جواهر الكلام - ج ٢٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الإيجاب ، وإنما الكلام فيما وقع بلفظ « تزوجت » ونحوه مما هو بمعنى الإيجاب ، وتسميته قبولا مجرد اصطلاح ، بل قد عرفت سابقا احتمال كونه إيجابا ، وأن النكاح كالصلح يقع إيجابه من كل من المتعاقدين ، كما يومي اليه‌ قوله عليه‌السلام : « فإذا قالت نعم فقد رضيت » إلى آخره ، الظاهر في كون ذلك قبولا منها ، والإجماع على كون عقد النكاح إيجابا وقبولا لا يقتضي تعيين كل واحد من كل واحد ، بل يمكن إرادة القائل بتقديم القبول ، هذا المعنى ، لا أن مراده التقديم قبولا ، إذ قد يمنع تحقق معناه متقدما باعتبار كونه حينئذ كالانفعال الذي يحصل تبعا لحصول الفعل ، شبه الانكسار المتعقب للكسر ، ولا أن المراد عدم اعتبار معنى القبولية في النكاح المنافي للإجماع بقسميه ، بل وظاهر النصوص ، فلا يكفي حينئذ اقتران إنشاء التراضي منهما بالنكاح ، بل لا بد من اتصال أحدهما بالآخر لكن على الوجه المزبور من أيهما كان ، فتأمل جيدا.

ولا يجوز العدول عن هذين اللفظين وما شابههما من الألفاظ العربية إلى ترجمتهما بغير العربية من الفارسية والتركية وغيرهما اتفاقا منا كما عن المبسوط والتذكرة ، للأصل السالم عن معارضة الإطلاق المنصرف الى اللفظ العربي ولو بقرينة كون المخاطب والمخاطب والقرآن عربيا إلا مع العجز عن العربية على وجه يشق عليه التعلم ، لفحوى ما ورد (١) في الأخرس ، كما أوضحنا ذلك كله في كتاب البيع ، وذكرنا هناك البحث في اللحن في المادة والإعراب وأنهما أولى من الترجمة على الظاهر ، وأنه لا يجب التوكيل وإن تمكن منه.

وحينئذ ف لو عجز أحد المتعاقدين تكلم كل منهما بما يحسنه بعد فرض علم كل منهما بمقصود الآخر ولو عجزا عن النطق أصلا أو أحدهما لخرس أصلي أو عارضي اقتصر العاجز على الإشارة إلى العقد والإيماء فإن ذلك منه يقوم مقام اللفظ ، وفي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة من كتاب الصلاة والباب ١٩ من أبواب مقدمات الطلاق من كتاب الطلاق.

١٤١

كشف اللثام هو مما قطع به الأصحاب كما تقدم ذلك كله في كتاب البيع بما لا مزيد عليه ، فلاحظ ما هناك في ذلك ، وفي غيره من المسائل التي ذكرت هناك وإن كان بينهما نوع مخالفة لما هنا.

وكذا لا ينعقد بالكتابة للقادر على النطق ، بل ولا للعاجز عنه إلا أن يضم إليها قرينة تدل على القصد ، فإنها حينئذ من أقوى الإشارات ، والله العالم.

وكيف كان ف لا ينعقد النكاح بلفظ البيع ولا الهبة وإن جوزناها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل تخصيصها بنص الكتاب (١) يرشد الى عدمها في غيره ، بل قد يرشد الى العدم في غيرها أيضا ولا التمليك ولا الإجارة ولا غيرها من الألفاظ التي لم يتعارف استعمالها في عقده ، بل هي منكرة في عرف المتشرعة ، بل في المسالك أنه موضع وفاق ، وانما نبه بذلك على خلاف بعض العامة حيث جوزه بكل واحد من هذه الألفاظ سواء ذكر فيه المهر أو جرده وآخر اشترط اقترانه بمهر ليخلص اللفظ للنكاح ، لكن الجميع كما ترى ، وذلك لا ينافي ما سمعته منا من عدم اعتبار لفظ مخصوص ، لأن المراد الألفاظ التي لم يعلم عدم العقد بها مما هو مستنكر في عرف المتشرعة ، نحو استعمال لفظ النكاح في البيع وبالعكس وغيره ، بل ربما عد بعضه من الأغلاط ، باعتبار خروجه عن قانون اللغة حقيقتها ومجازها ، نعم قد يناقش في خصوص « ملكتك » فإنه يمكن القول بجوازه مع فرض إرادة معنى « أنكحتك » منه من تمليك سلطنة البضع منه ، لأنه ليس من الألفاظ التي يستنكر في عرف المتشرعة عقد النكاح بها ولا هو مما علم عدمه ، بل ورد التعبير بها عن العقد في النص وعبارات الأصحاب ، فلا يبعد اندراجه تحت إطلاق الأدلة والأمر سهل بعد وضوح المراد ومعرفة الضابط ، ولكن مع ذلك لا ينبغي أن يترك الاحتياط ، وقد أطنبنا في تحرير ذلك كله في كتاب البيع ، فلاحظ وتأمل

ومن ذلك اعتبار التنجيز اتفاقا ، فلو علقه ولو بأمر متحقق لم يصح ، بل في كشف اللثام لم يصح وإن لم يرد التعليق ، لأنه غير صريح ، فهو بمنزلة الكناية ،

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٣٣ ـ الآية ٥٠.

١٤٢

وفيه ما لا يخفى من القطع بالصحة لو قال : « إن كان يوم الجمعة فقد زوجتك » على فرض عدم إرادة التعليق منه ، هذا.

وفي القواعد ويعتبر فيه أيضا اتحاد المجلس ، فلو قالت : « زوجت نفسي من فلان » وهو غائب فبلغه فقبل لم ينعقد ، وكذا لو أخر القبول مع الحضور بحيث لا يعد في العرف مطابقا للإيجاب ، وفيه أنه لا دليل على اعتبار اتحاد المجلس فيه وفي غيره من العقود ، وفي كشف اللثام لعل السر فيه أنه ما لم يتحقق الطرفان جاز لكل منهما الإعراض ، فإذا تحققا في مجلس واحد لزم العقد لعدم الاعراض ظاهرا ، بخلاف ما لو تفارقا ، إذ لا قرينة على عدم الاعراض الموجب ، فإنه أمر قلبي.

