بحوث في علم الأصول - ج ٦

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

وتستبدل بركنية الحدوث أو يقال بتعلق العلم الإجمالي بالواقع لا بالجامع كما هو مبنى المحقق العراقي ( قده ).

النقطة الثانية ـ في جريان استصحاب الفرد في هذا القسم إذا كان الأثر مترتباً عليه كما في موارد العلم الإجمالي المنجز لأثر الفردين فهل يمكن تنجيزه بقاءً بالاستصحاب أم لا. والجواب ما عرفت من انَّ جريانه يتوقف على القول بأحد المبنيين المشار إليهما في النقطة السابقة من تعلق العلم الإجمالي بالواقع أو كفاية الحدوث في جريان الاستصحاب ، وحيث يعلم بحدوث أحد الفردين فيعلم ببقاء أحدهما تعبداً فيكون من العلم الإجمالي بالحجة وإلاّ فكل من الفردين والحصتين لا يقين بحدوثه وانما اليقين بالجامع بينهما (١).

النقطة الثالثة ـ في انَّ استصحاب الكلي هل يكفي في إثبات الأثر المترتب على الفرد بمعنى الحصة أم لا؟

قد يقال بعدم اجزاء ذلك عن استصحاب الفرد لعدم ترتب الأثر على الجامع بحسب الفرض ولأنَّ إثبات الفرد بالجامع كنفي الجامع بنفي الفرد يكون من الأصل المثبت.

إلاّ انَّ الصحيح هو التفصيل بين أَن يكون مفاد دليل الاستصحاب التعبد ببقاء المتيقن وآثاره أو التعبد ببقاء نفس اليقين وانه ينبغي ترتيب نفس النتيجة التي كانت تثبت باليقين في حال الشك أيضاً ، فعلى الأول لا يمكن إثبات أثر الفرد إلاّ في حال تمامية أركان الاستصحاب فيه ، واما على الثاني فالعلم الإجمالي وان كان متعلقاً

__________________

(١) إذا كان الأثر مترتباً على كلّ حصص الجامع بنحو مطلق الوجود فلا إشكال في جريان استصحاب الحصة الموجودة للكلي والمعلومة تفصيلاً لترتب ذلك الأثر لأنَّ خصوصية الحصة الموجودة ضمن زيد أو ضمن خالد وان لم تكن معلومة تفصيلاً إلاّ إنَّ تحقق حصة من الإنسان في المسجد معلوم فانَّ الحصة لا فرق بينها وبين الكلي في المفهوم فيجري الاستصحاب لترتب ذلك الأثر بلا إشكال على كل المسالك ، وامَّا إذا كان الأثر مترتباً على كل من الفردين بخصوصيته بحيث تنجز ذلك بالعلم الإجمالي فائضاً يمكن إجراء الاستصحاب في ذلك الفرد المعلوم بالإجمال على إجماله حيث يحتمل بقاؤه فيكون هذا العنوان الإجمالي مشيراً إلى ما هو محط الاستصحاب ومركزه لا انه بنفسه محط الاستصحاب ليقال بأنَّ الأثر غير مترتب عليه ، وكون ذلك الفرد غير معلوم بعنوانه التفصيليّ لا يضر بجريان الاستصحاب لأنَّ المستظهر من دليل الاستصحاب انَّ الركن الأول فيه انَّما هو إحراز ما يترتب عليه الأثر العملي سواء كان بعنوان تفصيلي أم إجمالي مشير إليه فانَّ هذا هو المراد من اليقين واثره العملي فلا موجب لتقييده بان يكون يقيناً بنفس العنوان الواقع موضوعا للأثر الشرعي تفصيلاً فلو علم بأنَّ زيدا مثلاً يجب إكرامه على كل حال مع الشك في كون ذلك من جهة العلم أو العدالة فشك في بقائه جرى استصحاب بقائه لترتيب وجوب إكرامه.

٢٤١

بالجامع لا بالحصة والفرد إلاّ انه منجز لأثر الحصة بحسب الفرض فيكون دليل الاستصحاب دالاً على بقاء هذا اليقين ومنجزيته في حال الشك أيضا ، وحيث انّا نستظهر من دليل الاستصحاب الّذي ورد فيه عنوان اليقين التعبد ببقاء اليقين فنرتب أثر الحصة في المقام على استصحاب الجامع رغم عدم تمامية أركان الاستصحاب في الحصة كما انّا استظهرنا من بعض الروايات كفاية الحدوث في الاستصحاب فيجري استصحاب الحصة أيضاً في النقطة السابقة لتمامية إطلاق مثل هذه الروايات في المقام بلحاظ الحصة وأثرها ولو لم يكن مفادها التعبد ببقاء اليقين (١).

ثم انَّ كلا هذين القسمين من استصحاب الكلي يصطلح عليهما في كلماتهم بالقسم الأول من استصحاب الكلي.

القسم الثالث ـ أَن يكون الكلي معلوماً ضمن أحد فرديه إجمالاً ويشك في بقائه من جهة الشك في حدوث أي الفردين المسبب للشك في بقاء الكلي بأَن علم إجمالاً بحدوث أحد فردين طويل العمر وقصيره ، كالعلم إجمالاً بتحقق الحدث الأكبر غير الزائل بالوضوء أو الحدث الأصغر الّذي يزول به فيكون الشك في بقاء كلي الحدث مسبباً عن الشك في حدوث أي من الفردين المعلوم إجمالاً حدوث أحدهما وقد اصطلحوا عليه بالقسم الثاني من استصحاب الكلي ، والمعروف جريان الاستصحاب فيه لترتيب الأثر المترتب على الجامع ، ولتفصيل الكلام في ذلك نورد البحث ضمن نقاط :

النقطة الأولى ـ في جريان استصحاب الجامع بين الفردين لترتيب الأثر المشترك المترتب على الجامع بينهما بقاءً ، والصحيح : جريانه لتمامية أركانه فيه وعدم تمامية

__________________

(١) يمكن أَن يلاحظ : أولا ـ ما تقدم عند التعرض لروايات الاستصحاب استبعاد تعدد القاعدة المجعولة بحيث يكون الموضوع لإحداهما اليقين بالحدوث ومضمونها التعبد ببقاء اليقين وموضوع الأخرى نفس الحدوث ومضمونها التعبد ببقاء المتيقن.

وثانياً ـ ما أشرنا إليه في التعليق السابق من تمامية أركان الاستصحاب هنا في الفرد أيضاً سواء أُريد به الحصة أم الفرد المعلوم إجمالاً حتى إذا كان اليقين بالحدوث موضوعاً وقلنا بتعلق العلم الإجمالي بالجامع وقلنا بأنَّ دليل الاستصحاب يعبدنا ببقاء المتيقن لا اليقين إذ لا دليل على انه يعبد ببقاء المتيقن التفصيليّ دون الإجمالي ، فتأمل جيداً.

وثالثاً : انَّ هذا المبنى تظهر ثمرته فيما إذا كان المعلوم بالإجمال لا شك في بقائه بالعنوان التفصيليّ كما في القسم القادم حيث يمكن أَن يقال فيه ـ على ما سوف يأتي ـ إجراء الاستصحاب في العنوان الإجمالي الانتزاعي لتمامية أركان الاستصحاب فيه من اليقين بحدوثه والشك في بقائه وان لم يكن الشك في البقاء محفوظاً بلحاظ واقع الفرد وعنوانه التفصيليّ وسيأتي مزيد تعليق على هذه النقطة.

٢٤٢

شيء من الشبهات التي أثيرت للمنع عنه.

