جواهر الكلام - ج ٢٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

والشافعي وأحمد وإسحاق والقاسم بن محمد وسليمان بن يسار وسالم بن عبد الله ونحوهم من كبار العامة ، غير صريحة في المخالفة باعتبار احتمالها الأبكار التي لم يحصل لهن رشد في أمر النكاح وإن بلغن بالعدد ورشدن في حفظ المال ، أو النهي كراهة عن الاستبداد وعدم الطاعة والانقياد ، خصوصا الأب الذي هو غالبا أنظر لها ، وأعرف بالأمور منها ، وادعى لما يصلحها ، وهو المتكلف بأمورها ، وبالخصومة مع زوجها لو حديث بينهما نزاع وشقاق ، فالذي يليق بها إيكال أمرها إليه كما هو الغالب والمعتاد في الأبكار من تبعية رضاهن لرضا الوالد ولو بالسكوت عند نقله ، ولذا لا يستأمرها خصوصا بعد أن كان إذنها صماتها.

وربما أومأ الى ذلك ما في جملة منها من نفي الأمر لهن إذا كن بين الأبوين بعد العلم بعدم ولاية للأم عندنا ، كقول أحدهما عليه‌السلام في خبر ابن مسلم (١) : « لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها ، ليس لها مع الأب أمر ، وقال : يستأمرها كل أحد ما عدا الأب » وقول الصادق عليه‌السلام في خبر إبراهيم بن (٢) ميمون : « إذا كانت الجارية بين أبويها فليس لها مع أبويها أمر » وقوله عليه‌السلام أيضا في خبر الفضل بن عبد الملك (٣) : « لا تستأمر الجارية التي بين أبويها إذا أراد أبوها أن يزوجها هو أنظر لها » بل لعل الظاهر من استئمار غير الأب لها أن لها أمرا وإذنا.

ومن ذلك يظهر الوجه‌ في خبري العلاء بن رزين (٤) وابن أبى يعفور (٥) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « لا تتزوج ذوات الآباء من الأبكار إلا بإذن آبائهن » بل لعل النهي فيه إرشاد باعتبار مخالفته لمذهب العامة ، وما فيه من العار والغضاضة التي هي مظنة إثارة الفتن ، كما أومأ إليه خبر المهلب السابق ، بل وخبر إسماعيل (٦)

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٦.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٦.

(٦) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ١٥.

١٨١

« سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل تتزوج ببكر أو ثيب لا يعلم أبوها ولا أحد من قراباتها ولكن تجعل المرأة وكيلا فيزوجها من غير علمهم ، فقال : لا يكون ذا » ضرورة عدم الولاية لأحد في الثيب.

والوجه‌ في خبر الحلبي (١) عنه عليه‌السلام أيضا « في الجارية يزوجها أبوها بغير رضا منها ، قال : ليس لها مع أبيها أمر ، وإذا أنكحها جاز نكاحه وإن كانت كارهة » أي لا ينبغي لها معارضة أبيها وإن كرهت نفسها ، فإن اللائق بها إيثار رضا أبيها على رضاها ومحبتها ، كما أومأ إليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مخاطبته للجارية في الخبر السابق.

وفي خبر (٢) زرارة « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : لا ينقض النكاح إلا الأب » المحتمل أيضا إرادة بيان أنه لا ينبغي أن يعترض أحد أمر النكاح بعد تمام مقدماته إلا الأب ، فإن له اعتراضه ونقضه ، بل لعله دال على خلاف المطلوب ، ضرورة اقتضائه صحة النكاح إذا وقع منها إذا لم ينقضه الأب وإن لم يكن عن إذنه.

وفي خبر عبد الله بن الصلت (٣) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء إلها مع أبيها أمر؟ فقال : ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيب ». بل مما ذكرنا يظهر لك الوجه‌ في النبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لا نكاح إلا بولي » والآخر‌ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا إنه قال : « أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ـ ثلاثا ـ » مع أن الثاني نقلوه عن الزهري ، وقد أنكره ، قال ابن الجريح : « سألت الزهري عن هذا الخبر فلم يعرفه » كما حكاه في المسالك ، بل المراد من الأول نفي النكاح الكامل قطعا لا الصحيح ، كما لا يخفى على من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ١١ وفيه عن الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن البكر ـ إلخ.

١٨٢

تأمل إفراده ولاحظ نظائره.

كل ذلك مضافا إلى ما أطنب فيه في المسالك من المناقشة في جميع هذه النصوص سندا ودلالة ، وأضعف من هذا ما عن الحلبيين والمقنعة على اضطراب في عبارتها كما قيل ، بل في كشف اللثام اقتصر فيها على ذكر الأب من التشريك بينهما في الولاية ، بمعنى توقف الصحة على الرضا منهما معا.

كما أومأ إليه المصنف بقوله وفيه رواية أخرى دالة على شركتهما في الولاية حتى لا يجوز لهما أن ينفردا عنها بالعقد إذ لم نعرف له وجها سوى دعوى الجمع بين الأدلة بشهادة إشعار الحظ والنصيب ونحوهما مما مر في النصوص السابقة بذلك ، وهو كما ترى تأباه كل منهما ، والحظ والنصيب لا ينافي الاستقلال ، أي يستحب اختيار رضاها ومحبتها الباطنة وإن كانت لا تعارض ولا تتكلم للحياء ، وقد راعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند خطبة علي عليه‌السلام وغيره الزهراء سلام الله عليها منه ، فلا ينبغي لمن له أدنى معرفة بمذاق الفقه وممارسته في خطاباتهم التوقف في هذه المسألة.

نعم يستحب لها إيثار اختيار وليها على اختيارها ، بل يكره لها الاستبداد كما أنه يكره لمن يريد نكاحها فعله بدون إذن وليها ، بل ربما يحرم بالعوارض ، بل ينبغي مراعاة الوالدة أيضا ، بل يستحب لها إلقاء أمرها إلى أخيها مع عدمهما ، لأنه بمنزلتهما في الشفقة والتضرر بما يلحقها من العار والضرر وفي الخبرة ، والبصيرة ، ولدخوله فيمن بيده عقدة النكاح في بعض الأخبار السابقة ، بل الذي ينبغي أن تخلد إلى أكبر الإخوة إن لم يترجح عليه غيره بالخبرة والبصيرة والشفقة وكمال العقل والصلاح ، لأنه بمنزلة الأب كما في مرسل الحسن بن علي عن الرضا عليه‌السلام.

