جواهر الكلام - ج ٢٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

عبارتها للغير ، بل ولا لها باذنه كما هو واضح ، فما عن الشافعي من سلب عبارتها مطلقا معلوم البطلان.

المسألة ( الرابعة )

عقد النكاح يقف على الإجازة على الأظهر الأشهر ، بل المشهور شهرة عظيمة بين القدماء والمتأخرين ، بل في الناصريات الإجماع عليه ، وفي محكي السرائر نفي الخلاف عنه في غير تزويج العبد نفسه ، والأمة نفسها بغير اذن المولى ، بل فيه الإجماع على ذلك ، بل فيه مضافا الى ذلك دعوى تواتر الأخبار به ، بل من أنكر الفضولي في غير النكاح أثبته هنا ، للإجماع والنصوص ، بل لم نعرف الخلاف في ذلك إلا من الشيخ في محكي الخلاف والمبسوط ، مع أنه في محكي النهاية والتهذيب والاستبصار وافق المشهور ، بل عنه في الخلاف حكاية الإجماع على صحة الفضولي في نكاح العبد ، بل لم نعرف له موافقا قبله ولا بعده إلا ما يحكى عن فخر الإسلام ، نعم في الوسيلة « إن النكاح لا يقف على الإجازة إلا في تسعة مواضع ، وهي عقد البكر الرشيدة على نفسها مع حضور الولي ، وعقد الأبوين على الابن الصغير ، وعقد الجد مع عدم الأب ، وعقد الأب على ابنه الصغير ، وعقد الأم عليه ، وعقد الأخ والأم والعم على الصبية ، وتزويج الرجل عبد غيره بدون إذن سيده ، وتزويج نفسه من غير إذن سيده » وكان ذلك اقتصارا على ما في النصوص ، ولا ريب في ضعف الجميع ، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافها فضلا عما سمعته من محكيه ، مضافا الى استفاضة النصوص المعتبرة كخبر محمد بن مسلم (١) عن أبى جعفر عليه‌السلام « سألته عن رجل زوجته أمه وهو غائب ، قال : النكاح جائز إن شاء الزوج قبل ، وإن شاء ترك » الحديث. وحسن زرارة (٢) « سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده ، قال : ذلك إلى سيده إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما ، فقلت :

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب عقد نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٢٠١

أصلحك الله إن الحكم بن عيينة وأصحابه يقولون ، إن أصل النكاح باطل ، فلا تحل إجازة السيد له ، فقال عليه‌السلام : إنه لم يعص الله وإنما عصى سيده ، فإذا أجاز فهو جائز » وخبره الآخر (١) « سألته عن رجل تزوج عبده بغير إذنه فدخل بها ثم اطلع على ذلك مولاه ، فقال عليه‌السلام : ذلك الى مولاه إن شاء فرق بينهما ـ الى أن قال ـ : فقلت له : إنه في أصل النكاح كان عاصيا ، فقال عليه‌السلام : إنه إنما أتى شيئا حلالا ، وليس بعاص لله ، وإنما عصى سيده » وصحيح ابن وهب (٢) « جاء رجل الى أبى عبد الله عليه‌السلام فقال : إنى كنت مملوكا لقوم وإنى تزوجت امرأة حرة بغير إذن مولاي ثم أعتقوني بعد ذلك ، فأجدد نكاحي إياها حين أعتقت ، فقال : أكانوا علموا أنك تزوجت امرأة وأنت مملوك لهم؟ فقال : نعم وسكتوا عني ولم يتغيروا على ، فقال : سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم ، أنت على نكاحك الأول » وصحيح الحذاء (٣) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن غلام وجارية زوجهما وليان لهما وهما غير مدركين فقال : النكاح جائز ، وأيهما أدرك كان له الخيار » بناء على إرادة العرفي من الولي لا الشرعي ، وإلا لم يكن لهما الخيار ، ول‌ قوله في آخره : « قلت : فان كان أبوها الذي زوجها قبل أن تدرك ، قال : يجوز عليها تزويج الأب ، ويجوز على الغلام » والنبوي (٤) في البكر التي زوجها أبوها فأتته تستعدي ، فقال عليه‌السلام : « أجيزى ما صنع أبوك » الى غير ذلك من النصوص الدالة على جواز الفضولي هنا ، بل قد أشبعنا الكلام في كتاب البيع في كونه موافقا للقواعد والعمومات ، وفي الروايات المتشتتة الدالة على جوازه في سائر العقود ، بل وفي غير العقود من الأفعال التي رتب الشارع عليها أحكاما ، وفي غير ذلك من الفروع والمسائل التي لا يخفى جريانها في المقام بأدنى ملاحظة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب عقد نكاح العبد والإماء الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب عقد نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ١ من كتاب المواريث.

(٤) سنن ابن ماجه ج ١ ص ٥٧٨.

٢٠٢

كل ذلك مع عدم الدليل للشيخ سوى أن صحة العقود لا بد لها من دليل شرعي وليس ، والأخبار (١) الناطقة بفساد النكاح بغير إذن الولي أو المولى ، بل‌ ورد (٢) « أن نكاح الأمة بغير إذن سيدها زنا » ، ولأن العقد مبيح فيمتنع صدوره من غير الزوجين أو وليهما ، ولأن الإجازة شرط الصحة ، والشرط لا يتأخر عن المشروط ، والجميع كما ترى ، ضرورة أن الدليل ما عرفت ، بل قد ذكرنا كفاية العمومات في صحته ، والأخبار مع أن أكثرها عامية معارضة بأخبار الصحة ، قابلة للتأويل بأنه في معرض الفساد إن لم تجز ، أو بأنه فاسد مع عدم الإجازة أصلا ، والمبيح هو العقد مع رضا المتعاقدين ، وقد صدر العقد من صحيح العبارة ، ولا يشترط صدوره من المتعاقدين ، وإلا لم يجز التوكيل ، وبالإجازة يحصل الرضا الذي هو شرط كاشف كما أوضحناه في كتاب البيع ، فلاحظ وتأمل ، فلا إشكال حينئذ في صحة الفضولي هنا.