توضيح ذلك : انه قد اعترض على استصحاب هذا القسم من الكلي بوجوه :

منها ـ انه لا يقين بالحدوث ، وهو اعتراض مبني على إرجاع استصحاب الكلي إلى استصحاب الحصة وحيث لا علم بالحصة حدوثاً فلا يجري الاستصحاب لعدم اليقين بالحدوث (١) بل لعدم الشك في البقاء أيضاً ، إذ لا شك في الحصة بقاءً بل إحدى الحصتين معلومة الانتفاء والأخرى معلومة البقاء. وقد تقدم انَّ استصحاب الكلي ليس بمعنى استصحاب الحصة بل هو استصحاب للواقع بمقدار ما يرى بالعنوان الإجمالي للجامع ، وهذا معلوم بالعلم الإجمالي حدوثاً.

ومنها ـ انه لا شك في البقاء لأنَّ الشك ينبغي أَن يتعلق بنفس ما تعلق به اليقين ولما كان اليقين هنا علماً إجمالياً والعلم الإجمالي متعلق بالمردد فلا بدَّ وأَن يتعلق الشك بالواقع على ترديده أيضاً ، وهذا انما يتواجد فيما إذا كان الواقع مشكوك البقاء على كل تقدير ـ كما في القسم السابق ـ مع انه ليس كذلك لأنَّ الفرد القصير من الجامع لا شك في بقائه.

والجواب ـ انَّ العلم الإجمالي لا يتعلق بالواقع المردد بل بالجامع وهو مشكوك إذ يكفي للشك في بقاء الجامع التردد في كيفية حدوثه.

ومنها ـ انَّ الوجود القصير للكلي لا يحتمل بقاؤه والوجود الطويل له لا يحتمل ارتفاعه وليس هناك في مقابلهما إلاّ المفهوم الذهني الّذي لا معنى لاستصحابه.

والجواب : انَّ الشك واليقين انما يعرضان على الواقع الخارجي بتوسط العناوين الحاكية عنه فلا محذور في ان يكون الواقع بتوسط العنوان التفصيليّ مقطوع البقاء أو الانتفاء وبتوسط العنوان الإجمالي مشكوك البقاء ، ومصب التعبد الاستصحابي دائماً العنوان بما هو حاك عن الواقع تبعاً لأخذه موضوعاً للأثر الشرعي بما هو كذلك.

نعم إذا أرجعنا استصحاب الكلي إلى استصحاب الحصة أمكن المنع عن جريانه في المقام ، لأنه يكون من استصحاب الفرد المردد نظراً إلى انَّ إحدى الحصتين مقطوعة الانتفاء فعلاً.

__________________

(١) قد تقدم ثبوت اليقين بحدوث حصة من الكلي ، وانَّما الصحيح عدم الشك في بقاء الحصة.

٢٤٣

ومنها ـ انَّ استصحاب الكلي يحكم عليه استصحاب عدم حدوث الفرد الطويل ، لأنَّ الشك في بقاء الكلي مسبب عن الشك في حدوث هذا الفرد.

والجواب : ما هو واضح من انَّ التلازم بين حدوث الفرد الطويل وبقاء الكلي عقلي وليس شرعياً فلا يثبت باستصحاب عدم الأول انتفاء الثاني إلاَّ بناءً على الأصل المثبت.

ومنها ـ انَّ استصحاب الكلي معارض باستصحاب عدم الفرد الطويل إلى ظرف الشك في بقاء الكلي ، لأن عدم الكلي عبارة عن عدم كلا فرديه ، والفرد القصير معلوم الانتفاء بالوجدان والفرد الطويل يحرز انتفائه فعلاً بالاستصحاب فهذا الاستصحاب بضمه إلى الوجدان المذكور حجة على عدم الكلي فعلاً فيعارض الحجة على بقائه المتمثل في استصحاب الكلي.

والتحقيق : انه تارة يكون وجود الكلي بما هو وجود له كافياً في ترتب الأثر على نحو لو فرض ـ ولو محالاً ـ وجود الكلي لا في ضمن حصة خاصة لترتب عليه الأثر. وأخرى لا يكون الأثر مترتباً على وجود الكلي إلاّ بما هو وجود لهذه الحصة ولتلك الحصة على نحو تكون كل حصة موضوعاً للأثر الشرعي بعنوانها.

فعلى الأول يجري استصحاب الكلي لإثبات موضوع الأثر ولا يمكن نفي صرف وجود الكلي باستصحاب عدم الفرد الطويل مع ضمه إلى الوجدان ، لأنَّ انتفاء صرف وجود الكلي بانتفاء هذه الحصة وتلك عقلي وليس شرعياً.

وعلى الثاني لا يجري استصحاب الكلي في نفسه ، لأنه لا ينقح موضوع الأثر بل ينفي موضوع ذلك الأثر باستصحاب عدم الفرد الطويل مع ضمه إلى الوجدان القاضي بعدم الفرد الآخر ، لأنَّ الأثر أثر للحصص فينفي بإحراز عدمها ولو بالتلفيق من التعبد والوجدان. وهكذا اتضح جريان استصحاب الكلي في هذا القسم إذا كان الأثر مترتباً عليه.

النقطة الثانية ـ في جريان استصحاب الفرد في هذا القسم إذا كان الأثر مترتباً على الفرد سواء أُريد به الحصة أم المشخصات الخارجية.

والصحيح : عدم جريانه لعدة مناقشات ونقاط ضعف بعضها يتم على بعض المباني وبعضها يتم على كل حال ، وهي كما يلي :

٢٤٤

منها ـ عدم اليقين بالحدوث بالنسبة إلى الفرد ، لأنَّ اليقين الإجمالي قد تعلق بالجامع ، وهذه النقطة للضعف يمكن التخلص عنها بأخذ الحدوث موضوعاً أو افتراض مبنى المحقق العراقي ( قده ) من انَّ العلم الإجمالي يتعلق بالواقع.

ومنها ـ عدم الشك في البقاء ، وتوضيح ذلك : انَّ استصحاب الفرد في المقام تارة يراد به استصحاب واقع الفرد بان يكون محط الاستصحاب أحد الفردين بعنوانه التفصيليّ ، وأخرى يراد به استصحاب عنوان الفرد بأن يكون العنوان الانتزاعي المذكور هو محط الاستصحاب ، فان أُريد الأول كان من الواضح انَّ واقع الفرد ـ سواء أُريد به الحصة أم هي مع المشخصات ـ لا شك في بقائه بل يقطع بارتفاع أحدهما ويقطع ببقاء الآخر على تقدير حدوثه ، وهذا هو الفرق بين هذا القسم والقسم السابق ، حيث انه هناك كما نحتمل بقاء نفس ذلك الفرد المعلوم تحقق الكلي ضمنه إجمالاً فيجري الاستصحاب بلحاظه ، وإن شئت قلت : يعلم بجريان الاستصحاب بلحاظ أحد العنوانين التفصيلين فيكون من العلم بالحجة إجمالاً.

ومنه يعرف انَّ هذا الإشكال لا يختص بما إذا كان أحد الفردين مما يقطع ببقائه على تقدير حدوثه بل حتى إذا كان مما يشك ويحتمل بقاؤه مع ذلك لا يجري الاستصحاب في الفرد ، لأنَّ واقع ذلك الفرد المعلوم حدوثه إجمالاً مما يحتمل كونه الفرد المقطوع ارتفاعه.

وان أُريد الثاني ، فإذا كان المقصود من إجراء الاستصحاب في عنوان الفرد ترتيب الأثر عليه فالمفروض انَّ هذا العنوان الانتزاعي ليس هو موضوع الأثر الشرعي ليترتب عليه ولو فرض تمامية أركان الاستصحاب فيه ، وان كان المقصود التعبد ببقاء اليقين به فيكون كالعلم الإجمالي بالجامع الانتزاعي منجزاً ، كان الجواب : انَّ العلم الإجمالي بالجامع بين فردين يقطع وجداناً بانتفاء أحدهما ـ وهو الفرد القصير ـ لا يمكن تنجيز طرفه الآخر لأنَّ منجزية العلم الإجمالي لطرفيه على حد سواء ، وان شئت قلت : انه لو فرض محالاً بقاء العلم الإجمالي الوجداني بأحد الفردين مع العلم بانتفاء الفرد القصير لم يكن مثل هذا العلم الإجمالي منجزاً فكيف بالعلم الإجمالي التعبدي بذلك.

