاقتضائه الاشتغال المذكور.

أما إذا اعتبر تحمل الحقوق وجها مستقلا للمنع من النكاح لما فيه من التعريض للعصيان والمخالفة وجعل الاشتغال عن المطالب الدينية وجها آخر لمرجوحية النكاح فتقرير الجواب أن تحمل الحقوق يزيد في الأجر ، فلا ضير في اختياره طلبا للثواب ، ورغبة في الطاعة ، وتعريضه للمعصية الاختيارية لا يمنع عن اختياره ، كما في سائر التكاليف ، وأن النكاح من الطاعات والأمور الدينية عند القائل باستحبابه ، فلا يقتضي الاشتغال به عن بعض المطالب الدينية استحباب تركه وكونه مرجوحا ، لما عرفت من تمانع الطاعات وتضادها غالبا ، نعم لو لم يكن النكاح مطلوبا ولا مأمورا به أمكن القول بمرجوحيته من ذلك الوجه وإن لم يكن في نفسه كذلك لثبوت الحسن والقبح بالوجوه والاعتبارات الخارجة عن ذات الشي‌ء وصفاته اللازمة كما حقق في محله.

وبذلك كله ظهر لك قوة القول بالاستحباب مطلقا خلافا لمن عرفت ، وللمحكي عن ابن حمزة من أن من تاقت نفسه وكان قادرا عليه يستحب له النكاح ، ومن لم تتق نفسه ولم يكن قادرا عليه يكره له ذلك ، ومن كان قادرا ولم يتق أو تائقا ولم يقدر لم يكره له ولم يستحب ، بل كان النكاح له مباحا ، وذلك لأن واجد الوصفين أي الشهوة والقدرة جامع بين أمرين يقتضي كل منهما حسن النكاح ، فيكون مستحبا له‌

٢٥

وفاقدهما جامع فيه أمرين يقتضي كل منهما حسن تركه ، لقوله تعالى (١) : ( وَسَيِّداً وَحَصُوراً ) في مدح يحيى على نبينا وآله وعليه السلام. وقوله عز وجل (٢) : ( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً ) إلى آخره. فيكون مكروها ، وأما من كان واجدا لأحد الوصفين دون الأخر فهو جامع بين جهتي حسن النكاح وحسن تركه ، فيتعارض الوجهان فيه ويثبت له حكم الأصل السالم عن المعارض أعني الإباحة ، وفيه منع اقتضاء كل من عدم الشهوة وعدم القدرة حسن ترك النكاح ، والاستدلال بالآيتين على ذلك قد عرفت ضعفه مما تقدم.

وكيف كان فهل هو أفضل أم التخلي للعبادة؟ قولان : أقواهما الأول ، لما في ترك النكاح والاشتغال بالعبادة والرياضة من الرهبانية المنفية في هذه الشريعة ، فعن تفسير علي بن إبراهيم (٣) في تفسير قوله (٤) تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ) الى آخره « إنها نزلت في أمير المؤمنين عليه‌السلام وبلال وعثمان بن مظعون ، فأما أمير المؤمنين عليه‌السلام فحلف أن لا ينام بالليل أبدا ، وأما بلال فإنه حلف أن لا يفطر بالنهار أبدا ، وأما عثمان بن مظعون فإنه حلف أن لا ينكح أبدا ، فدخلت امرأة عثمان على عائشة ، وكانت امرأة جميلة ، فقالت عائشة : ما لي أراك متعطلة؟ فقالت ولمن أتزين؟ فو الله ما قربني زوجي منذ كذا وكذا ، فإنه قد ترهب ، ولبس المسوح ، وزهد في الدنيا ، فلما دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبرته عائشة بذلك ، فخرج فنادى الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ما بال أقوام يحرمون على أنفسهم الطيبات إني أنام بالليل ، وأنكح وأفطر بالنهار فمن رغب عن سنتي فليس مني ، فقام هؤلاء ، فقالوا : يا رسول الله قد حلفنا على ذلك‌

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣ ـ الآية ٣٩.

(٢) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣٣.

(٣) تفسير البرهان ـ ذيل الآية ٨٧ من سورة المائدة.

(٤) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٨٧.

