جواهر الكلام - ج ٢٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

إذا مات أحد المعقود عليهما بعد إجازته وقبل إجازة الآخر ، سواء قلنا : إن الإجازة جزء السبب أو كاشفة عن سبق النكاح من حين العقد ، أما على الأول فظاهر ، لأن موت أحد المتعاقدين قبل تمام السبب مبطل ، كما لو مات أحدهما قبل تمام القبول ، وأما على الثاني فلأن الإجازة وحدها لا تكفي في ثبوت هذا العقد ، بل لا بد معها من اليمين ، وقد حصل الموت قبل تمام السبب ، خرج منه ما ورد فيه النص وهو العقد على الصغيرين ، فيبقى الباقي ، ولأن الإرث لا يثبت باليمين كما في جامع المقاصد ، وفيه ـ مضافا إلى كون معية اليمين إنما هو بعد الموت لا قبله ـ أن اليمين لا مدخلية له في الثبوت واقعا ، ولا في الإرث ، وإنما هو كاشف عن إثبات الإجازة ، وعن صدق المجيز في إخباره عن رضاه الباطن بالعقد ، لا أنه أظهر الرضا للرغبة في الميراث ، وأيضا هو كالإجازة في الكشف ، لا أنه من تمام السبب الناقل كي يقال بالبطلان لحصول الموت قبله ، على أن المتجه بناء على عدم اعتبار بقاء المعقود عليه على صفة القابلية في صحة الإجازة الصحة من غير حاجة إلى اليمين ، ضرورة تمامية العقد حينئذ بدونه لا بطلان العقد ، بل وكذا لو قلنا باعتبار اليمين لنفي التهمة الذي لا مدخلية له في العقد ، كما هو واضح ، وما كنا لنؤثر أن يقع مثل ذلك عن مثلهما ، نعم يقوى في النظر اعتبار بقاء قابلية المعقود عليه لتأثير العقد فيه ، كما عن الفخر التصريح به في شرح الإرشاد ، خصوصا بناء على ما ذكر في الكشف في بحث الفضولي من احتمال أن الإجازة لها مدخلية في التأثير وإن كان هو واضح الفساد ، كما ذكرناه في محله. وحينئذ فيكون ما في النص مخالفا للقواعد ، يقتصر عليه ، لا يتعدى منه إلا لما علم أولويته أو مساواته له.

وأغرب مما سمعت ما وقع من ثانيهما من احتمال الصحة في الفرض باعتبار الأولوية من المنصوص بأن يقال : إن عقد الفضولي إذا كان له مجيز في الحال فلا إشكال في صحته عند القائل بصحته ، وإن لم يكن له مجيز في الحال فهو محل إشكال ، وعقد الكبيرين فضولا من القسم الأول دون عقد الصغيرين ، فإذا ثبت الحكم في الأضعف ثبت في الأقوى بطريق أولى ، وهذا متجه لم ينبه عليه أحد.

٢٢١

قلت : لا يخفى عليك ما فيه ، أما أولا فلأن العقد على الصغيرين قد يكون من القسم الأول ، كما إذا كان لهما ولي نكاح لكن عقد عليهما الفضولي ، بل قد يقال إنهما لا يخلوان من المجيز في الحال ، بناء على عموم ولاية الحاكم لمثل ذلك ، ولعل مراده أن عقد الصغيرين فضولا قد لا يكون له مجيز في الحال بناء على المشهور وحينئذ فلا إيراد عليه من هذه الجهة ، وثانيا أن الاشكال في الصحة وعدمها لا مدخلية له في الأولوية التي تكون سببا لإثبات حكم شرعي.

ومن ذلك يعلم الحال فيما ذكره فيها أيضا تبعا لغيره ، من أنه لو تغير مورد النص بكون العاقد على الصغيرين أحدهما الولي والآخر فضولي فمات من عقد له الولي أولا قبل بلوغ الآخر اطرد الحكم ، لأن الجائز من الطرفين أضعف حكما من اللازم من أحدهما ، فإذا ثبت الحكم في الأضعف ثبت في الأقوى بطريق أولى ، وبذلك يخرج عن القياس الممنوع.

وكذا ما ذكره أيضا فيها فيما لو كانا بالغين وأوقعه أحدهما عن نفسه والفضولي عن الآخر ، أو كان أحدهما بالغا والآخر صغيرا ، فأوقع له الولي أنه وإن كان أبعد من جهة الخروج عن المنصوص في كونهما معا صغيرين ، لكن ذلك منجبر بالأولوية المزبورة ويظهر منهم الجزم بالحكم في هذا أيضا ، وهو متجه إذ الجميع كما ترى غير خارج عن القياس الممنوع ما لم يصل ذلك الى حد القطع بأولوية الحكم هنا من مورد النص أو مساواته.

وأغرب من ذلك ما فيها أيضا من أن الأقوى اعتبار اليمين وإن لم تحصل التهمة التي هي ليس علة تامة في اعتباره ، بل هي حكمة لا يجب اطرادها وحينئذ فلا يستحق شيئا في أعيان التركة بدونه وإن كان ما يعترف به في ذمته أو في عين من الأعيان من المهر أضعاف ما يدعيه ، ولا بعد في توقف ملكه لنصيبه من عين التركة عليه ، لأن ذلك أمر آخر ، وحق خارج لا ملازمة بينه وبين ما يقربه ، إذ لا يخفى أن لفظ النص في الامرأة ، وألحقنا الرجل بها إلحاقا ، واليمين إنما يراد مع عدم علمه بصدق المخبر ، أما لو علم ولو بقرائن قطعية فلا فائدة في اليمين.

