جواهر الكلام - ج ٢٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الحل مرجح على أصل البقاء في الحولين الذي هو غير صالح لإثبات كون الرضاع فيهما ، بل ظاهرهما كون الحكم كذلك حتى في حال الارتضاع مع الشك في زمن الولادة ، ولعله كذلك ، فتأمل.

( الشرط الرابع )

أن يكون اللبن لفحل واحد ف لا حرمة بين المرتضع وامه وأبيه فضلا عن غيرهم مع كون القدر المحرم من اللبن لفحلين ، لشبهة ، أو مفارقة للأول وتزويج للثاني ، وبقاء الولد متغذيا في أثناء العدد بأكل أو وجور ونحوهما مما عرفت عدم قدح تخلله بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل موثق زياد بن سوقة (١) وغيره دال عليه بل يمكن القطع به من النص والفتوى كالقطع منهما بأن المرأة مثلا لو أرضعت بلبن فحل واحد مأة حرم بعضهم على بعض ، وكذا لو نكح الفحل عشرا وأرضعت كل واحدة واحدا أو أكثر القدر المحرم حرم التناكح بينهم جميعا إجماعا ونصوصا ، وهو المراد مما اشتهر قديما من كون اللبن للفحل ، قال عبد الله بن سنان (٢) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن لبن الفحل ، فقال : هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد امرأة أخرى فهو حرام » وقال سماعة (٣) : « سألته عن رجل كان له امرأتان فولدت كل واحدة منهما غلاما فانطلقت إحدى امرأتيه فأرضعت جارية من عرض الناس أينبغي لابنه أن يتزوج بهذه الجارية؟ فقال : لا ، لأنها أرضعت بلبن الشيخ » وقال البزنطي (٤) : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن امرأة أرضعت جارية ولزوجها ابن من غيرها أيحل للغلام ابن زوجها أن يتزوج الجارية التي أرضعت؟ فقال : اللبن للفحل » وروى مالك بن عطية (٥) عن أبى عبد الله عليه‌السلام أيضا « في الرجل يتزوج المرأة فتلد منه ثم ترضع‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٦.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٧.

(٥) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١٣.

٣٠١

من لبنها جارية أيصلح لولده من غيرها أن يتزوج تلك الجارية التي أرضعتها؟ قال : لا ، هي بمنزلة الأخت من الرضاعة ، لأن اللبن لفحل واحد » وقال صفوان (١) « قلت للعبد الصالح عليه‌السلام : أرضعت أمي جارية بلبني ، قال : هي أختك من الرضاعة ، قال : قلت : فيحل لأخي من أمي لم ترضعها بلبنه ، يعني ليس لهذا البطن ولكن لبطن آخر ، قال : والفحل واحد؟ قلت : نعم هو أخي لأبي وأمي ، قال : اللبن للفحل ، صار أبوك أباها وأمك أمها » الى غير ذلك من النصوص الدالة على أن العبرة بلبن الفحل.

ولا ينافي ذلك‌ قوله عليه‌السلام في خبر أبى بصير (٢) « في رجل تزوج امرأة فولدت منه جارية ، ثم ماتت المرأة فتزوج أخرى فولدت منه ولدا ، ثم إنها أرضعت من لبنها غلاما ، أيحل لذلك الغلام الذي أرضعته أن يتزوج ابنة المرأة التي كانت تحت الرجل قبل المرأة الأخيرة؟ قال : ما أحب أن يتزوج ابنة فحل قد رضع من لبنه » فان نفي المحبة ليس صريحا في عدم الحرمة ، فيمكن أن يراد منه ما لا ينافيها ، خصوصا بعد ما عرفت من النصوص المعتضدة بالفتاوي وعمومات الرضاع ، ولعل هذا التعبير منه عليه‌السلام تقية ممن لا يحرم عنده لبن الفحل من العامة ، كعروة بن الزبير وعبد الله بن الزبير وإسماعيل بن علية وداود الأصبهاني ، ويروى أيضا عن سعيد بن المسيب وأبي مسلم بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وإبراهيم.

وعلى كل حال فلا إشكال في الحرمة مع اتحاد لبن الفحل على الوجه الذي عرفته ، كما لا شك في عدمها مع عدمه على الوجه الذي سمعت ، بل هو بهذا المعنى شرط في أصل الحرمة بالرضاع على قياس الشرائط السابقة له.

أما مع تعدده ولو مع اتحاد المرضعة كما لو أرضعت اثنين مثلا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٣ ـ عن أبى الحسن عليه‌السلام والكليني رواه في الكافي ج ٥ ص ٤٣٩ عنه عليه‌السلام وفي ص ٤٤٤ عن العبد الصالح عليه‌السلام.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٥.

٣٠٢

بلبن فحلين الرضاع المحرم لم يحرم أحدهما على الآخر على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، بل عن المبسوط والسرائر والتذكرة وغيرها الإجماع عليه ، لعدم اتحاد الفحل ، فهو حينئذ شرط لخصوص الحرمة بين المتراضعين ، لا أصل الرضاع ، فإنه يحرم بالنسبة إلى المرضعة ، وكل من الفحلين بالنسبة إلى لبنه ، كما هو واضح ، قال العجلي (١) في الصحيح أو الحسن « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عز وجل (٢) ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً ) فقال : إن الله جل وعز خلق آدم من الماء العذب وخلق زوجته من سنخه فبرأها من أسفل أضلاعه ، فجرى بذلك الضلع سبب ونسب ، ثم زوجها إياه ، فجرى بسبب ذلك بينهما صهر ، وذلك قول الله جل وعز ( نَسَباً وَصِهْراً ) فالنسب يا أخا بني عجل ما كان من سبب الرجال ، والصهر ما كان من سبب النساء ، قال : فقلت له : أرأيت قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فسر لي ذلك ، فقال : كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام ، فذلك الرضاع الذي قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكل امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحدا بعد واحد من جارية أو غلام فان ذلك رضاع ليس بالرضاع الذي قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، وإنما هو من سبب ناحية الصهر رضاع ولا يحرم شيئا ، وليس هو سبب رضاع من ناحية لبن الفحولة ، فيحرم » وقال الساباطي (٣) في الموثق « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن غلام رضع من امرأة يحل له أن يتزوج أختها لأبيها من الرضاع؟ قال : فقال : لا قد رضعتا من لبن فحل واحد من امرأة واحدة ، قال : قلت : فيتزوج أختها لأمها من الرضاعة ، قال : فقال : لا بأس بذلك ، إن أختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل التي أرضعت الغلام ، فاختلف الفحلان ، فلا بأس » وقال الحلبي (٤) في الصحيح « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) ذكر ذيله في الوسائل في الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١ وتمامه في الكافي ج ٥ ص ٤٤٢.