وبالجملة فمع التقارن صريح ومع الافتراق بمنزلة الكناية ، فكما لا تعتبر وإن قصد المراد في العقد فكذا مع الافتراق وإن لم يعرض في البين ، وفيه منع عدم الانعقاد عند ذلك كما عرفته غير مرة ، نعم تأخير القبول على وجه ترتفع المطابقة بتخلل كلام أو سكوت اختيارا أو اضطرارا لا يبعد عدم الانعقاد معه ، لذهاب هيئة التخاطب العقدي ، ولا يقدح ابتلاع الريق ونحوه مما لا يرفع تلك الهيئة التي عليها المدار ، والله العالم.

وأما النظر في الثاني أي الحكم ففيه مسائل :

( الأولى )

لا عبرة في النكاح كغيره من العقود بعبارة الصبي إيجابا وقبولا لنفسه ولغيره ولا بعبارة المجنون المطبق ولا الأدواري في دوره بلا خلاف معتد به أجده ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، بل ربما كان من الضروريات سلب حكم ألفاظهما في جميع العقود ، فكانت كأصوات البهائم بالنسبة الى ذلك وربما يومي‌

١٤٣

اليه في الجملة خبر (١) رفع القلم المشهور بناء على إرادة ما يشمل ذلك منه لا خصوص التكليفي.

نعم في عقد السكران الذي لا يحصل ولا يميز ما يخاطب ويخاطب به تردد وخلاف من كونه كالمجنون الذي قد عرفت سلب حكم عبارته ، فلا تجديه الإجازة المتأخرة ، ومن إطلاق الأدلة السالم عن معارضة ما يقتضي سلب حكم عبارته ، إذ يمكن كونه كالمكره ، الذي يصحح عقد رضاه المتأخر أظهره عند المصنف وجماعة أنه لا يصح ، ولو أفاق بعد ذلك فأجاز للأصل ، ولأن المعتبر قصد المكلف الى العقد والفرض عدمه ، والإجازة انما تثمر في الصحيح في نفسه لا الباطل ولكن في رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع في الصحيح (٢) إذا زوجت السكرى نفسها ثم أفاقت ورضيت ودخل بها فأفاقت وأقرته كان ماضيا‌ قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن امرأة ، ابتليت بشرب النبيذ فسكرت ، فزوجت نفسها رجلا في سكرها ، ثم أفاقت فأنكرت ذلك ، ثم ظنت أنه يلزمها ففزعت منه ، فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج ، أحلال هو لها؟ أم التزويج فاسد ، لمكان السكر ، ولا سبيل للزوج عليها؟ قال : إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فهو رضا منها ، قلت : ويجوز ذلك التزويج عليها ، قال : نعم » بل عن الشيخ في النهاية ومن تبعه العمل بها ، بل حكى ذلك أيضا عن الصدوق في الفقيه والمقنع ، بل مال اليه غير واحد من متأخري المتأخرين كسيِّد المدارك وصاحب الكفاية والمحدث البحراني ، بل أيده الأخير بصحيح الحلبي (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الغلام له عشر سنين فيزوجه أبوه في صغره أيجوز طلاقه وهو ابن عشر سنين؟ قال فقال :

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث ٢ من كتاب القصاص.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ٤ من كتاب الإرث.

١٤٤

أما التزويج فصحيح ، وأما طلاقه فينبغي أن تحبس عليه امرأته حتى يدرك ، فيعلم أنه كان قد طلق ، فإن أقر بذلك وأمضاه فهي واحدة بائنة ، وهو خاطب من الخطاب ، وإن أنكر ذلك وأبى أن يمضيه فهي امرأته » الحديث.

وإن كان هو كما ترى ، وفي محكي المختلف تنزيلها على سكر لا يبلغ حد عدم التحصيل ، فإنه إذا كان كذلك صح العقد مع تقريرها ، وفي المسالك وفيه نظر بين ، لأنه إذا لم يبلغ ذلك القدر فعقدها صحيح وإن لم تقرره وترضى به بعد ذلك بالجمع بين اعتبار رضاها مع السكر مطلقا غير مستقيم ، بل اللازم إما اطراح الرواية رأسا أو العمل بمضمونها ولعل الأول أولى.

قلت : لعل الأمر بالعكس ، لصحة الخبر وعدم مهجوريته ، كعدم ثبوت سلب حكم عبارة السكران وكونه كالمجنون ، ويمكن أن يكون مراد العلامة بالتنزيل المزبور عدم بلوغ السكر الى حد يصدر منه الكلام على وجه الهذيان كالنوم ونحوه ، بل هو باق على قابلية قصد العقد كما يومي اليه قوله : « فزوجت نفسها » إلا أنه لما غطى السكر عقله لم يفرق بين ذي المصلحة والمفسدة ، فهو حينئذ قاصد للعقد ، إلا أنه لم يؤثر قصده ، لعارض السكر الذي ذهب معه صفة الرشد ، فإذا تعقبته الإجازة صح واندرج في آية ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) وغيرها ، بل لعله أولى من السفيه بل والمكره في ذلك ، فإنه أيضا قاصد للعقد ، لكنه غير راض به ، فإذا ارتفع الإكراه وحصل الرضا كفى ذلك في الصحة ، نعم لو فرض سكره على وجه يصدر اللفظ كالهذيان ، اتجه حينئذ عدم الصحة ولو تعقبت الإجازة ، لعدم القصد حال النطق ، وكذا المكره الذي بلغ فيه الإكراه إلى زوال العقل حتى صار يصدر اللفظ منه على وجه الهذيان ، فان الظاهر عدم الصحة وإن تعقبته الإجازة ، ولا يناقش ذلك بإمكان فرضه في المجنون ، لإمكان دفعها بالإجماع وغيره على سلب عبارة المجنون بجميع أفراده ، ودعواه في جميع أفراد من زال عقله من غير فرق بين المجنون وغيره يمكن منعها ، خصوصا في مثل السكران الذي كان سكره بسوء اختياره ، فيعامل‌

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١.

