جواهر الكلام - ج ٢٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بالنسبة الى ذلك ، مع أنه موافق للعامة ، وقد عرفت أن النكاح العقد ، وأنه على تقدير اشتراكه يراد منه العقد ، ووضوح الفرق بينه وبين النكاح في الاحترام والامتهان وغيرهما ، فالتحقيق قصر الحرمة على خصوص التزويج.

نعم لا فرق فيه بين الحرائر والإماء ، لإطلاق الأدلة ، بل لعل المنع هنا أولى في بعض الأفراد ، وأما التحليل فالظاهر إلحاقه بالملك في الحكم لا التزويج ، كما ستعرف تحقيقه إن شاء الله في محله.

كما أن الظاهر عدم الفرق في العمة والخالة بين الدنيا والعليا وإن احتمل الاقتصار على الأولى ، لمخالفة الحكم للأصل إلا أن الأقوى التعميم ، للاشتراك في العلة ، واحتمال شمول اللفظ للجميع ، خصوصا في مثل النكاح الثابت نظير ذلك فيه في نظائر هذا اللفظ في المحرمات ونحوها ، والله هو العالم.

وكيف كان ف لو تزوج بنت الأخ أو بنت الأخت على العمة أو الخالة من غير إذنهما كان العقد باطلا لا تنفع الإجازة بعده ، لاقتضاء النهي ذلك في المعاملة ، بل لعله يقتضي هنا خروج الموضوع عن قابلية النكاح ، كالنهي عن النسبيات ، ول‌ قول الكاظم عليه‌السلام في خبر أخيه (١) : « فمن فعل فنكاحه باطل » لأن رضا العمة والخالة شرط في صحة العقد ، فيجب مصاحبته للمشروط ، كما هو الأصل في الشرائط ، أي الظاهر من أدلتها خصوصا في المقام.

وقيل والقائل الشيخان وأتباعهما بل نسبه غير واحد إلى الأكثر كان للعمة والخالة الخيار في إجازة العقد وفسخه أو فسخ عقدهما بغير طلاق فيكون لهما الفسخ بغير طلاق من زوجهما والاعتزال عنهما والأول لوقوع العقدين صحيحين ، أما الأول فظاهر ، وأما الثاني فلأنه صدر من أهله في محله جامعا لشرائطه ، فلا يؤثر تجدد البطلان بفسخ العمة والخالة في صحته الأصلية كغيره من العقود الموقوفة على رضا الغير إذا وقع صحيحا ، فكانت حينئذ نسبة العقدين إلى العمة والخالة على السواء ، ولما كان الجمع موقوفا على رضاهما تخيرا في رفع‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٣.

٣٦١

الجمع بما شائا من فسخ عقدهما وعقد الداخلة ، لأن كلا منهما يحصل به رفع الجمع الذي قد جعل إليهما.

وفيه أن العقد الأول لازم بالأصل ، ورفع الجمع يحصل بفسخ العقد الطاري الذي هو متعلق الرضا ، ورفع الجمع وإن كان يحصل لكل منهما إلا أن فسخ السابق قد منع منه مانع شرعي ، وهو سبق لزومه ، فيختص التسلط على رفع الثاني ، كما اختص الفساد بعقد الأخت الطاري على عقد أختها ، لا أقل من أن يكون ذلك مرجحا لفسخه على فسخ عقدهما ، على أن ظاهر النصوص التي سمعتها اعتبار الاذن في صحة العقد الطاري ، فلم تجتمع شرائط الصحة بدونها ، بخلاف الأول ، ولذا لم يجز له التصرف به قبل استئذانهما وإن كانتا غير عالمين ، بل لو ماتتا قبل علمهما لا بد من تجديد العقد ، فدعوى تمامية شرائط صحة العقد الثاني في غير محلها ، بل هو كالفضولي في غير المقام الذي شبهه به المستدل ، وحينئذ فيختص هو بالتوقف على الاذن صحة وفسادا ، وهو القول الثالث الذي اختاره جماعة من المتأخرين ، فجميع ما عرفته في حجية الفضولي من عموم ( أَوْفُوا ) (١) وغيره ، بل لعله أولى بالصحة منه ، فإن الذي تعقب فيه رضا من بيده عقدة النكاح بخلافهما ، وليس في شي‌ء من النصوص هنا زيادة على اعتبار الرضا في المقامين ، بل تلك الأدلة أوضح في اشتراطه منها هنا ، فكما قلنا هناك باندراج العقد المتعقب بالرضا في الإطلاقات والعمومات فكذا هنا ، وحينئذ فيراد بما دل على النهي بدون الرضا ما فقده سابقا ولاحقا ، ومنه الخبر الذي استدل به للقول الأول ، ضرورة شموله لما تعقبه الاذن ، بل منه يعلم ما في دعوى دلالة مثل هذا النهي على الفساد ، وأغرب منها دعوى دلالته على خروج الموضوع عن القابلية كالنسبية ، ضرورة عدم كون المقام من ذلك ، فإنه محلل بالاذن لا من المحرمات ، بل منه يعلم ما في دعوى ظهور الشرطية في المصاحبة ، فإن شرطية الرضا ليست من هذا القبيل ، خصوصا بعد الإحاطة بما ذكرناه من أدلة الفضولي وما وقع في الشرع مما يعلم منه‌

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١.

٣٦٢

كون شرطية الرضا ولو متأخرا في جميع ما اعتبر فيه من العقود كافيا ، كما لا يخفى على من كشف الله بصيرته.

فبان حينئذ فساد القول الأول الذي لم نتحقق القائل به بعد احتمال إرادة البطلان في نحو عبارة المتن الوقوف على الاذن إلا ما يحكي عن ابن إدريس هنا من بطلان الثاني وتزلزل العقد الأول ، وهو القول الرابع في المسألة ، محتجا على الأول بما سمعته من الأدلة السابقة ، ولم يتعرض لدليل الثاني ، وفي المسالك كان الأصل فيه نقله عن الشيخ تزلزل العقدين ، واعترضه بالنهي الدال على فساد الثاني ، وأبقى الأول على حاله ، فاضطربت فتواه ، لأنه إذا وقع الطاري فاسدا لم يكن لتخيرها في فسخ عقد نفسها وجه ، لأن المقتضي للفسخ الجمع ، ومع وقوع العقد فاسدا لا جمع ، ولعل ما ذكره من حمل كلامه على ذلك أولى ، وإلا فهو من المستغربات التي لا ينبغي أن تنسب الى فقيه.