٢٦

فأنزل الله : ( لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ) (١) الآية‌ ، وفي خبر عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله (٢) عليه‌السلام قال : « جائت امرأة عثمان بن مظعون إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله إن عثمان يصوم النهار ويقوم الليل ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مغضبا يحمل نعليه حتى جاء إلى عثمان ، فوجده يصلي ، فانصرف عثمان حين رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عثمان لم يرسلني الله بالرهبانية ، ولكن بعثني بالحنيفية السهلة السمحة ، أصوم وأصلي وأمس أهلي ، فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي ، ومن سنتي النكاح » وفي الموثق عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن مسكين النخعي (٣) « وكان تعبد وترك النساء والطيب والطعام ، فكتب الى أبي عبد الله عليه‌السلام يسأله ، فكتب اليه : أما قولك في النساء فقد علمت ما كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من النساء ، وأما في الطعام فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأكل اللحم والعسل » وعن رجال الكشي انه روى في الموثق عن إبراهيم بن عبد الحميد (٤) قال « حججت ومسكين النخعي ، فتعبد وترك النساء والطيب والثياب والطعام الطيب ، وكان لا يرفع رأسه داخل المسجد إلى السماء ، فلما قدم المدينة دنى من أبي إسحاق عليه‌السلام فصلى الى جانبه ، فقال : جعلت فداك إني أريد أن أسألك عن مسائل ، قال : اذهب فاكتبها وأرسل بها إلي فكتب جعلت فداك رجل دخله الخوف من الله عز وجل حتى ترك النساء والطعام الطيب ولا يقدر أن يرفع رأسه إلى السماء ، وأما الثياب فنسك فيها ، فكتب : أما قولك في ترك النساء فقد علمت ما كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من النساء ، وأما قولك في ترك الطعام الطيب فقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأكل اللحم والعسل ، وأما قولك : إنه دخله الخوف حتى‌

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٨٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب مقدمات النكاح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب مقدمات النكاح ـ الحديث ٨ عن سكين النخعي.

(٤) رجال الكشي ص ٣١٦ من طبع النجف وأشار إليه في الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب مقدمات النكاح ـ الحديث ٨ وفيهما : سكين النخعي.

٢٧

لا يستطيع أن يرفع رأسه إلى السماء فليكثر من تلاوة هذه الآيات (١) : ( الصّابِرِينَ وَالصّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ ) ، إلى آخرها » وأيضا فإن المنقول عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام بالتواتر إيثار النكاح على التخلي للعبادة ، ودليل التأسي يقتضي رجحانه بالنسبة إلينا.

لا يقال : لعل الوجه في ذلك وجود التوقان إلى النكاح كما هو الغالب ، ولا نزاع في أفضليته حينئذ ، إنما النزاع في أفضليته لمن لم تتق نفسه ، ولا دلالة للفعل المنقول عليه إلا مع العلم بانتفاء الوصف ، وهو ممنوع ، لأنا نقول : ثبوت الفعل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصحته عنه يقتضي رجحان التأسي والمتابعة لكل أحد وإن كان مخالفا له في الوصف إلا إذا كان مغيرا للحكم ، لعموم الأدلة وانتفاء ما يصلح للتخصيص فيما عدا الوصف المغير ، كيف ولو كان التأسي مقصورا على صورة العلم بتوافق الأوصاف التي يحتمله التغيير بها لزم أن لا يسلم في شي‌ء من الموارد ، لقيام الاحتمال في جميعها ، فرجحان التأسي في النكاح يقتضي عدم الفرق في ذلك بين وجود التوقان وانتفائه وإن قلنا بثبوته في المتأسي به إلا أن ثبوت الوصف له لا يقتضي استناد الحكم اليه حتى لا يجوز التأسي لفاقده.

لا يقال : إن دليل التأسي إنما يقتضي حسن الفعل ورجحانه في نفسه وأما أنه أفضل من غيره فلا يستفاد منه قطعا حتى يثبت أنه أفضل من التخلي ، لأنا نقول : هو كذلك لو اعتبر التأسي في نفس النكاح ، فإنه حينئذ انما يدل على حسنه لا على أفضليته ، وأما إذا اعتبر بالنسبة إلى اختياره وإيثاره على التخلي فلا ريب في دلالته على الأفضلية ، لأن رجحان التأسي في إيثار النكاح على التخلي يستلزم رجحان إيثاره عليه ، ورجحان إيثار النكاح على التخلي يستلزم رجحان النكاح نفسه بالقياس اليه ، وهو المدعى.

وما يقال ـ من أنه يلزم على ذلك استحالة صدور عبادة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام مرجوحة بالقياس الى عبادة أخرى مضادة لها ، ضرورة اقتضاء صدورها إيثارها على‌

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣ ـ الآية ١٧.

