بحوث في علم الأصول - ج ٦

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

الأصول باعتبار نكتة ثبوتية فالمنهج الأول في بيان هذا الفرق تام (١).

واما المنهج الثاني الإثباتي ـ فقد ذكر المحقق الخراسانيّ ( قده ) في بيانه ان دليل حجية الأمارة ظاهر في جعل الحجية للحكاية والكشف وخبر الثقة مثلا كما يحكي عن المدلول المطابقي يحكى عن المدلول الالتزامي فيكون اخبارا به أيضا وفردا آخر لدليل الحجية بخلاف الأصول العملية.

وناقشه السيد الأستاذ بأن الاخبار والحكاية فرع القصد والمخبر قد لا يقصد ذلك بل قد لا يعلم بأصل الملازمة فكيف يمكن ان يكون دليل الحجية شاملا للمدلول الالتزامي باعتباره اخبارا وحكاية أخرى؟ (٢) وانما الصحيح ان يقال ان دليل حجية الخبر حيث كان هو السيرة العقلائية وهي قائمة على العمل بالمدلول المطابقي والالتزامي معا من هنا كانت مثبتاته حجة وهذا بخلاف الأصول العملية.

والتحقيق : ما عرفت من ان حجية مثبتات الأمارة غير مرتبطة بمقام الإثبات ولهذا تكون مثبتات الشهرة الفتوائية مثلا حجة لو فرض حجيتها مع عدم صدق عنوان الشهرة عليها وعدم ثبوت حجيتها بالسيرة العقلائية العملية ، نعم في غير الأمارات لا بأس بالبحث عن أن مقدار ما يثبت بدليل حجيته هل يمكن ان يشمل اللوازم لنكات إثباتية أم لا ، ولا إشكال في عدم ذلك في مثل أصالة الحل والاحتياط والطهارة ، نعم في خصوص الاستصحاب قد يتوهم ان مفاد دليل حجيته ترتيب آثار المتيقن مطلقا ولو كانت بوسائط عقلية وهذا ما نبحث عنه في المقام الثاني.

المقام الثاني ـ في ان الاستصحاب لا يثبت به الا الآثار الشرعية المترتبة على المستصحب بلا واسطة أو بواسطة أثر شرعي لا عقلي ، والإشكال بحسب الحقيقة في

__________________

(١) لا ينبغي الإشكال في ان الأمارات والطرق قد أخذ في حجيتها نكات ذاتية أيضا من قبيل كونها ظهورا أو اخبارا من ثقة ولهذا لا يمكن أن يتعدى إلى كاشف آخر ربما يفترض فيه نفس المرتبة من درجة الكشف الشخصي أو النوعيّ وليس ذلك الا من جهة أخذ خصوصية ذاتية في الحجية من قبيل غلبة حصول هذا الكاشف أو معهوديته لدى العقلاء أو إمكان الاكتفاء به أو أية حيثية ذاتية أخرى. وبناء على ذلك يقال : اننا نحتمل ان تكون لنفس خصوصية كون المدلول مطابقيا لا التزاميا دخل في الحجية ولو كحيثية ذاتية لا ترتبط بالكاشفية ولا طريق لنفي هذا الاحتمال الا بمراجعة المنهج الإثباتي واستظهار إلغاء هذا الاحتمال من أدلة الحجية.

(٢) الحجة وان كانت الدلالة التصديقية للاخبار لا التصورية الا انها ليست بمعنى قصد الاخبار بل النسبة التصديقية التي يعتقد بها المخبر سواء قصد الاخبار عنها أم عرفناها بدون ذلك فيقال بان التصديق بشيء تصديق بلوازمه ولو تقديرا أي على تقدير العلم بالملازمة وموضوع الحجية هو هذا التصديق التقديري عند إحراز المعلق عليه.

١٨١

كيفية ترتيب الأثر الشرعي غير المباشر إذا كانت الواسطة بينه وبين المستصحب شرعية ـ كحلية أكل الطعام المغسول بماء مستصحب الطهارة فانها تثبت به مع ترتبها على طهارة الطعام المترتب على طهارة الماء المغسول به ـ وعدم ترتيبه إذا كانت الواسطة عقلية ـ كصحة الوضوء اللازم لغسل الموضع المشكوك وجود الحاجب عليه اللازم لاستصحاب عدم الحاجب ـ مع ان دليل التعبد الاستصحابي إذا كان له إطلاق لكل آثار المستصحب فلا بد من ترتيبها جميعا في الموردين والا فلا بد من عدم ترتيبها في الموردين.

وفي مقام حل هذا الإشكال يوجد افتراضان رئيسيان تختلف صيغة الحل بناء على كل منهما.

الافتراض الأول ـ ان يكون المجعول في دليل الاستصحاب تنزيل المشكوك منزلة المتيقن أو جعل الحكم المماثل ، والمقصود ان المجعول فيه ترتيب أثر الواقع على المستصحب وجعله كأنه الواقع كتنزيل الطواف منزلة الصلاة غاية الأمر ان التنزيل هناك واقعي وهنا ظاهري ، ولعل هذا هو مختار صاحب الكفاية ( قده ).

وأصحاب هذا المسلك يحاولون تخريج التفصيل المذكور بان دليل الاستصحاب انما ينزل المستصحب منزلة الواقع فيما هو أثر شرعي مجعول من قبل الشارع نفسه دون اللوازم والآثار العقلية فانها لا ربط لها بالشارع ، وبناء عليه لو أريد ترتيب اللازم العقلي والتنزيل بلحاظه ولو مقدمة لترتيب اثره الشرعي ـ وهو صحة الوضوء في المثال ـ فهذا خلف ما ذكر من أن التنزيل لا يمكن ان يكون الا بلحاظ أحكام الشارع نفسه ، ولو أريد ترتيب الأثر الشرعي المترتب على اللازم العقلي وتنزيله في مورد الاستصحاب من دون تنزيل اللازم العقلي فهذا وان كان ممكنا ثبوتا الا انه لا دال عليه إثباتا ، لأن ذلك الأثر الشرعي ليس أثرا للواقع مباشرة ودليل التعبد الاستصحابي ينظر إلى ما هو أثر المتيقن أي الأثر المباشر ولا يشمل الأثر غير المباشر.

وهذا المقدار من البيان قد يورد عليه : بان لازم هذا الانصراف أو الاختصاص بالأثر المباشر عدم ترتب الأثر غير المباشر حتى إذا كان بواسطة شرعية لأن الأثر المباشر لم يثبت حقيقة وواقعا لكي يتبعه اثره لأن التنزيل ظاهري لا واقعي فكيف نثبت ذلك الأثر الشرعي المترتب بواسطة الأثر المباشر؟.

١٨٢

وقد أجيب عليه في كلمات المحقق النائيني ( قده ) بعبارة موجزة مبهمة هي ان الآثار الشرعية الطولية إذا كانت كلها شرعية أو عقلية أي من سنخ واحد كان أثر الأثر أثرا لذلك الشيء أيضا ، واما إذا لم تكن من سنخ واحد فلا يكون أثر الأثر أثرا لذلك الشيء. وهذا الكلام لا يفهم له وجه ما لم نرجعه إلى معنى اخر بعيد عنه جدا سيأتي التعرض له.

والصحيح في دفع هذا الإيراد بنحو ينسجم مع مباني أصحاب مسلك التنزيل وجعل الحكم المماثل ان يقال : بان الأثر الشرعي المترتب على الأثر المباشر يثبت بالتنزيل أيضا لأن إثبات الأثر المباشر الظاهري كان مرجعه إلى تنزيله منزلة الأثر المباشر الواقعي وهذا يستتبع ثبوت الأثر الشرعي الثاني تنزيلا والا لم يكن الأثر الأول مماثلا للواقع وهكذا.