وكيف كان فهذا كله إذا لم يعضلها.

أما إذا عضلها الولي وهو أن لا يزوجها من كفو مع رغبتها ورغبته بمهر المثل أو بدونه ، وفي الصحاح « يقال : عضل الرجل أيمه إذا منعها من التزويج » وفيه أيضا « وعضلت عليه تعضيلا إذا ضيقت عليه في أمره ، وحلت بينه وبين ما‌

١٨٣

يريد » قلت : قد يرجع الأول للثاني ، وعلى كل حال فإنه تسقط ولايتهما حينئذ ويجوز لها أن تزوج نفسها ولو كرها إجماعا منا بقسميه ، مضافا إلى الخيانة ، وإلى قوله تعالى (١) ( فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ) بناء على دخول بعض أفراد المقام فيه ، وكون المراد نهي الناس أجمع الذي يدخل فيهم الأولياء ، على معنى أنه لا يكون عضل منكم أو المراد خطاب الأولياء ، وعلى كل حال فالمراد بأزواجهن من رضين به أن يكونوا أزواجا ، لا خصوص الأزواج السابقة وإن احتمل في الآية ، ولكن على أى وجه دال على المطلوب ، نعم لو قيل بكون المراد نهي الأزواج السابقين عن عضل النساء أن يتزوجن بعد خلائهن خرجت عن الدلالة ، هذا وربما استفيد من الآية ثبوت الولاية وإلا لم يكن للعضل وجه ، وفيه أن العضل ظلما متحقق على كل حال كما هو واضح.

وكيف كان فلا تحتاج إلى مراجعة الحاكم خلافا للمحكي عن أكثر العامة من سلب عبارتها في النكاح ، فيزوجها حينئذ الحاكم ، ولم نعرف ذلك لأحد من أصحابنا ، نعم عن التذكرة تارة جواز الاستقلال ، ناقلا له عن جميع علمائنا ، مصرحا بعدم اشتراط مراجعة الحاكم ، وأخرى اشتراط إذنه وإثبات العضل عنده وإلا لم يكن له ، كما عن بعض العامة ، لكنه واضح الضعف ، مخالف للأصل والإجماع بقسميه.

وليس من العضل المنع من تزويج غير الكفو شرعا ، بل النكاح معه فاسد بناء على ما تعرفه من اشتراط الكفاية في صحة النكاح ، بل لعل المنع من غير الكفو عرفا للضعة ونحوها ليس بعضل ، فلا يبعد جواز منع الولي عن ذلك ، حتى على المختار من عدم الولاية لأحد عليها إذا كان في ذلك غضاضة ونقص وعيب في العرض ، وإن كان لو خالفت وعقدت نفسها كان العقد صحيحا ، ولو عضلها الأب دون الجد أو بالعكس سقطت ولاية من عضل دون الآخر.

__________________

(١) البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٢.

١٨٤

ولو كان المنع عن قسم خاص من النكاح ، كالمؤجل أو الدائم أمكن كونه عضلا ، خصوصا مع عدم تيسر الآخر ويحتمل العدم ، لإطلاق أدلة الولاية المقتصر في تقييدها على المتيقن ، وهو المنع من أصل التزويج ، وفيه صدق المنع من أصل التزويج حال عدم تيسر الآخر ، وقد يفرق بين التزويج الدائم والمنقطع ، فيكون عضلا في الأول دون الثاني.

ولو اختارت شخصا والولي آخر وكل منهما كفو ففي المسالك « ففي تقديم مختاره نظرا إلى أن رأيه في الأغلب أكمل ، ولأنه الولي ، أو مختارها ، لأنه أقرب الى ألفتها وجهان : أجودهما الثاني » وفيه أن المتجه الأول بناء على عدم سقوط ولايتهما ، لإطلاق الأدلة ، ولأن ذلك يؤدى الى عدم ولايته في أغلب الأحوال ، ضرورة إمكان دوام اختيار خلاف مختاره ، والظاهر تحقق العضل بمجرد منع الكفو مع رغبتها فيه وإن كان لطلب كفو آخر ، بل وإن كان لعدم بذله مهر المثل ، ضرورة إمكان عدم خاطب آخر ، ولصدق المنع عن التزويج وإن كان لطلب الأعلى ، ولأن المهر حقها ، فلها العفو عن جميعه وبعضه ، ولو قلنا باختصاص ولايتهما في الدائم دون المنقطع أو بالعكس ففي تصور العضل منهما مع تيسر القسم الآخر الذي لا ولاية لهما عليه فيه منع ، أما مع عدم تيسره فيمكن تحققه حينئذ بمنعها منه ، لكنه لا يخلو من إشكال ، لإطلاق أدلة الولاية كما عرفته في نظيره ، والأمر سهل بعد سقوط هذه المسألة عندنا من أصلها ، لما عرفته من استقلالها بالولاية.

وعلى كل حال ف لا ولاية لهما فضلا عن غيرهما على الثيب التي قد ذهبت بكارتها بالوطء ولو من زنا أو شبهة قبل البلوغ وبعده مع البلوغ والرشد بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل يمكن دعوى القطع بذلك على وجه لا ينافيه خلاف العماني ، خصوصا بعد ملاحظة الأصل والنصوص التي كادت تكون متواترة السالمة عن المعارض المعتد به ، إذ‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا نكاح إلا بولي » بعد تسليم كونه من القسم الذي يجوز العمل به من الأخبار عام يمكن تخصيصه بما عرفت ، كما أن خبر إسماعيل السابق ونحوه محمول على ضرب من الإرشاد ، وكذا ما في بعض‌

١٨٥

النصوص من ظهور اعتبار النكاح في الثيب محمول على الغالب ونحوه بعد قصوره عن تقييد غيره من المطلق للشهرة وغيرها ، بخلاف من ذهبت بكارتها بغير الوطء من عثرة أو غيرها ، فإن الأصل وغيره يقتضي ببقاء حكم البكارة لها ، فيجري فيها البحث السابق الذي قد عرفت أن الأقوى عدم الولاية عليها أيضا.