وحينئذ فلو زوج الصبية مثلا صغيرة أو كبيرة غير أبيها وجدها قريبا كان أو بعيدا لم يمض إلا مع إذنها أو إجازتها بعد العقد ولو كان أخا أو عما لعدم ولاية غير الأب والجد على ذلك ، نعم قد سمعت الكلام في ولاية الوصي والحاكم عليها ولكن يقنع من البكر بسكوتها عند عرضه عليها عند المشهور بين الأصحاب ، لصحيح ابن ابى نصر (٣) قال : « قال لي أبو الحسن عليه‌السلام في المرأة البكر إذنها صماتها والثيب أمرها إليها » وحسن الحلبي (٤) « وسئل عن رجل يريد أن يزوج أخته ، قال : يؤامرها ، فان سكتت فهو إقرارها ، وإن أبت لا يزوجها » ‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٥ و ٦ و ٧ والباب ـ ١٧ ـ منها والباب ١١ من أبواب المتعة الحديث ١١ وسنن البيهقي ج ٧ ص ١٠٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٤.

٢٠٣

و‌خبر داود بن سرحان (١) « في رجل يريد أن يزوج أخته يؤامرها ، فان سكتت فهو إقرارها وإن أبت لم يزوجها » والمناقشة فيها بأنها في الاذن السابقة والمناط غير منقح يدفعها أولا أنه لا خلاف في عدم الفرق بينهما ، بل يمكن دعوى الإجماع عليه ، وثانيا إطلاق الصحيح الأول الذي لا فرق فيه بينهما.

بل قد يؤيد كفاية السكوت في الاذن اللاحقة صحيح ابن وهب (٢) السابق وإن كان هو في غير ما نحن فيه ، لكنه دال على أن السكوت المتأخر المقرون بقرائن تدل على الرضا كاف في الصحة ، فمع فرض جعل الشارع سكوت البكر إقرارا وإن لم يقترن بقرائن كفى وإن كان متأخرا.

نعم قد يتوقف في أصل الحكم ، بل عن ابن إدريس الجزم بالعدم ، لعدم دلالته على الرضا ، وهو جيد على أصله من عدم العمل بأخبار الآحاد ، بل يمكن حمل هذه على إرادة السكوت الدال على الرضا ولو بقرائن الأحوال التي منها حياء البكر عن التصريح بالرضا بالتزويج ، بخلاف العدم ، فإنه يمكن أن تقول : إنى لا أريد التزويج ، ولا غضاضة عليها بذلك ، على أن البكر غالبا تسكت ، موكلة الأمر إلى وليها العرفي.

وفيه أنه يمكن أن يكون من الاجتهاد في مقابلة النص المحتمل لأن يكون الحكمة في الاكتفاء بالسكوت منها هو ما سمعت وإن لم يكن ذلك مقيدا للعلم ، لكن المتجه على ذلك أنه لا إشكال في الاكتفاء بالسكوت الدال قطعا على الرضا ، وكذا السكوت المقرون بقرائن ولو ظنية ، بل والسكوت من حيث كونه سكوت بكر وإن لم تكن ثم قرائن خارجية ، كما أنه لا إشكال في عدم الاكتفاء به مع اقترانه بقرائن تدل على عدم الرضا ، بل لعل المتجه ذلك أيضا في المقترن بقرائن ظنية تدل على ذلك أيضا ، بل لا يبعد ذلك فيما تعارضت فيه الأمارات على وجه لم يحصل الظن بدلالته على الرضا ولو من حيث كونه سكوت بكر ، واحتمال القول‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٢٠٤

بحجية ما عدا المقترن بما يدل على عدم الرضا قطعا تمسكا بإطلاق النص والفتوى ضعيف ، لكون المتيقن منهما غير هذه الأفراد ، فتبقى هي حينئذ على قاعدة كون الشك في الشرط شكا في المشروط.

وكيف كان فلا إشكال كما لا خلاف في أنه تكليف الثيب النطق إلا مع اقتران سكوتها بقرائن تدل على رضاها قطعا ، وهل المدار في البكارة والثيبوبة على الزوال بالوطء وعدمه ، فيندرج حينئذ في البكر من ذهبت بكارتها بغيره ولو بإصبع ونحوه ، أو لم تكن بكرا خلقة ، بل والموطوءة دبرا ونحو ذلك ، أو على وجود هذا الوصف وعدمه ، فتندرج من زالت بكارتها أو من لم تكن بكرا في الثيب حينئذ؟ وجهان ، أحوطهما الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن.

ولو كانت البكر مملوكة وقف على إجازة المالك لعدم الفرق عندنا في الفضولي حينئذ بين ذلك وغيره ، والمفروض عدم العبرة باجازتها ، نعم لا بد من تحقق الإجازة فيه ، ولا يكفى السكوت الذي لم يقترن بما يتحقق حصول الرضا معه وإن كان المالك بكرا ، لقاعدة الشك وغيرها.

وكذا لو كانت المعقود عليها فضولا صغيرة فأجاز الأب أو الجد صح أيضا ، لما عرفت من عدم الفرق في الفضولي عندنا بين تعقبه الإجازة ممن له العقد أو من وليه الشرعي الذي له ذلك ، ولا يكفى السكوت أيضا إلا إذا اقترن بما يدل على إرادة الرضا ، بل قد عرفت في كتاب البيع احتمال اشتراط اللفظ في الإجازة ، لقوله عليه‌السلام (١) : « إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام » ولأنه الحاسم لمادة النزاع ، ولذا اعتبروا صريح اللفظ في صيغ العقود ، لكن قد سمعت صحيح ابن وهب (٢) الدال على الاكتفاء بذلك ، مضافا الى صدق تحقق الاذن والرضا ، هذا وقد تقدم في كتاب البيع تمام الكلام في مباحث الفضولي بما لم نسبق اليه بحمد الله ولطفه وكرمه ، فلاحظ وتأمل ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام العقود الحديث ٤ من كتاب التجارة.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٢٠٥

المسألة ( الخامسة )