١٤٥

معاملة المختار ، ولذا كان عقابه في المعاصي الصادرة منه عقاب المختار ، بل ربما أوجب عليه الحد ، نعم يمكن تنزيل الصحيح المزبور على توكيلها في التزويج ، كما هو الغالب والمتعارف ، فهو حينئذ فضولي ، بل لعل قوله عليه‌السلام « فهو رضا » يشعر به ، ولا ينافيه الإنكار في السؤال المراد به الوحشة مما فعلته لا عدم الرضا ، بل ولا قوله : فيه « ثم ظنت » إلخ ، إذ هو مع أنه في السؤال يمكن كونه من الدواعي لحصول الرضا ، ومن ذلك يعرف ما في الرياض ، فإنه بعد أن ذكر ضعف الرواية عن مقابلة القواعد وأنه لا يمكن إلحاقها بالفضولي ، لكون المذكور فيها الإنكار بعد الإفاقة الملازم لعدم الرضا ، قال : فطرحها رأسا أو حملها على ما في المختلف وغيره وإن بعد متعين ، وفيه ما عرفت مضافا الى مخالفة ما في المختلف إطلاق الأدلة أيضا المقيد بالصحيح المزبور ، فتأمل جيدا والله العالم.

المسألة ( الثانية )

لا يشترط في نكاح الرشيدة وإن كانت بكرا حضور الولي على الأصح كما ستعرف تحقيقه إن شاء الله وكذا لا يشترط عندنا في شي‌ء من الأنكحة الدائم والمنقطع والتحليل والملك حضور شاهدين خلافا لما عن العامة ولابن أبى عقيل منا ، فاشترطه في الدائم ، لخبر ضعيف (١) موافق للعامة محمول على الاستحباب كما تقدم سابقا ، لقصوره عن معارضة ما يقتضي الصحة من إطلاق الأدلة وغيره من المعتبرة المستفيضة ، ولذا حكى الإجماع على خلافه في محكي الانتصار والناصريات والخلاف والغنية والسرائر والتذكرة وحينئذ ف لو أوقعه الزوجان أو الأولياء سرا جاز كغيره من العقود ، لما عرفت ولو تآمرا بالكتمان لم يبطل عندنا خلافا لمالك ، فإنه وإن وافقنا على عدم اشتراط الإشهاد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب المتعة الحديث ١١.

١٤٦

لكن شرط عدم تواطئهما على الكتمان.

المسألة ( الثالثة )

إذا أوجب الموجب في النكاح أو غيره ثم جن أو أغمي عليه بطل حكم الإيجاب الذي هو قبل التمام بمنزلة العقد الجائز بالنسبة الى ذلك بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم ، مضافا الى ما دل على شرطية العقد والقصد والرضا ونحوها في العقد الذي هو عبارة عن الإيجاب والقبول لا الإيجاب وحده ، والمراد من اشتراطه مثلا بالنسبة إلى الموجب بقاؤه عاقلا الى قبول القابل ، لا حال صدور الإيجاب منه ، فإنه ليس شرطا في العقد حينئذ ، فإذا فرض ارتفاع القابلية بعد الإيجاب قبل القبول لم يحصل الشرط في تمام العقد الذي يراد منه استمراره على الحال الذي يحصل له حال نطقه بالإيجاب وحينئذ فلو قبل القابل بعد ذلك كان لغوا نحو قبوله إيجاب المجنون وكذا لو سبق القبول بناء على جوازه وزوال عقله ، فلو أوجب الولي بعده كان لغوا ، وكذا الكلام في البيع وغيره من العقود ، بل الظاهر البطلان حتى لو فرض إفاقته قبل القبول على وجه لا ينافي الاتصال ، لبطلان حكم الإيجاب.

بل قد ظهر لك مما قدمنا انه لو نام بعد الإيجاب قبل القبول لم يصح القبول وإن كان النوم غير قادح في العقد الجائز ، ضرورة اقتضاء ما دل على صحته عدم تأثير النوم في بقائه ، لكونه مما يعتاد ، بخلاف ما نحن فيه الذي قد عرفت اعتبار عدم استدامة ما ثبت اشتراطه من نحو ذلك الى تمام العقد ، ولا ريب في انتفائه مع النوم ، لكن في المسالك بعد أن ذكر أن الإيجاب قبل القبول كالعقد الجائز يجوز فسخه ، فيبطل بما يبطل به الجائز قال : « ولا يضر عروض النوم كما لا يقدح ذلك في الوكالة ونحوها » لكن هل يصح الإتيان بالقبول للآخر حالته قيل : لا ، وبه قطع في التذكرة ،

١٤٧

لأن التخاطب بين المتعاقدين معتبر ، وهو منتف مع نوم صاحبه ، ومن ثم لو خاطب شخصا بالعقد فقبل الآخر لم يصح ، ويحتمل الصحة هنا ، لأن الإيجاب توجه الى هذا القابل قبل النوم ، والأصل الصحة مع أنه في التذكرة قال في موضع آخر : « لو قال المتوسط للولي : « زوج ابنتك من فلان » فقال : « زوجت » ثم أقبل على الزوج فقال : « قبلت نكاحها » فالأقرب صحة العقد ، وهو أصح وجهي الشافعية ، لوجود ركني العقد : الإيجاب والقبول ، وارتباط أحدهما بالآخر ، والثاني لا يصح ، لعدم التخاطب بين المتعاقدين ، ويستفاد منه أن تخلل مثل هذا الكلام بين الإيجاب والقبول لا يضر ، لأنه ليس أجنبيا صرفا » قلت : أو يفرض على وجه لا يقدح في الفورية المعتبرة في العقد ، فلا إشكال حينئذ من هذه الجهة ، كما أنه لا إشكال في البطلان مع فرض حصول القبول من القابل بعد نوم الموجب ، لما عرفت.