وكيف كان فلا إشكال في عدم ولايتهما عليها ، كما لا إشكال في عدم ولايتهما على البالغ الرشيد بل ولا خلاف ، بل يمكن دعوى الإجماع عليه ، للأصل وبعض النصوص ، نعم تثبت ولايتهما على الجميع أي البكر والثيب والبالغ مع الجنون المتصل بالصغر ، بلا خلاف أجده فيه ، بل في المسالك أنه موضع وفاق ، بل في غيرها الإجماع عليه ، للاستصحاب المؤيد باستبعاد عزلهما عن ولاية النكاح خاصة ، ضرورة بقاء ولايتهما على المال المشروط انقطاعهما بايناس الرشد ، مضافا الى ما سمعته من خبر أبى بصير في تفسير من بيده عقدة النكاح. وأما المنفصل بالبلوغ والرشد فظاهر إطلاق المصنف هنا كإطلاق غيره أنه كذلك ، بل هو صريح بعضهم ، معللين له بإطلاق النص وفي كشف اللثام بعد أن حكى عن التذكرة والتحرير أنه تعود ولايتهما قال : « وهو الأقرب ، بل لا عود حقيقة ، لأن ولايتهما ذاتية منوطة بإشفاقهما وتضررهما بما يتضرر به الولد » قلت : لم نعثر على نص يقتضي إطلاقه ذلك ، وكونها ذاتية لا تستلزمه ، فيندرج في إطلاق ما دل على أنه « ولي من لا ولي له » بعد انقطاع ولايتهما بالبلوغ والرشد ، بل لو لا الإجماع المدعى على ثبوت ولايتهما على المتصل لأمكن دعوى نفيها باعتبار كون المسلم منها الثبوت من حيث الصغر المفروض انتفاؤه ، خصوصا بعد ما عن المسالك وغيرها في باب الحجر من أن الأكثر على ثبوت الولاية للحاكم على من بلغ سفيها وإن كان أبوه حيا ، وإن كان للنظر فيه مجال ، ولذا كان المحكي عن الشهيد وجماعة ثبوتها للأب ، لما عرفته ، وقد تقدم تحقيق الحال فيما تقدم ، فلاحظ.

لكن ومع ذلك فالإنصاف قوة كون الولاية لهما في المتجدد بعد فرض ولايتهما‌

١٨٦

في المتصل ، خصوصا بعد معلومية كون المنشأ في ولايتهما الشفقة والرأفة ونحوهما مما لا فرق فيه بين المتصل والمنفصل ، وملاحظة قوله تعالى (١) ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) وغيره خصوصا فيما ورد في الأب الذي هو للولد بمنزلة الرب ، ولعله لذا يحكى عن القطيفي دعوى عدم الفرق بين المتصل والمنفصل في باب النكاح ، أي في الولاية وعدمها ، على أن المتجه على تقدير التفصيل أنه لو كان الجنون أدواريا فاتفق دوره متصلا بالبلوغ كانت الولاية لهما ، وبعد انتهائه ترتفع ، فإذا جاء الدور الثاني كانت الولاية للحاكم ، وهو كما ترى ، فتأمل جيدا.

وعلى كل حال ف لا خيار لأحدهم مع الإفاقة للأصل وغيره ، بل في المسالك وغيرها الإجماع عليه.

وللمولى أن يزوج مملوكته صغيرة كانت أو كبيرة عاقلة أو مجنونة راغبة أو كارهة ولا خيار لها معه بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل ولا إشكال ، بل الإجماع بقسميه عليه ، ضرورة كونه مقتضي تسلط الناس على أموالهم ، ومقتضى قوله تعالى (٢) ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ).

بل وكذا الحكم في العبد الصغير والكبير والعاقل والمجنون والراغب والكاره ، كما هو ظاهر قوله تعالى (٣) ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ ) الى آخره الذي لا ينافيه ذكر الأيامى معهم الذين علم اعتبار الاذن فيهم ، وقوله (٤) ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) وحسن زرارة (٥) عن الباقر عليه‌السلام « سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده ، فقال : ذاك إلى سيده إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما » وتسلط الناس على أموالهم ، وكونه مالكا للطلاق لا ينافي جواز إجباره على النكاح وإن‌

__________________

(١) سورة الأنفال : ٨ ـ الآية ٧٦.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٩.

(٣) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣٢.

(٤) سورة النحل : ١٦ ـ الآية ٧٧.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

١٨٧

تمكن من ازالته به ، فما عن بعض العامة من عدم ملك المولى الإجبار عليه لذلك في غير محله ، بل له إجباره على الوطء ، بل الظاهر عدم الفرق بين تولي السيد القبول عنه وبين إلزامه به بعد أن كان إكراهه بحق ، كما هو واضح.

نعم لا ولاية له على المبعض على الوجه المزبور ، بل ولا للكافر على المملوك المسلم ، بل قد يشكل ولاية الحاكم حينئذ عليه ، لعدم كونه مولى عليه على كل حال ، كالصغير والمجنون حتى تترتب الأولياء في حقه ، وإنما هو مولى عليه للمالك من حيث المالية ، وقد فرض عدم ولاية له في هذا الحال ، لا أن الكفر مانع ، فيبقى حينئذ بلا ولي بالنسبة إلى النكاح ونحوه وإن تولى بيعه الحاكم مثلا على الكافر ، فإنه لا تلازم ، كما لا تلازم بين ثبوتها لولي لطفل والمجنون بالنسبة إلى مملوكهما وبين ما نحن فيه ، لوضوح الفرق بينهما والله العالم.

