جواهر الكلام - ج ٢٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

« قد يقال : إنها إن رجعت عن دعواها وصدقت الزوج في عدم الرضاع كانت لها المطالبة بالحقوق ، وغاية المطالبة بها الرجوع عن الدعوى ، فيبقى جوازها لها » وفيه أن مفروض المسألة المطالبة في حال إصرارها على الدعوى ، وكيف كان فهذا كله إذا كانت الدعوى منها بعد العقد ، وأما لو كان ذلك منها قبله حكم عليها بظاهر الإقرار نحو ما سمعته في دعوى الرجل ، فلاحظ وتأمل.

المسألة ( الثامنة )

لا تقبل الشهادة بالرضاع إلا مفصلة بجميع ما يعتبر عند الحاكم الذي تقوم عنده الشهادة ، حتى عدم قي‌ء اللبن بناء على اعتباره عنده بلا خلاف أجده ممن تعرض لها لتحقق الخلاف في الشرائط المحرمة للرضاع كما عرفته مفصلا في محاله وحينئذ فيقوم احتمال أن يكون الشاهد استند الى عقيدته التي اعتقدها باجتهاد أو تقليد المخالفة لما عند الحاكم إلا أن يكون الشاهدان اللذان شهدا عنده مقلدين له ، عارفين بما يشترط عنده ، ويكون واثقا بمعرفتهما ، فيتجه حينئذ احتمال قبول الإطلاق حينئذ ، ولعل إطلاق الأصحاب منزل على غير هذه الصورة ، خصوصا بعد ملاحظة التعليل ، نعم لا يعتبر مع ذلك ذكر وصول اللبن الى الجوف ، ضرورة اقتضاء الشهادة بالرضاع ذلك ، مع عدم الخلاف بين العلماء في كيفيته بعد أن يكون الرضاع من الثدي ، فيكفي فيه حينئذ إطلاق الشهادة بالرضاع ، نعم لا تكفي حكاية القرائن ، بأن يقول : رأيته قد التقم الثدي وحلقه يتحرك ، لأن حكاية ذلك لا تعد شهادة ، بل إذا علم الشاهد العلم العادي بوصول اللبن الى جوفه بالقرائن المفيدة له يشهد بحصوله على الوجه المفصل ، هذا. وفي المسالك « أن مثل ذلك ما لو شهد الشاهد بنجاسة الماء مع الاختلاف الواقع بين الفقهاء فيما به يحصل نجاسته ، إذ لا بد حينئذ من التفصيل أو العلم بموافقة مذهب الشاهد لمذهب الحاكم » وصريحه كظاهر غيره‌

٣٤١

سراية المسألة في كل ما كان المشهود به ذا شرائط مختلف فيها اختلافا معتدا به أو أسباب كذلك ومنه حينئذ الملك والبيع والوقف والزوجية والطلاق ونحو ذلك مما يقطع الفقيه بملاحظة أفرادها بعدم اعتبار التفصيل في الشهادة بها.

ومنه يقدح الاشكال فيما نحن فيه ، ويمكن أن يكون الشارع اعتبر ما يظهر من عبارة الشاهد ، ونزله منزلة الواقع تعبدا حتى يعلم خلافه ، فمتى قال : هذا ملك لزيد ، أو زوجة له ، أو قد باع ، أو قد اشترى ، أو نحو ذلك حكم به وإن لم يعلم موافقته لرأي الحاكم ، واحتمل كونه ملكا على رأيه أو رأي من يقلده ، فيتجه حينئذ مثله في المقام ، فيحكم حينئذ بمجرد قول الشاهد هذه أخته من الرضاع وإن لم يعلم موافقته للحاكم أو مخالفته ، واحتمال قبول شهادته فيما تقدم باعتبار عدم جواز إطلاق الحكم بالملكية مثلا إلا مع إرادة ذات السبب المتفق عليه بين الجميع وإلا كان مدلسا بعينه جار في المقام ، فالمتجه طرد الحكم في الجميع نحو ما سمعته من المسالك ، إذ احتمال الخصوصية في الرضاع لم نتحققها ، اللهم إلا أن يكون من جهة معروفية الخلاف المعتد به فيه على وجه يقطع أو يظن كون المراد للشاهد أن يشهد ( شهد خ ل ) ما كان عنده أو عند مقلده ، فيتجه حينئذ جعل المدار على ذلك وشبهه مما حصل في عبارة الشاهد ما يظهر منه بناء على ما شهد به على الخلاف ، فإنه حينئذ لا بد من التفصيل بعدم العلم بكون المشهود به هو ما عند الحاكم ، بخلاف ما لو أطلق العبارة ، فإن الظاهر منه إرادة الواقع ، فيتحد حينئذ مع ما عند الحاكم الذي يزعمه أن الواقع ذلك ، فتأمل جيدا ، وعلى كل حال فذلك معتبر في الشهادة بالرضاع.

أما لو شهد بالإقرار به ، فلا خلاف أجده في الاكتفاء بالإطلاق ، لعدم الاختلاف ، وما يقال ـ من أن المقر ربما ظن محرما ما ليس منه ـ يدفعه أنه أمر آخر لا تعلق له بالشهادة على الإقرار الذي مع ثبوته لا يجب على الحاكم استفصاله ، لعموم مؤاخذة العقلاء بإقرارهم (١) ولكن مع ذلك قد يناقش باحتمال‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار الحديث ٢.

٣٤٢

أن الإقرار على حسب الاعتقاد المفروض بطلانه عند حاكم المخاصمة لا يؤخذ به ، وحمله على ما عند الحاكم وإن لم يعلم تقليده له بل وإن علم تقليده لغيره كما ترى ، ضرورة عدم الفرق بين عبارته وعبارة الشاهد ، وأما إخبار الشاهد بالرضاع ف هو كغيره لا بد فيه من العلم به ولو بالقرائن المفيدة له عادة ، وحينئذ يكفي فيه مشاهدته الصبي ملتقما حلمة ثدي المرأة ذات اللبن ماصا له على العادة حتى يصدر فيشهد على البنت وإلا لم يقدر أن يشهد على مشاهدة ذلك ، إذ يمكن عدم حصول الرضاع منه ، وبالجملة لا بد من حصول العلم بالرضاع له بأي طريق يكون ، كما هو واضح.