ومنها ـ لو افترضنا جريان الاستصحاب في أحدهما المردد بالعنوان التفصيليّ بان

٢٤٥

أغمضنا النّظر عن إشكال عدم الشك في البقاء واكتفينا بالحدوث في موضوع الاستصحاب مع ذلك نقول انَّ النتيجة العلم إجمالاً بثبوت أحد الاستصحابين في العنوانين التفصيلين ، إلاّ انَّ مثل هذا العلم الإجمالي ليس بحجة ، لأنَّ الأثر المترتب على أحد الفردين وهو الفرد القصير مما يقطع بعدمه فلا يكون التعبد الاستصحابي بلحاظه منجزاً ، وهذا يعني عدم منجزية مثل هذا العلم الإجمالي بأحد الاستصحابين فيكون جعل مثل هذا التعبد الاستصحابي لغواً وغير معقول (١).

ومنها ـ لو افترضنا جريان الاستصحاب في أحدهما المردد بالعنوان الإجمالي بأَن فرضنا منجزية التعبد ببقاء العلم الإجمالي بالجامع لحكم الفرد الطويل بقاءً مع ذلك نقول : انَّ هذا الاستصحاب لا يجدي في إثبات التنجيز للأثر المترتب على الفرد الطويل امّا على مسلك الاقتضاء في منجزية العلم الإجمالي فلأنَّ منجزية هذا العلم الإجمالي الاستصحابي فرع عدم جريان الأصل الترخيصي في أحد أطرافه كالعلم الإجمالي الوجداني وفي المقام يجري استصحاب عدم الفرد الطويل أو البراءة عن حكمه بلا معارض لأنَّ الطرف الآخر ـ وهو الفرد القصير ـ لا يجري عنه الأصل الترخيصي في نفسه فيكون الأصل الترخيصي عن الفرد الطويل حاكماً على منجزية استصحاب الجامع ، وامّا على مسلك العليّة في منجزية العلم الإجمالي فلوقوع المعارضة بين استصحاب عدم الفرد الطويل بالعنوان التفصيليّ واستصحاب الجامع الإجمالي ، لأنَّ كلاًّ منهما يجري في عنوان غير ما يجري فيه الآخر وهما متنافيان وليس أحدهما رافعا لموضوع الآخر.

النقطة الثالثة ـ في أقسام الفرد المردد بلحاظ عناصر ثلاثة ، الفرد القصير المقطوع انتفائه والعلم بحدوث الجامع وما هو موضوع الحكم ، فانه تارة يكون الفرد القصير معلوماً تفصيلاً كما إذا علم بخروج زيد وحينئذ لا بدّ وأَن نفرض العلم بحدوث الجامع إجمالياً لا تفصيلياً وإلاّ لم يبق شك في شيء ، وأخرى يكون الأمر بالعكس بأَن نعلم بخروج زيدا أو عمر فيكون الفرد القصير معلوماً إجمالاً لا تفصيلاً والعلم بحدوث الجامع

__________________

(١) هذا الاعتراض مبني على أَن يكون جريان استصحاب الفرد المردد في المقام بالنحو المذكور أي بإرجاعه إلى مجموع استصحابين في العنوانين التفصيلين اللذين يعلم بتحقق موضوع أحدهما ، وامَّا إذا كان بمعنى استصحاب واحد يجري في تلك الحصة المعلوم تحققها إجمالاً لتنجيز حكمها بقاء فلا مجال له.

٢٤٦

معلوماً تفصيلاً. وثالثة يكون كل من الفرد القصير والجامع الحادث معلوماً إجمالاً. فهذه أقسام ثلاثة للفرد المردد وفي كل منها بلحاظ العنصر الثالث تارة يكون الحكم متعدداً أي ثابتاً لكل من الفردين سواء كانا من سنخ واحد أم من سنخين ، وأخرى يكون الحكم ثابتاً على أحدهما لا كليهما ، وعلى كل من التقديرين تارة يكون ما هو موضوع كل من الحكمين أو الحكم الواحد معلوما تفصيلاً بأَن علم انَّ دخول زيد موضوع لوجوب الصدقة مثلاً وانَّ دخول عمرو موضوع لوجوب الصلاة ، وأخرى يكون معلوماً إجمالاً بأَن علم ان أحدهما تجب فيه الصدقة والآخر تجب فيه الصلاة أو علم انَّ أحدهما تجب فيه الصدقة ، فهذه حالات أربع للتردد بلحاظ العنصر الثالث تجري في كل من الأقسام الثلاثة ، ولنشرع في بيان حكم كل قسم من حيث جريان استصحاب الفرد فيه وعدمه فنقول :

اما القسم الأول : وهو ما إذا كان الفرد القصير معلوما تفصيلاً كما لو علم بخروج زيد بالخصوص من المسجد وعلم بدخول زيد أو خالد في المسجد فالحكم يختلف باختلاف الحالات الأربع للشك بلحاظ العنصر الثالث وتفصيل ذلك كما يلي :

١ ـ أَن يكون الحكم متعدداً أي لكل منهما حكم يخصه ـ سواء كانا من سنخين كوجوب الصدقة والصلاة أو من سنخ واحد ـ وكان موضوع كل من الحكمين معلوماً تفصيلاً بأَن علم انَّ دخول زيد في المسجد موضوع لوجوب الصدقة مثلاً ودخول خالد موضوع لوجوب الصلاة.

وهذه الحالة هي التي كنا نتحدث عنها في النقطة السابقة وأثبتنا عدم جريان استصحاب الفرد فيه.

٢ ـ أَن يكون الحكم واحداً مرتباً على أحد الفردين ومعلوم تفصيلاً ، كما إذا علم بوجوب الصدقة على تقدير دخول خالد في المسجد ـ ولا بد من افتراضه الفرد الطويل وإلاّ لم يكن يشك في بقاء الحكم كما هو واضح ـ وهنا لا يجري استصحاب الفرد لعدم اليقين بحدوث التكليف وان كان يعلم بحدوث الجامع ، إذ المفروض انَّ موضوع الأثر هو الفرد الطويل بالخصوص ، فعلى جميع المسالك لا يجري استصحاب الفرد لعدم إحراز ما هو موضوع الحكم ولو إجمالاً حتى لو قيل بجريانه في الحالة السابقة بل الجاري استصحاب عدم الفرد الطويل.

٢٤٧

٣ ـ أَن يكون الحكم متعدداً ومعلوماً إجمالاً بأَن نعلم انَّ أحدهما موضوع لوجوب الصدقة والآخر موضوع لوجوب الصلاة إجمالاً وعلم إجمالاً بدخول أحدهما في المسجد كما علم تفصيلاً بخروج زيد منه. ومقتضى الصناعة في هذه الصورة جريان الاستصحاب في الفرد لا بعنوانه التفصيليّ ليقال باحتمال انطباقه على الفرد القصير المتيقن انتفاؤه فلا يكون من نقض اليقين بالشك بل بعنوانه الإجمالي الانتزاعي بناءً على ما تقدم من استفادة التعبد ببقاء اليقين السابق من دليل الاستصحاب إذا كان يترتب عليه أثر عملي من تنجيز أو تعذير ، فانه في المقام يكون التعبد ببقاء العلم الإجمالي مفيداً في التنجيز بخلاف الحالة الأولى لأنه في هذه الحالة لا يعلم بارتفاع أحد الحكمين تفصيلاً فلا وجوب الصدقة معلوم الارتفاع ولا وجوب الصلاة بل كل منهما محتمل فيمكن للمولى أَن لا يرفع يده عن الواقع المحتمل ويحافظ عليه على كل تقدير فيكون العلم الإجمالي التعبدي منجزاً لكلا الحكمين ، والعلم بانتفاء أحد الحكمين إجمالا في الآن الثاني لا يمنع عن تنجيز العلم الإجمالي لأنَّ العلم الإجمالي بالترخيص لا يمنع عن منجزية العلم الإجمالي بالإلزام كما إذا علمنا بنجاسة أحد الإناءين وطهارة الآخر إجمالاً ، وهذه من نتائج ما استظهرناه في أدلة الاستصحاب من ان مفادها التعبد ببقاء اليقين (١).

