جواهر الكلام - ج ٢٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

السابقة التي لا تعارضها بينته المفروض تأخرها عن الأولى المراد بها أنها زوجته الآن منذ زمان كذا ومع عدم الأمرين بأن انتفى الدخول واتفقت البينتان بالتاريخ أو أطلقتا أو سبق تاريخ بينته على تاريخ بينتها يكون الترجيح لبينته قيل : لرجحان ما على بينتها بأنها تنكر ما هو فعله الذي هو أعلم به من غيره ، إذ لعله عقد على الأولى قبل العقد عليها وهي لا تعلم ، وإن كان هو مع أنه أخص من المدعى لا يخلو من نظر بل منع ، ول‌ خبر الزهري (١) عن علي بن الحسين عليه‌السلام « في رجل ادعى على امرأة أنه تزوجها بولي وشهود وأنكرت المرأة ذلك ، وأقامت أخت هذه المرأة على هذا الرجل البينة أنه تزوجها بولي وشهود ولم توقت وقتا ، فقال : إن البينة بينة الزوج ، ولا تقبل بينة المرأة ، لأن الزوج قد استحق بضع هذه ، وتريد أختها فساد هذا النكاح ، فلا تصدق ولا تقبل بينتها إلا بوقت قبل وقتها أو دخول بها » والمناقشة فيه بالضعف يدفعها عمل الأصحاب به من غير خلاف يعرف على ما اعترف به غير واحد عدا ما عن المصنف في النكت ، بل عن بعض دعوى الإجماع عليه.

وعلى كل حال فقد ظهر لك أن الصور حينئذ في إقامتها البينتين اثنتا عشرة ، لأنهما إما أن تكونا مطلقتين ، أو مؤرختين أو إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة ، وعلى تقدير كونهما مؤرختين إما أن يتفق التاريخان أو يتقدم تاريخ بينته أو تاريخ بينتها ، وعلى التقادير الستة إما أن يكون قد دخل المدعية أولا ، يقدم قولها في سبعة منها ، وهي الستة المجامعة للدخول مطلقا باعتبار ظهوره في الزوجية وإن كان قد يمنع ظهوره في ذلك ، اللهم إلا أن يفرض اقترانه بما يفيد ذلك ، وواحدة من الستة الخالية عنه وهي ما لو تقدم تاريخها ، ويقدم قوله في الخمسة الباقية ، كما ظهر لك أيضا أن الصور في غير الحال المفروض ستة هي عدم إقامة أحد منهما البينة أو إقامة الرجل دونها أو بالعكس ، والثلاثة مع الدخول وعدمه ، وقد عرفت الحكم فيها جميعا ، فتكون الصور حينئذ ثمان عشرة.

لكن في المسالك في شرح قول المصنف هذا الحكم مشهور بين الأصحاب لا يظهر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ١.

١٦١

فيه خلاف بينهم ، وهو مخالف للقواعد الشرعية في تقديم بينة الرجل مع إطلاق البينتين أو تساوى التاريخين ، لأنه منكر ، ويقدم قوله مع عدم البينة ، ومن كان القول قوله فالبينة بينة صاحبه ، وفيه أنه منكر بالنسبة إلى دعوى المدعية ، لا بالنسبة الى من ادعى عليها الزوجية المفروض إنكارها ، فإنه مدع صرف ، نعم قيل : ترجح هذه البينة على بينتها بعد فرض عدم إمكان الجمع بينهما للتنافي بأنها على فعل لا يعلم إلا من قبله ، بل لو فرض تصديق الأولى أمكن ترجيح بينته أيضا بأن يقال : إن الأختين حينئذ متداعيان ، كل منهما يدعي زوجية الرجل ، فمع فرض تصديقه لأحدهما ترجح بينتها على الأخرى بإقراره لها بالتزويج ، نعم لو لم يكن إقرار منه أشكل تقديم إحدى البينتين على الأخرى مع فرض التنافي وعدم الترجيح ، وحينئذ يتجه الرجوع الى القرعة التي هي لكل أمر مشكل ، والتحقيق أن الترجيح لما ستعرفه لا لذلك ، نعم قد يشكل ترجيح بينتها بالدخول الذي قد عرفت أعميته من النكاح خصوصا مع سبق بينة الرجل في التاريخ لبينتها ، فليس حينئذ إلا للتعبد للخبر المزبور ، لا للقواعد ، اللهم إلا أن يفرض اقتران الدخول بقرائن تقتضي تكذيب بينته.

وكيف كان ففي القواعد وجامع المقاصد والمسالك وغيرها أن الأقرب الافتقار في قطع الدعوى الى اليمين ممن قبلت بينته ، أما الرجل فلأن بينته إنما هي لإثبات ما ادعاه على المرأة الأولى ، وبينه وبين أختها دعوى أخرى هو فيها منكر ، فلا بد من اليمين لقطع دعواها ، ولا يضر إقامتها البينة ، لعدم المنافاة ، لإمكان سبق العقد ، وأما المرأة فيمينها على نفي العلم ، لاحتمال علمها بقدم العقد على الأولى ، ولتعارض البينتين في أنفسهما بالنظر الى المرأتين.

وإن كانت هي مدعية خاصة والدخول إنما كان مرجحا لا مسقطا للبينة المقابلة فيبقى التعارض حينئذ إلى أن تحلف ، وليس في ذلك خروج عن النص ، إذ غايته ترجيح البينة ، وهو لا ينافي إيجاب اليمين ، نعم لا يمين مع كون البينة بالسبق ، ضرورة اقتضائها حينئذ بطلان البينة المقابلة ، وقد يشكل ذلك في المرأة‌