٢٨

الراجحة ، وإيثارها عليها يقتضي رجحانها بالتقرير المتقدم ، وذلك ينافي كونها مرجوحة مفضولة على ما هو المفروض ـ يدفعه معلومية عدم اقتضاء نفس صدور العبادة منهم الأفضلية من عبادة أخرى مضادة ، نعم لو كانت العبادة المأتي بها طاعة مستمرة مانعة عن العبادة المضادة لها ، فان صدور مثل هذه الطاعة المطلوب منها الدوام عن الحكيم العارف بحقيقة الحال لا تكون إلا لرجحانها عنده على غيرها من الطاعات المضادة ، لأن اختيار المفضول والاستمرار عليه مما ينافي الحكمة ، والتأسي في مثل هذا الفعل يقتضي الفضيلة والأفضلية معا ، بخلاف ما إذا كانت العبادة المأتي بها غير مانعة عما يضادها في الجملة ، بحيث يمكن الإتيان بهذه تارة وبمضادها أخرى ، كما في أكثر الطاعات والعبادات ، فان صدورها عن الحكيم لا يقتضي إيثارها ولا كونها أفضل من غيرها ، لإمكان صدورها وصدورها وصدور مضادها عنه في زمانين ، فلا يكون صدورها إيثارا ، فالتأسي في مثل هذه الأفعال إنما يقتضي الفضيلة دون الأفضلية ، ولما كان النكاح أمرا مستمرا يطلب دوامه ، فصدوره عنهم عليهم‌السلام يدل على إيثاره على ما يضاده ، وهو التخلي ، ومقتضى التأسي فيه كونه أفضل منه على ما قررناه ، هذا.

وربما يدل على المطلوب أيضا‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ، « ما بني بناء في الإسلام أحب إلى الله تعالى ، من التزويج » وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) « ما من شي‌ء أحب الى الله عز وجل من بيت يعمر في الإسلام بالنكاح » فإنه بعمومه يشمل التخلي أيضا ، مضافا إلى ما ورد (٣) من الحث البليغ عليه ، وعموم‌ قوله (٤) عليه‌السلام أيضا : « ما استفاد امرء فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله » وقول الباقر (٥) عليه‌السلام « ما أحب أن الدنيا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ و ٢ ـ من أبواب مقدمات النكاح.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب مقدمات النكاح ـ الحديث ١٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب مقدمات النكاح ـ الحديث ٤.

٢٩

وما فيها لي وأن أبيت ليلة ليست لي زوجة ، ثم قال : ركعتان يصليهما رجل متزوج أفضل من رجل عزب يقوم ليلة ويصوم نهاره » وقول الصادق (١) عليه‌السلام « ركعتان يصليهما متزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها الأعزب » وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « شرار موتاكم العزاب ».

والمناقشة ـ بأن الحث البليغ عليه لا يدل على كونه أفضل من غيره ، وبأنه لا يلزم من أفضلية الزوجة ذات الصفات أفضلية مطلق الزوجة ، وبأن المتزوج وقع في الخبر الأخر نكرة في مقام الإثبات ، فلا يفيد العموم ، وبأن العزوبة تندفع بالتسرى ، لقول الكاظم (٣) عليه‌السلام « لرجل قال له : ليس لي أهل : أليس لك جواري أو قال أمهات أولاد؟ قال : بلى ، فقال انك لست بأعزب » ـ يدفعها أن الاستدلال بكثرة الأوامر والمبالغة في الحث والترغيب على وجه يظهر منه الأفضلية من غيره ، لا بنفس الأمر والترغيب وعدم معلومية كون الأمور المذكورة صفات للزوجة ، لاحتمال الاستئناف وإرادة بيان بعض فوائد الزوجة ، والنكرة في الإثبات قد تفيد العموم ، لوقوعها في كلام الحكيم ، والاشعار بالعلية ، واندفاع العزوبة بالتسرى لا ينافي الأفضلية ، لأن العزوبة التي توجب كونه من الأشرار يندفع بأحد الأمرين ، ففي كل منهما خير يندفع به ذلك الشر المتحقق من موته عزبا ، سواء كان متعبدا أم لا.

ومن ذلك كله ظهر لك ضعف القول بأفضلية التخلي منه ، لما في التزويج من القواطع والشواغل وتحمل الحقوق ، ضرورة اقتضاء ذلك زيادة الأجر ، فلا يقدح في الأفضلية ، بل هو مما يحققها ويؤكدها.

نعم ربما قيل بالتفصيل بين من كانت عبادته من الأعمال ، فالتزويج أفضل منها ، لإطلاق ما دل على ذلك ، وبين من كانت عبادته تحصيل العلوم الدينية ، فهي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب مقدمات النكاح ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب مقدمات النكاح ـ الحديث ٦.

(٣) البحار ـ ج ١٠٣ ص ٢٢٠ ـ الطبع الحديث وفقه الرضا عليه‌السلام ص ٧٧.

٣٠

أفضل منه ، لأن كمال الإنسان العلم الذي هو الغرض الأصلي من خلقته ، قال الله تعالى (١) ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ ) والمراد بها كما في الحديث (٢) المعرفة ، وقال الله عز وجل (٣) ( اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ ، وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ عِلْماً ) مضافا إلى الآيات (٤) والمتواتر من الروايات (٥) الدالة على علوم مرتبة العلم وارتفاع شأنه بحيث لا تساويه فضيلة ، ولا تدانيه مرتبة ، حتى قرنت شهادة أولي العلم بشهادة الله وشهادة الملائكة (٦) وحصر الخشية التي هي أصل العبادة في العلماء (٧) وفضل مداد العلماء على دماء الشهداء (٨) ونوم العالم ليلة على عبادة سبعين سنة (٩) بل‌ ورد « أن العلماء أحب الناس إلى الله » (١٠) و « إنهم ورثة الأنبياء وخلفاؤهم » (١١) و « إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا به » (١٢) و « إن العالم‌

__________________

(١) سورة الذاريات : ٥١ ـ الآية ٥٦.