والمشهور على ما في الروضة أنه ليس للحاكم ولاية في النكاح على من لم يبلغ ذكرا كان أو أنثى ، للأصل وعدم الحاجة إليه بعدم البلوغ ، لكن فيه ما لا يخفى ، ضرورة عدم انحصار مصلحة النكاح في الوطء ، ولذا جاز إيقاعه للأب والجد والأصل مقطوع بعموم ولاية الحاكم المستفادة من نحو‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « السلطان ولي من لا ولي له » وغيره المراد به أنه قائم مقام الولي حيث لا ولي غيره ، على وجه استغنت عن الجابر في خصوص الموارد ، نحو غيرها من القواعد ، مضافا إلى خبر أبى بصير الوارد في تفسير من بيده عقدة النكاح ، بل‌ في صحيح ابن سنان « ( الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ) هو ولي أمرها » ولعله لذا ونحوه ناقش في المسالك فيه ، بل أجاد في كشف اللثام حيث إنه بعد أن ذكر المستند السابق قال : « وفيه نظر ظاهر ، فان استند الفرق أي بين الحاكم والأب إلى الإجماع صح ، وإلا أشكل » أي بما ذكرناه اللهم إلا أن يقال : إن ولاية الحاكم على الصغير من باب الحسبة بخلاف ولاية الأب والجد والفرض عدم الحسبة حال الصغر ، أو يقال : إن ظاهر ما تسمعه من الخبر الآتي في الصغيرين إذا زوجا ومات أحدهما ونحوه من الأخبار المشتملة على التفصيل في الحكم بين تزويج الأب وغيره ، وأنه إن كان‌

١٨٨

الأول مضى ، وإلا كان فضولا ، ضرورة دخول الحاكم في الغير ، لكن قد يمنع دوران ولايته على الحسبة ، بل ظاهر ما دل عليه من نص وغيره كونه كغيره من الأولياء في موضوع الولاية ، وليس هو كولاية عدول المؤمنين ، وأيضا قد يمنع عدم الحسبة حال الصغر ، ضرورة عدم انحصارها في الوطء ونحوه ، وأما الأخبار المزبورة فهي غير مساقة لبيان ذلك ، بل المراد منها أن العقد إن كان ممن له الولاية مضى ، وإلا كان فضولا كما لا يخفى على من تأملها ، فالعمدة حينئذ الإجماع إن تم.

نعم لا ولاية له ولا لغيره على الأصح على بالغ رشيد ذكرا كان أو أنثى ، للأصل والإجماع بقسميه وتثبت ولايته على من بلغ غير رشيد بجنون ولم يكن له ولي من حيث القرابة أو تجدد فساد عقله إذا كان النكاح صلاحا له بلا خلاف أجده فيه ، بل الظاهر كونه مجمعا عليه ، لأنه‌ « ولي من لا ولي له » (١) وفي المسالك استظهر من المتن ثبوت ولايته عليهما مع وجود الأب والجد ، واستحسنه في المتجدد دون المتصل ، وفيه أن المراد بقرينة كلامه السابق مع عدم الولي القريب ، بل لعل ظاهر كلامه المتقدم ثبوتها له في المتجدد فضلا عن المتصل وإن كان فيه ما عرفت.

ولا ولاية للوصي وإن نص له الموصى على الإنكاح على الأظهر الأشهر كما في المسالك بل المشهور كما في غيرها ، للأصل بعد عدم ثبوت مشروعية الإحداث لهما على وجه يشمل ذلك ، وعدم قابلية نقل الولاية من حيث القرابة بعد الموت ، لانقطاعها به ، كما لا تقبل الحضانة ونحوها مما يختص بالقرابة النقل بالوصاة ، ولانتفاء حاجة الصغير اليه.

وفيه أن الأصل مقطوع بعموم ( فَمَنْ بَدَّلَهُ ) (٢) ونحوه مما دل على وجوب إنفاذ ما يعهد به الميت المقتضي صحة جميع ما يوصى به إلا ما علم فساده ،

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ١٠٥.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٨١.

١٨٩

وانسياق إرادة خصوص الإيصاء بالخير للوالدين والأقربين من الضمير في الآية مناف لمعروفية الاستدلال بها في النصوص (١) وكلام الأصحاب على عموم الموصى به ، كما لا يخفى على من لاحظ ذلك ، على أن النصوص كافية في الدلالة على هذا المضمون.

وب‌ صحيح ابن مسلم وأبى بصير (٢) عن أبى جعفر عليه‌السلام « سألته عن الذي بيده عقدة النكاح قال هو الأب والأخ والموصى اليه » وخبر أبى بصير (٣) عن الصادق عليه‌السلام « ( الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ) هو الأب والأخ والموصى اليه » واشتمالهما على ذكر الأخ لا يسقطهما عن الحجية في غيره مع إمكان حمله على كونه وكيلا لها أو وصيا ، وإن صار عطف الوصي عليه من عطف العام على الخاص.

ولا يعارض ذلك‌ الصحيح المضمر (٤) « سأله رجل عن رجل مات وترك أخوين وبنتا والبنت صغيرة ، فعمد أحد الأخوين الوصي فزوج الابنة من ابنه ثم مات أب الابن المزوج فلما أن مات قال الآخر : أخي لم يزوج بابنه ، فزوج الجارية من ابنه فقيل للجارية : أي الزوجين أحب إليك الأول أو الأخير؟ قالت : الأخير ، ثم إن الأخ الثاني مات وللأخ الأول ابن أكبر من الابن المزوج ، فقال للجارية : اختاري أيهما أحب إليك : الزوج الأول أو الزوج الأخير ، فقال الرواية فيها أنها للزوج الأخير ، وذلك أنها قد كانت أدركت حين زوجها ، وليس لها أن تنقض ما عقدته بعد إدراكها » بعد كونه مضمرا في الكافي والتهذيب وعدم ثبوت كون الأخ وصيا على نكاح البنت ، وإنكار الأخ الثاني ما فعله الأول ، ونسبة ذلك الى الرواية المشعر بالتقية لو فرض كونه من الامام عليه‌السلام مع التعليل العليل كما هو واضح ، كل ذلك بعد منع دعوى عدم ثبوت ولايتهما على الأحداث بعموم ولايتهما على وجه يشمل ذلك.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٢ و ٣٣ و ٣٥ ـ من كتاب الوصايا.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ١.