١٦٢

بأن يمينها مع أنه على نفى العلم الذي لا يفيد رفع الاحتمال انما يتوجه إذا ادعى عليها العلم على الأصح ، على أنه لا وجه لليمين مع البينة المرجحة شرعا بالدخول ، ضرورة كونه كباقي مرجحات البينات من الأعدلية وغيرها التي لا يحتاج معها الى يمين ، والنص كالصريح ، سيما قوله عليه‌السلام : « فلا تصدق » في عدم الحاجة الى اليمين ، وإلا لكان فيه تأخير بيان عن وقت الحاجة ، فلعل القول بعدم الاحتياج اليه مع قبول بينتها لا يخلو من قوة ، ودعوى قاعدة وجوب اليمين على كل من قوى جانبه لا دليل عليها ، مع أن مقتضاها اليمين على مضمون البينة كما عساه يوهمه بعض العبارات ، وهو واضح البطلان ، ولذا صرح في كشف اللثام بكون اليمين من ذي البينة على الوجه الذي تقدم ، وفيه ما عرفت ، واحتمال كون المراد صيرورة قوى الجانب منكرا فيتوجه عليه اليمين لذلك واضح الفساد ، بل وكذا بالنسبة الى الرجل أيضا حال قبول بينته لما عرفت ، وكونه منكرا بالنسبة إلى دعواها لا يستلزم ثبوت اليمين بعد أن أقام بينة تشهد على صحة إنكاره وصدقه فيه ، خصوصا مع فرض سبق تاريخها ، هذا.

ومن التأمل فيما ذكرنا يعلم أن الوجه انسحاب حكم المسألة إلى مثل الأم والبنت لو ادعى زوجية إحداهما وادعت الأخرى زوجيته ، ضرورة عدم مدخلية الأخوة فيه ، بل انما هو لتحريمه ، وهو مشترك بين الجميع ، مضافا الى ما عرفته من موافقة الحكم للقواعد الشرعية في الجملة التي لا فرق فيها بين الجميع كما يومي اليه التعليل في الخبر ، ضرورة ظهوره في ذلك لا التعبد ، ولعله لأن المراد أن الزوج باعتبار دعواه استحقاق بضع الأخت كان هو المدعي الذي وظيفته البينة بخلافها ، فان دعواها الزوجية ليست دعوى عليه من حيث عقد النكاح الذي هو بمعنى مملوكية بضعها له ، وهي ليست دعوى عليه من هذه الجهة ، نعم هي مدعية من جهة اللوازم المشتركة بينها وبينه ، ويزيد الرجل بدعوى الملكية للبضع بخلافها ، ومن هنا‌ قال عليه‌السلام : « البينة بينة الرجل » فتأمل جيدا ، فإنه دقيق نافع ، بل قد يدعى ظهور الخبر في التعدية ، للتعليل وإن كان مخالفا للقواعد ، وحينئذ فما في المسالك ـ

١٦٣

من احتمال عدم الانسحاب بل جزم به في جامع المقاصد وكشف اللثام لكون الحكم على خلاف الأصل فيقتصر على مورده ـ لا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه.

المسألة ( التاسعة )

إذا عقد على امرأة فادعى آخر عليها زوجيتها لم يلتفت الى دعواه عليها إلا مع البينة‌ قال يونس (١) « سألته عن رجل تزوج امرأة في بلد من البلدان فسألها لك زوج؟ فقالت : لا ، فتزوجها ، ثم إن رجلا أتاه فقال : هي امرأتي ، فأنكرت المرأة ذلك ، ما يلزم الزوج؟ قال : هي امرأته إلا أن يقيم البينة » ونحوه مكاتبة الحسين بن سعيد (٢) وفي‌ خبر عبد العزيز بن المهتدي (٣) سألت الرضا عليه‌السلام قلت له : « إن أخي مات وتزوجت امرأته ، فجاء عمى فادعى أنه كان زوجها ، فسألتها عن ذلك فأنكرت أشد الإنكار ، وقالت : ما كان بينى وبينه شي‌ء قط ، فقال : يلزمك إقرارها ويلزمه إنكارها » ، ولا ينافي ذلك‌ مضمر سماعة (٤) « سألته عن رجل تزوج امرأة أو تمتع بها فحدثه رجل ثقة أو غير ثقة فقال : إن هذه امرأتي ، وليست لي بينة ، فقال : إن كان ثقة فلا يقربها ، وإن كان غير ثقة فلا يقبل » بعد أن كان محمولا على ضرب من الاستحباب للاحتياط ، إذ لم نجد عاملا به.

وعلى كل حال فظاهر المصنف بل قيل والأكثر أنه لو فرض عدمها كانت دعواه عليها مثلا باطلة ، لا يتوجه لها عليها اليمين وإن كانت هي منكرة ، إذ اليمين انما تتوجه على المنكر الذي لو اعترف لزمه الحق باعترافه ، والأمر هنا ليس كذلك ، ضرورة أنها لو صادقت المدعي على دعواه لم تثبت الزوجية ، لكونه في حق الغير ، وهو الزوج المالك بضعها بالعقد المفروض ، فلا يقبل قول الغير في إسقاطه ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٣.

(٢) أشار إليها في الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٣ وذكرها في التهذيب ج ٧ ص ٤٧٧ الرقم ١٩١٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٢.

١٦٤

ومنه يعلم عدم إمكان ردها اليمين عليه ، لأن اليمين المردودة إن كانت كالإقرار وقد عرفت حكمه ، وإن كانت كالبينة فهي بالنسبة إلى المتداعيين دون غيرهما ، وهو هنا الزوج.

