جواهر الكلام - ج ٢٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

والشهيد وغيرهم في المسألة الآتية.

وسوى ما عن الشيخ في الخلاف وابن إدريس أيضا من حرمة نكاح الفحل أم أم المرتضع ، لحرمة ذلك في النسب فيحرم مثله في الرضاع ، ولظهور خبر ابن مهزيار (١) فيه ، بل هو ظاهر الفاضل في المختلف ، فإنه بعد أن حكي عن المبسوط الجواز قال : « وهو وإن كان قويا إلا أن رواية ابن مهزيار على خلافه ، فإن الإمام عليه‌السلام حكم فيها بتحريم أخت الابن من الرضاع وجعلها بمنزلة البنت ، ولا ريب أن أخت الابن إنما تحرم بالنسب لو كانت بنتا والسبب لو كانت بنت زوجة ، فالتحريم هنا باعتبار المصاهرة ، وجعل الرضاع كالنسب في ذلك ، فيكون في أم الأم كذلك قال : ولو لا هذه الرواية لقلت بقول الشيخ رحمه‌الله » ونحوه محكي عن الشهيد في النكت ، ثم قال : « وليس هذا قياسا لأنه تنبيه بجزئي من كلي على حكم الكلي ».

وفيه أن ذلك من القياس المنهي عنه ، ضرورة صدق تعريفه عليه ، إذ ليس هو إلا تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع ، لظن علة متحدة فيهما ، والأصل فيما ذكره هو أخت الولد من الرضاع ، والفرع هو جدة الولد منه ، والحكم المطلوب تعديته هو التحريم الثابت بالأصل في النص ، وما يظن كونه علة التحريم هو كون أخت الولد من الرضاع في موضع من يحرم من النسب ، أعني البنت النسبية ، وهذا بعينه قائم في جدة الولد من الرضاع ، فإنها في موضع جدته من النسب ، بل لعل ذلك أسوء حالا من القياس الذي قد عرفت أنه تعدية الحكم من جزئي إلى آخر ، لاشتراكهما فيما يظن كونه علة الحكم ، وهو رحمه‌الله قد حاول تعدية الحكم من الجزئي إلى الكلي ونبه على العلة وثبوتها في أول كلامه ، وأغرب في عبارته فسمى ذلك تنبيها على الحكم ، ونفى عنه اسم القياس.

وكأن الذي أوقع بعض متأخري المتأخرين في الوهم هو صدور مثل ذلك من الشهيد وبعض عبارات الخلاف والتذكرة الظاهرة في الإجماع على بعض ما يوافق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١٠.

٣٢١

التعميم المزبور ، إلا أنه مع احتمال كون المراد منها غير ذلك ورجوعهما ( ورجوعهم خ ل ) عن ذلك في باقي مصنفاتهم واضطراب كلماتهم في المسائل الأربعة التي قد عرفت البحث فيها لا ينبغي الإقدام في هذه المسائل على أمثال ذلك التي هي ليست مظنة الإجماع ، بل يمكن دعواه بالعكس.

بل يظهر من غير واحد من الأساطين المفروغية من حكم ما ذكره المصنف بقوله أما لو أرضعت امرأة ابنا لقوم وبنتا لآخرين جاز أن ينكح إخوة كل واحد منهما في إخوة الآخر ، لأنه لا نسب بينهم ولا رضاع مع أن مقتضى كلام أهل عموم المنزلة بل هو صريح بعضهم التحريم ، بدعوى أن الاشتراك في الرضاع يعقد الأخوة بين المرتضعين وبين من كان في طبقتهما من الإخوة والأخوات ، كما أنه ينشر التحريم في أصولهما وفروعهما ، وبالجملة صار الجميع إخوة وإن تعدد آباؤهم وأمهاتهم.

لكنه كما ترى ، بل هو من الفساد بمكانة ، خصوصا بعد الإحاطة بجميع ما ذكرناه الذي منه يعلم عدم الحرمة فيما حكاه المحقق الثاني في رسالته عن بعضهم ، وصرح سبطه الداماد في رسالته بكثير منها. وهي حرمة نكاح المرضعة بلبن فحلها التي هي في حباله حين الإرضاع أخاها أو أختها لأبويها أو أحدهما ، أو ولد أخيها أو ولد أختها أو ولد ولدها ، أو عمها أو عمتها أو خالها أو خالتها ، أو ولد عمها أو عمتها أو ولد خالها أو ولد خالتها ، أو أخ زوجها أو أخته ، أو ولد ولد الزوج أو ولد أخ الزوج ، أو عم الزوج أو عمته أو خال الزوج أو خالته ، أو المرضعة بلبنه ولد ولد الزوجة الأخرى.

ضرورة عدم المقتضى للتحريم في شي‌ء من ذلك بعد أن عرفت انحصاره عندنا فيما يساوق النسب عرفا ، وفي نكاح أبي المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعا ، وأولاد المرضعة ، إذ الأولى إنما صارت أخت الولد من الرضاع ، وليس هي من عنوان المحرم في النسب ، نعم هي تحرم إذا كانت بنتا أو ربيبة قد دخل بأمها ، وهي ليست كذلك لا نسبا ولا رضاعا لغة وعرفا ، والثانية عمة الولد منه ،

٣٢٢

وليست هي أيضا من عنوانه ، وإنما المحرم منها ما كانت أختا نسبا أو رضاعا ، وهي ليست كذلك قطعا ، والثالثة إنما تحرم للجمع بينها وبين أختها ، وذلك منتف ، والرابعة جدة ولده من الرضاعة ، وهي ليست أيضا من عنوان النسب وإنما تحرم إذا كانت أما نسبا أو رضاعا أو أم زوجة كذلك ، وهي ليست كذلك قطعا لغة ولا عرفا ، خلافا لمن عرفت من غير أهل التنزيل إذ هذه إحدى المسائل الثلاث السابقة ، والخامسة والسادسة بنت أخ ولد صاحب اللبن أو بنت أخت ولده ، وهما ليسا من عنوان النسب ، بل إنما يحرمان بكونهما بنت الابن أو بنت ابن الزوجة المدخول بها ، وهما ليسا كذلك ، والسابعة والثامنة بنت عم ولده أو عمته أو بنت ابن خال ولده أو خالته ، وهي ليست من عنوان النسب ، وكذلك أم الأخ وأم ولد الولد وأم ولد الأخ وأم العم والعمة والخال والخالة ، بل ما كان منها مندرجا في عنوان النسب حرم مثله في الرضاع ، وما كان متوقفا منها على نكاح أب أو ولد توقفت الحرمة على حصول سببه في النسب والرضاع ، على أن بعض هذه الصور مما لا تندرج في محرم ولو على التعميم المزبور ، مثل ما إذا أرضعت ولد أخ زوجها إذ هي أم ولده من الرضاع وأم ولد أخيه من النسب ، ولا يحرم شي‌ء منهما عليه.

