بحوث في علم الأصول - ج ٦

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

بالصلاة بعدم إيقاعها في هذا وحده أو في الاخر وحده لتنجز نجاسة كل منهما بل لا بد من إيقاعها في غيرهما أو بينهما معا بنحو الاحتياط ويكون المجموع امتثالا. يدفعها : مضافا إلى انه خلاف ظاهر الدليل بحيث يكون استفادة كون المجموع امتثالا عناية فائقة لا يساعد عليها مقام الإثبات ، لا يدفع الإشكال في موارد إيقاع صلاتين كصلاة الظهر والعصر كل منهما في أحد الثوبين فان لازمه بطلان الصلاتين معا ولزوم إعادتهما لوقوع كل منهما في أحد الثوبين والمفروض تنجز نجاسته.

وقد ظهر من مجموع ما تقدم ان الإشكال لا يختص بما إذا أخذ التنجز قيدا في المانعية بل إذا كان الوصول قيدا فيها أيضا اتجه الإشكال بلحاظ الحكم الواقعي بالصحّة في موارد عدم تعين النجاسة المعلومة بالإجمال ونجاستهما معا فان نسبة المانعية إلى كل منهما على حد واحد نعم يختلف هذا الوجه عن الوجه الاخر في عدم حاجته إلى إجراء الأصل المؤمن قبل انكشاف الخلاف إذ لا يعلم بأكثر من نجاسة واحدة فيعلم عدم مانعية أخرى حتى إذا كان الثاني نجسا.

المقام الثاني ـ في تصوير شرطية الطهارة ـ وقد استظهرها صاحب الكفاية ( قده ) من الأدلة على ما يظهر من عباراته ـ وهنا لا بد من فرض توسعة في الشرط على عكس ما تقدم في المانعية لكي تصح الصلاة في النجس مع الجهل بنجاسته ومن هنا نواجه في هذا المقام إشكالا لم نكن نواجهه في المقام السابق لأن النجاسة الواقعية هناك كان يمكن إبقاؤها دخيلة في موضوع المانعية ولو كجزء الموضوع بأخذ قيد الوصول أو التنجز معها بينما هنا يلزم من توسعة الشرط خروج الطهارة الواقعية وعزلها عن دائرة الشرطية حتى كجزء الموضوع وسوف يأتي تحقيق هذه النقطة.

وقد ذكر المحقق الخراسانيّ ( قده ) ان الشرط هو إحراز الطهارة ولو بالأصل وعبر المحقق النائيني ( قده ) ان الشرط هو العلم بالطهارة ولعله يقصد الأعم من الطهارة الواقعية والظاهرية وأيا ما كان فيمكن تصوير التوسعة في الشرطية بأحد أنحاء :

١ ـ ان يكون الشرط العلم الوجداني بالجامع بين الطهارتين الواقعية والظاهرية. ولا يخفى ان هذا لا يفي بتصحيح الفتاوى الفقهية إذ يلزم منه بطلان الصلاة مع طهارة واقعية غير واصلة كما إذا صلى رجاء بلا مؤمن بداعي الفحص فيما بعد ثم تبين طهارة الثوب.

٦١

٢ ـ ان يكون الشرط الجامع بين الطهارتين فيندفع الإشكال المتقدم ولكنه يستوجب بطلان الصلاة في مورد القطع الوجداني بالطهارة فيما إذا انكشف الخلاف وهو أيضا خلاف الفتوى المسلمة فقهيا.

٣ ـ ان يكون الشرط مطلق المؤمن وهنا لو أريد بالمؤمن خصوص الواصل إلى المكلف رجع إلى الوجه الأول ولو أريد ما يعم المؤمن الواقعي ظهر فرقه عنه فيما إذا كان في البين أمارة أو أصل على الطهارة لم يعرفه المكلف فتصح الصلاة على هذا الوجه وعلى كل حال لا يرد على هذا الوجه ما أورد على الوجه الثاني ولكن يرد عليه : بطلان الصلاة مع الطهارة الواقعية وعدم المؤمن ـ كما في موارد القطع بالنجاسة بنحو الجهل المركب أو قيام أمارة أو أصل على النجاسة مع انكشاف الخلاف بعد ذلك ـ.

٤ ـ ان يكون الشرط هو الجامع بين الطهارة الواقعية والمؤمن الأعم من العلم الوجداني أو المؤمن الشرعي ، وهذا الوجه سليم عن كل الاعتراضات المتقدمة وينسجم مع الفتاوى الفقهية (١).

وكافة هذه الوجوه تشترك في توسعة الشرطية وبالتالي عزل الطهارة الواقعية عن دائرة الشرطية وان اختلفت في مقدار العزل ، فالوجه الأول والثالث مثلا يعزلانها عن الشرطية مطلقا فلا تكون محققة حتى لمصداق الشرط بخلاف سائر الوجوه ، والإشكال الّذي لا بد من علاجه على جميع هذه الوجوه انه ما معنى استصحاب الطهارة أو أصالة الطهارة بعد فرض انعزالها عن الدخالة في موضوع الشرطية ، وهذا الإشكال يمكن تقريبه من جهات مختلفة :

١ ـ لغوية الاستصحاب لعدم ترتب أثر على المستصحب المتعبد به.

وهذا التقريب للإشكال يمكن دفعه بان الأثر يترتب على الاستصحاب لكونه حكما ظاهريا بالطهارة وهو كاف في دفع اللغوية.

٢ ـ ان المستصحب لا بد ان يكون حكما شرعيا أو موضوعا لحكم شرعي والطهارة المستصحبة في المقام ليست كذلك ولعل نظر المحقق العراقي ( قده ) كان إلى هذا المعنى

__________________

(١) وإذا افترضنا فقهيا صحة الصلاة في النجس مع الغفلة عنها بمعنى عدم الالتفات وعدم العلم بها سابقا وسعنا المؤمن بما يشمل الغفلة وعدم الالتفات أيضا وكذلك الحال فيما إذا كان الجاري المؤمن العقلي لا الشرعي كما في بعض الصور والتقديرات المتقدمة في المقام السابق.

٦٢

حينما أفاد بان الإشكال يندفع إذا قلنا بان الطهارة الخبيثة حكم شرعي أيضا.

وهذا التقريب يندفع أيضا ـ ولو افترضنا الطهارة الخبيثة حقيقة تكوينية كشف عنها الشارع ـ بما سيأتي من ان جريان الاستصحاب يكفي فيه ترتب أثر عملي عليه ولا يشترط فيه ان يكون المستصحب حكما شرعيا أو موضوعا لحكم شرعي.

٣ ـ ان جريان الاستصحاب وان لم يكن مشروطا بكون المستصحب حكما شرعيا أو موضوعا له ولكنه مشروط بان يكون المستصحب قابلا للتنجيز والتعذير ليكون له أثر وجري عملي يصدق بلحاظه النقض العملي الّذي هو مفاد دليل الاستصحاب والطهارة الواقعية بناء على عزلها من دائرة الشرطية لا يكون لها أثرا عملي ليجري الاستصحاب بلحاظه وقد حاول المحقق الخراسانيّ ( قده ) ان يجب على هذا الإشكال تارة بان الطهارة الواقعية وان لم تكن موضوعا للشرطية الا انها قيد لموضوع الشرطية لأن الشرط إحراز الطهارة فيجري الاستصحاب فيها بهذا الاعتبار ، وأخرى بان الطهارة لها شرطية اقتضائية وهي تكفي لتصحيح جريان الاستصحاب.