إنما الكلام فيمن نام بعد الإيجاب ثم استيقظ فقبل القابل ، فإنه يمكن القول بالبطلان ، لفساد حكم الإيجاب حينئذ بالنوم بعده بفقد الشرط الذي هو الاستدامة التي قد عرفتها ، ويمكن القول بالصحة باعتبار كونه كالعقد الجائز الذي لا يضر فيه النوم ، ولعل الأول أقوى وإن كان ظاهر ما سمعته من المسالك المفروغية من الصحة في الفرض ، وانما جعل البحث في القبول حال النوم الذي قد عرفت المفروغية عندنا من بطلانه ، وتشبيه ما نحن فيه بالعقد الجائز لا دليل عليه وإن تشاركا في بعض الأحكام للدليل المقتضى لذلك فيهما كما هو واضح ، والله العالم.

١٤٨

المسألة ( الرابعة )

يصح اشتراط الخيار للزوج والزوجة أو غيرهما على حسب ما سمعته في البيع إلى مدة مضبوطة أو مطلقا كما احتمله في كشف اللثام ، قال : لإطلاق العبارات وإن فرض في المبسوط والخلاف والمهذب خيار الثالث ، وفيه أن الإطلاق مساق لأصل قبول الخيار في مقابلة عدم قبوله بالنسبة إلى الزوجة ، وإلا فالظاهر اعتبار ضبط المدة فيه في كل مقام شرط كالأجل.

وعلى كل حال فيصح اشتراطه في الصداق خاصة لعموم‌ « المؤمنون عند شروطهم » (١) بعد معلومية عدم شرطية ذكره في صحة العقد ، إذ أقصاه حينئذ جواز فسخه ، وبقاء العقد بغير ذكر مهر فتصير كالمفوضة للبضع ، وهو جائز.

نعم لا يصح اشتراطه في العقد اتفاقا في كشف اللثام وغيره ، وقد أومأ إليه المصنف بقوله : « خاصة » لأنه ليس معاوضة محضة ، ولذا لم يعتبر فيه العلم بالمعقود عليه برؤية ولا وصف رافع للجهالة ، ويصح من غير تسمية العوض ومع العوض الفاسد ، ولأن فيه شائبة العبادة التي لا يدخلها الخيار ، ولأن فسخه باشتراط الخيار فيه يفضى الى ابتذال المرأة وضررها ، ولهذا وجب بالطلاق قبل الدخول نصف المهر جبرا له ، بل‌ في قوله عليه‌السلام في خبر (٢) أبان : « كان تزويج مقام » إشعار به ، كقوله عليه‌السلام في غيره : « تزويج البتة » (٣) ونحو ذلك ، بل لعل منافاته لعقد النكاح من ضروريات الفقه ، بل قد يتوهم عدم صحة اشتراطه في المهر فضلا عن العقد ، لإطلاق بعض العبارات عدم الخيار في النكاح ، مؤيدا بأن المهر المذكور في العقد جزء مما وقع عليه ، فاشتراط الخيار فيه يقتضي تزلزل الجزء دون الكل ، وهو غير معهود ، وإلا لاقتضى جواز‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المتعة الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٣.

١٤٩

اشتراطه فيما لا يعتبر فيه العوض من العقود ، كالصلح والهبة المعوضة ، اللهم إلا أن يلتزم ذلك أو يفرق بأنها وإن كان العوض غير معتبر فيها ولكن بحيث يذكر يكون حكمه حكم غيره في المعاوضات ، ولذا يبطل العقد لو ظهر مستحقا مثلا بخلاف النكاح ، وتزلزل الجزء دون الكل معهود في البيع وغيره ، فضلا عن النكاح ، كما لو اشترط الخيار في بعض أفراد المبيع مثلا دون الباقي فيفسخ العقد حينئذ فيه دون غيره فكذا هنا أيضا يفسخ عقد النكاح بالنسبة إلى المهر دون الزوجة ، إذ هو المراد من الخيار في المهر ، ضرورة عدم تصور فسخ المهر نفسه كما هو واضح.

بل يمكن القول بصحة اشتراطه في غير المهر مما يلزمه العقد ، غير الزوجة كالشرط ونحوه ، ولا إطلاق يعتد به يقتضي نفى الخيار في المهر ، بل ربما يمكن دعوى نفى الخلاف فيه أو الإجماع عليه ، مضافا الى عدم الاشكال فيه من حيث القواعد.

وعلى كل حال فاشتراطه في العقد يقتضي فساد العقد ، بناء على أن كل شرط فاسد في عقد يقتضي ذلك ، لأن الرضا وقع مقرونا به ، خلافا لابن إدريس فصحح العقد وأبطل الشرط ، لوجود المقتضى وهو العقد ، وإنما فسد الشرط ، فيلغو نفسه دون العقد وقد تقدم تحقيق الحال في كتاب البيع بما لا مزيد عليه فقول المصنف هنا : ولا يفسد به العقد يحتمل عود الضمير فيه الى اشتراط الخيار في العقد المدلول عليه بقوله : « خاصة » بمعنى أنه فاسد ، ولكن لا يفسد العقد ، فيكون موافقا لما سمعته من ابن إدريس وهو غير معروف بذلك ، على أنه لم يشر الى الخلاف في المسألة ، مع أن القول فيها ببطلان العقد ببطلان الشرط معروف ، بل في كشف اللثام نسبته الى المشهور هنا ، وهو نفسه قد تردد في الصحة وعدمها في باب المهر ، اللهم إلا أن يكون النكاح له خصوصية ، فهو وإن خالف ابن إدريس في غير المقام لكنه في باب النكاح وافقه ، ولو لفحوى صحته مع فساد المهر الذي لا ينقص ذكره عن الاشتراط.

وربما نوقش أولا بأن الظاهر ممن تعرض للمسألة عدم الفرق بين النكاح وغيره من العقود من اقتضاء فساد الشرط فيها فساد العقد وعدمه إلا ما خرج بالدليل ،

١٥٠

وثانيا بأن ثبوت ذلك للدليل في المهر لا يقتضي التعدية بعد حرمة القياس ووضوح وجه البطلان بفوات الرضا المقرون بالشرط بفواته ، وذلك وإن أمكن تقريره في المهر لكن للدليل خرجنا عنه ، ومن هنا احتمل عود الضمير فيه الى اشتراط الخيار في المهر ، ووجهه حينئذ واضح ، ضرورة أن الشرط الصحيح لا يقتضي فساد العقد ، لكنه كما ترى خال عن النكتة ، بل الحكم بصحة الاشتراط يقتضي عدم فساد العقد ، فلا فائدة في ذكره بخصوصه ، كما أن المناقشة المزبورة واضحة الدفع ، خصوصا بملاحظة ما ذكرناه في البيع.