وقد تبين بذلك كله أن القول الثالث لا الأول الذي اختاره المصنف أصح الأقوال ، اللهم إلا أن يرجع اليه كما عرفت.

ولو كانت العمة أو الخالة مجنونتين مثلا ففي سقوط اعتبار إذنهما أو انتقاله الى وليهما أو لا يصح العقد لانتفاء شرط صحته وجوه : أوسطها أوسطها (١) ، سيما إذا كانتا صغيرتين مثلا ، ولكن لم أجد شيئا من ذلك في كلام أحد من الأصحاب ، ولا فيما إذا عرض الجنون لهما مثلا بعد العقد ، بل ولا غير ذلك من الفروع المتصورة في المقام. هذا كله في حرمة المصاهرة وتابعها بالوطء الصحيح.

وأما الزنا ونحوه فان كان طارئا على الدخول الصحيح بعقد أو ملك لم ينشر الحرمة للأصل والإجماع بقسميه ، بل لعل المحكي منهما‌

__________________

(١) في هامش النسخة الأصلية هنا تعليقة منه قدس‌سره وهي : « أقول هو كذلك في مسألة اعتبار إذن الحرة في نكاح الأمة قطع بعدم شمول أدلة الولاية لمثله ورجح الصحة حسن وفقه الله ».

٣٦٣

مستفيض أو متواتر كالنصوص التي (١) منها المشتملة على التعليل بأنه‌ « لا يحرم الحرام الحلال » وأنه‌ « ما يحرم حرام قط حلالا » وحينئذ فمن تزوج بامرأة ودخل بها ثم زنى بأمها أو بنتها أو لاط بأخيها أو أبيها أو ابنها أو زنى بمملوكة أبيه الموطوءة له أو ابنه كذلك لم تحرم عليه امرأته ومملوكته فان ذلك كله وما شابهه لا يحرم السابقة بل إطلاقها خصوصا التعليل فيها كالفتاوى عدم الفرق في الزوجة بين المدخول بها وغيرها ، خلافا للمحكي عن أبي علي ، فقال : « إن عقد الأب أو الابن على امرأة فزنى بها الآخر حرمت على العاقد ما لم يطأها ، لعموم ( ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) (٢) مع عدم القول بالفرق ول‌ موثق عمار عن الصادق عليه‌السلام (٣) « في الرجل تكون له الجارية فيقع عليها ابن ابنه قبل أن يطأها الجد أو الرجل يزني بالمرأة هل يحل لابنه أن يتزوجها؟ قال : لا ، إنما ذلك إذا تزوجها فوطأها ثم زنى بها ابنه لم يضره ، لأن الحرام لا يفسد الحلال ، وكذلك الجارية » بل حكي عنه بعضهم اعتبار الدخول في عدم النشر مطلقا لا في خصوص معقودة الأب والابن ، ولعله لفهم التعميم‌ في خبر الكناني (٤) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « إذا فجر الرجل بالمرأة لم تحل له ابنتها أبدا ، وإن كان قد تزوج ابنتها قبل ذلك ولم يدخل بها فقد بطل تزويجه ، وإن هو تزوج ابنتها ودخل بها ثم فجر بأمها بعد ما دخل بابنتها فليس يفسد فجوره بأمها نكاح ابنتها إذا هو دخل بها » لكنه ضعيف جدا ، بل في الرياض قد ادعى جماعة من الأصحاب الإجماع على خلافه.

ويمكن منع إرادة الوطء من الآية أو ما يعمه ، وعلى تقديره يخص بالأخبار‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ ٢ لآية ٢٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٣ وفيه « هل يجوز لأبيه » كما في الكافي ج ٥ ص ٤٢٠ الا أن في الاستبصار ج ٣ ص ١٦٤ الرقم ٥٩٧ « هل يحل لأبيه ».

(٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٨.

٣٦٤

السابقة والإجماعات ، والخبر الأول ـ مع ما قيل إنه ضعيف سندا ودلالة ـ قاصر عن تقييد غيره كالثاني نعم ظاهر تقييد المصنف والفاضل الأمة بالموطوءة انتفاء الحكم مع انتفاء الوطء لكن في القواعد قبل ذلك بقليل « ولو وطأ أحدهما مملوكة الآخر بزنا أو شبهة ففي التحريم على المالك نظر » ومراده بقرينة ما بعده الزنا بها قبل وطء المالك لها.

واختار في جامع المقاصد الحرمة بعد أن حكاها عن الشيخ وابن الجنيد والبراج وجماعة ، لعموم ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) مع عدم القول بالفرق ، وخبر عمار السابق الذي لا يقدح ضعفه على ما قيل بعد اعتضاده بظاهر الآية وغيره من الأخبار (١) كما في جامع المقاصد وبعد تأييده بأخبار (٢) تحريم زوجة أحدهما عليه بزنا الأخر قبل العقد ، كما في كشف اللثام ، وبعد تأيده أيضا بخبر الكاهلي (٣) قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده عن رجل اشترى جارية ولم يمسها فأمرت امرأته ابنه وهو ابن عشر سنين أن يقع عليها ، فوقع عليها ، فما ترى فيه؟ قال : أثم الغلام ، وأثمت أمه ، ولا أرى للأب إذا قربها الابن أن يقع عليها » الحديث ، هذا.

ولكن قد يناقش بأنه ـ مع مخالفته للأصل وعموم ( ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (٤) وعموم‌ « لا يحرم الحرام الحلال » (٥) ـ منع كون النكاح بمعنى الوطء لغة ، لما عرفت ، ومعارضة الخبر بقول أبى جعفر عليه‌السلام في خبر زرارة (٦) : « إن زنى رجل بامرأة أبيه أو بجارية أبيه فإن ذلك لا يحرمها على زوجها ، ولا يحرم الجارية‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ و ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ و ٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢.