المسألة ( التاسعة )

إذا تزوجت امرأة كبيرة بصغير ثم فسخت إما لعيب فيه وإما لأنها كانت مملوكة فأعتقت أو لغير ذلك ثم تزوجت زوجا آخر وأرضعته أي الصبي بلبنه حرمت على الزوج ، لأنها كانت حليلة ابنه بناء على عدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق وعلى الصغير لأنها امه ومنكوحة أبيه وكذا لو تزوجت بالكبير أولا ثم طلقها بعد أن أولدها ثم تزوجت بالصغير فأرضعته من لبن الأول ، لذلك بعينه.

المسألة ( العاشرة )

لو زوج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة ثم أرضعت جدتهما أحدهما انفسخ نكاحهما ، لأن المرتضع إن كان هو الذكر فهو إما عن لزوجته إن كانت‌

٣٤٣

الجدة جدة الصغيرة لأبيها أو خال إن كانت جدتها لأمها ، أو كلاهما إن كانت لهما وإن كان الأنثى فهي إما عمة لزوجها أو خالة أو هما معا على نحو ما عرفت.

المسألة الحادية عشر

تقبل شهادة النساء في الرضاع على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، إذ هو خيرة المقنعة والناصريات والمراسم والوسيلة والمتن فيما يأتي والنافع وكشف الرموز والمختلف والقواعد والإرشاد والإيضاح والدروس واللمعة والتنقيح والمعالم والمهذب البارع وغاية المرام والروضة والمسالك على ما حكي عن بعضها ، بل قيل : إنه ظاهر الصدوقين والقديمين وأبى الصلاح وابن البراج وكل من أطلق قبول شهادة النساء فيما يخفى على الرجال ولم يصرح بالخلاف هنا ، بل في الناصريات نسبته إلى أصحابنا مشعرا بالإجماع عليه ، بل لم يعرف الخلاف فيه إلا من الشيخ في كتاب الرضاع من المبسوط ، وفيه وفي كتاب الشهادات في الخلاف ، وابني إدريس وسعيد والعلامة في رضاع التحرير ، مع أن الشيخ ـ ره ـ قد رجع عن ذلك في شهادات المبسوط المتأخر عن الخلاف ، كما أن كتاب الشهادات متأخر عن كتاب الرضاع منه ، وكذا العلامة قد رجع عنه في التحرير في كتاب الشهادات منه المتأخر عن كتاب الرضاع ، فأفتى فيه بالقبول كما في سائر كتبه ، فانحصر الخلاف حينئذ في ابني إدريس وسعيد.

فمن الغريب بعد ذلك نسبته في محكي السرائر والتحرير والمسالك إلى الأكثر ، وفي كشف الرموز الى الشيخ وأكثر أتباعه ، وأغرب من ذلك دعوى الشيخ الإجماع ظاهرا في الأول ، وصريحا في الأخيرين ، بل في شهادات المبسوط عن أصحابنا أنهم رووا (١) أنه لا تقبل شهادة النساء في الرضاع أصلا ، مع أن الإجماع‌

__________________

(١) المبسوط ج ٨ ص ١٧٥.

٣٤٤

مظنة الأول كما سمعته من المرتضى الذي يشهد له التتبع ، والرواية غير موجودة في الأصول المعتمدة ولا مقبولة حتى عند من حكاها في الموضع الذي نقلها فيه ، لما عرفت أنه في هذا الموضع من الكتاب المزبور قد أفتى بالقبول ، ويمكن أن يكون قد أخذهما من الإجماع والأخبار (١) على عدم قبول شهادتهن فيما لا يعسر اطلاع الرجال عليه على وجه كان الأصل فيها عدم القبول ، مضافا الى أن الرضاع من ذلك ، باعتبار إمكان اطلاع المحارم من الرجال عليه ، بل والأجانب مع اتفاق الرؤية ، أو تعمدها مع عدم الإثم حال التحمل ، أو مع تجديد التوبة ، أو مع القول بعدم قدح مثله في العدالة ، وفيه منع عدم العسر ، فان الرضاع مما لا يطلع عليه الرجال غالبا ، ولا يحل لهم النظر اليه عمدا ، لأنه في محل العورة التي لا يحل للأجانب النظر إليها ، خصوصا بعد اعتبار التفاصيل السابقة في الشهادة بالرضاع ، فلا ريب في كونه مما يعسر الاطلاع عليه لهم ، ولم يعتد علم الرجال به بالنظر المشتمل على سائر تفاصيله ، وحينئذ فيندرج في جميع ما دل على قبول شهادتهن في مثل ذلك من إجماع ونصوص ، نحو‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (٢) : « تجوز شهادة النساء وحدهن بلا رجال في كل ما لا يجوز للرجال النظر » وفي خبر داود بن سرحان (٣) : « أجيز شهادة النساء في الصبي ، صاح أو لم يصح ، وفي كل شي‌ء لا ينظر اليه الرجال تجوز شهادة النساء فيه » كقول الرضا عليه‌السلام في خبر محمد بن الفضيل (٤) : « يجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه » الى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك ، مضافا الى المعتبرة المستفيضة (٥) الدالة على قبول شهادتهن في العذرة والنفاس واستهلال المولود وعيوب النساء المعلوم كون الوجه في ذلك تحريم النظر وعسر الاطلاع وعدم اعتياده ، والرضاع إن لم يكن أولى من بعضها فهو مثله ، وإلى إطلاق ما دل (٦) على قيام امرأتين مقام رجل واحد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من كتاب الشهادات.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من كتاب الشهادات الحديث ١٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من كتاب الشهادات الحديث ١٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من كتاب الشهادات الحديث ٧.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من كتاب الشهادات الحديث ٠.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٥ ـ من كتاب القضاء.