وان شئت قلت : ان دليل تنزيل الأثر المباشر يدل على انه مماثل للأثر المباشر الواقعي وانه كأنه هو ، وهذا ليس مجرد تشبيه ادعائي بل مرجعه إلى التنزيل المولوي وتشبيه صادر من المولى بما هو مولى أي تنزيله منزلته في آثاره وأحكامه أيضا ، فيكون مفاد دليل الاستصحاب منحلا إلى تنزيلات عديدة يكون المرتب في كل واحد منها الأثر المباشر (١).

وقد يناقش هذا البيان بوجهين :

الأول ـ ان التنزيل الظاهري ليس الا بمعنى ترتيب أثر على المنزل يعتبر انه من سنخ الأثر الواقعي في ترتيب آثاره سواء كان مماثلا معه واقعا أم لا ، وهذا الاعتبار معقول حتى إذا كان الأثر عقليا وذلك يوجب ترتب كل الآثار الشرعية على الاستصحاب

__________________

(١) هذا انما يتم إذا كان الدليل يتضمن بيان ان الحكم الظاهري المجعول مماثل للحكم الواقعي أو مشابه له ليتمسك بإطلاق المماثلة مثلا لترتيب آثاره أيضا ، الا ان هذا ليس مستبطنا في مسلك جعل الحكم المماثل أو التنزيل فانه لا يعني ذلك وانما يعني النّظر إلى حكم المنزل عليه وإسراؤه واقعا أو ظاهرا إلى المنزل فينتزع عن ذلك المماثلة أو التنزيل ، وهذا يعني ان التنزيل والمماثلة في طول مقدار نظر الدليل إلى الآثار وإسرائها إلى المنزل فإذا فرض ان الدليل ينصرف عن النّظر إلى غير الأثر المباشر فلا معنى لأن يستفاد إطلاق النّظر والإسراء عن إطلاق التنزيل والمماثلة ، وبعبارة أخرى : ان هذا الانحلال في المقام ليس من قبيل الانحلال في عقد الموضوع لدليل حجية الخبر الشامل للاخبار مع الواسطة الّذي هو انحلال على القاعدة وانما هو انحلال وتوسعة في عقد المحمول والحكم المجعول به وهذا انما يكون في طول إطلاق التنزيل والنّظر فمع فرض عدم الإطلاق فيه لا وجه لاستفادة الانحلال المذكور.

١٨٣

ولو كانت بواسطة عقلية.

والحاصل : مقتضى التنزيل انما هو افتراض ان هذا الأكثر كأنه من سنخ الأثر الواقعي في ترتب آثاره عليه اما ان يكون مماثلا مع الأثر الواقعي من غير ناحية الواقعية والظاهرية بأن يكونا معا شرعيين مثلا أو غير ذلك من الخصوصيات فهذه مئونة زائدة ليست دخيلة في قوام التنزيل فتكون منفية بالإطلاق.

الثاني ـ ورود النقض بموارد تكون الواسطة الواقعية شرعية ولكنها خارجة عن محل ابتلاء المكلف الا ان أثرها داخل في محل الابتلاء ، كما إذا لاقى شيء مستصحب النجاسة مع ثوبي وكان فعلا خارجا عن محل ابتلائي فانه لا إشكال في ثبوت نجاسة الثوب بالاستصحاب نجاسة الإناء مع ان الواسطة وهو نجاسة الإناء كحكم واقعي خارج عن محل الابتلاء ، فانه في مثل هذه الموارد يكون الأثر المترتب بالاستصحاب الأثر غير المباشر ابتداء بدون تنزيل موضوعه وهو الأثر المباشر لكونه خارجا عن محل الابتلاء فيكون حاله حال الواسطة العقلية من أنه لو أريد ترتيب اثره بلا تنزيل الواسطة فهو خلف اشتراط المباشرة وان كان بتوسطه فهو غير معقول لكونه عقليا أو خارجا عن ابتلاء المكلف.

الا ان كلا هذين الاعتراضين انما يتجهان فيما إذا لم ندع انصراف مفاد دليل التنزيل أو جعل المماثل إلى كل أثر من قبل الشارع ولو كان خارجا عن محل الابتلاء أي إلى أحكام نفس المنزل ـ بالكسر ـ ولو باعتبار ان هذا هو المناسب مع مقام المولوية والتشريع المكتنف بخطاب الشارع فانه بالجمع بين هذا الانصراف والانصراف إلى الأثر المباشر يثبت ما يريده أصحاب هذا المسلك.

هذا ولكن أصل الافتراض المبني عليه هذا المسلك غير تام فان مفاد دليل الاستصحاب ليس هو جعل الحكم المماثل والتنزيل ، بل مفاده اما التعبد ببقاء اليقين وجعل الطريقية في مورد الاستصحاب فيما إذا فرض الحديث نفيا للانتقاض أو نهيا عن النقض الحقيقي كناية عن عدم الانتقاض ، واما يكون مفاده النهي عن النقض العملي لليقين بالشك الّذي أيضا يكون إرشادا اما إلى جعل الطريقية بلحاظ الجري العملي أو جعل المنجزية والمعذرية ، وعلى كل حال لا موجب لاستفادة التنزيل أو جعل الحكم المماثل من أدلة الاستصحاب ، وهذا فيما أخذ فيه اليقين السابق

١٨٤

كصحاح زرارة واضح ، واما ما لم يؤخذ فيه كصحيح عبد الله بن سنان فأيضا كذلك إذ لم يصرح فيها بالكبرى وانما صرح بالصغرى والنتيجة والتعليل بأنك أعرته إياه وهو طاهر ، وانما يفهم منه ان الكبرى هو عدم رفع اليد عن الحالة السابقة اما هل يكون ذلك بملاك التنزيل أو جعل الطريقية والعلمية فلا يمكن إثباته إذ لا دال على شيء منهما فيكون المقدار المتيقن استفادته منها ثبوت أصل المنجزية والمعذرية والجري العملي على طبق الحالة السابقة.

الافتراض الثاني ـ ان لا يكون مفاد دليل الاستصحاب التنزيل بل التعبد ببقاء اليقين بجعل الطريقية له أو النهي عن النقض العملي لليقين إرشادا إلى ثبوت محركيته تنجيزا أو تعذيرا ، والجامع إبقاء اليقين عملا. وبناء على هذا المسلك قد يستشكل في ترتيب الآثار الشرعية غير المباشرة وان كانت الواسطة شرعية إذ لا تنزيل في ناحية المستصحب على هذا التقدير ليتوهم الإطلاق بل التعبد في نفس اليقين أو اقتضائه للجري العملي وغايته كون اليقين بالحالة السابقة باقيا تعبدا بلحاظ كاشفيته أو محركيته ، ومن الواضح ان اليقين بشيء انما يكون طريقيا أو محركا إلى متعلقه ومصبه لا إلى آثار متعلقه وانما يقع ذلك في صراط توليد اليقين بتلك الآثار فيكون اليقين المتولد هو الّذي له الطريقية إلى تلك الآثار ، وما دامت طريقية كل يقين تختص بمتعلقه ومصبه فكذلك منجزيته ومحركيته ، وعليه فالتعبد ببقاء اليقين بالحالة السابقة أو النهي عن نقضه العملي انما يقتضى توفير المنجز والمحرك بالنسبة إلى الحالة السابقة مباشرة لا بالنسبة إلى آثارها حتى إذا كانت شرعية.

ودعوى : ان من يكون على يقين من شيء يكون على يقين من آثاره ويتحرك على طبقها.

مدفوعة : بان اليقين التكويني بشيء يلزم منه اليقين التكويني بما يعرفه الشخص من آثاره فيكون التحرك نحو الآثار من جهة اليقين الثاني المتولد ، الا ان هذا في اليقين التعبدي بشيء غير لازم لأن امره تابع سعة وضيقا لمقدار التعبد والمفروض ان دليل الاستصحاب لا يدل على أكثر من التعبد باليقين بالحالة السابقة وما لها من الأثر الشرعي بل ما لها من المنجزية والمعذرية ولو لم يكن حكما شرعيا كما في مورد الصحاح حيث ان المستصحب فيها الطهارة الحدثية أو الخبثية بلحاظ إحراز

١٨٥

الامتثال ، فكل ما يكون من التنجيز والتعذير لمصب اليقين ومتعلقه بحيث كان اليقين طريقا ومحركا إليه يترتب بدليل الاستصحاب لا أكثر ، لأن اليقين السابق ليس طريقا إلى غير ذلك ولا متعلقا ولا هو المحرك نحوه حقيقة ودليل الاستصحاب يثبت الطريقية أو المحركية والمنجزية بالمقدار الّذي كان لليقين لا أكثر والمفروض ان طريقية اليقين ومحركيته بمقدار متعلقه ومصبه.