ويرد الأول : ان ما يكون قيدا للشرطية انما هو الوجود العنواني اللحاظي للطهارة لا الواقعي والا لبطلت الصلاة من دون طهارة واقعا وما هو المستصحب انما هو الوجود الواقعي للطهارة لا اللحاظي فلا بد من ترتب أثر عليها كما هو واضح.

ويرد الثاني ـ ان الشرطية الاقتضائية ان أريد منها وجود مصلحة وملاك في جعل الشرطية للطهارة ولكنها ناقصة غير فعلية فهذا لا يكفي في جريان الاستصحاب لعدم توفر المنجزية والمعذرية الا بالحكم الفعلي لا الاقتضائي ، وان أريد منها انها شرط في حال إحرازها والعلم بها فهذا أيضا لا يجدي في مورد الشك الّذي هو موضوع الاستصحاب لأن معناه عدم ترتب الأثر عليها في فرض جريان الاستصحاب.

والصحيح في الإجابة على هذا الإشكال : انه يكفي كون الطهارة الواقعية أحد افراد الشرطية ومحققا للشرط فهذا الإشكال انما يتسجل بناء على الوجهين الذين كانا يعزلان الطهارة الواقعية عن الشرطية بالمرة.

٤ ـ ما أفاده المحقق العراقي ( قده ) من ان استصحاب ما يكون فردا لجامع ذي أثر وان كان جاريا في سائر المقامات ولكنه في خصوص المقام لا يمكن ذلك لأنه لو أريد به استصحاب الفرد بما هو فرد فهو غير تام لا هنا ولا في سائر المقامات لأن

٦٣

الخصوصيات الفردية المشخصة لا دخل لها في الأثر بحسب الفرض والتعبد الاستصحابي لا يكون الا بمقدار ما فيه الأثر.

وان أريد به استصحاب الحصة من جامع الطهارة المتحقق ضمن الطهارة الواقعية والتي بها يتحقق الشرط والامتثال فمثل هذه الحصة انما يترتب عليها الأثر العملي في فرض سبق وجودها الموجب لكونها فرد صرف الجامع الموضوع للحكم وهذا المعنى يلازم مع مطابقة الاستصحاب للواقع والا ففي فرض مخالفته للواقع لا يكون لمثل هذه الحصة أثر عملي الا على فرض عدم جريان الاستصحاب إذ مع جريان الاستصحاب يكون الأثر للحصة الأخرى من الجامع المتحقق ضمن الفرد التعبدي وهذا يعني ان جريان الاستصحاب في الحصة موقوف اما على عدم جريانه ليكون ثبوت الطهارة الواقعية في مثل ذلك له أثر لأنها الحصة الأولى للجامع أو على مطابقته للواقع ليكون ثبوت الطهارة الواقعية له أثر لأنها الحصة الأولى الأسبق من الجامع أو المقارن مع الطهارة الأخرى وكلاهما محال ، اما الأول فلأنه يلزم من وجوده عدمه ، واما الثاني فلان الأصل إنما يجعل ليكون حجة في فرض الصدق والكذب معا ليؤخذ به في فرض الشك ولا يعقل تخصيص حجيته بفرض صدقه فلا بد بلحاظ الحصة من الالتزام بجريان الاستصحاب بلحاظ ما يترتب على نفس الاستصحاب وهو كما ترى ، وان أريد استصحاب الجامع بين الطهارة الواقعية والظاهرية ورد عليه :

أولا ـ استحالة انطباق الجامع المستصحب على ما يترتب على نفس استصحابه فعلى كل تقدير لا استصحاب في البين حتى يتحقق به إحدى فردي الجامع فيترتب عليه صحة الصلاة واقعا.

وثانيا ـ امتناع كون الشرط في أمثال المقام الجامع بين الطهارة الواقعية والاستصحابية فانه مع تأخر الاستصحاب عن المستصحب رتبة يستحيل قابلية الجامع للانطباق على ما يتحقق من قبل نفس الاستصحاب المتأخر عنه رتبة كما هو ظاهر (١).

وتعليقنا على ما ذكره بالنسبة إلى استصحاب الحصة :

انه وقع خلط بين لزوم ترتب الأثر على المستصحب خارجا بالفعل أي بنحو مفاد

__________________

(١) راجع نهاية الأفكار ، القسم الأول من الجزء الرابع ، ص ٥١

٦٤

كان التامة وبين لزوم ثبوت الأثر له لو كان موجودا بنحو مفاد كان الناقصة ، فالحصة الواقعية من الطهارة لو كانت موجودة في الخارج حين الصلاة كان يترتب عليها الأثر لكونها حصة سابقة رتبة أو مقارنة مع الطهارة الأخرى فليست مسبوقة بحصة أخرى على كل تقدير فينطبق عليها صرف الوجود ويكون لها الأثر وقد اعترف المحقق بنفسه بذلك حينما قال باشتراط جريان الاستصحاب بمطابقته للواقع الا ان هذا يعني ضرورة صدق القضية الشرطية أي اشتراط صدق مفاد كان الناقصة في جريان الاستصحاب كما هو الحال في تمام الموارد إذ لا يتوقف جريان الاستصحاب في مورد على ترتب الأثر فعلا وبنحو مفاد كان التامة على المستصحب خارجا كيف وهذا إبطال للاستصحاب ويكون تحصيلا للحاصل المحال ، فاللازم صدق مفاد كان الناقصة أي القضية الشرطية وهو حاصل في المقام كما اعترف به هو أيضا والاستصحاب يثبت تعبدا تحقق الشرط استطراقا إلى ترتب الجزاء فلا يتوقف جريان الاستصحاب في الحصة على ثبوت المستصحب أو على عدم جريانه ليكون محالا (١).

وتعليقنا على ما ذكره بالنسبة إلى استصحاب الجامع ، اما بلحاظ الإشكال الأول الّذي ينظر فيه إلى دليل الاستصحاب والحكم الظاهري فهذا بحسب الحقيقة فيه احتمالان وتفسيران :

الأول ـ ان الاستصحاب كاشف من الكواشف كالعلم والظن والاحتمال والكاشف لا بد وان يكون لمنكشفه ثبوت بقطع النّظر عنه لا به ولهذا يستحيل تعلق العلم والظن بحكم متفرع على شخص ذلك الظن والعلم وفي المقام يلزم من إجراء الاستصحاب في الجامع بحده الجامعي ذلك حيث يكون المستصحب متولدا بنفس الاستصحاب.

ويرد عليه : ان الشك والاحتمال الّذي هو موضوع التعبد الاستصحابي متعلق

__________________

(١) يمكن ان يناقش في أصل إجراء الاستصحاب في الحصة بنفس ما تقدم في إجرائه في الفرد فان الحصة غير المسبوقة بغيرها في موارد صرف الوجود وان كان يترتب عليها الأثر الا ان ترتبه ليس باعتباره حصة بل باعتبار تحقق الجامع الّذي هو متعلق الأمر فالاستصحاب لا بد وان يجري بلحاظ الجامع لأنه المأخوذ تحت الأمر ـ وان شئت قلت : ان الأثر المنظور إليه في المقام هو إحراز الامتثال وتحقق الواجب ببركة الاستصحاب فيكون مركب الاستصحاب ما هو متعلق الوجوب وهو الجامع لا محالة وان كان في طول الإحراز يتحقق الواجب وينطبق على تلك الحصة من الجامع قهرا فلا يوجد لدينا مركبان للاستصحاب بحسب الحقيقة.