٣٤٥

في الشهادات ، وإطلاق‌ قول الباقر عليه‌السلام في رواية ابن أبى يعفور (١) : « تقبل شهادة المرأة والنسوة إذا كن مستورات » وإلى خصوص‌ قول الصادق عليه‌السلام في مرسلة ابن بكير (٢) « في امرأة أرضعت غلاما أو جارية ، قال : يعلم ذلك غيرها ، قلت : لا ، قال : لا تصدق إن لم يكن غيرها » فان مفهوم الشرط المعتبر هو تصديقها حيث يعلم ذلك غيرها ، والسند مجبور بما عرفت.

ومن ذلك كله يعرف الحال فيما استدل به للخصم من الأصل المقطوع بما عرفت ، والإجماع المعارض بمثله الموهون بما سمعت ، والمرسل (٣) في المبسوط الذي قد بان لك الحال فيه ، ودعوى عدم عسر اطلاع الرجال على ذلك الممنوعة على مدعيها ، فلا ريب حينئذ في أن الأقوى قبول شهادتهن منفردات فضلا عن حال الانضمام ، فيثبت حينئذ كسائر أحوال النساء بشهادة رجلين ، أو رجل وامرأتين أو أربع نسوة ، وما أبعد ما بين القول بعدم ثبوته بهن وبين المحكي عن القاضي من عدم ثبوته إلا بهن ، لكنه شاذ ضعيف ، كضعف المحكي عن التحرير من عدم ثبوته برجل وامرأتين ، مع تصريحه بجواز النسوة كالرجلين ، وثبوت أحوال النساء بالجميع.

وكيف كان فلا تكفي في ثبوته المرأة أو المرأتان وفاقا للمشهور ، للأصل بعد معلومية اعتبار المرأتين بواحد فيما تسمع فيه شهادة النساء ، بل قد صرح الأصحاب بأن شهادة النساء حيث تقبل على الانفراد يشترط فيها بلوغ الأربع ، واستثنوا من ذلك ميراث المستهل والوصية بالمال ، فأثبتوا بالواحدة ربع المشهود به ، وبالاثنين نصفه وبالثلاث ثلاثة أرباعه ، وما عن ابن الجنيد ـ من أن كل أمر لا يحضره الرجال فشهادة النساء فيه جائزة كالعذرة والاستهلال والحيض ، ولا يقضي به بالحق إلا بأربع منهن ، فان شهد بعضهن فبحساب ذلك ـ مع ضعفه لا يتأتى في مثل الرضاع ، فان‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من كتاب الشهادات الحديث ٢٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٣.

(٣) المبسوط ج ٨ ص ١٧٥.

٣٤٦

الحق فيه لا يقبل القسمة ، فالتحقيق حينئذ ما عرفت.

خلافا للمحكي عن المفيد من الاجتزاء بشهادة الاثنتين فيما لا يراه الرجال كالعذرة وعيوب النساء والنفاس والحيض والولادة والاستهلال والرضاع ، بل قال : « وإذا لم يوجد على ذلك إلا شهادة امرأة واحدة مأمونة قبلت شهادتها فيه » بل عن سلار موافقته على ذلك غير مشترط عدم وجود غيرها ، وعن أبى الصلاح الحكم بشهادة الاثنتين فيما لا يعاينه الرجال ، ويمكن أن يدخل فيه الرضاع.

وعلى كل حال فلم نجد ما يدل على الاجتزاء بالاثنتين سوى‌ قول الباقر عليه‌السلام في خبر أبى بصير (١) : « يجوز شهادة امرأتين في الاستهلال » وظاهر‌ قول الصادق عليه‌السلام في المرسل (٢) السابق : « لا تصدق إن لم يكن غيرها » ولا ما يدل على الواحدة سوى‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٣) وقد سأله عن شهادة القابلة ، فقال : « تجوز شهادة الواحدة » والأول مع أنه في الاستهلال والثاني بالإطلاق الذي يقيد بما عرفت ، على أنه لا جابر له في ذلك ، والثالث في غير الرضاع ، يمكن حمل الأول والأخير على إرادة الاجتزاء بالاثنتين والواحدة ولو بالنسبة إلى النصف والربع ، بل يمكن حمل عبارة القائل بالواحدة في خصوص المقام على إرادة الندب ، كما عساه يومئ إليه عبارة السيد في الناصرية ، قال : استحب أصحابنا أن يقبل في الرضاع شهادة المرأة الواحدة تنزيها للنكاح عن الشبهة واحتياطا فيه ، واحتج على ذلك بالإجماع والنبوي « دعها كيف وقد شهدت السوداء » (٤) حيث إنها وحدها شهدت بالرضاع ، وحينئذ فيرتفع الخلاف في الواحد وإن بعد التنزيل ، وإن أبيت فلا ريب في ضعفه ، كالاجتزاء بالاثنتين ، لما عرفت.

ثم لا فرق بناء على القبول بين شهادة أم الزوجة وجدتها وبين شهادة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من كتاب الشهادات الحديث ٤١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من كتاب الشهادات الحديث ٢.

(٤) سنن الدار قطني ج ٤ ص ١٧٧ ( كتاب الرضاع من رقم ١٥ إلى ١٩.