٤ ـ أَن يكون الحكم واحداً ولكن موضوعه مردد معلوم بالإجمال كما إذا علمنا بوجوب الصدقة عند دخول زيد أو عمرو في المسجد وعلمنا بدخول أحدهما إليه في الآن الأول وعلمنا بعد ذلك بخروج زيد لو كان هو الداخل. وهذه الحالة ملحقة بالحالة الثانية فيما إذا لم يحرز وحدة المعلومين الإجماليين أي انَّ المعلوم دخوله في المسجد

__________________

(١) يمكن أَن يقال : انَّ التعبد ببقاء اليقين فرع صدق نقض اليقين بالشك ، وهذا يعني انه لا بد في المرتبة السابقة من ملاحظة مدى انطباق هذا العنوان وحينئذ نقول : انَّ نقض اليقين بالشك انما يصدق فيما إذا كان الشك في بقاء ما يكون اليقين طريقاً إليه ومنجزاً له وهو واقع المتيقن لا العنوان الإجمالي الانتزاعي ـ كما في المقام ـ.

وإن شئت قلت : انَّ الشك هنا ليس في بقاء المتيقن بل يقطع بأنَّ المتيقن منتف على تقدير وباق على تقدير آخر وانما الشك بحسب الحقيقة في كون الحادث ما قطع بانتفائه أم لا فلا يصدق نقض اليقين بالشك بلحاظ ما يكون اليقين طريقاً إليه وهو واقع المتيقن ، وامَّا الشك في عنوان الفرد الانتزاعي فهو لا يكفي لصدق النقض العملي لليقين بالشك لعدم كونه موضوعاً للأثر ليكون اليقين طريقاً إليه وان كان متعلقاً به فانَّ تعلق اليقين بالعنوان الإجمالي طريق منجز عقلاً لحكم العنوان التفصيليّ بحسب الفرض فلا بدَّ وأَن يكون النقض بالشك بلحاظه أيضاً فتأمل جيدا.

٢٤٨

إجمالاً هو موضوع وجوب الصدقة المعلوم إجمالاً ، لأنه حينئذ لا يحرز أصل التكليف حدوثاً لكي يمكن التعبد ببقائه وهي ملحقة بالحالة الثالثة إذا أحرز وحدة المعلومين الإجماليين.

وامّا القسم الثاني وهو ما إذا كان الفرد القصير أي الخارج عن المسجد معلوماً إجمالاً ولكن الجامع يعلم بتحققه ضمن أحد الفردين تفصيلاً والمفروض انه موضوع الأثر الشرعي. وفي هذا القسم يجري استصحاب الفرد بعنوانه التفصيليّ لتمامية أركان الاستصحاب من اليقين بالحدوث والشك في البقاء فيه.

وامّا القسم الثالث وهو ما إذا كان الفرد القصير الخارج معلوماً إجمالاً والجامع المعلوم تحققه في المسجد معلوماً إجمالاً أيضاً ، والحكم في تمام صور هذا القسم جريان الاستصحاب فيما إذا فرض إحراز موضوع الحكم حدوثاً حيث يمكن إجراء الاستصحاب في العنوانين التفصيليين مشروطاً بحدوثه كما يمكن إجراؤه في العنوان الإجمالي من دون محذور لعدم القطع بانتقاض شيء من العنوانين التفصيليين ، وامّا العلم الإجمالي بخروج أحدهما فلا ينافي الشك في العنوان التفصيليّ كما هو واضح.

النقطة الرابعة ـ في معيار كون الاستصحاب من الفرد المردد. فقد جاء في أحد تقريري بحث المحقق النائيني ( قده ) التمثيل لاستصحاب الفرد المردد بما إذا علمنا بدخول زيد في الدار الّذي قد انهدم جانبه الشرقي مثلاً وشككنا في انَّ زيداً هل كان في الجانب الشرقي أو الغربي فان كان في الجانب الشرقي فقد هلك قطعاً وان كان في الجانب الغربي فهو لا يزال حيّاً ، معلقاً على ذلك بأن كون زيد في الجانب الشرقي أو الغربي لا يجعله كليّاً ليكون المثال مصداقاً لاستصحاب الكلي من القسم الثاني بل هو من استصحاب الفرد المردد بين مقطوع البقاء ومقطوع الانتفاء (١).

والصحيح : انه من استصحاب الفرد المعين لا المردد ومجرد القطع بموته إذا كان في الجانب الشرقي بنحو القضية الشرطية لا يجعل الاستصحاب من الفرد المردد فانَّ معيار كون الاستصحاب من الفرد المردد أَن يتردد الأمر بين فردين يقطع بنحو القضية التنجزية بانتفاء أحدهما وامّا إذا كان الفرد معينا غاية الأمر يقطع بانتفائه على تقدير

__________________

(١) فوائد الأصول ، الجزء الرابع ، ص ١٥٤

٢٤٩

بنحو القضية الشرطية فالمستصحب وهو الفرد لا يقطع بانتفائه بالفعل وانما يحتمل ذلك فيه والقطع بالقضية الشرطية لا يوجب تعدد الفرد وانما هو منشأ للشك في بقائه وارتفاعه كما هو واضح.

النقطة الخامسة ـ قد يستغنى عن استصحاب الفرد المردد لترتب اثره بحكم العقل توضيح ذلك : انَّ المكلف قد يحصل له العلم الإجمالي بتحقق أحد الفردين قبل ارتفاع الفرد القصير ، وأخرى يحصل له ذلك بعد أَن ارتفع الفرد القصير على تقدير حدوثه.

امّا الحالة الأولى فيتصور فيها ثلاث صور :

الصورة الأولى ـ أَن يعلم المكلف منذ حصول علمه الإجمالي بتحقق أحد الفردين انَّ أحدهما على تقدير كونه الحادث سوف يبقى إلى الآن الثاني ، والمفروض انَّ كلا من الفردين القصير والطويل له أثر حدوثاً. وفي هذه الصورة يتشكل للمكلف علم إجمالي آخر بترتب أثر الفرد القصير الآن أو أثر الفرد الطويل في الزمن الثاني وهو من العلم الإجمالي بالتدريجيات التي تقدم منجزيته فيكون أثر الفرد الطويل بقاءً متنجزاً من أول الأمر بالعلم الإجمالي بتحقق أحد الفردين فلا نحتاج إلى استصحاب الفرد المردد بل لا يعقل جعله بعد أَن كان جريانه باعتبار انتهائه إلى منجزية العلم الإجمالي التعبدي بقاءً فانَّ هذا الأثر العملي ثابت بنفسه فيكون التعبُّد به لغواً (١).

الصورة الثانية ـ نفس الصورة مع فرض انَّ المكلف يشك في بقاء الفرد الطويل على تقدير حدوثه إلى الآن الثاني ، وحكم هذه الصورة حكم الصورة السابقة بناءً على ما نقحناه من كفاية الحدوث في جريان الاستصحاب فانه حينئذ يعلم المكلف إجمالاً

__________________

(١) يمكن أن يقال بعدم اللغوية وذلك :

أولا ـ لأنه مبني على أَن يكون استصحاب الفرد المردد من باب التعبد ببقاء اليقين لا المتيقن المردد على إجماله كما لا يخفى وجهه.