٦٥

بجامع الطهارة أيضا ضمن تعلقه بفرد منه وهو الطهارة الواقعية وهو امر ثابت بقطع النّظر عن الشك وليس نفسه لأنه جامع بين الطهارة الواقعية والطهارة الاستصحابية التي هي حكم شرعي ظاهري لا نفس الشك الكاشف والحاصل لو أريد بكون الاستصحاب كاشفا ان موضوعه وهو احتمال البقاء كاشف فهذا صحيح الا انه غير ضائر ، لأن البحث في تعلق التعبد الاستصحابي بالجامع وان أريد ان التعبد الاستصحابي كاشف فهذا غير تام فان التعبد ليس الا حكما شرعيا لا كشفا ومجرد التعبير عنه بالحجة أو الطريق لا يجعله كشفا أو له صفات الكشف وآثاره التكوينية كما هو واضح ، وان أريد ان التعبد الاستصحابي لا بد وان يكون على وزان موضوعه وهو المستصحب المشكوك فإذا كان احتمال البقاء متعلقا بالطهارة الواقعية التي هي فرد أو حصة من ذلك الجامع فلا بد وان يكون التعبد الاستصحابي متعلقا بنفس ما تعلق به الاحتمال لا بجزء منه فهذا واضح البطلان ولا يلتزم به أحد كيف ولازمه عدم جريان الاستصحاب في موارد تعلق الاحتمال بالفرد وترتب الأثر على الجامع.

الثاني ـ ان التعبد الاستصحابي وان لم يكن كاشفا تكوينيا الا انه حكم شرعي موضوعه المستصحب المشكوك فيكون المستصحب بحسب لحاظ الجاعل متقدما رتبة على الاستصحاب نفسه تقدم الموضوع أو المتعلق على حكمه فيستحيل ان يكون المستصحب مشتملا على فرد ينطبق على نفس الاستصحاب المتأخر رتبة فان هذا يوجب التهافت بحسب عالم الجعل والتعبد ، وفرق هذا التفسير عن سابقه انه إشكال بلحاظ مرحلة الجعل وعالم التصور لا الفعلية وعالم الصدق.

والجواب ـ ان لحاظ الجامع المستصحب انما يكون برفض الخصوصيات الفردية فلا يلزم منه لحاظ الافراد المنطبق عليها ذلك الجامع ليقال بالتهافت في اللحاظ إذا كان شاملا للفرد المتحقق بنفس الاستصحاب في الرتبة المتأخرة.

واما الإشكال الثاني الّذي أورده على استصحاب الجامع والّذي ينظر فيه بحسب الحقيقة إلى دليل الشرطية لا الاستصحاب فان له تفسيرين أيضا.

الأول ـ ان الطهارة الاستصحابية في طول جريان الاستصحاب الّذي هو في طول ترتب الأثر على المستصحب الّذي هو نفس الشرطية في المقام ـ حيث يفترض عدم ترتب أثر آخر ـ فيستحيل ان يكون مثل هذا الفرد الّذي هو في طول الشرطية فردا

٦٦

للشرط ومحققا للشرطية.

وهذا مرجعه اما إلى التهافت في دليل الشرطية إذا كان المنظور فيه عالم الجعل واللحاظ وانه كيف يجعل الشرطية لجامع أحد فرديه متوقف على لحاظ نفس الشرطية ومتأخر عنها ، وقد عرفت جوابه وان لحاظ الجامع لا يستلزم لحاظ افراده ـ لا الطولية ولا العرضية ـ فلا تهافت. واما إلى لزوم الدور في مرحلة الفعلية لأن الشرطية تتوقف فعليتها على وجود موضوعها خارجا فلا يعقل ان يكون موضوعها متوقفا عليها.

وجوابه : ان الشرطية ليست فعليتها متوقفة على وجود الشرط إذ ليس الشرط موضوعا للحكم بل قيدا في المتعلق ولا يتوقف الحكم على متعلقه (١).

الثاني ـ استحالة شرطية الجامع في المقام لاستحالة تصوير الجامع لأنه انما يكون عن طريق لحاظ الافراد ثم تجريدها عن الخصوصيات وفي المقام يستحيل تصوير الجامع بين الطهارة الواقعية والطهارة الاستصحابية لأن تصويره متوقف على تصور كل من الفردين وتجريدهما عن الخصوصيات والمفروض ان أحد الفردين وهو الطهارة الاستصحابية في طول تصوير الجامع فيكون تصوير الجامع في المقام متوقفا على تصويره وهو دور محال.

ويكفي في الإجابة على هذا الإشكال ان يقال : بان تصوير الجامع غير موقوف على تصوير تمام الافراد بل يكفي تصور فرد واحد وإلغاء خصوصياته المشخصة فيبقى الجامع ، نعم تصوير كون هذا الجامع يجمع هذا الفرد وذاك الفرد متوقف على تصور تلك الافراد الا انه يكفينا في المقام مجرد تصور الجامع لاستصحابه بلا حاجة إلى لحاظ كونه جامعا ينطبق على الفرد الاستصحابي.

وهكذا يتضح عدم تمامية شيء من الاعتراضات على توسعة الشرطية وجعلها للأعم من الطهارة الواقعية والمؤمن.

__________________

(١) الأولى تغيير هذا الجواب بشبه الجواب المتقدم في الإشكال الأول إذ ليس المقصود تقريب الدور بلحاظ موضوع الشرطية بل بلحاظ فعلية الشرط خارجا فان التعبد الاستصحابي إذا كان في طول الجامع فكيف يمكن ان يكون محققا له ومصداقا للشرط.

والجواب : ان التعبد الاستصحابي ليس في طول وجود ذلك الجامع والشرط خارجا ليستحيل ان ينطبق عليه ويتحقق به بل في طول عنوانه ولحاظه وان شئت قلت في طول اتصاف المستصحب بكونه ذلك الجامع بنحو مفاد كان الناقصة فلا تهافت في عالم الصدق والفعلية أيضا.

٦٧

الأمر الثالث ـ ان ما تقدم في تصوير مانعية النجاسة أو شرطية الطهارة كان مبتنيا على تضييق المانعية أو توسعة الشرطية بنحو بحيث يكون الواجب مع الطهارة الواقعية امتثالا للواجب الواقعي خطابا وملاكا ، وهناك وجهان آخران يمكن على أساسهما تخريج الفتاوى الفقهية ثبوتا مع فرض كون الشرط الطهارة الواقعية أو عدم النجاسة الواقعية من دون توسعة أو تضييق وانما يسقط الإعادة عن المكلف في موارد انكشاف الخلاف بملاك الاجزاء على أساس فوات الملاك وعدم إمكان تداركه وذلك بأحد نحوين :

١ ـ الالتزام بان المأتي به يفوت مصلحة الواقع بمناط المضادة بحيث لا يمكن مع الإتيان به استيفاء المصلحة الكاملة في المأمور به الواقعي حتى لو أعاده.

٢ ـ نفس الصورة مع فرض ان المأتي به واف بمقدار معتد به من ملاك الواقع ولكنه يفوت مقدارا لزوميا ومرتبة من المصلحة الواقعية أيضا بحيث لا يمكن تداركه.

ونتيجة الوجهين ان يكون الواجب الواقعي والشرط هو الطهارة في أول صلاة يصليها المكلف ـ ولا بد من تقييده بان لا يكون مع العلم بالنجاسة لوضوح ان الصلاة في النجس مع العلم بها لا يرفع وجوب الإعادة ـ.