وفي رسالة السيد الداماد الفرق بين رضاعها ولد عمها وولد عمتها ، فتحرم على زوجها بالأول دون الثاني وكذا ولد الخال وولد الخالة ، قال : « لأن الزوج يصير أبا لولد عمها من الرضاعة ، وأبوه نسبا محرم عليها ، فكذا رضاعا ، فهو حينئذ بمنزلة عمها ، بخلاف ولد العمة ، فإن الزوج يكون بمنزلة زوج عمتها ، وهو غير محرم عليها ، وكذا الكلام في ابن الخال والخالة » قلت : قد يقال على طريقتهم : إنها تكون في الأول بمنزلة عمة ولده لقيامها مقام امه النسبية والفرض أنها عمة فتحرم عليه ، لصيرورتها بمنزلة أخته ، وكذا إذا أرضعت ابن خالتها تكون خالة ولده ، فتصير حينئذ أختا لزوجته ، فتحرم عليه جمعا.

وبالجملة من لاحظ رسالة الداماد قضى منها العجب ، وعلم انتهاء الوهم والاشتباه في العلماء ، بل وكذا رسالة جدي المرحوم المبرور الآخوند الملإ أبى الحسن‌

٣٢٣

الشريف وإن كان بين الرسالتين بون عظيم ، فإنه إن كان لأهل هذا القول كلام يمكن أن يقال فهو ما ذكره فيها ، لا ما ذكره السيد في رسالته ، فإنه شي‌ء لا ينبغي نسبته إلى أصاغر الطلبة فضلا عن العلماء.

نعم ينبغي الاحتياط في المسائل الثلاث التي قد سمعت كلام الأصحاب فيها واضطرابه في حكمها ، حتى أنه حكى عن الشيخ الإجماع في بعضها ، وعن العلامة أيضا لكن من أحاط خبرا بغير ذلك من كلماتهم عرف الصحيح منها من الفاسد ، وما هو مظنة الإجماع ومظنة خلافه ، وما نشأ من الاشتباه بين القياس الجائز والممتنع ، وما نشأ من اشتباه إطلاق المنزلة بالعموم اللغوي ، وعدم الفرق بين ما سيقت العلة له وغيره ، كما لا يخفى على من له أدنى تأمل وتدبر. والله هو العالم الهادي.

المسألة ( الرابعة )

لا إشكال ولا خلاف في أن الرضاع المحرم يمنع من النكاح سابقا ويبطله لاحقا للقطع بعدم الفرق بين الابتداء والاستدامة في ذلك ، كما تطابقت عليه النصوص (١) والفتاوى من الخاصة ، بل والعامة ، وحينئذ فلو تزوج مثلا رضيعة فأرضعتها من يفسد نكاح الصغيرة برضاعها كأمه فتكون أخته ، وزوجته فتكون بنته ، وجدته فتكون عمته أو خالته ، وأخته فتكون بنت أخت ، وزوجة الأب فتكون أختا لأبيه ، وطوجة الأخ فتكون بنت أخيه إذا كان لبن المرضعة منهما وإلا كانت ربيبة لهما ، فلا يحرم نكاحها عليه فسد النكاح قطعا لما عرفت ، وللنصوص الدالة على مطلق الحكم المزبور التي ستسمعها في المسألة الآتية ، إنما الكلام في المهر الذي أوجبه العقد ف نقول إن انفردت المرتضعة بالارتضاع مثل أن سمعت إليها فامتصت ثديها من غير شعور المرضعة سقط مهرها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١ و ١٠ و ١٤ من أبواب ما يحرم بالرضاع.

٣٢٤

لبطلان العقد الذي باعتبار استدامت ه‍ يثبت استدامة استحقاق المهر بل كل عقد يتعقبه الفسخ والانفساخ من طرف أو طرفين يبطل تسبيبه ، ومنه الإقالة والخيار في البيع المقتضيين رد الثمن إلى المشتري والمبيع إلى البائع ، بل ذلك روح البطلان الذي هو كالصحة المستلزم حصولها في طرف ثبوتها في الطرف الآخر ، ومن هنا لم يذكر أحد في المقام وجها لثبوت المهر.

نعم عن التذكرة إن السقوط أقوى ، ولعله يؤذن باحتمال عدم السقوط ، ووجهه في المسالك بأن المهر وجب بالعقد ، والأصل يقتضي استمراره الى أن يدل دليل على خلافه ، ولا نص عليه هنا ، والرضيعة لا قصد لها ، فكان فعلها بمنزلة عدمه ، فيحتمل حينئذ أن يثبت لها نصف المهر ، لأنها فرقة قبل الدخول كالطلاق ، وهو أحد وجهي الشافعية ، ويضعف بأنها قياس لا نقول به ، فإما أن يثبت الجميع لما ذكره ، أو يسقط الجميع من حيث استناده إليها ، وكيف كان فالمذهب السقوط.

قلت : لما عرفت ـ بل لعل ذلك هو ظاهر الحكم بالفساد في النصوص السابقة من غير تعقيبه بشي‌ء ، ضرورة استلزام فساد العقد رد كل عوض الى صاحبه ، وليس هذا كالموت الذي ليس هو من فواسخ عقد النكاح ومبطلاته ، بل حاله كحال تلف المبيع في يد المشتري ، وأما الطلاق بعد الدخول فمع أنه ليس من الفواسخ بل هو إيقاع رتب عليه الشارع أضداد الصحة ـ يمكن أن يقال إنه حيث كان بعد الدخول الذي هو سبب استقرار المهر سنة (١) وكتابا (٢) لم يؤثر فسخا حينئذ إلا بالنسبة إلى البضع ، ولعله لأن معوض المهر الانتفاع بالبضع ولو آنا ، ضرورة عدم مدة معلومة له كي يوزع المهر عليها. نعم كان مقتضى ذلك عدم استحقاق شي‌ء مع الطلاق قبل الدخول ، لكن ثبت النصف لدليل خاص ، كما هو واضح.