١٩٠

ولا ينافيه اعتبار المصلحة شرعا الذي هو شرط تصرف الوصي ، ضرورة كون الوصي كالوكيل ينتقل اليه كلما كان للموصي فعله حيا ولا سيما بعد اعتراف الخصم بأن للوصي أن يزوج من بلغ فاسد العقل إذا كان به ضرورة إلى النكاح بل نفى بعضهم الخلاف عن ثبوتها في ذلك ، بل عن ظاهر الكفاية الإجماع عليه ، بل عن القطيفي دعواه صريحا إذ لو كانت غير قابلة لذلك لم تثبت ولايته عليه في هذا الحال ، بل تكون حينئذ للحاكم ، ودعوى كونها حينئذ مثل الإنفاق يدفعها إمكان كونها مثله قبل البلوغ أيضا ، ضرورة عدم انحصار مصلحة النكاح في الوطء ، بل له مصالح أخر أيضا كثيرة بها يندرج في قوله تعالى (١) : ( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ) ونحوه ودعوى عدم المصلحة أصلا في النكاح للصغير ـ ولذا لم يجز للحاكم والوصي ونحوهما ممن يعتبر في تصرفه المصلحة التزويج ، بخلاف الأب والجد الذي لا يعتبر في تصرفهما ذلك ، بل يكفي عدم المفسدة والوطء فعلا هو المنفعة المقصودة من النكاح ، وهو ممتنع في الصغير بخلاف البالغ ـ يدفعها ما عرفت من صدق الإصلاح في النكاح بمعنى العقد عرفا ولو من غير جهة الوطء كما هو واضح.

فالأقوى حينئذ ثبوت ولايته على الصغير في النكاح مع الغبطة ، كباقي التصرفات ، وفاقا للمحكي عن المبسوط والخلاف والجامع وغاية المراد وموضع من المختلف والكركي بل لا فرق بين تصريح الموصى وبين إطلاقه إلا بالصراحة والظهور ، وهو غير مجد بعد اعتبارهما معا ، نعم لو فرض انسياق غير ذلك منه اتجه العدم ، وهو غير محل البحث ، كما أن الأقوى عدم الفرق في الصورة المستثناة بين الذكر والأنثى ، فما عساه يظهر من بعضهم من تخصيص الاستثناء بناء عليه في الذكر لا وجه له.

وأما المحجوز عليه للتبذير ف لا يجوز له أن يتزوج غير مضطر إذا كان فيه إتلاف لما له ، بلا خلاف أجده فيه ، بل ولا إشكال معتد به ، بل لو أوقع كان العقد فاسدا وإن أذن له الولي به ، لعدم جوازها له حينئذ فلا‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٠.

١٩١

تؤثر أثرا ، نعم إن اضطر الى النكاح جاز للحاكم أو غيره ، بل وجب عليه أن يأذن له فيه دفعا لما يلحقه من الضرر في الدنيا أو الآخرة أو فيهما مقتصرا على ما تندفع به الضرورة مما يليق بحاله ، والظاهر أنه يكفي الولي الإذن له بذلك سواء عين الزوجة أو أطلق إذ لا يزيد حجره على المملوك الذي يكفي في صحة تزويجه الاذن له بذلك من غير تعيين ، بعد معلومية تقييد جواز ذلك له شرعا بما لا ينافي مصلحة ماله ويؤدى إلى فساده ، فلا تفريط من الولي بإطلاق الإذن المعلوم تقييدها بعدم الإفساد ، بل يمكن منع التفريط لو لم يأذن الولي أصلا وإن قلنا بإثمه ، ضرورة عدم استلزام ترك الاذن الإتلاف لماله ، ضرورة كونه أي السفيه مكلفا عاقلا يحرم عليه تبذير ماله ، فليس له مع عدم إذن الولي إفساد ماله بما لا ينبغي ، بل أقصاه سقوط اعتبار إذنه أو انتقال الولاية للحاكم ، فيتزوج من تندفع به بالمهر الذي لا يقتضي تبذيرا في ماله ، فان خالف وفعل غير ذلك على وجه أدى الى إتلاف ماله فهو جان على نفسه دون الولي ، هذا كله مع عدم الإذن أصلا فضلا عن عدم التعيين.

فما وقع من بعضهم ـ من وجوب التعيين عليه وأنه يكون مفرطا إن لم يفعل إذا فرض صدور التزويج من المبذر بالمهر المقتضي لإتلاف ماله ولو بسبب الدخول بها مع جهلها ـ في غير محله ، ضرورة أصالة براءة ذمة الولي من ذلك ، وانما عليه أن يأذن بما فيه المصلحة وأن لا يجيز ما يخالفها بعد الوقوع ، على أن عقد السفيه بمهر يزيد على مصلحته إما فاسد مطلقا أو مع جهلها بالحال ، ولا يفترق حال هذا العقد بالاذن والإجازة وعدمهما ، ومع الفساد إما أن يلزمه بالدخول مهر المثل أولا ، فعلى الأول إن سلمنا التفريط ، ومع انتفاء الاذن مطلقا فلا نسلمه مع الاذن المطلق خصوصا مع انصرافه الى ما فيه المصلحة ، ووجوب الاذن على الولي لا يوجب وجوب التعيين ، واستحقاق المثل عليه انما هو بجنايته كإتلافه مال الغير ، وعلى الثاني لم يتضرر بشي‌ء وكذا الكلام على باقي التقادير ، فلا ريب حينئذ في عدم وجوب التعيين‌

١٩٢

عليه ، والاكتفاء عنه بتعيين الشارع له ، وتحريم التبذير عليه.

وكيف كان ف لو بادر المبذر الى التزويج قبل الاذن من الولي والحال هذه من الاضطرار اليه صح العقد وإن أثم بعدم مراعاتها عند المصنف والفاضل في القواعد ، لأصالة الصحة مع عدم كون التزويج من التصرفات المالية المحضة ، لأن المهر غير لازم في العقد ، والنفقة تابعة كتبعية الضمان للإتلاف.

