جواهر الكلام - ج ٢٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الحل ، بل هو أولى من حل نكاح الأخت في عدة الأخرى البائنة الذي لا خلاف فيه لذلك أيضا ، كما لا خلاف في الحرمة في العدة الرجعية ، لكونها فيها بمنزلة الزوجة ، نعم صرح جماعة بالكراهة في الأول حتى تخرج منها ، لأنها من علاقة الزوجية ، ول‌ صحيح زرارة (١) « سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة بالعراق ثم خرج الى الشام فتزوج امرأة أخرى فإذا هي أخت امرأته التي بالعراق ، قال : يفرق بينه وبين التي تزوجها بالشام ، ولا يقرب المرأة حتى تنقضي عدة الشامية قلت : فان تزوج امرأة ثم تزوج أمها وهو لا يعلم أنها أمها ، قال : قد وضع الله عز وجل عنه جهالته لذلك ، ثم قال : إذا علم أنها أمها فلا يقربها ، ولا يقرب البنت حتى تنقضي عدة الأم منه فإذا انقضت عدة الأم حل له نكاح البنت » الحديث. المحمول عليها فيها وفي البنت لما عرفت ، وهو جيد إن ثبت قصوره عن معارضة العمومات السابقة ولو لإعراض المعظم مع أنه ليس ابتداء نكاح وإلا كانت مخصصة به ، كما عن ظاهر الشيخ في النهاية والمحكي عن ابني حمزة والبراج ، هذا.

ولا فرق في الحكم المزبور بين الدائم والمنقطع والمختلف كما لا فرق في جواز العقد على إحداهما في عدة البائن للأخرى من غير فرق بين الطلاق والفسخ وغيرهما ، فيجوز حينئذ متعة إحدى الأختين ، فإذا انقضى أجلها عقد على الأخرى وإن كانت في العدة ، وهكذا ، لأنها من عدة البائن وليس عليه لنفسه عدة ، وهو طريق لاحتيال الجمع بين الأختين على الدوام ، ويؤيده‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر الصيقل (٢) « لا بأس بالرجل أن يتمتع أختين » المقتصر في الخروج منه على الجمع بينهما في حالة واحدة ، بل يمكن دعوى ظهوره في المفروض مع اعتبار إرادة الاستمرار الذي لا يكون في غير المتعة ، لعدم المحلل فيها ، وإلا فلا خصوصية للمتعة.

لكن في النهاية بعد أن ذكر جواز العقد على إحدى الأختين في عدة طلاق البائن قال « وقد روي فيها أنه إذا انقضى أجلها فلا يجوز العقد على أختها إلا بعد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢.

٣٨١

انقضاء عدتها » مشيرا بذلك الى‌ صحيح ابن سعيد (١) قال : « قرأت كتاب رجل الى أبى الحسن عليه‌السلام : الرجل يتزوج المرأة متعة إلى أجل مسمى فينقضي الأجل بينهما ، هل يحل له أن يتزوج أختها من قبل أن تنقضي عدتها؟ فكتب لا يحل له أن يتزوجها حتى تنقضي عدتها » المؤيد بخبر يونس (٢) وخبر علي بن أبي حمزة (٣) وخبر احمد بن محمد بن عيسى المروي عن نوادره (٤) بهذا المضمون الذي مرجعه الى قارئ المكتوب ، بل عن نهاية المرام لسيد المدارك أن العمل به متعين ، بل في التهذيب التصريح بعدم جواز ذلك متعة مدعيا أنه مضمون الصحيح وإن كان هو كما سمعت مطلق بل هو لازم لما سمعته من الشيخ في النهاية وابني حمزة والبراج.

لكن لا يخفى عليك أولوية حمله على الكراهة ، لقصوره عن مقاومة ما عرفت على وجه يصلح للتقييد ولو لإعراض الأصحاب عنه ، بل في السرائر هذه الرواية شاذة مخالفة لأصول المذهب لا يلتفت إليها ولا يجوز التصريح عليها إلا أنه مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط سيما في الفروج.

ولو اشتبه السابق ولم يكن ثم ما يشخصه ولو علم التاريخ بناء على الحكم بتأخر المجهول عن المعلوم أقرع في وجه قوي وإن لم أجد من ذكره هنا ، نعم في القواعد « الأقرب إلزامه بطلاقهما ، لأن الواجب عليه الإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان ، ولم يتمكن من الأول فيتعين عليه الثاني ، فإذا امتنع منه ألزمه الحاكم به ، كما في كل من وجب عليه أمر فامتنع منه ، وللزوم الحرج على المرأتين » ولعل غير الأقرب احتمال العدم ، واحتمال فسخهما ، وفسخ الحاكم ، وبطلانهما ، وحينئذ فلا يكفي في حلية إحداهما طلاق الأخرى ، لاحتمال كون الثانية اللاحقة إلا أن يجدد العقد عليها ، وكذا لو قال : « زوجتي منهما طالق » وإن صح الطلاق ، لتعين الزوجة في الواقع وإن لم يعلمها بنفسها المطلق ، نعم لو جدد العقد على من يريدها منهما صح ، كما هو واضح.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

٣٨٢

وعلى كل حال فلو طلقهما معا ثبت لهما ربع مجموع مهريهما مع اتفاقهما جنسا وقدرا ووصفا ، بل في القواعد ومع اختلافهما على إشكال ، ولعله من أن الواجب حينئذ نصف أحدهما ، وهو مخالف لربع المجموع ، فإيجابه عليه يوجب إسقاط الواجب وإيجاب غيره ، ومن أن النصف لما اشتبه بينهما ولا مرجح لزم التقسيط ، وحينئذ فيدفع القسط من كل مهر الى من عين لها ، وربما احتمل قسمة المجموع عليهما ، لعدم المرجح ، والقرعة ، والإيقاف حتى يصطلحا أو يتبين الحال ، ولعل الأقوى من ذلك كله القرعة في مستحقة المهر منهما ، لأنها واحدة منهما وقد اشتبهت ، فمن خرجت القرعة لها استحقت نصف مهرها ، ولا إشكال ، هذا كله قبل الدخول بهما.