ومن ذلك يعلم الحال فيما لو تولت المرضعة إرضاعها مختارة وقد سمى لها مهرا وإن قيل كما عن المبسوط وجماعة : إنه كان للصغيرة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب المهور.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٤.

٣٢٥

نصف المهر ، لأنه فسخ حصل قبل الدخول ، ولم يسقط المهر لأنه ليس من قبل الزوجة فأشبه الطلاق حينئذ ، لكنه كما ترى لا يخرج عن القياس المحرم ومن هنا قيل بوجوب الجميع عليه ، لوجوبه بالعقد ، فيستصحب الى أن يثبت المزيل ، والتنصيف إنما ثبت بالطلاق ، إلا أنه أيضا لا يخلو من نظر ، لما عرفته سابقا من لزوم صدق انفساخ العقد وبطلانه ، وفساده لبطلان ما ترتب عليه ، بل هو معنى البطلان المقابل للصحة في المعاملة ، بل هي ظاهرة ، في مدخلية الاستدامة وإلا لم يتصور معنى للانفساخ والفساد والبطلان ، كما هو واضح بأدنى تأمل ، فان لم ينعقد إجماع كان المتجه السقوط ، كما في الأولى التي لم يكن لفعلها الذي كفعل البهائم مدخلية في السقوط ، ولو قيس بتلف الأموال كان المتجه ضمانها له مهر المثل ، لا سقوط المسمى الذي قد يوافقه وقد يخالفه.

ومن ذلك يظهر لك الحال فيمن لم يسم لها مهر ، فإنه لا ريب في كون المتجه الانفساخ وعدم ثبوت شي‌ء لها ، ضرورة انحصار ثبوت المتعة لها بالقياس على الطلاق ، وهو محرم عندنا ، كضرورة انحصار إثبات مهر المثل لها أو نصفه بالقول بغير علم أو بما شابهه ، وعدم خلو البضع عن عوض مسلم إذا استوفي بوجه غير فاسد لا مطلقا حتى إذا لم ينتفع به بشي‌ء ، فإن دعوى عدم خلوه في هذا الحال ممنوعة كل المنع ، فلا ريب في أن المتجه ما ذكرنا.

ومنه يعلم سقوط البحث عن الرجوع على المرضعة ، نعم يجي‌ء البحث فيه بناء على ثبوت شي‌ء من ذلك على الزوج ، وفيه قولان منشأهما ضمان البضع بالتفويت باعتبار كونه كالأموال ، لأنه يقابل بها في النكاح والخلع ، ولا يحتسب على المريض المهر لو نكح بمهر المثل فما دون ، وكذا المختلعة بمهر المثل.

وحينئذ ف للزوج الرجوع على المرضعة بما أداه إن كان قد قصدت الفسخ بالإرضاع ، وإلا لم تكن متعدية ، بل كانت كمن حفر بئرا في ملكه فتردى فيه مترد ، بل هي محسنة على المرضعة ، فلا سبيل عليها ، لكن في المسالك تبعا لجامع المقاصد الوجه عدم الفرق في الضمان وعدمه بذلك ، لأن إتلاف الأموال موجب‌

٣٢٦

له على كل حال ، فان كان البضع ملحقا بها ضمن في الحالين وإلا فلا ، والفرق بينه وبين الحفر بعد تحقق الإتلاف فيه دونه واضح ، قلت هو كذلك نعم قد يمنع كون البضع من الأموال ، ضرورة عدم صدق المالية عرفا ، ولذا لم يتحقق به غنى ولا استطاعة ، ولا بالمهر في مقابلته خمس ولا غير ذلك ، من لوازم المالية عرفا ، وملك الانتفاع به في مقابلة ملك المهر لا يقضي بكونه مالا ، إذ المال قد يكون عوضا شرعا لغير المال كما في الديات وأروش الجنايات ، على أن ملك الانتفاع غير ملك المنفعة ، ولذا لم يصح له نقلها للغير ، كما لا يصح له الرجوع على الزاني ، بل وعلى المشتبه ، ولا عليها أو على غيرها لو قتلت نفسها ، بل من ذلك يعلم أنه ليس من منافع الحر المقابلة بمال فضلا عن أن يكون مالا بنفسه.

ولعله لذا قال المصنف وفي الكل تردد مستنده الشك في ضمان منفعة البضع قلت : بل كان المتجه الجزم بعدمه ، وإلا لكان اللازم الرجوع بمهر المثل سواء كان الذي غرمه أزيد أو أنقص ، كما أن المتجه الرجوع على الصغيرة التي رضعت بنفسها بما زاد من مهر المثل على المسمى ، ولها الرجوع عليه بما زاد من المسمى عليه ، نعم يقاصها بالمساوي من مهر المثل للمسمى.

ومن جميع ما ذكرناه يعلم الكلام فيما ذكره في المسالك تبعا لغيره من الصور الباقية التي ( منها ) ما لو كان الرضاع بفعل الصغيرة والكبيرة عالمة لكن لم تعنها عليه ، فان في إلحاقها بالسابقة أو عدم الضمان وجهين : من أنها لم تباشر الإتلاف ، ومجرد قدرتها على منعها لا يوجب الضمان ، كما لو لم تمنعها من مباشرة إتلاف مال الغير مع قدرتها على المنع.

قيل : وربما ظهر من المصنف وأكثر الجماعة أن تمكينها بمنزلة المباشرة ، وبه صرح في التذكرة ، بل في المسالك أن ظاهر الأصحاب القطع بإلحاق التمكين بالمباشرة ، ولعله لأن المرتضعة غير مميزة ، فكان تمكينها من الرضاع بمنزلة الفعل ، ولكن إن لم يكن إجماعا لا يخلو من نظر ، ومن هنا قال في المسالك : « لو قيل هنا باشتراك الصغيرة والكبيرة في الفعل ، فيكون السبب منهما ، ولا يرجع‌

٣٢٧

الزوج على المرضعة إلا بنصف ما يغرمه لكان أوجه من ضمانها مطلقا ».

( ومنها ) أن تتولى الكبيرة ولكن مع الحاجة بأن ينحصر الرضاع فيها وتوقف حياة الصغيرة على ذلك ، فإن في ضمانها حينئذ وجهين من كونها مأمورة بذلك شرعا ، فلا يستعقب فعلها ضمانا وكونها محسنة ، ومن تحقق الإتلاف بالمباشرة التي هي من الأسباب ، وأقصى ذلك رفع الإثم كالطبيب والبيطار ونحوهما.