(٢) سورة الفرقان : ٢٥ ـ الآية ٥٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٣.

٣٠٣

عن الرجل يرضع من امرأة وهو غلام أيحل له أن يتزوج أختها لأمها من الرضاعة؟ فقال : إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد فلا تحل ، وإن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحلين فلا بأس بذلك ».

وبها معتضدة بما عرفت يخص عموم‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » خلافا للطبرسي ، فاكتفى في الحرمة بالاشتراك بالأمومة للعموم السابق ، وخبر محمد بن عبيدة الهمداني (٢) قال : « قال الرضا عليه‌السلام : ما يقول أصحابك في الرضاع؟ قال : قلت : كانوا يقولون اللبن للفحل حتى جاءتهم الرواية عنك أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، فرجعوا إلى قولك ، قال : فقال لي : وذلك لأن أمير المؤمنين سألني عنها البارحة ، فقال لي : اشرح لي اللبن للفحل ، وأنا أكره الكلام ، فقال لي : كما أنت حتى أسألك عنها ، ما قلت في رجل كانت له أمهات أولاد شتى فأرضعت واحدة منهن بلبنها غلاما غريبا؟ أليس كل شي‌ء من ولد ذلك الرجل من أمهات الأولاد الشتى محرم على ذلك الغلام؟ قال : قلت : بلى ، قال : فقال أبو الحسن عليه‌السلام : فما بال الرضاع يحرم من قبل الفحل ولا يحرم من قبل الأمهات ، وإنما حرم الله الرضاع من قبل الأمهات وإن كان لبن الفحل أيضا يحرم ».

وفيه أن هذه الرواية قاصرة عن معارضة ما سمعت من وجوه منها هجرها ، كما نبه عليه المصنف بقوله وفيه رواية أخرى مهجورة مع إمكان حملها على أن الرضاع من قبل الأم يحرم من ينسب إليها من جهة الولادة دون الرضاع ، إذ لا إشكال ولا خلاف في أنه تحرم أولاد هذه المرضعة نسبا مثلا على المرتضع منها وإن لم يكن بلبن فحلهم ، لعموم‌ « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (٣) السالم عن المعارض ، وإنما يشترط اتحاد الفحل بين المتراضعين‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١.

٣٠٤

الأجنبيين منها ، وربما يومئ الى ذلك ظهور الخبر في حرمة الأولاد النسبيين للفحل ، أو يحمل على التقية ، فإنه مذهب العامة ، كما حكاه عنهم في محكي السرائر قال فيها : « إن كان لأمه من الرضاع بنت من غير أبيه من الرضاع فهي أخته لأمه عند المخالفين لا يجوز أن يتزوجها ، وقال أصحابنا الإمامية بأجمعهم : يحل له تزويجها ، لأن الفحل غير الأب ، وبهذا فسروا قول الأئمة عليهم‌السلام في ظاهر النصوص ، وألفاظها المتواترة « اللبن للفحل » يريدون لبن فحل واحد ، بل لعل قوله عليه‌السلام في الخبر المزبور : « كانوا يقولون » الى آخره ظاهر في معلومية الحال بين الشيعة ».

وما أبعد ما بين قول الطبرسي وبين ما اعتبره العلامة من اتحاد الفحل في نشر الحرمة من الرضاع ، من عدم اختصاصه بين الرضيعين الأجنبيين من امرأة ، بل اعتبره في كلما كان الرضاع من الطرفين منشأ للحرمة ، ومن هنا قال في القواعد : « لا تحرم أم المرضعة من الرضاع على المرتضع ولا أختها منه ولا عمتها منه ولا خالتها ولا بنات أخيها ولا بنات أختها وإن حرمن بالنسب ، لعدم اتحاد الفحل ».

وأغرب من ذلك موافقة المحقق الثاني له ، فإنه قال في شرح هذه العبارة : « أطبق الأصحاب على أن حرمة الرضاع لا تثبت بين مرتضعين إلا إذا كان اللبن لفحل واحد ـ إلى أن قال ـ : فعلى هذا لو كان لمن أرضعت صبيا أم من الرضاع لم تحرم تلك الام على الصبي ، لأن نسبتها اليه بالجدودة إنما يتحصل من رضاعه من مرضعته ورضاع مرضعته منها ، ومعلوم أن اللبن في الرضاعين ليس لفحل واحد ، فلا تثبت الجدودة بين المرتضع والأم المذكورة ، لانتفاء الشرط ، فينتفي التحريم ، ومن هذا يعلم أن أختها من الرضاع وعمتها منه وخالتها منه لا يحرمن وإن حرمن من النسب ، لما قلناه من عدم اتحاد الفحل ، ولو كان المرتضع أنثى لم يحرم عليه أبو المرضعة من الرضاع ، ولا أخوها منه ، ولا عمها منه ، ولا خالها منه ، لمثل ما قلناه ، قيل : عموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « يحرم » إلى آخره يقتضي التحريم هنا ، وأيضا فإنهم قد أطلقوا على مرضعة المرضعة أنها أم وعلى المرتضعة بلبن أبي المرضعة أنها أخت فتكون الأولى جدة والثانية خالة ، فيندرجان في عموم المحرم للجدة والخالة ، وكذا‌

٣٠٥

البواقي. قلنا : الدليل الدال على اعتبار اتحاد الفحل خاص ، فلا حجة في العام حينئذ ، وأما الإطلاق المذكور فلا اعتبار به مع فقد الشرط ، فإنهم أطلقوا على المرتضع أنه ابن للمرضعة ، وعلى المرتضعة منها بلبن فحل آخر أنها بنت لها أيضا ، ولم يحكموا بالأخوة المثمرة للتحريم بين الابن والبنت ، لعدم اتحاد الفحل ».