إذا كان الولي رقا ولو مكاتبا قد تحرر أكثره فلا ولاية له على ولده الحر والمملوك الذكر والأنثى بلا خلاف ولا إشكال ، للأصل وغيره ، فلو عقد على بنته الصغيرة مثلا الحرة لم يمض عقده وإن لم يناف غرض السيد ، بل وإن أذن له ، فإن إذنه لا تفيده ولاية بعد أن كان ناقصا عنها ، لعدم قدرته على شي‌ء ، بل لو أذن سيده في العقد على بنته المملوكة له كان ذلك توكيلا من السيد ، لا إثبات ولاية ، فما عساه يتوهم من بعضهم من ثبوت الولاية حينئذ لما تسمع في كتاب القضاء من أن الأقرب عند المصنف عدم اعتبار الحرية فيه ، فينفذ حينئذ قضاؤه بإذن مولاه ، وتتبعه الولاية في غير محله ، لإمكان الفرق باندراج حكمه بإذن مولاه في القسط والعدل ونحوهما مما أمرنا باتباعه (١) ، بخلاف الولاية من حيث الأبوة مثلا التي لا شمول في دليلها لمثل الأب المزبور ، ومع فرضه فهو في بعض الأفراد من تعارض العموم من وجه المرجح فيه غيره عليه من وجوه ، بل الظاهر عدم ولايته أيضا من حيث الحكومة وإن أمضينا حكمه ، لقصور ما دل عليها عن تناول نحو الفرض الذي هو مولى عليه ، كما هو واضح فتأمل.

وكذا لو كان كافرا ف انه لا ولاية له أيضا إجماعا على ولده المسلم بإسلام أمه أو جده أو بوصفه الإسلام قبل البلوغ بناء على اعتباره أو بعده في البكر البالغة إن قلنا بالولاية عليها ، لنفي السبيل (٢) ولأن‌ « الإسلام يعلو ولا يعلى عليه » (٣) ولو كان الأب كذلك ثبتت الولاية للجد خاصة وبالعكس ، ولو كان معا كذلك كانت الولاية‌ للحاكم الذي « هو ولي من لا ولي له (٤) بل‌

__________________

(١) سورة الحجرات : ٤٩ ـ الآية ٩.

(٢) سورة النساء : ٤٠ ـ الآية ١٤١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب موانع الإرث الحديث ١١ من كتاب المواريث.

(٤) سنن البيهقي ج ٧ ص ١٠٥.

٢٠٦

ظاهر العبارة والمحكي عن غيرها عدم ولاية الكافر مطلقا حتى على ولده الكافر لكن فيه أنه مناف لقوله تعالى (١) ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) بل ولا طلاق ما دل (٢) على ولاية الأب والجد المقتصر في الخارج منهما على اليقين ، ودعوى الولادة على الفطرة يدفعها بعد التسليم المعاملة للأولاد معاملة الكفار في الأحكام التي منها ذلك ، نعم لو كان للمولى عليه الكافر وليان أحدهما مسلم والآخر كافر اتجه انتفاء ولاية الكافر حينئذ تغليبا للإسلام‌ الذي « يعلو ولا يعلى عليه » (٣) المعلل به إرث المسلم الكافر دون العكس ، بل المعلل به اختصاص المسلم في الإرث وإن كان له ورثة كفار غيره أقرب منه ، خلافا للمحكي عن الشيخ من اختصاص الكافر بالولاية ، للاية ولا ريب في ضعفه ، بل لعل احتمال اشتراكهما فيها عملا بإطلاق الأدلة معا أقرب منه ، وإن كنا لم نعرف قائلا به ، وعلى كل حال فالأقوى ما عرفت.

وكذا الكلام فيما لو جن الأب أو غيره من الأولياء أو أغمي عليه أو سكر فإنه لا ولاية له حينئذ ، نحو ما سمعته من الكافر إجماعا ، لعدم قابليته لها ، كالصغير الذي لا ولاية له على مملوكه ، بل عن التذكرة نفيها عن السفيه أيضا ، لكن قد يشكل بأن الحجر عليه في خصوص التصرف المالي في ماله هذا.

وفي المسالك لا فرق بين طول زمان الجنون والإغماء وقصره لقصوره حالته ووجود الولاية في الآخر ، وإنما يفرق بين الطول والقصر عند من يجعل ولاية الجد مشروطة بفقد الأب كالشافعي ، فيجعل المانع القصير غير مبطل ولا ناقل لها إلى الأبعد ، كالنوم. وفيه أن ذلك لا يتفرع على القول المزبور ، ضرورة اشتراط ولاية الحاكم مثلا بفقد الأب والجد عندنا ، فيلزم جريان ذلك فيه ،

__________________

(١) سورة الأنفال : ٨ ـ الآية ٧٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب عقد النكاح.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب موانع الإرث الحديث ١١ ـ من كتاب المواريث.

٢٠٧

فالمتجه عدم الفرق على القولين لعدم القابلية بذهاب العقل الموجب للفرق بينها وبين النوم الذي هو عادي للإنسان ، ولذا لم يعتد به الشارع في كثير من المقامات التي اعتبر في صحتها العقل ، كالصوم والوكالة وغيرهما ، بل لا يبعد انتفاء الولاية في السكران وإن بقي له تميز في الجملة ، كما عن التذكرة التصريح به وإن استبعده في المسالك باعتبار عدم كمالية عقله ، فان وجود التمييز في الجملة أعم من ذلك ، فلا ولاية له ، وفرض كمال تمييزه ينافي كونه سكرانا ، كما هو واضح.

نعم لا خلاف ولا اشكال بل في الكشف الاتفاق عليه في أنه لو زال المانع عادت الولاية التي لم يزل ما اقتضاها من صدق الأبوة والجدودة ، أما الوصي فقد عرفت البحث في عود ولايته في محله.