( ومنها ) أن تكون الكبيرة مكرهة ، فإن الإكراه يسقط ضمان المال المحقق فضلا عن مثل هذا ، نعم يمكن دعوى الرجوع على المكره باعتبار قوة السبب على المباشر.

ولكن لا يخفى عليك ما في جميع ذلك بعد أن عرفت أن المتجه سقوط المهر ، وأن البضع ليس من الأموال ، وكان جملة من كلامهم في المقام تبعوا به ما وقع لأبي حنيفة وصاحبيه والشافعي ، والتحقيق ما عرفت إن لم يكن إجماع أو دليل خاص ، والله هو العالم.

وكيف كان فقد ظهر لك أنه مما يتفرع على الضابط السابق ما لو كان له زوجتان كبيرة ورضيعة فأرضعتها الكبيرة ضرورة أنه متى كان كذلك حرمتا أبدا إن كان من لبنه وإن لم يكن دخل بالكبيرة ، بأن كان قد أولدها شبهة ثم عقد عليها ولم يدخل ، أو كان قد دخل بها وطلقها وهي ذات لبن منه ثم بعد العدة قد عقد عليها ولم يدخل بها ، فإن الصغيرة حينئذ تكون بنته برضاعها من لبنه ، فتحرم عليه ، والكبيرة أم امرأته ، لأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، ولو مثل هذه المصاهرة المتحقق سببها بغير رضاع ، كما عرفت تحقيقه سابقا.

وكذا يحرمان أبدا إن كان رضاعها له بغير لبنه ، لكن إذا كان قد دخل بالكبيرة كي تكون الصغيرة ربيبة قد دخل بأمها والكبيرة أم امرأة وإلا يكن قد دخل بها حرمت الكبيرة حسب لكونها أم امرأة دون الصغيرة التي هي ربيبة لم يدخل بأمها ، نعم ينفسخ عقدها بسبب اجتماعها مع الأم في استدامة عقدي نكاحهما التي هي كالعقد عليهما ابتداء الذي لا ريب في بطلانه ، لعدم صلاحيته للتأثير فيهما شرعا وتأثيره في إحداهما دون الآخر‌

٣٢٨

ترجيح بلا مرجح ، فليس حينئذ إلا البطلان ، ومثله يأتي هنا بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل الظاهر الاتفاق عليه ، بل عن الإيضاح دعواه صريحا ، لكن ربما أشكل بأن أصالة بقاء صحة نكاح الصغيرة يقتضي ترجيحها ، والمانع إنما طرأ في نكاح المرضعة ، وفساده بطرو المانع بالنسبة إليها لا يستلزم فساد ما خلا عنه ، وقياس ذلك على العقد عليهما دفعة قياس مع الفارق ، وستسمع الجواب عنه في آخر البحث ، مضافا الى منافاته للمعتبرة.

قال الصادق عليه‌السلام في الصحيح (١) وفي خبر ابن سنان (٢) : « لو أن رجلا تزوج جارية رضيعا فأرضعتها امرأته فسد نكاحه » وقال عليه‌السلام في الصحيح الآخر (٣) « في رجل تزوج جارية صغيرة فأرضعتها امرأته أو أم ولده ، قال : تحرم عليه » بل في خبر ابن مهزيار (٤) الآتي التصريح بحرمة الكبيرة والصغيرة ، بل لعله المراد من‌ قوله عليه‌السلام : « فسد نكاحه » أي لكل منهما ، فلا إشكال حينئذ في الحكم الأول بأنه بمجرد صدق الأمية والبنتية يتحقق انفساخ النكاح ، فلا تكون الكبيرة أم امرأته.

بل عند التأمل الصادق يستحيل صدق أمية الزوجة فعلا ، ضرورة استلزام صدق الأمية فسخ الزوجية ، لأنه أول آنات صدق البنتية ، وكذا الكلام في تحقق الجمع في استدامة العقدين بالنسبة للأم وبنتها الذي قلنا : إنه يقتضي فسخ العقدين وحرمة الأم دون الربيبة التي له تجديد العقد عليها مع فرض عدم الدخول بأمها ، إذ يمكن دفع الأول منهما ـ بناء على تحقق الحرمة بإرضاع من كانت زوجة ـ بأنه لو سلمنا عدم الصدق المزبور فعلا لكن لا ريب في أنها كانت زوجة وإن انفسخ عقدها في أول أزمنة صدق البنتية بل يمكن دفعه ـ بناء على عدمه أيضا ـ بأن ظاهر النص والفتوى الاكتفاء في الحرمة بصدق الأمية المقارنة لفسخ الزوجية بصدق البنتية إذ الزمان وإن كان متحدا بالنسبة إلى الثلاثة أي البنتية والأمية‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١.

٣٢٩

وانفساخ الزوجية ، ضرورة كونها معلومات لعلة واحدة ، لكن آخر زمان الزوجية متصل بأول زمان صدق الأمية ، فليس هي من مصداق أم من كانت زوجتك ، بل لعل ذلك كاف في الاندراج تحت أمهات النساء ، بخلاف من كانت زوجتك ، وكأنه إلى ذلك أومأ أبو جعفر عليه‌السلام فيما تسمعه من خبر ابن مهزيار الآتي المشتمل على الفرق بين الصورتين.

وأما الثاني فليس المراد من الجمع أنه تحقق في زمان ثم انفسخ ، بل المراد أنه لما اتحد زمان البنتية والأمية بالجزء الأخير من الرضاع فاستدامة العقدين عليهما غير ممكن ، وانفساخ أحدهما بالخصوص ترجيح من غير مرجح ، فليس إلا انفساخهما ، وتحرم الكبيرة باعتبار أنها أم الزوجة بالتقريب الذي سمعته ، والربيبة لعدم الدخول بأمها يجوز له تجديد العقد عليها ، ودعوى اختصاص الأم بالانفساخ ـ لتحقق سبب التحريم فيها وإبقاء الربيبة على عقدها الأول ـ يدفعها ما عرفته من اتحاد زمان تحققهما ، أي البنتية والأمية ، فلا مجال للترجيح ، وتحقق سبب التحريم فيها لا يقتضيه كما هو واضح ، واحتمال الترجيح بالقرعة ـ مع أنه مناف لظاهر النص والفتوى ـ يدفعه احتمال أن القرعة لاستخراج المتحقق واقعا المشتبه ظاهرا ، لا لترجيح المشتركين في السبب ، وإلا لجرت في العقد عليهما دفعة.