لكن قد يناقش بأنه مناف لعموم‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » (١) ونحوه ، ودعوى كون المتبادر منه لزوم الحلف لقطع أصل الدعوى المعلوم عدمه هنا لمكان حق الزوج لا اللوازم ممنوعة على مدعيها ، ولذا سمعت على من باع المال ونحوه ، كدعوى أن العمدة في التعدية إلى اللوازم الإجماع ، وليس لظهور إطلاق عبائر الأكثر في عدم السماع مطلقا ، ضرورة كون التعدية لظاهر النصوص ، وستعرف المراد بإطلاق الأكثر ، وليس في النص إلا‌ قوله عليه‌السلام : « هي امرأته حتى يقيم البينة » وهو كذلك ، فان اليمين ، المردودة لا تخرج به عن الزوجية التي تعلق بها حق الغير ، وحينئذ فيتوجه له اليمين ، كما يتوجه لها الرد عليه وإن لم يسمع ذلك في حق الزوج ، لكن فائدته على تقدير الإقرار وما في حكمه ثبوت مهر المثل على الزوجة للمدعي ، لحيلولتها بينه وبين البضع بالعقد الثاني ، كما لو باع شيئا على أنه له ، ثم أقربه لزيد ، فإنه يغرم للمقر له عوضه مثلا أو قيمته ، وعلى تقدير رد اليمين على المدعي أو نكولها عن اليمين والقضاء للمدعي بالنكول أو مع اليمين فالحكم كذلك ، ومن هنا ذهب جماعة كما قيل الى قبول الدعوى وإن لم تكن ثم بينة ، ومال إليه في المسالك ، لكن قال : « مبنى القولين على أن منافع البضع هل تضمن بالتفويت أم لا؟ وقد اختلف فيه ، فحكموا بضمانه تارة ، وبعدمه أخرى ، نظرا الى أن حق البضع متقوم شرعا فمن أتلفه وجب عليه عوضه ، وهو المهر ، والتفاتا إلى أنه ليس مالا للزوج ، وإنما حقه الانتفاع به ، ومنافع الحر لا تضمن بالفوات ، لأنها لا تدخل تحت اليد ، وينبه ( على الأول ) حكمهم بوجوب مهر المثل لمن انفسخ نكاحها بإرضاعها من يفسد النكاح ، ووجوب دفع المهاجرة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٥ من كتاب القضاء وفيه‌ « البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه ».

١٦٥

مسلمة إلى زوجها الكافر المهر ، للحيلولة بينه وبينها بالإسلام ، وهو قائم هنا ، و ( على الثاني ) عدم وجوب مهر للزانية ولا لزوجها ، وثبوت مهر المثل لها في وطء الشبهة دونه ـ ثم قال ـ والقول بسماع الدعوى وثبوت الغرم متجه عملا بالقاعدة المستمرة من ثبوت اليمين على من أنكر ، وزجرا عن الاقدام على مثل ذلك ».

قلت : ستعرف في الرضاع أن الأقوى عدم مالية البضع ، وأن ثبوت المهر في بعض المواضع للدليل ، لعدم عده مالا لغة ولا شرعا ، ولا عرفا ، لكن قد يقال بسماع الدعوى وإن لم نقل بماليته ولا بثبوت الغرم للحيلولة ، بل للعموم السابق ، ولأن إقرارها حقيقة أو حكما يثمر ثبوت الزوجية مع توجيه الدعوى على الزوج ، فتثبت الزوجية حينئذ بإقرارهما أو نكولهما أو اليمين المردودة ، بل قد تثبت في حقه أو حقها ، ويترتب على ذلك أحكام كثيرة ولو باتفاق فراق الزوج الثاني أو موته عنها أو غير ذلك ، كما أنها لو أقرت هي مثلا لم يكن لها مطالبة العاقد بمهر ولا نفقة ولا قسم ، إلا أن تدعي الشبهة الممكنة في حقها ، فليس مبنى القولين حينئذ ما ذكره.

ومن ذلك يعلم حينئذ أن الدعوى تتوجه على الزوج والمرأة معا ، إذ لا يعتبر في المدعى عليه الاتحاد ، فان اتفقا على الحلف أو الرد فلا كلام ، وإن اختلفا كان لكل حكمه ، كالإقرار منهما أو من أحدهما ، ولا فرق في ذلك بين اتحاد المجلس وعدمه ، كما هو واضح ، كما أن منه يعلم ما في المتن إن كان مراده عدم سماع الدعوى أصلا إلا مع البينة على وجه لم يتوجه له يمين لا على الزوج ولا على المرأة ، كما جزم به في المسالك ، حتى قال : « إنما جعل المصنف موضوع المسألة الدعوى على المعقود عليها ، ليرتب الجزم بعدم سماع الدعوى نظرا إلى ما سمعته أولا ، فإنها لو كانت خلية لسمعت قطعا ، وترتب عليها اليمين مع الإنكار ، ولزوم العقد بالإقرار ، وثبوت النكاح لو نكلت ، أو رد عليه اليمين فحلف » وفيه أنه يمكن إرادة المصنف هنا والنافع وغيره ما سمعته في النص من عدم ثبوت دعواه مطلقا إلا مع البينة ، فإنها حجة على كل من الزوج والامرأة بخلاف اليمين من كل واحد منهما ، فان النكول‌

١٦٦

عنه إنما يثبت في حقه لا في حق الآخر ، ولعله لذا قال في القواعد : ولو ادعى زوجية امرأة لم يلتفت اليه إلا بالبينة سواء عقد عليها غيره أم لا ، ضرورة معلومية توجه اليمين عليها مع عدم العقد ، مع أنه نفى الالتفات الى الدعوى إلا مع البينة.

وعلى كل حال ففي المسالك أيضا مما يتفرع على الخلاف الأول جواز العقد على هذه ، أي الخلية لغير المدعي قبل انتهاء الدعوى وعدمه ، فان قلنا بسماعها بعد التزويج وترتب فائدتها السابقة صح العقد الثاني ، وتثبت الدعوى بحالها ، لكن العقد الثاني يفيد سقوط تسلط المدعي على البضع ، فيحتمل لذلك عدم جواز العقد حتى ينتهي الأول دعواه ، لسبق حقه ، فلا يسقطه الثاني بعقده ، نعم لو تراخى الأول في الدعوى أو سكت عنها فجواز العقد أجود حذرا من الإضرار المترتب على المنع ، فان الزوج إذا علم بعدم إقدام أحد عليها أمكن أن يؤخر دعواه لذلك ، ليطول الأمر عليها ، ويتوجه عليها الضرر بترك التزويج ، فيكون وسيلة إلى الرجوع اليه ، وهو يستلزم الحرج والإضرار المنفيين بالآية (١) والرواية (٢) وإن قلنا بعدم سماع الدعوى على المعقود عليها أصلا كما ذهب اليه المصنف اتجه عدم جواز تزويجها إلى أن يخرج من حقه بانتهاء الدعوى ، ويشكل الأمر حينئذ لو باطل بها وقصد ما ذكرناه ، ولعل الجواز حينئذ مطلقا قوي.