٣٤٧

أم الزوج وجدته وبين غيرهن من النساء ، لإطلاق الدليل ، خلافا للمحكي عن العامة ، ففرقوا بين الصورتين الأولتين ، بل الظاهر سماع شهادة بنت الزوجة والزوج ما لم تتضمن شهادة على الوالد ، وما عن الشافعية ـ من أنه لا يتصور شهادة البنت على أمها بأنها ارتضعت من أم الزوج ، لاشتراط الشهادة عليه بالمشاهدة ـ يدفعه منع اشتراطها بذلك ، إذ قد يحصل العلم بالاستفاضة ونحوها ، ولو شهدت المرضعة بالرضاع منها بين اثنين أو بينها وبين واحد قبلت مع ثلاث أو أخرى ورجل ، لأنها لم تشهد على فعلها ، ولجواز ارتضاعه منها وهي نائمة ، ولا تفيد لها أجرة لو ادعتها ، بل في القواعد لو شهدت بأني أرضعته فالأقرب القبول ما لم تدع أجرة ، أي بأن أقرت بالتبرع أو الإبراء أو الأخذ ، لانتفاء المانع حينئذ ، لكن قد يناقش بأنها شهادة على فعل نفسها ، فهي في معنى الدعوى أو الإقرار ، وقد يدفع بأن المقصود بالشهادة إنما هو الارتضاع ، وهو فعله ، بل عن الشافعية وجه بسماع شهادتها وإن ادعت الأجرة وإن لم يقبل منها في دعوى الأجرة ، وتقبل شهادتها بالرضاع ، والأقوى عدم القبول مطلقا ، ضرورة خروج الفرض عن موضوع الشهادة واندراجه في موضوع الدعوى ، كما هو واضح ، والله العالم.

( السبب الثالث )

من أسباب التحريم المصاهرة ، وهي علاقة قرابة تحدث بالزواج جعلها الله تعالى كما جعل النسب ، فقال عز من قائل (١) ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً ) نعم قد تعارف هنا البحث عن أمور ألحقت بها إلحاقا وربما عرفها بعضهم بما يشملها توسعا ، والأمر سهل.

وعلى كل حال فهو أى السبب المذكور يتحقق مع الوطء الصحيح الناشئ عن العقد ولو تحليلا أو الملك ، ويشكل تحققه مع الزنا والوطء بالشبهة كما ستعرف الكلام فيه وفي تحققه أيضا بـ ( النظر واللمس فـ ) الذي‌

__________________

(١) سورة الفرقان : ٢٥ ـ الآية ٥٤.

٣٤٨

ينبغي البحث فيه حينئذ في الأمور الأربعة.

أما النكاح الصحيح ف كل من وطأ امرأة ولو دبرا بالعقد الصحيح الدائم أو المنقطع أو الملك عينا أو منفعة بالتحليل حرم على الواطئ أبدا أم الموطوءة وإن علت لأب أو أم وبناتها وإن سفلن لابن أو بنت ، سواء تقدمت ولادتهن أو تأخرت ولو لم تكن في حجره أي في حضانته وحفظه وستره بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بيننا ، بل بين المسلمين كافة ، بل هو إجماع منهم ، لقوله تعالى (١) ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) والإماء لو سلم عدم كونهن من النساء فلا فرق بينها وبينهن إجماعا بقسميه.

كما أن التقييد بالحجور فيها غير معتبر كذلك ، قال علي عليه‌السلام في خبر غياث بن إبراهيم (٢) : « الربائب عليكم حرام ، كن في الحجر أم لم يكن » وفي رواية إسحاق بن عمار (٣) عنه عليه‌السلام : « الربائب عليكم حرام من الأمهات اللاتي دخلتم بهن في الحجور وغير الحجور سواء » وفي صحيح ابن مسلم (٤) : « في رجل كانت له جارية فأعتقت وتزوجت فولدت أيصلح لمولاها الأول أن يتزوج ابنتها؟ قال : لا هي حرام ، وهي ابنته ، والحرة والمملوكة في هذا سواء » وفي مرسل جميل (٥) : « في رجل له جارية فوطأها ثم اشترى أمها أو بنتها قال : لا تحل له أبدا » الى غير ذلك مما لا يعارضه الشواذ المطرحة من النصوص ، كرواية رزين (٦) قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : « رجل كانت له جارية فوطأها فباعها أو ماتت ثم وجد ابنتها أيطؤها؟ قال : إنما حرم الله هذا من الحرائر ، وأما الإماء فلا بأس » ‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١ و ٨.

(٦) أشار إليها في الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١٦ وذكرها بعينها في الاستبصار ج ٣ ص ١٦١ الرقم ٥٨٤.

٣٤٩

و‌خبر الفضيل بن يسار (١) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كانت له مملوكة يطؤها فماتت ، ثم يصيب بعد ابنتها ، قال : لا بأس ، ليس بمنزلة الحرة ».

وكما حرم على الواطئ الأم والبنت كذلك يحرم على الموطوءة المذكورة أب الواطئ وإن علا لأب أو أم وأولاده وإن سفلوا لابن أو بنت تحريما مؤبدا نصا (٢) وإجماعا من المسلمين فضلا عن المؤمنين ، بل ربما أدرجا في آية حلائل الأبناء (٣) وآية ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) (٤) وإن كنا في غنية عنه بغيره ، هذا كله في الوطء بالعقد والملك.

ولو تجرد العقد عن الواطئ حرمت الزوجة على أبيه وإن علا وولده وإن سفل على حسب ما عرفت ، وتقييد حلائل الأبناء بالذين من أصلابكم لإخراج من لم يكن من الصلب كالذي يتبنى ولم تحرم بنت الزوجة عينا بل إنما تحرم جمعا وحينئذ ف لو فارقها أي الأم قبل الدخول جاز له نكاح بنتها إجماعا ، لنص الكتاب (٥).

وهل تحرم أمها بنفس العقد عليها؟ فيه روايتان ، أشهرهما رواية وفتوى أنها تحرم بل في الغنية والناصريات الإجماع عليه ، لدخولها تحت ( أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) (٦) وللأخبار (٧) والاحتياط ، خلافا للحسن ، فاشترط الحرمة بالدخول كالبنت ، للأصل وصحيح جميل بن دراج وحماد بن عيسى (٨)

__________________

(١) نقل مضمونها في الوسائل في الباب ـ ٢١ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١٥ عن الفضيل بن يسار وربعي بن عبد الله قالا : سألنا ورواها في الاستبصار ج ٣ ص ١٦١ الرقم ٥٨٧ كالجواهر.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

(٣) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٣.

(٤) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٢.

(٥) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٣.

(٦) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٣.

(٧) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ـ ٠.

(٨) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ـ ٣ عن جميل بن دراج وحماد بن عثمان.