وكيف كان فـ ( للكبيرة مهرها إن كان دخل بها ) لأنه يستقر به ، ولذا تنحصر ثمرة الفسخ في البضع خاصة ، نعم بناء على أن البضع من الأموال يمكن الرجوع عليها بما أتلفته عليه من بضعها ، فيرجع عليها بمهر المثل ، بل في كشف اللثام أنه كما لو طلقها ثم راجعها فأنكرت الرجوع في العدة فحلفت وتزوجت ثم صدقته ، فإنها تغرم له المهر بما فوتت عليه البضع ، وقال : « ولا يجدى الفرق ببقائه هنا بخلافها في المسألة كما في التذكرة » قلت : لكن قد عرفت ما في ذلك كله سابقا.

وإلا يكن قد دخل بها فلا مهر لها لأن الفسخ جاء منها ولما عرفته من أن ذلك مقتضى انفساخ العقد ، كما في غير ذلك من العقود على ما عرفته سابقا.

٣٣٠

ومنه يعلم ما في قوله وللصغيرة مهرها وإن لم تحرم عليه ، كما في صورة عدم الدخول بالأم والارتضاع من غير لبنه لانفساخ العقد حينئذ بالجمع الذي عرفته ، والفرض أنه قد حصل بفعل غيرها ، لكن قد عرفت أن مقتضى الانفساخ عدم رجوعها عليه بشي‌ء ، خصوصا مع عدم التقصير منه ، كما أنك قد عرفت أن القول الذي حكاه المصنف هناك نصف المهر ، وهنا جزم بالجميع ، مع أن المسألة من واد واحد.

وكذا لا يخفى عليك ما قيل : إنه يرجع به على الكبيرة لأنها هي التي فوتت عليه البضع. وقد عرفت البحث في ذلك مفصلا في جميع الصور ، فلا يحتاج إلى الإعادة.

كما لا حاجة الى البحث فيما لو أرضعت الكبيرة له زوجتين صغيرتين ضرورة أنه بعد الإحاطة بما سمعت يعلم متى كان ذلك حرمت الكبيرة والمرتضعتان إن كان ذلك بلبنة أو كان قد دخل بالكبيرة من غير فرق بين التعاقب والدفعة لأنها حينئذ إما بنت أو ربيبة قد دخل بأمها ، فتحرم الثانية وإن بانت أمها منه ، لحرمة الربيبة من النسب مطلقا فكذا بالرضاع.

وإلا يكن قد دخل بها حرمت الكبيرة التي هي أم زوجته بالتقريب السابق دون المرتضعين لأنهما ربيبتان لم يدخل بأمهما ، نعم ينفسخ عقدهما معا إذا ارتضعا دفعة ، وإلا اختص الانفساخ بالأم والأولى ، دون الثانية التي ارتضعت بعد تحقق انفساخ عقد الأم والبنت ، فليست هي حينئذ إلا بنت زوجة لم يدخل بأمها ، فلا تحرم ، كما لا تحرم بصيرورتها أختا لمن كانت زوجة له ، كما هو واضح.

ولو كان له زوجتان وزوجة رضعية فأرضعتها إحدى الزوجتين أولا بلبنه مثلا ثم أرضعتها الأخرى حرمت المرضعة الأولى والصغيرة لصيرورتهما بنتا وأم زوجة بالتقريب السابق دون الثانية ، لأنها أرضعتها وهي بنته لا زوجته كي تندرج تحت ( أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) (١) بل هي ليست إلا أم بنته ،

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٣.

٣٣١

وليست محرمة على الأب ، كما كشف عن ذلك‌ خبر ابن مهزيار (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قيل له : إن رجلا تزوج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته ثم أرضعتها امرأته الأخرى ، فقال ابن شبرمة : حرمت عليه الجارية وامرأتاه ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : أخطأ ابن شبرمة ، حرمت عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أولا ، فأما الأخيرة فإنها لا تحرم عليه ، لأنها أرضعتها وهي بنته » وهو صريح في المدعى ، ولا يلزم منه عدم حرمة الربيبة التي هي بنت من كانت زوجته المدخول بها ، ضرورة الفرق بين مصداق قوله تعالى (٢) ( وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) وبين قوله تعالى (٣) ( أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) فإن الأولى صادقة قطعا على بنت من كانت زوجة ، بخلاف الثانية الظاهرة في اعتبار اجتماع الأمية ، والزوجية ، خصوصا مع اشتراط بقاء المبدء في صدق المشتق وما شابهه.

على أنه قد عرفت انحصار المحرم في الرضاع بما يحرم من النسب ، وليس في النسب من انحصر صدقها في أم من كانت زوجة ، إذ أم المطلقة مثلا ليس حرمتها لذلك ، بل لتحقق الصدق قبل الطلاق ، وهو سبب التحريم مؤبدا ، فليس حرمتها لأنها أم من كانت زوجته ، بل لأنها كانت أم زوجة فعلا ، بخلاف الربيبة ، فان في النسب بنت من كانت زوجة مندرجة تحت الآية الشريفة ، فيحرم مثلها في الرضاع ، ولعله لذلك كان المحكي عن الإسكافي والشيخ في النهاية وظاهر الكليني حلية الثانية ، بل هو خيرة الرياض وسيد المدارك حاكيا له عن جماعة ، بل هو ظاهر الأصفهاني في كشف أو صريحه أيضا ، بل ربما كان ظاهر ما حكاه فيه عن ابن إدريس أيضا.

ولكن مع ذلك كله قيل : بل تحرم أيضا في الفرض لأنها صارت أما لمن كانت زوجته بل نسبه في المسالك إلى ابن إدريس والمصنف في النافع وأكثر المتأخرين ، بل لم يحك القول الأول إلا عن الشيخ في النهاية وابن الجنيد ، نعم قال إنه مال اليه المصنف لقول وهو أي التحريم أولى‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٣.

(٣) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٣.