٢٢٢

المسألة ( التاسعة )

إذا أذن المولى لعبده مثلا في إيقاع عقد النكاح له صح وإن لم يعين له امرأة ولا مهرا بلا خلاف أجده فيه ، كما عن بعضهم الاعتراف به ، فيجوز له حينئذ تزويج الأمة والحرة الشريفة والوضيعة من أهل البلد أو خارجه ، نعم ليس له الخروج إليها إلا بإذن السيد ، ولا يشكل ذلك بتفاوت المهر تفاوتا فاحشا ، فلا يكفي الإطلاق في التزامه لاندفاعه بإقدامه عليه بإطلاق الإذن له ، على أنه إذا أطلق اقتضى الإطلاق الاقتصار على مهر المثل نحو الإطلاق في البيع والشراء ونحوهما وما يقال : إن مهر المثل متفاوت أيضا بتفاوت ذوات الأمثال تفاوتا فاحشا يدفعه ـ مضافا الى إقدامه على ذلك ـ إمكان دعوى تنزيل الإطلاق على اللائقة بحاله وحال مولاه ، وحينئذ فلو تزوج من لا يليق مثلها به أو من لا يليق مهر مثلها بالمولى فاما أن يقف النكاح على الاذن ، أو يصح ويكون الزائد من مهرها على ما يليق بالمولى على العبد ، يتبع به بعد العتق ، ولعل الأقوى الوقوف في التي لا تليق بحاله ، بخلاف من لا يليق مهر مثلها بالمولى ، فيصح النكاح على الوجه الذي عرفت ، نعم قد يقال بتسلط الامرأة على الخيار في العقد مع الجهل بالحال ، كما ستعرفه في نظائره مع أن الأقوى عدمه.

وعلى كل حال فان زاد العبد على مهر المثل مع الإطلاق كان الزائد في ذمته يتبع به إذا تحرر وإن قلنا بوقف العقد في الشراء بأزيد من ثمن المثل ، للفرق بينه وبين المقام بتوقف صحته على الثمن بخلاف النكاح ، فإنه لا يتوقف على المهر ، نعم قد يناقش بأن العبد إن كان أهلا لأن يثبت شي‌ء من المهر في ذمته فليثبت جميعه ، وبأن المرأة إذا لم تكن عالمة بالحال قد أقدمت على مهر يثبت في ذمة المولى معجلا ولم يحصل ، وقد يدفع بأنه أهل هنا للزائد على ما استحقه على المولى بالإذن كما ستعرف ، ويمنع كون نكاح العبد مطلقا يوجب كون المهر‌

٢٢٣

معجلا في ذمة المولى أو غيره ، بل قد يكون كذلك ، وقد لا يكون كذلك ، فالتقصير منها حيث إنها أقدمت جاهلة بالحكم الشرعي ، لكن قد يناقش فيه بأنه مع عدم مدخلية ذلك بعض الصور لا مؤاخذة عليها في الجهل بحكم المعاملة ، وقد تدفع بأنه وإن كان لا مؤاخذة عليها شرعا بذلك ، لكن ما وقعت فيه إنما هو بجهلها وعدم سؤالها ، خصوصا بعد معلومية مملوكية العبد لغيره ، وأنه كل عليه فلا خيار لها حينئذ نعم لو دلس نفسه فتزوجته على أنه حر فبان أنه مملوك كان لها الخيار نصا وفتوى ، هذا كله مع الإطلاق.

أما لو عين له الزوجة والمهر فلا ريب في نفوذه مع عدم التخطي عما عين له ، فان تخطى في الزوجة خاصة أو فيها وفي المهر كان موقوفا على إذن جديدة من المولى وإن كانت مساوية للمعينة.

وكذا لو عين له نوع النكاح فتخطى الى غيره ، ولو أطلق فلا إشكال في الدائم ، ويقوى الدخول المنقطع أيضا.

ولو كان في المهر خاصة اتبع بالزائد بعد العتق نحو ما سمعته في الزائد على مهر المثل ، ونحو ما لو عين له المهر وأطلق له الزوجة ، فإنهم صرحوا من غير خلاف فيه يعرف بينهم بأنه يتبع بالزائد بعد العتق وإن كانت الزيادة مع المعين لا تتجاوز مهر المثل ، وفي خيار المرأة ما عرفت.

ولو كان المهر المعين أكثر من مهر مثل التي عقد عليها ففي لزوم العقد والمسمى نظرا الى كونه مأذونا ، أو تعلق الزائد بذمته يتبع به بعد العتق كما لو زاد في المطلق ، ولانسياق إرادة الاذن بذلك لمن يكون مهر مثلها ذلك ، وجهان : عن التذكرة الأول ويقوى في النظر الثاني ، فيثبت حينئذ الزائد عن مهر المثل في ذمته بعد العتق ، مثل ما لو عين له الزوجة وأطلق له المهر فتخطى عن مهر المثل ، فإن الزائد عليه حينئذ في ذمته يتبع به بعد العتق ، ومن ذلك يظهر لك ما في الحدائق من أنه لو عين له المهر والزوجة فتعدي فيهما أو في أحدهما كان فضولا ، ولعله‌

٢٢٤

توهمه من بعض نسخ المسالك أو مما في جامع المقاصد ، قال : « إن المناسب للقواعد أي مع الزيادة على مهر المثل أو المعين ، إما القول بوقف النكاح أو الصداق على إجازة المولى ، فإذا فسخ الصداق ثبت مهر المثل بالدخول ، وتتخير المرأة » وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه ، والأمر في ذلك كله سهل.

إنما الكلام في أنه يكون مهر المثل المأذون له في الإطلاق والمعين على مولاه وفي ذمته ، كما هو المشهور على ما في المسالك ، أو يكون في ذمة العبد يؤديه مما يتجدد من كسبه إن كان مكتسبا ، قيل أو مما في يده إن كان مأذونا في التجارة ، وإلا بقي في ذمته ، فيقال لزوجته إن زوجك معسر بالمهر فإن صبرت وإلا فلك خيار الفسخ ، وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله وقيل والقائل الشيخ وابنا البراج وسعيد على ما يحكى عنهم في كسبه بل في كشف اللثام « هو عندي أقوى ، لأن الأصل براءة ذمة المولى ، والاذن في النكاح لا يستلزم تعليق لازمه في الذمة ، وإنما يستلزم الاذن في لازمه ، وهو الكسب للمهر والنفقة ، وأيضا فغاية العبد المكتسب إذا أذن له في النكاح أن يصير في المهر والنفقة بمنزلة الحر المكتسب ، وأما المأذون في التجارة فإذنه فيها كأنه يتضمن الاذن في أداء المهر مما في يده ، والتعويض عنه بكسبه » انتهى. وفي الروضة « يجب حينئذ على المولى تخلية العبد للتكسب نهارا وللاستمتاع ليلا ، إلا أن يختار الإنفاق عليه وعلى زوجته من ماله ، فله استخدامه بشرط أن لا تزيد أجرة الخدمة على النفقة المبذولة ، وإلا كان الزائد مصروفا في المهر ، فيجب على المولى بذل الزائد أو تخليته ليصرف الكسب فيهما حيث يفضل » وهو جيد إلا أنه ينبغي تقييد الاستمتاع بالواجب عليه ، أما غيره فلا يعارض وجوب طاعة السيد التي لا ينافيها الاذن له في ذلك ، نعم لا يجب على الأمة المأذونة الطاعة مع معارضة استمتاع الزوج ، للفرق الواضح بينها وبين العبد بوجوب ذلك عليه ، بخلاف العبد.