نعم قد يقال : إن الضمير فيه عائد إلى ذلك ، والمراد عدم إفساده العقد وإن قلنا بفساده في المهر ، إذ أقصاه حينئذ فساد المهر الذي لا يستلزم فساد العقد ، فتكون النكتة حينئذ أن الشرط الفاسد في المهر لا يقتضي فساد العقد وإن قلنا : إن الشرط الفاسد في العقد يقتضي فساده ، لكن لما ظهر من الدليل عدم فساد العقد بفساد المهر اقتضى ذلك أيضا عدم فساد العقد بفساد المهر بالشرط الفاسد فيه ، أو يراد أنه لا يفسد العقد إذا اختار الفسخ في المهر ، كما في غيره من عقود المعاوضة ، لما سمعته من عدم اعتبار المهر المسمى في النكاح ، بخلاف باقي عقود المعاوضة ، التي متى فسخ العوض فيها انفسخ أصل العقد ، ولعل منها عقد المتعة الذي يعتبر فيه المسمى ، فمع فرض صحة اشتراط الخيار فيه متى فسخ انفسخ عقد المتعة في المتمتع بها ، لعدم صحة عقد المتعة بدون مسمى ابتداء واستدامة ، كما أنه متى صح فرض اشتراط الخيار في مسماها صح اشتراط الخيار ، لما عرفت من كونها حينئذ كباقي المعاوضات ، اللهم إلا أن يدعى معلومية عدم قابلية عقد البضع ولو متعة للخيار ، فيتجه حينئذ عدم صحة اشتراطه في مسماها ، لاستلزامه الصحة فيها فتخص مسألة المقام في مهر الدائم ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

١٥١

المسألة ( الخامسة )

إذا اعترف الزوج بزوجية امرأة وصدقته أو اعترفت هي فصدقها قضي بالزوجية ظاهرا وتوارثا لأن الحق منحصر فيهما ، « وإقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١) من غير فرق في ذلك بين الغريبين والبلدين ، خلافا لما عن بعض العامة ، فخص صحة الإقرار منهما بالغريبين ، واعتبر في البلدين إقامة البينة ، بناء على اشتراط الاشهاد فيه ، وسهولة إقامته فيهما بخلاف الغريبين ، وفيه منع الاشتراط أولا ، ومنع اقتضائه ذلك ثانيا ، ضرورة أنه على تقديره يعتبر في صحة أصل وقوعه ، وفعلهما الثابت بإقرارهما يحمل على الوجه الصحيح ، على أن الشاهدين لا يعتبر كونهما بلدين ، فجاز أن يشهد البلديان غريبين ، وتتعذر إقامتهما فيؤدي ذلك الى تعطيل الحق بغير موجب ، كما هو واضح.

ولو اعترف أحدهما قضي عليه بحكم العقد دون الآخر المنكر ، فان القول قوله بيمينه ، نعم إن أقام المدعي بينة أو حلف اليمين المردودة ثبت النكاح ظاهرا ووجب عليها مع ذلك مراعاة الحكم في نفس الأمر ، فإن كان المثبت الزوج فله الطلب ظاهرا وعليها الهرب باطنا ، وهكذا ، وإن لم يتفق أحد الأمرين وحلف المنكر انتفى عنه النكاح ظاهرا ، ولزم المدعي أحكام الزوجية على ذلك الوجه لا مطلقا ، فان كان المدعي الرجل فليس له التزويج بخامسة ولا أمها ولا بنتها مع الدخول بها ، ولا بأختها ولا بنت أخيها وأختها بدون رضاها ، بل يقدر بالنسبة إليها كأنها زوجة ، ويجب عليه التوصل إلى إيصالها المهر بحسب الإمكان ، وأما النفقة فلا تجب عليه ، لعدم التمكين الذي هو شرط وجوبها ، وإن كانت المدعية المرأة لم يصح لها التزويج بغيره ، ولا فعل ما يتوقف على إذن الزوج بدونه ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار الحديث ٢.

١٥٢

كالسفر المندوب والعبادات المتوقف عليه ، هذا.

وفي المسالك لا فرق في ثبوت هذه الأحكام بين حلف الآخر وعدمه ، لأنها مترتبة على نفس دعوى الزوجية ، بل قيل : ولا بين تكذيب المدعي ودعواه بعد ذلك وعدمه ، قلت : هو كذلك ، لكن قد يقال : إن ذلك كله جائز للمدعي إذا اعترف بعد ذلك بأنه قد كان مبطلا في الدعوى ، لأنه شي‌ء لا يعلم إلا من قبله ، مع احتمال الإلزام بإقراره ، فتأمل جيدا ، فإنه قد تقدم تحقيق المسألة في كتاب الحج عند تعرض المصنف في الإحرام فيما إذ اختلف الزوجان فادعى أحدهما وقوع النكاح فيه وأنكره الآخر ، والله العالم.

ولو أوقع الرجل المنكر صورة الطلاق ولو بقول : « إن كانت زوجتي فهي طالق » فالظاهر انتفاء الزوجية عنها ، وجاز لها التزويج بغيره لا بأبيه وابنه مطلقا ، لاعترافها بما يوجب حرمة المصاهرة إلا على الوجه الذي ذكرناه.

المسألة ( السادسة )

إذا كان للرجل عدة بنات فزوج واحدة ولم يسمها عند العقد ولا فسرها بغير الاسم فان لم يقصد معينة بطل ، لما ستعرفه من اعتبار تشخيص الزوج والزوجة في النكاح على وجه يحصل به التمييز ، وأنه لا يكفى فيه المطلق وإن كفى في البيع ونحوه ، وإن قصد معينة لكن كان قصده لها بالنية صح وإن وافقه الزوج عالما بالموافقة ، لا اتفاقا من دون قصد للتعاقد والربط ، أو وكل القصد إليه في قول ، فقبل نكاح من نواها وإن لم تكن متميزة لديه فعلا ، فإن الأول إلى العلم كاف لإطلاق الأدلة ، ولكن لا يخلو من نظر تعرفه ، إن شاء الله.