٣٥٠

عن الصادق عليه‌السلام : « الأم والبنت سواء إذا لم يدخل بها ، يعني إذا تزوج المرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها فإنه إن شاء تزوج أمها وإن شاء ابنتها » ومضمر محمد بن إسحاق بن عمار (١) : « قلت له : رجل تزوج امرأة ودخل بها ، ثم ماتت أيحل له أن يتزوج أمها ، قال : سبحان الله كيف يحل له أمها وقد دخل بها؟ قال : قلت له : فرجل تزوج امرأة فهلكت قبل أن يدخل بها يحل له أمها ، قال : وما الذي يحرم عليه منها ولم يدخل بها؟ » ولأن الظاهر من الآية (٢) كون الدخول قيدا للنساء في الجملتين ، لأن ، ظاهر الصفة والشرط ونحوهما إذا تعقبت جملا متعاطفة رجوعها الى الكل تسوية بينها.

والأصل مقطوع بما عرفت ، واحتمال صحيح جميل بن دراج أو ظهوره في أن قوله : « يعنى » من كلام الراوي ، بل عن الوسائل أنه رواها عن نوادر ابن عيسى عارية عن هذه الزيادة ، وحينئذ فلا يكون حجة بعد عدم تعين كلام الامام له ، لجواز رجوع ضمير « بها » إلى الأم ، فالمعنى أنه إذا لم يدخل بالأم كانت هي والبنت سواء في الحل ، وأما ما يحكي عن الصدوق رحمه‌الله ـ من رواية (٣) الخبر المزبور « الأم والبنت في هذا سواء إذا لم يدخل بإحداهما حلت له الأخرى » ـ فقد قيل من المحتمل قويا أن يكون ذلك من كلام الصدوق تفسيرا بالمعنى ، تبعا لما فسر به في تلك الرواية ، نعم قد يقال باستفادة كونه مذهبا له في ذلك لكن ينافيه ما صرح به في المقنع ، قال : « إذا تزوج البنت دخل بها أو لم يدخل فقد حرمت عليه الأم وقد‌ روي (٤) « أن الأم والبنت في هذا سواء إذا لم يدخل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٥.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٣.

(٤) المستدرك الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٥.

٣٥١

بإحداهما حلت له الأخرى » بل منه يستفاد كون ذلك من تتمة الخبر المزبور ، اللهم إلا أن يكون رواه على مقتضى ما فهمه.

وعلى كل حال فمع التسليم يكفي طعنا في الخبر المزبور هذا الاختلاف في متنه ، ومع ذلك هو مضطرب الإسناد ، لأنه كما ذكره الشيخ قال : لأن الأصل فيه جميل وحماد وهما تارة يرويانه عن الصادق عليه‌السلام بلا واسطة ، وأخرى يرويانه عن الحلبي عنه عليه‌السلام ، بل جميل يرويه مرة ثالثة عن بعض أصحابه عن أحدهما عليه‌السلام ومثل ذلك مما يضعف الاحتجاج به في الثاني ، مع أنه مضمر لا صراحة فيه أيضا.

وأما الآية فالتحقيق أن القيد في الجمل المتعاطفة التعلق بالأخيرة ولو لأصالة بقاء ما قبلها على الإطلاق وخصوصا هنا ، لأنه إن علق بالجملتين قوله تعالى : ( اللاّتِي ) الى آخره لزم الفصل بين الصفة وموصوفها بأجنبيات ، وإن علق بها جملة قوله تعالى ( مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي ) الى آخره لم يصح إلا أن يكون « من » باعتبار الأولى بيانية ، وباعتبار الثانية (١) وهو وإن سلم جوازه ولو بأن تحمل بالنسبة إليهما على الاتصالية ، نحو قوله تعالى (٢) ( الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ) ويكون المجموع حالا عن أمهات النساء والربائب جميعا ، لكنه لا بد له من قرينة وليست ، بل هي على خلافها من النصوص محققة.

قال الصادق عليه‌السلام في خبر ابن عمار (٣) : « إن عليا عليه‌السلام كان يقول : الربائب عليكم حرام من الأمهات اللاتي دخلتم بهن في الحجور وغير الحجور سواء ، والأمهات مبهمات دخل أم لم يدخل ، فحرموا وأبهموا ما أبهم الله ».

وقال أبو حمزة في خبر العياشي (٤) : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل تزوج‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح هكذا « وباعتبار الثانية ابتدائية ».

(٢) سورة التوبة : ٩ ـ الآية ٦٧.

(٣) ذكر صدره في الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٣ وذيله في الباب ـ ٢٠ ـ منها الحديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٧.

٣٥٢

امرأة وطلقها قبل أن يدخل بها أتحل له ابنتها؟ قال : فقال : قد قضى في هذا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لا بأس به إن الله يقول : وربائبكم اللاتي في حجوركم ـ الى آخرها ـ ولكنه لو تزوج الابنة ثم طلقها قبل أن يدخل بها لم تحل له أمها ، قال : قلت : أليس هما سواء؟ قال : فقال : لا ، ليس هذا مثل هذا ، إن الله تعالى يقول : ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) ، ولم يستثن في هذه كما اشترطه في تلك ، هذه مبهمة ليس فيها شرط وتلك فيها شرط » مضافا إلى غير ذلك من النصوص (١) المصرحة باعتبار الدخول في تحريم الربيبة وعدمه في تحريم الأم التي لم يتعرض فيها للتفسير.