وعلى كل حال فإنما يتعلق بكسبه الحاصل بعد العقد ، والنفقة بكسبه الحاصل بعد وجوب الإنفاق المشروط بالتمكين ، فما كان بيده من كسب قبل ذلك فهو للسيد ،

٢٢٥

والمهر المؤجل يتعلق بالكسب عند حلول أجله فإن فضل من السابق عن النفقة شي‌ء فهو للمولى ، لأن الاكتساب تابع لوجوب الحق.

وكيف كان فلا ريب أن الأول أظهر ضرورة عدم ذمة للعبد صالحة للاشتغال ، وإلا لكان المهر جميعه فيها ولم يقل به أحد ، كما أنه ليس في الاذن ما يقتضي اختصاص ذلك بخصوص الكسب من أموال السيد ، فالمتجه تنزيل ذلك منزلة الاستدانة والشراء المأذون فيهما من السيد وإن انتفع العبد بهما ، بل ربما ظهر من‌ خبر علي بن حمزة (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام المفروغية من ذلك « في رجل زوج مملوكا له من امرأة حرة على مأة درهم ثم إنه باعه قبل أن يدخل عليها ، قال : يعطيه سيده من ثمنه نصف ما فرض لها ، إنما هو بمنزلة دين استدانه بإذن سيده » بل يمكن دعوى معلومية ذلك من الأصحاب أيضا ، فإنهم في غير المقام لا إشكال عندهم في التزام السيد بكل ما يأذن به لعبده من التصرفات التي تستتبع مالا ، اللهم إلا أن يفرق بين النكاح وغيره بأن المعوض في الشراء والذين ونحوهما يدخل في ملك السيد ، لعدم ملكية العبد ، فلا بد من ثبوت العوض في ذمته حينئذ ، بخلاف النكاح ، فان البضع يكون للعبد ، وفيه أن المتجه حينئذ كونه في ذمة العبد يتبع به بعد العتق ، ولم يقل به أحد ، نعم قد يقال : إنه في ذمة العبد ، لكونه عوض ما انتقل اليه من البضع ، ولكن يستحق على السيد أداؤه حالا أو عند حلول الأجل ، ولعل هذا هو المراد من قولهم في ذمة السيد إنه في عهدته أداؤه عن العبد ، وإلا فالمهر على الزوج نصا وفتوى ، والله العالم.

وكذا الكلام ( القول خ ل ) في نفقتها خلافا ودليلا ، نعم عن ابن حمزة أنه فصل فيها بين كون العبد مكتسبا ففي كسبه ، أى مع اختياره سيده ، كما حكاه عنه في الإيضاح ، وإلا فعلى سيده ، وإن كان قد يفرق بينهما بأن الأول من المعاوضة التي يعتبر فيها ملك العوض في مقابلة ملك المعوض ، بخلاف النفقة التي هي حكم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ عن على بن أبي حمزة.

٢٢٦

شرعي متعلق بالزوج وإن وجب على السيد أداؤه عنه للاذن ، كما في كفارات الإحرام ، هذا. وفي كشف اللثام عن الشيخ أنه إن لم يكن مكتسبا قيل : إنها تتعلق بذمته فيقال لزوجته : إن زوجك معسر بالنفقة فان اخترت أن تقيمي معه حتى يجد ، وإلا فاذهبي إلى الحاكم ليفسخ النكاح ، وقيل : تتعلق برقبته ، لأن الوطء كالجناية ، واختاره ، وقال : إنه أليق بمذهبنا فان يمكن أن يباع منه كل يوم بقدر ما يجب عليه من النفقة فعل ، وإلا بيع كله في الجناية ، ووقف ثمنه ينفق عليها ، والاعتراض بأنه إذا بيع انتقل الى سيد آخر ، والثمن من مال الأول ، فكيف ينفق منه على زوجته؟ ظاهر الاندفاع بمنع كون الثمن حينئذ من ماله ، وإن سلم فنقول : إنه بالإذن في النكاح ألزم على نفسه الإنفاق على زوجته من ثمنه.

لكن الجميع كما ترى ، خصوصا مع أن النفقة ليست بأولى من المهر في كونه عوض إتلاف ، ولا ريب في أنها على سيده ، لأنها من توابع ما أذن له فيه ، بل ربما ظهر من‌ موثق الساباطي (١) المفروغية منه قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أذن لعبده في تزويج امرأة حرة فتزوجها ، ثم إن العبد أبق فجاءت امرأة العبد تطلب نفقتها من مولى العبد ، فقال : ليس لها على مولاه نفقة ، وقد بانت عصمتها منه ، فإن إباق العبد طلاق امرأته ، هو بمنزلة المرتد عن الإسلام ، قلت : فان هو رجع الى مواليه ترجع إليه امرأته؟ قال : إن كان قد انتقضت عدتها منه ثم تزوجت غيره فلا سبيل له عليها ، وإن كانت لم تتزوج ولم تنقض العدة فهي امرأته على النكاح الأول » بل يمكن دعوى كونه من الواضحات ، فلا يطال في تأييده ، كما أنه لا يخفى عليك جريان نحو ذلك بما لو كانت الأذن للجارية في التزويج في الصور الأربع ، وأنه في أيها يكون العقد فضولا أو لازما ، ويلتزم بمهر المثل.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٢٢٧

المسألة ( العاشرة )