(٢) البحار ـ ج ٥ ص ٣١٢ ـ الطبع الحديث.

(٣) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١٢.

(٤) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١٦٢ وسورة الإسراء : ١٧ ـ الآية ١٠٧ وسورة سباء : ٣٤ ـ الآية ٦ وسورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ١١ وسورة آل عمران : ٣ ـ الآية ٧ و ١٨.

(٥) أصول الكافي ـ ج ١ ص ٣٢ والبحار ـ ج ٢ ص ١ المطبوعين حديثا.

(٦) سورة آل عمران : ٣ ـ الآية ١٨.

(٧) سورة فاطر : ٣٥ ـ الآية ٢٨.

(٨) البحار ـ ج ٢ ص ١٤ و ١٦ الطبع الحديث.

(٩) البحار ـ ج ٢ ص ٢٢ وفيه‌ « يا على نوم العالم أفضل من ألف ركعة يصليها العابد » وفي ص ٢٥‌ « يا على نوم العالم أفضل من عبادة العابد » وفي ص ٢٣‌ « ساعة من عالم يتكئ على فراشه ينظر في علمه خير من عبادة العابد سبعين عاما ».

(١٠) البحار ـ ج ٢ ص ٢٥ الطبع الحديث وفيه : « عظم العلماء واعرف فضلهم فانى فضلتهم على جميع خلقي إلا النبيين والمرسلين. ».

(١١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صفات القاضي ـ الحديث ٢ و ٥٠ من كتاب القضاء.

(١٢) أصول الكافي ـ ج ١ ص ٣٤.

٣١

يستغفر له من في السماوات والأرض حتى الطير في الهواء والحيتان في الماء » (١) و « أن عالما ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد » (٢) إلى غير ذلك من الفضائل التي لا تحصى كثرة على وجه يقطع ذو الفطرة السليمة الواقف على تمام ما ورد في فضيلة العلم والعلماء أنه أفضل السعادات وأشرف الكمالات ، وأنه ينبغي تقديمه على كل فضيلة ، وإيثاره على كل طاعة ، سواء في ذلك التزويج وغيره ، وما ورد في الأخبار من فضل النكاح ليس مما يدانى فضيلة العلم ، ولا مما يقاربه ، فلا يصلح المعارضة به ، ولا الشك في أفضلية العلم بسببه ، وان لم يذكر ذلك صريحا فيما ورد به ، كما هو واضح بأدنى تأمل ، فالواجب حينئذ تقديمه على ما يضاده ويعارضه ، والاجتهاد في قطع ما يقدر عليه من العوائق الشاغلة والعلائق المانعة عن تحصيله ، أو عن الاستكمال فيه ، ولا ريب أن التزويج من أكبر الشواغل وأعظم الموانع حتى اشتهر « أن العلم ذبح في فروج النساء » وقيل : « من تعود أفخاذ النساء لم يفلح ».

لكن قد يناقش بأن النزاع هنا في التفاضل بين طبيعتى النكاح والتخلي للعبادة من حيث هما نكاح وتخل للعبادة ، من غير اعتبار خصوصية في النكاح أو التخلي ، بل بمجرد النظر إلى الجنسين ، نحو قولك : « الرجل خير من المرأة » والتفاضل بينهما على هذا الوجه لا يقتضي أفضلية كل فرد من النكاح على القول بأفضليته ولا العكس ، بل يجوز على الأول أن يكون بعض أفراد التخلي أفضل منه نظرا إلى خصوصيته وإن كان مفضولا ومرجوحا بالنظر إلى طبيعته ، وحينئذ يكون التفصيل المزبور ضائعا ، ضرورة كون النظر فيه الى خصوصيات الأفراد ، والنظر في المسألة إلى نفس الطبيعتين ، فلا ينسلك التفصيل في جملة أقوال المسألة ولا يعد من احتمالاتها ، كما يؤيد ذلك حصر الأصحاب الأقوال في المسألة في القولين ، حيث إنهم بعد أن نقلوا الخلاف عن الشيخ في استحباب النكاح لمن لم تتق نفسه قالوا : إنه على القول بالاستحباب فهل هو أفضل أم التخلي؟ فيه قولان.

__________________

(١) كنز العمال ـ ج ٥ ص ٢٠٣ ـ الرقم ٤١٣٩ ولم يذكر فيه « الطير في الهواء ».

(٢) أصول الكافي ـ ج ١ ص ٣٣.