أما معه فيثبت المسميان لهما مع جهلهما بالحكم أو وقوع العقدين على وجه يحرم وطؤهما بناء على وجوب المسمى في النكاح الفاسد مع الوطء شبهة ، وليس له تجديد عقد على إحداهما إلا بعد مفارقة الأخرى وانقضاء عدتها من حين المفارقة ، بل قيل : وكذا عدة الأولى من حين الإصابة ، لكونها في نكاح فاسد ، وفيه منع عدة عليها ، لكون الإصابة منه ولحوق السبب به ، وكونه في حكم الإصابة الصحيحة ، وحينئذ فلو فارق إحداهما بائنا جدد العقد على الأخرى وإن لم تمض عدتها من حيث الإصابة ، ولو طلق إحداهما بائنا والأخرى رجعيا وأراد التجديد على الأولى لزم انقضاء عدة الرجعية ، ولم يلزم انقضاء عدة البائن إلا من حين الإصابة ، بناء على الاحتمال السابق وإن أراد التجديد على الرجعية لم يلزم انقضاء عدة البائن ، وإنما يلزم انقضاء عدة الرجعية من حين الإصابة على الاحتمال السابق ، ولو أوجبنا مهر المثل في الفاسد مع الوطء شبهة فان اتفق المسمى مع مهر المثل فلا إشكال ، وإن اختلف فالقرعة أو الإيقاف حتى يصطلحا ، والله العالم.

ولو تزوجهما أي الأختين في عقد واحد أو عقدين متفرقين‌

٣٨٣

قيل والقائل جماعة منهم الشيخ في محكي المبسوط وابنا إدريس وحمزة وغيرهم بطل نكاحهما للنهي (١) المقتضي للفساد ، وإن لم يكن في عبادة ، ولامتناع نكاح كل منهما مع الأخرى ، فيمنع العقد حينئذ على كل منهما العقد على الأخرى ، والفرض أن نسبته إليهما متساوية ، ولا مرجح ، وأحدهما لا بعينه يستحيل كونه موضوعا للصحة ، فيتعين البطلان.

ولكن مع ذلك روي أنه يتخير أيتهما شاء وأفتى به الشيخ وأتباعه والأول أشبه بأصول المذهب وقواعده عند المصنف وغيره من المتأخرين وفي الرواية ضعف في السند على ما رواها في الكافي والتهذيب بعلى بن السندي ، وهو مجهول ، بل وبالإرسال ، لأن رواها‌ جميل بن دراج عن بعض أصحابه (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « أنه قال ، في رجل تزوج أختين في عقدة واحدة ، قال : هو بالخيار يمسك أيتهما شاء ويخلى سبيل الأخرى » بل وضعف في الدلالة ، لاحتمال إرادة الإمساك بعقد مستأنف ، نحو‌ خبر الحضرمي (٣) قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : « رجل نكح امرأة ثم أتى أرضا فنكح أختها وهو لا يعلم ، قال : يمسك أيتهما شاء ويخلى سبيل الأخرى » المراد منه قطعا التخيير بين إمساك الأولى بالعقد الأولى وبين طلاقها وإمساك الثانية بعقد مستأنف ، ولعل هذا هو العمدة لمن عرفت في ضعف القول المذكور ، وإلا فجميع ما ذكر لا يصلح معارضا للدليل الجامع لشرائط الحجية ، فإنه مع فرض ظهور دلالته لا يقدح الضعف في سنده بعد رواية الشيخين له ، على أنه رواه في الفقيه بطريق صحيح عن جميل عن أبى عبد الله عليه‌السلام ، وليس متضمنا لما هو مناف للعقل ، فان التخيير قد ورد فيمن أسلم عن أزيد من أربع وغيره ، فلا مانع من وقوع العقد صحيحا قابلا للتأثير بالاختيار المتعقب له ، أو أنه أثر الصحة في إحداهما وله الخيار في التعيين ، مثل ملك الصاع من الصبرة وواحد الشيئين‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢.

٣٨٤

أو الأشياء في الوصية.

وعلى كل حال فنظائره في الشرع كثيرة ، نعم ما سمعته ـ من ضعف الظن بإرادة ذلك منه خصوصا بعد إعراض المعظم وقوة القواعد المنافية له وإرادة غير المعنى المزبور من نحوه والاحتياط في الفروج ـ يوهن الركون اليه ، إلا أن الانصاف مع ذلك عدم خلو المسألة عن إشكال ، لأن الاحتمال المزبور لا يخرج الظاهر عن كونه ظاهرا ، وهو الحجية ، بل ستعرف فيما يأتي من العقد على الأزيد من النصاب قوة التخيير ، وهو مع ما نحن فيه من واد واحد ، والله العالم.

المسألة ( الثانية )

لو وطأ أمة بالملك ثم تزوج أختها قيل والقائل الشيخ في محكي الخلاف والمبسوط يصح التزويج ، وحرمت الموطوءة بالملك أولا ما دامت الثانية في حباله وعن التحرير اختياره ، لكون المحرم الجمع ، فيدور الأمر بين بطلان التزويج أو الوطء أو كليهما ، ولا ريب أن التزويج أقوى من غيره ، لكثرة ما يتعلق به من الأحكام التي لا يلحق الوطء بالملك ، كالطلاق والظهار والإيلاء والميراث وغيرها ، بل الغرض الأصلي من الملك المالية فلا ينافي النكاح ، إلا أن الجميع كما ترى ، ضرورة منع القوة ، وترتب تلك الأحكام لا يدل عليها ، بل ولا كون الغرض الأصلي من الملك المالية على الضعف مع تساويهما في الاستفراش الصحيح ، بل بعد استفراش الأمة اختص تحريم الجمع بتزويج أختها ونحوه ، ضرورة انحصار فرد الجمع به ، فهو حينئذ نكاح الأخت على الأخت ، بل ليس هو من التعارض الذي يفزع فيه الى الترجيح ، كما هو واضح.

ومن الغريب ما في المسالك من أنه « أجيب عن ذلك ببطلان القياس مع وجود الفارق ، فان النكاح أقوى من الوطء بملك اليمين » إذ لا يخفى عليك عدم‌

٣٨٥

كون ذلك من القياس ، بل هو من انحصار فرد النهي به ، ولعله لذا نسبه المصنف إلى القيل مشعرا بالتردد فيه ، وهو في محله ، بل مال إليه في كشف اللثام ، فلا يجوز حينئذ تزويج أختها إلا أن يخرج الأولى عن ملكه ، نعم لو تزوج إحدى الأختين جاز له شراء الأخرى ، لعدم كونه من الجمع المحرم ، إلا أنه يحرم عليه وطؤها ، ولو أثم فوطأ لم تحرم المنكوحة قطعا.