من تحرر بعضه ليس لمولاه إجباره على النكاح لأنه صار شريكا للمولى في الحق المتعلق برقبته ، فليس لأحدهما التصرف إلا بإذن الآخر ، ومنه النكاح ، فليس للمولى إجباره عليه مراعاة لجانب الحرية ، لأن الحر لا يجبر عليه ، والنكاح لا يختص ببعضه ، ولا للعبد الاستقلال به مراعاة لجانب الرقية ، بل يعتبر صدوره عن رأيهما ، وتكون المهر والنفقة حينئذ بالنسبة ، والزيادة هنا عن المعين والمثل يتعلق بجزئه الحر ، وعلى كل حال فلا ريب في عدم جواز استقلال أحدهما به ، ضرورة كونهما كالشريكين اللذين‌ سأل زرارة الصادق عليه‌السلام (١) عنهما قال له « في عبد بين رجلين زوجه أحدهما والآخر لا يعلم ، ثم إنه علم بعد ذلك ، إله أن يفرق بينهما؟ قال : للذي لم يعلم ولم يأذن أن يفرق بينهما ، وإن شاء تركه على نكاحه » وسأل علي بن جعفر (٢) أخاه عليه‌السلام أيضا « عن مملوكة بين رجلين زوجها أحدهما والآخر غائب ، هل يجوز النكاح؟ قال : إذا كره الغائب لم يجز النكاح » بل لعل إطلاق المتن وغيره يقتضي عدم جواز الاستقلال ولو في أيام المهاياة ، والله العالم.

المسألة ( الحادية عشر )

إذا كانت الأمة لمولى عليه كان نكاحها بيد وليه الذي له الولاية على سيدها وحينئذ فإذا زوجها لزم وليس للمولى عليه مع زوال الولاية فسخه بعد فرض مراعاة الولي ما يعتبر في جواز تصرفه من الغبطة أو عدم المفسدة ، ضرورة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ عن عبيد بن زرارة.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٢٢٨

كونه كباقي التصرفات فيما له الذي ليس له الاعتراض عليه فيه ، من غير فرق في المالك المولى عليه بين كونه ذكرا وأنثى ، بل في المسالك نبه بذلك على خلاف بعض العامة ، حيث منع من تزويج ، أمة المولى عليه مطلقا ، لأنه ينقص قيمتها ، وقد تحبل فتهلك ، ومنهم من شرط في جواز تزويج الولي كون المولى عليه ممن يجوز له مباشرة التزويج ، والكل عندنا ساقط ، والفرق بين التصرفين ظاهر ، واشتراط التصرف بالمصلحة يرفع احتمال النقص.

قلت : بل الظاهر عدم اعتبار كون الولي ممن يجوز له تزويج المولى عليه ، فالحاكم والوصي لهما تزويج مماليك الصغار وإن لم يكن لهما ، تزويجهما ، لما عرفت من أن ذلك من ولاية التصرف في المال التي هي لهما ، بخلاف نكاحهما.

وكيف كان ف يستحب للمرأة أن تستأذن أباها في العقد بكرا كانت أو ثيبا وإن تأكد في الأولى ، بل قد عرفت اعتبار إذنه فيهما من جماعة وإن كان الأقوى خلافه كما تقدم ، والاستحباب المزبور مبني عليه ، ولذا استدل عليه في المسالك ، مضافا الى غلبة كونه أعرف بالأنسب من الرجال وأعرف بالأحوال فيها ، بل في استبدادها من الغضاضة عليه ما لا يخفى ، بل ربما أدى إلى عدم الاهتمام منه بما يهمها في جميع ما يعرض لها من الأمور التي يتكلف بها الولي بما سبق من الأخبار الكثيرة (١) الدالة على أن المتولي لتزويجها هو الأب المحمولة بعد معارضتها بما عرفت على ما هو أقل مراتبها من الحمل على الاستحباب ، لكن لا يخفى على من تأمل تلك النصوص عدم إفادتها الاستحباب على الوجه المزبور ، ضرورة خلوها منطوقا ومفهوما عن الأمر لها بالاستئذان خصوصا في الثيب ، نعم هي ظاهرة في النهي عن نكاح البكر بدون إذن الأب ، وعن مخالفة أمره ونحو ذلك مما يفيد كراهة الاستبداد لها ، وهو لا يفيد استحباب الاستئذان ، ولعله لذلك ناقشهم في الحدائق فيها وفي المسألة الآتية بعدم الدليل على ما يفيد الاستحباب على الوجه المزبور ، اللهم إلا أن يدعى استفادة ذلك عرفا من أمثال تلك الخطابات ، بل هو‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب عقد النكاح.

٢٢٩

معنى ولايته المجازية المستفادة من النصوص حتى في الثيب التي قد سمعت خبر إسماعيل (١) عن الرضا عليه‌السلام فيها وفي البكر ، مضافا إلى إطلاق ما دل على الولاية المزبورة.

وكذا الكلام فيما ذكره المصنف أيضا من أنه يستحب لها أن توكل أخاها إذا لم يكن لها أب ولا جد ، لأنه من الذي بيده عقدة النكاح فيما سمعته من خبر أبى بصير (٢) المحمول على الولاية المجازية وكذا‌ مرسل الحسن بن علي (٣) عن الرضا عليه‌السلام « الأخ الأكبر بمنزلة الأب » المستفاد منه أيضا ما ذكره المصنف من استحباب أن تعول على الأكبر إذا كانوا أكثر من أخ واحد ، وحينئذ فلو تخير كل واحد من الأكبر والأصغر زوجا تخيرت خيرة الأكبر الذي قد عرفت أنه بمنزلة الأب ، مضافا الى ما تسمعه من الخبر (٤) الآتي قريبا نعم قد تنضم مرجحات خارجية لخيرة الأصغر ، وهو غير ما نحن فيه ، إذ محل البحث الترجيح للأكبر من حيث كونه كذلك مع التساوي في المرجحات الخارجية ، كما هو واضح.