ويرتكز الوجهان على نكتة ثبوتية واحدة ولكن الوجه الثاني يمتاز على الأول بحسب مقام الإثبات حيث ان ظاهر أدلة معذورية الجاهل بالنجاسة والاجتزاء بما جاء به صحة عمله ووفائه بشيء من الملاك على الأقل ان لم يدفع ظهورها في الوفاء بكامل الملاك.

وبهذا ينتهي البحث عن دلالة الصحيحة الثانية لزرارة على الاستصحاب ولا بأس بالإشارة إلى ان هذه الصحيحة من حيث السند وان نقلت مضمرة في التهذيب والاستبصار كالصحيحة الأولى الا ان الشيخ الصدوق ( قده ) رواها في العلل مسندا إلى أبي جعفر عليه‌السلام وان كان الإضمار خصوصا من مثل زرارة لا يقدح بالرواية لانعقاد ظهور في نفس الإضمار واسناد الحديث إلى الضمير في الوسط الشيعي في ان المقصود بالضمير هو من يؤخذ منه التشريع عندنا وهو المعصوم والا كان يذكر المسئول عنه يقينا وكان ينقله الراوي عنه أيضا ، هذا إذا افترضنا ان هذا الإضمار كان في تعبير الراوي والأقرب أنه حصل نتيجة تقطيع أصحاب الكتب للروايات وتوزيع

٦٨

مضامينها على الأبواب الفقهية دون ان يكون إضمار في أصل الرواية من قبل زرارة ، وعليه فلا مجال لمثل هذه التشكيكات.

الرواية الثالثة : صحيحة الثالثة لزرارة يرويها عن أحدهما عليهما‌السلام« قال : قلت له من لم يدر في أربع هو أم في اثنتين وقد أحرز الاثنتين ، قال يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد ولا شيء عليه وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها ركعة أخرى ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين فيبنى عليه ولا يعتد بالشك في حال من الحالات » (١) وجه الاستدلال بها ورود نفس الفقرة ( لا ينقض اليقين بالشك ) فيها ، ولتوضيح نكات الاستدلال بهذه الصحيحة نتحدث أولا في محتملاتها وما يستظهر من ألفاظها في نفسه ، ثم نتحدث فيما أثير بوجه الاستدلال بها على قاعدة الاستصحاب من الشبهات والموانع فالبحث في مقامين :

اما المقام الأول ـ فتوضيح الحال فيه : ان جملة ( ولا ينقض اليقين بالشك ) الواردة فيها يحتمل بشأنها عدة أمور :

الأول ـ ان يراد بها قاعدة الاستصحاب بان يراد من اليقين اليقين بعدم الإتيان بالرابعة قبل دخوله في الركعة المشكوك كونها ثالثة أو رابعة وهذا الاحتمال وان كان منطبقا على الفقرة التي يراد الاستدلال بها ولكن يبقى في النّفس وسوسة بلحاظ الفقرات الأخرى التي يكرر فيها الإمام عليه‌السلام اليقين والشك كجملة ( ولا يدخل الشك في اليقين ) وجملة ( لا يخلط أحدهما بالاخر ) وجملة ( ولكن ينقض الشك باليقين ) وجملة ( ولا يعتد بالشك في حال من الحالات ) فان هذه الدرجة من التطويل لم يكن لها ملزم ولا مناسبة لو كان النّظر إلى قاعدة الاستصحاب المركوزة فلا حاجة إلى مثل هذه الاستعارات والكنايات.

الثاني ـ ان يراد بها قاعدة البناء على اليقين في مقام تحصيل الفراغ اليقيني من اشتغال الذّمّة بالتكليف ، وقد أفاد الشيخ ( قده ) ان هناك اصطلاحا يستفاد من ألسنة الروايات يعبر به عن قاعدة الاشتغال ولزوم تحصيل الفراغ اليقيني وهو اصطلاح البناء

__________________

(١) وسائل الشيعة ، الباب ١٠ من الخلل ، ج ٥ ، ص ٣٢١

٦٩

على اليقين ، ففي بعض الروايات عند ما يسأل الراوي عمن يشك في صلاته يجيب الإمام عليه‌السلام بقوله يبني على اليقين ، وبناء على هذا الاحتمال يراد من النهي عن نقض اليقين بالشك النهي عن رفع اليد عن اليقين بالفراغ بالاكتفاء بعمل يشك معه في الفراغ بل لا بد من عمل يحصل معه اليقين بالفراغ ويتم عليه ، وبهذا تعالج أيضا نقطة الاستغراب المثارة بشأن التكرار المتقصد لهذا المضمون بجملات عديدة في الرواية.

الا ان هذا الاحتمال خلاف الظاهر وذلك :

أولا ـ لأن اليقين بالفراغ غير موجود بالفعل للمصلي وانما يراد تكليفه بتحصيله وإيجاده مع ان ظاهر السياق المفروغية عن وجوده وتكليفه بعدم نقضه بالشك ولهذا كان التعبير المعهود في الروايات لوظيفة الشك عنوان ابن علي اليقين لا عنوان لا تنقض اليقين.

وثانيا ـ ان الاكتفاء بالفراغ الاحتمالي ليس نقضا لليقين بل نقض لقاعدة الاشتغال وحكم العقل بلزوم تحصيل اليقين بالفراغ وظاهر التعبير اسناد النقض إلى نفس اليقين.

الثالث ـ ان يراد باليقين اليقين بإتيان ثلاث ركعات وبالشك الشك في انضمام الركعة الرابعة إليها والمقصود النهي عن عمل يشك معه في صحة ركعات الثلاث فيزول يقينه بإتيان ثلاث صحيحة بسبب شكه في إتيان الرابعة فانه لو أتى بالرابعة متصلة فسوف يزول يقينه بالثلاث الصحيحة لاحتمال زيادة ركعة وهي مبطلة للصلاة فلا يخلط أحدهما بالاخر وانما يتم على يقينه ويأتي بركعة منفصلة ، وان كانت هذه الحيثية غير مصرح بها في هذه الرواية ، ويكون التكرار والتطويل لإفادة ذلك ولو كناية كما كان على الاحتمال السابق (١).

__________________

(١) وقد تصور بعض الاعلام أنه يمكن الجمع بين هذا المعنى وكبرى حجية الاستصحاب وعدم نقض اليقين بالشك ، لأن عدم نقض اليقين بصحة الثلاثة بالشك في صحتها يتوقف على الإتيان بالركعة مفصولة والا كان نقضا لليقين بالشك عملا.

ويرد عليه : ان هذا المعنى لعدم نقض اليقين بالشك غير الاستصحاب المبحوث عنه والّذي عبر عنه بعدم نقض اليقين بالشك ، توضيح ذلك : ان نقض اليقين بصحة الثلاثة بالمعنى المذكور نقض حقيقي بمعنى زوال لليقين بصحتها فعلا إذا لم يأت بالركعة المفصولة بل جاء بالركعة الموصولة أو لم يأت بركعة أصلا ، وهذا بخلاف نقض اليقين في مورد الاستصحاب فانه لا يراد به النقض الحقيقي لليقين بالشك لأن اليقين حقيقة منتقض بالشك ـ إذا لاحظنا ذات المتيقن ـ وغير منتقض به ولا ينتقض به على كل حال إذا لاحظنا تعلق اليقين بالحدوث ، ولهذا كان لا بد من حمل النهي عن نقضه إما على الكناية والتعبد ببقاء اليقين أو النهي عن النقض في مقام العمل والجري ، وكلا المعنيين مباينان مع المعنى المذكور كما هو واضح.