٣٢

بل من ذلك يظهر الجواب عما قيل على القول بأفضلية النكاح من أنه يقتضي كونه أفضل من التخلي لتحصيل العلم ، مع ما فيه من الفضائل التي لا توجد في آخر لا في التزويج ، ولا في غيره ، فان ذلك انما يتوجه لو كان المراد تفضيل النكاح على جميع أنواع التخلي للعبادة ، وقد عرفت أن المقصود تفضيله على طبيعة التخلي ، مع قطع النظر عن خصوصيات أفراده ، على أن المتبادر من العبادة ما تكون من جنس الأعمال لشيوع استعمالها فيه ووقوعها في مقابلة العلم ، فلا يدخل التخلي لتحصيل العلم في محل النزاع وإن قلنا إن النزاع في تفاضل الأفراد والأنواع دون الطبائع والله العالم.

وكيف كان فاعلم أن النكاح إنما يوصف بالاستحباب مع قطع النظر عن العوارض اللاحقة ، وإلا فهو بواسطتها تجرى عليه الأحكام الأربعة الباقية ، فيجب مع النذر وشبهه ، لرجحانه بالأصل ، ومع ظن الضرر بالترك ، لوجوب دفع الضرر المظنون ، قيل : وعند خوف الوقوع في المحرم بدونه ، وفيه أن ذلك لا يقتضي الوجوب ، ضرورة بقاء الاختيار الذي يكفي في عدم الوقوع فيه ، فلا يتوقف على التزويج ، اللهم إلا أن يريد أن أحد الأفراد التي تكون سببا لعدم الوقوع في المحرم ، وهو كما ترى ، ويحرم إذا أفضى إلى الإخلال بواجب ، كالحج ، ومع الزيادة على الأربع ، ويكره مع انتفاء الشهوة بالكلية ، كما في العنين والمريض مرضا ملازما يمنعه عن الوطء ، فان الظاهر رجحان الترك بالنسبة إليه ، لانتفاء مصالح النكاح فيه ، ومنعه الزوجة من التحصن بغيره ، ولاشتغاله عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه ، كذا قيل ، وفيه أن إثبات الكراهة المصطلحة بذلك لا يخلو من نظر ، ويتصف بالإباحة إذا تضمن تر النكاح مصلحة تساوي مصلحة الفعل ، فان ذلك قد يتفق ، كما إذا خاف من تلف مال معتد به له بواسطة التزويج أو تضييع عيال له في محل آخر مع وجود الشهوة وكمال الرغبة ، قيل : وكذا مع عدم قصد الامتثال وإرادة الطاعة بالتزويج ، فان النكاح إنما يتصف بالاستحباب مع قصد التقرب به ، فبدونه يكون مباحا ، وفيه ما عرفت من عدم اعتبار ذلك في مستحب المعاملات‌

٣٣

وواجبها.

وقال ثاني الشهيدين : « إن الإباحة لا تتفق على القول المشهور إلا للغافل عن القصد الراجح ، والكلام في الأحكام الخمسة للقاصد ، ويمكن فرضه عند الشيخ لمن لم تتق نفسه ، فإنه في المبسوط اقتصر فيه على نفي الاستحباب ، وظاهره بقاء الإباحة ، إذ لا قائل بالكراهة » وفيه أنه يمكن فرض الإباحة على القول المشهور بما عرفت ، فلا ينحصر في الغافل عن القصد الراجح ، على أن ما ذكره من أن الكلام في الأحكام الخمسة للقاصد لا يقتضي نفي الإباحة مع الغفلة عن القصد الراجح خاصة إن أراد بالقصد مطلق القصد ، كما هو الظاهر ، وإن أراد به خصوص القصد الراجح فحصر الكلام في الأحكام الخمسة فيه باطل ، إذ لا ريب في البحث عنها من دون اعتبار الرجحان ، وأيضا ما حكاه عن الشيخ ليس بجيد ، لتصريح الشيخ ـ كما قيل ـ في المبسوط بأن من لا يشتهي النكاح يستحب له أن لا يتزوج ، ومقتضاه كراهة التزويج له ، لا إباحته ، هذا.

وربما تجري الأحكام الخمسة على النكاح باعتبار المنكوحة ، فالواجب التزويج بمن يترتب عليه ضرر يجب عليه دفعه بترك تزويجها ، قيل : وما لو علم وقوع الزنا من أجنبية ، وأنه لو تزوجها منعها منه ولا ضرر ، فيجب كفاية ، ويتعين عند عدم قيام غيره به ، والمحرم : نكاح المحرمات عينا وجمعا ، والمستحب : نكاح المستجمعة للصفات المحمودة في النساء ، والمكروه : نكاح المستجمعة للأوصاف المذمومة في النساء. ونكاح القابلة المربية ، والمتوالدة من الزنا ، والمباح : ما عدا ذلك ، كما هو واضح.