( مسائل ثلاث ) :

( الأولى )

إذا زوجها الأخوان اللذان قد عرفت أنهما أجنبيان عندنا برجلين فان وكلتهما فالعقد للأول ضرورة وقوع الثاني حينئذ على امرأة ذات بعل وحينئذ ف ان كان قد دخلت بمن تزوجها أخيرا جاهلة بعقد الأول فرق بينهما بلا خلاف معتد به أجده فيه ، وإن حكى عن المبسوط أنه قال فيه :

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ١٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٦.

(٤) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٤.

٢٣٠

إن فيه خلافا ، وأنه روى أصحابنا (١) أن العقد له وأن الأحوط الأول ، بل ربما توهمه بعضهم من عبارة الشيخ في النهاية التي تسمعها.

وعلى كل حال فلا إشكال في أنه يفرق بينهما ف ان كان قد حملت منه ألحق الولد به وبها ، للشبهة التي بمنزلة الصحيح ، وألزم مهر مثل ها وأعيدت إلى السابق واستحقت عليه المسمى ، وعن التذكرة احتمال أن لها المسمى على المشتبه أيضا ، لأنه أمهر على ذلك ، ول‌ قول الباقر عليه‌السلام في خبر محمد بن قيس (٢) « إن أمير المؤمنين عليه‌السلام قضى في امرأة أنكحها أخوها رجلا ثم أنكحتها أمها رجلا بعد ذلك فدخل بها ، فاختلفا فيها ، فأقام الأول الشهود ، فألحقها بالأول ، وجعل لها الصداقين جميعا ، ومنع زوجها الذي حقت له أن يدخل بها حتى تضع الولد ، ثم الحق الولد بأبيه ».

ولو كانا عالمين فهما زانيان لا يلحق بهما الولد ولا تستحق عليه مهرا ، ولو كانت هي عالمة خاصة لم تستحق المهر ، ولم يلحق بها الولد ، بل يختص إلحاقه بالأب ، ولو انعكس الأمر لم يلحق به الولد ، واستحق عليه المهر ، كما هو واضح.

ولو علم سبق أحدهما وجهل فان علم تاريخ أحدهما وقلنا بتأخر مجهول التاريخ عن معلومه كانت المرأة لمعلوم التاريخ ، وإلا فالقرعة ، أو فسخ الحاكم النكاح ، أو أجبرهما معا على الطلاق ، ولعل الأوسط أوسط.

وإن اتفقا في حالة واحدة بأن علم ذلك ، أو كان هو مقتضى الأصلين كما لو علم صدورهما وجهل التاريخ قيل والقائل الشيخ في كتابي الأخبار : يقدم عقد الأكبر إلا أن يدخل بها الآخر ، بل اختاره الفاضل في المختلف وابنا سعيد وحمزة ، وإن كان الأخير لم يشترط ، بل ما عن النهاية والقاضي من إطلاق الحكم بعقد أكبرهما إلا مع دخول الآخر إلا مع سبق عقد الأكبر ظاهر في أن المراد اتفاق العقدين أيضا كما فهمه المصنف منه في محكي النكت ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٢.

٢٣١

والأصل في ذلك‌ خبر وليد بياع الاسقاط (١) قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده عن جارية كان لها أخوان زوجها الأكبر بالكوفة وزوجها الأصغر بأرض أخرى ، قال : الأول أحق بها إلا أن يكون الآخر قد دخل بها ، فان دخل بها فهي امرأته ، ونكاحه جائز » المحمول على صورة الاقتران بمقتضى الأصول.

كالمحكي من عبارة النهاية « وإن كان لها أخوان فجعلت الأمر إليها ثم عقد كل واحد منهما عليها لرجل كان الذي عقد عليها أخوها الأكبر أولى من الأخر ، فإن دخل بها الذي عقد عليها أخوها الصغير كان العقد ماضيا ، ولم يكن للأخ الكبير أمر مع الدخول ، وإن كان الكبير قد سبق بالعقد ودخل الذي عقد عليه الأخ الصغير بها فإنها ترد إلى الأول ، وكان لها الصداق بما استحل من فرجها ، وعليها العدة » وحينئذ فيكون هو موافقا للمحكي عنه في كتابي الأخبار من حمل الخبر على ما إذا جعلت الامرأة أمرها إلى أخويها واتفق العقدان في حالة واحدة ، فإنه يكون حينئذ عقد الأكبر أولى ما لم يدخل الذي عقد عليه الأصغر ، وإن زاد الأول بيان حكم سبق الأكبر مع دخول من عقد له الأصغر ، كما أنه زاد في التهذيب التصريح بالاقتران ، ومثل ذلك لا يكون خلافا في المسألة ، وإن أطنب فيه في المسالك ، وجعل ذلك من الشيخ قولين ، وما حكاه المصنف من إطلاق تقديم الأكبر ثالثا ، مع أن المصنف قد بين حكم السابق على وجه لم يظهر فيه خلاف ، فيكون موضوع ما حكاه بلفظ القيل صورة الاقتران مع عدم الدخول ، وقد عرفت أن الشيخ قائل فيها في الكتب الثلاثة بتقديم الأكبر ، بل ينبغي القطع بتنزيه الشيخ عن القول بتقديم عقد الأكبر وإن سبقه عقد الأصغر ، خصوصا بعد تصريحه بتقديم عقد الأصغر مع الدخول وإن لم يعلم سبق عقده للأكبر ، بل ولو علم الاقتران ، ضرورة عدم جدوى الدخول مع فرض تقديم عقد الأكبر وإن كان متأخرا ، لأنه يكون عقد الأصغر لاغيا والدخول لا يصلح لتصحيحه.

وبالجملة ما أطنب فيه في المسالك في تحرير محل النزاع ليس بشي‌ء على‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٤.

٢٣٢

أن المصنف حكى ذلك بلفظ القيل ، ولعله أراد ما في كتابي الأخبار في صورة عدم الدخول ، أو أراد ما في الوسيلة ، قال فيها : « وإن وكلت أخوين لها على الإطلاق وزوجها كل واحد منهما من رجل دفعة صح عقد الأخ الأكبر ، وإن سبق أحدهما صح العقد السابق » وهو صريح فيما حكاه المصنف ، بل يمكن تنزيل كلام الشيخ على ذلك كما عرفت.