وثانياً ـ حتى على القول برجوعه إلى التعبد ببقاء اليقين الّذي هو نفس العلم الإجمالي في المقام لا لغوية لأنَّ ثبوت هذا التعبد الظاهري يعني حكم المولى واهتمامه بالواقع المحتمل في المقام وهذا لم يكن ثابتاً بالعلم الإجمالي المنجز عقلاً هذا لو أُريد باللغوية تحصيل الحاصل ، وامَّا لو أُريد بها في المقام دعوى عدم الشك في التنجيز وترتب هذا الأثر العملي ليراد إثباته بالتعبد لكونه ثابتاً بالوجدان فالجواب : انَّ الشك الّذي هو موضوع التعبد الاستصحابي هو الشك فيما هو موضوع للأثر العملي أي ما يرجع إلى الشارع لا نفس الأثر والوظيفة العملية التي تكون ثابتة عقلاً في كلّ مورد امَّا بنحو الاشتغال أو البراءة وإلاّ لزم لغوية جعل الاستصحاب في كل مورد يكون مؤداه من التنجيز أو التعذير ثابتاً عقلا لولاه ، وما هو موضوع للأثر العملي في المقام سواء كان موضوعا للحكم الشرعي أو نفسه أو متعلقه ليس مقطوعاً به كما هو واضح.

٢٥٠

امّا بأثر الفرد القصير في حقه الآن أو بأثر الفرد الطويل ظاهراً في الآن الثاني الثابت بالاستصحاب ، وهذا علم إجمالي منجز أيضاً. نعم مثل هذا العلم الإجمالي لا يمنع عن جريان استصحاب الفرد المردد لو قيل بجريانه في الآن الثاني لأنه في عرض استصحاب الفرد الطويل على تقدير الحدوث ينجز ان الواقع في مرتبة واحدة فلا معنى لفرض أحدهما لغواً دون الآخر.

الصورة الثالثة ـ أَن يفرض عدم ترتب أثره على الفرد القصير حدوثاً وانما الأثر مترتب عليه وعلى الفرد الطويل في مرحلة البقاء بحيث لو علم إجمالاً بأحدهما في الآن الثاني كان منجزاً ، وفي هذه الصورة لا يمكن تنجيز هذا الأثر إلاّ باستصحاب الفرد المردد على القول بجريانه كما لا يخفى.

واما الحالة الثانية ، وهي ما إذا كان العلم الإجمالي بأحد الفردين حاصلاً بعد ارتفاع الفرد القصير فهذا كالصورة الثالثة من الحالة الأولى من حيث الاحتياج إلى استصحاب الفرد المردد على تقدير جريانه إذ لا يوجد علم إجمالي منجز لأثر الفرد الطويل من الأول الأمر كما لا يخفى.

النقطة السادسة ـ مما تقدم في استصحاب الفرد المردد يظهر الوجه في عدم جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية كما إذا شك في صدق مفهوم العادل على فاعل الصغيرة سواء أُريد استصحاب الموضوع أو الحكم.

توضيح ذلك : انَّ الشك في موارد الشك الشبهات المفهومية ليس في الواقع بل في ما هو مدلول اللفظ ، ومن الواضح انَّ مدلول اللفظ بما هو مدلول اللفظ ليس موضوعاً للحكم الشرعي ليجري الاستصحاب فيه والواقع لا شك فيه بل يقطع بعدم ارتكاب الكبيرة ويقطع بارتكاب الصغيرة فلا معنى للاستصحاب بنفس البيان المتقدم في استصحاب الفرد المردد.

النقطة السابعة ـ في معالجة الشبهة المعروفة بالشبهة العبائية وهي شبهة أثارها جدنا السيد إسماعيل الصدر ( قدس سرّه ) كنقض على استصحاب الكلي من القسم الثاني وحاصلها : انّا لو فرضنا عباءة عُلم إجمالاً بنجاسة أحد طرفيها وغسلنا الطرف الأيمن منها مثلاً ثم لاقت يدنا مع الطرف الأيسر فالحكم هو طهارة اليد لأنها لاقت مع أحد طرفي العلم الإجمالي بعد خروج طرفه الآخر ولكن لو فرض ملاقاتها ثانياً مع الطرف الأيمن

٢٥١

المغسول كانت النتيجة الحكم بنجاستها لجريان استصحاب كلي النجاسة في أحد الطرفين من العباءة المعلومة قبل غسل الطرف الأيمن ، ويترتب على ذلك نجاسة اليد الملاقية مع الطرفين لأنه الأثر الشرعي لبقاء النجاسة في العباءة ، وهذا يعني انَّ ملاقاة اليد مع الطاهر توجب النجاسة ووجوب الاجتناب وهو مقطوع البطلان فقهياً وغريب عرفاً ومن اللوازم التي لا يمكن الالتزام بها فقهياً على القول بجريان استصحاب الكلي من القسم الثاني في المقام.

وقد التزم السيد الأستاذ بهذه النتيجة الغريبة بدعوى انه لا مانع في باب الأحكام الظاهرية من التفكيك بين المتلازمين حسب اختلاف مؤديات الأصول العملية فيحكم بطهارة الملاقى دون ملاقيه.

وتحقيق الكلام حول هذه الشبهة تارة بتحديد مورد هذه الشبهة ، وأخرى بكيفية علاجها.

امّا مورد هذه الشبهة فظاهر من تعرض لها انه لا فرق فيها بين ما إذا كانت الملاقاة مع الجانب غير المغسول أولا ثم مع الجانب المغسول من العباءة أو بالعكس ، مع انَّ الصحيح انَّ الشبهة تختص بالفرض الأول ولا تجري في الثاني.

توضيح ذلك : انه في الفرض الثاني يجري استصحاب الطهارة المتيقنة بين الملاقاتين حيث انه بعد ملاقاة اليد مع الطرف الطاهر يقطع بطهارتها وعدم طروِّ نجاسة عليها فتستصحب إلى ما بعد ملاقاتها مع الطرف الآخر المشكوك ، وهذا الاستصحاب في اليد الملاقية ليس محكوماً لاستصحاب كلي النجاسة في الملاقي ـ بالفتح ـ بل معارض معه لوضوح ان النجاسة المرددة بين الطرفين على تقدير ثبوتها ترفع الطهارة الثابتة للملاقي قبل الملاقاتين معاً وامّا الطهارة الثابتة في الملاقي يقيناً بين الملاقاتين فبقاؤها ليس محكوماً لتلك النجاسة المرددة وانما يكون محكوماً لنجاسة الطرف المشكوك وهي لا تثبت باستصحاب كلي النجاسة إلاّ بنحو الأصل المثبت.

وإن شئت قلت : انَّ الطهارة الثابتة بين الملاقاتين والتي استصحبناها لا يكون زوالها مسبباً عن نجاسة الجامع بين الطرفين وانما يكون زوالها مسبباً عن نجاسة خصوص

٢٥٢

الطرف غير المغسول والتي لا يمكن إثباتها باستصحاب الكلي (١).

وقد يعمم هذا البيان للفرض الأول أيضاً بأحد تقريبين :

التقريب الأول ـ اننا نستصحب طهارة اليد إلى ما بعد ملاقاتها مع الطرف المشكوك وهذا الاستصحاب غير محكوم لاستصحاب نجاسة الجامع كما ذكرنا ثم نستصحب الطهارة الثابتة لليد بالاستصحاب إلى ما بعد الملاقاة الثانية مع الطرف الآخر المغسول حيث انه يحتمل وجداناً بقاؤها فيكون الشك في البقاء محفوظاً ، كما انَّ اليقين بالحدوث بين الملاقاتين محرز بالاستصحاب الأول امّا باعتبار قيامه مقام القطع الموضوعي أو باعتبار كفاية الحدوث في جريان الاستصحاب فيكون جريان الاستصحاب الثاني من آثار الاستصحاب الأول.