قلت : قد عرفت عدم سقوط الدعوى بالتزويج عندنا وإن تعدد المدعى عليه به ، وعدم تسلط المدعى على البضع لو فرض نكول المرأة عن اليمين لا يقتضي عدم جواز التزويج للامرأة الخلية شرعا ، بل لو قلنا بسقوط الدعوى منه أصلا أمكن القول بجواز التزويج لذلك ، وأقصاه أنه توصلت الامرأة إلى إسقاط دعواه بطريق محلل ، كما أن الرجل قد تزوج امرأة خلية شرعا وإن ترتب على ذلك سقوط دعوى المدعى ، واحتمال أن مجرد الدعوى يمنعها من التزويج ومن الاقدام عليها‌

__________________

(١) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٧٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب احياء الموات.

١٦٧

كما ترى وإن لم يطل السكوت الذي تتضرر به المرأة.

المسألة ( العاشرة )

إذا تزوج العبد بمملوكة ثم إذن له المولى في ابتياعها فان اشتراها لمولاه فالعقد باق للأصل وإن اشتراها لنفسه بإذنه أو ملكه إياها بعد ابتياعها له فان قلنا العبد يملك مطلقا أو في نحو الفرض بطل العقد كما يبطل نكاح الحر للأمة إذا اشتراها ، لظهور قوله تعالى (١) ( إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ ) وغيره في منع الجمع بين سببي الوطء وانقطاع الشركة بينهما ، فيكون كل واحد منهما مؤثرا تاما في إباحة الوطء ، ففي حال الاجتماع إما أن يرتفع تأثيرهما ، وهو معلوم الفساد أو يكون المؤثر واحدا وليس هو إلا الطاري فما في المسالك ـ من المناقشة في ذلك بأن علل الشرع معرفات ، فلا يضر اجتماعها ـ يدفعه ما عرفته من ظهور الأدلة هنا في كونها في الفرض كالعلل العقلية بالنسبة الى ذلك ، نعم قد يناقش في ترجيح الطاري بعدم ما يقتضي ترجيحه ، بل لعل الأول أرجح باعتبار سبق تأثيره ، فلا يصادف الثاني موضوعا للتأثير ، فيتجه بطلان البيع حينئذ لا النكاح ، اللهم إلا أن يقال : الإجماع على صحة البيع يرفع ذلك ، أو يقال : إن السبب نفسه أقوى في التأثير من استدامة الأول ، أو غير ذلك مما يتجه معه حينئذ بطلان النكاح فيما نحن فيه ، بناء على ملكية العبد.

لكن هل يستبيحها بغير إذن جديدة من المولى إما بالملك أو بالإذن الضمنية المستفادة من الإذن في شرائها لنفسه أم لا؟ وجوه ، أقواها الأخير ، للحجر عليه في التصرف وإن قلنا بملكيته ، والاذن في شرائها له لا يقتضي الاذن في التصرف إلا مع القرائن التي لا إشكال معها في الجواز ، ولا يشكل بأنها وقعت منه في حال عدم الاذن له باعتبار كونها في ملك غيره نحو ما قيل في الوكالة على ما لا يملكه‌

__________________

(١) سورة المؤمنون : ٢٣ ـ الآية ٦.

١٦٨

الموكل ، ضرورة اندفاعه فيهما بأنه سائغ فيما هو تابع ، كالوكالة على شراء دار وبيعها بعد الشراء ونحو ذلك ، لإطلاق أدلة الوكالة كما هو واضح.

هذا كله على القول بملكية العبد وإلا نقل بملكيته لمثل ذلك كان العقد باقيا لعدم وجود ما ينافيه بلا إشكال إذ الابتياع المزبور إما أن يكون فاسدا لوقوعه للعبد المفروض عدم قابليته للملك أو للمولى حينئذ كما عن بعضهم ، لأن إذنه فيه للعبد تضمن أمرين : مطلق الشراء وكونه مقيدا بالعبد ، فإذا بطل المقيد بقي المطلق المدلول عليه بالمقيد ضمنا ، لكن في المسالك النظر في الثاني بأنه لا يلزم من الاذن في الشراء للعبد الاذن فيه للمولى ، وبقاء المطلق مع انتفاء المقيد في مثل هذه المواضع ظاهر المنع ، ومن الجائز أن يرضى المولى بتملك الأمة المعينة للعبد ، ولا يرضى بتملكها لنفسه ، فعدم صحة العقد أصلا قوي ، وهو متجه إن لم نقل بلغو نيته أنه للنفس بعد أن كان الشراء المأمور به لا يقع لها ، نحو قول القائل : « اشتر بعين مالي كذا لنفسك » ونحو الشراء بعين المال المملوك للمشتري مثلا للغير ، كما أوضحناه في دين المملوك عند تعرض المصنف له.

وعلى كل حال فالذي ينبغي أن يكون محلا للنظر والتأمل ما لو أذن المولى للعبد في ابتياع الأمة له غير ملاحظة الملكية والاختصاص وشراها العبد كذلك ، بل قصد القدر المشترك بينهما دون الاذن صريحا أو ظاهرا في شرائها للمولى والانتفاع بها للعبد ، فان ذلك لا إشكال في صحته ، ودون الاذن في شرائها له على جهة الملكية له ، فان ذلك لا إشكال في الفساد معه بناء على عدم ملكه إلا على الاحتمال السابق ، والمتجه فيه الصحة ، لكون العبد مأذونا في أصل الابتياع المنصرف واقعا وشرعا الى من هو أهله دون العبد ، من غير حاجة الى قصد العبد ، بل قد يتجه ذلك مع قصد العبد نفسه ، فإنه لا يؤثر في الانصراف المزبور بعد فرض عدم قابليته للتملك ، فضلا عن عدم القصد ، والاقتصار على نية الشراء بالإذن الصادرة من المولى ، واحتمال الفساد ـ بعدم قصد العبد كونه للمولى أوله ـ يدفعه منع اعتبار ذلك في صحة البيع ، ضرورة كون ذلك في الفرض من الأحكام الشرعية التي لا مدخلية فيها للنية ، هذا‌

١٦٩

وقد تقدم البحث في نظير هذه المسألة في باب دين المملوك من هذا الكتاب ، فراجعه ثمة ، فإنه تحقيق بما لا مزيد عليه.