وعلى كل حال ف هو أى القول بتقديم عقد الأكبر مع الاتفاق تحكم لعدم المرجح ، والخبر (١) مع فقده شرط الحجية في سنده ولا جابر غير صالح ، على أنه محتمل لكون العقد منهما فضولا ، بل لعل هذا الاحتمال منه أقوى من غيره ، باعتبار خلوه من أمارات التوكيل ، وحينئذ يكون الأول أحق بها ، بمعنى أن الذي ينبغي لها إجازة عقد الأخ الأكبر الذي هو بمنزلة الأب ، فلو فرض أنها دخلت بمن عقد له الأصغر لم يكن حينئذ لعقد الأكبر محل للإجازة ، فينطبق الخبر المزبور على ما ذكره المصنف بقوله وإن لم تكن أذنت لهما أجازت عقد أيهما شاءت سواء تقارنا أو اختلفا والأولى لها إجازة عقد الأكبر الذي هو بمنزلة الأب وبأيهما دخلت قبل الإجازة قولا كان العقد له للاكتفاء بالإجازة الفعلية عن القولية ، لكون المعتبر الرضا ، فكلما دل عليه من قول أو فعل كان كافيا على إشكال لنا فيه قد تقدم في محله ، أو يفرض تقدم قول عادة قبل الدخول ، أو أنها كانت يكفي سكوتها أو غير ذلك ، وبذلك كله ظهر لك الحكم في جميع صور المسألة من غير حاجة الى ما أطنب فيه في المسالك من الإكثار في الصور.

نعم بقي شي‌ء وهو أنه قد يقال على المختار بصحة نكاح الدخول بالامرأة في صورة عدم العلم بتاريخ العقدين لو فرض وقوع المخاصمة بعد الدخول ، لأصالة الصحة في فعل المسلم ، وقوله ، ولأنه قد حكم له بظاهر الشرع بالزوجية ، ولم يعلم فسادها بالاقتران أو السبق ، فهو نحو مدعي الصحة والفساد ، نعم لو كانت المخاصمة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٤.

٢٣٣

بينهما قبل الدخول لم يكن ترجيح لأحدهما على الآخر ، فلا محيص عن الحكم بالبطلان بناء على أن الاقتران مقتضى الأصلين ، وإن لم نقل بذلك أقرع أو يحكم بالخيار للمرأة أو يفسخ الحاكم العقدين أو يجبرهما على الطلاق ، بخلاف المفروض ، بل لا يعتبر في صحته على الوجه الذي ذكرناه دعوى الداخل سبق العقد ، فيكفيه تشبثه بالزوجية ، بل قد يقال إن للعاقد الدخول وإن علم بوقوع عقد آخر ، إلا أنه لم يعلم كونه سابقا أو مقارنا اعتمادا على أصالة صحة عقده ، لكن الانصاف عدم خلو ذلك كله عن بحث ونظر ليس هذا محله ، والله العالم.

المسألة ( الثانية )

لا ولاية للأم ولا لأحد من آبائها على الولد الصغير بلا خلاف أجده فيه إلا من الإسكافي الذي يمكن تحصيل الإجماع على خلافه ، للأصل وظاهر النصوص (١) السابقة ، خصوصا الحاصرة للولاية في غيرها وغير آبائها ، نعم لا يبعد رجحان مراعاة إذن الأم في تزويج بنتها للمحكي‌ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) « أنه أمر نعيم بن النخاع أن يستأمر أم ابنته في أمرها وقال : « وائتمروهن في بناتهن » فما عن الإسكافي من قيام الأم وآبائها مقام الأب وآبائه واضح البطلان.

وحينئذ فلو زوجته كان عقدها فضولا كغيرها من الأجانب ف إن رضي لزمه العقد ، وإن كره بطل ، لكن عن الشيخ وأتباعه أنه إن رده لزمها أي الأم المهر ، وفيه تردد من الأصل بل الأصول ، ومن‌ خبر محمد بن مسلم (٣) عن الباقر عليه‌السلام « إنه سأله عن رجل زوجته أمه وهو غائب ، قال : النكاح جائز إن شاء المزوج قبل وإن شاء ترك ، فان ترك المزوج تزويجه فالمهر لازم لامه » وعن الشيخ في النهاية الفتوى به ، إلا أنه ضعيف السند غير صالح لقطع الأصول ، خصوصا بعد إعراض الفحول ومعارضته‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب عقد النكاح.

(٢) مسند احمد ج ٢ ص ٩٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٣.

٢٣٤

بما في صحيح الحذاء (١) من غرامة النصف في الفضولي ، وإن كنا لم نجد قائلا به صريحا وربما حمل على ما إذا ادعت الوكالة عنه ولم تثبت ، لأنها حينئذ قد فوتت البضع على الامرأة.

لكن نظر فيه في المسالك تبعا لجامع المقاصد بأن ضمان البضع بالتفويت مطلقا ممنوع ، وإنما المعلوم ضمانه بالاستيفاء على بعض الوجوه لا مطلقا ، ثم قال : والأقوى عدم وجوب المهر على مدعي الوكالة مطلقا إلا مع ضمانه ، فيجب حينئذ ما يضمنه جميعه أو بعضه ، قلت : لا ريب في أن مقتضى القواعد ذلك ، والتعليل المزبور عليل.

لكن في الحدائق « أن العمدة في ذلك روايات فيها الصحيح وغيره دالة على الضمان بدعوى الوكالة قد ذكرناها في باب الوكالة » قلت : الذي عثرنا عليه من النصوص التي أشار إليها (٢) دالة على التنصيف بل لعله المشهور ، بل لم نجد للقول بضمان المهر كملا دليلا وإن حكي عن الشيخ في النهاية والقاضي سوى التعليل في‌ خبر التنصيف بأنه « ضيع حقها بترك الاشهاد » وسوى ما في بعضه أيضا من ظهور ذلك ، لكنه بعد التصريح بالتنصيف فيه لا وجه للأخذ به ، فبعد الإغضاء عما في إرادة التعليل حقيقة منه ، ضرورة عدم وجوبه عليه أولا ، وعدم تماميته فيما لو أشهد ومات الشهود مثلا ، الى غير ذلك مما هو قد كرر في محل تحرير هذه المسألة ، فحمل الخبر على ذلك غير وجيه.