٣٣٢

ثم ناقش في الخبر بضعف سنده بصالح بن أبي حماد وهو ضعيف ، بل قال ومع ذلك فهو مرسل ، لأن المراد بأبي جعفر حيث يطلق الباقر عليه‌السلام وبقرينة قول ابن شبرمة في مقابله ، لأنه كان في زمنه ، وابن مهزيار لم يدرك الباقر عليه‌السلام ، ولو أريد بأبي جعفر الثاني وهو الجواد عليه‌السلام بقرينة أنه أدركه وأخذ عنه فليس فيه أنه سمع ذلك بلا واسطة ، فالارسال متحقق على التقديرين ، مع أن هذا الثاني بعيد ، لأن إطلاق أبي جعفر لا يحمل على الجواد عليه‌السلام ثم اختار هو ذلك ، معللا له بالصدق ، لأن الأصح عدم اشتراط بقاء المعنى في صدق المشتق ، وبمساواة الرضاع للنسب ، وهو يحرم سابقا ولاحقا.

وفيه ما عرفت من منع الصدق ، واعتبار بقاء المبدء في الصدق لو كان هذا منه ، لإمكان المنع ، إذ الموجود لفظ « النساء » لا « الزوجة » وهو جامد لا مشتق ، وأيضا لا نظير له في النسب كي يحرم مثله في الرضاع ، ومنع الإرسال على تقدير إرادة الجواد عليه‌السلام من أبى جعفر ، وكثرة إطلاقه على الباقر عليه‌السلام لا ينافي حمله على الجواد عليه‌السلام خصوصا بالقرينة ، بل في الرياض ليس في سند الخبر المزبور من يتوقف فيه عدا صالح بن أبى حماد ، وهو وإن ضعف في المشهور إلا أن القرائن على مدحه كثيرة ، وتوهم الإرسال فيه ضعيف قلت : على أن الدليل غير منحصر في الخبر ، بل يكفي فيه الأصل وعموم (١) ( أُحِلَّ ) وغير ذلك بعد عدم الاندراج في أمهات النساء ، فالخبر مؤيد حينئذ لا دليل ، ولا ينافي ذلك الحكم بالتحريم في الصورة الأولى ، لما عرفت من كفاية اتصال زمن الزوجية بزمان صدق الأمية في الاندراج تحت أمهات النساء كما ذكرناه سابقا ، وكشف عنه الخبر أيضا لاحقا ، حيث حرم الأولى والصغيرة.

وكيف كان فقد ظهر لك مما قدمناه أن في كل من هذه الصور الثلاثة التي ذكرها المصنف ينفسخ النكاح لتحقق الجمع المحرم إلا صورة من المسألة الثانية التي قدمناها وأما التحريم أبدا وعدمه فعلى ما‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٤.

٣٣٣

صورناه وبيناه.

بل ومنه يظهر لك الحال فيما ذكره المصنف ، من أنه لو طلق زوجته بعد الدخول بها فأرضعت زوجته الرضيعة حرمتا عليه لكونهما بنتا أو ربيبة مدخولا بأمها وأم زوجته ، لكن في المسالك « إن جزمه بتحريم الصغيرة أيضا على تقدير الدخول بالكبيرة مبنى على الاكتفاء بإرضاع من كانت زوجته ، وقد سبق منه الحكم بخلاف ذلك ، لأن الأولوية لا تقتضي التحريم ، فكأنه قرينة على كونه اختار التحريم في السابقة ، أو رجوع عن الحكم ـ إلى أن قال ـ : ولا يتوهم اختلاف الحكم من حيث إن الخارجة من الزوجية هنا المرضعة ، وهناك الرضيعة ، لاشتراكهما في المعنى المقتضي للتحريم وعدمه » وفيه ما عرفت من وضوح الفرق بين المسألتين في الدليل وغيره ، ضرورة صدق الربيبة على بنت من كانت زوجته نسبا ورضاعا بخلاف أمهات نسائكم ، فإنه غير صادق على من كانت امرأة ، وصدق الإضافة بأدنى ملابسة لا يقتضي حمل اللفظ عليها ، بل لا ينبغي التأمل في اعتبار اجتماع وصف الأمية والزوجية في الصدق ، فلا يكفي تقدم الزوجية وتأخر وصف الأمية عنها بعد انفساخ الزوجية كما في المسألة السابقة ، وهذا هو السر في جزم المصنف هنا في هذه ، وميلة إلى الحلية في الأولى كما عرفت الكلام فيه مفصلا ، فتأمل جيدا ، فان هذه المباحث غير محررة في كلامهم ، والله هو العالم.

المسألة ( الخامسة )

لو كان له أمة يطؤها فأرضعت زوجته الرضيعة حرمتا عليه جميعا سواء كان بلبنة أو لبن غيره ، لصيرورتهما بنتا أو ربيبة قد دخل بأمها وأم امرأة ويثبت مهر الصغيرة بأجمعه عليه ، لوجوبه بالعقد ، مع عدم كون الفسخ من قبلها ،

٣٣٤

وفيه البحث السابق ، كما أنه لا يخفى عليك جريان الصورة السابقة وانما المراد هنا بيان أنه لا يرجع به على الأمة التي أرضعت وإن قلنا بالرجوع به في غيرها لأنه لا يثبت للمولى مال في ذمة مملوكه لعدم تصور أدائه له بعد فرض كونه وما يملكه ملكا للمولى ، إلا أن الانصاف عدم خلو ذلك عن التأمل إن لم يكن إجماعا ، ضرورة اشتراك ضمانه مال الغير ـ ويتبع به بعد العتق إن أعتق ـ وضمانه مال مولاه في الدليل الذي هو « من أتلف » ونحوه من الخطابات الوضعية التي لا يعتبر في ثبوت الحكم الوضعي بها تحقق الحكم الشرعي ، فللمولى حينئذ مطالبته به بعد العتق ، وله استيفاؤه من باب الزكاة ونحو ذلك ، نعم إن كان إجماع على الفرق بين مال المولى ومال غيره اتجه ذلك ، على أنه يجب تقييده بغير المكاتبة ، أما هي فقد جزم في المسالك بالثبوت عليها سواء كانت مكاتبة مطلقة أو مشروطة مطلقا لانقطاع سلطنته عنها ، وصيرورتها بحيث يثبت عليها مال. نعم هذا كله لو كانت الأمة الموطوءة ملكا له أما لو كانت موطوءة بالعقد وهي ملك للغير قيل رجع به عليها ، ويتعلق برقبتها وعندي وعند المصنف في ذلك تردد للتردد في أصل ضمان منفعة البضع ، وأنه بالمسمى أو بمهر المثل ، بل قد سمعت أن التحقيق عندنا عدمه ، بل لو قلنا بوجود العود أي الرجوع بالمهر لما قلنا ببيع المملوكة فيه ، بل تتبع به إذا تحررت إذ ليس هو من قبيل الجنايات التي يباع العبد فيها ، وإنما هو من قبيل الأموال التي يتبع بها بعد العتق ، فقول القائل يتعلق برقبتها لا وجه له ، اللهم إلا أن يريد ذلك ، كما هو واضح.