(٤) سورة النساء : ٤ الآية ٣ و ٢٤ و ٢٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١٢.

(٦) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

٣٦٥

على سيدها ، وإنما يحرم ذلك منه إذا كان أتى الجارية ، وهي حلال فلا تحل تلك الجارية أبدا لأبيه ولا لابنه » وخبر مرازم (١) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام وسئل عن امرأة أمرت ابنها أن يقع على جارية لأبيه فوقع ، فقال : أثمت وأثم ابنها ، وقد سألني بعض هؤلاء عن هذه المسألة فقلت له : أمسكها إن الحلال لا يفسده الحرام » ولعله لذا كان المحكي عن ابن إدريس عدم الحرمة.

لكن قد يقال : إن التعارض بين الأدلة جميعها من العموم والخصوص والإطلاق والتقييد فيجب حينئذ حمل المطلق فيها على المقيد والعام على الخاص ، ودعوى قصوره عن ذلك مدفوعة بما عرفت ، بل قد يقال : إن خبر مرازم المسؤول فيه عن قضية الامرأة هو بعينه ما في خبر الكاهلي ، وإن الامام عليه‌السلام أجابه بالإمساك تقية ، فإن المعروف عندهم كما قيل الحل ، بل التعليل فيه مبني على ذلك ، ضرورة إمكان الشك في اندراجها تحت الحلال قبل اتخاذها فراشا ، إذ ليس الملك لها يجعلها كذلك ، ولذا لم تحرم على ابنه ولا على غيره بمجرد الملك ، بل لعل ابن إدريس قال بالحل بناء منه على ما ذهب اليه من أن الزنا للسابق لا ينشر حرمة ، وستعرف ضعفه.

واحتمال أن النشر هنا باعتبار قيام الملك مقام العقد ـ فيكون من الزنا اللاحق الذي قد عرفت أنه لا يحرم الحلال وإن كان قبل الدخول ، ولذا تردد العلامة في التحريم هنا ، مع قوله بأن الزنا السابق ينشر واللاحق لا ينشر ـ يدفعه ما عرفت من ظهور كون المراد بالحلال الفرج المستباح بسببه المخصوص كالعقد أو الذي وطأ بسببه الشامل له ولغيره ، كالأمة المملوكة الموطوءة مثلا.

وعلى ذلك يتجه بناء هذه المسألة على مسألة نشر الزنا السابق ، وهو الذي ذكره المصنف بقوله وإن كان الزنا سابقا على العقد فالمشهور تحريم بنت العمة والخالة إذا زنى بأمهما بل عن المرتضى والتذكرة الإجماع عليه ، وهو الحجة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٤.

٣٦٦

مضافا الى‌ خبر محمد (١) قال : « سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا جالس عن رجل نال من خالته في شبابه ثم ارتدع ، أيتزوج ابنتها؟ فقال : لا ، فقال : إنه لم يكن أفضى إليها إنما كان شي‌ء دون شي‌ء ، فقال : لا يصدق ولا كرامة » وخبر الخزاز (٢) عنه عليه‌السلام أيضا قال : « سأله محمد بن مسلم وأنا جالس » الحديث بأدنى تفاوت.

وناقش فيه في المسالك بضعف السند ، وعدم التصريح فيه ، بالوطء بل بعدمه الذي لا يليق بمنصب الإمامة تكذيبه فيه ، وأنه في الخالة خاصة ، وحينئذ فيتجه إدراج حكم الزنا بهما في حكم غيرهما الذي ستعرف البحث فيه ، لا أنهما بخصوصهما ينشر الزنا بها الحرمة وإن لم نقل به في غيرهما كما وقع من بعضهم.

وفيه أنه خبر لا يعرف للطائفة خلاف في مضمونه ، على أن الشيخ وإن رواها بطريق موثق لكن الكليني بطريق حسن كالصحيح بإبراهيم بن هاشم ، ويمكن أن يكون التكذيب عن علم منه بالواقع ، ولا زالوا يخبرون بأمثال ذلك ، وإلحاق العمة بها لعدم القول بالفصل ، بل‌ عن السرائر (٣) روى « أن من فجر بعمته أو خالته لم يحل ابنتاهما أبدا » فيمكن أن يكون رواية لم تصل إلينا ، على أن العمدة الإجماع الذي عرفته ، ولا يقدح فيه توقف ابن إدريس فيه.

هذا كله مع فرض عدم النشر في الأجنبية ، وإلا فلا ريب في النشر فيهما ، ضرورة تناول الأدلة لهما ، بل هما أولى. فمن العجب توقف العلامة في المختلف هنا مع حكمه بالنشر في الأجنبية ، ولعله في إثبات الحكم فيها بالخصوص وإن كان فيه ما عرفت من أنه لا ينبغي التأمل أيضا بعد الإجماعين والخبرين المزبورين المؤيدة بمرسل السرائر ، والله العالم.

أما الزنا بغيرهما فهل ينشر حرمة المصاهرة كالوطء الصحيح؟ فيه روايتان إحداهما ينشر (٤) وهي أوضحهما طريقا وأكثرهما عددا وعاملا ، والأخرى‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