٧٠

وهذا الاحتمال أيضا بعيد ، لأن نقض اليقين يعني رفع اليد عما يقتضيه واليقين بالثلاث الصحيحة يقتضي الفراغ من ناحية الثلاث فلو رفع اليد عن صحة الصلاة من ناحيتها كان قد نقض هذا اليقين والمفروض انه يريد ان يرفع يده عن صحة ، ما أتى به ولا يكتفي به من ناحية الركعة الرابعة المشكوكة وليس هذا نقضا لليقين بالثلاث الا بضرب من المسامحة.

مضافا إلى ان النّظر لا بد وان يكون إلى اليقين بالوظيفة التامة إثباتا ونفيا لا اليقين بالثلاث الصحيحة فان هذا اليقين وحده لا يكفي للمكلف إذا لم ينضم إليه سائر اجزاء الواجب ويحصل اليقين بما هو تمام الواجب والوظيفة.

الرابع ـ ان يراد باليقين المتيقن وبالشك المشكوك أي لا تنقض الركعات الثلاث المتيقنة بركعة رابعة مشكوكة بل يقتصر عليها ويأتي بالرابعة مفصولة ولا يدخلها في الثلاث وبهذا يندفع ما اعترضنا به على الاحتمال السابق ولكن يبقى هذا الاحتمال بعيدا أيضا وذلك :

أولا ـ لأن حمل اليقين والشك على المتيقن والمشكوك خلاف الظاهر.

وثانيا ـ ان هذا الاحتمال لا يناسب جملة ( ولكن ينقض الشك باليقين ) فيلزم التفكيك في معنى اليقين والشك بين فقرات الرواية اللهم الا بضرب من التأويل والمسامحة.

وهكذا يتضح ان المتعين من هذه الاحتمالات الأربعة هو الأول منها أي ان الأوفق مع ظاهر فقرة الاستدلال من الرواية إرادة قاعدة الاستصحاب ، واما ما آثرناه في قباله من عدم المناسبة في التكرار والتطويل في التعبيرات المتلاحقة في ذيلها فيمكن ان يكون من جهة ان تطبيق كبرى الاستصحاب في المقام كان مقرونا بإفادة نكتة إضافية هي لزوم الفصل بين الركعة المشكوكة والركعات المتيقنة فكأن الإمام عليه‌السلام أراد ان يفيد ذلك مع تطبيق كبرى قاعدة الاستصحاب فكان التكرار والتمطيط بلحاظ إفادة تلك الخصوصية الإضافية التي لا تستفاد من الاستصحاب في نفسها بل لا بد من افادتها مستقلا رغم التأكيد على كبرى الاستصحاب وانطباقها بلحاظ أصل الركعة الرابعة في المقام. ثم انه على تقدير ظهورها في قاعدة الاستصحاب فلا ينبغي الإشكال في إمكان استفادة التعميم من سياقها ببعض النكات المتقدمة في

٧١

استفادة كبرى الاستصحاب من الصحيحتين السابقتين.

المقام الثاني ـ في استعراض ما أثير بوجه استفادة الاستصحاب من الصحيحة وهي مجموعة محاذير ثلاثة :

المحذور الأول ـ ما أفاده الشيخ ( قده ) من ان الاستصحاب يقتضي الإتيان بالركعة الرابعة موصولة وهذا مضافا إلى كونه خلاف ظاهر قوله عليه‌السلام ( قام وأضاف إليها ركعة أخرى ) على ما سوف يأتي تفصيله ، لا يحتمل فقهيا عندنا فلا بد من حمل الرواية على التقية عندئذ ومعه لا يصلح الاستدلال بها على الاستصحاب أيضا.

وقد تصدى المحققون لحل هذا الإشكال من خلال معالجات عديدة :

المعالجة الأولى ـ ما أفاده جملة من المحققين من ان غاية ما يلزم حملها على التقية بلحاظ مرحلة تطبيق الاستصحاب على المورد دون أصل الكبرى والتفكيك بين الكبرى والتطبيق متعارف في الروايات كما في حديث الإمام الصادق عليه‌السلام للمنصور ( ذلك إلى امام المسلمين ان صام صمنا وان أفطر أفطرنا ) وكحديث الرفع المطبق في بعض الروايات على مسألة الحلف بالطلاق والعتاق مكرها مع ان الحلف باطل في الموردين في نفسه عندنا بخلاف العامة ، ولعله لذلك أيضا وقع ذلك التكرار والتمطيط في الصحيحة في مجال التطبيق فكأنه كان يتقي ولا يريد الإفصاح عن لزوم الركعة المفصولة رغم الاحتفاظ بكبرى الاستصحاب.

والمحقق العراقي ( قده ) بعد تقريره لهذا العلاج وجه اعتراضا عليه ثم حاول الإجابة عنه.

حاصل الاعتراض : ان أصالة الجد وعدم التقية في الكبرى معارض بأصالة الجد في التطبيق مع كون الكبرى صورية فيقع التعارض بين الأصلين اللفظيين ولا معين لأحدهما قبال الاخر فيتساقطان.

وحاصل جوابه : ان أصالة الجد في التطبيق متيقنة السقوط على كل حال إذ لا يترتب عليها أثر بعد فرض صورية الكبرى وعدم صحتها فتجري أصالة الجد في الكبرى بدون معارض (١).

__________________

(١) نهاية الأفكار ، القسم الأول من الجزء الرابع ، ص ٥٧ ـ ٥٨

٧٢

ولا يقال : ان الأصلين المعارضين هنا متصلان في كلام واحد فيوجب الإجمال.

لأنه يقال : التعارض نشأ من العلم الخارجي ببطلان الركعة الموصولة فلا يضر بانعقاد أصل الظهور.

والتحقيق : عدم صحة شيء من الأمور الثلاثة أعني العلاج والاعتراض عليه والجواب عن الاعتراض.

إذ يلاحظ على الجواب المذكور : ان أصالة الجد أصل لفظي تثبت لوازمه العقلية فلا يقاس المقام بالتعارض بين الأصول العملية ليقال بعدم ترتب أثر على أصالة الجد في التطبيق بعد فرض صورية الكبرى إذ يكفي في الأثر إيقاع المعارضة مع أصالة الجد في الكبرى.

ويلاحظ على الاعتراض : عدم جريان أصالة الجد في التطبيق لأن التطبيق يعلم بصوريته وعدم مطابقته للواقع على كل تقديرا إذا أريد بذلك جدية وجوب الركعة الموصولة بإطلاق دليل الاستصحاب ، واما إذا أريد به كون الركعة الموصولة مصداقا حقيقيا الكبرى الاستصحاب ولو لم تكن حجة فهذا أيضا مقطوع به ولا حاجة فيه إلى أصالة الجد.

ويلاحظ على أصل العلاج : بان في الصحيحة قرائن تأبى عن الحمل على التقية وإرادة الركعة الموصولة تقية.