ولو كان له أمتان ف وطأ إحداهما حرمت عليه الأخرى حتى يخرج الاولى عن ملكه إجماعا بقسميه وكتابا (١) وسنة قد سمعت فيما مر بعضها ، كخبر الطائي (٢) وغيره ، وقال عبد الله بن سنان (٣) : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا كانت عند الرجل الأختان المملوكتان فنكح إحداهما ثم بدا له في الثانية فنكحها فليس ينبغي له أن ينكح الأخرى حتى يخرج الأولى من ملكه ، ويهبها أو يبيعها ، فان وهبها لولده يجزؤه ».

نعم في القواعد في اشتراط اللزوم إشكال ، من صدق الخروج عن الملك ، ومن أن العمدة في حل الأخرى حرمة الأولى بحيث لا يتمكن من وطئها ، وهو لا يحصل بدون اللزوم ، إلا أن الوجه الثاني وإن كان أحوط كما ترى لا يصلح معارضا لإطلاق النص بعد حرمة العلة المستنبطة عندنا ، ولعل العمدة الخروج عن الملك ، أو الحرمة بالخروج وإن جاز له الرجوع ، فإنه مع اللزوم يتمكن أيضا من الوطء بعود الملك اليه ولو بالاستقالة.

وعن التذكرة القطع بعدم كفاية الهبة ما لم تقبض ، لأنها إنما تتم به ، والبيع بالخيار إذا جاز للبائع الوطء ، وهو جيد في الأول بناء على توقف الملك على القبض فيه ، بخلاف الثاني ، فإن جواز الوطء له لا ينافي الخروج عن الملك وإن الفسخ بالوطء ، اللهم إلا أن يستفاد اعتبار لزوم الملك من‌ قوله عليه‌السلام في الخبر السابق : « فان وهبها لولده يجزؤه » باعتبار ظهور كون ذلك أقل المجزئ‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

٣٨٦

مع كون الملك فيه لازما لأنه من هبة القرابة.

إلا أنه كما ترى ، وكذا في القواعد الإشكال في الاكتفاء بالتزويج والرهن والكتابة من كون العمدة هو الحرمة ، ومن ظهور النص والفتوى في اعتبار الخروج عن الملك إلا أن الأول كما ترى أيضا ، وعن التذكرة القطع بأن الرهن لا يكفي ، قال : « لأن منعه من وطئها لحق المرتهن ، لا لتحريمها عليه ، ولهذا يحل باذن المرتهن في وطئها ، ولأنه يقدر على فكها متى شاء واسترجاعها اليه » ونوقش بأنه يحل وطء المبيعة والموهوبة أيضا باذن المبتاع والمتهب ، وقد لا يستبد بالقدرة على الفك ، ولا يكفي المطلقة ، لتحققها في العقود المخرجة عن الملك أيضا ، وعنها أيضا أنه قطع بكفاية الكتابة وفاقا للمحكي عن المبسوط ، لأنها حرمت عليه بسبب لا يقدر على رفعه إلا أن الجميع كما ترى مخالف لقواعد المذهب وأصوله بعد اتفاق النص والفتوى على اعتبار الخروج عن الملك في حل الثانية ، ولعل وجهه أنه لما وطأها بالملك صارت بحكم الزوجة إلى أن يذهب ذلك السبب الذي وطأها به ، فيقوم مقام الطلاق ، فلا ينبغي التجاوز عنها بمجرد احتمال كون العلة غير ذلك ، فيتعدى بعد حرمة القياس عندنا ، كما هو واضح ، هذا كله في حل نكاح الأخرى له.

أما إذا وطأهما قبل أن يخرج الأولى عن ملكه قيل كما في المتن حرمت الأولى عليه حتى تخرج الثانية عن ملكه ولكن لم نعرف قائله بناء على كون المراد منه حرمة الأولى وحل الثانية ، وقد اعترف في المسالك بعدم معرفة قائله ، بل قال : ولا من نقله غير المصنف ، نعم ربما احتج له بخبر معاوية بن عمار (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كانت عنده جاريتان أختان فوطأ إحداهما ثم بدا له في الأخرى ، قال : يعتزل هذه ويطأ الأخرى ، قال : قلت : فان انبعثت نفسه للأولى قال : لا يقربها حتى يخرج تلك عن ملكه » بل وجه من حيث الاعتبار بأن مجرد الملك للأمة لا يمنع من الجمع بينها وبين أختها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢.

٣٨٧

كما مر وإنما يمنع الجمع بالوطء بخلاف الحرة ، فإن الممتنع الجمع بالعقد وإن لم يطأ ، فالوطء في الإماء منزل منزلة العقد في الحرائر ، فكما أن الحرة تحل أختها بطلاقها المزيل للعقد المحرم فالأمة تحل أختها بترك وطئها المنزل منزلة العقد ، فإنه مع ترك الوطء تصير مملوكة غير فراش ، والملك لا يمنع الجمع ، وفيه أن الخبر المزبور مع فقده لشرائط الحجية دال على حل الثانية بالاعتزال ، ومحل البحث في الوطء بدون اعتزال في الأولى ، على أنه بالنسبة الى ذلك معارض بما سمعته من النصوص والإجماع بقسميه على عدم حل الثانية لمن وطأ الأولى إلا بإخراج الموطوءة عن الملك ، بل ولما تسمعه من النصوص (١) في المقام ، والاعتبار لا يصلح معارضا للأدلة ، فلا ريب في ضعفه ، بل وبطلانه ، نعم لعل القائل المزبور يريد حرمتهما معا عليه ، وحينئذ يكون له وجه تعرفه فيما يأتي.