٣٦٧

لا ينشر (١) ولكن العمل على الأولى وفاقا للأكثر نقلا مستفيضا ومحصلا ، بل هو المشهور كذلك ، إذ هو خيرة الشيخ في النهاية والتهذيب والاستبصار ، وأبى الصلاح وبنى البراج وحمزة وزهرة وسعيد ، والعلامة في التذكرة والمختلف ، وولده في الإيضاح ، والشهيد في اللمعة وظاهر النكت ، والسيوري في الكنز والتنقيح ، وابن فهد في المقتصر وظاهر المهذب ، والصيمري في غاية المرام وتلخيص الخلاف ، والمحقق الكركي في كنز الفوائد ، والشهيد الثاني في الروضة والمسالك ، وسبطه الفاضل في شرح النافع ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ، والعلامة الطباطبائي في مصابيحه ، والمقدس البغدادي ، بل في الكافي روى في « باب الرجل يفجر بالمرأة فيتزوج أمها أو بنتها » الأخبار الدالة على التحريم مقتصرا عليها ، وظاهره القول بالحرمة ، وقد عرفت أن ابن الجنيد حرم مزنية الأب والابن على الآخر بعد التزويج قبل الوطء ، وهو يقتضي التحريم بالزنا قبل العقد بطريق أولى ، وفي المحكي عن التبيان والطبرسي في مجمع البيان في قوله تعالى (٢) ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) و « كل من عقد عليها الأب من النساء تحرم على الابن دخل بها الأب أو لم يدخل بلا خلاف ، فان دخل بها الأب على وجه السفاح فهل تحرم على الابن؟ فيه خلاف ، وعموم الآية يقتضي أنها تحرم عليه ، لأن النكاح يعبر به عن الوطء كما يعبر به عن العقد ، فيجب أن يحمل عليهما » واللفظ للأول ، والثاني قريب منه ، وظاهرهما القول بالتحريم ، كما أن ظاهر المصنف هنا ذلك أيضا ، وفي الغنية أن تحريم أم المزني بها وابنتها هو الظاهر من مذهب أصحابنا ، والأكثر من رواياتهم ، ثم حكى إجماع الطائفة على تحريم مزنية الأب والابن على الآخر.

وأما القول الآخر فهو خيرة الفقيه والمقنع والمقنعة والمسائل الناصرية والمراسم والسرائر والنافع والإرشاد وكشف الرموز ، ولم نعرف غيرهم ، نعم حكاه في السرائر على ما قيل عن التبيان في تفسير قوله (٣) ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ )

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٦ و ٧ و ٩ و ١٠.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٢.

(٣) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٣.

٣٦٨

وكلامه في هذا الموضع لا يدل على اختيار أحد القولين ، وإنما يدل على منع دلالة الآية على التحريم ، وهو غير الحكم بنفيه ، فمن الغريب دعوى المرتضى في الناصريات الإجماع عليه ، مع أن كلامه في الانتصار يعطي اختيار التحريم ، وكذا ما يلوح من كلام ابن إدريس من شهرة القول بالحل ، على أنك قد عرفت أن معظم أصحابنا المتقدمين عليه على التحريم ، وأما المتأخرون فكاد يكون إجماعا منهم.

وبذلك كله يظهر لك ما في الرياض ودعواه شهرة الحل ، كدعواه أن المشهور بين المخالفين التحريم ، مع أن المستفاد من كلام السيد في الانتصار كون المشهور بينهم الحل ، بل قد يشعر به‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر مرازم (١) « وقد سألني بعض هؤلاء عن هذه المسألة » إلى آخره.

وعلى كل حال فيدل عليه ـ مضافا إلى ما عرفت من الإجماع المحكي ـ ما رواه‌ الكليني والشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « إنه سئل عن رجل يفجر بامرأة أيتزوج ابنتها؟ قال : لا ، ولكن إن كانت عنده امرأة ثم فجر بأمها أو بنتها أو أختها لم تحرم عليه امرأته ، إن الحرام لا يفسد الحلال » وما رواه‌ الشيخان في الصحيح وغيره عنه (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « سألته عن رجل فجر بامرأة أيتزوج أمها من الرضاعة أو ابنتها؟ قال : لا » وصحيح منصور بن حازم (٤) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في رجل كان بينه وبين امرأة فجور ، هل يتزوج ابنتها؟ فقال : إن كان قبلة أو شبهها فليتزوج ابنتها ، وإن كان جماعا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٣. وليس فيه‌ « وإن كان جماعا فلا يتزوج ابنتها » وهي موجودة في الاستبصار ج ٣ ص ١٦٧ الرقم ٦٠٨.

٣٦٩

فلا يتزوج ابنتها ، وليتزوجها هي إن شاء ».

وفي الصحيح عن عيص بن القاسم (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل باشر امرأة وقبل ، غير أنه لم يفض إليها ، ثم تزوج ابنتها ، فقال : إذا لم يكن أفضى إلى الأم فلا بأس وإن كان أفضى إليها فلا يتزوج ابنتها » قيل : هكذا رواه الشيخان في أكثر النسخ ، وذكره الأصحاب في كتب الاستدلال ، واحتج به الشيخ وغيره على هذا المطلب ، وبه يظهر فساد ما في بعض النسخ « رجل باشر امرأته » بالإضافة إلى هاء الضمير ، فتكون حينئذ لا تعلق لها بهذا الحكم أصلا.

ومعتبر يزيد الكناسي (٢) « قال : إن رجلا من أصحابنا تزوج امرأة ، فقال : أحب أن تسأل أبا عبد الله عليه‌السلام ، وتقول له : إن رجلا من أصحابنا تزوج امرأة قد زعم أنه كان يلاعب أمها ، ويقبلها من غير أن يكون أفضى إليها ، قال : فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : كذب ، مره فليفارقها ، قال : فرجعت من سفري ، فأخبرت الرجل بما قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، فو الله ما رفع ذلك عن نفسه ، وخلى سبيلها » وخبر أبي الصباح الكناني (٣) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « إذا فجر الرجل بالمرأة لم تحل له ابنتها أبدا » الحديث ، والصحيح عن أبى بصير (٤) « سألته عن الرجل يفجر بالمرأة أتحل لابنه؟ أو يفجر بها الابن أتحل لأبيه؟ قال : إن كان الأب أو الابن مسها لم تحل » وخبر علي بن جعفر (٥) عن أخيه موسى عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٥ لم يذكر صدره في الوسائل وانما ذكره في الكافي ج ٥ ص ٤١٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٨.

(٤) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١ مع اختلاف في اللفظ.

(٥) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢.

٣٧٠

قال : « سألته عن رجل زنى بامرأة هل تحل لابنه أن يتزوجها؟ قال : لا » ورواه الحميري في قرب الاسناد كذلك ، وموثق عمار (١) وخبر الكاهلي (٢) السابقين.

ومن ذلك كله يعلم ما في حجة الخصم ، من الأصل المقطوع بما عرفت ، والعمومات المخصصة بما سمعت ، والإجماع الممنوع أو الموهون بخلاف المعظم ، بل إطباق المتأخرين ، بل لم نعثر على موافق للناقل له ممن تقدمه سوى آحاد لا يثبت بهم الإجماع ، بل لعل عكسه مظنته كما سمعته من ابن زهرة ، بل ظاهر الناقل له في الانتصار خلافه ، بل ربما ظهر من كلامه فيه الإجماع على ذلك.