ف ان اختلفا في المعقود عليها بعد الاتفاق منهما على صحة العقد المستلزمة لورود الطرفين على واحدة معينة بالنية المتفقة منهما كان كل منهما‌

١٥٣

مدعيا منكرا ، فيتحالفان حينئذ ، وينفسخ العقد إذا لم يكن الزوج مثلا قد أوكل أمر القصد الى الآخر وقبل ما نواه ، وإلا كان القول قول المفوض اليه بيمينه ، لأنه أعلم بقصده ، ولأنه أمينه وبمنزلة وكيله ، فالقول قوله بيمينه ، حتى لو ادعى عليه أنه قد صرح بها بعد العقد فأنكر ، فإنه ليس عليه إلا اليمين ، هذا ما تقتضيه الضوابط في الدعاوي.

ولكن قد ذكر المصنف وغيره أنهما إن اختلفا في المعقود عليها فان كان الزوج رآهن كلهن فالقول قول الأب ، لأن الظاهر أنه وكل التعيين اليه ، وعليه أن يسلم إليه التي نواها ، وإن لم يكن رآهن كان العقد باطلا والأصل فيه‌ صحيح أبي عبيدة (١) عن الباقر عليه‌السلام « سألت عن رجل كن له ثلاث بنات فزوج إحداهن رجلا ولم يسم التي زوج للزوج ولا للشهود ، وقد كان الزوج فرض لها صداقا ، فلما بلغ أن يدخل بها على الزوج وبلغ الزوج أنها الكبرى فقال الزوج لأبيها : إنما تزوجت منك الصغيرة من بناتك ، فقال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : إن كان الزوج رآهن كلهن ولم يسم له واحدة منهن فالقول في ذلك قول الأب ، وعلى الأب فيما بينه وبين الله أن يدفع إلى الزوج الجارية التي نوى أن يزوجها إياه عند عقدة النكاح ، قال : وإن كان لم يرهن كلهن ولم يسم له واحدة منهن عند عقدة النكاح فالنكاح باطل » وعن الشيخ وأتباعه العمل بهذا الصحيح جامدين عليه من غير تأويل ، وأما المصنف فقد سمعت تنزيله إياه ، وتبعه عليه الفاضل ، بل يمكن عدم الاحتياج الى اليمين في تقديم قول الأب ، لإطلاق الصحيح وإن كان الأقوى خلافه ، لمعلومية توقف انقطاع الدعوى عليه أو البينة في سائر المقامات ، ولو فرض موت الأب قبل تعيينه حيث يكون القول قوله بلا يمين أو معه وحلف على قصده معينة غير التي ادعاها الزوج فالمتجه القرعة ، كما في كل زوجة مشتبهة بغيرها ، لأنها لكل أمر مشكل ، وباب المقدمة ، مع اختلاف الأحكام في الإرث وعدمه ، ووجوب الوطء وحرمته ونحو ذلك لا يجرى ، والإلزام بالطلاق لا دليل عليه ، بل ظاهر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ١.

١٥٤

الأدلة خلافه ، بل يمكن دعوى الإجماع على اعتبار القرعة في نحو المقام.

وعلى كل حال فوجه الإشكال في الخبر أنه يدل حينئذ على أن الرؤية كافية في الصحة ، والرجوع إلى قول الأب وإن خالف ما نواه الزوج وعدمها كاف في البطلان وإن توافقا ، مع أن الرؤية لا مدخل لها في صحة العقد وعدمها ، ولا تفيد التعيين ، ولا عدمها ينافيه ، بل ولا تفيد ما نزله المصنف عليه ، لأنه التفويض إلى الأب إن كفى مع تولية القبول من غير أن يقصد معينة فلا فرق بين الرؤية وعدمها ، فيلزم الصحة على التقديرين ، وإن لم يكف بطل على التقديرين ، ولا دلالة في الرؤية ولا عدمها على شي‌ء من الأمرين وإن كان ظاهر المصنف ذلك ، بل وكذا المحكي عن المختلف ، فإنه قال : « والتخريج في هذه الرواية أن الزوج إذا كان قد رآهن كلهن فقد رضي بما بعقد عليه الأب منهن ، ورضي باختياره ، ووكل الأمر إليه ، فكان في الحقيقة وكيله. وقد نوى الأب واحدة معينة ، فينصرف العقد إليها ، وإن لم يكن قد رآهن كان العقد باطلا ، لعدم الرضا بما يسميه الأب ويعينه في ضميره ، والأصل في ذلك أن نقول : إن كان الأب قد نوى واحدة بعينها وكان رؤية الزوج لهن دليلا على الرضا بما يعينه صح العقد ، وكان القول الأب فيما عينه ، وإلا فلا » فهو كالصريح في أن العمدة هو التفويض ، والرؤية دليل عليه ، وإن كان فيه نظر ، بل منع ، ضرورة أعمية خصوص الرؤية من ذلك ، وانما هو إن كان فمن قبول الزوج ، مع إجمال الأب ، فإن ظاهر القبول الرضا بما أوجبه الأب وأراده وعلى كل حال فظاهره كون الرؤية دليلا كاشفا.

لكن في كشف اللثام جعل جواز التفويض وعدمه دائرا مدار الرؤية وعدمها ، لا أن الرؤية دليل التفويض ، وعدمها دليل عدمه الى أن قال : « إنه لا بعد في أن يكون التفويض إلى الولي جائزا في النساء التي رآهن ، لأنهن تعين عنده ، دون من لم يرهن لكثرة الجهالة ، لا أن الرؤية دليل على التفويض ، وأن التفويض جائز مطلقا على أنه إن رأى بعضهن خاصة كان الظاهر تعلق نيته بمن تعلقت بها الرؤية ، وإن تعددت فالتفويض في تعيين واحدة منهن ، فان ادعى الأب غيرهن لم يسمع منه ، لظهور خلافه ».