وفيه أن العمدة في الشرط المزبور ما مر من خبري الحلبي وعمار ، وهما قد نصا على حرمة أخت المرضعة للأب ، فيعلم أن المراد منه اشتراطه في الإخوة بالنسبة إلى المرتضعين الأجنبيين من امرأة واحدة في سائر المراتب ، من غير فرق بين الخالات والأخوال والأعمام والعمات ، فإن الإخوة على الوجه المزبور ملحوظة في الجميع ، فاتحاد الفحل شرط في تحققها ، لا كل ما كان حرمته من الرضاع وإن كان ربما يوهمه ذيل خبر العجلي ، لكنه ليس كذلك نصا وفتوى ، فيبقى حينئذ ما عداها على عموم‌ قوله عليه‌السلام « يحرم من الرضاع » إلى آخره ، ضرورة عدم التلازم بين اعتبار اتحاد الفحل في تحقق الاخوة المحرمة وإن كانا معا ولدين للمرضعة بالرضاع ، وبين اعتباره في الجدة والعمة ونحوهما ، على أنه يمكن أن يكون المراد بلبن الفحولة المستفاد من خبر العجلي الذي يكون منشأ وهم العلامة ما كان له أثر في المرتضع ولو بواسطة مرضعته وإن علت ما لم يتخلل فصل باختلاف فحلين ، كالأخت الرضاعية من طرف الأم التي نصت الرواية على حليتها ، فإنهما وإن اشتركا في لبن الجدودة إلا أنهما اختلفا في لبن الفحولة من طرف الأب الذي هو أقرب تأثيرا ، وحينئذ يتحقق في الفرض اتحاد الفحل بهذا المعنى ، ويتجه التحريم. وعلى كل حال فلا ريب في سهو قلمهما الشريف في ذلك ، والله العالم.

وكيف كان ف يستحب لمن استرضع وليا كان أو غيره أن يختار للرضاع العاقلة المسلمة العفيفة الوضيئة‌ قال الباقر عليه‌السلام (١) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تسترضعوا الحمقاء والعمشاء فان اللبن يعدى وإن الغلام ينزع الى اللبن ، يعني إلى الظئر في الرعونة والحمق » وقال الصادق عليه‌السلام (٢) « كان‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٣.

٣٠٦

أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : لا تسترضعوا الحمقاء ، فان اللبن يغلب الطباع ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تسترضعوا الحمقاء فان الولد يشب عليه » وقال عليه‌السلام (١) أيضا « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : انظروا من ترضع أولادكم ، فإن الولد يشب عليه » وقال محمد بن مروان (٢) « قال لي أبو جعفر عليه‌السلام : استرضع لولدك بلبن الحسان وإياك والقباح ، فان اللبن يعدى » وقال أيضا‌ في خبر زرارة (٣) : « عليكم بالوضاء من الظؤرة ، فان اللبن يعدى » الى غير ذلك من النصوص المستفاد منها رجحان اختيار الزائد من الأوصاف الحسنة على المذكورة ومرجوحية اختيار أضدادها في الخلق والخلق.

ومن هنا قال المصنف وغيره : إنه لا ينبغي أن تسترضع الكافرة لما عرفت ، ولفحوى‌ قول الباقر عليه‌السلام في حسن ابن المسلم (٤) : « لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحب الى من ولد الزنا » ومنه يستفاد الجواز اختيارا ، مضافا الى الأصل وخبر عبد الرحمن بن أبى عبد الله (٥) سأل الصادق عليه‌السلام « هل يصلح للرجل أن ترضع له اليهودية والنصرانية والمشركة؟ قال : لا بأس وقال : امنعوهن من شرب الخمر » فلا تقدح نجاسة اللبن حينئذ.

ولكن لا ريب أن الأولى عدمه إلا مع الاضطرار ، بل الذي ينبغي معه أن تسترضع الذمية ويمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير‌ قال عبد الله بن هلال (٦) : « سألت الصادق عليه‌السلام عن مظائرة المجوسي ، قال : لا ، ولكن أهل الكتاب » وقال (٧) : « إذا أرضعن ، لكن فامنعوهن من شرب الخمر » وقال : أياض في خبر سعيد بن يسار (٨) : « لا تسترضع للصبي المجوسية ، وتسترضع له اليهودية والنصرانية ، ولا يشربن الخمر ويمنعن من ذلك » وقال الحلبي (٩) « سألته عن رجل دفع ولده الى ظئر يهودية أو نصرانية أو مجوسية ترضعه في بيتها أو ترضعه في بيته ، قال : ترضعه لك اليهودية والنصرانية في بيتك وتمنعها من شرب‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧٩ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧٩ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٢.

(٤ ،٥ ،٦) الوسائل الباب ـ ٧٦ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٢.

(٧) الوسائل الباب ـ ٧٦ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٤.

(٨) الوسائل الباب ـ ٧٦ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

(٩) الوسائل الباب ـ ٧٦ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٦.

٣٠٧

الخمر وما لا يحل مثل لحم الخنزير ، ولا يذهبن بولدك الى بيوتهن ، والزانية لا ترضع ولدك ، فإنه لا يحل لك ، والمجوسية لا ترضع ولدك إلا أن تضطر إليها » وربما كان ظاهر النص والفتوى الوجوب تعبدا أو شرطا في جواز الاسترضاع ، فليستأجرها مشترطا عليها ذلك إن لم تكن أمة له كي يتوجه له المنع ، بل في كشف اللثام احتمال جوازه مطلقا من باب النهي عن المنكر ، إذ لا فرق في التكليف بين المسلم وغيره وإن كان فيه أنه خارج عما نحن فيه ، كما أنه يقوى عدم الوجوب ، ويمنع من أصله ، للأصل والإطلاق وانسياق الندب في هذه النصوص المبتني ذلك فيها على المحافظة على طيب اللبن الذي قد عرفت تأثيره في الصبي.

وكيف كان فيستفاد من خبر الحلبي المزبور : أنه يكره أن يسلم إليها الولد لتحمله الى منزلها مضافا الى عدم أمانتها عليه وربما سقته مسكرا أو أطعمته لحم خنزير.