٣٣٥

المسألة ( السادسة )

لو كان لاثنين زوجتان صغيرة وكبيرة فطلق كل منهما زوجته وتزوج بالأخرى ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة عليهما وإن لم يكن بلبن أحدهما ، لصيرورتهما أم زوجة فعلا بالنسبة إلى أحدهما ، وأم من كانت زوجة بالنسبة إلى الآخر بناء على التحريم بمثله وإن كان قد سمعت ما فيه وحرمت الصغيرة على من دخل بالكبيرة لصيرورتها ربيبة قد دخل بأمها ، فلو فرض دخولهما معا بها حرمت عليهما معا ، كما أنه لو فرض اللبن لأحدهما صارت بنتا له.

المسألة ( السابعة )

إذا قال : هذه أختي من الرضاع مثلا أو بنتي أو أمي على وجه محتمل لأن يصح ذلك لا معلوم فساده لكبر في السن أو غيره فان كان قد صدر ذلك منه قبل العقد حكم عليه بالتحريم ظاهرا لعموم (١) « إقرار العقلاء » سواء صدقته المرأة أو كذبته أو لم تكن عالمة بصدقه ولا كذبه ، فإن أكذب نفسه ووافقته المرأة على ذلك احتمل قويا جواز النكاح ، لانحصار الحق فيهما ، لكن أطلق في القواعد عدم القبول ، وكذا شارحها الكركي والأصبهاني وثاني الشهيدين في المسالك ، نعم قال في الأخير : « إنه لو أظهر لدعواه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار الحديث ٢.

٣٣٦

تأويلا محتملا بأن قال : إنى اعتمدت في الإقرار على قول من أخبرني ثم تبين لي أن مثل ذلك لا يثبت به الرضاع وأمكن في حقه ذلك احتمل القبول ، لإمكانه ـ لكن قال بعد ذلك ـ : أطلق الأصحاب عدم قبوله مطلقا لعموم‌ « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١) وعليه العمل » وفيه أن المتيقن من الخبر المزبور إلزام المقر بما أقربه لمن أقر له ، مع المخالفة له ، لا أن المراد به إلزامه بذلك وإن وافقه المقر له على الكذب في الإقرار.

ومن الغريب عدم احتمال الثلاثة الأولين القبول في هذه الصورة مع احتمالهم القبول في الرجوع عن الإقرار بعد التزويج ، فإنه قال في القواعد قبل ذلك : « ولو رجع أحد الزوجين بعد إقراره بالرضاع عنه بعد الفرقة لم يقبل رجوعه ظاهرا ، وإن ادعى الغلط الممكن ، لأن الإنكار لا يسمع بعد الإقرار » لكن في كشف اللثام تبعا لجامع المقاصد أنه يفهم من السيد سماعه قبل الحكم بالفرقة ، ولعله لكونه إقرارا بالنكاح بعد إنكاره ، ثم حكيا عن التذكرة إطلاق عدم السماع ، كما أنه حكي في الجامع عن أبي حنيفة قبول الرجوع من المقر عن إقراره ، من غير فرق بين الرجل والمرأة ، وهو وإن كان على إطلاقه غير جيد ، ضرورة عدم قبوله مع المخاصمة ، نعم ما قلناه في صورة التصديق على الكذب في الإقرار لا يبعد قبوله في المقام ، وفي غيره من المقامات من البيع والملكية والوقفية والزوجية ونحو ذلك ، بل إن لم يقم إجماع أمكن دعوى القبول في حال عدم العلم من الخصم فضلا عن صورة الموافقة له على الإقرار الصوري ، والمسألة محتاجة إلى تأمل تام في غير المقام من أفرادها.

وعلى كل حال فلو أوقع العقد على هذا الحال ، أى حال الإقرار بالأختية مع التكذيب له من المرأة مثلا فقد يحتمل في بادى النظر إلزام كل منهما بمعتقده ، فيكون العقد فاسدا في حقه ، صحيحا في حقها ، كما لو ادعى الأختية بعد العقد ، لكن دقيق النظر يقضي بخلافه ، ضرورة اشتراط الصحة من الطرفين في العقد ، ومع فرض انتفائها من أحدهما بظاهر الشرع لا بد من انتفائها من الآخر ، ومن هنا جزم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار الحديث ٢.

٣٣٧

في كشف اللثام بأنه لو أوقع العقد حينئذ لم يقع ظاهرا ، وفرق واضح بين ذلك وبين الدعوى بعد العقد ، ضرورة ثبوت الصحة ظاهرا في العقد قبل الدعوى ، وهي لا تقتضي فساده في ظاهر الشرع ، وإنما يلزم بحكم الفساد بالنسبة إليه خاصة مؤاخذة له بإقراره وإلا فحكم الصحة في العقد باق كما هو واضح. هذا كله في الإقرار قبل العقد من غير فرق بين وقوعه من الرجل والمرأة.

وأما إن كان من الرجل مثلا بعد العقد ومعه بينة على دعواه ، أو ادعى عليها العلم فنكلت عن اليمين وحلف هو ، أو وافقته على ذلك حكم بها له فان كان قبل الدخول فلا مهر أصلا ولا متعة لتبين فساد العقد وإن كان بعده كان لها المسمى عند الشيخ إذا لم تكن بغيا بأن لم يثبت علمها بذلك قبل الدخول ، ولكن ستعرف ضعفه وإن أشعرت عبارته المحكية عنه بالإجماع عليه.