١٥٥

قلت : كأن الذي دعاه الى ذلك ظهور كون القابل أراد ما قصده الأب في صورة الرؤية وعدمها ، مع أن الامام عليه‌السلام فصل بينهما ، فعلم منه أن التفويض مع الرؤية صحيح دون غيره ، لكن لا يخفى عليك بعد اختصاص جواز التفويض في ذلك ، ضرورة عدم اعتبار المعلومية في النكاح ، فأي مدخلية للرؤية وعدمها.

ومن هنا قال في المسالك بعد أن أشكل التنزيل المزبور بما سمعت : إن اللازم إما العمل بمدلول الرواية من غير حمل كما فعل الشيخ ، أوردها رأسا والحكم بالبطلان ، كما فعله ابن إدريس ، ولعله أجود ، لأن العقد لم يقع على معينة مخصوصة منهما ، وهو شرط في صحته ، وإن كان قد يناقش بناء على تنزيل الخبر على ما عرفت بأن التمييز حاصل على الوجه المعتبر ، فإن الزوج ينوي قبول نكاح من نواها الأب ، وهو وصف مميز لها عما عداها ، فأي فرق بين هذا الوصف والوصف بالكبرى والصغرى ونحوهما ، نعم يتجه البطلان مع فرض عدم التفويض أو عدم التعيين من الأب حين العقد ، فالبحث حينئذ في تنزيل الخبر على ذلك ، ولا بأس به جمعا بينه وبين القواعد المعتبرة حتى بالنسبة إلى ظهور الرؤية في التفويض ، بحيث يكون الزوج مدعيا لمخالفة الظاهر.

وبذلك ظهر لك حكم جميع الصور ، وهو البطلان فيما إذا لم يقصدا معينة ، أو تخالفا في القصد ، أو لم يعرف أحدهما ما قصد الآخر ، والصحة لو قصدا معينة عالمين بالموافقة ، وفيما لو قصد الزوج مثلا قبول من قصدها الأب بتفويض وبغيره مع فرض قصده معينة في قول والتحالف لو اختلفا في المعينة التي أوقعا العقد عليها ، نعم قد يتوقف في الصحة في الصورتين الأخيرتين ، لعدم صدق امتياز الزوجة فيهما الذي ستعرف اعتباره بالاسم أو الصفة أو الإشارة ، ضرورة عدم كون المقصود للأب مثلا منها ، إذ ليس هو وصف مميز إلا للأب بخلاف الكبرى مثلا.

فالتحقيق اختصاص جواز ذلك بمضمون الصحيح بناء على العمل به دون غيره ، لا أن المراد من تنزيله أن ذلك جائز في نفسه مع قطع النظر عن الصحيح ، لكونه مقتضى القواعد ، فان ذلك مشكل جدا ، بل لو قيل بصحته للخبر على وجه يجري‌

١٥٦

في غير موضوعه كان مشكلا أيضا ، لكونه كالمأول بالنسبة إلى ذلك ، بل هو شبه القضية في واقعة لا يجسر بها على الحكم بما ينافي ما عرفت ، هذا.

ولو ادعى الزوج عدم التعيين حاله وادعى الأب التعيين بتفويض الزوج أو بإطلاقه كان القول قول الأب لأنه مدع للصحة ، بخلاف الزوج المدعي للفساد ، وكذا لو ادعاه باختلاف القصد في التعيين وادعى الأب الصحة باتحاده.

المسألة ( السابعة )

يشترط في النكاح بأقسامه امتياز الزوجة عن غيرها اتفاقا في كشف اللثام وغيره ، كما أنه يشترط امتياز الزوج أيضا كذلك بالإشارة أو التسمية أو الصفة الرافعة للاشتراك أو غير ذلك مما يميزهما ويشخصهما في الواقع وإن لم يتعينا حال العقد ، بل قد يقال بالإخراج بالقرعة مع فرض التمييز في الواقع والاشتباه في الظاهر ، إذ احتمال اعتبار التشخيص المستلزم لمعرفة الشخص في الظاهر أيضا ـ ولو بعد العقد وإلا بطل ، فلا يجدي في إناطة العقد بتشخص في الواقع مجمل في الظاهر مخالف لإطلاق الأدلة المقتصر في الخروج عنه على المتيقن ، وهو العقد على غير المتميز في الواقع مع احتماله ، لأصالة عدم النقل المقتصر في الخروج عنها على المتيقن المعهود ، وهو المتميز واقعا ، وظاهرا ، نعم لا يعتبر فيه ذلك حال العقد ، بل يكفى فيه التمييز بعده ، بل لو اتفق عروض الاشتباه استخرج بالقرعة ، لا أنه يكفي بناء العقد على المتشخص واقعا المجمل ظاهرا على أن يستخرج بالقرعة ، كالعقد على الكبرى مثلا المعلوم عدم التمكن من معرفتها ظاهرا ، لجهل تاريخ الولادة ونحوه ، ولعله لا يخلو عن قوة.

وربما كان هو الظاهر من عبارة المصنف وغيرها وإن كان التفريع خاصا ، بل ومعقد اتفاق كشف اللثام ، بل كاد يكون صريح ثاني الشهيدين في المسالك ، فإنه‌

١٥٧

قال في شرح العبارة : « لما كانت الزوجة معقودا عليها وعينها مقصودة للاستمتاع اشترط تعينها في صحة النكاح ، كما في صحة النكاح ، كما في كل معقود عليه سواء أريد عينه كالمبيع أو منفعته كالعين المؤجرة ، وكذلك يشترط تعيين الزوج ، لأن الاستمتاع يستدعي فاعلا ومنفعلا معينين لتعينه فلو زوجه إحدى بنتيه أو هذا الحمل أو زوج بنته من أحد ولديه أو من هذا الحمل لم يصح العقد بل الثاني أولى ، لمشاركته للأول في عدم التعيين ، إذ يحتمل كونه واحدا أو أزيد ، مضافا الى احتمال كونه غير قابل لنكاح المخاطب ، بأن يكون ذكرا أو أنثى أو خنثى مشكلا ».