وقيل والقائل الشيخ في النهاية وابنا البراج وسعيد وتبعهم جماعة منهم الفاضل في محكي المختلف وولده والشهيد في شرح الإرشاد والمحقق الثاني في شرحه على القواعد إن كان الوطء بجهالة للموضوع أو الحكم لم تحرم الأولى عليه كحرمتها حال العلم ، بل يجوز له الرجوع إليها إذا أخرج الثانية عن ملكه ولو للعود إليها وإن كان الوطء مع العلم حرمت الأولى حتى تخرج الثانية من ملكه لا للعود إلى الأولى وحينئذ ف لو أخرجها للعود إليها والحال هذه لم تحل الأولى قال فيها ما هذا لفظه : « لا بأس أن يجمع الرجل بين أختين في ملك ، لكنه لا يجمع بينهما في الوطء ، لأن حكم الجمع بينهما في الوطء حكم الجمع بينهما في العقد ، فمتى ملك الأختين فوطأ واحدة منهما لم يجز له وطء الأخرى حتى تخرج تلك عن ملكه بالبيع أو الهبة أو غيرهما ، فإن وطأ الأخرى بعد وطئه للأولى وكان عالما بتحريم ذلك عليه حرمت عليه الأولى حتى تموت الثانية ، فإن أخرج الثانية عن ملكه ليرجع إلى الأولى لم يجز له الرجوع الى الأولى ، وإن لم يعلم بتحريم ذلك جاز له الرجوع الى الأولى على كل حال إذا أخرج الثانية عن ملكه ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

٣٨٨

وحاصله تحريم الأولى بوطء الثانية في حالتي الجهل والعلم ، وأنه لا تحل الأولى إلا بعد موت الثانية أو الإخراج عن الملك وإن اختلفا فيه بنية العود إلى الأولى وعدمه ، وأما الثانية فالظاهر عدم اعتبار ذلك في حلها في الحالتين ، وكأن الوجه فيه بعد إمكان اندراجه فيما دل على (١) أن وطء إحدى الأختين المملوكتين يحرم الأخرى ، ضرورة صدق ذلك بالنسبة الى كل منهما وإن حرم عليه وطء الثانية لكنه لا ينافي نشره الحرمة ، فإن مثل هذا النهي لا يقتضي الفساد عقلا ولا لغة ولا عرفا ، إذ هو كوطء المملوكة في الحيض الذي لا إشكال في نشره حرمة المصاهرة ، فإن الحرمة هنا ليست هي إلا من حيث الجمع ، وإلا فمقتضى الحل وهو الملك متحقق ، وبذلك افترق ما نحن فيه عن العقد على الحرة مثلا بعد العقد على أختها ، فإن النهي عن الجمع هنا منحصر في الثانية ، فتختص بفساد عقدها على ما سمعته سابقا كاف في الدلالة على اختصاصها بالفساد دون الأولى ، بخلاف المقام المشترك فيه سبب الحرمة بينهما ، وهو وطء إحدى الأختين ، وقاعدة « لا يحرم الحرام الحلال » ـ مع أنها لا تأتي في صورة الجهل ، ويتم بعدم القول بالفصل ، بل يمكن دعوى ظهورها فيما لا يشمل ذلك مما كان محرما في ذاته بزنا ونحوه ـ معارضة لما هنا بالعموم من وجه ، والترجيح له عليها ولو للنصوص المعتبرة المستفيضة التي قد عمل بها جماعة من الأساطين.

ففي صحيح أبى الصباح الكناني (٢) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « أنه سئل عن رجل عنده أختان مملوكتان فوطأ إحداهما ثم وطأ الأخرى ، قال : إذ وطأ الأخرى فقد حرمت عليه الأولى حتى تموت الأخرى ، قلت : أرأيت إن باعها؟ فقال : إن كان إنما يبيعها لحاجة ولا يخطر على باله من الأخرى شي‌ء فلا أرى بذلك بأسا ، وإن كان إنما يبيع ليرجع إلى الأولى فلا ».

وصحيح الحلبي (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « أنه سئل عن رجل كانت عنده أختان‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ـ ٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

(٣) أشار إليه في الوسائل في الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٩ وذكره في الكافي ج ٥ ص ٤٣٢.

٣٨٩

مملوكتان فوطأ إحداهما ثم وطأ الأخرى ، قال : إذا وطأ الأخرى فقد حرمت عليه الأولى حتى تموت الأخرى ، قلت : أرأيت إن باعها أتحل له الأولى؟ قال : إن كان يبيعها لحاجة ولا يخطر على قلبه من الأخرى شي‌ء فلا أرى بذلك بأسا ، وإن كان إنما يبيعها ليرجع إلى الأولى فلا ولا كرامة » ومثلهما‌ صحيح ابن مسلم (١) عن أبى جعفر عليه‌السلام.

وفي خبر أبى بصير (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كانت له أختان مملوكتان فوطأ إحداهما ثم وطأ الأخرى أن يرجع الى الأولى فيطؤها؟ قال : إذا وطأ الثانية فقد حرمت عليه الأولى حتى تموت أو يبيع الثانية من غير أن يبيعها من شهوة لأجل أن يرجع الى الأولى ».

وخبر علي بن أبي حمزة (٣) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام « سألته عن رجل ملك أختين أيطؤهما جميعا؟ قال : يطأ إحداهما ، وإذا وطأ الثانية حرمت عليه الأولى التي وطأ حتى تموت الثانية أو يفارقها ، وليس له أن يبيع الثانية من أجل الأولى ليرجع إليها إلا أن يبيع لحاجة أو يتصدق بها أو تموت ».

وخبر عبد الغفار الطائي (٤) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في رجل كانت له أختان فوطأ إحداهما ثم أراد أن يطأ الأخرى ، قال : يخرجها من ملكه ، قلت : الى من؟ قال : الى بعض أهله ، قلت : فان جهل ذلك حتى وطأها ، قال : حرمتا عليه كلتاهما » وهي كما ترى متعاضدة جامعة لشرائط الحجية ، فهي حجة مستقلة فضلا عن أن تكون مرجحة لما عرفت ، بل الأخير منها صريح في الجاهل ، ولا ينافيه‌ صحيح الحلبي (٥) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « قلت له : الرجل يشتري الأختين فيطأ إحداهما ثم يطأ الأخرى بجهالة ، قال : إذا وطأ الأخرى ، بجهالة لم تحرم عليه الأولى ،

__________________

(١) أشار إليه في الوسائل في الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٩ وذكره في الفقيه ج ٣ ص ٢٨٤ الرقم ١٣٥٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١٠.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٦.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٥.