وكيف كان ف لو تحرر بعضه واشترى زوجته بطل النكاح بينهما سواء اشتراها بمال ينفرد به أو مشترك بينهما لأنه صار مالكا لها أو لبعضها ، فيبطل عقد النكاح فيها أو فيما يخصه ، والعقد لا يتبعض نعم لا يصح له وطؤها في الثاني لأن البضع لا يتبعض بخلاف الأول الذي يملكها تماما عليه ، كما هو واضح والله العالم.

( الفصل الثالث )

( في أولياء العقد )

( وفيه فصلان : )

( الأول )

في تعيين الأولياء ، لا ولاية عندنا في عقد النكاح لغير الأب والجد للأب وإن علا والمولى والوصي والحاكم بل الإجماع بقسميه عليه في غير الأم وآبائها ، بل وفيهم ، لما تعرفه من ضعف الخلاف في ذلك ، وأولوية العم والأخ منهم مع التصريح في النصوص بنفي ولا يتهما ، ف‌ في المرسل (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أنه أبطل تزويج قدامة بن مظعون بنت أخيه عثمان » وفي صحيح محمد بن الحسن الأشعري (٢) « كتب بعض بنى عمى الى أبى جعفر عليه‌السلام ما تقول في صبية زوجها عمها ، فلما كبرت أبت التزويج ، فكتب عليه‌السلام بخطه : لا تكره على ذلك ، والأمر أمرها » نعم‌

__________________

(١) سنن الدار قطني ج ٣ ص ٢٣٠ ( كتاب النكاح الحديث ٣٦ و ٣٧ و ٣٨ و ٣٩ ).

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٢.

١٧٠

في خبر أبى بصير (١) « ان ( الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ) هو الأب والأخ والرجل يوصى اليه والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها ويشتري » وفي مرسل الحسن بن (٢) على « الأخ الأكبر بمنزلة الأب » لكنه منزل على ضرب من التقية أو على إرادة الولاية العرفية ، بمعنى هؤلاء وأشباههم الذين ينبغي لها عدم مخالفتهم إذا لم يضاروها ، أو غير ذلك مما لا ينافي الإجماع عندنا على انحصار الولاية بالقرابة فيهما ، وما عن ابن أبى عقيل من أن الولي الذي هو أولى بنكاحهن هو الأب دون غيره من الأولياء ، لحصر بعض النصوص (٣) الولاية فيه مع عدم قدح خلافه في الإجماع ، فهو محجوج به ، وبالنصوص المشتملة على ثبوت الولاية لهما (٤) وعلى تقديم الجد عند التعارض (٥) المعتضدة بالشهرة والإجماع بقسميه عليه المخصصة بها بعض نصوص الحصر غير صريح في المخالفة ، لاحتمال إرادة ما يشمل الجد من الأب.

ولكن هل يشترط في ولاية الجد بقاء الأب؟ قيل والقائل الصدوق والشيخ وبنوا الجنيد والبراج وزهرة وأبو الصلاح وسلار نعم مصيرا إلى رواية لا تخلو من ضعف في السند ـ وإن كانت من الموثق ـ والدلالة وهي رواية‌ الفضل بن عبد الملك (٦) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « إن الجد إذا زوج ابنة ابنه وكان أبوها حيا وكان الجد مرضيا جاز » فإنها ـ مع كون الدلالة فيها بمفهوم الحال أو الصفة على ما قيل وإن كان فيه أنها من مفهوم الشرط ـ لإرادة بيان الجواز في هذا الحال فضلا عن حال موت الأب ردا علي من اعتبر موت الأب في ثبوت ولاية الجد من العامة ، ومن هنا كان الوجه انه لا يشترط للاستصحاب في بعض الأفراد ، ولأن الجد له‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب عقد النكاح.

(٥) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب عقد النكاح.

(٦) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٤.

١٧١

ولاية المال إجماعا ، فيثبت له ولاية النكاح كالأب ، للخبر السابق (١) في تفسير من بيده عقدة النكاح ، ول‌ صحيح ابن سنان (٢) عن الصادق عليه‌السلام فيها أيضا قال : « هو ولي أمرها » ولا خلاف في أن الجد ولي أمر الصغيرة في الجملة ، وموثق عبيد (٣) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل ويريد جدها أن يزوجها من رجل ، فقال : الجد أولى بذلك ما لم يكن مضارا إن لم يكن الأب زوجها قبله ، ويجوز عليها تزويج الأب والجد » الدال على قوة ولاية الجد من ولاية الأب ، فلا يؤثر فيها موت الأضعف كالعكس ، بل هو أولى ، مضافا إلى إطلاقه جواز تزويج كل منهما عليها.

ومن هنا كان الوجه أنه لا يشترط في ولايته بقاؤه ولا موته ، وإن ذهب الى الأخير بعض العامة ، بل لعله أقرب من الأول الذي مال إليه الأصبهاني في كشفه محتجا عليه بضعف الأدلة من الطرفين ، والأصل عدم الولاية إلا فيما أجمع عليه ، وهو عند حياة الأب ، وهو منه غريب بعد ما عرفت ، والمراد من الجد للأب ما هو منساق منه عن أب الأب وهكذا فلا يندرج فيه أب أم الأب للأصل وغيره ، لكن عن التذكرة الوجه أن جد أم الأب لا ولاية له مع جد أب الأب ، ومع انفراده نظر ، وفيه ما لا يخفى.

وكيف كان فلا إشكال في أنه تثبت ولاية الأب والجد للأب على الصغيرة وإن ذهبت بكارتها بوطء أو غيره ضرورة كون المدار في ولايتهما عليها صغرها لا بكارتها وحينئذ ف لا خيار لها لو عقداها أو أحدهما بعد بلوغها على أشهر الروايتين (٤) رواية وعملا ، بل لم أجد عاملا بالرواية المخالفة ، بل لا بأس بوصفها بالشذوذ الذي أمرنا بالإعراض عن أمثالها معه ، قال عبد الله بن الصلت (٥) في الصحيح : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الجارية الصغيرة يزوجها أبوها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٧ ـ ٨.

(٥) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٣.