وإن كان قد يناقش بالفرق بين النكاح وبين البيع والإجارة باعتبار قدح الجهالة فيهما دونه ، فليس اعتبار التشخيص في النكاح لذلك ، ولا لكون الزوج والزوجة معقودا عليهما ، فأن العقد عليهما لا يقتضي اعتبار تشخصهما في الصحة ، ضرورة صحة العقد على الكلي في البيع والإجارة ، فضلا عن غيرهما ، نعم الإجماع المحكي ومعهودية التشخيص في النكاح على وجه يقطع بعدم صحة غيره أو يشك في تناول الإطلاق له ، فتبقى أصالة عدم النقل بحالها.

وبمنع أولوية عدم الصحة في الحمل ، ضرورة عدم بناء العقد فيه على عدم التعيين ، واحتمال حصوله بالتعدد لا يقتضي البطلان حينه ، كما أن عدم معلومية كونه صالحا للنكاح أو نكاح المخاطب لا يقتضي ذلك ، ضرورة عدم اعتبار معرفة تأثير العقد حال وقوعه ، بل يكفى فيه مصادفته التأثير كما في سائر العقود ، فعدم الصحة في الحمل حينئذ ليس لذلك ، بل إن كان فهو ، لعدم قابلية الحمل لإيقاع مثل هذا العقد عليه ، وكذا البيع منه والهبة له وغيرهما ، ولو بقبول الولي ، فهو بالنسبة الى ذلك معامل معاملة الجمادات إلا ما خرج بالدليل ، كالوصية له ونحوها ، والعمدة فيه الإجماع إن تم وإلا فقد يقال بالصحة المراعاة بقابلية وقوع النكاح ، وعدم منافاة التمييز بالتعدد ، لإطلاق الأدلة ، اللهم إلا أن يشك في تناولها لمثل ذلك ، فينبغى أصل عدم النقل سالما.

وكيف كان فلا يتوهم من العبارة ونحوها وجوب ذكر ما يقتضي التعيين‌

١٥٨

في العقد على وجه لا يجري اتفاقهما في النية والقصد المعلوم عند كل واحد منهما ، فان الظاهر القطع بصحة ذلك كما صرح به في كشف اللثام والمسالك ، وتعذر الشهادة بعد عدم اشتراطها عندنا غير قادح ، نعم في المسالك من اشترط الشهادة أبطل هنا ، لأن الشاهد انما يشهد على اللفظ المسموع دون النية ، وفيه أنه يمكن الشهادة عليها أيضا بالقرائن المفيدة لها أو بالإقرار فيها بعد العقد أو غير ذلك.

وعلى كل حال فليس المراد اعتبار ذكر ما به التعيين في العقد قطعا ، بل المراد منه اعتبار التعيين عندهما ، بل قد عرفت أنه يجزى على قول ما سمعته من تفويض أحدهما إلى الآخر فيه ، فينوي ما نواه.

نعم لو سمى الكبرى مثلا باسم الصغرى غلطا وقبل الزوج ناويا نكاح الصغرى لم يصح ، بخلاف ما لو قال : زوجتك بنتي فاطمة أو هذه فاطمة وكانا متطابقين ، فإنه لا إشكال في صحته ، وكان الثاني تأكيدا.

أما إذا لم يكونا متطابقين بأن كانت المشار إليها زينب أو كانت بنته ولكن سماها بغير اسمها ففي صحة العقد ترجيحا للإشارة أو البطلان لعدم بنت له بذلك الاسم أو ليست الحاضرة المسماة به وجهان ، أقواهما الأول ، ولو قال : زوجتك ابنتي الكبيرة أو الصغيرة أو الوسطى أو البيضاء أو السمراء وله بنات متعددة متميزة بذلك فلا إشكال في الصحة ، ولو لم يكن له إلا واحدة فالوصف مؤكد ، نعم ربما يشكل الحكم لو كان الوصف بالكبرى وأختيها حيث لا بنت له سواها بما سمعت من عدم وجود بنت له كبرى ، مع أن الأقوى الصحة ، ترجيحا للاسم ، فيلغو حينئذ إرادة التشخيص بالوصف.

١٥٩

المسألة ( الثامنة )

لو ادعى زوجية امرأة فأنكرته وادعت أختها زوجيته فان لم يقم أحد منهما بينة على دعواه حلفت الامرأة على نفي دعواه ، وحلف هو للمدعية على نفي دعواها إن لم يكن قد دخل هو بها ، ولوردت الأولى عليه اليمين مثلا فحلف هو فهل له رد اليمين على المدعية؟ وجهان ، وعلى الأول فإذا حلفت كان الحكم كما لو أقام كل منهما بينة على إشكال ، وإن كان قد دخل بها ففي كون اليمين عليه ، لأنه المنكر بموافقته للأصل أو عليها بموافقتها الظاهر وجهان ، أقواهما الأول ، وحينئذ فلو أقام أحدهما خاصة البينة قضي له بها وإن كان الرجل الداخل بالمدعية ، واحتمال عدم سماعها منه لتكذيبه إياها بفعله ، يدفعه أعمية الدخول من النكاح المدعى ، مع فرض عدم القرائن وأصالة الصحة لا تشخص وجهه ، نعم لا بد له حينئذ من اليمين على نفي ما ادعته الأخت وفاقا للشهيد ، ضرورة كونه منكرا بالنسبة إلى دعواها ، والبينة على زوجية أختها لا يقتضي العلم بكذبها ، ضرورة إمكان صدق البينة مع تقدم العقد عليها ، كما أنها لو أقامت هي البينة حلفت هي معها أيضا على نفي العلم بسبق عقده على أختها مع فرض دعواه عليها لذلك أيضا ، اللهم إلا أن يستفاد من فحوى الخبر الآتي عدمه هنا ، بناء على عدمهما في مورده ، وأنه يكفي ثبوت دعوى كل منهما في فساد الأخرى على وجه لا يحتاج الى اليمين ، ولا استبعاد في سقوط يمين المنكر مثلا مع فرض إقامته بينة على دعوى تقتضي فساد دعوى المدعي ، وليست هي بينة منكر ، فلاحظ وتأمل.

وإن أقام كل منهما بينة ، فان كان قد دخل بالمدعية كان الترجيح لبينتها ، لأنه مصدق لها بظاهر فعله سيما إذا تكرر وكذا لو كان تاريخ بينتها أسبق ، لأنه حينئذ في حكم من لا بينة له ، ضرورة بطلان بينة بالبينة‌

١٦٠