ويرد عليه : أولاً ـ انَّ الطهارة الثابتة بين الملاقاتين في الفرض الأول بالاستصحاب لا يشك في بقائها بل يقطع ببقائها ـ على تقدير ثبوتها ـ إلى ما بعد الملاقاة بالطرف المغسول ، وهذا يعني انه لا يشك في بقاء المستصحب في الاستصحاب الثاني وانما الشك في وجودها فلو استظهر من دليل الاستصحاب اشتراط كون الشك في البقاء فلا يشمل المقام.

وثانياً ـ انَّ الشك بعد الملاقاتين في الطهارة هو نفس الشك بين الملاقاتين وليس شكاً جديداً لعدم احتمال طرو النجاسة بعد ذلك وهذا يعني انه نفس الشك في بقاء الطهارة الثابتة قبل الملاقاتين والّذي تقدم انه محكوم لاستصحاب النجاسة المرددة بين الطرفين لأنَّ زواله مسبب عنها (٢).

التقريب الثاني ـ اننا باستصحاب بقاء الطهارة إلى ما بعد الملاقاة مع الطرف

__________________

(١) هذا غاية ما يثبت طهارة اليد وعدم نجاستها من ناحية ملاقاة هذا الطرف ولا يثبت الطهارة المطلقة أي عدم نجاسة اليد من ناحية ملاقاة النجاسة المرددة الثابتة لأحد الطرفين بالاستصحاب لأنَّ انتفاء الجامع بانتفاء الافراد أيضا عقلي ولو سلم يجري في تمام موارد استصحاب الكلي.

وان شئت قلت : ان أُريد من استصحاب طهارة اليد الاستصحاب الحكمي فهو محكوم لاستصحاب الجامع الموضوعي وان أُريد منه استصحاب عدم الملاقاة مع النجس الموضوعي فالمفروض العلم بالملاقاة مع نجس مردد ثابت نجاسته بالتعبد. وان أريد منه استصحاب تلك الحصة من الطهارة الثابتة بين الملاقاتين فثبوت الحصة من الطهارة لا ينافي ثبوت النجاسة من ناحية استصحاب الكلي وملاقاة اليد مع النجاسة المرددة.

(٢) وقد عرفت جواباً آخر على أصل شبهة المعارضة يتم في الفرضين.

٢٥٣

المشكوك نثبت طهارته بقاءً بعد الملاقاتين معاً أيضا إذ لا يحتمل طرو نجاسة في البين فبهذا الاستصحاب نثبت طهارة اليد بعد الملاقاة الأولى وبضمه إلى وجدانية عدم طرو النجاسة بعد ذلك نثبت طهارتها بعد الملاقاة الثانية أيضاً لكونها من آثار حدوثها وحيث انَّ هذا الاستصحاب ليس محكوماً لاستصحاب النجاسة المرددة فيكون معارضا معه.

ويرده : ان بقاء الطهارة ليس أثراً شرعياً لحدوثها لكي يترتب بالاستصحاب الأول ، بل المستفاد من الأدلة انَّ الطهارة حدوثا وبقاء مجعولة في عرض واحد على الشيء ما لم يلاق نجساً فلا بد من إحرازها في كل آن بالوجدان أو بأصل يجري بلحاظه.

وهكذا يتضح انَّ الشبهة العبائية موردها ما إذا لاقت اليد مع الطرف غير المغسول أولا ثم لاقت مع الطرف المغسول.

واما كيفية علاج هذه الشبهة والجواب عنها فحاصله : انَّ استصحاب النجاسة المرددة في العباءة لا يجري ، إذ لو أُريد به استصحاب واقع النجاسة المرددة بين الطرفين فهو من استصحاب الفرد المردد الّذي تقدم عدم جريانه في أمثال المقام لعدم تمامية أركان الاستصحاب فيه ، وان أُريد به استصحاب جامع النجاسة أي النجاسة المضافة إلى العباءة بلا ملاحظة هذا الطرف أو ذاك فهذا الاستصحاب وان كانت أركانه تامة إلاّ انه لا يترتب على مؤداه نجاسة اليد الملاقية مع الطرفين إلاّ بالملازمة العقلية ، لأنَّ نجاسة الجامع لو فرض محالاً وقوفها على الجامع وعدم سريانها إلى هذا الطرف أو ذاك فلا تسري إلى الملاقي ، لأنَّ نجاسة الملاقي موضوعها نجاسة هذا الطرف أو ذاك الطرف لا الجامع بما هو جامع ، وإثبات نجاسة أحد الطرفين بخصوصه بنجاسة الجامع يكون بالملازمة العقلية ، ولعل هذا هو مقصود المحقق النائيني ( قده ) من جوابه على هذه الشبهة بأنه من الأصل المثبت.

النقطة الثامنة ـ في استصحاب الجامع بين الحكمين المردد بين القصير والطويل ، والحكمان تارة يكونان متباينين من حيث المتعلق كوجوب الجمعة أو الظهر ، وأخرى ينصبان على مصب واحد كوجوب الجلوس ساعة أو ساعتين. ففي القسم الأول لا يجري استصحاب الجامع بالبيان المتقدم في استصحاب الجامع بين الموضوعين فانه. لو أريد استصحاب الواقع المردد كان من استصحاب الفرد المردد ولو أُريد استصحاب

٢٥٤

الجامع بينهما فهو جامع بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبل التنجيز فلا يكون قابلاً للتنجيز.

وامّا القسم الثاني فتارة تكون الشبهة فيه حكمية كما إذا علم بصدور أحد جعلين لوجوب الجلوس في المسجد اما جعل قصير ولمدة ساعة أو طويل ولمدة ساعتين ، وأخرى تكون الشبهة موضوعية كما إذا علم بوجوب الجلوس يوم الجمعة ساعة ويوم السبت ساعتين وشك في انَّ هذا اليوم جمعة أو سبت ، أو علم بوجوب الجلوس ساعة إذا جاء زيد وساعتين إذا جاء خالد وعلم بمجيء أحدهما.

اما النحو الأول ، فليس من استصحاب الكلي أصلاً بل هو من استصحاب شخص الحكم المردد بين كونه طويلاً أو قصيراً من جهة الشك والتردد في كيفية جعله ، كيف وإلاّ كان استصحاب الحكم في تمام موارد الشبهات الحكمية من استصحاب الكلي.

وامّا النحو الثاني ـ فقد يقال فيه بعدم جريان الاستصحاب لأنه من موارد الشك والتردد في انَّ الوجوب الّذي صار فعلياً هل هو الجعل القصير أو الطويل وحيث يعلم بوجود جعلين ويشك في ما هو الفعلي منهما يكون لا محالة من استصحاب الكلي والجامع بين الفردين فيجري عليه ما قلناه من انه جامع بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبل التنجيز وهو لا يقبل التنجيز.

ولكن الصحيح جريان الاستصحاب في هذا النحو وذلك بأحد بيانين :

البيان والأول ـ انَّ الجامع بين الحكمين يقبل التنجيز في المقام لكون متعلق الوجوبين شيء واحد وهو الجلوس في المسجد وليس من قبيل وجوب الجمعة والظهر فانَّ جامع الوجوب فيه لا يكون له متعلق متعين إذ ليس متعلقاً بأحدهما بالخصوص وإلاّ لم يكن جامعاً ولا بالجامع بينهما وإلاّ كان واجباً تخييرياً ، اما في المقام فجامع الوجوبين متعلق بجامع الجلوس بحيث لو فرض محالاً تحقق هذا لجامع بدون خصوصية كان منجزاً لمتعلقه وداخلاً في العهدة فيمكن إثباته بالتعبد الاستصحابي (١).