٣٩٠

وإن وطأ الأخرى وهو يعلم أنها تحرم عليه حرمتا عليه جميعا » بعد قصوره عنه ولو لاعتضاده بإطلاق الأدلة السابقة ، فلا بأس بالجمع بينهما بإرادة عدم الحرمة نحو حال العلم ، بل يكفي في حلها إخراج الثانية عن الملك ولو للعود إليها بخلاف حال العلم المستحق زيادة عقوبة بذلك ، وبأن الحيل الشرعية وإن اعتبرت في غير المقام لكنه للإقدام على المعصية رفع الشارع اعتبارها هنا.

ومن ذلك كله ظهر لك ما في قول المصنف تبعا للشيخ في المحكي من مبسوطة وابن إدريس ، بل نسبه في المسالك الى أكثر المتأخرين الوجه أن الثانية تحرم على التقديرين أى العلم والجهل دون الأولى فإنها تبقى على الحل السابق نحو المعقودتين ، بل والمعقودة الحرة الموطوء أختها بالملك بعدها ، للأصل ، واختصاص النهي عن الجمع بالأخيرة ، وقاعدة « لا يحرم الحرام » إلا أن الجميع كما ترى ، سيما في صورة العلم التي اتفقت جميع النصوص عليها التي لا يجوز على مقتضى قواعد المذهب طرحها أو تأويلها ، نعم ربما طرح بعضهم خبر عبد الغفار منها ، واقتصر في العمل على الباقي ، ومقتضاه حينئذ بعد مراعاة قاعدة الجمع بين الإطلاق والتقييد تخصيص حرمة الأولى في صورة العلم حتى تخرج الأخيرة عن ملكه دون صورة الجهل ، لكنه ـ مع أنا لم نعرف قائله وإن حكاه الشيخ في التهذيب وشرحه بالأخبار السابقة ، كما في المسالك ـ فيه طرح أيضا لما في النصوص السابقة من اعتبار عدم نية العود إلى الأولى في الإخراج عن الملك المحلل للرجوع إليها ، أو حمله على ضرب من الندب والكراهة من غير داع ، ولعل الأولى منه الحكم بحرمتهما معا على الوجه الذي ذكرناه ، وحمل خصوص التفصيل بنية العود إلى الأولى وعدمها على صورة العلم ، كما عن ابن حمزة ، أو على ضرب من الندب والكراهة لاستبعاد اعتبار ذلك في الحل بعد فرض صحة البيع في نفسه ، وارتفاع موضوع الجمع معه الذي يندرج به في عمومات الحل ، مضافا إلى قاعدة « إصلاح الحلال الحرام » عكس القاعدة السابقة وغيرها ، بل قد يقال : إن المراد من ذلك عدم العبرة به إذا أريد به الاحتيال المنافي صحة البيع ، فيخرج حينئذ عما نحن فيه ، والأمر في ذلك ، كله سهل بعد‌

٣٩١

ظهور الأمر في أصل المسألة بحمد الله وفضله.

ومنه يعلم ما في جملة من المصنفات خصوصا المسالك ، وأطرف شي‌ء فيها نقل صحيح أبي الصباح (١) متهافت المتن على وجه يخرج به عن الحجية ، وناقش فيه بذلك ، مع أنا لم نعثر على نسخة شاذة توافق ما ذكره ، بل الموجود فيما حضرني من الوافي والكافي ما سمعت ، وفيها أيضا المناقشة في النصوص السابقة بعدم تعرضها لتحريم الثانية الذي يمكن أن يقال : إن ترك ذلك لوضوحه ، إذ لا خلاف نصا وفتوى في حرمة وطئها أولا ، وهو كاف في بقاء الحرمة ، واحتمال أن وطأه المحرم عليه صار سببا لحله ثانيا باعتبار تحريم الأولى عليه ، فيرتفع الجمع كما ترى ، وعليه قد يحتمل حينئذ عود حل الأولى له بوطئه المحرم لها ، لكن تحرم الثانية عليه ، فيرتفع الجمع ، وهكذا ، وهو كما ترى بعد الإحاطة بما ذكرناه الذي منه قد يستفاد حكم الأختين اللتين قد لمسهما أو نظرهما نظر شهوة على وجه يقوم مقام الوطء بناء على ما سمعته سابقا دفعة واحدة ، فإن تحريمهما معا بذلك غير بعيد ، بل لعله أولى من حرمة الأولى بوطء الثانية ، كما هو واضح.

هذا وفي خبر ابن أبى عمير (٢) المروي في زيادات التهذيب عن رجل من أصحابنا قال : « سمعته يقول : لا يحل لأحد أن يجمع ثنتين من ولد فاطمة عليها‌السلام إن ذلك يبلغها فيشق عليها قلت : يبلغها قال : اى والله » وعن العلل روايته مسندا عن حماد بن عثمان عن أبى عبد الله عليه‌السلام لكن لم أجد أحدا من قدماء الأصحاب ولا متأخر بهم ذكر ذلك في المكروهات فضلا عن المحرمات المحصورة في ظاهر بعض ، وصريح آخر في غيره ، مضافا الى عموم الكتاب والسنة ، فهو حينئذ من الشواذ التي أمرنا بالإعراض عنها ، نعم جزم المحدث البحراني بحرمة ذلك ، وعمل فيها رسالة أكثر فيها التسجيع والتشنيع وذكر فيها أنه قد عرضها على بعض معاصريه من العلماء المشاركين له في اختلال الطريقة ، ووافقه على ذلك ، لكن لا يخفى على من رزقه الله‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

٣٩٢

معرفة لسانهم وما يلحنون به من أقوالهم ظهور الكراهة منه ، مع أنه لا جرأة لنا بسبب شذوذه على الفتوى بها فيهما فضلا عن تزويج غير العلوية عليها الذي مقتضى التعليل أنه يشق عليها أيضا ، كما أن مقتضى الخبر المزبور سيما على مذهب المحدث المذكور مطلق من تولد منها ولو من البنات وإن علون فلا يخلو حينئذ كثير من الناس عن ذلك ، ومن هنا عد ذلك بعض الناس من البدع ، كما أنه احتمل كون الخبر المزبور كانتحال أبى الخطاب أن العلويات إذا حضن قضين الصوم والصلاة (١) والله العالم.