كما أن منه ومن غيره يستفاد أنه تتأكد الكراهة في ارتضاع المجوسية وأنه يكره أن يسترضع من ولادتها من زنا وسأل علي بن جعفر (١) أخاه موسى عليه‌السلام « عن امرأة زنت هل يصلح أن تسترضع؟ قال : لا يصلح ، ولا لبن ابنتها التي ولدت من الزنا » نعم روي بعدة طرق أنه إن أحلها مولاها فعلها إذا كانت أمة طاب لبنها وزالت الكراهية‌ قال إسحاق بن عمار (٢) : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن غلام لي وثبت على جارية لي فأحبلها فولدت واحتجنا الى لبنها فإن أحللت لهما ما صنعا أيطيب لبنها؟ قال : نعم » وروى هشام بن سالم وجميل بن دراج وسعد بن أبي خلف (٣) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في امرأة الرجل يكون لها الخادم قد فجرت فتحتاج الى لبنها ، قال : مرها فلتحللها يطيب اللبن » وفي مرسل جميل (٤) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في رجل كانت له مملوكة فولدت من فجوز ، فكره مولاها أن ترضع له مخافة أن لا يكون ذلك جائزا له ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : فحل خادمك من ذلك حتى يطيب اللبن ». ولكن مع ذلك قال‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧٥ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧٥ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧٥ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢.

٣٠٨

المصنف هو شاذ مستبعدا تأثير التحليل فيما وقع ومضى محرما ، وكأنه اجتهاد في مقابلة النص ، وربما حملت على الفضولي الذي تعقبته الإجازة ، ولا بأس به وإن بعد في بعض ألفاظها ، بل لا بأس بحمله على تأثير الاذن في التحليل وإن تأخر في الإخراج عن الزنا شبيه الاذن في بعض أفعال المعاملة ، كالقبض ونحوه ، وهذا كله في النظر في شروط الرضاع.

وأما أحكامه ف فيه مسائل : الأولى إذا حصل الرضاع المحرم وهو ما اجتمعت فيه الشروط السابقة انتشرت الحرمة من المرضعة وفحلها الى المرتضع نفسه ونسله ومنه إليهما ف صار هو وما تولد منه ابنا لهما وصارت المرضعة له اما وصار الفحل الذي هو صاحب اللبن أبا وآباؤهما من الذكور والإناث أجدادا وجدات وأولاد كل من هما من المرضعة أو غيرها والفحل أو غيره إخوة وأخوات وإخوتهما أخوالا وخالات وأعماما وعمات بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل الظاهر اتفاق أهل الإسلام جميعا عليه إلا من لا يعتد به من العامة الذين قصروا الحرمة على الأمهات والأخوات خاصة جمودا على ما في الآية (١) وهو معلوم البطلان خصوصا بعد تواتر‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » المراد منه على الظاهر أن كلما يحرم من النسب يحرم نظيره في الرضاع ، فيشمل حينئذ المحرم من جهة النسب والمحرم من جهة المصاهرة بعد وجود سببها نحوها في النسب ، فالبنات والأمهات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت منه نحوها من النسب في الحرمة ، وكذا حليلة الابن الرضاعي ومنكوحة الأب الرضاعي وأم الزوجة الرضاعية والجمع بين الأختين الرضاعيتين ونحو ذلك كلها يستفاد تحريمها منه مضافا الى النسبيات.

نعم ينبغي ملاحظة خصوص أسماء المحرمات في إثبات الحرمة من جهة الرضاع ، وكشف ذلك أن من الواضح البين عدم مدخلية للشارع في تحقيق موضوعات النسب من الأبوة والأمومة والعمومة والخؤولة ونحوها ، بل هي ليست إلا كغيرها‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع.

٣٠٩

من الألفاظ التي مرجعها إلى اللغة والعرف ، وإنما جاء من الشارع أحكام رتبها عليها في النكاح وغيره ، فالمحرمات السبع وما حرم بالمصاهرة منها من حليلة الابن ومنكوحة الأب وأم الزوجة ونحو ذلك لا مدخلية للشارع في تحقيق أسمائها كما هو واضح ، وكذلك لا مدخلية له أيضا فيما حصل بالرضاع من العلقة التي هو قال فيها : « إنها لحملة كالحمة النسب » (١) ولم يعهد من الشارع تحديد للأم من الرضاعة ولا الأخت منه ولا غيرها ، بل هو لغة وعرفا وشرعا كحال ألفاظ النسب مرجعه إلى اللغة والعرف ، فالأم من الرضاعة والأب منه والأخ منه مثلا وهكذا يرجع فيها إليهما على حسب الرجوع إليهما في أسماء النسب ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يحرم من الرضاع » الى آخره ليس فيه إلا بيان ما يحرم بالرضاع ، أي كل شخص من أشخاص المحرم مما كان موضوعه اسما من أسماء النسب ، ونظيره مما هو مسمى باسمه من الرضاع محرم ، من غير فرق بين موضوع المحرم في النسب والمصاهرة وغيرهما ، فيكون المقصود منه بيان ما يحرم به لا بيان كيفية علقته وكيفية تأثيره بالنسبة الى ما يرجع الى موضوع الحكم مما ليس هو وظيفة الشرع.

وبذلك كله اتضح لك ما ذكره غير واحد من الأصحاب من قصر نشر الحرمة في الرضاع بين الأب الرضاعي والأم الرضاعية والمرتضع دون غيرهم من أصول المرتضع ، وذلك لانحصار عنوان ما يحرم من النسب فيهم ، ضرورة كون الأب في النسب وإن علا يحرم عليه كلما تولد منه من الإناث ولو بوسائط ، فكذلك يحرم على الأب الرضاعي كلما تولد منه كذلك ، والأم النسبية وإن علت يحرم عليها كل ما تولد ولو بوسائط فكذلك الأم الرضاعية ، وهكذا في كل عنوان من أسماء النسب التي جعلت موضوعا للحل والحرمة في مصاهرة وغيرها يجري في نحو ذلك العنوان‌

__________________

(١) لم نعثر على هذه الرواية مع التتبع التام في مظانها وانما الموجود بهذا السياق‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الولاء لحمة كلحمة النسب » وقد رواه في الوسائل في الباب ـ ٤٢ ـ من كتاب العتق الحديث ٢ و ٦ نعم ذكر السيد الطباطبائي في تفسير الميزان ذيل الآية ٢٣ من سورة النساء‌ « الرضاع لحمة. » ولا اعلم أنه هل أخذه من كتب الحديث أو من الكتب الفقهية كالجواهر وأمثاله.