لكن قد يشكل بكونه كالتصرف المالى ، بل ذكر المهر فيه منه قطعا ، ولذا حجر عليه فيه مع عدم الضرورة ، على أن الغرض من الحجر عليه حفظ ماله ، وهو لا يتم إلا به ، فلا بد في صحة العقد من الاذن سابقا أو الإجازة لاحقا ، كما صرح به في جامع المقاصد والمسالك ، بل هو المحكي عن الخلاف والمبسوط والتذكرة ، بل عن الأول نفي الخلاف فيه ، بل لا وجه للحجر عليه بعد عدم اعتبار إذن الولي ، ضرورة معلومية عدم المنع منه تعبدا ، ومن الغريب ما في القواعد من عدم اعتبار الإذن تارة ومن اعتبارها اخرى مع عدم فصل معتد به بين الموضعين ، وربما تجشم للجمع بينهما ، فلاحظ وتأمل.

وعلى كل حال فان زاد في المهر عن المثل اللائق بحاله صح العقد ، وبطل في الزائد وإن أذن فيه الولي إن لم ينحصر دفع الضرورة بذلك ، لكونه تبذيرا منهيا عنه ، لكن لا يبطل العقد بذلك لعدم اعتباره في صحته ، ولذا جاز النكاح بدونه فهنا أولى ، ولا سيما إذا علمت المرأة بالحال ، لأنها أقدمت على ذلك ، مع احتمال الفساد مطلقا ، لكون التراضي انما وقع على المسمى ، ولا يقدح العلم ، ضرورة كونه كالمعاملة الفاسدة المعلومة لدى المتعاملين ، أو في خصوص الجاهلة التي لم ترض إلا بالمسمى ، فتكليفهما بالعقد مع الأقل منه إضرار بها.

ولو تزوج بمن يحيط مهر مثلها بما له مع وجود اللائقة بحاله ممن ليس هي كذلك فسد وإن كان قد أذن له المولى في مطلق التزويج ، لأنه أيضا تبذير منهي عنه ، بل فساد العقد هنا أوضح ، ضرورة أنه على الصحة لم يكن للمهر شي‌ء يقدر‌

١٩٣

به ، ودعوى صحته حينئذ بدونه كما ترى ، خصوصا في الجاهلية ، وكذا الرجوع الى مهر السنة في خصوص المقام ، نعم قد يحتمل في العالمة أنها يثبت لها مقدار مثل اللائقة بحاله ، لأنه الذي ينفذ تصرفه فيه دون غيره ، أو يتحقق لها شي‌ء في ذمته غير معلوم فيرجع فيه الى الصلح ونحوه.

ولو وطأ والحال هذه وجب لها مهر المثل مع جهلها بالتحريم وإن استغرق ماله ، لكونه كوطء الشبهة ، ولا يشكل ذلك بالأصل وبأنه لو وجب لم يفسد العقد ، لأنه انما يبطل لئلا يلزمه مهر المثل ، فإذا لزمه انتفى المقتضي لفساده ، كما أنه إذا اشترى شيئا بغير إذن فتلف في يده ، فإنه يضيع على البائع ، ضرورة اندفاعه بأن الأصل انقطع بالوطء المحرم الموجب لذلك ، ووجوب المهر بالجناية لا بالعقد ، فما عن الشيخ من عدم وجوب مهر المثل في الفرض في غير محله ، وكذا ما عن القاضي من التفصيل بعلمها بحاله وجهلها ، وفي كشف اللثام يعني مع الجهل بالتحريم في الحالين ، وهو انما يتم إذا علمت بأنها لا تستحق المهر بالوطء ، وإلا فهي انما بذلت نفسها في مقابلة العوض.

وعلى كل حال فلو لم يأذن له الولي في النكاح مع الحاجة أذن له الحاكم ، فان تعذر استقل على الأقوى ، لكونه مضطرا الى حق له استيفاؤه فإذا تعذر بغيره استوفاه بنفسه ، بل قد يقال بأن له بمجرد امتناع الولي من غير حاجة الى استئذان الحاكم وإن تمكن منه ، وإن كان الأحوط له ذلك ، فتأمل جيدا.

١٩٤

الفصل ( الثاني )

( في اللواحق ، وفيه مسائل‌ )

( الأولى )

إذا وكلت البالغة الرشيدة مثلا في العقد عليها لزوج بعينه فخالف وعقدها من نفسه أو غيره كان فضولا ، بل لو أذنت له في العقد مطلقا بأن قالت له : أنت وكيلي على أن تزوجني أو تزوجني من رجل أو كفو لم يكن له أن يزوجها من نفسه إلا مع إذنها فإن فعل كان فضولا ، لعدم اندراجه في إطلاق التوكيل على ذلك وإن كان هو أحد أفراد المطلق من حيث تعلق الوكالة الظاهرة في إرادة التزويج من غيره أو غير الظاهرة فيما يشمله ، بل في المسالك نفي الخلاف في ذلك هنا ، نعم لو عممت موضوع الوكالة بأن قالت : أنت وكيلي على تزويجي من رجل أي رجل كان أو من كفو أي كفو كان ، وبالجملة جعلت موضوع الوكالة لفظا عاما صالحا لشموله له من حيث تعلق التوكيل صح تزويجها له من نفسه ، بناء على أن المنع من هذه الجهة ، لا الخبر (١) الذي تسمعه ، ضرورة كونه من الوكالة المطلقة بالنسبة الى ذلك ، بخلاف الأول الذي هو من مطلق الوكالة المنصرف الى غيره أو غير الظاهر فيما يشمله ، فيكون الفرق بينهما كالفرق بين مطلق الوكالة والوكالة المطلقة ، لكن في المسالك أن الفرق لا يخلو من نظر ، من حيث إنه داخل في الإطلاق ، كما هو داخل في التعميم وإن كان العموم أقوى دلالة ، إلا أنهما مشتركان في أصلها الى أن قال : فان كانت المسألة إجماعية وإلا فللنظر فيها مجال ، ثم حكى عن التذكرة احتمال جواز تزويجها من نفسه مع الإطلاق واحتمال المنع.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٤.