والتحقيق في الإجابة على هذه الشبهة ان يقال : ان هذه المشكلة انما استفحلت بناء على التصور المتعارف من افتراض شيء اسمه الأثر والحكم الشرعي الفعلي مع انه قد عرفت ان الأثر الشرعي الفعلي بهذا المعنى امر وهمي غير واقعي وليس المنجز هو اليقين بالحكم الفعلي المتولد من اليقين بصغرى الجعل وبكبراه ، بل الحكم يتنجز بمجرد وصول كبراه وهي الجعل وصغراه وهي الموضوع ، فاليقين التعبدي بموضوع الأثر بنفسه منجز لذلك الأثر والحكم وان لم يسر إلى الحكم ، كما ان الجري على طبق حكمه يكون داخلا في دائرة اقتضائه العملي فيلزم بمقتضى النهي عن النقض العملي لليقين.

ان قيل : إذا كان اليقين بالموضوع كافيا لتنجز الحكم المترتب عليه مباشرة فما ذا يقال عن الحكم الشرعي المترتب على هذا الحكم وكيف يتنجز مع انه لا تعبد باليقين بموضوعه وهو الحكم الأول؟

قلنا ـ ان الحكم الثاني الّذي أخذ في موضوعه الحكم الأول لا يفهم من لسان دليله الا ان الحكم الأول بكبراه وصغراه موضوع للحكم الثاني ، والمفروض انه محرز كبرى وصغرى جعلا وموضوعا ، وهذا هو معنى اليقين بموضوع الحكم الثاني فيتنجز الحكم الثاني كما يتنجز الحكم الأول.

وان شئت قلت : ان الموضوع المستصحب يكون تمام الموضوع بالنسبة للحكم المباشر وجزء الموضوع للآثار الشرعية المترتبة على الحكم المباشر وجزؤه الآخر الجعول المعلومة وجدانا لتلك الآثار فيكون من إحراز جزء الموضوع للتنجيز بالتعبد وجزئه الاخر بالوجدان ، وبهذا يتم ما تقدم من ان أثر الأثر إذا كان كلاهما شرعيين بمعنى ان موضوع الموضوع في الشرعيات كما ان علة العلة علة في التكوينيات ولكن علة الموضوع ليس بموضوع فإذا كان مقصود المحقق النائيني ( قده ) مما مضى هذا المعنى

١٨٦

فهو امر صحيح لطيف الا ان هذا بعيد عن تصوراته في باب الجعل والمجعول (١).

__________________

(١) يخطر في الذهن كلمات ثلاث :

١ ـ الكلمة الأولى ـ وهي توسعة لهذا التخريج والعلاج للمشكلة وحاصله :

ان هذا التخريج يمكن إيراده حتى على الافتراض الأول في دليل الاستصحاب أي افتراض ان مفاد دليل الاستصحاب هو التنزيل ولكن بعد تعديل وتمحيص لمعنى التنزيل فانه ليس المقصود بالتنزيل جعل حكم شرعي مماثل بالخصوص بل يعم تنزيل المشكوك منزلة الواقع في الأثر العملي بمعنى التنجيز والتعذير أيضا بناء على ما حققناه في بحوث القطع من إمكان ذلك ، لأن هذه كلها صياغات اعتبارية معقولة مع كون روح الحكم الظاهري في جميع ذلك امرا واحدا تقدم شرحه في حقيقة الحكم الظاهري.

وبعد هذا التعديل نقول ان مرجع التنزيل في المقام إلى اعتبار المستصحب بمنزلة الواقع في ترتيب ما يترتب عليه من التنجيز والتعذير ، والمفروض ان المستصحب اما تمام الموضوع أو جزؤه لتنجيز كل تلك الآثار والأحكام الشرعية الطولية المترتبة إذا كانت الوسائط شرعية فتترتب بخلاف ما إذا كانت الواسطة عقلية فلا تترتب وهذا يعني ان روح هذا العلاج لا يختص بالافتراض الثاني دون الأول.

٢ ـ الكلمة الثانية ـ وهي مناقشة في صحة هذا العلاج وحاصلها : منع ما يستبطنه من ان دليل الأثر الشرعي غير المباشر ظاهره ان الحكم الأول بكبراه وصغراه موضوع للحكم الثاني بل ظاهر الدليل ترتبه على فعلية الحكم الشرعي الأول وان كان واقعه امرا وهميا فان هذا الأمر الوهمي هو الّذي يفهمه العرف ويتعامل معه في فهم دلالات الخطابات سعة وضيقا فلا بد من إحراز هذا الأمر الوهمي اما وجدانا أو تعبدا والأول غير موجود في مورد الاستصحاب والثاني لا يمكن استفادته منه بحسب التفسير المتقدم لمفاد دليله.

بل نترقى أكثر ونقول : ان هذا الفهم العرفي الوهمي هو المحكم حتى على دليل الاستصحاب نفسه بناء على ما تقدم في دفع شبهة التعارض بين استصحاب بقاء المجعول واستصحاب عدم الجعل الزائد فلو لا ان الأحكام الشرعية ينظر إليها بما هي خارجية وان ظرف الاتصاف بها هو الخارج وتحكيم هذا النّظر على دليل الاستصحاب لاستفحلت شبهة المعارضة هناك ومع تحكيم هذا النّظر لا يكون اليقين بموضوع الأثر الشرعي الأول محركا بنفسه نحو الأثر الشرعي الثاني بل يقع في صراط توليد اليقين بذلك الأثر فلا يمكن ترتيبه بالتعبد ببقاء اليقين الأول.

لا يقال ـ بعد ان كان العقل يكتفي في التنجيز بإحراز الصغرى والكبرى كفى ذلك في جريان الاستصحاب وان لم يكن ذلك مفهوما عرفا لأن هذا الفهم العرفي يرجع بحسب الحقيقة إلى عدم تشخيص المصداق للنقض العملي لا المفهوم وهو ليس بحجة. وان شئت قلت : ان الأثر الشرعي غير المباشر أصبح حقيقة أثرا شرعيا مباشرا غاية الأمر قد لا يدركه العرف وهو غير ضائر نظير ما إذا لم يعلم العرف بانتقاض الطهور بالنوم فان هذا لا يمنع عن جريان استصحاب عدمه عند من يعرف ترتب الأثر الشرعي عليه.

فانه يقال ـ أولا ـ ان تم هذا الكلام جرى في شبهة المعارضة أيضا وادى ذلك إلى جريان استصحاب عدم الجعل الزائد ومعارضته مع استصحاب بقاء المجعول غاية الأمر أحدهما يكون بالنظر الدقي والآخر بالنظر العرفي.

وثانيا ـ ما أجبنا به على هذا الاعتراض في تلك المسألة من ان هذين النظرين متهافتان في المرتبة السابقة على تطبيق دليل الاستصحاب بحيث لا بد من حمل الدليل على أحدهما فإذا فرض تحكيم النّظر العرفي ـ كما هو المتعين ـ فكما لا يجري استصحاب عدم الجعل الزائد لا يجري استصحاب الموضوع لترتيب الآثار الطولية غير المباشرة عليه لعدم كونها من اقتضاءات اليقين بذلك الموضوع.