__________________

(١) هذا كأنه قياس للمقام بما يقال في بحث الأقل والأكثر من انَّ الّذي يدخل في الذّمّة ذات الوجوب مع قطع النّظر عن حده وخصوصيته إلاّ انه قياس في غير محله لأنَّ المفروض هناك وجود جعل واحد مردد بينما في المقام يوجد جعلان يقطع بانتفاء موضوع أحدهما ويشك في حدوث موضوع الآخر فيجري استصحاب عدمه ، والمتنجز بحسب الدقة انما هو الجعل مع إحراز موضوعه على ما تقدم والعلم بتحقق أحد الموضوعين لا يكون إلاّ علماً بالجامع بين ما لا يقبل التنجيز وما يقبل التنجيز وهو غير منجز عقلاً ، وهذا بخلاف موارد الدوران بين الأقل والأكثر التي يحرز فيها وجود جعل شخصي متعلق بالأقل على كل تقدير.

٢٥٥

البيان الثاني ـ ما تقدم في تخريج استصحاب الحكم في الشبهات الموضوعية من جريانه بلحاظ عالم المجعول الفعلي لا الجعل فكأنَّ هناك امراً خارجياً علم بحدوثه ويشك في بقائه فيستصحب ، واختلاف الجعل بلحاظ فعلية المجعول يكون كاختلاف الحيثيات التعليلية لا التقييدية ، وهذا يعني انَّ المستصحب الملحوظ بالنظر العرفي المسامحي شخصي لا كلي (١).

النقطة التاسعة ـ في تطبيقين لاستصحاب الكلي من هذا القسم أعني الجامع بين الفرد القصير والطويل وقع البحث فيهما عند المحققين.

التطبيق الأول ـ ما إذا خرج من المكلف بلل مشتبه لا يدري هل هو بول فيكون محدثاً بالأصغر أو منيّ فهو محدث بالأكبر فيقال باستصحاب بقاء جامع الحدث بعده الوضوء المقتضي للإتيان بالغسل أيضا.

وقد قسم المحقق العراقي ( قده ) هذا الفرع إلى صور أربع.

الصورة الأولى ـ أَن تكون حالته قبل خروج البلل المشتبه الطهارة من الحدثين ثم خرج منه البلل المشتبه ، والحكم هنا وجوب الإتيان بالوضوء والغسل معاً لمنجزية العلم الإجمالي ولجريان استصحاب بقاء جامع الحدث الموضوع لحرمة المس والمانعية ونحوها من الآثار المشتركة ولا كلام فيه زائداً على ما تقدم في استصحاب كلي الموضوع.

الصورة الثانية ـ أَن يكون محدثاً بالأكبر قبل خروج البلل المشتبه ، ولا كلام هنا في وجوب الغسل عليه دون الوضوء لعدم ترتب أثر على خروج البول منه بعد الجنابة كما هو واضح.

الصورة الثالثة ـ أَن لا تكون حالته السابقة معلومة ، وحكم هذه الصورة حكم الصورة الأولى للعلم الإجمالي بأنه محدث اما بالأصغر أو الأكبر من دون يقين سابق بعدم أحدهما بالخصوص قبل خروج البلل المشتبه.

__________________

(١) هذه مصادرة إضافية على ما تقدم في تخريج استصحاب الحكم في الشبهة الموضوعية وهي محل تأمل وإشكال ، فانه كما يكون اختلاف المتعلق معدداً عقلاً وعرفاً للحكم المجعول كذلك تعدد الجعل ، فالاستصحاب من استصحاب الكلي حتى بحسب النّظر العرفي وإلاّ لورد النقض بلزوم المصير إلى جريان استصحاب المجعول حتى إذا كان العلم بفعلية أحد الجعلين بنحو الكلي من القسم الثالث كان علم بتحقق موضوع الجعل القصير وهو الجلوس ساعة وانتهائه وشك في تحقق موضوع الجعل الطويل من أول الأمر أو حين ارتفاع الأول فانَّ الجعل يكون بمثابة الحيثية التعليلية غير المقومة للمجعول الفعلي الشخصي بحسب النّظر العرفي حينئذ ولا يظن الالتزام به.

٢٥٦

الصورة الرابعة ـ أَن يكون محدثاً بالأصغر قبل خروج البلل المشتبه ، وقد شقق الحكم في هذه الصورة إلى فروض حسب اختلاف المباني الفقهية في النسبة بين الحدثين وإمكان اجتماعهما وعدمه :

الأول : أَن يفترض عدم التضاد بين الحدثين بحيث يمكن اجتماعهما معاً على المكلف ، وحكم في ذلك بأنَّ استصحاب بقاء كلي الحدث هنا يكون من القسم الثالث للكلي لا الثاني لأنَّ الحدث الأصغر مقطوع به على كل حال وانما يشك في تحقق الحدث الأكبر والأصل عدمه فيكتفي بالوضوء كما هو الحال في سائر موارد استصحاب القسم الثالث للكلي.

وقد يعلق على ذلك بجريان استصحاب بقاء الحدث الأصغر المعلوم سابقاً بناءً على المبنى المشهور والصحيح فقيهاً من انَّ الحدث الأصغر لا يرتفع بالوضوء إذا كان مع الأكبر فمع الشك في كون البلل المشتبه منيّاً يشك لا محالة في ارتفاع الحدث الأصغر بمجرد الوضوء فيجري استصحاب بقائه وهو من استصحاب الشخص لا الكلي.

إلاّ انَّ هذا الكلام غير تام ، لأنَّ استصحاب عدم تحقق الحدث الأكبر يكون حاكماً على هذا الاستصحاب الشخصي ، لأنه ينقح موضوع ارتفاع الحدث الأصغر بالوضوء حينئذ ، واما استصحاب جامع الحدث فالمفروض انه من القسم الثالث بل سوف يأتي ان استصحاب عدم الحدث الأكبر ينقح موضوع الطهارة الفعلية.

الثاني ـ أَن يفترض التضاد بين الحديثين بحسب المرتبة والحد لا بحسب الذات كالسواد الشديد مع السواد الضعيف ، وقد أفاد المحقق العراقي ( قده ) في هذا الفرض جريان استصحاب الشخص فضلاً عن استصحاب كلي الحدث حيث يشك في ارتفاع المرتبة الضعيفة من الحدث الثابتة قبل خروج البلل المشتبه ، إذ لو كان منيّاً فقد اشتد الحدث ولا يرتفع بالوضوء وإلاّ فقد ارتفع به.

ويرده : مضافاً إلى ما سوف يأتي من حكومة استصحاب عدم الحدث الأكبر بحسب ما يستفاد من دليل الطهارة ، انه يوجد في المقام أيضاً استصحاب حاكم على هذا الاستصحاب الشخصي وهو استصحاب بقاء الحدث على مرتبته الخفيفة حيث يشك بعد خروج البلل في اشتداده أو بقائه على مرتبته ليكون حكمه الشرعي الارتفاع بالوضوء فباستصحاب عدم اشتداده ينقح موضوع الطهارة بالوضوء.

٢٥٧

لا يقال : الاشتداد ليس صفة للحدث الأصغر بل يعني بحسب الدقة إضافة مرتبة من الحدث عليه مع بقاء ذات الحدث الأصغر فالجاري استصحاب بقائه بعد الوضوء.

فانه يقال : دليل رافعية الوضوء للحدث الأصغر لا بدَّ وأَن يكون قد أخذ في موضوعه عدم الاشتداد أو قل عدم طرو الحدث الأكبر فيكون استصحاب عدمه منقحاً لموضوع الرافعية فيحكم على استصحاب بقاء الحدث الأصغر كما قلنا في الصورة السابقة.

الثالث ـ أَن يفترض التضاد بين الحدثين وقد أفاد جريان استصحاب الكلي من القسم الثاني في هذه الفرضية حيث يتحقق علم إجمالي بحصول الحدث الأكبر أو الأصغر بعد خروج البلل المشتبه فيجري استصحاب مطلق الحدث ويجب الغسل والوضوء وحيث انَّ الفتوى المشهورة في الفقه كفاية الوضوء استظهر من ذلك انَّ المشهور لا يرون التضاد بين الحدثين.