١٩٥

قلت : هذا مضافا الى ما تقدم في كتاب البيع من الخلاف نصا وفتوى في جواز بيع الوكيل من نفسه ، والشراء كذلك فيما لو كان وكيلا على البيع أو الشراء ، بل من الأقوال في تلك المسألة عدم الجواز حتى مع نص الموكل ، وذكرنا أن التحقيق هناك الجواز وأن انسياق الغير في أول النظر لا انسياق تقييد ، والفرق بين المقامين بغير الإجماع إن كان في غاية الصعوبة وأما النصوص فهي متعارضة ومن المستبعد القول بالمنع لها وإن كانت الاذن من الموكل حاصلة ، كاستبعاد القول بالجواز لها أيضا وإن لم يحصل الاذن ، وكذا تقدم أيضا في المكاسب في مسألة ما لو دفع اليه مال ليصرفه في المحاويج ماله دخل في المقام ، بل منه يعلم قوة القول بالجواز مع الإطلاق المفروض صدقه على ما يقع من الوكيل.

بل منه يعلم الحال فيما ذكره المصنف وغيره هنا من أنه لو وكلته في تزويجها منه أو تزويجها بمن شاء ولو من نفسه قيل : لا يصح ، لرواية عمار‌ (١) قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن امرأة تكون في أهل بيت فتكره أن يعلم بها أهل بيتها ، يحل لها أن توكل رجلا يريد أن يتزوجها ، تقول له : قد وكلتك فاشهد على تزويجي ، قال : لا ـ الى أن قال ـ : قلت : فان وكلت غيره بتزويجها منه ، قال : نعم » الحديث ولأنه يلزم أن يكون موجبا قابلا ولكن الجواز أشبه بأصول المذهب وقواعده المستفادة من العمومات الشاملة للفرض ، ولا تصلح الرواية المزبورة لقطعها بعد ندرة القول بها والطعن في سندها ، بل ودلالتها بما في المسالك من جواز كون المنفي هو قوله : « وكلتك فاشهد على تزويجي » فإن مجرد الاشهاد غير كاف ، وباحتمال الكراهة من النهي ، باعتبار تطرق التهمة الموجبة للفتنة ومخالفة التقية ونحو ذلك ، واتحاد الموجب والقابل بعد التغاير الاعتباري الكافي في تناول العمومات والإطلاقات له غير قادح.

ولذا صرح المصنف وغيره بل لا أجد فيه خلافا بجوازه في الولي للطفلين والوكيل عن الاثنين وغيره ذلك ، كما حرر في محله ، بل في المتن وغيره هنا أما‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٤.

١٩٦

لو زوجها الجد من ابن ابنه الأخر أو الأب من موكله كان جائزا مع أنه من مسألة الاتحاد التي يمكن التخلص منها بالتوكيل بحسب الولاية عمن هو ولى عليه ، بل قيل : يمكن التخلص للوكيل أيضا بأن يوكل عن نفسه ، فيكون موجبا بالوكالة ، ويقبل وكيله عنه له وإن كان هو كما ترى من مسألة الاتحاد ، ضرورة كون الوكيل قائما مقام الموكل ، فكلما جاز له فعله جاز لموكله ، نعم لو كان وكيلا على التوكيل فوكل شخصا عن موكله تخلص عن الاتحاد ، ومن ذلك وغيره يمكن أن يكون المانع في المسألة الأولى الخبر (١) المخصوص لا الاتحاد فينحصر المنع حينئذ على تقدير القول به في خصوص تزويج الوكيل من نفسه الذي هو مضمون الخبر دون غيره من صور الاتحاد التي منها أن يكون وكيلا عن الزوج والزوجة فتأمل جيدا.

المسألة ( الثانية )

الجارية الحرة المولى عليها إذا زوجها الولي للمصلحة بمهر المثل فأزيد من الكفو الحر السالم من العيب المبيح للفسخ لم يكن لها اعتراض بعد الكمال في العقد ، ولا في المهر بلا خلاف ولا إشكال ، وكذا لو زوجها الأب والجد بذلك مع عدم المفسدة للصحاح المستفيضة النافية للأمر لها في تزويج أبيها المندرج فيه الجد له أو الملحق به بالإجماع ، قال عبد الله بن الصلت (٢) : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الجارية الصغيرة يزوجها أبوها إلها أمر إذا بلغت؟ قال : لا » وابن بزيع (٣) « سألت الرضا عليه‌السلام عن الصبية يزوجها أبوها ثم يموت ، ثم تكبر قبل أن يدخل بها زوجها ، أيجوز عليها التزويج أم الأمر إليها؟ قال : يجوز عليها تزويج‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٣‌ « قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام » الا ان كان في الكافي ج ٥ ص ٣٩٤ كالجواهر.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ١.

١٩٧

أبيها » ونحوهما غيرهما ، بل مقتضى إطلاقهما ذلك وإن كان بدون مهر المثل ، ولعله كذلك ، وفي جامع المقاصد أنه المعتمد في الفتوى ، بل الظاهر عدم الفرق بينهما وبين غيرهما من الأولياء.

أما مع عدمها أو مع المفسدة ف هل لها أن تعترض؟ فيه تردد ينشأ من إطلاق النصوص السابقة في الأب وأولويته من العفو الجائز له عن المهر بعد ثبوته ، ولأن المقصود من النكاح النسل والتحصين ونحوهما لا المهر ، فيكون حينئذ هو نفسه مصلحة خالية عن المفسدة ، ومن إناطة تصر الولي بالمصلحة أو عدم المفسدة ، ولا ريب في تحقق المفسدة في ذلك مع فرض وجود الكفو الباذل لمهر المثل.