٣ ـ الكلمة الثالثة ـ انه لا محيص من سلوك منهج صاحب الكفاية ( قده ) من دعوى انصراف دليل الاستصحاب إلى النهي عن نقض اليقين بلحاظ ما هو الأثر الشرعي سواء كان مفاده التعبد ببقاء المتيقن أو اليقين أو النهي عن النقض العملي ـ ولكن لا بالتقريب المتقدم من استفادة تنزيلات طويلة متعددة إذ قد عرفت المناقشة فيه ، بل بتقريب ان النقض وان كان مسندا إلى اليقين الا ان المنظور إليه على كل التقادير في تفسير الحديث عدم رفع اليد عما يستتبعه المتيقن من الموقف العملي والوظيفة تجاه

١٨٧

وفي خاتمة البحث عن الأصل المثبت ينبغي التنبيه على أمور :

الأمر الأول ـ قد ينفد الأصل المثبت عن طريق إيقاع المعارضة بينه وبين استصحاب آخر يجري في الواسطة العقلية لنفي أثرها كما في استصحاب عدم نبات لحية زيد المشكوك حياته فانه حتى إذا فرض إمكان ترتيب أثر نبات لحيته باستصحاب حياته يدعي معارضته مع استصحاب عدم نبات لحيته النافي لذلك الأثر فيتساقطان.

واعترض على ذلك الشيخ الأعظم ( قده ) بأنه على القول بالأصل المثبت يكون استصحاب بقاء الحياة حاكما على استصحاب عدم نبات اللحية لكونها من الأصل السببي والمسببي والأصل السببي حاكم على الأصل المسببي.

وتستحصل من كلمات المحقق العراقي ( قده ) فروض ثلاثة في المقام يختلف الحكم باختلافها :

الأول ـ ان يبني على حجية مثبتات الاستصحاب سواء كانت في سلسلة معلولاته أو علله فكما ان استصحاب العلة يثبت المعلول كذلك استصحاب عدم المعلول يثبت عدم العلة وبناء على هذا يحصل توارد بين الاستصحابين لأن كل واحد منهما ينفي موضوع الاخر تعبدا.

الثاني ـ ان يبنى على حجية الاستصحاب المثبت بمعنى إثباته لجميع معلولاته ولوازمه دون الملزومات والعلل وعلى هذا الفرض يكون الأصل المثبت حاكما على

__________________

المولى وحينئذ يقال : بان الآثار الشرعية الطولية إذا لم تتوسط بينها وبين الأثر المباشر واسطة عقلية تعتبر جميعا مواقف عملية مستتبعة للمتيقن اما باعتبار عرفية النكتة التي أشير إليها في كلام المحقق النائيني ( قده ) من ان أثر الأثر إذا كان من سنخ واحد يعتبر عرفا أثرا لنفس الشيء ، أو باعتبار عدم احتمال الفرق عرفا فيما بينها لكونها جميعا مواقف عملية تجاه الشارع مستتبعة لنفس الموضوع المستصحب وهذا بخلاف الأثر المترتب على الواسطة العقلية. وان شئت قلت : إذا كان تنجز الأثر الشرعي الطولي والوظيفة العملية تجاهه مترتبا على تنجز الأثر الشرعي المتقدم والوظيفة العملية تجاهها فيترتب عليها وهذا بخلاف ما إذا كان الأثر مترتبا على واسطة عقلية. وان أبيت عن قبول ذلك أمكننا ان ندعي الملازمة العرفية بين تنجز الأثر الشرعي الأول وتنجيز الأثر الشرعي الثاني المترتب عليه بحيث يكون دليل التعبد الاستصحابي دالا بالمطابقة على الأول وبالالتزام على الثاني ، وهذا من لوازم الأمارة لأنه ملازمة بين الحكمين الظاهريين بخلاف ما إذا كان الأثر الطولي مترتبا على واسطة عقلية فانه لا ملازمة بين التعبد الظاهري بالأثر الشرعي المباشر والتعبد به لعدم كونه مترتبا عليه.

لا يقال ـ قد لا يكون الأثر الشرعي المباشر منجزا ولو لخروجه عن محل الابتلاء فكيف نثبت الأثر غير المباشر حينئذ؟

فانه يقال : تكفي منجزيته لو كان للمستصحب أثر مباشر أي تكفي المنجزية التعليقية في الملازمة والاستتباع.

١٨٨

استصحاب عدم اللازم العقلي لأنه يرفع موضوعه والشك في تحقق ذلك اللازم تعبدا دون العكس.

الثالث ـ ان يبنى على حجية الأصل المثبت بمعنى إثبات اللوازم فقط ولكن لا بمعنى إثبات اللازم العقلي والتعبد به بل بمعنى إثبات اثره الشرعي ابتداء وكأنه لا واسطة عقلية في البين ، وبناء على هذا يقع تعارض بين الاستصحابين لأن شيئا منهما لا يرفع مورد الشك في الآخر وانما يتنافيان في الأثر فيتعارضان.

وقد أضاف السيد الأستاذ على هذه الفرضيات فرضية رابعة هي ما إذا قلنا بأمارية الاستصحاب وحجيته من باب الظن فحكم بتقدم الأصل المثبت وحكومته على استصحاب عدم الواسطة العقلية وينبغي تمحيص الكلام في هذه الفروض فنقول :

اما الفرضية الأولى ـ فقد يناقش فيما ذكره المحقق العراقي ( قده ) بشأنها من توارد الاستصحابين بأن استصحاب عدم نبات اللحية لا يرفع الشك في حياة زيد لأنه لو أريد نفي حياته لترتب أثر آخر غير المترتب على نبات لحيته فهذا خارج عن البحث وقد يفرض انه لا أثر آخر مترتب على حياته ، وان أريد نفي حياته لنفي نبات لحيته استطراقا إلى نفي اثره من وجوب التصدق مثلا فهذا لا معنى لا لأن نفي نبات لحيته بنفسه مدلول مطابقي للاستصحاب بلا حاجة إلى الرجوع إلى الوراء وإثباته بالملازمة فانه أشبه بتحصيل الحاصل ، وعليه فيكون استصحاب الحياة حاكما على استصحاب عدم نبات اللحية لأنه يرفع الشك فيه دون العكس.

وهذا الاعتراض يمكن الإجابة عليه بوجهين :

١ ـ ان استصحاب الحياة بناء على الفرضية الأولى ويثبت جميع اللوازم والملازمات ومنها أثر نبات اللحية ، أعني وجوب التصدق لأنه من ملازمات الحياة ، فاستصحاب الحياة يثبت وجوب التصدق رأسا لكونه ملازما له بلا حاجة إلى إثبات نبات لحيته استطراقا إلى إثباته ، فان هذا انما يكون بناء على ان الاستصحاب يثبت اللوازم فقط دون الملازمات وعليه يكون الأصلان متعارضين لا متواردان كما تصور المحقق العراقي ( قده ).

٢ ـ ان نبني على مبنى المحقق النائيني ( قده ) من انه يكفي في جريان الاستصحاب

١٨٩

ترتب الأثر على نفس الاستصحاب كجواز الإفتاء مثلا ولو لم يكن أثر لمؤداه ـ وقد تقدم وجهه في بعض البحوث السابقة ـ وبناءً عليه يكون كل من الاستصحابين واردا على الآخر إذ ينفي بالملازمة مورد الشك في الآخر ولو بلحاظ جواز الإسناد فيتساقطان بالتوارد فيتم ما ذكره المحقق العراقي ( قده ) في هذه الفرضية.

واما الفرضية الثانية ـ فما أفاده المحقق العراقي ( قده ) فيها من تقدم الأصل المثبت وحكومته على استصحاب نفي الواسطة العقلية صحيح على المباني المشهورة في تقدم الأصل السببي على المسببي.

واما الفرضية الثالثة ـ فائضا يصح فيها ما أفاده هذا المحقق من التعارض بين الاستصحابين اللهم الا إذا قيل بمجموع مطلبين :

١ ـ إذا دار الأمر بين تخصيص عموم دليل بإخراج فرد من موضوعه أو تقييد إطلاقه الأحوالي بإخراج حالة من أحوال فرد تقدم العموم الأفرادي على الإطلاق الأحوالي.