ثم إنه قد يتوهم من تعبير المصنف بلفظ المانع ثبوت أصل الولاية لا سقوطها ، ويتفرع على ذلك قيام الحاكم مقامه مع وجود المانع ، فيزوج الصغير حينئذ مثلا باعتبار ولاية أبيه وإن قلنا بعدم تزويجه له بولاية الحكومة ، لكن لا يخفى عليك إشكاله خصوصا بعد تعبير غيره بكون هذه الأمور مسقطات للولاية ، فليس للحاكم حينئذ ولاية إلا من حيث كونه ولي من لا ولي له ، نعم لا يسقطها الإحرام وإن لم تصح عبارة العقد منه حاله إيجابا وقبولا مباشرة ووكالة نصا (١) وإجماعا ، لكن الولاية ثابتة له ، بل الظاهر عدم ثبوت ولاية الحاكم من حيث عدم الولاية في هذا الحال إلا إذا طال زمان الإحرام واشتدت الحاجة الى التزويج ، فيحتمل الانتقال اليه فيه غير المملوك ، كما في كشف اللثام ، دفعا للضرر ، مع احتمال العدم ، ولا يستأذن ، لأن الإذن توكيل ، والمحرم ممنوع منه.

وكيف كان ف لو اختار الأب زوجا والجد آخر فمن سبق عقده صح بتقديم قبوله وبطل المتأخر بناء على استقلال كل منهما بالولاية ، قال الصادق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب تروك الإحرام من كتاب الحج.

٢٠٨

عليه‌السلام في صحيح هشام بن سالم ومحمد بن حكيم (١) : « إذا زوج الأب والجد كان التزويج للأول فإن كانا جميعا في حال واحدة فالجد أولى » وفي موثق عبيد بن زرارة (٢) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل ويريد جدها أن يزوجها من آخر ، فقال : الجد أولى بذلك ما لم يكن مضارا إن لم يكن الأب زوجها قبله ، ويجوز عليها تزويج الأب والجد » الى غير ذلك من النصوص الدالة على الحكم المزبور الذي لم نعرف فيه خلافا بينهم ، بل يمكن دعوى الإجماع عليه.

ومن الموثق المزبور يستفاد ما ذكره المصنف وغيره من أنه إن تشاحا قدم اختيار الجد مضافا الى‌ صحيح ابن مسلم (٣) عن أحدهما عليه‌السلام « إذا زوج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه ، ولابنه أيضا أن يزوجها ، فقلت : فان هو أبوها رجلا وجدها رجلا آخر ، قال : الجد أولى بنكاحها » وكذا خبر عبيد بن زرارة (٤) الآتي نعم في المسالك أنه لو سبق الأب والحال هذه قاصدا سبق عقد الجد صح عقده وإن كان ترك الأولى ، وظاهر استحباب هذه الأولوية ، بمعنى أنه ينبغي للأب مراعاة أبيه وطاعته في ذلك ، وهو كما ترى مناف لظاهر المتن وغيره ، بل والنصوص ، بل لعله مناف لما دل (٥) على وجوب الطاعة الشامل لمثل الفرض ، فلا يبعد كونه عاصيا ، بل قد يقال ببطلان عقده حينئذ لأولوية الجد منه في هذا الحال الظاهرة في انتفاء ولاية الأب ، بل هو المعنى المعروف المستعمل فيه لفظ الأولى في غير المقام.

ولا ينافي ذلك‌ خبر البقباق (٦) المروي في الكافي عن الصادق عليه‌السلام « إن الجد إذا زوج ابنة ابنه وكان أبوها حيا وكان الجد مرضيا جاز ، قلنا : فإن هوى أبو الجارية‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٥.

(٥) أصول الكافي ج ٢ ص ١٥٨ والبحار ج ٧٤ ص ٧٦ الطبع الحديث.

(٦) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٤.

٢٠٩

هوى وهوى الجد هوى وهما سواء في العدل والرضا ، قال : أحب الى أن ترضى بقول الجد » ضرورة ظهوره في الكبيرة التي لها رضا معتبر بخلاف ما نحن فيه ، نعم‌ في التهذيب « أحب الى أن يرضى الجد » ولا دلالة فيه أيضا سيما مع قراءة « يرضى » بالبناء للمجهول ، اللهم إلا أن تنزل على الأول بل ربما يؤيده‌ خبره الآخر عنه عليه‌السلام أيضا (١) « إذا زوج الرجل فأبى ذلك والده فان تزويج الأب جائز وإن كره الجد ، ليس هذا مثل الذي يفعله الجد ثم يريد الأب أن يرده » بناء على كون المراد منه ليس الذي وقع من الأب مثل الذي لم يقع بعد من الجد ، ولكن يريد فعله ويريد الأب أن يفعل غيره ، فإن هوي الجد مقدم ولا يمضى ما يقع من الأب حينئذ باعتبار أولوية الجد حينئذ عند التشاح ، ولعل ذلك ظاهر قول المصنف وغيره : « قدم اختيار الجد عند التشاح » بل هو معقد المحكي من إجماع الخلاف والمبسوط والانتصار والسرائر والتذكرة.

لكن في كشف اللثام أنهما إن عقدا جميعا بعد التشاح أو لا بل جهل كل منهما باختيار الآخر قدم السابق اتفاقا ، كما في السرائر والغنية بل ربما استفيد صحة عقد الأب مع السبق ولو بعد التشاح من موثق عبيد بن زرارة (٢) السابق ، بل ومن غيره ، فان تم ذلك كله لم يكن محيص عما عليه الأصحاب مؤيدا بالقاعدة وإطلاق الصحيح (٣) ومفهوم موثق عبيد ، وإلا كان للنظر فيه مجال.

وعلى كل حال ف لو أوقعاه في حالة واحدة على وجه اقترن العقدان منهما مع التشاح وعدمه ثبت عقد الجد دون الأب إجماعا محكيا عن الغنية والسرائر والانتصار والخلاف والمبسوط والتذكرة والروضة وإن لم يكن محصلا ، للصحيح (٤) السابق وإطلاق مفهوم موثق عبيد (٥).

ثم إن الظاهر ثبوت جميع ما عرفت من الأحكام للجد وإن علا مع الأب للصدق ، فيندرج في جميع ما عرفته من الأدلة ، نعم في جريان الحكم المزبور على‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٣.

(٥) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٢.