ثم إن الظاهر استحباب التزويج للفقير والغنى ، بل يكره تركه مخافة العيلة ، لقوله تعالى (١) ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى ) الى آخره ، ولأن‌ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) « زوج فقيرا لم يقدر على خاتم حديد ، ولا وجد له إلا إزار ، ولم يكن له رداء » وقال : « من سره أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليلقه بزوجة ، ومن ترك التزويج مخافة‌

__________________

(١) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣٢.

(٢) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٤٢.

٣٤

العيلة فقد أساء الظن بالله عز وجل » (١) بل في‌ النصوص (٢) « أن التزويج يرفع الفقر ويجلب الرزق ، » وأما قوله تعالى (٣) ( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) فقد عرفت عدم منافاتها لذلك ، ضرورة كون الفرض الفقير المتمكن من النكاح بلا صداق ومن غير حاجة إلى تحمل المنة والذل في طلب المهر ونحو ذلك ، فلا إشكال في رجحان النكاح مطلقا.

بل يستحب الزيادة على الواحدة مع الحاجة قطعا ، بل وبدونها على الأقوى ، للتأسي وإطلاق بعض النصوص ، ولما في الزيادة من تكثير النسل والأمة ، ولعروض الحاجة مع عدم التمكن من قضائها مع اتحاد الزوجة ، لحيض أو مرض أو غيرهما ، قيل : ولقوله تعالى (٤) ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) فإن أقل مراتب الأمر الندب ، وفيه بحث تعرفه فيما يأتي إنشاء الله ، فما عن الشيخ من كراهة الزيادة على الواحدة واضح الضعف ، خصوصا بعد ما‌ روى العياشي عن الصادق عليه‌السلام (٥) « في كل شي‌ء إسراف إلا النساء ، قال الله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ ) » إلى آخره ، وأما قوله عز وجل (٦) ( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ) فليس المراد من العدل فيه التسوية في النفقة والعشرة حتى يكون الجمع المفضي الى تركه مكروها ، لأنه أمر ممكن فلا يصح نفي القدرة عليه ، ولأنه لو امتنع لم يجز الجمع ، لوجوب العدل ، والتالي باطل بالضرورة ، بل المراد به التسوية من جميع الوجوه ، أو في المحبة والمودة خاصة ، كما دلت عليه النصوص (٧) فان ذلك هو العدل الذي لا يستطيعونه ولو حرصوا عليه ، وبه يجمع بينها وبين قوله تعالى (٨) ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً )

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ و ١١ ـ من أبواب مقدمات النكاح.

(٣) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣٣.

(٤) سورة النساء ـ ٤ ـ الآية ٣.

(٥) سورة النساء ـ ٤ ـ الآية ١٢٩.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٤٠ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب القسم والنشوز والمستدرك الباب ـ ٥ ـ منها.

(٨) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٣.

٣٥

بحمل العدل فيه على المقدور ، بل الظاهر استحباب ذلك حتى مع الفقر ، لإطلاق‌ ما دل (١) على أن التزويج يزيد في الرزق ، ولخبر إسحاق بن عمار (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الحديث الذي يرويه الناس حق أن رجلا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشكى إليه الحاجة فأمره بالتزويج ـ حتى أمره ثلاث مرات ـ؟ قال فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : نعم هو حق ، ثم قال : الرزق مع النساء والعيال » هذا.

وقد قيل : إن النكاح المحكوم عليه بالاستحباب هو العقد المحلل للوطء ، لأن لفظ النكاح حقيقة فيه ، قلت : قد يحتمل قويا كون المراد منه ما يتناوله والتسري ، لوقوع التعليل في كثير من النصوص بالوجوه المشتركة بينه وبين التزويج ، كحصول النسل وتكثير الأمة وإبقاء النوع والخلاص من الوحدة وطلب الرزق والولد الصالح (٣) فيكون الأمر بالتزويج في الايات والأخبار لكون أحد الفردين الذين يتأتى بهما الاستحباب ، لا لأنه مراد ومطلوب بخصوصه ، ويؤيده‌ خبر عبد الله بن المغيرة (٤) عن أبى الحسن عليه‌السلام « انه جاء رجل الى أبى عبد الله عليه‌السلام ، فقال : هل لك من زوجة؟ فقال : لا فقال : إنى ما أحب أن لي الدنيا وما فيها وانى بت ليلة وليست لي زوجة ، ثم قال : الركعتان يصليهما رجل متزوج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره ، فقال محمد بن عبيد : جعلت فداك فأنا ليس لي أهل ، فقال : أليس لك جواري أو قال : أمهات أولاد؟ قال : نعم ، قال : فأنت لست بعزب » ، والله العالم.