بل قد يظهر من‌ صحيح منصور بن حازم (٢) ـ الذي استدل فيه الخصم ، وهو على خلافه أدل ـ معلومية قضاء علي عليه‌السلام في ذلك بين الشيعة حتى أنهم كانوا يفتخرون فيه على غيرهم ، قال : « كنت عند أبى عبد الله عليه‌السلام ، فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوج بامرأة فماتت قبل أن يدخل بها ، أيتزوج بأمها؟ فقال أبو عبد الله : قد فعله رجل منا ، فلم نر به بأسا ، فقلت : جعلت فداك ما يفخر الشيعة إلا بقضاء علي عليه‌السلام في هذه السمحة التي أفتى بها ابن مسعود أنه لا بأس بذلك ، ثم أتى عليها عليه‌السلام ، فقال له علي عليه‌السلام : من أين أخذتها؟ فقال : من قول الله تعالى ( وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) الى آخرها ، فقال علي عليه‌السلام : هذه مستثناة وهذه مرسلة وأمهات نسائكم ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام للرجل : أما تسمع ما يروي هذا عن علي عليه‌السلام؟ فلما قمت ندمت ، وقلت : أي شي‌ء صنعت ، يقول هو : قد فعله رجل منا فلم نر به بأسا ، وأقول أنا : قضى علي عليه‌السلام فلقيته بعد ذلك ، فقلت : جعلت فداك مسألة الرجل إنما كان الذي كنت تقول ، كان زلة مني ، فما تقول فيها؟ فقال : يا شيخ تخبرني أن عليا عليه‌السلام قضى فيها ، وتسألني فما تقول فيها » كما أن منه يظهر الوجه في حمل الخبرين المخالفين ، بعد فرض دلالتهما ،

__________________

(١) الوسائل والمستدرك الباب ـ ١٨ و ٢٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

(٢) ذكر صدره وذيله في الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١ وتمامه في الكافي ج ٥ ص ٤٢٢.

٣٥٣

وهو التقية المستفادة من هذا الصحيح بوجوه من الدلالة ، فحينئذ لا ريب في المسألة والله العالم.

ولا تحرم مملوكة الأب على الابن بمجرد الملك ، ولا مملوكة الابن على الأب ، للأصل ، وظهور حصر المحرمات في غيرهما ، ضرورة عدم اندراجهما في حليلة الابن ومنكوحة الأب ، واحتمال كون المراد منهما من جاز وطؤها ولو بالملك مقطوع بعدمه ، مناف للظاهر من لفظي الحلائل والنكاح. نعم لو وطأ أحدهما مملوكته ولو دبرا حرمت على الآخر إجماعا ونصا (١) ولا يجوز لأحدهما أن يطأ مملوكة الآخر إلا بعقد أو ملك أو تحليل ، لقاعدة قبح التصرف في مال الغير بغير إذنه.

ولكن يجوز للأب أن يقوم مملوكة ابنه إذا كان صغيرا ثم يطؤها بالملك بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، وهو الحجة بعد النصوص (٢) إنما الكلام في أن المراد من تقويمها تملكها بعقد شرعي كبيع ونحوه ، أو يكفي في دخولها في ملكه مجرد تقويمها على أن تكون مملوكة له بالقيمة في ذمته مثلا لولده ، قد صرح غير واحد من الأصحاب بالأول ، لأصالة عدم دخولها في الملك إلا بالمملك الشرعي ، بل في جامع المقاصد القطع بذلك تارة ، ونفي الخلاف أخرى ، قال : « ولا يكفي مجرد التقويم قطعا ، إذ لا ينتقل الملك إلا بسبب ناقل ، وقبله لا يجوز التصرف ، ولا أثر للتقويم بدون العقد المملك ، ولا خلاف في شي‌ء من هذه الأحكام » وهو إن تم إجماعا كفى ، وإلا أمكن أن يحتمل الثاني عملا بظاهر النص (٣) وما كان كالمتن من الفتوى ، ويكون حينئذ شبه فرض القيميات ، وحينئذ يتجه احتمال الاقتصار في هذا الحكم على خصوص الأب لا الجد ، وخصوص مملوكة الولد لا البنت ، جمودا على ما خالف الأصل على المتيقن ، وإن كان الذي يقوى في النظر العموم ، للقطع باتحاد الجميع ، بل ينبغي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

٣٥٤

القطع به على الأول ، ضرورة تسلط الجد على التصرفات جميعها التي منها ذلك ، كما أنه ينبغي القطع بعدم الفرق بين الولد والبنت عليه أيضا كما هو واضح.

ولو بادر أحدهما فوطأ مملوكة الآخر من غير شبهة كان زانيا بلا خلاف ولا إشكال ، وفي نشر الحرمة بذلك ما سيأتي لكن لا حد على الأب الذي هو أصل للولد ومالك له ولما له ، كما كشف عن ذلك النص (١) وبه صرح في القواعد والإرشاد والتلخيص والمسالك وجامع المقاصد ، بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به في جامع المقاصد ، إلا أنى لم أجد به نصا بالخصوص على وجه يصلح مقيدا لما دل على الحد بالزنا ، بل لم أعثر على من استثناه في كتاب الحدود ، كما استثنوا سقوط الحد على الوالد بسرقة مال الولد ، بل في المسالك في شرح المسألة الرابعة من الشرائع في كتاب الحدود في حد السارق ما هو كالصريح في مفروغية ترتب حد الزاني على الأب لو زنى بجارية الابن ، فلاحظ وتأمل ، والله العالم.

وعلى الابن الحد لإطلاق أدلته ، ولو كان هناك شبهة سقط الحد عنه للأمر بدرئه عندها (٢) ولو حملت مملوكة الأب من الابن مع الشبهة الملحقة للولد بأبيه أعتق قهرا ، لعدم ملك الأب ولده وإن نزل فينعتق حينئذ على جده المالك للجارية ولا قيمة على الابن للأصل وغيره وليس هكذا لو حملت مملوكة الابن من الأب شبهة ، فإنه لم ينعتق على الولد المالك للجارية ، لأن الرجل يملك أخاه ولكن على الأب فكه منه إلا أن تكون أنثى فتنعتق قهرا على أخيها ، ولا قيمة على الأب.

ولو وطأ الأب زوجة ابنه لشبهة لم تحرم على الولد ، لسبق الحل وكذا العكس ، وإن قلنا : إن الشبهة تنشر الحرمة لكن إذا لم يكن العقد مثلا سابقا كما ستعرف البحث فيه ، وقيل : تحرم لأنها منكوحة الأب فتندرج‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب حد الزنا الحديث ١١ من كتاب الحدود.