١٧٢

إلها أمر إذا بلغت؟ قال : لا » ومحمد بن بزيع (١) في الصحيح أيضا « سألت الرضا عليه‌السلام يزوجها أبوه ثم يموت وهي صغيرة ثم تكبر قبل أن يدخل بها زوجها أيجوز عليها التزويج أو الأمر إليها؟ قال : يجوز عليها تزويج أبيها » ومثلهما صحيح ابن يقطين (٢) وغيره مضافا إلى الأصل وتطابق الفتاوى على وجه لم يظهر فيه مخالف كما اعترف به في المسالك ، بل في غيرها الإجماع عليه.

وكذا لو زوج الأب أو الجد الصغير لزمه العقد ، ولا خيار له مع بلوغه ورشده على الأشهر بل المشهور ، للأصل وغيره ، بل ربما استدل عليه بصحيح الحلبي (٣) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الغلام له عشر سنين فيزوجه أبوه في صغره ، أيجوز طلاقه وهو ابن عشر سنين؟ فقال : أما التزويج فصحيح ، وأما طلاقه فينبغي أن تحبس عليه امرأته حتى يدرك » وب‌ صحيح محمد بن مسلم (٤) عن أبى جعفر عليه‌السلام « في الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ قال : إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم ، قلت : فهل يجوز طلاق الأب؟ قال : لا » وخبر عبيد بن زرارة (٥) عن أبى عبد الله عليه‌السلام المروي في محكي البحار عن كتاب الحسين بن سعيد « في الصبي يتزوج الصبية هل يتوارثان؟ فقال : إن كان أبواهما اللذان زوجاهما حيين فنعم ، قلنا فهل يجوز طلاق الأب؟ قال : لا » إذ لو كان نكاحهما موقوفا على إجازتهما بعد البلوغ لم يتوارثا صغيرين ، لكن فيه أن مجرد الحكم بالصحة والتوارث لا يدل على نفي الخيار ، لأن ما فيه الخيار نكاح صحيح يترتب عليه الأحكام من توارث وغيره ، بخلاف الفضولي الذي لا يترتب عليه الأحكام حتى يجيز ، اللهم إلا أن يقال : إن إطلاق الصحة وإشعار الاقتصار على الطلاق فيما بعد البلوغ ظاهر في اللزوم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ٤ من كتاب الإرث.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ١.

(٥) البحار ج ٢٠٣ ص ٣٣٠ الطبع الحديث عن « ين » الذي هو رمز عن كتاب الحسين بن سعيد الا أن في التعليقة أخرجه عن نوادر محمد بن عيسى كما رواه في المستدرك في الباب ـ ٥ من أبواب عقد النكاح الحديث ٣ والباب ١١ منها الحديث ٢.

١٧٣

الذي يكفي فيه كونه مقتضى الاستصحاب ، وآية ( أَوْفُوا ) (١) وغيرهما.

خلافا للمحكي عن الشيخ في النهاية وبني البراج وحمزة وإدريس من أن له الخيار بعد البلوغ ، لتطرق الضرر اليه باعتبار إثبات المهر في ذمته والنفقة من غير ضرورة تقتضي ذلك حال الصبا ، بخلاف الصبية التي يثبت لها ذلك لا عليها ، ول‌ خبر الكناسي (٢) عن الباقر عليه‌السلام « إن الغلام إذا زوجه أبوه ولم يدرك كان له الخيار ، إذا أدرك أو بلغ خمس عشرة سنة » إلا أن الأول مع أنه مجرد اعتبار يدفعه منع عدم المصلحة في ذلك ، خصوصا مع كون المهر في ذمة الأب ، والثاني ـ مع ضعفه سندا بل ودلالة ، لاحتمال الخيار بالطلاق أو بالعيب أو نحو ذلك ـ قد أعرض عنه المشهور ، فلا يصلح مثلهما مخصصين لقاعدة اللزوم المؤيدة بالإشعار والشهرة المتقدمتين ، بل ربما ظهر من المسالك نفي ظهور الخلاف فيه أيضا كالصبية نعم‌ في صحيح ابن مسلم (٣) « سألته عن الصبي يتزوج الصبية ، قال : إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم جائز ، لكن لهما الخيار إذا أدركا » إلا أنه ـ مع اشتماله على الصبية التي قد عرفت تظافر النصوص والإجماع على نفي الخيار لها ـ محتمل للخيار بالطلاق أو العيب أو العقد بعنوان الفضولي لا الولاية أو نحو ذلك مما تسمعه فيما يأتي إن شاء الله.

وكيف كان ف هل تثبت ولايتهما على البكر الرشيدة؟ فيه روايات أظهرها سقوط الولاية عنها وثبوت الولاية لنفسها في الدائم والمنقطع ، وحينئذ ف لو زوجها‌

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٨.

١٧٤

أحدهما لم يمض عقده إلا برضاها كالأجنبي وكالولد الرشيد ، وكالثيب الرشيدة التي لا خلاف يعتد به على ما اعترف به في المسالك في انتفاء الولاية عليها ، إذ هو في خصوص ولاية النكاح على البكر الكاملة التي لم تتزوج ، أو تزوجت ولم توطأ ، أو وطئت دبرا ، أو ذهبت بكارتها بغير الجماع قبل البلوغ ، وبعده على قول وكان لها أب أوجد له كامل حاضر ، أما إذا لم يكونا أو كانا غائبين غيبة منقطعة أو ناقصين بجنون أو رق أو كفر مع إسلامهما فلا ولاية لأحد عليها إجماعا محكيا إن لم يكن محصلا.

كما أن المشهور في محل البحث نقلا وتحصيلا بين القدماء والمتأخرين سقوط الولاية عنها ، بل عن المرتضى في الانتصار والناصريات الإجماع عليه.

للأصل الذي لا ينافيه ثبوت الولاية حال النقص بالصغر ، ضرورة تغير الموضوع ، ولذا انتفت الولاية عنها في غير النكاح حتى التصرف ببدنها بعلاج ونحوه.