وعلى كل حال ف يستحب لمن أراد العقد أمور كثيرة ذكر المصنف منها سبعة أشياء ، ويكره له أمور أيضا ذكر المصنف منها واحدا ، وهو ال ثامن ، فالمستحبات السبعة أن يتخير من النساء من تجمع صفات أربعا : كرم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ و ١١ ـ من أبواب مقدمات النكاح.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٢ و ٣ و ٦ و ٩ والباب ـ ١١ و ١٥ و ١٦ ـ منها والباب ـ ١ و ٢ و ٣ ـ من أبواب أحكام الأولاد.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٦.

٣٦

الأصل بأن لا تكون من زنا أو حيض أو شبهة أو ممن تنال أحدا من آبائها وأمهاتها الألسن ف‌ في الخبر عن سيد (١) البشر « إياكم وخضراء الدمن ، قيل : يا رسول الله وما خضراء الدمن؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء » وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) أيضا : « اختاروا لنطفكم ، فان الخال أحد الضجيعين » وفي آخر (٣) « تخيروا لنطفكم ، فإن الأبناء تشبه الأخوال » وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا (٤) « أنكحوا الأكفاء ، وانكحوا فيهم ، واختاروا لنطفكم » وفي مرسل ابن مسكان (٥) عن الصادق عليه‌السلام « إنما المرأة قلادة ، فانظر ما تقلده ».

وقيل : المراد من كرم الأصل ، من لم يكن مس آبائها رق ، وقيل : بأن يكون أبواها صالحين ، ويمكن إرادة ما يشمل جميع ذلك منه ، على معنى أن ليس في أصلها ما هو معيب ومذموم.

وكونها بكرا لكونها أخرى بالموافقة والائتلاف ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦) : « تزوجوا الأبكار ، فإنهن أطيب شي‌ء أفواها » وفي حديث آخر (٧) « وأنشفه أرحاما وأدر شي‌ء أخلافا وأفتح شي‌ء أرحاما ، أما علمتم أني أباهي بكم الأمم يوم القيامة حتى بالسقط يظل محبنطئا على باب الجنة ، فيقول الله عز وجل : أدخل الجنة ، فيقول : لا حتى يدخل أبواي قبلي ، فيقول الله عز وجل لملك من الملائكة : آتني بأبويه ، فيأمر بهما إلى الجنة ، فيقول : هذا بفضل رحمتي لك » وقال لجابر وقد تزوج (٨) ثيبا : « هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك ».

بل من الخبر الأول يستفاد استحباب كونها ولودا مضافا إلى الأخبار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٢.

(٣) كنز العمال ج ٨ ص ٢٤٢ الرقم ٣٨٧٠ والجامع الصغير ج ١ ص ١١٢ وفيهما‌ « تخيروا لنطفكم فان النساء يلدن أشباه اخوانهن وأخواتهن ».

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٢.

(٨) كنز العمال ج ٨ ص ٢٤٢ ـ الرقم ٣٨٦٦ و ٣٩١٧.

٣٧

الكثيرة ، بل‌ في بعضها (١) « الحصير في ناحية البيت خير من امرأة لا تلد » قيل : والجمع بين هذه الصفة والبكارة بأن لا تكون صغيرة ولا يائسة ، ولا في مزاجها ما يدل عادة على عقمها ، كانتفاء الحيض ، قلت : الأولى في معرفة كون البكر ولودا الرجوع إلى نسائها من الأمهات والأخوات.

وينبغي أن تكون عفيفة‌ قال جابر بن عبد الله (٢) : « كنا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إن خير نسائكم الولود الودود العفيفة العزيزة في أهلها الذليلة مع بعلها المتبرجة مع زوجها ، الحصان على غيره ، التي تسمع قوله ، وتطيع أمره ، وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها ، ولم تبذل كتبذل الرجل ، ثم قال : ألا أخبركم بشرار نسائكم الذليلة في أهلها العزيزة مع بعلها ، العقيم الحقود ، التي لا تورع من قبيح ، المتبرجة إذا غاب عنها بعلها ، الحصان معه إذا حضر ، لا تسمع قوله ، ولا تطيع أمره ، وإذا خلا بها بعلها تمنعت منه كما تتمنع الصعبة عن ركوبها ، لا تقبل منه عذرا ، ولا تغفر له ذنبا » إلى غير ذلك من النصوص المستفاد منها ذلك وغيره من الصفات التي لم يذكرها المصنف ككونها سمراء ، عيناء ، عجزاء ، مربوعة (٣) طيبة اللت ، درمة الكعب ، عظيمة الكعثب‌ (٤) جميلة ، فان الامرأة الجميلة تقطع البلغم ، والمرأة السوداء تهيج المرة‌ (٥) السوداء ، ذات شعر ، فان الشعر أحد الجمالين‌ (٦) صالحة تعين زوجها على الدنيا والآخرة‌ (٧) ، وتحفظه في نفسها وفي ماله إذا غاب عنها‌ (٨) ولتكن قرشية ، فان‌

__________________

(١) المستدرك الباب ـ ١٤ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٤.