وإن فقد البينة وأنكرت أي الزوجة أو لم تعلم بصدقه ولا كذبه ولم يدع عليها العلم أو ادعاه وحلفت هي على نفسه لزمه الحكم بحرمتها عليه بمقتضى إقراره ولزمه المهر كله مع الدخول لعدم ثبوت بطلان العقد ، بل هو مستصحب الصحة وإلزامه باجتنابها مؤاخذة له بإقراره ، لا يقتضي انفساخا له ونصفه مع عدمه على قول مشهور لأنه فرقة قبل الدخول ، فيكون كالطلاق ، لكنه واضح الضعف ، إذ هو مع أنه قياس قد عرفت الفرق بينه وبين الطلاق ، فالمتجه إلزامه بالمهر كملا مطلقا ، اللهم إلا أن يثبت أن كل فرقة قبل الدخول كالطلاق ، نعم لو أوقع الطلاق مثلا في هذا الحال أمكن القول بالتنصيف ، ودعواه الأختية لا ينافي تأثير الطلاق في حقها بعد فرض تكذيبها ، مع احتمال العدم اقتصارا فيما دل على تشطير الطلاق على ما كان الطلاق مفرقا للزوجية ، والفرض عدمه هنا باعتقاد الزوج ، فتطالب الامرأة حينئذ بالمهر تاما وإن بانت بالطلاق عنه باعتقادها.

ومما ذكرنا يعلم ما في المحكي الذي سمعته عن الشيخ من لزوم المسمى أيضا في الأول باعتبار أن العقد هو سبب ثبوت المهر ، لأنه مناط الشبهة ، فكان كالصحيح المقتضي لتضمين البضع بما وقع عليه التراضي في العقد ، وفيه أن المقام نحو المقبوض بالعقد الفاسد‌

٣٣٨

من البيع وغيره ، وليس في شي‌ء مما وصلنا من النصوص أن عقد الشبهة كالصحيح حتى يؤخذ بإطلاق التشبيه ، ولذا لم يكن لها شي‌ء مع عدم الدخول ، فليس حينئذ إلا استيفاء البضع على وجه الضمان ، فيضمن بقيمته ، وهي مهر المثل عرفا وشرعا كغيره مما يقبض بعنوان العقد الصحيح ، بل ليس المقام إلا أحد أفراد قاعدة « ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده » وهو واضح ، هذا كله في دعواه.

ومنه يعلم الحال فيما لو كانت الدعوى منها ، ضرورة اتحاد الجميع فيما سمعته من الأحكام ، ومنه ما إذا قالت الامرأة ذلك أي هو أخي أو ابني من الرضاع على وجه يصح بعد العقد لم تقبل دعواها في حقه كما لم تقبل دعواه في حقها إلا ببينة أو تصديق أو دعوى العلم وحلفها بعد نكوله ، أو نحو ذلك ، ولا ينافي سماع دعواها رضاها بالعقد ، لجواز جهلها به حالة العقد وتجدد العلم لها بخبر الثقات ، خلافا لبعض العامة ، بل لا يبعد قبول دعواها وإن ادعت العلم بالحال حين العقد ، لإطلاقهم سماع دعوى النساء مع البينة ، ولعموم‌ « البينة على المدعي » (١) ونحو ذلك ، لكن قد يظهر من قواعد الفاضل عدم سماعها ، ولعله لتكذيب فعلها قولها.

وكيف كان فان صدقها الزوج أو ثبت بالبينة ثبت لها المهر مع الدخول وجهلها ، وإلا يكن دخل بها فلا مهر لها ، ولو كذبها ولا بينة لها لم تقع الفرقة ، وعليها أن لا تمكنه من نفسها ما أمكنها ، وتفدي نفسها بما أمكنها تخلصا من الزنا باعتقادها ، وليس لها المطالبة بالمسمى كلا وبعضا لا قبل الدخول ولا بعده ، لاعترافها بفساد العقد ، ولا مهر المثل إن كان أكثر من المسمى ، لأنه دعوى منها بلا بينة ، نعم إنما يثبت لها بعد الدخول أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل.

بل فيما حضرني من نسخة المسالك أن لها ذلك مطلقا ، أي في حالتي التصديق والتكذيب إلا إذا كانت بغيا فإنه لا شي‌ء لها حينئذ وفيه أنه لا فرق على الظاهر بين دعواها ودعوى الزوج في ذلك ، فمع فرض التصديق أو قيام البينة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٥ من كتاب القضاء.

٣٣٩

يتجه لها مهر المثل وإن كان أكثر من المسمى ، نحو ما سمعته في دعوى الزوج ، وأنه من قاعدة « ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده » ورضاها بما في العقد لا تلتزم به بعد ظهور فساده ، كما لا يلتزم به الزوج على حسب ما عرفته. فمن الغريب موافقته في المسألة السابقة على ثبوت مهر المثل وخلافه هنا ، مع اتحادهما في المدرك إلا في الصورة التي فرضناها ، وهي ما لو كذبها ، فإنه ليس لها حينئذ إلا الأقل ، ضرورة كونها مدعية صرفا مع فرض زيادته على المسمى ، وما في القواعد من احتمال مطالبته بمهر المثل في هذه الصورة لأنه دخول بعد عقد تبين فساده من أصله مع جهلها كما ترى ، ضرورة عدم تماميته إلا من قبلها دون الزوج الذي فرض تكذيبه لها.

نعم لها إحلافه على نفي العلم إن ادعته عليه أو احتملت علمه ، كما هو شأن الحلف على نفي فعل الغير ، فان نكل حلفت على البت ، كما هو شأن الحلف على إثبات فعل ، فيحكم بالفرقة حينئذ ومهر المثل مع الدخول لا قبله ، لاعترافها بعدم الاستحقاق ، ولو نكلت أو كان قد حلف الزوج أو لا فان كان قد دفع الصداق لم يكن له مطالبتها به ، لاعترافه باستحقاقها له ، إلا إذا طلقها قبل الدخول ارتجع نصفه ، وإلا يكن دفعه إليها لم يكن لها المطالبة ، لاعترافها بعدم الاستحقاق ، فان كان عينا كان مالا مجهول المالك ، وكذا إذا قبضته وكان باقيا وكان العقد ثابتا في الظاهر ، أما إذا نكلت فظاهر ، وأما إذا حلف أولا فليمينه.

وربما نوقش في الأخير بأن نفي علمه لا ينفيه ، فيمكن أن يحلف على ما ادعته ، وعلى كل حال فليس لها مطالبته بحقوق الزوجية وإن نكلت لاعترافها بعدم الاستحقاق ، بل ربما وجب عليها الفرار من بعضها مع الإمكان ، فما عن بعضهم من احتمال مطالبتها بغير القسم والجماع لإقراره بالزوجية ولزوم حقوقها واضح الضعف.

نعم قد يقال : إن لها المطالبة في خصوص النفقة باعتبار كونها محبوسة عليه ، ومنعها من تمكينه إنما هو من جهة الشرع ، مع أنه أيضا كما ترى ، وفي كشف اللثام‌

٣٤٠