وظاهر قوله تعالى (١) في المعتدات من الوفاة ( فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) كقوله تعالى فيهن (٢) أيضا ( فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ ) وقوله تعالى فيهن (٣) ( فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ، فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا ) بل قيل : وقوله تعالى (٤) ( وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ) المراد منه أن مطلق المنع عضل لا الاستقلال بالنكاح حال العضل ، وإن كان فيه ما فيه ، وغير ذلك مما ظاهره استقلالها بالولاية ولو لبعض أفراد البحث ، وهو من تزوجت ووطئت دبرا ويتم بعدم القول بالفصل ، وصلاحية النسبة بدون الاستقلال لا ينافي ظهورها فيه ، كما لا ينافي غلبة اتفاق‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٤.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٤٠.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٠.

(٤) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٢.

١٧٥

بعض الأفراد حجية ظاهر اللفظ في غيرها بعد فرض عدم تبادر التقييد ، ووجود الخلاف لا ينافي تحصيل الإجماع فضلا عن حكايته.

وصحيح الفضلاء أو حسنهم (١) عن الباقر عليه‌السلام « المرأة التي قد ملكت نفسها غير السفيهة ولا المولى عليها أن تزويجها بغير ولي جائز » والمناقشة فيه ـ بمنع كون البكر مالكة أمرها وغير مولى عليها ، ومنع إفادة المفرد المعروف العموم ، وعدم ظهور المراد في ملك النفس والفائدة في الجمع بن السفيهة والمولى عليها ـ واضحة الدفع ، ضرورة ظهور كون المراد ملك النفس بغير النكاح كي يصح الاخبار عنها بالجملة الأخيرة وحينئذ يتجه اندراج محل البحث فيها خصوصا بعد ملاحظة‌ قول الباقر عليه‌السلام في خبر زرارة (٢) عنه « إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع وتشترى وتعتق وتشهد وتعطي من مالها ما شاءت فإن أمرها جائز ، تتزوج إن شاءت بغير إذن وليها ، وإن لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلا بأمر وليها ».

ومنه يعلم حينئذ أن المراد بوصفها بغير السفيهة التوضيح للمراد بملكها نفسها من كونها رشيدة ، ويحتمل إرادة الكناية بذلك عن البلوغ ، فيتجه تقييدها حينئذ بكونها غير سفيهة ولا مولى عليها بسبب الجنون ، فيكون الحاصل أن المرأة إذا بلغت رشيدة جاز تزويجها بغير ولي ، ولا ينافي ذلك‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي مريم وغيره (٣) : « الجارية البكر التي لها أب لا تتزوج إلا بإذن أبيها وقال : إذا كانت مالكة لأمرها تزوجت متى شاءت » بدعوى ظهوره في اعتبار عدم الأب في ملك الأمر ، إذ ليس هو بأولى من كون المراد أنها وإن كانت مالكة أمرها لا تتزوج إلا بإذن أبيها إذا كان لها أب مراعاة للوالدية ، وحفظا له من عيب الناس ، خصوصا بعد عقله ومعرفته بالرجال ، وائتمانه وغلبة محبة الرجل الكامل صهرا ، والجمع بين‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٢.

١٧٦

السفيهة والمولى عليها لعدم اندراج الأولى في الثانية إذا فرض عدم رشدها في خصوص النكاح وما يشبهه ، لا سفها ماليا ، فان السفيهة في المال خاصة لا دليل على اعتبار اذن الولي في التزويج الذي هو تصرف غير مالي ، والمفرد المعرف باللام للطبيعة المراد منها عموم الأفراد هنا ، نحو ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (١) فلا إشكال حينئذ في دلالة الصحيح المزبور وإن أطنب فيه في المسالك لكنه لا يخفى ما فيه على من تأمله.

وصحيح منصور بن حازم (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « تستأمر البكر وغيرها ، ولا تنكح إلا بأمرها ».

وخبر سعدان بن مسلم (٣) عن الصادق عليه‌السلام « لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن وليها ».

وخبر عبد الرحمن (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « تتزوج المرأة من شاءت إذا كانت مالكة لأمرها ، فإن شاءت جعلت وليا ».

والمرسل عن ابن عباس (٥) « إن جارية بكرا جاءت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت : إن أبى زوجني من ابن أخ له ليرفع خسيسته وأنا له كارهة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أجيزى ( اخترى خ ) ما صنع أبوك ، فقالت : لا رغبة لي فيما صنع أبي ، قال : فاذهبي فانكحى من شئت ، فقالت : لا رغبة لي عن ما صنع أبى ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء في أمور بناتهم شي‌ء ».

وخبره الآخر (٦) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا « الأيم أحق بنفسها من وليها ، والكبر تستأذن في نفسها ، وإذنها صماتها ».

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٧٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٨.

(٥) سنن ابن ماجه ج ١ ص ٥٧٨.

(٦) سنن البيهقي ج ٧ ص ١١٨.

١٧٧

و‌صحيح البزنطي (١) عن أبى الحسن عليه‌السلام « في المرأة البكر إذنها صماتها ، والثيب أمرها إليها » ضرورة عدم اعتبار إذنها لو كانت مولى عليها ، اللهم إلا أن يكون المراد أن إذنها حيث تعتبر صماتها بخلاف الثيب ، فيخرج حينئذ هو ونظيره عن الاستدلال.

وخبر صفوان (٢) قال : « استشار عبد الرحمن موسى بن جعفر عليه‌السلام في تزويج ابنته لابن أخيه ، فقال : افعل ويكون ذلك برضاها ، فان لها في نفسها نصيبا ، قال : واستشار خالد بن داود موسى بن جعفر عليه‌السلام عن تزويج ابنته علي بن جعفر ، فقال : افعل ويكون ذلك برضاها ، فان لها في نفسها حظا ».

وخصوص‌ خبر الحلبي (٣) عنه عليه‌السلام « سألته عن المتعة بالبكر بلا إذن أبويها ، قال : لا بأس ».

وخبر القماط (٤) « سأل عن المتعة بالبكر مع أبويها ، قال : لا بأس ، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب ».

ومرسل أبى سعيد (٥) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جارية بكر بين أبويها تدعوني إلى نفسها سرا من أبويها فأفعل ذلك؟ قال : نعم واتق موضع الفرج ، قال : قلت : فان رضيت بذلك ، قال : وإن رضيت ، فإنه عار على الأبكار ».