إلاّ انَّ هذا الاستظهار في غير محله ، فانَّ الصحيح ما افادته مدرسة المحقق النائيني ( قده ) في المقام في تخريج هذه الفتوى من انَّ المستفاد من آية الطهور ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ... إلخ ) انَّ موضوع مطهرية الوضوء ورافعيته مركب من جزءين أحدهما القيام إلى الصلاة من النوم الّذي هو كناية عن الحدث الأصغر والثاني أَن لا يكون جنباً بحكم ذيل الآية الوارد فيه تقسيم المقسم وهو المحدث بالأصغر إلى الجنب وغير الجنب ، وهذا الموضوع المركب يحرز جزؤه الأول بالوجدان وجزؤه الثاني باستصحاب عدم الأكبر ـ أي عدم الفرد الطويل ـ فيتنقح موضوع رافعية الوضوء للحدث ومطهريته ، وهذه نكتة خاصة جعلت استصحاب عدم الفرد الطويل في خصوص هذا الفرع الفقهي حاكماً على استصحاب الكلي من القسم الثاني لكونه منقحاً لموضوع المطهرية الفعلية.

الرابع ـ أَن يفرض الشك في التضاد بين الحدثين فلا يدري هل يجتمعان معاً أم لا. وقد أفاد انَّ استصحاب جامع الحدث في هذه الصورة وان كان من القسم الثاني للكلي لأنَّ احتمال التضاد يؤدي إلى العلم إجمالا بتحقق أحد الحدثين على الأقل بعد خروج البلل المشتبه إلاّ انه رغم ذلك حكم بعدم جريانه باعتبار ان المستصحب لا بد وأَن يكون على تقدير مطابقته للواقع نفس المتيقن للزوم وحدة متعلق اليقين والشك ،

٢٥٨

فلو فرض التضاد بين الحدثين كان بقاء الحدث مساوقاً لكون المعلوم حدوثه هو الأكبر فيكون المتيقن والمشكوك واحداً ، وامّا إذا لم يكن تضاد بين الحدثين فلعل المتيقن إجمالاً هو الحدث الأصغر رغم طرو الحدث الأكبر وبقائه لعدم التضاد بينهما فلا يحرز كون المستصحب نفس المتيقن ومع عدم إحراز ذلك لا يحرز صدق نقض اليقين بالشك الّذي هو مفاد دليل الاستصحاب ، بل الجاري هنا استصحاب بقاء الحدث الأصغر بحده بضميمة أصالة عدم الحدث الأكبر المنقح لرافعية الوضوء كما في الفرضية الأولى (١).

وهذا الكلام منه غريب في بابه ، حيث يستفاد منه تفصيل في جريان استصحاب الكلي من القسم الثاني بين ما إذا كان العلم الإجمالي بنحو مانعة الجمع فيجري استصحاب الكلي ، وما إذا كان بنحو مانعة الخلو فقط فلا يجري استصحاب الكلي لعدم إحراز وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة لاحتمال أَن يكون المتيقن منطبقاً واقعاً على أحد الفردين والباقي هو الفرد الآخر. ويرد على هذا التفصيل :

أولا ـ ما تقدم مراراً من انَّ نسبة العلم الإجمالي إلى الطرفين على حد واحد وانه متعلق بالجامع بينهما لا بهذا بالخصوص ولا بذاك ، بل يستحيل ذلك ، ومعه يكون المتيقن والمشكوك شيئاً واحداً وهو الجامع بين الفردين.

وثانياً ـ لو سلمنا الأصول الموضوعية لهذا التفصيل مع ذلك قلنا انَّ علمنا الإجمالي في المقام علم إجمالي بنحو مانعة الجمع غاية الأمر أطرافه ثلاثة لا اثنان وهي الحدث الأصغر وحده ـ إذا كان الخارج بولا ـ أو الأكبر وحده ـ إذا كان الخارج منيّاً وكان بينهما التضاد ـ أو مجموعهما ـ إذا كان الخارج منيّاً ولم يكن بينهما تضاد ـ فانَّ هذه الأطراف الثلاثة بخصوصياتها مانعة الجمع كما هو واضح والمكلف يعلم إجمالاً بأحدهما أي بالجامع فيما بينها فيجري استصحاب هذا الجامع الّذي هو ذات الحدث بلا قيد الأصغر والأكبر ولا قيد الوحدة والتعدد.

الا انَّ من نتائج ذلك انه لو كان الواقع هو الشق الثالث أي مجموع الحدثين لا بد وأَن يقال بتعلق العلم الإجمالي بمجموعهما وهو واضح السخف وجداناً إلاّ انَّ هذا

__________________

(١) القسم الأول من الجزء الرابع من نهاية الأفكار ، ص ١٤٠

٢٥٩

بحسب الحقيقة من نتائج القول بتعلق العلم الإجمالي بالواقع بهذا المعنى.

وثالثاً ـ انَّ الشرط في صدق نقض اليقين بالشك احتمال بقاء المتيقن وهذا يكفي فيه احتمال كون المستصحب هو المتيقن أي اليقين بشيء واحتمال بقاء ذلك الشيء لا الشك في بقاء شيء وإحراز انه هو المتيقن على كل تقدير ، فانَّ هذا لا وجه لاستفادته من دليل الاستصحاب ، وعليه فالوحدة المعتبرة في صدق نقض اليقين بالشك محفوظة في المقام حتى لو قيل بتعلق العلم الإجمالي بالواقع لليقين إجمالاً بالحدث واحتمال بقائه.

ورابعاً ـ المفروض فقهياً عدم ارتفاع الحدث الأصغر بالوضوء عند اجتماعه مع الحدث الأكبر بناءً على عدم التضاد بينهما ، وهذا يعني انه في المقام يجري استصحاب الكلي امّا للتضاد بين الحدثين فيكون المستصحب على تقدير وجوده نفس المتيقن لكون العلم الإجمالي بنحو مانعة الجمع ، أو لعدم التضاد بين الحدثين فيكون الحدث المستصحب على تقدير وجوده نفس الحدث المتيقن حدوثاً سواء كان هو الأكبر أو الأصغر لأنَّ الوضوء لا يرفع الحدث الأصغر مع وجود الأكبر بحسب الفرض فعلى كل حال يكون المستصحب على تقدير مطابقته للواقع نفس الحدث المتيقن سواء كان تضاد بين الحدثين أم لم يكن.

وهكذا يتضح انَّ الصحيح جريان استصحاب الكلي الحدث في هذه الفرضية أيضاً لترتيب الأثر المشترك لكونه من استصحاب الكلي من القسم الثاني كما في الفرضية الثالثة. ولكنك عرفت انَّ هذا الاستصحاب محكوم لاستصحاب موضوعي حاكم عليه في خصوص هذا الفرع الفقهي ، وهو استصحاب عدم الحدث الأكبر المنقح لموضوع مطهرية الوضوء في حق من كان محدثاً بالأصغر ، وهذا أحد موارد حكومة استصحاب عدم الفرد الطويل على استصحاب الجامع.

التطبيق الثاني ـ لو علم إجمالاً بملاقاة شيء مع البول أو الدم ثم غسل مرة واحدة فيشك لا محالة في ارتفاع نجاسته بالغسل مرة واحدة وعدمه ، إذ لو كانت النجاسة بولية فهي لا ترتفع إلاّ بغسلتين وإلاّ فترتفع بغسلة واحدة ، فيقال بجريان استصحاب كلي النجاسة بعد الغسلة الأولى وهو من استصحاب الكلي القسم الثاني فيما هو موضوع لأحكام تكليفية وهو النجاسة ، أو من استصحاب الشخص إذا تعاملنا مع المسبب

٢٦٠