٣٥٥

في عموم (١) ( وَلا تَنْكِحُوا ) وفيه أن المراد من النكاح فيها العقد كما ستعرف ، وعليه يلزم الأب مهرها بما استحل من فرجها ، ولو عاودها الولد فان قلنا بالثاني أى أن الوطء بالشبهة ينشر الحرمة كان ت حينئذ أجنبية عنه ، ف عليه لها مهران إذا كان قد عاودها مشتبها : أحدهما المسمى السابق ، والثاني مهر المثل للوطء الأخير ، وهكذا وإن قلنا بالأول أى أن وطء الشبهة لا يحرم وهو الصحيح عند المصنف كما ستعرفه أو في خصوص الفرض فلا مهر عليه سوى الأول ضرورة بقائها حينئذ على زوجيته ولم تحرم عليه بوطء أبيه كما هو واضح. والله العالم.

ومن توابع المصاهرة تحريم أخت الزوجة لأب وأم أو لأحدهما جمعا لا عينا كتابا (٢) وسنة (٣) مستفيضة أو متواترة وإجماعا بقسميه ، بل لا يجوز الجمع بينهما بالوطء بالملك ، لذلك أيضا ، وما‌ في خبر ابن يقطين (٤) ـ « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن أختين مملوكتين وجمعهما ، قال : مستقيم ولا أحبه لك ، قال : وسألته عن الام والبنت المملوكتين قال : هو أشدهما ولا أحبه لك » ـ محمول على إرادة الجمع في الملك أو على التقية ، كخبر الحلبي (٥) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : « قال محمد بن علي عليه‌السلام في أختين مملوكتين تكونان عند الرجل جميعا قال : قال علي عليه‌السلام : أحلتهما آية (٦) وحرمتهما آية أخرى (٧) ، وأنا أنهى عنها نفسي وولدي » فإن الظاهر كون الداعي الى هذا الإجمال التقية ، وإن كان هو ظاهرا في إفادة التحريم ، ضرورة ظهور‌ قوله عليه‌السلام : « وأنا أنهى نفسي » في رجحان آية النهي وإن العمل عليها ، بل منه يستفاد ترجيح النهي في العامين ، من وجه فان ذلك‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٢.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٤ و ٢٥ و ٢٦ و ٢٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٣.

(٦) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٣ و ٢٤ و ٢٥.

(٧) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٣.

٣٥٦

منه ، إذ آية التحليل آية الملك وآية التحريم آية النهي عن الجمع بين الأختين ، قال معمر بن يحيى بن بسام (١) : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عما يروي الناس عن أمير المؤمنين عليه‌السلام عن أشياء من الفروج لم يكن يأمر بها ولا ينهى عنها إلا نفسه وولده ، فقلت : كيف يكون ذلك؟ قال : أحلتها آية وحرمتها اخرى ، فقلنا : هل إلا أن تكون إحداهما نسخت الأخرى أم هما محكمتان ينبغي أن يعمل بهما؟ فقال : قد بين لهم إذ نهى نفسه وولده ، قلنا : ما منعه أن يبين ذلك للناس؟ قال : خشي أن لا يطاع ، ولو أن أمير المؤمنين عليه‌السلام ثبتت قدماه أقام كتاب الله كله والحق كله » وكيف كان فلا إشكال في أصل الحكم.

ومن توابعها أيضا تحريم بنت أخت الزوجة وبنت أخيها إلا برضا الزوجة وحينئذ ف لو أذنت صح وإلا فلا ، بلا خلاف معتد به أجده في شي‌ء من ذلك ، بل الإجماع مستفيضا أو متواترا عليه كالنصوص (٢) فما عن الإسكافي والعماني من الجواز مطلقا بعد تسليم صحة ذلك عنهما لإطلاق قوله تعالى (٣) : ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) وخبر علي بن جعفر (٤) « سألت أخي موسى عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة على عمتها أو خالتها ، قال : لا بأس » المقيدين بغيرهما من النص (٥) والإجماع واضح الضعف ، كوضوح ضعف المحكي عن الصدوق من المنع مطلقا ، لإطلاق جملة من النصوص (٦) المقيد أيضا بما عرفت ، خصوصا بعد أن كان مذهب جميع العامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم ، بل لا يبعد عدم قدح خلافهما في الإجماع السابق لهما واللاحق ، فالمسألة حينئذ لا إشكال فيها.

نعم له إدخال العمة والخالة على بنت أخيها وأختها ولو كره المدخول‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

(٣) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

٣٥٧

عليها بلا خلاف معتد به أجد فيه ، بل عن التذكرة الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد الأصل وعموم الآية (١) وخصوص‌ خبر ابن مسلم (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « لا تزوج ابنة الأخ ولا ابنة الأخت على العمة ولا على الخالة إلا بإذنهما ، وتزوج العمة والخالة على ابنة الأخ والأخت بغير إذنهما » ونحوه خبره الآخر (٣) وخبر علي بن جعفر (٤) عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن امرأة تزوجت على عمتها وخالتها ، قال : لا بأس ، وقال : يتزوج العمة والخالة على ابنة الأخ وبنت الأخت ، ولا تزوج بنت الأخ والأخت على العمة والخالة إلا برضا منهما ، فمن فعله فنكاحه باطل » وخبر مالك بن عطية (٥) عن الصادق عليه‌السلام « لا تنكح المرأة على خالتها ، وتزوج الخالة على ابنة أختها » إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك ، فما عن المقنع من إطلاق المنع كالعكس واضح الفساد ، كاحتمال الاستدلال له بقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي الصباح (٦) « لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها » إذ هو مطلق يجب حمله على المقيد هذا ، ولكن في بعض القيود إن القول بالجواز وإن كرهتا مناف لخبر ابن مسلم (٧) عن الباقر عليه‌السلام « لا تتزوج الخالة والعمة على ابنة الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما ».