٢١٠

مثل الجد وأبيه الذي هو جد أيضا إشكال ، ضرورة عدم صدق الجد والأب بل هما جدان أو أبان ، لكن قد يظهر من‌ خبر عبيد بن زرارة (١) عن الصادق عليه‌السلام أولوية الجد باعتبار ولايته على الأب الذي هو ابنه بلا واسطة أو بوسائط قال : « إنى ذات يوم عند زياد بن عبيد الله الحارثي إذ جاء رجل يستعدي على أبيه ، فقال : أصلح الله الأمير إن أبي زوج ابنتي بغير إذني ، فقال زياد لجلسائه الذين عنده : ما تقولون فيما يقول هذا الرجل؟ قالوا : نكاحه باطل ، قال : ثم أقبل على فقال : ما تقول يا أبا عبد الله فيما سألني؟ فأقبلت على الذين أجابوه ، فقلت لهم : أليس فيما تروون أنتم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن رجلا جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت ومالك لأبيك ، فقالوا : بلى فقلت لهم : كيف يكون هو وماله لأبيه ولا يجوز نكاحه عليه؟ قال : فأخذ بقولهم وترك قولي » وخبر علي بن جعفر (٢) عن أخيه عليه‌السلام المروي عن قرب الاسناد قال : « سألته عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته فهو جدها أن يزوج أحدهما وهو أبوها الآخر ، أيهما أحق أن ينكح؟ قال : الذي هوى الجد أحق بالجارية ، لأنها وأباها للجد ».

ولو اختلف الأب والجد في السبق وعدمه فان علم التاريخ فلا إشكال ، وإن علم تاريخ أحدهما وجهل الآخر حكم بصحة المعلوم بناء على أصالة تأخر المجهول عنه ، وإن جهلا معا قدم عقد الجد بناء على أن مقتضى الأصلين الاقتران الذي عرفت تقدم عقد الجد فيه ، وإن قلنا : إن الاقتران أيضا حادث ينفى بالأصل كان الحكم بالقرعة التي هي لكل أمر مشكل ( مشتبه خ ل ) مع احتمال تقديم عقد الجد ، لإطلاق ما دل عليه ما لم يسبقه عقد الأب ، فمتى لم يعلم بحكم بتقدم عقده ، فتأمل جيدا.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٨.

٢١١

المسألة ( السادسة )

إذا زوجها الولي بالمجنون أو الخصي أو غيرهما ممن فيه أحد العيوب الموجبة للفسخ صح للأصل وقيام الولي مقام المولى عليه الذي يجوز له فعل ذلك لو كان كاملا ، إذ العيوب المذكورة لا تنافي الكفاءة التي يمتنع التزويج مع انتفائها من الولي وغيره ، نعم لها الخيار إذا بلغت ( بعد الكمال خ ل ) للضرر في الإلزام ، ولإطلاق ما دل على الفسخ بأحد العيوب الشامل لما نحن فيه بعد أن كان الصغر في المولى عليه بمنزلة الجهل لو كان مباشرا فيتخير حينئذ ، بل لا يبعد ثبوته للولي أيضا باعتبار نيابته عن المولى عليه المفروض عدم إسقاط إقدامه مع علمه إياه.

وكذا الكلام لو زوج الولي الطفل بمن بها أحد العيوب الموجبة للفسخ لكن عن الشيخ في الخلاف إنه أطلق جواز تزويج الولي الصغيرة بعبد أو مجنون أو مجبوب أو مجذوم أو أبرص أو خصي محتجا بأن الكفاءة ليس من شرطها الحرية ولا غير ذلك من الأوصاف من غير ذكر للخيار ، وكان وجهه أن الولي بعد أن جاز له ذلك كان كالمولى عليه في الفعل ، ولا ريب في عدم ثبوت الخيار له مع علمه وإقدامه عليه ، فهو حينئذ كما لو اشترى معيبا للطفل ، ودعوى تناول أدلة العيوب لمثل المقام واضحة المنع ، ضرورة ظهورها في غيره ، فالمتجه حينئذ فضولية التصرف ، أو جوازه بلا خيار ، لإطلاق ما دل على لزوم التصرف الجائز للولي ، وأنه لا اعتراض للمولى عليه عليه ، نعم لو وقع من الولي علي وجه يثبت فيه الخيار ولو وقع من المولى عليه كما لو زوجه غير عالم بعيبه اتجه ثبوت الخيار حينئذ للولي فضلا عن المولى عليه ، فان اختار الفسخ أو اللزوم على وجه كان يجوز له ذلك مضى على الطفل ، وإلا فلا ، كما أنه لو سكت فلم يختر حتى كمل الطفل مثلا كان الخيار له دون الولي.

٢١٢

ولعله لذلك مال إليه في المسالك ، فإنه بعد أن ذكر عن الشافعية وجها بعدم صحة العقد المذكور من حيث إنه لاحظ للمولى عليه في تزويج المعيب ، سواء علم الولي أم لم يعلم ، ووجها آخر بالتفصيل بعلم الولي بالعيب ، فيبطل كما لو اشترى له المعيب مع علمه أو الجهل ، فيصح ويثبت الخيار للولي على أحد الوجهين ، أولها عند البلوغ ، قال : وهذا الوجه الأخير موجه ، وعلى القول بصحة الفضولي يكون المراد بالبطلان في الأول عدم اللزوم ، بل يقف على الإجازة بعد البلوغ ، ثم قال أيضا : ولو اعتبرنا في عقد الولي الغبطة كما مال اليه بعض الأصحاب فالعقد لازم معها مطلقا ، وموقوف على الإجازة بدونها ، قلت : قد يقال ذلك مع عدم اعتبارها أيضا ، بناء على أن فيه المفسدة والضرر ، ولو الغضاضة العرفية والاستنكار ، ودعوى ارتفاع ذلك بالخيار يدفعها أن وجود الضرر يرفع صحة التصرف من الولي المعتبر في جواز فعله عدم الضرر ، لا أنه يثبت فيه الخيار ، ولعل ذلك لا يخلو من قوة إن لم يكن إجماعا ، ولم تحصل مصالح تقتضي الفعل أو مرجحات بحيث ترتفع المرجوحية معها ، وحينئذ ينفذ ويلزم على المولى عليه على الوجه الذي قد عرفت.