٣١٠

من الرضاع ، وليس شي‌ء منها موجودا في أصول المرتضع وفروع أصوله النسبيين ، نعم هي متحققة في فروعه خاصة ومن هنا كان نشر الحرمة مقصورا في الثلاثة وعام للمحرم من حيث النسب ومن حيث المصاهرة ، وتحريمه في الأخيرة على حسب تحريمها في النسب ، لأنه إنما يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، فلا بأس حينئذ للفحل أن ينكح أخت المرتضع نسبا وإن كانت هي أخت ولده ، ضرورة عدم كونها بنتا رضاعية ولا ربيبة كذلك عرفا ، والمحرم في النسب منها البنت والربيبة ، ومثلهما من الرضاع يحرم عليه ، وأما أخت الولد التي هي قدر مشترك غير موجود في الخارج في غير الفردين المذكورين اللذين قلنا بحرمة مثلهما من الرضاع ، فليس من عنوان المحرم في النسب كي يتجه تحريمه بعد فرض انحصار المحرم في الشريعة في البنت والربيبة من النسب والرضاع ، والفرض أنها ليست منهما في العرف واللغة ، ودعوى أنها بنت من الرضاعة شرعا له باعتبار ارتضاع أخيها بلبنه واضحة الفساد ، للقطع بعدم علقة عند الشارع للرضاع غير العلقة العرفية التابعة للنسبية التي أومأ إليها رب العزة بعد ذكره المحرمات من النسب بقوله تعالى (١) ( وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ ) مكتفيا عن غيرهما بقياسها على أسماء المحرم في نسب أو مصاهرة من العمة والخالة فيها وحليلة الابن ومنكوحة الأب وأم الزوجة وهكذا.

وقد ظهر لك من ذلك أن‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « يحرم من الرضاع » الى آخره المتفق عليه بين المسلمين ، بل الظاهر تواتره عند الفريقين من جوامع الكلم التي قد أوتيت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن الكلام الذي قد اختصر له اختصارا ، كما أنه قد ظهر لك عدم احتياجه الى بيان من يحرم عليه بالرضاع ضرورة صراحته في أن موضوع المحرم به هو موضوع المحرم بالنسب ، والمحرم عليه فيه محرم عليه فيه ، وبالجملة هو هو لكن مع ضم اسم الرضاع ولفظه الى اسم المحرم بدونه ، فنقول بدل تحريم الأخت من النسب تحريم الأخت من الرضاعة ، والبنت كذلك ، وهكذا في حليلة الابن ومنكوحة الأب ، والجمع بين الأختين وغير ذلك مما هو من أسماء النسب تضيف اليه لفظ‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع.

٣١١

« من الرضاع » ويبقى الحكم بحاله من الحل والحرمة والمحلل له والمحرم عليه ، فلا تغيير لعبارة تحريم النسب بشي‌ء إلا بزيادة لفظ « من الرضاعة » إلى موضوع التحريم الذي هو اسم من أسماء النسب ، فان ذلك هو المعيار والمدار ، فكل شي‌ء أردت معرفته من الرضاع تنظر الى شخص عنوان حرمته في النسب ، وتضيف اليه من الرضاعة وتحكم بالحرمة.

ولا يشتبه عليك أن المراد بنشر الرضاع الحرمة في المصاهرة أنه يحدث مصاهرة بمعنى أن الأجنبية لو أرضعت ولدك مثلا صارت بمنزلة زوجتك ، فتحرم أمها ، لأنها من أمهات نسائكم ، كما توهمه جماعة ، بل المراد من نشره ذلك على حسب النشر في النسب ، أي لا بد من وجود سبب المصاهرة وهو النكاح ، نعم الرضاع جعل الأم لها في الرضاعة بمنزلة الأم من النسب في الحرمة التي تسبب فيهما معا عن النكاح ، وكذلك منكوحة الأب الرضاعي والابن الرضاعي والجمع بين الأختين من الرضاعة.

وبالجملة الرضاع يوجد العلقة النسبية ويتبعها التحريم بالنسب أو بالمصاهرة ، لا أنه يوجد المصاهرة ، ضرورة عدم اقتضاء الدليل ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، بل يمكن تحصيل الإجماع أو الضرورة على ذلك إلا ما دل عليه دليل بخصوصه لا يتعدى منه الى غيره كما ستعرف.

فظهر لك أن المدار على عنوان النسب الذي صار موضوعا للمحرم في مصاهرة أو غيرها لا نظائره ، فلا يشتبه عليك ذلك بما ينتزع من ألفاظ الأقدار المشتركة مما هي ليست من أشخاص عنوان المحرم في النسب ، كما وقع فيه جملة من الأعاظم وارتطم عليهم الأمر حتى وقع منهم تحريم جملة مما أحله الله غفلة عن حقيقة الحال.

بل لا يحتاج الى ما في التذكرة من استثناء أربع صور من ضابط‌ « يحرم من الرضاع » الى آخره ، حيث قال : « يحرم في النسب أربع نسوة قد يحرمن في الرضاع وقد لا يحرمن : الأولى أم الأخ في النسب حرام ، لأنها إما أم أو زوجة أب ، وأما في الرضاع فان كانت كذلك حرمت أيضا ، وإن لم تكن كذلك لم تحرم ، كما لو أرضعت أجنبية أخاك أو أختك لم تحرم. الثانية أم ولد الولد حرام ، لأنها‌

٣١٢

إما بنته أو زوجة ابنه ، وفي الرضاع قد لا تكون إحداهما ، مثل أن ترضع الأجنبية ابن الابن ، فإنها أم ولد الولد ، وليست حراما. الثالثة جدة الولد في النسب حرام ، لأنها إما أمك أو أم ، زوجتك ، وفي الرضاع قد لا تكون كذلك كما إذا أرضعت أجنبية ولدك ، فأن أمها جدته وليست بأمك ولا أم زوجتك. الرابعة أخت ولدك في النسب حرام عليك ، لأنها إما بنتك أو ربيبتك ، وإذا أرضعت أجنبية ولدك فبنتها أخت وليست ببنت ولا ربيبة ». ضرورة عدم كون شي‌ء منها عنوانا للمحرم في الشرع ، بل موضوع المحرم في الأولى من النسب الأم ومنكوحة الأب ، ومثلهما في الرضاع حرام أيضا لا أم الأخ كي يحتاج الى استثناء فرد من نظيره في الرضاع. وفي الثانية البنت وحليلة الابن ومثلهما من الرضاع كذلك لا أم ولد الولد كي يحتاج الى ما ذكر. وفي الثالثة الأم وأم الامرأة ، ومثلهما في الرضاع ثابت لا جدة الولد.