وخبر محمد بن مسلم (٦) « سألته عن الجارية يتمتع فيها الرجل ، قال : نعم إلا أن تكون صبية تخدع ، قال : قلت : أصلحك الله فكم الحد الذي إذا بلغته لم تخدع؟ قال : بنت عشر سنين ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب المتعة الحديث ٩.

(٤) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب المتعة الحديث ٦ مع اختلاف في اللفظ.

(٥) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب المتعة الحديث ٧.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب المتعة الحديث ٤.

١٧٨

ولا يعارض ذلك‌ صحيح أبى مريم (١) عن الصادق عليه‌السلام « العذراء التي لها أب لا تتزوج متعة إلا بإذن أبيها » بعد قصورها عن المعارضة من وجوه ، فلا بأس بحمله على الكراهة أو الحرمة من جهة العوارض الآخر كما أومأ إليه‌ الصادق عليه‌السلام في خبر ابن البختري (٢) عنه « في الرجل يتزوج البكر متعة ، قال : يكره للعيب على أهلها » وسأل أبو الحسن الأبادى الحسين بن روح لم كره المتعة بالبكر؟ فقال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) : « الحياء من الايمان » والشروط بينك وبينها فإذا حملتها على أن تنعم فقد خرجت عن الحياء وزوال الايمان ، فقال : فان فعل ذلك فهو زان ، قال : لا.

فحينئذ يتم الاستدلال بهذه النصوص على المطلوب بعد إتمامها بعدم القول بالفصل إلا من المحكي عن جمع الشيخ في كتابي الأخبار اللذين لم يعدا للفتوى بسقوط الولاية عنها في المنقطع دون الدائم ، على أنه جمع يأباه ظاهر جميع الأخبار ، بل والاعتبار ، ضرورة أولوية الدائم في ذلك منه باعتبار ما فيه من العار والغضاضة ، واحتمال الحبل ونحو ذلك مما لا يقاومه احتمال الفرق بتكثر حقوق الدائم وطول مدته بخلافه في المنقطع ، إذ هو كما ترى ، ضرورة إمكان طول المدة في المنقطع.

ومن هنا يحكى عن بعضهم أنه عكس ، فأثبت الولاية في المنقطع دون الدائم ، وإن كنا لم نعرف قائله ، كما أنا لم نعرف وجها يعتد به له ، ولسابقه سوى اعتبار لا يصلح كونه مدركا لحكم شرعي ، بل لعل الاعتبار يشهد بسقوط الولاية رأسا ، ضرورة تحقق الظلم في الخبر العاقل الكامل على ما يكرهه ، وهو يستغيث ولا يغاث ، بل ربما أدى ذلك إلى فساد عظيم ، وقتل وزنا وهرب إلى الغير ، وبذلك مع الأصل تتم دلالة الكتاب والسنة والإجماع والعقل.

كما أنه مما ذكرنا يظهر لك الحال فيما حكاه المصنف وغيره بقوله ومن الأصحاب من أذن لها في الدائم دون المنقطع ، ومنهم من عكس بل قد عرفت أن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب المتعة الحديث ١٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب المتعة الحديث ١٠.

(٣) المستدرك الباب ـ ٩٣ ـ من أبواب أحكام العشرة الحديث ١١ ـ ١٩ من كتاب الحج.

١٧٩

الأول لم نعرف قائله ولا وجهه سوى دعوى ظهور ما دل على إسقاط ولايتهما في الدائم ، وفيه ما لا يخفى خصوصا بعد النصوص المصرحة في المنقطع التي قد مر جملة منها ، وصحيح أبي مريم (١) السابق الذي قد عرفت قصوره عن المعارضة من وجوه وكذا الثاني الذي قد عرفت أنه ذكره الشيخ وجه جمع بين الأخبار ، لكنها جميعا تأباه ، نعم قد يستدل له بمكاتبة المهلب الدلال (٢) « سأل أبا الحسن عليه‌السلام إن امرأة كانت معي في الدار ثم إنها زوجتني نفسها ، وأشهدت الله وملائكته على ذلك ، ثم إن أباها زوجها من رجل آخر ، فما تقول؟ فكتب : التزويج الدائم لا يكون إلا بولي وشاهدين ولا يكون تزويج متعة ببكر استر على نفسك واكتم رحمك الله » باعتبار مفهوم الوصف ، لكن من المعلوم جريانها على مذاق العامة ، على أنها قاصرة عن المعارضة من وجوه ، فلا ينبغي التأمل في ضعف القولين المزبورين ، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافها.

وأما القول الرابع الذي أشار إليه المصنف بقوله ومنهم من أسقط أمرها معهما فيهما فهو وإن ذهب اليه الصدوق والشيخ وجماعة على ما قيل ، بل مال إليه بعض متأخري المتأخرين للأصل والأخبار الكثيرة (٣) إلا أنه لم يبلغ حد الشهرة ، بل في محكي السرائر أن الشيخ حكم بسقوط الولاية مع غيبتهما عنها وإن كانا على مسافة قريبة ، بل فيه أيضا أنه قد رجع عن هذا المذهب بالكلية في كتاب التبيان الذي صنفه بعد كتبه جميعها واستحكام علمه وسيره للأشياء ووقوفه عليها وتحقيقه لها ، والأصل لا ريب في انقطاعه كما عرفت ، خصوصا بعد اعتراف الخصم بالسقوط مع الغيبة والجنون ونحوهما من العوارض التي لا تسقط معها الولاية في حال الصغر ، بل تنتقل الى وليه ، فلا إشكال في انقطاع الولاية السابقة التي كانت من حيث الصغر ، فلا وجه لاستصحابها كما هو واضح ، وأما النصوص فجميعها أو أكثرها قاصر السند ولا جابر ، مخالفة لظاهر الكتاب ، موافقة لمذهب مالك وابن أبي ليلى‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب المتعة الحديث ١٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب المتعة الحديث ١١.

(٣) الوسائل الباب ٦ و ٩ من أبواب عقد النكاح.

١٨٠