والأخبار ، وهي‌ خبر هشام بن المثنى (٣) « كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له رجل : رجل فجر بامرأة أيحل له ابنتها؟ قال : نعم ، إن الحرام لا يفسد الحلال » وخبره الآخر قال (٤) « كنت عند أبى عبد الله عليه‌السلام جالسا ، فدخل عليه رجل ، فسأله عن الرجل يأتي المرأة حراما أيتزوجها؟ قال : نعم وأمها وابنتها » وخبر حنان بن سدير (٥) « كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ سأله سعيد عن رجل تزوج امرأة سفاحا يحل له ابنتها؟ قال : نعم إن الحرام لا يحرم الحلال » وخبر سعيد بن يسار (٦) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل فجر بامرأة يتزوج بابنتها ، فقال : نعم يا سعيد إن الحرام لا يفسد الحلال » وخبر زرارة (٧) « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل فجر بامرأة هل يجوز أن يتزوج بابنتها؟ قال : ما حرم حرام حلالا قط » وخبر صفوان (٨) قال : « سأله المرزبان عن الرجل يفجر بالمرأة وهي جارية قوم آخرين ، ثم اشترى بنتها أيحل له ذلك؟ قال : لا يحرم الحرام الحلال ، ورجل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١٠.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٧‌ عن أبى عبد الله عليه‌السلام « أنه سئل عن الرجل » الا أن الموجود في التهذيب ج ٧ ص ٣٢٠ الرقم ١٣٤٣.

(٥) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٦.

(٧) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٩.

(٨) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١٢.

٣٧١

فجر بامرأة حراما أيتزوج ابنتها؟ قال : لا يحرم الحرام الحلال » وخبر زرارة (١) السابق المشتمل على حصر الإفساد بالوطء الحلال دون الحرام.

إلا أن الجميع كما ترى قاصر عن معارضة ما عرفت سندا وعددا وعاملا ودلالة ، لاحتمال الجميع الفجور بغير الجماع ، أو به ولكن بعد التزويج ، أو التقية ، وهو أحسن المحامل ، وذلك لأن هذا الخبر كما يظهر من الانتصار والغنية وغيرهما‌ نبوي (٢) أي « لا يفسد الحرام الحلال » وأنه من رواياتهم عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو صحيح ، لكنهم لم يفهموا المراد منه ، فظنوا أن المراد منه ما يشمل الحلال تقديرا ، وهو ليس كذلك ، ضرورة أن الصور ثلاثة :

( أحدها ) أن يقع الوطء الحرام متعقبا للوطء الحلال بالعقد أو الملك ، ولا ريب في كون ذلك من أفراده.

( ثانيها ) أن يقع بين العقد والوطء ، وقد عرفت أن ابن الجنيد يقول بالنشر فيه ، للموثق الذي سمعت ، ولدعوى كون المراد أن الوطء الحرام لا يفسد وطء الحلال ، ولو لا دعوى الإجماع بخلافه ونفى الخلاف في محكي البيان عنه لكان له وجه ، لأن النصوص جميعها أو أكثرها مطلقة قابلة للتقييد بالموثق المزبور ، إلا أنه لما لم يكن صريحا في ذلك وإمكان دعوى الاندراج تحت « إن الحرام لا يفسد الحلال » ضرورة فعلية الحل فيه بعد العقد ، وعدم وقوعه لا ينافي صدق الحلية عليه فعلا بعد حصولها بسببها المخصوص كان الأوجه خلافه ، نعم هو متجه في مثل الملك الذي هو ليس سببا خاصا للوطء ، ولذا لم تحرم مملوكة الولد على الوالد وبالعكس ، بخلاف معقودتهما ، ومن هنا كان التحقيق نشر الحرمة بزنا كل منهما في مملوكة الآخر قبل وطئه لها عليه كما عرفت ، ولا ينافيه النبوي المزبور (٣).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

(٢) سنن الدار قطني ج ٣ ص ٢٦٧ ( كتاب النكاح باب المهر الرقم ٨٧ ) وفيه. « لا يفسد الحلال الحرام ».

(٣) سنن دار قطن ج ٣ ص ٢٦٧ ( كتاب النكاح باب المهر الرقم ٨٧ ).

٣٧٢

( ثالثها ) أن يقع الحرام قبل إيجاد سبب الحل ، ولا ريب في عدم تناوله لهذا الفرد ، ضرورة كون المراد فعلية الحل لا تقديرها ، ودعوى حلية العقد عليها فعلا يدفعها ظهور إرادة أن الحرام من ذلك الصنف لا يفسد الحلال منه ، لا أن المراد ما يشمل ذلك والحلال من كلي آخر ، بل قد يدعى ظهور لفظ الإفساد في بعض هذه النصوص في المتعقب لما هو قابل للإفساد من العقد الذي هو سبب حلية الوطء أو الملك المتعقب للوطء وحينئذ تكون هذه النصوص المشتملة على التعليل المزبور الذي هو غير منطبق على ما هو الظاهر إنما خرجت على مذاق العامة وما يعللون به ، بل‌ قوله عليه‌السلام في الخبر السابق : « ولقد سألني بعض هؤلاء عن هذه المسألة فقلت له » إلى آخره مشعر بما قلناه من صدور ذلك ونحوه تقية ، ولذا قد فصلوا الأمر في النصوص التي قد عرفتها ، وبينوا بها فساد ما فهمه العامة من النبوي ، فكان ذكر التعليل منهم فيما ليس من أفراده ظاهرا رمز منهم على صدور ذلك منهم تقية ، وأن الفقيه لا يكون فقيها حتى يفهم ما يلحنوه ويرمزوه له كما ورد عنهم عليهم‌السلام (١) خصوصا بعد التصريح في تلك النصوص ، فليس حينئذ بعد اليوم في المسألة من إشكال ، ومما ذكرنا يعلم ما في الرياض ودعواه الشهرة على عدم النشر ، كدعواه أن الشهرة بين العامة على النشر وغير ذلك مما لا يخفى فساده بعد الإحاطة بما ذكرنا.