وفي الرابعة البنت والربيبة ، ومثلهما في الرضاع ثابت لا أخت الولد الذي هو لفظ منتزع للقدر المشترك ، إلا أنه اتفق انحصار أفراده في النسب في المحرم بخلافه في الرضاع ، وليس هو مما جعله الشارع عنوانا للمحرم ، اللهم إلا أن يريد العلامة بهذا الاستثناء الذي هو في الأصل لبعض العامة اختصاص خروج الرضاع عن النسب حتى في ألفاظ لوازم النسب الاتفاقية في هذه الألفاظ الأربعة ، بمعنى أنه ليس هناك لفظ ولو للازم النسب ينفرد به عن نظير له في الرضاع إلا هذه الألفاظ ، لكن ذلك على فرض تماميته ليس له كثير فائدة.

وكيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا ما أطنب به القائلون بعموم المنزلة ، خصوصا جدي الفاضل المتبحر الآخوند الملإ أبو الحسن الشريف في رسالته الرضاعية ، بل ويظهر لك أيضا جملة مما ذكره السيد الداماد في رسالته التي عملها في هذه المسألة ، وتسمع إن شاء الله زيادة تحقيق لذلك.

٣١٣

كما أنه قد ظهر لك الوجه في‌

المسألة ( الثانية )

وهي كل من ينسب الى الفحل من الأولاد ولادة ورضاعا يحرمون على هذا المرتضع ، لأنهم إخوة من الأب والأم أو من الأب ، والأخوات من عنوان المحرم بالنسب فيحرم مثله في الرضاع ، وكذا كل من ينسب إلى المرضعة بالبنوة ولادة لكونهم إخوة من الأم ، فيحرمون وبينهم وإن نزلوا عليه ولا يحرم عليه من ينسب إليها بالبنوة رضاعا من غير لبن فحله وإن كان هو أخا من أم ، لما عرفت من صراحة النصوص (١) في اعتبار اتحاد الفحل في الحرمة ، فيختص هذا الفرد بالخروج من عموم‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « يحرم » الى آخره ، خلافا للطبرسي كما تقدم الكلام فيه مفصلا ، وهل يحرم عليه نسل الإخوة من الام نسبا ورضاعا بمعنى المرتضع بلبن الأخ من الأم؟ الظاهر ذلك ، لعموم الخبر واختصاص الاشتراط في المرتضعين من امرأة واحدة كما سمعت البحث فيه مفصلا ، والله العالم.

المسألة ( الثالثة )

لا ينكح أب المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة ولا رضاعا ولا في أولاد زوجته المرضعة ولادة لا رضاعا لأنهم صاروا في حكم ولده كما في النص (٣) وفاقا للشيخ في غير المبسوط وابني حمزة وإدريس ، بل نسبه بعضهم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع.

٣١٤

إلى الشهرة ، بل ربما ادعي الإجماع عليه ، للمعتبرة المستفيضة كصحيح ابن مهزيار (١) قال : « سأل عيسى بن جعفر بن عيسى أبا جعفر الثاني عليه‌السلام إن امرأة أرضعت لي صبيا ، فهل يحل لي أن أتزوج ابنة زوجها؟ فقال لي : ما أجود ما سألت ، من ها هنا يؤتى أن يقول الناس حرمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل ، هذا هو لبن الفحل لا غير ، فقلت له : إن الجارية ليست ابنة المرأة التي أرضعت لي هي ابنة غيرها ، فقال : لو كن عشر متفرقات ما حل لك منهن شي‌ء ، وكن في موضع بناتك » وصحيح الحميري (٢) قال : « كتبت الى أبى محمد بن الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام امرأة أرضعت ولدا لرجل هل يحل لذلك الرجل أن يتزوج ابنة هذه المرضعة أم لا؟ فوقع عليه‌السلام لا تحل له » وصحيح أيوب بن نوح (٣) قال : « كتب علي بن شعيب الى أبى الحسن عليه‌السلام امرأة أرضعت بعض ولدي أيجوز لي أن أتزوج بعض ولدها؟ فكتب عليه‌السلام لا يجوز ذلك ، لأن ولدها صار بمنزلة ولدك » والمناقشة ـ بأن ولدها وولد الفحل لم يكونوا بالرضاع إلا أخوة ولده ، وهم غير محرمى النسب ، ضرورة اشتراك ذلك بينه وبين الربائب المتوقف حرمتهم على الدخول بأمهم وليس ، وقد عرفت أن الرضاع إنما يحرم ما يحرم بالنسب خاصة ، لا الأعم منه ومن المصاهرة المتوقف تحريمها في النسب على سبب آخر وهو النكاح فضلا عن الرضاع ـ كأنها من الاجتهاد في مقابلة النص ، فما عساه يظهر من المبسوط والقاضي بل وابن فهد من الحل في الجميع في غير محله.

ومن الغريب ما عن الآبي من الحل ، وأنه المشهور ، لكن المحكي من عبارته أنه قال : « لا شبهة أن أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعا لا تحرم على أبي المرتضع ، لقولهم عليهم‌السلام : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » وهذا لا يحرم في النسب فلا يحرم في الرضاع ، لكن ذهب الشيخ في الخلاف والنهاية إلى تحريم ذلك تمسكا برواية علي بن مهزيار ورواية أيوب بن نوح ، وما أعرف في هذه المسألة مخالفا ، فهي مشهورة بين الأصحاب ، وعليها العمل » ويمكن أن يريد بنفي الشبهة عن اقتضاء‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١.

٣١٥

القواعد ذلك وإن خرجنا عنها بالنصوص ، كما عساه يشهد له التعبير بالأشبه المعروف إرادة ما ذكرناه منه في نسخة قديمة ، وحينئذ فيكون عدم معرفته الخلاف بالنسبة إلى التحريم الذي نقله عن الشيخ وأتباعه ، لا كما توهمه بعضهم منه من العكس ، وأن المراد نفي معرفته من غير الشيخ وأتباعه ، فان أستاده المحقق وقبله ابن إدريس مصرحان بالحرمة ، فالمسألة حينئذ لا ريب فيها ، وكان الوجه في تخصيص ولد المرضعة بالنسبي دون الفحل عدم حرمة الرضاعي منها على ولده الذي هو المنشأ في التحريم عليه ، لما عرفت من اعتبار اتحاد الفحل بخلاف صاحب اللبن ، فان جميع أولاده يحرمون على المرتضع نسبا ورضاعا كما تقدم ، مضافا الى ما أشار إليه خبر عيسى من أن المنشأ في التحريم لبن الفحل الذي هو مشترك بين الرضاعي والنسبي ، بل قد لا يشرب النسبي منه ، فلا إشكال في الحكم حينئذ.