منها ـ ظهور قوله عليه‌السلام ( قام فأضاف إليها ركعة أخرى ) في انفصال الركعة لأنه ورد عقيب قوله عليه‌السلام فيمن شك بين الاثنين والأربع ( يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ) وهو كالصريح في الركعتين المفصولتين للتصريح فيه بلزوم فاتحة الكتاب في الركعتين مع ان المركوز الواضح عند الشيعة عدم اشتراط ذلك في الأخيرتين وان كان جملة من العامة ذهبوا إلى تعين الفاتحة فيهما أيضا الا ان ذلك لا يمنع عن ظهور ذكر الإمام عليه‌السلام لفاتحة الكتاب في الركعتين إرادة الركعتين المفصولتين ، هذا مضافا إلى ظهور نفس التفصيل من قبل الإمام عليه‌السلام في بيان خصوصيات الركعتين وانهما بركوعين وأربع سجدات وتشهد وانهما من قيام في إرادة صلاة مستقلة مفصولة والا فالإتيان بالأخيرتين المتصلتين لا يحتاج إلى مثل هذا التفصيل لمعلوميتهما لدى المكلف. ومع ظهور ذلك في إرادة الركعتين المفصولتين يكون عطف جملة ( قام فأضاف

٧٣

إليها ركعة أخرى ) أيضا ظاهرا في إرادة نفس المنهج من الإضافة أي الركعة المنفصلة الإضافية لا الإتيان بالركعة الأخيرة المتصلة كما لا يخفى فحمل الجملة على إرادة الركعة المتصلة تقية خلاف الظاهر جدا.

ومنها ـ انه من المستبعد في نفسه ان يكون الإمام عليه‌السلام قد ذكر أولا حكم الشك بين الاثنين والأربع على خلاف مذهب العامة وبلا تقية ثم عند ما تبرع ببيان حكم الشك بين الثلاث والأربع واجه محذور التقية في الأثناء خصوصا وان هذا الفرع قد تبرع به الإمام عليه‌السلام بنفسه ولم يكن قد سأل عنه السائل ليكون ملزما بالإجابة عليه في ظرف التقية.

ومنها ـ إصرار الإمام عليه‌السلام في الحديث على إضافة الركعة وعدم نقض اليقين بالشك وعدم إدخال الشك في اليقين وغير ذلك من التعبيرات فان هذا اللسان أيضا لا يناسب مع فرض وجود ظرف التقية والّذي يختزل ويقتصر فيه الكلام عادة ، اللهم الا بإرادة المتيقن والمشكوك من اليقين والشك وان المقصود بذلك إفادة انفصال الركعة وهو يضر بأصل الاستدلال واستفادة الكبرى منها.

المعالجة الثانية ـ ما أفاده صاحب الكفاية ( قده ) من اننا نحمل الحديث على إرادة الركعة المفصولة لا الموصولة وغاية ما يلزم من ذلك تقييد إطلاق الاستصحاب لا أكثر فانه كان يقتضى أثرين : أحدهما الإتيان بركعة أخرى والاخر الإتيان بها موصولة ومانعية التشهد والتسليم والتكبيرة وقد ثبت بهذه الصحيحة وغيرها انتفاء الأثر الثاني مع بقاء الأثر الأول على حاله ، وصحة تطبيق الاستصحاب عليه.

وكان ينبغي له ان يفترض ان انتفاء الأثر الثاني وخروجه عن الاستصحاب تخصصي لا تخصيصي أي ان يفرض انتفاؤه واقعا لا ظاهرا فحسب والا يلزم بطلان عمله للقطع بذلك مع كون التكليف الواقعي الركعة الموصولة ومانعية التشهد والتسليم والتكبير فكيف يمكن ترك ذلك فضلا من ان تكون الركعة المفصولة يقينا بالفراغ وصحة الفريضة على كل تقدير كما هو ظاهر هذه الصحيحة وغيرها من الروايات الباب (١).

وأيا ما كان فقد أورد عليه المحقق الأصفهاني ( قده ) بان هذا يستلزم انتفاء الأثرين

__________________

(١) قد يقال : يمكن افتراض ان الحكم الواقعي هو لزوم الاتصال والمانعية وانما لم تجب الإعادة باعتبار اجزاء الحكم الظاهري.

٧٤

للاستصحاب معا فلا تكون الركعة المفصولة مصداقا للاستصحاب في شيء إذ ليست النتيجة مجرد سقوط التشهد والتسليم والتكبير عن المانعية ـ التي هي بأمر جديد عنده دائما ـ بل إضافة إلى ذلك لا بد من افتراض جزئيتها ومعه يتبدل الأمر الاستقلالي بالمركب لا محالة فلا يكون الأمر بالركعة الرابعة نفس الأمر الأول بل امر جديد.

وهذا الاعتراض قابل للدفع بافتراض ان التكليف من أول الأمر متعلق بجامع الركعة الرابعة بشرط لا عن الزيادات في فرض العلم والركعة الرابعة بشرط تلك الزيادات في فرض الشك فيكون الأمر بالركعة الرابعة الّذي هو الأثر الأول للاستصحاب نفس التكليف الأول لا تكليفا جديدا كما لا يخفى.

هذا ولكن أصل هذه العلاج لا يمكن المساعدة عليه لأن هذا معناه ان الحكم بالركعة المفصولة بخصوصياتها لم يكن بملاك الاستصحاب وعدم نقض اليقين بالشك مع ان ظاهر الصحيحة انها مستنبط من كبرى عدم نقض اليقين بالشك وهذا انما يناسب مع إرادة قاعدة البناء على اليقين الّذي هو حكم واقعي لا قاعدة الاستصحاب الّذي هو حكم ظاهري فان هذه الظاهرية غير محفوظة هنا الا بلحاظ ذات الركعة لا الخصوصيات الكثيرة الأخرى ، وان شئت قلت : ان ظاهر الصحيحة استخراج الركعة المفصولة بخصوصياتها من مجرد كبرى عدم نقض اليقين بالشك ومن الواضح انه لو أريد بذلك الاستصحاب وإبقاء نفس الحالة الثابتة للسائل قبل الشك وعند اليقين بعدم الإتيان بالرابعة فذلك مباين عرفا مع الركعة المفصولة بالنحو المذكور فهذا يقدح في أصل استفادة كبرى الاستصحاب منها (١).

__________________

لو فرض ان صلاته لم تكن أربع ركعات موصولة.

فانه يقال : مضافا إلى انه خلاف ظاهر الروايات من ان الركعة التي يأتي بها مفصولة تكون رابعته على تقدير النقص ان الاكتفاء بما أتى به والبناء على الأكثر ليس الا من أجل الإتيان بالركعة الرابعة بعد ذلك فالحكم الظاهري انما هو الإتيان بها لا الاكتفاء بما أتى به ليقال بأنه حكم ظاهري مجز واما الإتيان بالركعة المفصولة فيقطع بعدم مطابقته للواقع فلو كان واجبا كان حكما واقعيا لا ظاهريا ليتوهم إجزاؤه.

ثم ان هذا التفسير المذكور في المتن لكلام صاحب الكفاية يجعله نفس المعالجة القادمة من مدرسة المحقق النائيني ( قده ) فراجع وتأمل.

(١) يمكن المناقشة في ذلك بملاحظة ان المهم في نظر السائل والإمام عليه‌السلام هو أصل الركعة الرابعة واما الخصوصيات الأخرى فقد استفادة السائل من جواب الإمام عليه‌السلام أولا على الشك بين الثلاثة والأربع ولزوم كونها مفصولة فالمهم إحراز الإتيان بالركعة الرابعة وهو مستنبط من قاعدة الاستصحاب ولعل ظاهر السياق أيضا ان المنظور إليه في قوله ( ولا تنقض اليقين بالشك ) الّذي هو بمثابة التعليل أصل الأمر بلزوم إضافة ركعة.