ومن ذلك يعرف الكلام أيضا فيما ذكره المصنف وغيره من أنه لو زوجها بمملوك لم يكن لها الخيار إذا بلغت لعدم اعتبار الحرية في الكفاءة ، وعدم كونها أحد العيوب الموجبة للفسخ وكذا الكلام في الطفل لو زوجه وليه بمملوكة بناء على عدم اعتبار خوف العنت في تزويجه الأمة ، وأما عليه فالمتجه ما قيل بالمنع في الطفل ، لأن الفرض أن نكاح الأمة مشروط بخوف العنت ، ولا خوف في جانب الصبي ، كما هو واضح.

بقي الكلام في جواز عقد الولي الصغيرة مثلا متعة إلى ساعة مثلا بكذا لإرادة حل النظر إلى أمها مثلا للاندراج تحت أمهات النساء (١) مثلا ونحو ذلك مما هو مقتضى إطلاق النص (٢) والفتوى وعموم الوفاء بالعقد (٣) وتبيعته للقصد‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

(٣) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١.

٢١٣

وغير ذلك ، بل كاد يكون صريح بعضهم عند ذكره ما يحرم بالعقد من المصاهرة من دون دخول ، بل عن المحقق في الشرائع وللولي الإنكاح متعة وإن كنت لم أجده فيها نعم عن بعض الناس تقييد ذلك بأن يكون للمولى عليه مصلحة وأن يكون هو المقصود ، فلو لم يكن مقصوده المولى عليه لم يصح ، فلو عقد على صغيرة لإباحة النظر لامها أو لم يكن له فيه مصلحة لم يصح العقد ، ولا يباح النظر ، ولا يحرم به أم المعقود عليها ، وكذا باقي أحكام المصاهرة ، بل جزم بذلك بعض الفضلاء ممن قارب عصرنا وصنف فيه رسالة.

لكن لا يخفى عليك أن الجواز هو الموافق لما عرفت ، ودعوى اعتبار كون المقصود ذلك للمولى عليه واضحة المنع ، لمنافاتها عموم الأدلة وإطلاقها ، سيما مع ملاحظة كثير مما ذكروه في الحيل الشرعية مما هو منطبق على القواعد في كتاب الطلاق ، والتخلص عن الربا ، والجمع بين الأختين ، وإسقاط العدة ، والاستبراء ، وغير ذلك ، والفوائد المذكورة في أصل مشروعية النكاح والمتعة والصلح وغيرها من العقود ليست شرطا في صحة العقد ، وإنما هي حكم ومصالح لأصل المشروعية ، كما هو واضح.

وكان عدم نص أساطين الأصحاب على ذلك للمفروغية منه كالمفروغية من عدم اعتبار القصد الى جميع آثار العقد وما يترتب عليه في صحته ، وأنه يكفي في ذلك القصد بالعقد الى كونها زوجة باعتبار أنها أنثى ، وهي محل له ذاتا وإن لم تكن أهلا للوطء فعلا لإرادة ترتيب بعض الآثار ولو حل النظر إلى الأم ونحوه ، ولذا نفى بعضهم عنه الخلاف بين أهل العلم.

فمن الغريب ما وقع من الفاضلين المزبورين من الوهم المسطور ، وأغرب من ذلك ما ذكره ثانيهما في الرسالة المزبورة مما هو خارج عن محل البحث ، والله العالم والهادي.

٢١٤

المسألة ( السابعة )

لا يجوز نكاح الأمة إلا بإذن مالكها الذكر إجماعا أو ضرورة من المذهب أو الدين ، بل ولو كان المالك امرأة في الدائم وأما المنقطع فالمعروف بين الأصحاب عدم جوازه ، بل هو الذي استقر عليه المذهب ، بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع عليه ، لقبح التصرف في مال الغير ، والأمر بنكاحهن بإذن أهلهن (١) وما يظهر من النصوص (٢) أيضا ولكن مع ذلك قيل والقائل الشيخ في محكي النهاية والتهذيب يجوز لها أن تتزوج متعة إذا كانت لامرأة من غير إذنها لخبر سيف بن عميرة (٣) الذي رواه تارة عن الصادق عليه‌السلام بلا واسطة ، واخرى بواسطة علي بن المغيرة (٤) وثالثة بواسطة داود بن فرقد (٥) ومن هنا عده بعضهم ثلاثة أخبار ، لكن في المسالك أن مثله اضطراب في السند يضعف الرواية لو كانت صحيحة ، فضلا عن مثل هذه الرواية ، وربما ناقشه في ذلك بعضهم ، وعلى كل حال فمتنه قال‌ : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتمتع بأمة امرأة بغير إذنها قال : لا بأس به ».

ولا ريب أن الأول أشبه بأصول المذهب وقواعده ، إذ لا يخفى عليك أن مثل هذه الأخبار ـ المخالفة لقاعدة قبح التصرف في مال الغير والكتاب وإجماع الأصحاب وصحيح البزنطي (٦) « سألت تتمتع الأمة بإذن أهلها ، قال : نعم إن الله عز وجل يقول ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) » وغير ذلك ـ مما لا ينبغي الالتفات إليها ، بل هي من القسم الذي قد أمرنا بطرحه والاعراض عنه ، بل ربما‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب المتعة والباب ـ ٢٩ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المتعة الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المتعة الحديث ٣.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب المتعة الحديث ٣.

٢١٥

كانت هي مما دس في كتب الشيعة لإرادة إفساد مذهبهم ، فمن الغريب إطناب بعض الناس في ذلك ، وأغرب منه ميلة الى القول بمضمونها ، وليس ذلك إلا من آفة نعوذ بالله منها ، ولو أن مثل هذه الأخبار تزلزل ما استقر عليه المذهب مما كان مثل ذلك لم يبق شي‌ء منه مستقر ، وقد قال الله تعالى (١) ( إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظُونَ ) فلا بد من إذنها حينئذ ، ولو قلنا بأنها مولى عليها مع كونها بالغة رشيدة ، إذ لا تلازم بين الأمرين ، بل هو من التصرف المالي الغير الممنوعة منه قطعا.