المسألة ( الثالثة )

قيل والقائل القديمان والشيخان ، وابن البراج وغيرهم ، بل في كشف اللثام وغيره نسبته إلى أكثر المتقدمين ، بل نسبه غير واحد إلى الشهرة ، بل عن ابن أبي عقيل نسبته إلى آل الرسول ( صلوات الله عليهم ) : إنه لا يجوز للحر العقد على الأمة إلا بشرطين : عدم الطول ، وهو عدم المهر والنفقة ، وخوف العنت ، وهو المشقة من الترك لقوله تعالى (٢) ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ ، فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ، ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ، وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ، وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) وخبر محمد بن صدقة البصري (٣) المروي عن تفسير العياشي قال : « سألته عن المتعة أليس هذا بمنزلة الإماء؟ قال : نعم ، أما تقرأ قول الله عز وجل ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ) ـ الى قوله ـ ( وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ )؟ فكما لا يسع الرجل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الحيض الحديث ١٥ من كتاب الطهارة.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب المتعة الحديث ١.

٣٩٣

أن يتزوج الأمة وهو يستطيع أن يتزوج الحرة فكذلك لا يسع الرجل أن يتمتع بالأمة وهو يستطيع أن يتزوج بالحرة » وصحيح ابن مسلم (١) سأل أحدهما عليهما‌السلام « عن الرجل يتزوج المملوكة ، قال : لا بأس إذا اضطر إليها » ونحوه خبر أبي بصير (٢) وصحيح زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن الرجل يتزوج الأمة ، قال : لا ، إلا أن يضطر الى ذلك » ومرسل ابن بكير (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا ينبغي أن يتزوج الرجل الحر المملوكة اليوم ، إنما كان ذلك حيث قال الله عز وجل ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً ) ، والطول المهر ، ومهر الحرة اليوم مثل مهر الأمة أو أقل » وخبر يونس (٥) عنهم عليهم‌السلام « لا ينبغي للمسلم المؤمن أن يتزوج الأمة إلا أن لا يجد حرة ، ولذلك لا ينبغي له أن يتزوج امرأة من أهل الكتاب إلا في حال الضرورة ، حيث لا يجد مسلمة حرة ولا أمة » وخبر أبى بصير (٦) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « لا ينبغي للحر أن يتزوج الأمة وهو يقدر على الحرة ، ولا ينبغي أن يتزوج الأمة على الحرة » الحديث.

والمناقشة في الأولين بأن ثبوت البأس في المفهوم أعم من المنع يدفعها ـ بعد إمكان دعوى معروفية التعبير عن ذلك ـ أنه قد كشف عنه التصريح به في صحيح زرارة ، كالمناقشة في غيرهما بإشعار لفظ « لا ينبغي » فيه بالكراهة ، فإنه ـ بعد إمكان دفعها بمنع إشعاره بذلك ـ ظاهر في إرادة المنع منه هنا في بعضها ولو باعتبار تكريره في المعلوم إرادة ذلك منه فيه ، كخبر أبى بصير وغيره ، بل ولعل مرسل ابن بكير ظاهر في إرادة المنع منه أيضا ، بل منه يستفاد اندفاع المناقشة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب القسم والنشوز الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٣ وفيه‌ « لا ينبغي للمسلم الموسر. وكذلك لا ينبغي له. ».

(٦) ذكر صدره في الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٣ وذيله في الباب ـ ٤٦ ـ منها الحديث ٣.

٣٩٤

في الآية من الوجوه التسعة المذكورة جميعها أو أكثرها في زبدة البيان للأردبيلي وغيرها.

كالمناقشة بعدم إرادة المفهوم باعتبار سوق الآية للإرشاد والمخرج عند الحاجة ، نحو‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « من لم يستطع منكم الباه فعليه بالصيام فإنه وجاء » ونحو القول للجار مثلا « إذا أعوزك أمر فصر إلينا » وقول الطبيب : « إذا خفت فساد الدم فعليك بالرمان ، وهيجان الصفراء فعليك بالسكنجبين » الى غير ذلك مما يراد به الإرشاد إلى المخرج عند الحاجة والضرورة ، ويؤيده‌ النبوي (٢) « إن الحرائر صلاح البيت ، والإماء خراب البيت » ولذا لم يجب نكاح الحرة مع القدرة والأمة مع انتفائها ، ولو كان الغرض منها الأمر والنهي والترتيب في الحكم لوجب ذلك.

أو باعتبار أن المفهوم إنما يكون حجة إذا لم يظهر للقيد فائدة سوى نفي الحكم عند انتفائه كما بين في الأصول ، وللشرط هنا وجه ظاهر غير ذلك ، وهو الترغيب في أمر النكاح والحث على فعله بمجرد القدرة عليه ولو بنكاح الأمة ، مع التنبيه على أن نكاح الحرة أولى وأفضل من نكاح الأمة ، وأنه لا ينبغي أن يعدل عن الحرة إلا للضرورة.

أو باعتبار خروجه مخرج الغالب ، فإنه إنما يرغب في نكاح الأمة غالبا من لا يستطيع نكاح الحرة ، فعبر عن مريد نكاح الأمة بمن لا يستطيع نكاح الحرة التفاتا الى هذه الغلبة.

أو باعتبار أن « من لم يستطع » ليس صريحا في الشرط وإن تضمن معناه ، ومفهوم الشرط إنما يكون معتبرا إذا كان معنى الشرط مفهوما من صريح اللفظ ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ١ من كتاب الصوم مع اختلاف في اللفظ.

(٢) المستدرك الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ وفيه « والإماء هلاكه ».

٣٩٥

ولذا عبر عنه بعض الأصوليين بمفهوم « إن ».

وبأن المفهوم لو كان معتبرا هنا لزم أن لا يجوز للعبد نكاح الأمة مع قدرته على نكاح الحرة ، لأن « من » من أدوات العموم ، فيتناول الحر والعبد واللازم باطل بالإجماع ، فكذا الملزوم.

وبأن المعلق على الشرطين هو رجحان النكاح ، فان معنى قوله تعالى ( فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) فلينكح مما ملكت أيمانكم ، وقضية المفهوم حينئذ انتفاء الرجحان عند انتفاء الشرطين دون الجواز ، فلا يقتضي المنع.