٢ ـ تمامية العموم الأفرادي في بعض أدلة الاستصحاب ولو مثل ما جاء في الصحيحة الثالثة ( ولا يعتد بالشك في حال من الحالات ).

فانه عندئذ يقال يدور الأمر في المقام بين رفع اليد عن العموم الأفرادي في هذه الصحيحة للاستصحاب الجاري في نفي الواسطة العقلية أو الإطلاق فيها للأصل المثبت بلحاظ إثبات أثر الواسطة فيما لو فرض وجود أثر اخر له غير هذا الأثر. وحيث ان العموم مقدم على الإطلاق يتعين التقييد دون التخصيص فيجري الاستصحاب في نفي الواسطة العقلية دون ان يعارضه الأصل المثبت فضلا من ان يحكم عليه.

واما الفرضية الرابعة ـ فقد أفاد السيد الأستاذ فيها بان استصحاب الحياة حاكم على استصحاب عدم نبات اللحية لأن المفروض فيها ان حجية الاستصحاب تكون من باب الأمارية والظن وإذا حصل الظن بالحياة فقد حصل الظن باللحية ومعه يستحيل حصول الظن بعدمها (١).

والظاهر ان مقصوده الظن الشخصي والا فالظن النوعيّ لا استحالة في حصول

__________________

(١) راجع مصباح الأصول ، ج ٣ ، ص ١٥٦

١٩٠

التقابل في مصداقين منه.

وعلى كل حال فهذا البيان بهذا المقدار لا يخلو من نقص ، إذ كما يمكن ان يقال بان الظن بالحياة يوجب الظن بنبات اللحية ، فيستحيل حصول الظن بعدمها كذلك يمكن العكس وان الظن بعدم اللحية يوجب الظن بعدم الحياة ومعه يستحيل حصول الظن بالحياة ، إذ كما ان الظن بالعلة يستلزم الظن بالمعلوم كذلك العكس ، كما ان مجرد كون أحد المتلازمين علة للآخر لا يعني حكومة الأمارة في طرف العلة على الأمارة المخالفة في طرف المعلول الا ترى عدم حكومة الخبر الدال على حياة زيد على الخبر الحاكي لعدم نبات لحيته بل هما متعارضان.

والتحقيق : ان الاستصحاب إذا كان حجة من باب الأمارية وافادته الظن ـ سواء كان نوعيا أو شخصيا ـ فهذا مبني على أساس حساب الاحتمالات الكاشفة عن نكتة مشتركة وطبيعة في الأشياء تقتضي بقاءها ودوام حالاتها وعدم تغيرها غالبا ، وهذه النكتة في كل من العلة والمعلول ثابتة فالكشفان فعليان غاية الأمر يوجد منافاة بين تأثير المنكشفين ، وحيث ان جانب العلة هو المؤثر في جانب المعلول فيقدم عليه في مقام فعلية الكشف لا محالة شبيه ما إذا أخبر ثقة بوقوع النار في البيت وأخبر ثقة آخر بنزول المطر الغزير أو السيول على البيت في تلك الساعة فيؤخذ بالخبرين معا ويحكم بان الماء غلب النار وان البيت لم يحترق ، وان شئت قلت : ان حساب الاحتمالات الموجب للظن ببقاء الأشياء في طرف العلة يحكم على حساب الاحتمالات في طرف المعلول فكأن قاعدة ان الأشياء غالبا تبقى على حالاتها السابقة يستثنى منها المعلولات فانها تابعة لعللها والغلبة المحكمة فيها ، وهذا هو الوجه الفني لما ارتكز في ذهن السيد الأستاذ من حكومة استصحاب الحياة على استصحاب عدم نبات اللحية بناء على الأمارية.

الأمر الثاني ـ لا إشكال في عدم حجية الاستصحاب في إثبات آثار اللوازم العقلية الواضحة عقلا وعرفا ولكن وقع الإشكال فيما إذا كانت الواسطة العقلية خافية على العرف ، فقد ذهب الشيخ ( قده ) إلى انه مع خفائها يجري الاستصحاب في طول المسامحة العرفية ووافق عليه المحقق الخراسانيّ ( قده ) وخالف في ذلك المحقق النائيني ( قده ) مدعيا بأن خفاء الواسطة أو المناسبات والمرتكزات العرفية ان أوجب ظهورا في دليل الأثر الشرعي يقتضي ترتبه على نفس المستصحب لم نحتج في إثباته

١٩١

بالاستصحاب إلى إثبات الواسطة أصلا ليكون من الأصل المثبت بل هو أثر للمستصحب حقيقة وهذا خارج عن البحث ، والا بأن كان مفاد الدليل ترتب الأثر على تلك الواسطة لا المستصحب فلا عبرة بمسامحة العرف وخطأه في إدراك الواسطة فان إنظار العرف حجة في مقام اقتناص المفهوم والظهور للدليل لا في مقام التطبيق ، فإذا فرض عدم تأثير الخفاء والمسامحة العرفية على ظهور دليل الأثر فلا وجه لاتباع نظره في مجال تطبيق دليل الاستصحاب على ما هو موضوع الأثر الشرعي.

والتحقيق ان يقال : انه لا بد من الرجوع إلى المباني المتقدمة للقول بعدم حجية الأصل المثبت فان النتيجة تختلف باختلافها فنقول :

١ ـ اما بناء على المبني الّذي نحن اخترناه من كفاية إحراز صغرى الجعل وكبراه في التنجيز وصيرورة المستصحب موضوعا مباشرا لذلك فمن الواضح عدم جريان الاستصحاب في موارد الواسطة العقلية وان كانت خافية فان خفائها لا يجعلها أحسن حالاً من الأثر المباشر ، والاستصحاب بمدلوله اللفظي لا يثبت الأثر المباشر غاية الأمر ان العقل يحكم بترتب التنجيز كلما أحرز صغرى الجعل وكبراه فلا بد من إحرازهما بالوجدان أو التعبد ، والمفروض ان المستصحب ليس صغرى لكبرى ذلك الأثر لوجود الواسطة بينهما وان فرضت خفية (١).

٢ ـ ان يفرض توهم ترتيب الأثر غير المباشر في موارد الاستصحاب بنفس دليل ذلك الأثر بعد إحراز موضوعه بالاستصحاب تعبدا ، وعلى هذا المبنى أيضا لا يثبت أثر الواسطة وان كانت خفية لأن المفروض ان دليل ذلك الجعل والحكم الشرعي ظاهر في جعله على الواسطة لا على المستصحب ودليل الاستصحاب ليس له نظر إلى الآثار لترتيبها كي يتوهم إطلاقها لهذا الأثر ولو مسامحة.

__________________

(١) إذا كان مأخذ مدعى الشيخ ومن تابعه ان أثر الواسطة الخفية يعتبر أثرا للمستصحب عرفاً ودليل استصحاب يترتب آثار المستصحب فهذا لا يتم على أساس المبنى المختار ، ولكن يمكن أن يكون لمدعى الشيخ مآخذ أوسع من ذلك بحيث يتم حتى عند القائلين بان مفاد دليل الاستصحاب ليس هو التنزيل وجعل الآثار المماثلة بل التعبد ببقاء اليقين إذ يقال بان خفاء الواسطة يجعل ترتيب ذلك الأثر من مقتضيات اليقين بالمستصحب ابتداء لخفاء الواسطة فيكون التعبد ببقاء اليقين بحسب الحقيقة إسراء لنفس ذلك الأثر في مورد الاستصحاب لأن ترتب الأثر على كل حال لا بد من استفادته من نفس دليل التعبد ببقاء اليقين لا من دليل آخر إذ ليست الحكومة واقعية أو ورودا بل حكومة ظاهرية تنزيلية ، نعم هذا الكلام يتم على المبنى الثاني والّذي يكون التمسك فيه بدليل الأثر الشرعي المفروض أخذ الواسطة في موضوعه فتأمل جيدا.