المسألة ( الثامنة )

إذا زوج الأبوان الصغيرين مراعيين ما يعتبر في جواز ذلك لهما لزمهما العقد للأصل ، وقيام الولي مقام المولى عليه وللنصوص المعتبرة (٢) بل لا خلاف أجده فيه في الصبية ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه فيها ، نعم خالف فيه جماعة من الأصحاب في الصبي ، فأثبتوا له الخيار عملا ببعض الأخبار (٣) القاصر عن معارضة غيره من وجوه ، كما عرفته سابقا ، فهو إما مطرح أو محمول على الخيار بالطلاق أو أحد العيوب ، أو يراد بالخيار فيه الإجازة مع فرض وقوع ذلك من الولي على جهة الفضولي ، لعدم الغبطة أو حصول المضارة أو نحو ذلك مما لا بأس به في مقام الجمع بين الراجح والمرجوح.

وعلى كل حال فان مات أحدهما ورثه الآخر حتى على القول بالخيار ، كما حكي عنه التصريح به ، ضرورة عدم منافاته لتحقق موجب الإرث الذي هو الزوجية.

__________________

(١) سورة الحجر : ١٥ ـ الآية ٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب عقد النكاح.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٨ و ٩.

٢١٦

ولو عقد عليهما غير أبويهما مما ( ممن ظ ) لا يجوز له تزويجهما كان من الفضولي ، بناء على عدم اعتبار المجيز له في الحال ، أو يفرض وجود الولي لهما ولم يجز ، أو لم يعلم والحكم فيه حينئذ إنه إن مات امعا أو أحدهما قبل البلوغ بطل العقد قطعا ، لعدم ، تماميته ولو من طرف واحد وسقط المهر والإرث حينئذ لعدم تحقق موجبهما كما هو واضح.

ولو بلغ أحدهما فرضي به لزم العقد من جهته بناء على أن الإجازة كاشفة ، فالمراد باللزوم حينئذ من جهته عدم جواز فسخه له ، بل في القواعد في نحو المقام أنه تحرم المصاهرة عليه ، بل في كشف اللثام نفي الاشكال فيه ، فلا يجوز له إن كان الزوج نكاح الأخت والخامسة وكل من الأم والبنت إلا إذا فسخت الزوجة ، فلا حرمة على إشكال في الأم ، وفي الكشف من أن الفسخ كاشف عن الفساد أو رافع له من حينه ثم قال فيها : ومع الطلاق نظر لترتبه على عقد لازم ، فلا يبيح المصاهرة إلى أن قال فيها : وإن كان الزوجة لم يحل لها نكاح غيره مطلقا إلا إذا فسخ ، والطلاق هنا معتبر ، وفي الكشف وهل لها نكاح أبيه أو ابنه؟ فيه الوجهان في إباحة الأم بالفسخ ، لكنه قد يناقش باعتبار تحقق النكاح في تحريم ذلك وليس ، إذ الفرض عدم حصول الإجازة من الآخر ، واحتمال حصولها غير كاف في تحققها ، بل الأصل يقتضي عدمها ، بل مقتضاه جواز ذلك كله له حتى تحصل وإن انكشف بعد حصولها بطلان التصرف الحاصل بين العقد وبينها ، فمن باع ماله من فضولي لم يمتنع عليه الانتفاع به ولو المتلف ، اللهم إلا أن يفرق بينه وبين النكاح المطلوب فيه الاحتياط بالأنساب وغيرها ، أو يلتزم فيهما معا بالحرمة من باب المقدمة ، ضرورة أنه على الكشف بالمعنى المعروف عندهم يكون الأمر دائرا بين كونها أم امرأته مثلا أو غيرها ، فيحرم وطؤها مقدمة لامتثال تحريم نكاح أم الزوجة ، ويحرم عليه التصرف في المال ، لدورانه بين كونه ماله ومال غيره ، فيجب اجتنابه مقدمة لامتثال حرمة التصرف في مال الغير ، وبذلك ينقطع استصحاب الجواز السابق ، فإنه لا يعارض باب المقدمة ، بل لعل موضوع المستصحب غير محقق بعد صدور ما يحتمل السببية منه المخرجة له‌

٢١٧

عنه ، كما أنه ، لم يعلم تناول أدلة الحل للفرض ، إذ هي نكاح غير أم الامرأة ، ولم يعلم كونها كذلك ، هذا أقصى ما يمكن أن يقال.

لكن الانصاف عدم خلوه مع ذلك عن الاشكال ، خصوصا بعد ملاحظة أصل عدم حصول الإجازة ، واستصحاب أحكام الموضوع السابق ، مثل جريان هذا العقد والعزل في خبر الحذاء (١) إنما هو للاحتياط في حفظ المال ، كالعزل للحمل ، فهو مخصوص في محله ، ولذا صرحوا بإعطائه للوارث مع فرض طول الانتظار ونحوه بجنون ونحوه ، فتأمل فإنه قد يقال بمعارضة أصالة عدم الإجازة بأصالة عدم حصول المبطل للعقد المتأهل للصحة ، والاستصحاب قد انقطع قطعا ، ضرورة اندراجها في المعقودة التي هي غير نافذة العقد ، نعم هي محتملة لكونها من ذي العقد المقبول أو المردود ، ولا أصل ينقح ذلك ، فيجب الاجتناب مقدمة كالمعقودة المشتبهة بغيرها ، مؤيدا ذلك بتناول أمر الوفاء بالعقد الشامل لمثل هذا العقد للأصيل مثلا ، وليس الوفاء به إلا المراعاة لحاله ، وإجراء حكم المصاهرة ونحوها عليه ، لأن الوفاء بكل شي‌ء بحسب حاله ، بل لعل الأمر بعزل المال في الصحيح الآتي (٢) لذلك.