وبأن قوله تعالى ( وَأَنْ تَصْبِرُوا ) الى آخرها يدل على الجواز مع فقد الشرطين ، فإنه إذا خاف الضرر بالعزوبة أو الوقوع في الزنا فظاهر وجوب النكاح حينئذ ، فكيف يكون الصبر معه خيرا ، وأيضا فإنهم حكموا باستحباب النكاح لمن تاقت نفسه اليه مطلقا ، وذلك يقتضي استحباب نكاح الأمة مع فقد الحرة لتعينها له حينئذ ، والتخصيص بالحرة ولو مع فقدها بعيد جدا ، فالمراد أن صبركم عند تزويج الأمة مع فقد الشرطين خير ، فيكون تزويجها معه جائزا.

وبأن هذا المفهوم معارض بمنطوق قوله تعالى ( وَأُحِلَّ ) (١) و ( فَانْكِحُوا ) (٢) و ( لَأَمَةٌ ) (٣) والمنطوق مقدم على المفهوم لقوته.

وباحتمال كون الآية للأمر باتخاذ السراري مع عدم القدرة على نكاح الحرائر ، فلا يكون من محل النزاع في شي‌ء.

مضافا الى ما في الأول من أنه إن أريد بالإرشاد معناه الأعم أي الهداية إلى ما فيه المصلحة فهو غير مناف للتحريم ، ضرورة كون الأحكام الشرعية جميعها إرشادية بهذا المعنى ، وإن أريد معناه المصطلح أي الدلالة على ما هو الأليق والأصلح بحال العبد في الأمور الدنيوية خاصة ، كما يستفاد من كلامهم‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٤.

(٢) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣٢.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢١.

٣٩٦

في الأمر الإرشادي وغيره ، فادعاء ظهوره من سوق الآية ممنوع بل مقطوع بفساده ، إذ ليس في الآية إشعار بذلك ، بل قد عرفت دلالتها على خلافه ، وسوقها يقتضي أن المراد بيان الحكم الشرعي من حيث الحل والحرمة ، لوقوعها بعد آية التحريم (١) المشتملة على ذكر ما يحل من النساء وما يحرم ، وتعقيبها بقوله تعالى (٢) ( يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) الدال على أن المقصود بيان الحكم كما ذكرناه ، وأما عدم وجوب نكاح الحرة مع القدرة والأمة بدونها فلعدم ما يدل عليه ، فان المضمر غير معين ، ولو سلم فعدم الوجوب لوجود الصارف عنه ، لا لفهم الإرشاد من الآية كما ظن.

وما في الثاني من أن تسليم حجية المفهوم يقتضي أن الفائدة تخصيص الحكم ، ومخالفة المفهوم للمنطوق ، وإن احتمل غيره من الفوائد ، إذ لو كان الاحتمال قادحا لم يكن المفهوم حجة أصلا ، فإنه لا خلاف في كون التخصيص من جملة الفوائد ، ولا في تعيين إرادته مع انتفاء غيره صونا لكلام الحكم عن اللغو والعبث ، إنما الخلاف في أنه مع احتمال الفوائد الأخر يتعين الحمل على هذه الفائدة أو يبقى الكلام محتملا لها ولغيرها ، والقائلون باعتبار المفهوم يدعون الأول بناء على غلبة هذه الفائدة بالنظر الى غيرها ، وأن المظنون إلحاق المحتمل بالأعم الأغلب ، أو أنها هي المفهومة من اللفظ المتبادرة عند الإطلاق ، فلا يصرف الكلام عنها إلا بدليل ، وهذا معنى قولهم : « المفهوم حجة إذا لم يظهر للقيد فائدة » لا مجرد الاحتمال ، فإنه سهو بين ناشئ من قلة التأمل ، وحينئذ فإن أريد مجرد احتمال الحث والترغيب فهو مسلم ، ولا يقدح في حجية المفهوم ، وإن أريد ظهوره في ذلك فهو واضح المنع ، خصوصا مع ملاحظة قوله تعالى ( وَأَنْ تَصْبِرُوا ) الدال على الحث البليغ على ترك نكاح الأمة ، وكذا قوله تعالى ( ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ) المشعر بكون ذلك للضرورة ونحو ذلك مما هو ظاهر في إرادة الترك المنافي للترغيب.

وما في الثالث من أن موضوع الحكم على القول بالجواز مطلقا هو كل من‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٣.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٦.

٣٩٧

يتأبى من نكاح الأمة سواء كان محتاجا إليه أم لم يكن ، وسواء أراد نكاحها أو لم يرد ، وغير المستطيع ليس غالبا في أفراده ، وإنما هو غالب في أفراد المحتاج إلى نكاحها أو المريد له ، إلا أنه ليس موضوعا للحكم المزبور بالجواز ، لأنه غير مقصور عليه ، ولا على مريد النكاح لعدم تأثير الإرادة في الحكم الشرعي ، على أن بناء المناقشة على الظاهر ، ومقتضاه اختصاص الجواز بغير المستطيع ، وإرادة الغالب على تقديره خروج عن الظاهر ، فلا يصار اليه إلا بدليل.

وما في الرابع من أن « من » في الآية إما شرطية والفاء في جوابها ، أو موصولة والفاء في خبرها ، وعلى كل حال فالمفهوم معتبر ، أما الأول فلأن حجية المفهوم للدلالة على الاشتراط ، فمتى حصلت تبعها المفهوم ، سواء كان اللفظ صريحا في الشرط أو متضمنا له ، كأكثر كلمات الشرط ، بلا خلاف نجده بين علماء العربية والتفسير والأصول والفقه وغيرهم ، كما لا يخفى على من لاحظ كلماتهم ومواضع استدلالهم بأمثال ذلك ، بل كل ما دل على اعتبار المفهوم في الأول دال عليه فيها أيضا ، ولم يخص أحد النزاع بالأول ، وتعبير بعضهم بان ليس تخصيصا قطعا ، بل هو تعبير عن محل النزاع بما يعبر به غالبا ، وأما على الثاني فلأن دخول الفاء في الخبر يدل على تضمن الموصول معنى الشرط كما صرح به أئمة العربية فيه ، بل وفي كل موصوف ، فيكون المفهوم معتبرا ، ولا يقدح فيه عدم وضعها لمعنى الشرط كالشرطية ، إذ العبرة بفهمه مطلقا ولو بالقرينة ، لا باستفادته من جهة الوضع بخصوصه.