نعم لو طلق الرجل البنت التي زنى بأمها بعد تزويجه بها طلاقا بائنا ففي جواز عقده عليها ثانيا وجهان : أحوطهما في الفرج الاجتناب ، وأقواهما الجواز ، ولو للشك ، فبقي عمومات الحل سالمة ، وربما كان ذلك وجها آخر في النصوص المعارضة فيكون حينئذ ذاتها حلالا له ، لا أنها ما دامت زوجة له ، بل مقتضى ذلك الحل له حتى لو زنى بالأم بعد الطلاق ، لكن لا يخفى عليك ما فيه من الاشكال خصوصا في الفروج ، فتأمل جيدا والله العالم ، هذا كله في الزنا.

وأما الوطء بالشبهة فالذي خرجه الشيخ وتبعه عليه المشهور نقلا وتحصيلا أنه ينزل منزلة النكاح الصحيح ، وفيه تردد أظهره عند المصنف‌

__________________

(١) المستدرك الباب ـ ١٥ ـ من أبواب صفات القاضي الحديث ٥.

٣٧٣

والحلي فيما حكي عنه أنه لا ينشر الحرمة لكن يلحق معه النسب للعمومات ، ولكن الأقوى الأول ، لا للظن بكونه أولى من الزنا ، ولا للظن من استقراء جملة من أحكامه لحوقه بالصحيح في جميع الأحكام إلا ما خرج ، ولا للاندراج في قوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ) بدعوى إرادة ما يشمل الوطء والعقد منه ، ضرورة عدم تمامية الجميع ، بل للإجماع المحكي عن التذكرة المعتضد بنفي الخلاف في محكي المبسوط ، وبالشهرة العظيمة نقلا وتحصيلا ، بل عن ابن المنذر نسبته الى علماء الأمصار ، وعد منهم أصحاب النص وهم الإمامية ، فالعمدة في نشره ذلك ، وإن كان لا بأس بتأييده بما ذكره من الاستقراء والأولوية خصوصا مع دعوى كونها من الأولوية العرفية التي يمكن دعوى حجيتها ، نعم إنما ذلك إذا كان سابقا على العقد مثلا ، أما إذا كان لاحقا فالأقوى عدم النشر كما عن الأكثر ، للأصل السالم عن معارضة ما يدل على خلافه بعد ظهوره في السابق ، فلاحظ وتأمل.

وأما النظر الى ما يحرم لغير المالك النظر اليه واللمس بشهوة فيحرمان المنظورة والملموسة على أب اللامس وابنه عند المشهور بين الأصحاب نقلا بل وتحصيلا ، إذ هو خيرة الصدوق والشيخ والقاضي وابني حمزة وزهرة والعلامة في المختلف وولده ويحيى بن سعيد والآبي والمحقق الكركي والشهيد الثاني وسبطه على ما حكي عن بعضهم ، بل في الغنية نفي الخلاف عن تحريم منظورة الأب على الابن ، بل الظاهر أن القول بالجواز مطلقا إنما نشأ من ابن إدريس وبعض من تأخر عنه كالمصنف والفاضل في أكثر كتبه وابن القطان فيما حكي عنه ، وإنما الخلاف في منظورة الابن خاصة فصرح المفيد بعدم حرمتها ، وتبعه الشهيد في اللمعة ، ولعله ظاهر اقتصار أبي الصلاح في الحرمة على منظورة الأب خاصة ، نعم ربما لاح من ظاهر ما حكى عن سلار التوقف في الحكم أيضا حيث أسند التحريم إلى الرواية.

وعلى كل حال فلا ريب في أن الأقوى الأول ، لا للاندراج تحت اسم الحليلة خرج ما خرج بالإجماع وبقي ما بقي ومنه محل البحث ، ويتم بعدم القول بالفصل ،

٣٧٤

لظهور منع صدق اسم الحليلة ، ولا لأن النظر واللمس أقوى من العقد المجرد لكون مثل ذلك قياسا ، بل للمعتبرة المستفيضة كصحيح محمد بن إسماعيل (١) « سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الرجل تكون له الجارية فيقبلها هل تحل لولده؟ فقال : بشهوة ، قلت : نعم ، قال : ما ترك شيئا إذا قبلها بشهوة ، ثم قال ابتداء منه : إن جردها ونظر إليها بشهوة حرمت على أبيه وابنه ، وقلت : إذا نظر الى جسدها ، فقال : إذا نظر الى فرجها وجسدها بشهوة حرمت عليه » وصحيح ابن سنان (٢) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في الرجل تكون عنده الجارية يجردها وينظر الى جسدها نظر شهوة هل تحل لأبيه؟ وإن فعل أبوه هل تحل لابنه؟ قال : إذا نظر إليها بشهوة ونظر منها إلى ما يحرم على غيره لم تحل لابنه ، وإن فعل ذلك الابن لم تحل للأب » وخبر محمد (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا جرد الرجل الجارية ووضع يده عليها فلا تحل لابنه » وخبر العيص بن القاسم (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « أدنى ما تحرم به الوليدة تكون عند الرجل على ولده إذا مسها أو جردها » وخبر ابن سنان (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل تكون عنده الجارية فيكشف فيراها أو يجردها لا يزيد على ذلك ، قال : لا تحل لابنه » وخبر داود الأبزارى (٦) « سألته عن رجل اشترى جارية فقبلها ، فقال : تحرم على ولده ، وقال : إن جردها فهي حرام على ولده » وخبر البجلي وحفص بن البختري (٧) قالوا : « سمعنا أبا عبد الله عليه‌السلام يقول عن الرجل تكون له الجارية أفتحل لابنه ، قال : ما لم يكن من جماع أو مباشرة كالجماع فلا بأس » ومرسل يونس (٨) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن أدنى ما إذا فعله الرجل بالمرأة لم تحل لابنه ولا لأبيه ، قال : الحد فيه المباشرة ظاهرة أو باطنة مما يشبه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٧٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٧٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢.