نعم من الغريب ما سمعته مع احتمال تحريم الأم والأب والابن بمجرد صدور العقد فضولا الذي تعقبه عدم الإجازة ولو من طرف واحد ، لاحتمال كون الفسخ من حينه ، فإنه لا يقتضيه أصل ولا قاعدة ولا فتوى ، بل يمكن تحصيل الإجماع أو الضرورة بخلافه ، والطلاق غير مجد ، ضرورة اعتبار تعقبه للنكاح ، والفرض عدم تماميته لعدم حصول الإجازة ، وإن قلنا بكونها كاشفة بناء على مدخليتها في تأثير الصحة ولو على جهة الكشف الشرعي فلا يؤثر الطلاق حينئذ فسخا ، نعم على ما حققناه سابقا من عدم المدخلية لها في الصحة ، وإنه يكفي فيها أن يرضى الذي هو في علم الله كالمحقق يتجه تأثير الطلاق لو صادف الصحة على الأصح ، لعدم اعتبار العلم بها فيه فتأمل جيدا ، فإنه دقيق.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ١ من كتاب المواريث.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ١ من كتاب المواريث.

٢١٨

وكيف كان فان مات هذا الذي قد أجاز عزل من تركته نصيب الآخر قبل البلوغ احتياطا ، لاحتمال كونه وارثا بالإجازة الكاشفة ، نحو ما يعزل نصيب الحمل فان بلغ فأجاز العقد أحلف أنه لم يجز للرغبة في الميراث وورث لانكشاف صحة العقد حينئذ من حين وقوعه ، فتحقق الزوجية الموجبة للإرث والمهر وغيرهما من أحكامها.

ولو مات الذي لم يجز قبل البلوغ أو بعده قبل الإجازة بطل العقد لعدم تحققه وحينئذ ف لا ميراث ولا مهر ولا غيرهما من أحكام الزوجية ، والأصل في هذه الأحكام‌ صحيح الحذاء (١) قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن غلام وجارية زوجهما وليان لهما وهما غير مدركين ، فقال : النكاح جائز وأيهما أدرك كان له الخيار ، وإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر ، إلا أن يكون قد أدركا ورضيا ، قلت : فإن أدرك أحدهما قبل الآخر ، قال : يجوز ذلك عليه إن هو رضي ، قلت : فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي بالنكاح ثم مات قبل أن تدرك الجارية أترثه؟ قال : نعم ، يعزل ميراثها منه حتى تدرك فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها بالتزويج ، ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر ، قلت : فان ماتت الجارية ولم تكن أدركت أيرثها الزوج المدرك؟ قال : لا ، لأن لها الخيار إذا أدركت ، قلت : فان كان أبوها هو الذي زوجها قبل أن تدرك ، قال : يجوز عليها تزويج الأب ، ويجوز على الغلام ، والمهر على الأب للجارية » والمراد بالوليين في صدره بقرينة ما في ذيله من له الولاية عرفا كالعم والأخ ، أو في المال خاصة ، أو في النكاح أيضا ولكن لم يراع الغبطة المعتبرة في تصرفه ، واشتماله على تنصيف المهر بالموت ونحو غيره من الأخبار الدالة على ذلك غير قادح في حجيته مع احتمال تقدم النصف الآخر.

ثم إن ظاهره كالفتاوى اعتبار اليمين في الإرث وغيره من الأحكام ، فلو لم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ١ من كتاب المواريث.

٢١٩

تحلف فلا إرث ولا مهر ولو لعارض من موت وغيره ، فما في المسالك ـ من أنه ربما احتمل مع موته قبل اليمين ثبوت الإرث ، من حيث إنه دائر مدار العقد الكامل ، وهو هنا حاصل بالإجازة من الطرفين ، بل في القواعد إن مات قبل اليمين بعد الإجازة فإشكال ـ كما ترى ، ضرورة منع كمال العقد بدونه ، وأنه لو كان كذلك لم يتوقف على اليمين ابتداء ، بل قيل : إن الحلف فيه جار على الأصل باعتبار توقف صحة العقد على الرضا به واقعا على وجه بحيث لو كان حيا لرضيت به زوجا ، لا أنها أظهرت الرضا رغبة في الميراث ، وإلا فهي غير راضية به زوجا في الواقع وإن كان هو كما ترى ، ولو جنت بقي المال على عزله من العين إن أمكن وإلا فمن المثل أو القيمة.

وقيل : لو خيف الضرر على الوارث أو المال دفع اليه ، وضمن للمجنون إن أفاق وأجاز وحلف ، لأن استحقاقه الآن غير معلوم ، والأصل عدمه ، وفيه أن استحقاق كل منهما غير معلوم ، ولذا أمر بالعزل كما عرفته سابقا ، فالمتجه الانتظار.

ولو أجاز الزوج ونكل عن اليمين ففي لزوم المهر عليه إشكال من مؤاخذة العقلاء بالإقرار ، ومن أنه فرع الزوجية التي لم تثبت إلا باليمين نصا وفتوى ، بل هي جزء من علة النكاح أو شرط ، ولعل الأول أقوى ، لأن جزء السبب الرضا ، والإجازة تتضمن الاخبار به ، فيكون إقرارا في حقه ، والافتقار الى اليمين لدفع التهمة ، حيث يردا إثبات حق على الغير ، مع أنه خارج عن النص لكونه في المرأة خاصة ، وعليه ففي إرثه منه إشكال من توقف الإرث على اليمين ، ومن أن الإقرار لا يوجب المؤاخذة إلا ببعض المهر ، فإن غاية ما يلزم تحقق الزوجية في طرفه ، وهو لا يستلزم هنا إلا ثبوت بعض المهر ، ولا دليل على الزائد ، وأيضا هو إما صادق أو كاذب ، فان كان الأول فليس عليه ، إلا بعض المهر ، وإن كان كاذبا فلا مهر أصلا ، وليس هو كالإقرار بمائة مثلا لامرأة ثم ادعى أنها مهر نكاح يرث منه ، ضرورة وضوح الفرق بينهما وحكم المجنونين حكم الصغيرين.

نعم قد يشكل جريان الحكم في البالغين إذا زوجهما الفضولي من التساوي في الفضولية ، ومن أن في بعض أحكامه ما هو على خلاف الأصل ، فيقتصر على مورده ، لكن في المسالك تبعا لجامع المقاصد إن هذا أقوى ، فيحكم ببطلان العقد‌

٢٢٠