ومن الغريب تردد بعض متأخري المتأخرين في أصل الحرمة ، بعد ما سمعت من النصوص المعتبرة المعتضدة بالعمل والاحتياط ، وأصالة الحرمة في وجه ، السالمة عن معارضة ما عدا الأصل المقطوع بعد تسليمه وما عدا ما يفهم من نصوص الرضاع من كون عنوان المحرم منه ما يحرم من النسب ، والفرض عدمه في المقام كما عرفت الذي يمكن منع دلالتها على الحصر في ذلك. فلا تنافي حينئذ بينها وبين أدلة المقام ، ومع التسليم ـ بل لعله الظاهر المنساق منها ، خصوصا بعد ذكرها في مقام التحديد والبيان ـ يجب تخصيصها بما هنا ، كما هو مقتضى القواعد ، لا حملها على الكراهة البعيدة عن سياقها ، خصوصا خبر ابن مهزيار منها.

وإنما الكلام في أنه هل ينكح أولاده الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن في أولاد هذه المرضعة وأولاد فحلها؟ قيل والقائل الشيخ في الخلاف والنهاية : لا يجوز ، بل عن الأول منهما الإجماع عليه ، لاستلزام صيرورتهم أولادا لأبيهم الأخوة بينهم ، بل الحرمة بينهم من مقتضى حكم إطلاق المنزلة. ولكن مع ذلك الوجه الجواز وفاقا للمحكي عن الأكثر ، للأصل بعد منع الإجماع المزبور ، بل المحكي عنه نفسه في المبسوط الحكم بالجواز ، ومن هنا‌

٣١٦

احتمل في إجماعه أنه على التحريم على الأب أو على المنزلة في الجملة ، بل قيل : إنه لا خلاف في الجواز ، لرجوعه عن الحرمة فيهما إلى الجواز في المبسوط المتأخر عنهما ، كما أن المحكي عن الشهيد في بعض تحقيقاته من الحرمة أما أنا لم نتحققه قد رجع عنه في اللمعة التي هي آخر ما صنف ، فقطع بالجواز ، ومنع استلزام التنزيل المزبور ذلك ، ضرورة إمكان كون المراد منه ذلك بالنسبة إلى التحريم على الأب ، بل لعله المنساق منه ، خصوصا خبر ابن مهزيار منها ، بل المنساق من كل علة لحكم أنها علة للحكم الذي سيقت له ، على أن منصوص العلة بناء على حجيته في غير محل العلة يراد منه تسرية الحكم في كل موضوع وجدت فيه العلة ، نحو « حرمت الخمر لإسكاره » المقتضي لحرمة كل مسكر ، ومقتضى ذلك الحرمة في كلما صاروا في حكم ولده ، لا الحرمة بالنسبة إلى أولاده ، ضرورة عدم كون ذلك من مفاد العلة ، بل هو قسم من مستنبط العلة بتقريب أنهم إذا صاروا بحكم ولده استلزم ذلك صيرورة ولده إخوة لهم ، فيحرم نكاحهم فيهم.

بل تعدى بعض هؤلاء المتوهمين ، وقال : إن ولد الفحل والمرضعة ما حرموا على أبى المرتضع إلا لصيرورتهم إخوة ولده ، وهم في النسب منحصرون في الأولاد والربائب ، فيحرمون في الرضاع ، ومقتضى ذلك التحريم بالرضاع لكل امرأة صارت بمنزلة امرأة محرمة نسبا أو مصاهرة وإن لم يوجد سببها ، فتحرم أم المرضعة على أب المرتضع ، لصيرورتها بمنزلة أم الزوجة باعتبار كونها جدة ولده ، بل ربما صرح بعض هؤلاء بحرمة أختها عليه ، وحينئذ فإذا أرضعت ولده أخت زوجته حرمت امرأته عليه ، بل صرح بعض هؤلاء في رسالته بنشر الحرمة أيضا من الفحل ، وأولاده في آباء المرتضع وأولادهم إذ كما حرم على أبى المرتضع لكونهم بمنزلة ولده باعتبار إخوتهم لولده كذلك بالنسبة إلى الفحل وأولاده ، ضرورة صيرورة المرتضع ولدا له بالرضاع ، فيكون إخوته بمنزلة الولد له على حسب ما سمعته في أب المرتضع ، فيحرمون عليه ، وهكذا بالنسبة إلى جداته من طرف الأب والأم على حسب العموم في أب المرتضع.

٣١٧

وبالجملة متى ارتضع المرتضعان من امرأة واحدة ولبن فحل واحد انعقدت الأخوة بينهما وبين إخوة كل منهما ، وانتشرت الحرمة فيهم وفي الآباء النسبيين والرضاعيين ، من غير فرق بين المصاهرة والنسب.

بل وقفت على بعض الرسائل المعمولة في هذه المسألة ، فرأيت فيها أمورا عجيبة وأشياء غريبة يقطع من له أدنى نظر بخروجها عن المذهب أو الدين ، حتى التزم فيها حرمة كل امرأة أرضعت أولاد بعض المحرمات نسبا أو رضاعا ، لصيرورتها بالرضاع بمنزلة تلك المحرمات ، فمرضعة ابن العمة عمة وابن الخالة خالة وهكذا ، بل مقتضى ما ذكروه في رسائلهم حرمة بنات عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جميعهن بسبب رضاعه مع عمه حمزة عند امرأة واحدة بلبن فحل واحد ، فإنه بذلك صار أخا له ، واستلزم ذلك أخوه النبي لجميع إخوة حمزة ، فلا يجوز له نكاح أحد من بنات عمه ، وهو مخالف لصريح قوله تعالى (١) : « ( إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ ) ـ إلى قوله ـ ( وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمّاتِكَ ) » ولمفاخرة الصادق أو الباقر عليهما‌السلام مع الرشيد في تزويج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه لو خطب منه كريمته (٢) وهي مشهورة معروفة ، بل مخالف لصريح‌ موثق يونس بن يعقوب (٣) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة أرضعتني وأرضعت صبيا معى ولذلك الصبي أخ من أبيه وأمه فيحل لي أن أتزوج ابنته؟ قال : لا بأس » بل هو مناف لموثق إسحاق بن عمار (٤) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في رجل تزوج أخت أخيه من الرضاع ، فقال : ما أحب أن أتزوج أخت أخي من الرضاعة » ضرورة ظهورها في الكراهة ، فلا بد من حملها على إرادة الأخت من الرضاعة لأخيه من النسب ، بمعنى أن أخاه النبي قد ارتضع من امرأة ، ولها بنت من أبيه الرضاعي أو من غيره ، فإنه يحل لأخيه النسبي نكاح هذه البنت وإن كانت أختا لأخيه ومحرمة‌