٧٥

المعالجة الثالثة ـ ما افادته مدرسة المحقق النائيني ( قده ) من ان تطبيق الاستصحاب بملاحظة ما ثبت بالأخبار الخاصة من الاجزاء في المقام يثبت الركعة المفصولة لا الموصولة إذ المستفاد من هذه الصحيحة ومن الاخبار الخاصة انقلاب وظيفة المكلف عند الشك وعدم إتيانه بالركعة الرابعة إلى لزوم الإتيان بالركعة المفصولة ويكون موضوع وجوب الركعة المفصولة مركبا من جزءين كونه شاكا وهذا محرز بالوجدان وعدم إتيانه بالركعة الرابعة وهذا ما يحرزه الاستصحاب. وعدم ثبوت هذا الأثر قبل الشك لا يضر بجريانه لأن اللازم ان يكون للمستصحب أثر حين الاستصحاب لا قبله (١).

ويمكن ان تناقش هذه المعالجة من وجوه :

الأول ـ وهو مبني على مسالك هذه المدرسة في جعل الطريقية للاستصحاب وقيامه مقام القطع الموضوعي وحاصله : انه بناء على ذلك يستحيل جريان هذا الاستصحاب لأنه وان كان يحرز أحد جزئي الموضوع للركعة المفصولة وهو عدم الإتيان بالرابعة ظاهريا ولكنه ينفي الجزء الاخر وهو الشك ويبدله إلى العلم بعدم الإتيان لكون الاستصحاب علما تعبدا فينفي وجوب الركعة المفصولة ويثبت موضوع وجوب الركعة الموصولة وهو خلف. وان شئت قلت : انه يلزم من جريانه عدم جريانه وكل شيء يلزم من وجوده عدمه محال.

ويمكن الإجابة عن هذا الوجه : بان الاستصحاب وان استفيد من دليله حكومته على أدلة الأحكام الواقعية التي أخذ في موضوعها الشك وعدم العلم الا انه في خصوص هذا الأثر وهو وجوب الركعة المفصولة على الشاك الّذي لم يأت بالركعة الرابعة لا تتم هذه الحكومة لأن شرطها ان لا يلزم من إطلاق الحاكم سقوط الدليل المحكوم وعدم بقاء مورد له والا كان الدليل المحكوم أخص ومقدما على إطلاق الحاكم ومقامنا من هذا القبيل إذ يلزم من تقديم استصحاب عدم الإتيان بالركعة الرابعة ان لا يبقى مورد للحكم بوجوب الركعة المفصولة على الشاك في صلاته لأنه دائما مسبوق باليقين بالعدم (٢).

__________________

(١) راجع مصباح الأصول ، ج ٣ ، ص ٦٤

(٢) هذا الجواب تام بناء على الحكومة بمعنى التنزيل بحيث يكون للدليل الحاكم إطلاقان مستقلان أحدهما بلحاظ أثر المؤدى أي الواقع والآخر بلحاظ أثر العلم والشك فيكون الإطلاق الثاني بحسب الحقيقة هو الساقط بالدليل المحكوم مع بقاء الإطلاق.

٧٦

الثاني ـ ما أفاده المحقق الأصفهاني ( قده ) من ان إيجاب الركعة المفصولة على الشاك الّذي لم يأت بالرابعة غير معقول في نفسه لأنه لا يقبل الوصول إلى المكلف ليكون بعثا وتحريكا بالحمل الشائع والجعل ما لم يكن قابلا لذلك لا يكون حكما حقيقة ـ بناء على مسالكه في حقيقة الحكم ـ والوجه في عدم قابلية مثل هذا الإيجاب للوصول وبالتالي للمحركية ان وصول الحكم يكون بوصول موضوعه وهو هنا عدم الإتيان بالرابعة والمفروض انه إذا علم به المكلف ارتفع شكه فانتفي الجزء الأخرى من موضوع الحكم فيستحيل وصوله لاستحالة وصول موضوعه.

ويرده : مضافا إلى إفساد المبني في نفسه ، انه يكفي في الوصول والمحركية إمكان الوصول الاحتمالي إذا كان قابلا للتنجيز بأصل عقلي أو شرعي كما في المقام.

الثالث ـ وهو مبني على ما سنشير إليه في بعض البحوث القادمة من ان المستفاد من ألسنة أدلة الاستصحاب جعل الشك خلفا لليقين فيما كان يحرك نحوه وهذا في المقام غير معقول للزوم التهافت إذ المفروض ان الحكم مع الشك غيره في فرض اليقين فلا يصدق جعله خلفا له وعدم نقضه به.

ويرده : ان اللازم صدق خلفية الشك لليقين بلحاظ أثر المتيقن لا أثر اليقين والشك نفسه والمستصحب هنا ـ وهو عدم الإتيان بالرابعة ـ جزء الموضوع لوجوب الركعة المنفصلة أي لقضية شرطية مفادها انه كلما تحقق جزؤه الاخر وهو الشك وجبت ركعة منفصلة واليقين السابق بهذا الجزء له اقتضاء التحريك نحو هذا المؤدى بمقداره وانما لم يكن تحريكه فعليا لعدم توفر الجزء الاخر حين اليقين وتوفره مع الشك فالخليفة بلحاظ المؤدى وأثر المتيقن محفوظ في المقام أيضا.

الرابع ـ ما تقدم من الإشكال الإثباتي على العلاج المتقدم من عدم صدق بقاء اليقين عرفا وعدم نقضه بالشك بالإتيان بالركعة المفصولة بحيث يكون هذا مستنبطا من قاعدة حرمة نقض اليقين بالشك بلا ضم كبرى أخرى أو عناية إضافية تثبت بملاحظة

__________________

الأول على حجيته. واما بناء على مسالك هذه المدرسة في الحكومة أي جعل ما ليس بعلم علما واعتباره طريقا فليس هناك بحسب الحقيقة الا إطلاق واحد لدليل حجية الاستصحاب بلحاظ الأثرين معا فإذا سقط ذلك بالتخصيص لم يبق ما يثبت المؤدى والمستصحب أيضا.

٧٧

حكم نفس الشك والاستصحاب (١).

وهكذا ثبت ان المحذور الّذي يثيره الشيخ الأعظم ( قده ) لا يخلو من وجاهة لعدم تمامية شيء من المعالجات المذكورة من قبل المحققين بنحو تطمئن إليه النّفس.

المحذور الثاني ـ ما أثاره المحقق العراقي ( قده ) من عدم صحة تطبيق الاستصحاب في باب الشك في الركعات على أي حال حتى إذا أريد الإتيان بالركعة الموصولة ، لأن استصحاب عدم الإتيان بالركعة الرابعة لا يثبت ان ما يأتي به ركعة رابعة الا بناء على الأصل المثبت ومعه لا يمكن تصحيح العمل لأنه بالنسبة إلى الأمر بالركعة الرابعة وان كان يكفي إحراز الإتيان به ولا يشترط إحراز ان المأتي به رابعة ولكنه بالنسبة إلى الاجزاء الأخرى كالتشهد والتسليم يشترط إحراز وقوعهما في الركعة الرابعة وقد عرفت ان ذلك لا يثبت بهذا الاستصحاب (٢).

وأجاب عنه السيد الأستاذ : بأننا نثبت كون الشخص في الركعة الرابعة بالاستصحاب أيضا لأنه يعلم انه دخل فيها اما في الركعة السابقة أو في ركعة الاحتياط ويشك في خروجه عنها فيستصحب بقاؤها (٣).