١٩٢

٣ ـ ما اختاره صاحب الكفاية ( قده ) من ان دليل الاستصحاب يثبت الأثر الشرعي المباشر فقط وانما تثبت الآثار الطولية بالانحلال وإثبات كل أثر لأثره إذا كانت الآثار شرعية ، وبناء على هذا المبنى قد يقال بأن الواسطة إذا كانت خفية فبحسب النّظر العرفي يكون الأثر في المقام كأنه أثر مباشر لخفاء الواسطة.

والجواب : ما تقدم في بحث اشتراط الموضوع من ان نظر العرف المسامحي انما يكون حجة في موردين :

الأول ـ في باب المفاهيم وتحديد الدلالات.

الثاني ـ في باب التطبيق إذا كان نظره إنشائيا لا إخباريا كما إذا قلنا بان أسامي المعاملات وضعت بإزاء المسببات لا الأسباب ، فان العرف لو شخص صحة معاملة المعاطاة مثلا كانت بيعا ، واما في المقام فحيث ان النّظر العرفي إخباري في مجال التطبيق فمع خطأه دقة وعقلا لا حجية لنظره (١).

٤ ـ ان يبنى على ان دليل الاستصحاب ينظر ابتداءً وفي عرض واحد إلى كل الآثار الشرعية المترتبة على المستصحب غاية الأمر يدعى انصرافها عن الأثر الشرعي المترتب على واسطة عقلية.

وبناءً على هذا المبنى ان ادعي ان الانصراف أوجد قيدا في لسان الدليل لبا هو عدم الواسطة كان حاله حال المبنى السابق من ان مسامحة العرف في عدم رؤية الواسطة في المقام تكون في مرحلة تطبيق القيد وتشخيص مصداقه فلا يكون حجة ، وان لم يدع ذلك بل ادعي الانصراف عن موارد وجدان الواسطة كان الاستصحاب حجة

__________________

(١) افتراض ان نظر العرف في باب التطبيق بنحو الإخبار ليس بحجة أصلاً لا يخلو من إشكال وقد اعترف سيدنا الأستاذ ( قدس‌سره الشريف ) بذلك في بعض الموارد في الفقه من قبيل مفهوم الدم الّذي لا يصدق على ما يكون دماً بالدقة ولكن لا يدركه العرف لضآلته وصغر حجمه ، فقد أفاد السيد الأستاذ ( قده ) في بحوثه الفقهية ان الكم والمقدار ربما يكون مأخوذاً في مفهوم الدم ، وعليه ففي المقام أيضاً ربما يقال بأن مفهوم النقض أو النقض العملي لليقين قد أخذ فيه درجة من التحرك تصدق في موارد خفاء الواسطة على اليقين بالمستصحب نفسه بحيث يعد رفع اليد عنه نقضاً لليقين بالشك كما تقدم من الأستاذ في مسألة اشتراط وحدة القضيتين.

نعم يمكن الإشكال في أصل معقولية خفاء الواسطة بنحو لا يوجب سعة في دليل الحكم الشرعي المرتب على الواسطة ولكن يوجب شمول دليل الاستصحاب وصدق النقض العملي لو لم يرتب ذلك الأثر على المستصحب فان العرف إذا كان يميز بين الواسطة وذي الواسطة بلحاظ دليل ذلك الحكم الشرعي فهو يميز بينهما بلحاظ دليل الاستصحاب لا محالة أيضاً ولعل هذا هو مقصود المحقق النائيني ( قده ) في المقام.

١٩٣

في إثبات الأثر الشرعي في موارد خفاء الواسطة لا محالة.

ثم انهم ذكروا لموارد خفاء الواسطة تطبيقات فقهية نقتصر على فرعين رئيسين منها :

الفرع الأول ـ موارد استصحاب بقاء الشهر ـ كشهر رمضان ـ إلى يوم الشك لترتيب أثر اليوم الأول من الشهر الآخر على اليوم الّذي يليه مع ان هذا من الأصل المثبت فان اللازم العقلي لكون اليوم المشكوك من شهر رمضان مثلا ان يكون اليوم الّذي يليه عيدا فيقال ان هذا من خفاء الواسطة.

وأجاب عن ذلك السيد الأستاذ بأن إثبات اليوم الأول من الشهر الاخر كيوم العيد لا يكون بهذا الاستصحاب بل باستصحاب آخر تام الأركان ، ذلك لأنه بدخول ذلك اليوم يعلم إجمالا بتحقق يوم العيد أو اليوم الأول من الشهر القادم اما في هذا اليوم أو في يوم الشك السابق فيستصحب بقاؤه ، ولا يقدح عدم صدق كون المتيقن بقاء للمشكوك على تقدير ثبوته ولا احتمال عدم اتصال زمان الشك باليقين لاحتمال كون العيد هو اليوم السابق وقد فصل بينهما الليل فان كل ذلك لا يضر بأركان الاستصحاب المستفاد من أدلته على ما سوف يأتي الحديث عنه ، كما ان دعوى : ان هذا الاستصحاب لا يثبت كون هذا اليوم هو يوم العيد فانه لازم عقلي لبقاء يوم العيد ، يدفعها : ان الآثار الشرعية تترتب على وقوع العمل في يوم العيد مثلا بنحو مفاد كان التامة لا الناقصة ومفاد كان التامة يثبت بالاستصحاب. وهذا الاستصحاب كما يجري في أول كل شهر يجري في الليلة الأولى وفي سائر الأيام والليالي من الشهور لو كان في البين أثر شرعي ، فإذا شك في يوم انه التاسع من ذي الحجة مثلا ـ أي يوم عرفة أم لا ـ حكمنا بكونه يوم عرفة بنفس التقريب (١).

وهذا البيان رغم طرافته غير تام ، لأن الاستصحاب الّذي أبرزه الأستاذ معارض دائما باستصحاب مثله ، إذ كما يعلم في اليوم الواحد والثلاثين مثلا بدخول اليوم الأول من شهر شوال اما هذا اليوم أو في اليوم السابق فيجري استصحابه كذلك يعلم بأن أحد اليومين ليس اليوم الأول من شوال فيجري استصحاب عدمه فيتعارضان

__________________

(١) راجع مصباح الأصول ، ج ٣ ، ص ١٦٥

١٩٤

ويتساقطان ، والوجه في ذلك ان هذا العلم الإجمالي انما هو علم إجمالي دائما بأن أحد اليومين هو ذلك اليوم والآخر ليس ذلك اليوم فكما يعلم إجمالا بتحقق ذلك اليوم في أحد الزمانين كذلك يعلم إجمالا بعدم تحققه في أحد الزمانين فيكون هذا الاستصحاب مبتلى بالمعارض دائما ، بل لو كان الأثر الشرعي مترتبا على عنوان النهار الأول أو الليلة الأولى لا اليوم الّذي هو لمجموع الليل والنهار جرى استصحاب عدم النهار الأول الثابت ليلة الواحد والثلاثين أو عدم الليلة الأولى الثابت نهار الثلاثين ، وهذا الاستصحاب أحسن حالا من استصحاب بقاء النهار الأول أو الليلة الأولى المعلوم تحققه إجمالا لأنه لا يبتلى بمحذور انقطاع زمان الشك عن اليقين كما هو واضح.

وقد تناقش هذه المعارضة بأحد وجهين (١) :

الوجه الأول ـ ان استصحاب عدم يوم العيد مثلا في اليوم الواحد والثلاثين معارض باستصحاب عدمه في يوم ثلاثين حيث كان يشك أيضا في انه يوم العيد أم لا مع العلم إجمالا بان أحدهما يوم عيد فهذا الاستصحاب العدمي معارض بمثله من أول الأمر.