وربما حمل على إرادة أن المهر لازم لامه لا عليها ، أي لها استعادته لو كانت دفعته ، والامتناع عنه مع عدم الدفع ، وعلى التقديرين هو لها لا عليها ، نعم يفهم منه حينئذ عدم لزومه للولد مع الإجازة ، بل على الأم ، ولعله لبذلها إياه من نفسها ، فتكون كمن ضمن عن الزوج للزوجة ، إلا أنه كما ترى أيضا ، فالأولى رد المراد به إلى قائله ، أو يحمل على إرادة لزوم المهر ، لأمه في الجملة على وجه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب الوكالة الحديث ١.

٢٣٥

ينطبق على التنصيف ، بناء على أن العقد بدعوى الوكالة موجب لذلك ، مع إنكار الموكل ، كما وقع ذلك في الصحيح (١) المعتضد بالخبر الذي هو مستند ذلك ، بل ربما أيد بكونه كالفرقة قبل الدخول ، وبأنه أقل مخالفة للقواعد من ضمان المهر كملا.

فما في الرياض ـ من أن الأقوى ضمان المهر كملا على تقدير صحة دعوى أن ادعاء الوكالة بمجرده يوجب المهر كملا وإلا فالبحث فيه ساقط من أصله ـ في غير محله ، بل هو مخالف لصريح كلامه في باب الوكالة ، فإنه هناك قد اختار التنصيف كما لا يخفى على من لاحظه ، والله العالم.

المسألة ( الثالثة )

إذا زوج الأجنبي امرأة فقال الزوج : زوجك العاقد من غير إذنك فقالت : بل أذنت فالقول قولها مع يمينها على القولين ، لأنها تدعي الصحة والزوج مدعي الفساد ، ومدعى الصحة مقدم ، ولأن الاذن من فعلها ولا يعلم إلا من قبلها ، والمراد بالاذن المتنازع فيه الاذن قبل العقد ، فيكون صورة النزاع ما إذا صدر عنها بعد العقد قبل النزاع ما دل على الكراهة ، فيتجه حينئذ تقديم قولها بيمينها ، لأنها على كل من القولين تدعيها ، والزوج يدعى الفساد ، أما على القول ببطلان الفضولي فواضح ، وأما على القول بصحته فإنه يدعى فساده بالكراهة المتأخرة ، وهي تدعي صحته بالاذن السابقة ، فيكون القول قولها بيمينها ، أما لو فرض أن صورة النزاع في حصول أصل الاذن وعدمه ولم يحصل منها ما يقتضي الرد وقلنا بصحة الفضولي لم تتصور الخصومة بينهما ، ضرورة إمكان إبطالها دعواه بإنشاء الإذن ، بل الظاهر أن دعواها الاذن في السابق كاف في الإجازة ، اللهم إلا أن يدعى أنها غير قاصدة للإنشاء بذلك ، فلا يكفي ذلك حينئذ فيها ، وفيه أنها وإن لم تكن قاصدة للإنشاء ، لكن لا ريب في دلالة هذه الدعوى منها على الرضا الكافي في تحقق الإجازة ، على أنها لو أرادت إبطال دعواه من غير يمين أنشأته.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ١.

٢٣٦

ولو ادعى الزوج إذنها متقدما على العقد أو متأخرا فأنكرت فإن كان قبل الدخول قدم قولها مع اليمين ، لأن الاذن من فعلها ، فلا يعلم إلا منها ، والأصل لا يعارض بأصالة الصحة هنا ، إلا على القول ببطلان الفضولي ، وإلا فالأصل عدم البطلان الشامل للوقوف على الإجازة ، وهو لا يجدى ، فإن نكلت حلف الزوج وثبت العقد ، بخلاف الصورة الأولى ، إذ لا يمكنه الحلف ، لجواز إذنها وإن لم يطلع عليه ، خصوصا إذا ادعته قبل العقد.

وإن كان بعد الدخول فالأقرب كما في القواعد تقديم قوله لدلالة الدخول عليه ، لأن الأصل عدم الإكراه والشبهة ، نعم هو مبني على أن المدعي من يدعي خلاف الظاهر ، وإلا فالأصل عدم الاذن ، ولا يجدى كون الأصل في الدخول الشرعية فإنه ليس مما فيه النزاع ، وإنما الدخول أمر يظهر منه الإذن لأصله.

( الفصل الرابع )

( في أسباب التحريم )

وهي أحد وعشرون وإن اقتصر المصنف منها على ستة :

( السبب الأول )

النسب ثم الرضاع ، والمصاهرة ، والنظر ، واللمس ، والزنا بها ، والزنا بغيرها ، والإيقاب ، والإفضاء ، والكفر ، وعدم الكفاءة ، والرق ، وتبعيض السبب ، واستيفاء العدد ، والإحصان ، واللعان ، وقذف الصماء والخرساء ، والطلاق ، والاعتداد ، والإحرام ، والتعظيم كزوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٢٣٧

وكيف كان فيحرم بالنسب وهو الاتصال بالولادة بانتهاء أحدهما إلى الآخر ، أو انتهائهما الى ثالث أصول الإنسان وفروعه ، وفروع أول أصوله ، وأول فرع من كل أصل بعد الأصل الأول ، وبعبارة أخرى كل قريب اليه ولو بواسطة من هو أقرب منه ما عدا أولاد العمومة والخؤولة.

وتفصيل ذلك أنه يحرم أي بالنسب سبعة أصناف من النساء وهي المستفادة من قوله تعالى (١) ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ ) الى آخره.

فـ ( الأم والجدة وإن علت لأب كانت أو لأم ) واحدة من السبع ، وفي المسالك « أن ضابطها كل أنثى ولدتك أو ولدت من ولدتك ذكرا كان أو أنثى » وفيه أنه إن أريد بالثاني خصوص الأم لزم خروج ما عدا الجدة للأب أو الأم كجدة الأبوين أو الأجداد عن الضابط ، مع أن المقصود إدخالها ، وإن أريد الأعم منها فلا بد من قيد يدل عليه ، كقولنا : « بواسطة أو بغيرها » ومعه يجوز الاقتصار على الأول ولا يحتاج الى الثاني.