وفيه أن الذي عثرنا عليه في الأصول من‌ خبر ابن مسلم « تتزوج الخالة » إلى آخره من دون نهي ، نعم رواه في المسالك كذلك ، والظاهر أنه وهم منه ، وعلى تقديره يمكن حمله على إرادة الاذن من العمة والخالة كما جزم به في المسالك ، حيث إنه بعد أن ذكر الجواز قال : « ولكن بشرط علم الداخلة بكون المدخول عليها زوجة ، وإلا لم يصح ، والمصنف أطلق الجواز ، وهو محمول على رضا الداخلة ، ثم‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٣.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٩ وفيه‌ « لا تتزوج المرأة. ».

(٦) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٧.

(٧) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٥.

٣٥٨

على تقدير جهلها بالحال فهل يقع العقد باطلا أم يتوقف عقد الداخلة على رضاها أم عقدها وعقد المدخول عليها؟ أوجه ، أوجهها الوسط ، لأن جواز عقد الداخلة مشروط برضاها ، فلا وجه لإبطاله بدونه ، وعقد السابقة قد حكم بصحته ولزومه قبل العقد الثاني فيستصحب ، والحق في ذلك للداخلة ، فتتخير في عقد نفسها بين فسخه والرضا بمصاحبة المدخول عليها ، وكون رضاها شرطا في صحة الجمع لا يدل على أزيد من ذلك ، لأن العقد حينئذ لا يقصر عن عقد الفضولي ، وسيأتي تحقيقه » وظاهره المفروغية من اعتبار رضاها ، ولعله أخذه مما تسمعه في نكاح الحرة على الأمة ، بناء على اشتراك المسألة في كيفية دلالة الدليل ، وفي حكمة الحكم ، وهي الاحترام ، إلا أنه ستعرف هناك عدم اعتبار الاذن في الجواز والصحة ، وإنما تتسلط هي على الخيار ، كما ستسمع ، اللهم إلا أن يريدوا ذلك هنا أيضا ، وفيه أنه بعد التسليم لا يخرج عن القياس.

ومن هنا قال في الرياض : « لا فرق في الجواز بين علم الداخلة بكون المدخول عليها بنت أخ أو أخت أم لا وفاقا للأكثر ، للأصل وإطلاق النصوص » وعن العلامة اشتراط العلم ومستنده غير واضح ، والنصوص باعتبار إذنهما مختصة بالصورة الأولى ، وظاهره عكس ما سمعته من المسالك ، نعم في قواعد الفاضل « الأقرب أن للعمة والخالة حينئذ فسخ عقدهما لو جهلتا ، لا المدخول عليهما ، أى لا عقد المدخول عليهما ، لأصالة صحته ولزومه ، ولا أحدهما يقع باطلا ، لأصالة الصحة واستصحابها مع عدم الدليل على البطلان ، فليس حينئذ إلا فسخ عقد أنفسهما مع عدم رضاهما » وفيه أن المتجه ما عرفت من الصحة واللزوم فيهما اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن ، وهو الصورة الأولى التي هي المناسبة لاحترام العمة والخالة ، لا المروضة ، وخبر أبى الصباح (١) مع أنه ضعيف لا جابر له في خصوص ما نحن فيه ، وموافق بإطلاقه للعامة يقوى في الظن إرادة الصورة التي صرحت النصوص بالمنع من الجمع فيها من دون الاذن ، وهي إدخال بنت الأخ والأخت على العمة والخالة ، لا ما نحن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٧.

٣٥٩

فيه الذي أطلق في النصوص جوازه ، بل لو سلم عدم التفات النصوص إلى الاذن وعدمها في هذه الصورة لاكتفينا في حليتها بعمومات الحل ، فلا ريب حينئذ في أن الأقوى عدم اعتبار الاذن ، وعليه لا يحتاج الى البحث في تنقيح الاحتمالات المذكورة في المسالك تبعا لجامع المقاصد وإن كان الأقوى فيها على القول باعتبار الاذن أن لهما فسخ عقد أنفسهما لا المدخول عليهما ، وهو واضح.

بل قد يقال إن مقتضى ما ذكرنا جواز الجمع بينهما بعقد واحد بغير إذن منهما ، لاختصاص النصوص باعتبار الاذن في صورة إدخالهما على العمة والخالة ، اللهم إلا أن يستفاد حكم ذلك مما تسمعه في الجمع بين الحرة والأمة بعقد واحد بناء على اتحادهما في كيفية دلالة الدليل ، وقد ورد الخبر الصحيح (١) هناك بصحة عقد الحرة دون الأمة ، أي مع عدم الاذن فلاحظ وتأمل جيدا ، هذا.

وظاهر النصوص والفتاوى اختصاص الحكم في التزويج فلا يحرم الجمع بينهما بالوطء بالملك للتعبير بالتزويج والنكاح في أكثر النصوص (٢) وهو حقيقة في العقد ، بل لو سلم اشتراكه بينه وبين الوطء فالقرينة على إرادة العقد منه هنا ظاهرة ، لأن المملوكة ليست أهلا للإذن ولا للسلطنة على النكاح ، وكذا لو كانت العمة والخالة أمتين له وأدخل عليهما بنت الأخ والأخت حرتين ، بل لعله أولى بالجواز ، بل لو انعكس الفرض بأن كانت العمة والخالة حرتين وأدخل عليهما بنت الأخ والأخت المملوكتان ، فكذلك أيضا.

ودعوى المنع للأولوية من إدخالهما حرتين يدفعها منع الأولوية ، لعدم استحقاق الأمة الاستمتاع ، كاحتمال منع مطلق الجمع للنهي عنه في خبر أبي الصباح (٣) ولأن النكاح بمعنى الوطء لغة ، ولأن الملك بمنزلة النكاح في الاستفراش ، ولأن الحكمة احترام العمة والخالة بالنسبة الى بنت الأخ والأخت والاحتراز عن وقوع البغضة بينهما ، إذ قد عرفت ضعف خبر أبي الصباح ، ولا جابر له‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٧.

٣٦٠