(٦) الوسائل الباب ـ ٧٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٤. عن داود الأبزاري وهو الصحيح.

(٧) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٤.

(٨) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٦.

٣٧٥

مس الفرجين ».

وليس للخصم المجوز مطلقا والمفصل إلا أصل الحل وعموماته المخصوصة بما عرفت ، وموثق ابن يقطين (١) عن العبد الصالح عليه‌السلام « عن الرجل يقبل الجارية يباشرها من غير جماع داخل أو خارج أتحل لابنه أو لأبيه؟ قال : لا بأس » وخبر الكاهلي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل تكون له جارية فيضع أبوه يده عليها من شهوة أو ينظر منها الى محرم من شهوة ، فكره أن يمسها ابنه » والاقتصار على الولد في مقام البيان في أكثر النصوص (٣) القاصرين عن معارضة ما تقدم سندا وعددا وعاملا بل ودلالة ، إذ الظاهر إرادة الوطء والمباشرة بالشهوة ومس الفرجين ونحو ذلك مما يصنعه الرجل بحليلته من الجماع داخلا وخارجا خصوصا مع ملاحظة خبر البجلي والبختري ومرسل يونس السابقين ، بل لو أغضي عن ذلك ، فليس هو إلا مطلق يحمل على المقيد ، والكراهة مع إمكان منع كونها حقيقة في المعنى المصطلح في العرف السابق يمكن إرادة الحرمة منها ولو مجازا بقرينة الأخبار السابقة ، على أن الظاهر خروجه عما نحن فيه ، إذ الظاهر كون الجارية للولد ، لا أنها ملك للوالد ، والاقتصار في بعض النصوص يمكن أن يكون اتكالا على ما بينوه في النصوص الأخر صريحا وظاهرا ، فلا يكون قرينة على إرادة مفهوم اللقب منه ، كما هو واضح ، فليس في المسألة حينئذ ريب.

نعم لا خلاف ولا إشكال في عدم نشر الحرمة بمثل نظر الوجه والكفين بغير شهوة ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى الأصل والعمومات وما يستفاد من فحاوي النصوص المزبورة ، بل قد يقال بعدم النشر بالنظر إليهما بشهوة ، لظهور النصوص فيما لا يشمله ، كما اعترف به في المسالك ، بل ولا ما يشمل ما ماثله من النظر الى ما يبدو عادة من الجارية وإن تلذذ بذلك ، بل وغيره أيضا ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ و ٥ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

٣٧٦

لكن لم يعاملها معاملة الأمة التي يراد استفراشها بالتجريد والتقبيل ، ولمس البواطن ونحو ذلك مما رمز اليه عليه‌السلام بقوله تارة « جماع » أو « كالجماع » ، واخرى بالمباشرة ظاهرة وباطنة كمس الفرجين ، وثالثة بالجماع داخل وخارج إلى غير ذلك مما هو ظاهر فيما لا يشمل المفروض ، كظهوره فيما لا يشمل تجريدها ولمسها ولو للباطن للتداوي أو نحوه وإن تلذذ.

فما عساه يظهر من بعضهم من الميل الى النشر بالنظر الى الوجه والكفين بشهوة فضلا عن لمسهما مدعيا أنه الظاهر من كلمات الأصحاب في غير محله وإن أوهمته بعض العبارات.

نعم لا يبعد القول بالنشر بالتجريد واللمس لباطن الجسد ، ووضع البطن على البطن وإن لم يكن ذلك عن شهوة وتلذذ ، بل كان منه لإرادة إثارة الشهوة وتحريك العضو ، عملا بإطلاق الأدلة الذي لا ينافيه المفهوم في بعض النصوص السابقة بعد معلومية إرادة إخراج مثل السابق ونحوه مما لم يرد به المعاملة معاملة المتخذة فراشا منه ، بل يمكن عدم إرادة المفهوم فيه.

كما أنه لا يبعد القول بالنشر فيما ينشر من ذلك بالنسبة إلى أم المنظورة وبنتها وفاقا للمحكي عن أبي علي والشيخ ، بل عن الثاني منهما دعوى الإجماع عليه ، بل وغير ذلك من أحكام المصاهرة ، لظهور النصوص المزبورة في قيام ذلك مقام الجماع في ترتب الأحكام ، وحينئذ لا فرق في الحكم بين الأب وإن علا والابن وإن نزل ، بل لعل إجماع الشيخ يرشد إلى إرادة الأصحاب المثال من ذكر الولد والوالد كما هو غير بعيد إرادته في النصوص ، ولعله هو الوجه في الاقتصار على الولد في الأكثر منها ، بل قد يشهد بذلك مضافا الى ما عرفت‌ النبوي (١) « من كشف قناع امرأة حرم عليه أمها وابنتها » والآخر (٢) « لا ينظر الله تعالى إلى رجل نظر‌

__________________

(١) المستدرك الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٦.

(٢) المستدرك الباب ـ ١٨ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٨.

٣٧٧

الى فرج امرأة وابنتها » وصحيح ابن مسلم (١) « من تزوج امرأة فنظر الى رأسها وإلى بعض جسدها أيتزوج ابنتها؟ قال : لا ، إذا رأى منها ما يحرم على غيره فليس له أن يتزوج ابنتها » وفي كشف اللثام ونحوه أخبار أخر (٢).