وكذا الكلام في البنت للصلب وبناتها وإن نزلن وبنات الابن وإن نزلن وقد ضبطها في المسالك أيضا بأنها « كل أنثى ولدت لك أو ولدت لمن ولد لك ذكرا كان أو أنثى » وفيه ما عرفت ، فالأولى ضبطها بكل أنثى ينتهي نسبها إليك بواسطة أو بغيرها.

والأخوات لأب كن أو لأم أولهما وليست هن إلا الإناث التي ولدهن وإياك شخص واحد من غير واسطة ، ولا يدخل في اسمهن غيرهن ، ولذا لم يكن فيهن علو ولا سفل.

وأما بناتهن وبنات أولادهن فهي صنف آخر مقابل للأخت في الآية وحينئذ فالمراد من بنات الأخ والأخت ما يشمل السافلات كبنات أولادها وبناتها ، والضابط كل أنثى انتهت إلى أبويك أو أحدهما بالتوليد بواسطة أو بوسائط‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٣.

٢٣٨

أو كل أنثى ولدها أبواك أو أحدهما ولو بواسطة.

والعمات سواء كن أخوات أبيه لأبيه أو لأمه أو لهما ، وكذا أخوات أجداده وإن علون ، والخالات للأب أو للأم أو لهما وكذا خالات الأب والأم وإن ارتفعن ، فالمراد حينئذ من العمة والخالة ما يشمل العمات والخالات العاليات ، أي عمة الأب أخت الجد للأب لأب أو لأم أو لهما ، وعمة الأم أخت الجد لها كذلك ، وعمة الجد أخت جد الأب لأب أو لأم أو لهما بالغة ما بلغ ، وعمة الجدة أخت جد الأم كذلك ، وخالتهم أى خالة الأب والأم والجد والجدة ، وهي كالعمة غير أن اتصالها بالجدات واتصال العمة بالأجداد ، ومراتب العمات والخالات هي مراتب الآباء والأمهات ، فأخوات الآباء والأمهات في جميع الطبقات عمات وخالات ، فضابط العمة حينئذ كل أنثى هي أخت ذكر ولدت له بواسطة أو غيرها من جهة الأب أو الأم أو منهما ، أو كل أنثى ولدها وأحد آبائك شخص من غير واسطة ، والخالة كل أنثى هي أخت أنثى ولدتك بواسطة أو غيرها أو كل أنثى ولدها وإحدى أمهاتك شخص من غير واسطة ، فالعمة العليا والخالة ، العليا هي أخت الجد وإن علا والجدة كذلك ، لا عمة العمة وخالة الخالة ، فإنهما قد يحرمان فيدخلان في المذكورات ، وقد لا يدخلان فلا يحرمان كما إذا كانت العمة القريبة أختا لأبيه لأمه والخالة القريبة أختا لأمه لأبيها ، فإن عمة العمة حينئذ تكون أخت زوج الجدة ، وخالة الخالة أخت زوجة الجد ، ولا نسب بينه وبينهما ، فلا تكونان محرمتين عليه ، ولا يدخلان في المذكورات ، لانتفاء التحريم ، بخلاف ما إذا كانا محرمتين ، كما إذا كانت العمة القريبة أختا للأب للأب والأم أو للأب والخالة القريبة أختا للأم للأب والأم أو للأم ، فإن عمة العمة تكون حينئذ أخت الجد وخالة الخالة أخت الجدة ، فيحرمان ويدخلان في المذكورات.

وأما بنات الأخ سواء كان الأخ لأب أو لأم أو لهما وسواء كانت بنته لصلبه أو بنت بنته أو بنت ابنه وبناتهن وإن سفلن على حسب الضابط الذي سمعته في بنات الأخت.

٢٣٩

وعلى كل حال فقد عرفت المراد بالمحرمات السبع المذكورات في الآية سواء قلنا بصدق الأسماء حقيقة على العاليات والسافلات وإن تفاوت الأفراد في الانسياق ، أو قلنا به فيما لا واسطة خاصة دون غيره ، فمجاز إلا أنه مراد في خصوص الآية ، لاتفاق المفسرين كما قيل على إرادة ذلك منها ، ولأن المقصود منها تفصيل المحرمات كما يقتضيه المقام ، ويدل عليه قوله تعالى (١) ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) ولا ريب في أن الحمل على العموم أنسب بالفرض المذكور ، لانحصار المحرمات النسبية في السبع على ذلك التقدير ، بخلاف ما لو لم ترد منها ذلك ، فإنه يخرج عنها حينئذ كثير مما يحرم بالنسب ، وأيضا فالمعنى الحقيقي للأم على هذا التقدير ليس فيه تعدد يصح معه استعمال صيغة الجمع ، فيجب حمله على ما يطلق عليه اللفظ ولو مجازا ، تحقيقا لمقتضى الجمعية ، وإرادة هذا المعنى من الأم يقتضي إرادته من غيره ، لأن الظاهر كون الجمعية في الجميع على نسق واحد ، واحتمال كون التعدد باعتبار تعدد المخاطبين خلاف الظاهر ، لأن خطاب الجماعة للعموم ، ومقتضاه ثبوت الحكم لكل واحد دون المجموع ، وما يقال إن المجاز هنا لازم إما في الخطاب أو في ألفاظ النسب ولا ترجيح يدفعه منع انتفاء الترجيح ، فان التجوز في الثاني أقل ، والفائدة فيه أتم وأكمل ، على أنه موافق للنصوص (٢) المعتبرة المستفيضة الدالة على تحريم نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الحسن والحسين عليهما‌السلام لو لم تكن محرمة على الناس بآية ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) (٣) وحرمة حلائلهما عليهما‌السلام عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله تعالى (٤) ( وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ) وعلى تحريم بنات الفاطميين عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله تعالى (٥) ( وَبَناتُكُمْ ) الى غير ذلك مما يدل على المطلوب ، فمن الغريب احتمال‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١ و ١٢ والمستدرك الباب ـ ٢ ـ منها الحديث ٦ والبحار ج ٤٣ ص ٢٢٨ وج ٩٦ ص ٢٣٩ الطبع الحديث.

(٣) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٢.

(٤) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٣.

(٥) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٣.

٢٤٠