وفيه : أولا ـ لا معارضة بين هذين الاستصحابين العدميين ذاتا وانما المعارضة بملاك العلم الإجمالي بكذب أحدهما ، وهذا العلم الإجمالي انما يوجب التعارض بين الأصلين إذا كان يلزم من جريانهما مخالفة عملية ، كما في المثال حيث يلزم منهما جواز صومهما معا مع العلم بحرمة صوم أحدهما ، الا انه ليس دائما يترتب على استصحاب عدم تحقق أول الشهر الجديد أو غير ذلك مخالفة حكم إلزاميّ معلوم كما هو واضح ، ففي مورد عدم لزوم الترخيص في المخالفة القطعية لتكليف إلزاميّ لا تعارض بين الاستصحابين.

وثانياً ـ أن هذا غايته إيقاع التعارض بين أحد الاستصحابين العدميين مع كل من الاستصحاب العدمي والاستصحاب الوجوديّ فيسقط الجميع بالمعارضة ، بل ربما يقال بسقوط الاستصحاب الوجوديّ وهو استصحاب بقاء العيد المعلوم تحققه إجمالا مع استصحاب عدمه المعلوم إجمالا وجريان استصحاب عدم العيد في يوم الثلاثين ، لأن

__________________

(١) هذان الوجهان قد ذكرهما السيد الخوئي في دورته الأخيرة عند ما نقلت إليه إشكال المعارضة فأجاب عليهما السيد الأستاذ ( قده ) فأضفت ذلك داخل البحث.

١٩٥

المعارضة بينهما بنحو التناقض الّذي تكون استحالته بمثابة المقيد المتصل بدليل الاستصحاب بخلاف المعارضة بين الأصلين العدميين فان استحالته بملاك الترخيص في المخالفة القطعية وهو بمثابة المقيد المنفصل عند السيد الأستاذ ، والمقيد المتصل يرفع أصل الظهور بخلاف المنفصل ، وهذا يعني عدم انعقاد أصل الإطلاق في دليل الاستصحاب للاستصحابين المتعارضين بنحو التناقض فيبقى إطلاقه للاستصحاب العدمي الأول بلا مزاحم.

الوجه الثاني ـ ان استصحاب عدم العيد المعلوم إجمالا بحسب روحه من استصحاب الكلي من القسم الثالث لأنه مردد بين عدم العيد الثابت قبل يوم الثلاثين إلى يوم الثلاثين بناء على كونه من رمضان ، وهذا مقطوع الارتفاع على كل حال ، وبين عدمه المتحقق بعد انتهاء يوم الثلاثين ودخول اليوم الواحد والثلاثين ، وهذا مشكوك الحدوث من أول الأمر ، فلا يجري هذا الاستصحاب العدمي الكلي وانما الجاري استصحاب بقاء العيد المعلوم تحققه إجمالا ، وهذا نظير من كان محدثا بالأصغر وخرج منه بلل مشتبه فانه لا يجري في حقه استصحاب كلي الحدث بعد الوضوء لأنه من المردد بين مقطوع الحدوث والارتفاع وهو الحدث الأصغر وبين مشكوك الحدوث من أول الأمر وهو الحدث الأكبر بل يجري استصحاب بقاء الحدث الأصغر وعدم الحدث الأكبر الحاكم على استصحاب كلي الحدث والمثبت ان وظيفته الوضوء لا الغسل.

وهذا الوجه غير تام أيضا إذ يلاحظ عليه :

أولا ـ ان الاستصحاب العدمي المذكور كالاستصحاب الوجوديّ ليس من استصحاب الكلي أصلا بل استصحاب شخص حصة عدمية معلومة بالإجمال في أحد اليومين ، نعم الحالة العدمية للعيد الثابتة قبل دخول يوم الثلاثين نعلم بارتفاعها الا اننا لا نريد استصحابها وانما نشير إلى الحالة العدمية المعلومة في أحد اليومين الثلاثين والواحد والثلاثين وهي شخص حالة عدمية واحدة معلومة إجمالا كالوجود المعلوم إجمالا للعيد المردد بينهما ، وهي إذا كانت في يوم الثلاثين فقد ارتفعت الآن وإذا كانت في يوم الواحد والثلاثين فهي باقية فأركان الاستصحاب تامة فيها كتماميتها في طرف الوجود وكلاهما من الاستصحاب الشخصي المعلوم إجمالا ، نظير ما إذا علم

١٩٦

بدخول زيد في الدار وقد انهدم الجانب الغربي منه ولا ندري هل كان زيد في ذلك الجانب فقد مات أو في الجانب الشرقي فهو لا يزال حيا فنستصحب بقائه.

وثانيا ـ ان ما ذكر في مثال المحدث بالأصغر عند خروج بلل مشتبه منه أيضا أجنبي عن محل الكلام كيف وهو من استصحاب كلي الحدث من القسم الثاني للكلي إذ يعلم إجمالا قبل الوضوء بأنه محدث اما بالأصغر أو الأكبر بناء على ان البلل لو كان منيا فقد تبدل حدثه إلى الأكبر ، وسوف يأتي ان استصحاب عدم الفرد الأكبر لا يحكم على استصحاب الكلي من القسم الثاني لأنه مثبت ، وانما يحكم في المورد بجريان استصحاب عدم الحدث الأكبر وكفاية الوضوء بنكتة فقهية أخرى حاصلها : ان المستفاد من دليل مطهرية الوضوء ان موضوعه كل من قام إلى الصلاة أي كان محدثا بالأصغر ولم يكن جنبا بنحو التركيب ، وهذا ثابت في المقام بضم الوجدان إلى الأصل لأنه كان محدثا بالأصغر وجدانا ولم يصبح جنبا بالاستصحاب فيتنقح في حقه موضوع مطهرية الوضوء بمقتضى الآية المباركة.

وهكذا يتضح ان الاستصحاب الّذي أبرزه السيد الأستاذ لإثبات أيام الشهور من دون الابتلاء بمشكلة الأصل المثبت غير تام ، فليس أمامنا إلا استصحاب عدم دخول الشهر في يوم الثلاثين والمفروض انه لا يثبت كون اليوم الواحد والثلاثين أول الشهر القادم الا بالملازمة العقلية فيقال ان ذلك من موارد خفاء الواسطة مثلا ، ولكنك قد عرفت عدم حجية الاستصحاب حتى مع خفاء الواسطة.

ولكن يبقى في المقام كلامان ينبغي تمحيصهما :

الأول ـ ان يقال بان عنوان أول الشهر مثلا لعله وضع لمعنى مركب من مجموع امرين ؛ ان يهل هلال الشهر الجديد ، وان لا يهل قبل هذا اليوم ، فكونه هل ليلة الواحد والثلاثين محرز وجدانا وكونه لم يهل قبله بالاستصحاب فيثبت عنوان أول الشهر أو العيد أو غير ذلك عن طريق ضم التعبد إلى الوجدان ، الأمر المتبع في تمام الموضوعات التركيبية.

ولتمحيص هذا الكلام ينبغي البحث تارة : عن معقوليته في نفسه ثبوتا ، وأخرى : في مساعدة مرحلة الإثبات والفهم العرفي عليه.

اما البحث الثبوتي فقد أفاد المحقق النائيني ( قده ) بأنه يستحيل وضع لفظ لجزءين

١٩٧

بنحو التركيب بحيث يمكن إحراز أحدهما بالوجدان والاخر بالتعبد ، وتوضيح مرامه ( قده ) ان اللفظ إذا أريد وضعه لمعنى مركب لا بد في مقام الوضع الواحد بإزاء المفهوم من إلباس اجزاء ذلك المعنى ثوب الوحدة المفهومية ليكون مفهوما واحدا ، وذلك يكون اما بانتزاع مفهوم بسيط عن مجموع الاجزاء أو بالتخصيص والتقييد فيما بينها ، وعلى كلا التقديرين لا يمكن إثبات ذلك المعنى البسيط الوحدانيّ أو المخصص بنحو التقييد بضم التعبد إلى الوجدان ، ومن دون إعمال أحد الأمرين لا يكون المعنى الموضوع له واحدا بل متكثرا ومتعددا لا محالة.