وهذا الجواب غير تام وذلك :

أولا ـ لأن المفروض عند هذا المحقق اشتراط وقوع التشهد والتسليم في الركعة الرابعة لا وقوعهما حال كون المصلي في الرابعة فكأنه وقع خلط بين المطلبين.

وثانيا ـ ما سوف يأتي في محله من ان هذا الاستصحاب معارض بمثله إذ كما يعلم المكلف إجمالا بأنه في إحدى الركعتين كان في الركعة الرابعة كذلك يعلم إجمالا بأنه

__________________

(١) ويمكن ان يناقش العلاج المقدم من قبل مدرسة المحقق النائيني ( قده ) أيضا بأن المقصود ان كان وجوب الركعة المفصولة على الشاك كتكليف جديد لا ربط له بالفريضة فهذا واضح البطلان فقهيا ، وان كان المقصود استكشاف ان التكليف الواقعي من أول الأمر متعلق بالجامع بين إتيان الركعة الموصولة أو الركعة المفصولة المقيدة بالشك فهذا وان كان معقولا بل هو المستفاد من الروايات الا ان هذا يؤدي إلى عدم جريان استصحاب عدم الإتيان بالركعة كاستصحاب موضوعي لعدم كونه موضوعا لحكم بل متعلقا فبناء على عدم جريان استصحاب عدم الامتثال لا يتم هذا العلاج ، ولو فرض جريانه فائضا لا يكون المتعلق الركعة الموصولة بعنوانها وانما هو الجامع المذكور فلا بد من إجراء الاستصحاب بلحاظه ، وعلى كل تقدير لا يكون الحكم المذكور في الرواية مترتبا على الاستصحاب بل لا بد من افتراضه ثابتا بقطع النّظر عن الاستصحاب ليجري استصحاب عدم امتثاله وهذا خلاف ظهور الرواية في ترتب هذا الحكم ببركة الاستصحاب.

(٢) نهاية الأفكار ، القسم الأول من الجزء الرابع ، ص ٦٠

(٣) مصباح الأصول ، ج ٣ ، ص ٦٢

٧٨

لم يكن فيها في إحدى الركعتين فيجري استصحاب عدم كونه في الرابعة ويعارض استصحاب الكون فيها هذا كله لو فرض عدم اشتراط اتصال زمان اليقين بالشك في الاستصحاب كما سوف يأتي البحث عنه مفصلا.

وقد حاول المحقق العراقي ( قده ) بنفسه دفع المحذور الّذي أفاده بأنا نلتزم بحجية الأصل المثبت في خصوص المقام لكونه مورد الصحيحة فمن جهة حفظ تطبيق الإمام عليه‌السلام عن اللغوية لا بد من الالتزام بحجية المثبت ولو باستكشاف تنزيل اخر في المرتبة السابقة عن هذا التطبيق يكون أثرا شرعيا للمستصحب ليترتب عليه ترتبا شرعيا ولا محذور في استفادة ذلك في خصوص المقام لأن ما تسالموا عليه من عدم حجية الأصل المثبت انما هو لأجل قصور الدليل لا لوجود محذور عقلي أو قيام دليل شرعي على عدم الحجية.

ثم أجاب عن ذلك : بان هذا يستلزم سقوط استصحاب عدم الإتيان بالرابعة إذ لو فرضنا في المقام استكشاف التنزيل المسبق أي تنزيل ركعة الاحتياط منزلة الركعة الرابعة فسوف يرتفع الشك تعبدا عن وجود الرابعة بل يعلم بعدم إتيانها فلا يبقى فيه شك حتى يجري الاستصحاب فيلزم من جريان استصحاب العدم في الركعة الرابعة عدم جريانه فيها وهو محال ولا يقاس ذلك بسائر المثبتات كنبات اللحية بالقياس إلى الحياة فان كشف التنزيل في الرتبة السابقة على تقدير الحياة لا يقتضي رفع الشك بالنسبة إلى الحياة (١).

ويرد عليه أولا ـ عدم تمامية أصله الموضوعي فان إمكان حجية الأصل المثبت لا يتوقف على فرض التنزيل المسبق.

وثانيا ـ ان أريد بلغوية الاستصحاب في المقام في طول استكشاف التنزيل المسبق ان التعبد برابعية ركعة الاحتياط بنفسه تعبد بالفعل بعدم إتيانها بلا حاجة إلى استصحاب عدم إتيانها ، ففيه : ان المفروض تعليق التنزيل والتعبد برابعية ركعة الاحتياط على عدم الإتيان بالرابعة كما في سائر المثبتات فليس هذا التنزيل المستكشف فعليا بل معلق على ثبوت المستصحب. وان أريد انه في طول جريان

__________________

(١) نهاية الأفكار ، القسم الأول من الجزء الرابع ، ص ٦١ ـ ٦٢

٧٩

استصحاب عدم الإتيان بالرابعة وإثبات المعلق عليه يثبت عدم الإتيان بالرابعة فيرتفع موضوع الاستصحاب ففيه : ان موضوع الاستصحاب الشك في الرابعة الواقعية لا التعبدية وهو محفوظ حتى بعد التعبد برابعية ركعة الاحتياط ، نعم في طول إثبات ذلك يعلم وجدانا عدم الإتيان بالركعة الرابعة التعبدية الا ان هذا ثابت في طول جريان الاستصحاب وفي تمام موارد الاستصحاب.

والصحيح في دفع هذا المحذور الّذي أثاره المحقق العراقي ( قده ) إنكار أصله الموضوعي الفقهي فانه لا دليل على اشتراط وقوع التشهد والتسليم في الركعة الرابعة بما هي ركعة رابعة ، وانما الواجب هو الترتيب بمعنى اشتراط وقوع التشهد الأخير والتسليم بعد الركعات الأربع مع شرطية عدم المنافي في البين على ما هو محقق في محله من الفقه ولتكن هذه الصحيحة بنفسها من أدلة عدم اشتراط ذلك.

المحذور الثالث ـ ما أفاده المحقق العراقي ( قده ) أيضا من ان الشك في المقام متعلق بعنوان الرابعة لا بواقعها فان ذات الركعة التي جاء بها لا يشك فيها وانما يشك في وصف كونها رابعة أو ثالثة ، والأثر الشرعي مترتب على الإتيان بواقع الركعة الرابعة لا عنوانها وواقع الرابعة مردد بين مقطوع التحقق إذا كانت تلك الركعة رابعة ومقطوع العدم إذا كانت ثالثة فهو نظير الاستصحاب في الفرد المردد (١).

ويكفي في رد هذا المحذور إجراء استصحاب عدم ذات الأربعة لا ذات الرابعة وذات الأربعة مشكوكة إذ لا يتذكر انه جاء بذوات أربع ركعات وانما يعلم انه قد جاء بذوات ثلاث ركعات بل ما هو موضوع الأثر الشرعي انما هو ذات الأربعة لا الأولى والثانية والثالثة والرابعة ، وبتعبير آخر يشك المكلف في تحقق أحد الذوات الأربع لا محالة ومقتضى الاستصحاب عدمه.

مضافا إلى ان هذا المحذور لا يضر بالتمسك بالصحيحة إذ يمكن ان تكون دليلا على كفاية هذا المقدار من الشك الموجود في موارد الفرد المردد في جريان التعبد الشرعي.

تتميم : ولا بأس بالبحث في ذيل التعليق على هذه الصحيحة عن استصحاب عدم الإتيان بالركعة المشكوكة مع قطع النّظر عن تطبيق الإمام عليه‌السلام الوارد في هذه

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ٦٢

٨٠