ولذا قال المصنف الأظهر أن لها الاعتراض لكن قد سمعت النصوص السابقة في الأب التي لا تعرض فيها لنقصان المهر وزيادته ، ومن هنا أمكن دعوى الفرق بين الأب والجد وبين غيرهما باعتبار عدم المفسدة فيهما واعتبار المصلحة في غيرهما مع منع المفسدة في المقام ، إلا أنه كما ترى ، خصوصا مع سوق النصوص السابقة لبيان غير ذلك ، مضافا الى غلبة التزويج بمهر المثل وكونه المعتاد ، فلا يبعد كون ذلك مضارة بالنسبة إليها ما لم تقترن بمصلحة خارجية ، والعفو إنما ثبت في مقام خاص بدليل خاص ، كما أنه لا يبعد حينئذ توقف العقد المشروط مضيه من الولي بعدم المضارة المفروض تحققها على الإجازة ، بناء على عدم اعتبار المجيز في الحال ، لخصوص التصرف الخاص في الفضولي ، وإلا بطل من أصله ، لأن النكاح يمضى عليها وتتخير في المهر ، فتفسخه إن شاءت ، ويثبت لها مهر المثل مطلقا أو بالدخول بتقريب أن العقد والمهر أمران مختلفان ، وليس الثاني شرطا في صحته ، فالمضارة فيه حينئذ يرتفع بفسخه ، ويبقى العقد صحيحا ، نعم قد يقال بتسلط الزوج حينئذ على الخيار باعتبار أنه لم يرض بالعقد إلا على الوجه المخصوص ولم يتم له ، وإلزامه بمهر المثل على وجه القهر ضرر منفي ، مع احتمال عدمه خصوصا إذا كان عالما بالحال ، والحكم لا قدامه على عقد قابل لأن يؤول الى ذلك ، إذ من الواضح كون الواقع في الخارج أمرا واحدا مشخصا ، وعدم فساد النكاح بفساد المهر‌

١٩٨

إنما هو فيما لم يكن منشأ بطلانه عدم قبول أحد المتعاقدين ، وإلا لصح لمن عقد له فضولا بمهر خاص أن لا يجيز في النكاح دونه ، وهو معلوم البطلان ، على أن إلزامها بمهر المثل على وجه القهر أيضا ضرر منفي.

ومن ذلك كله تعرف ما في المحكي عن الشيخ من القول بالصحة واللزوم في العقد والمهر ، بل وما في قول المصنف وغيره من الاعتراض في خصوص المهر ، بل يظهر لك ما في جامع المقاصد والمسالك وغيرهما من التشويش للمسألة خصوصا الثاني ، فإنه مع أطنابه في المسألة لم يأت بشي‌ء محرر فيها ، لا في الموضوع ولا في الحكم ، نعم قال أولهما في آخر المسألة « والمعتمد في الفتوى أنه إن زوجها كذلك في المصلحة فلا اعتراض لها أصلا ، وإلا كان لها فسخ المسمى والنكاح معا ، لأنه عقد على خلاف المصلحة ، وهل لها فسخ الصادق وحده حيث يكون إنشاء النكاح من الولي جائزا؟ يحتمل ذلك ، فان فسخت كان للزوج فسخ النكاح » إذ هو كما ترى ، ضرورة أنك عرفت فضولية العقد المخالف للمصلحة لا صحته ، والخيار فيه أو في المهر خاصة ، ودعوى إمكان فرض المصلحة في أصل النكاح دون المهر يدفعها ما عرفت من كون الواقع في الخارج أمرا واحدا ، على أن المتجه حينئذ مضي النكاح لا تخييرها بين فسخه وفسخ المهر خاصة ، فلاحظ وتأمل جيدا ، فإنه قد تلخص مما ذكرناه أنه لا اعتراض لها في النكاح بدون مهر المثل مع المصلحة في ذلك ، لإطلاق الأدلة بل الظاهر عدم جريان الأقوال السابقة فيه ، فما في جامع المقاصد من جعل ذلك موضوع المسألة في غير محله ، كما أنه ليس منه ذو المفسدة والمضرة ، فإن لها الاعتراض فيه قطعا ، بل هو فضولي ، لعدم ولاية له في نحو ذلك.

إنما الكلام في النكاح بدون مهر المثل من حيث كونه كذلك مع قطع النظر عن جهة أخرى تقتضي الفعل أو الترك ، فالمحكي عن الشيخ عدم الاعتراض ، للإطلاق الذي عرفت أنه غير مساق لذلك ، ولأولويته من العفو عنه الممنوعة بعد أن كان هو في موضوع خاص لدليل خاص ، وظاهر المصنف وغيره بل هو صريح آخر أن لها الاعتراض في المهر خاصة ، لاختصاص الضرر به ، وعدم توقف صحة ( جهة خ ل )

١٩٩

عقد النكاح عليه ، وبذلك افترق عن البيع بدون ثمن المثل ، فإذا اختارت الفسخ ثبت لها مهر المثل بالدخول في أقوى الوجهين ، كما أن الأقوى عدم ثبوت الخيار للزوج خصوصا مع علمه بالحال ، لأصالة عدم الخيار في عقد النكاح لقوله عليه‌السلام « لا يرد النكاح » الى آخره وغيره ، وقيل : إن لها الخيار في أصل النكاح لكونه عقدا على خلاف المصلحة ، وهو جيد إن كان المراد به الفضولية ، لما عرفت من عدم ولاية له على هذا الشخصي من النكاح ، وربما قيل بالتخيير بين فسخ النكاح وبين فسخ المهر خاصة ، وهو ضعيف ، وأضعف منه احتمال فساد العقد باختيارها الفسخ للمهر ، إذ جميع ذلك تهجس ، والتحقيق ما عرفت خصوصا بعد إيقاع العقد على مقتضى واحد ، وتخلف ذلك في بعض المقامات للدليل ، فلا يقاس عليه غيره ، هذا كله مع العلم بالحال.

أما إذا لم يعلم وقد بلغت الصبية وكان الولي قد عقدها بدون مهر المثل ففي جريان الأقوال السابقة باعتبار أصالة عدم مصلحة اقتضت ذلك على وجه يسقط اعتراضها وعدمه ، لأصالة الصحة المقتضية ترتب الأثر وجهان ، أقواهما الثاني ، فيكون حينئذ كبيع الولي بدون ثمن المثل مع عدم العلم بالحال ، كما ليس لها الاعتراض مع التزويج بالكفو بمهر المثل ، مع دعوى المفسدة إلا بالبينة.

المسألة ( الثالثة )

عبارة المرأة معتبرة في العقد عندنا مع البلوغ والرشد أي العقل فيجوز لها أن تزوج نفسها وأن تكون وكيلة لغيرها إيجابا وقبولا بلا خلاف ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، بل ولا إشكال ، لإطلاق الأدلة ، بل لو قلنا بثبوت الولاية على البكر البالغة الرشيدة للأب والجد لم يستلزم ذلك سلب‌

٢٠٠