هذا ولكن يمكن ان يقال ان الوضع بإزاء المعنى المركب كوضع واحد كما يمكن ان يكون بأحد النحوين المذكورين يمكن ان يكون بنحو التقييد ولكن لا بنحو التوصيف وأخذ الارتباط قيدا بل على نحو الاقتطاع والاستثناء ، كما في قولنا ( المرأة الا القرشية ) فهذا التعبير ينسبق منه إلى الذهن معنى وحداني يضيق عن الانطباق على فاقد القيد ، أعني موارد الاستثناء ، ولكنه ليس بملاك التقييد وأخذ الارتباط ولا بنحو انتزاع مفهوم ثالث بسيط بل بنحو الاستثناء الّذي مدلوله السلب التحصيلي لا النعتيّ فيمكن إثباته بالاستصحاب حتى الأزلي بناءً على جريانه (١) فيقال في المقام بان اليوم الأول هو كل يوم هل فيه هلال الشهر الا اليوم الّذي هل الهلال قبله ، وهذا ما يمكن إثباته بضم الوجدان إلى الأصل.

واما البحث الإثباتي ، فلا ينبغي الشك في ان الفهم العرفي يقضي بان عنوان أول الشهر أو آخره أو العيد أو عرفة ونحو ذلك كلها عناوين بسيطة منتزعة عن مجموع امرين أو أكثر على نحو الانتزاع أو التقييد والتخصيص ، فليس المعنى لهذه العناوين تركيبات محضا لكي يمكن إثباته بضم التعبد إلى الوجدان.

الثاني ـ ان يدعى بأن المفهوم وان كان بنحو التخصيص أو الانتزاع الا ان الأثر الشرعي مرتب على منشأ الانتزاع لأن العرف يلغي هذه الخصوصية بحسب ارتكازه في فهم موضوع الحكم الشرعي ويرى ان موضوعه الواقع ومنشأ التخصيص أو الانتزاع

__________________

(١) تقدم في البحوث اللغوية التحليلية من مباحث الألفاظ ان النسبة الاستثنائية تامة وليست ناقصة أي يكون الاستثناء دائما عن الحكم وبلحاظ النسبة التامة كالعطف فلا يعقل الاقتطاع والاستثناء كمفهوم وحداني حتى بنحو التخصيص والتقييد الّذي هو نسبة ناقصة تحليلية فراجع وتأمل.

١٩٨

وهو مجموع الأمرين أو الأمور.

وهذا الكلام في التقييدات الواردة في لسان الأدلة صحيح في الجملة وبهذا الارتكاز والقرينة العامة نحمل الموضوعات المقيدة على المركبة في أبواب الفقه ، الا انه في العناوين والمفاهيم الوحدانية بحسب النّظر العرفي وبحسب اللفظ أيضا كعنوان العيد أو الأول أو النصف ونحو ذلك مما لا يساعد عليه العرف ولا ارتكاز يقتضيه ، نعم قد يدعى استفادة ذلك في خصوص باب أيام الشهور مطلقا أو في خصوص شهر رمضان وشوال من الروايات التي دلت على ثبوت العيد أو الشهر برؤية الهلال أو مضى ثلاثين يوما فيستفاد ان الآثار الشرعية في خصوص عناوين الأيام ملحوظة بنحو التركيب لا التقييد.

الفرع الثاني ـ إذا لاقى شيء نجسا وكان الملاقي أو الملاقى رطبا قبل الملاقاة فشككنا في ان الرطوبة كانت باقية حين الملاقاة أم لا فتمسكوا باستصحاب الرطوبة وحكموا بنجاسة الملاقي مع ان السراية لازم عقلي لبقاء الرطوبة ، فيقال بخفاء الواسطة مثلا ، وفصل المحققون بين ما إذا قلنا بان موضوع التنجيس مركب من الملاقاة مع النجس والرطوبة في أحد الطرفين فيجري استصحاب الرطوبة ويحرز موضوع التنجيس جزؤه بالوجدان وجزؤه الآخر بالتعبد ، وبين ما إذا قلنا بان موضوع التنجس سراية الرطوبة من أحد المتلاقيين إلى الآخر فالاستصحاب يبتلي بمشكلة الإثبات لأن السراية لازم عقلي لبقاء الرطوبة لا شرعي.

وتفصيل الكلام عن هذا الفرع بالحديث في جهتين :

الجهة الأولى ـ في استصحاب الرطوبة كما إذا كانت النجاسة معلومة أو مستصحبة أيضا وجهة الشك انما هي الرطوبة وعدمها حين الملاقاة.

الجهة الثانية ـ في استصحاب النجاسة كما إذا كانت الرطوبة وجدانية والشك في نجاسة الملاقى.

اما الجهة الأولى ـ فقد عرفت ما ذكره المحققون من التفصيل بين ما إذا كان موضوع التنجيس السراية فلا يجري الاستصحاب ، أو ذات الرطوبة في أحد المتلاقيين فيجري ، ولا إشكال في صحة هذا الكلام في شقه الأول ، سواء بني على ان الرطوبة هي المنجسة دائما بسرايتها من النجس إلى غيره أو بني على ان المنجس هو الجسم والشرط

١٩٩

وجود الرطوبة المسرية ، فانه على كلا التقديرين لا يجري الاستصحاب لإثبات التنجس ، إذ لو أريد بذلك استصحاب بقاء الرطوبة فهو مثبت لأن لازم ذلك عقلا حصول السراية ، ولو أريد به استصحاب القضية التعليقية القائلة بأنه لو كان قد لاقاه سابقا لتنجس والآن كما كان فهذا استصحاب تعليقي في الموضوعات والصحيح عدم جريانه ، ولا يصححه جعل الجزاء في القضية التعليقية النجاسة بان يقال هذا لو كان قد لاقاه سابقا لتنجس فان الاستصحاب التعليقي في الأحكام انما يجري إذا كان الحكم معلقا على نفس موضوعه الّذي جعل عليه بحكم الشارع لا على ملازمه والا لم يجر لنفس نكتة عدم جريان الاستصحاب التعليقي في الموضوعات.

واما الشق الثاني وهو ما إذا كان المنجس هو الجسم والشرط ذات الرطوبة الصالحة للسريان في نفسها لا بقيد السريان الفعلي ـ حيث ان الرطوبة غير البالغة هذه المرتبة لا إشكال فقهيا في عدم التنجيس في موردها ـ فما أفاده المحققون من جريان استصحاب الرطوبة على هذا التقدير مطلقا في غير محله فانه هنا يوجد استثناء ان ينبغي التعرض لهما.

١ ـ ان يبنى على ان التنجيس يحصل برطوبة النجس بما هو نجس أي بالرطوبة بما هي مضافة إلى النجس لا إلى ذات الشيء ، فانه بناء على ذلك لا يجري الاستصحاب الا إذا كانت الحالة السابقة للرطوبة انها رطوبة النجس بما هو نجس ، كما إذا علمنا بان النجس من المتلاقيين كان رطبا سابقا والا فلا يمكن إثبات هذه الإضافة الا بالملازمة العقلية وهو مثبت ، كما إذا كانت الرطوبة سابقا في غير النجس من المتلاقيين فعلا أو كانت نجاسة النجس المرطوب سابقا نجاسة استصحابية فترطب ثم شك في بقاءها.

الا ان هذا الاستثناء غير صحيح لعدم تمامية مبناه لما ذكرناه من ان الارتكاز العرفي يجعل الموضوعات المقيدة في أمثال هذه الموارد مركبة فيكون المستفاد من دليل الانفعال ان الموضوع للتنجيس هو نجاسة الملاقى وكون أحدهما رطبا.

٢ ـ ان يبنى على اشتراط الرطوبة في التنجيس بدرجة معتد بها بحيث تكون لها جرمية كالماء أو تكون الرطوبة المحتملة بهذه المرتبة لا بمرتبة أخف تعتبر عرضا للجسم ، فانه في مثل ذلك يكون استصحاب الرطوبة مثبتا ، إذ لو أريد به إثبات تنجيس

٢٠٠