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٣٣ ـ الآية ٥٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالنسب الحديث ٣ وفيه أن موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال للرشيد ، ولا يخفى أن الصادقين عليهما‌السلام لم يكونا في عهد الرشيد.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالنسب الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالنسب الحديث ٢.

٣١٨

عليه ، لكن لا يحرم مثله من النسب ، فبالرضاع أولى ، أو أن المراد لو ارتضع صبي معي من لبني فصار أخي من الرضاعة وله أخت من النسب ، فإنه يحل لي أن أتزوجها على كراهة لما عرفت ، لا أن المراد الأعم من ذلك ومن الأخت التي ارتضعت بلبني مثلا مع أخي ، فإنها حرام لكونها أختا من الرضاعة ، لا أخت أخ ، إذ المراد بها كل من ارتضع بلبنك سواء كانت معك أو لا.

فمن الغريب ما وقع لجدي في رسالته من الاستدلال بهذا الموثق على التحريم مدعيا أنه المراد من قوله عليه‌السلام « ما أحب » وإلا لزم حلية خلاف المعلوم مما عرفت ، فيحمل على العموم ، وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما عرفت ، ومن الغريب حمله الموثق الأول في رسالته أيضا على التقية أو على عدم اتحاد الفحل ، فإنه لم نعرف الداعي الى هذا الحمل.

وأغرب من ذلك دعوى هؤلاء أن الأصحاب جميعهم على هذا التعميم ، مع أنا لم نقف لهم على شي‌ء من ذلك سوى ما عرفته من حرمة نكاح أبي المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعا وفي أولاد المرضعة ولادة لظاهر النصوص السابقة ، مع أن جماعة حملوها على الكراهة ونفوا التحريم اقتصارا على اختصاص حرمة الرضاع بما يحرم من النسب ، وهو جيد لو لا النصوص المزبورة التي لا يخفى ظهور‌ قوله عليه‌السلام في خبر ابن مهزيار (١) : « هذا هو لبن الفحل لا غير » وقوله عليه‌السلام : « حرمت عليه من قبل لبن الفحل » في اختصاصها بالاستثناء ، وأنها من المسائل التي يصاب الناس فيها ، أي العامة ، حيث اقتصروا في التحريم على ما يحرم من النسب ، وليس هذه المسألة منه ، كما هو واضح بأدنى تدبر للخبر المزبور ، أو يراد مطلق الناس على معنى أنه يتأتى قول الناس أي يصح ، لأن هذا لبن الفحل ، أو غير ذلك مما هو مذكور في الوافي وغيره.

بل المتجه بناء على ما ذكرناه الاقتصار على مفادها ومفاد الفتاوى ، فلا يتعدى الى أمهات الفحل ، ولا إلى أخواته وغيرها ، وكذا المرضعة ، بل لا يبعد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١٠.

٣١٩

جواز نكاح أم المرتضع في أولاد صاحب اللبن في أولاد المرضعة ، لأن صيرورتهم بحكم الأولاد لأبي المرتضع لا يقتضي ذلك بالنسبة إلى أم المرتضع إلا بالقياس الممنوع عندنا ، نعم لا يبعد إرادة الأب وإن علا للمرتضع مع احتمال الاقتصار ، كما لا يبعد إلحاق الأب الرضاعي للنسبي في الحرمة.

وسوى ما عن الخلاف والنهاية والوسيلة من حرمة أولاده في أولاد الفحل والمرضعة ، للتعليل بأن أولادهما بحكم أولاده ، وهو يقتضي كونهم بمنزلة الإخوة للمرتضع لأبيه ، وهو ممنوع ، فان الربيبة بمنزلة الولد في الحرمة على الأب ، ولا تحرم على أولاده من غير تلك الامرأة ، والتعليل للحرمة فيما سيق له من الحرمة على الأب كما عرفت الكلام فيه مفصلا :

وسوى ما عن الشيخ في الخلاف والنهاية من حرمة نكاح الفحل في إخوة المرتضع ، بل عن ابن إدريس موافقته على ذلك ، مع شدة منافاة المحكي عنه في غير ذلك للتعميم المزبور ، بل قال : « إنه هو الذي يقتضيه مذهبنا لأنه لا يجوز في النسب أن يتزوج الرجل بأخت ابنه ولا بأم امرأته فكذا في الرضاع » بل ظاهر المحقق الثاني في الرسالة الموافقة على ذلك مع شدة إنكاره على هذا التعميم ، لكن قال هنا : « الظاهر عدم الفرق بين بنات الفحل بالنسبة الى أبي المرتضع وأخوات المرتضع بالنسبة إلى الفحل نظرا إلى العلة المذكورة في الحديثين ، فان كانا حجة وجب التمسك بمقتضى العلة المنصوصة ، وإلا انتفى التحريم في المقامين » وفيه أن ذلك ليس من مقتضى العلة وإنما هو نظيرها ، ضرورة اقتضائها صيرورة أولاد الفحل والمرضعة أولادا لأبي المرتضع ، لا الأعم من ذلك ومن العكس ، على أن أخت الولد ليس من عنوان النسب ، لأن حرمتها لكونها بنتا أو ربيبة دخل بأمها ، والرضاع لا يؤثر مصاهرة ، وخروج ذلك عن القاعدة بالنسبة الى أبى المرتضع لا يقتضي الخروج بالنسبة إلى الفحل ، فمن الغريب ما وقع للمحقق الثاني من الحكم هنا بالتحريم لما عرفت ، مع نهاية محافظته عن الوقوع في القياس ، حتى أنه أنكر على العلامة‌

٣٢٠