(٢) ذكر صدره في الوسائل ـ في الباب ـ ٦ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٢ وذيله في الباب ـ ٧ ـ منها الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٣.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١٣.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١٠.

٣٨

نساء قريش ألطفهن بأزواجهن وأرحمهن بأولادهن (١) وغير ذلك ، وعلى كل حال فلا تغني البكارة عن العفة حتى إذا فسرت بالعفة في الفرج ، فإنه قد يظن خلافها بكون نسائها زناة ونشأتها بين الزناة ونحو ذلك ، بل ربما علمت رغبتها في الزنا وان لم يتفق لها.

وكيف كان لا يقتصر في اختيار المرأة على الجمال ولا على الثروة فربما حرمهما‌ قال الصادق عليه‌السلام (٢) « من تزوج امرأة يريد مالها ألجأه الله إلى ذلك المال » وقال عليه‌السلام أيضا (٣) : « إذا تزوج الرجل المرأة لجمالها أو لمالها وكل إلى ذلك فإذا تزوجها لدينها رزقه الله الجمال والمال » وعن ابى جعفر عليه‌السلام (٤) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من تزوج امرأة لا يتزوجها إلا لجمالها لم ير فيها ما يحب ، ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها إلا له وكله الله اليه ، فعليكم بذات الدين » وعنه عليه‌السلام (٥) أيضا : « من تزوج امرأة لمالها وكله الله الى ، ومن تزوجها لجمالها رأى فيها ما يكره ، ومن تزوجها لدينها جمع الله له ذلك ».

ويستحب له أيضا عند إرادة التزويج صلاة ركعتين وحمد الله بعدهما والدعاء بعدهما أيضا‌ بما صورته اللهم إنى أريد أن أتزوج ، فقدر لي من النساء أعفهن فرجا وأحفظهن لي في نفسها ومالي ، وأوسعهن رزقا ، وأعظمهن بركة ، أو غير ذلك من الدعاء بهذه المعاني ونحوها وإن لم يكن بهذه الألفاظ ، وإن كان الأولى المحافظة على خصوص ما ورد عنهم عليهم‌السلام‌ قال الصادق عليه‌السلام (٦) : « إذا هم أحدكم بالتزويج فليصل ركعتين ، ويحمد الله ، ويقول : اللهم إنى أريد أن أتزوج ، اللهم فاقدر لي من النساء » إلى آخر ما سمعت ، وزاد « واقدر لي منها ولدا طيبا تجعله خلفا صالحا في حياتي وبعد موتى ».

ويستحب أيضا الإشهاد في الدائم ، بل لعل تركه مكروه ، لقول أبي الحسن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب مقدمات النكاح ـ الحديث ١.

٣٩

عليه‌السلام في مكاتبة المهلب الدلال (١) : « التزويج الدائم لا يكون إلا بولي وشاهدين » بل عن أبي عقيل منا وجماعة من العامة وجوب ذلك فيه ، وإن ضعف ما ذكر دليلا من النصوص المروية (٢) : من طرق العامة والخاصة ، ومن هنا كان المعروف بين الأصحاب خلافه ، بل هو من الأقوال الشاذة في هذا الزمان ، بل لعله كذلك في السابق أيضا بقرينة ما حكى من الإجماع في الانتصار والناصريات والخلاف والغنية والسرائر والتذكرة على عدم الوجوب ، وهو الحجة بعد الأصل والاخبار الكثيرة التي يجب حمل الخبر المزبور في مقابلتها على ما عرفت ، بل‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام (٣) : « إنما جعلت البينة في النكاح من أجل المواريث » يرشد إلى عدم الشرط وأن الأمر بذلك للإرشاد إلى دفع التهمة وتحقق النسب والميراث والقسم والنفقات.

بل الظاهر استحباب الإعلان بذلك الذي هو أبلغ من الإشهاد ، للأمر به في النبوي (٤) فعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أعلنوا هذا النكاح » بل في المسالك الاستدلال عليه بالخصوص بما‌ روى « أن (٥) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يكره نكاح السر حتى يضرب بدف ويقال :

أتيناكم أعناكم

فحيونا نحييكم

ويستحب أيضا الخطبة بضم الخاء امام العقد وأكملها كما في المسالك اضافة الشهادتين والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام بعده ، والوصية بتقوى الله ، والدعاء للزوجين ، وإنما استحبت كذلك للتأسي بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام ، وخطبهم منقولة (٦) في ذلك مشهورة ، بل الظاهر استحبابها قبل الخطبة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب المتعة الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب مقدمات النكاح وسنن البيهقي ج ٧ ص ١٢٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٦.

(٤) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٩٠.

(٥) مجمع الزوائد ج ٤ ص ٢٨٨.

(٦) المستدرك الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب مقدمات النكاح.

٤٠