لا يقال دخول الفاء إنما يقتضي الإيذان بالشرط حتى كأن الموصول والموصوف متضمن له دخيل ( متضمنا له دخيلا ظ ) في معناه ، ولا يقتضي كونه متضمنا له حقيقة تضمن كلمات الشرط ، مثل « من » و « ما » و « متى » معنى « إن » الشرطية ، ومن ثم لم يلتزم فيه الإبهام المعتبر في كلمات الشرط ، بل جاز أن يكون خاصا ، كما في قوله تعالى (١) ( الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ) المسوق للحكاية عن جماعة خاصة ، وكذا لم يجب أن يعامل معاملة كلمات الشرط من التزام الفاء في الجواب ،

__________________

(١) سورة البروج : ٨٥ ـ الآية ١٠.

٣٩٨

وكون الصلة فعلا صريحا مستقبل المعنى ، فيجوز « الذي يأتيني له درهم » بدون فاء على قصد السببية ، بل يجوز وصله بالظرف وما في معناه مما ليس فعلا صريحا ، وهو كثير ، بل وبالفعل الماضي كما في الآية ، وقول النحاة يتضمن الموصول والموصوف معنى الشرط على ضرب من التسامح.

لأنا نقول : دخول الفاء دال على إرادة الشرط قطعا بإجماع النحاة ، لسبقه الى الذهن ، وهذا القدر كاف في اعتبار المفهوم المستفاد من فهم أهل العرف الذين لا يفرقون في الدال على الشرط صريحا أو بتضمنه معنى الشرط ، كما في كلم المجازاة أو بالقرينة لدخول الفاء في الخبر ، فان جميع ذلك مشترك في الدلالة على مقصود المتكلم منطوقا ومفهوما عرفا ، وإن اختلف الدال على الاشتراط بالوضع والقرينة ، فإن أراد بكون الفاء مؤذنة أن الدلالة قد استفيدت فهو مسلم ، لكنه غير قادح في المطلوب المبنى على فهم الاشتراط ولو من القرينة كما عرفت ، وإن أراد بكونها مؤذنة إنها مشعرة لا دالة كما يقضي به لفظ الإيذان فهو ـ مع كونه خلاف ظاهر جعلهم الفاء من أمارات الشرط وأدلته ، نحو إيذان اللام الموطئة للقسم بالقسم ـ واضح الفساد ضرورة عدم الفرق في الدلالة عرفا ، في نحو « من جاءك فأكرمه » بين كونها موصولة أو شرطية ، ولا يقدح في ذلك استعمالها غير مبهمة في نحو قوله تعالى ( الَّذِينَ فَتَنُوا ) الى آخرها ، لأن دخول الفاء إنما يكون قرينة على إرادة الشرط مع إمكانه ، وهو فيما إذا كان خاصا ممتنع ، كما أنه لا يقدح عدم المعاملة معاملة أدوات الشرط في التزام الفاء ونحوها مما هي أحكام لفظية لا مانع من أن تتبع وضع اللفظ ، بخلاف اعتبار المفهوم ، فإنه من توابع المعنى دون اللفظ.

بل قد يقال بعد التسليم والتنزل إنه لا ريب في أن دخول الفاء مما يتقوى به اعتبار القيد ، وتتأكد معه الدلالة في مفهوم الوصف ، ولا أقل من أن يصير به المفهوم متوسطا في القوة والضعف بين مفهومي الشرط والوصف ، كما يظهر بالتدبر في قول القائل : « الذي يأتيني له درهم » وقوله : « الذي يأتيني فله درهم » فإنك‌

٣٩٩

ترى أن دلالة الثاني على انتفاء الاستحقاق عند عدم الإتيان أقوى من الأول وإن كانت أضعف من قوله : « إن يأتيني أحد فله درهم » وحينئذ فالقول بمفهوم الوصف يقتضي اعتبار المفهوم ، لتحقق الوصف فيه مع زيادة ، والقول بعدم اعتباره لا يوجب النفي فيه ، لإمكان تأثير الزيادة في الحجية ، ومن هنا يعلم أن خروج هذا المفهوم من مفهوم الشرط بعد تسليمه لا يقتضي عدم اعتباره ، ولا يتوقف على القول بحجية مفهوم الوصف ، والله العالم.

وما في الخامس من ظهور الآية في خصوص الأحرار باعتبار ظهورها في استطاعة مهر الأمة المنتفية في العبد ، وفي أن المراد عدم الاستطاعة لفقد الطول ، لا لامتناعه ، وهي في هذا المعنى ليست إلا في الأحرار ، سيما على المختار من عدم ملكية العبد ، بل الظاهر من قوله تعالى : ( مِنْكُمْ ) الأحرار نحو قوله تعالى (١) : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ ) وكذا قوله تعالى (٢) ( فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) الظاهر في الملك فعلا أو إمكانه ، وهو ليس إلا في الأحرار ، ومع الإغضاء عن ذلك كله فلا مانع من ارتكاب التخصيص في المفهوم لا إلغاؤه ، ومع دوران الأمر بينهما فلا ريب في تقديم الأول ، على أن هذه المناقشة وما شابهها إنما هي في خصوص قوله تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ) لا قوله تعالى ( ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ) إلى آخرها ، وهو كاف في ثبوت المطلوب ، لأن ثبوت أحد الشرطين هاهنا يقتضي ثبوت الآخر ، للإجماع على عدم اشتراط أحد الأمرين بخصوصه في نكاح الأمة ، فإن الأصحاب اختلفوا في هذه المسألة على قولين لا ثالث لهما : الجواز مطلقا والجواز مع وجود الشرطين معا ، فالقول بالجواز المشروط بأحدهما خاصة خلاف الإجماع المركب.

وما في السادس من أن المفهوم من تعليق نكاح الأمة على عدم استطاعة نكاح الحرة أن نكاح الأمة بدل عن نكاح الحرة ، وقائم مقامه عند فقدها‌

__________________

(١) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣٢.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٥.

٤٠٠