ومن ذلك قد يقال بحرمة الربيبة ولو حرة بالعقد على أمها الأمة ، بل والحرة مع النظر واللمس المذكورين ، على أن يكون المراد من النصوص سيما مرسل يونس أن كل مصاهرة يعتبر في نشرها الحرمة الدخول ، يقوم النظر واللمس المذكوران مقامه ، من غير فرق بين الأمة والحرة ، إلا أنه لما كان ذلك معتبرا في المملوكة دون الحرة التي ثبتت مصاهرتها بالعقد إلا في الربيبة منها استفاضت الرواية في الأمة دونها ، ومن هنا أطلق في مرسل يونس ، بل ربما زاد بعضهم فيما حكي عنه ، فخرج بناء على تحقق حكم المصاهرة بالزنا السابق أن النظر واللمس المذكورين إذا حصلا في الأجنبية نشرا حكم المصاهرة كالزنا ، مدعيا ظهور النصوص المزبورة في كونهما يقومان مقام الجماع وأنهما مثله ، مؤيدا له بالنبويين المزبورين ، إلا أنه قول غير معروف القائل كما اعترف به في المسالك ، نعم ظاهر المحكي عن الخلاف بل معقد إجماعه فيه تحقق المصاهرة فيهما لو وقعا حلالا أو شبهة إلا إذا كانا محرمين ، وإن كانا معا ضعيفين ، ضرورة ظهور النصوص التي سمعتها في قيامهما مقام الدخول في تحقق المصاهرة متممين بسبب المصاهرة كالملك للأمة والعقد على الأم لا مطلقا ، بل لو وقعا من المالك للأمة محرمين كما لو كانت مزوجة لم يثبتا مصاهرة ، للأصل بعد ظهور النصوص فيما لا يشمل ذلك.

بل المعروف بين الأصحاب قصرهما على خصوص الأمة المملوكة دون الربيبة التي هي بنت الأمة المعقود عليها وإن كانت مملوكة فضلا عن الربيبة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١ وفيه « فنظر الى بعض جسدها أيتزوج » إلا أن الموجود في التهذيب ج ٧ ص ٢٨٠ الرقم ١١٨٧ والاستبصار ج ٣ ص ١٦٢ الرقم ٥٩٠ كالجواهر.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٣.

٣٧٨

الحرة التي من أمها حرة أيضا ، للأصل وظاهر الآية (١) وصحيح العيص (٢) « سئل الصادق عليه‌السلام عن رجل باشر امرأة وقبل غير أنه لم يفض إليها ثم تزوج ابنتها فقال : إذا لم يكن أفضى إلى الأم فلا بأس وإن كان أفضى إليها فلا يتزوج ابنتها » وإن كان قد يناقش بأن الأصل والعمومات مخصصة بما عرفت ، وصحيح العيص قد عرفت أن الموجود في النسخ الصحيحة « باشر امرأة » فيكون ظاهرا في الأجنبية ، ودالا على عدم كون ذلك كالزنا السابق كما عرفت تحقيقه ، فيبقى صحيح ابن مسلم المعتضد بظاهر النصوص المزبورة سالما عن المعارض حينئذ بعد إرادة ما يشمل النظر واللمس المزبورين من الدخول في الآية ، ولو للنصوص المتقدمة.

ولعل ذلك هو الأقوى إن لم يكن إجماعا على عدمه ، إذ قد عرفت سابقا المفروغية من اعتبار الدخول في حرمة الربيبة الظاهر فيما لا يشمل النظر واللمس المزبورين ؛ كظهور كلامهم هناك في عدم الفرق بين بنت الأمة المعقود عليها والحرة.

ومن ذلك كله يظهر لك محال النظر في المتن وما شابهه في هذه المسألة ، قال : وأما النظر واللمس فما يسوغ لغير المالك كنظر الوجه ولمس الكف لا ينشر الحرمة ، وما لا يسوغ لغير المالك كنظر الفرج والقبلة ولمس باطن الجسد بشهوة فيه تردد ، أظهره أنه يثمر كراهية ، ومن نشر به الحرمة قصر التحريم على أب اللامس والناظر وابنه خاصة دون أم المنظورة والملموسة وبنتيهما مضافا الى ما فيها من جواز اللمس للكف لغير المالك ، مع أنه لا دليل عليه ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، كما عرفته سابقا ، وجواز النظر لا يستلزم جواز اللمس ، والى ما فيها أيضا من ظهورها في التحريم بنظر الوجه بشهوة ، لكونه مما لا يسوغ لغير المالك ، مع أن الذي قد سمعته من النصوص السابقة عدم الحرمة بمثله ، وإلى ما فيها من دعوى قصر الحرمة على القول بها على أب اللامس وابنه ، مع أنك قد عرفت ظهور الأدلة‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٣.

٣٧٩

في خلاف ذلك ، بل يمكن إرادة المثال مما اقتصر عليهما وعلى الوالد من الفتاوى ، كالنصوص التي قد عرفت ظهورها أو صراحتها في ذلك ، خصوصا المشتملة على الولد خاصة ، بل يظهر لك ما في جملة من كلمات القوم هنا ، فانى لم أر من حرر المسألة على الوجه الذي ذكرنا.

ومن أغرب ما وقفنا عليه هنا للمقداد في التنقيح حيث جعل محل البحث والخلاف في نظر خصوص الفرج ولمسه والقبلة بشهوة ، وكأنه لم يلحظ نصا ولا فتوى حال كتابته ، نعم ظاهر النصوص والفتاوى أن محل البحث هنا الأمة المملوكة ، لكن عن الشهيد في نكت الإرشاد تحميل نحو المتن الأعم منها بدعوى إرادة الأعم من المالك للرقبة أو البضع ، على أن يكون ذلك عنوانا للحرمة فيهما ، فيتحصل حينئذ من العبارة جريان الخلاف في نظر ما عدا الوجه والكفين من الوالد وبالعكس ، وحكم النظر إليهما وقد عرفت قوته وإن كان الموجود في أكثر الفتاوى بل وأكثر النصوص المملوكة رقبة من المالك ، والله العالم.

وكيف كان فقد ظهر لك أيضا مما ذكرناه في باب الرضاع أن حكم الرضاع في جميع ذلك من أقسام المصاهرة حكم النسب بل قد سمعت من النصوص ما اشتمل على المحرمة بالرضاع ، والله هو العالم.

( ومن مسائل التحريم )

مقصدان : الأول في مسائل من تحريم الجمع ، وهي ستة : )

( الأولى )

لو تزوج أختين نسبا أو رضاعا لأب وأم أو لأحدهما كان العقد للسابقة وبطل عقد الثانية بلا إشكال ولا خلاف سواء دخل في الثانية أولا ، وسواء دخل بالأولى أولا ، بل له وطء زوجته السابقة في عدة الثانية لو كان لها عدة لعدم المانع خلافا للمحكي عن أحمد ، ضرورة عدم صدق اسم الجمع بين الأختين ، فيبقى تحت عمومات‌

٣٨٠