بحوث في علم الأصول - ج ٥

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

الانسجام مع موقف الأصولي في رد منجزية العلم الإجمالي الكبير الّذي تمسك به الاخباري في بحث البراءة والاحتياط.

الجواب الثاني ـ ما أفاده المحقق العراقي ( قده ) والسيد الأستاذ من ان الأصول قبل الفحص في الشبهات ليست متعارضة ومتساقطة بل غير جارية لكون الشبهة قبل الفحص أو لاحتمال وجود المنجز وهو خبر الثقة قبل الفحص على حد تعبير المحقق العراقي ( قده ) وعليه ففي كل مورد نفحص ولا نجد حجة على الإلزام تجري البراءة ولا تعارض بالبراءة في سائر الشبهات لأنها في نفسها ليست مجرى للبراءة قبل الفحص.

وهذا الموقف منسجم أيضا مع الموقف السابق للأصولي الا انه رجوع إلى وجه آخر وهو قصور مقتضي البراءة في الشبهة قبل الفحص فلو فرض تمامية المقتضي وأريد الاعتماد على مانعية العلم الإجمالي رجع إشكال الاخباري لا محالة.

الجواب الثالث ـ انه بناء على ما هو المختار والصحيح من ان التنافي بين الأحكام الظاهرية بوجوداتها الواقعية كالاحكام الواقعية تكون البراءة الشرعية مقيدة موضوعا بغير موارد الأمارة المعتبرة ومعه لا يمكن الرجوع إلى البراءة في الشبهة قبل الفحص لا ابتداء لأنه يشك في موضوعها أي يكون من اشتباه الحجة باللاحجة ولا بتوسط إجراء أصل طولي موضوعي كاستصحاب عدم الحجة في مورده لعلم الإجمالي بوجود حجج وأمارات معتبرة ضمن الشبهات نحصل عليها بعد الفحص فهذا العلم الإجمالي الصغير بوجود الحجج والأمارات المعتبرة فيما بأيدينا يوجب سقوط الأصول المؤمنة الموضوعية ، بعد الفحص وعدم الظفر بالأمارة في مورد يتمسك فيه بالبراءة عن الواقع ولم يكن هذا الأصل ساقطا من أول الأمر بل نكن نعرف مورده ثم عرفناه ، وهذا من نتائج مبنانا من ثبوت المنافاة بين الأحكام الظاهرية بوجوداتها الواقعية.

الاعتراض الثاني ـ ما ذكره في الكفاية من ان الاستدلال بالعلم الإجمالي لا يفي بإثبات تمام المدعى لأنه ينحل بالظفر بالمقدار المعلوم بالإجمال من التكاليف بعد الفحص في جملة من الشبهات فيلزم عدم وجوب الفحص في باقي الشبهات.

وحاول المحقق النائيني ( قده ) دفع هذا الاعتراض بان المعلوم بالإجمال ذو علامة متميزة فكيف يعقل انحلاله قبل الفحص والظفر بالمقدار المعلوم بما له من العلامة

٤٠١

والتميز نظير ان يعلم إجمالا بدين مردد بين الأقل والأكثر مع العلم بكونه مضبوطا في الدفتر فهل يتوهم أحد جواز الرجوع إلى البراءة في المقدار الزائد على المتيقن قبل الفحص عما في الدفتر.

وهذا الجواب غير تام صغرى وكبرى ، إذ مضافا إلى إمكان منع وجود ميز كذلك بل المعلوم بالإجمال مع المعلوم بالتفصيل بعد الفحص في جملة من الشبهات متطابق يرد عليه كفاية ذلك في الانحلال الحكمي.

فالصحيح : ان أصل هذا الاعتراض متين في الجملة إذا بنينا على انحلال العلم الإجمالي المتقدم بالمنجز المتأخر فليس هذا الدليل وافيا بتمام المدعى ، نعم قد نحدد عمر هذا العلم الإجمالي حتى بعد حصول نفس المقدار المعلوم بالإجمال من التكاليف الإلزامية تفصيلا في موارد الشبهات التي فحصنا عنها لأننا لا نحتمل خلو كل الشبهات الباقية خصوصا إذا كانت أبوابا فقهية بكاملها عن حكم إلزاميّ أو رواية معتبرة.

الاعتراض الثالث ـ إذا وجد في بعض الأطراف أصل غير مسانخ فهذا العلم الإجمالي لا يؤثر في إسقاطه عن الحجية بناء على ما مضى في بحوث ملاقي طرف العلم الإجمالي من ان الأصل غير المسانخ يبقى سليما عن المعارضة بعد تعارض الأصول المؤمنة المسانخة وتساقطها فمثلا إذا شك في طهارة شيء بنحو الشبهة الحكمية كانت أصالة البراءة أو الإباحة في الشبهات أصلا ترخيصيا مسانخا فتتساقط وتجري أصالة الطهارة في هذه الشبهة بلا معارض.

وهذا الاعتراض يمكن ان يجاب عليه على مبانينا من التنافي بين الأحكام الظاهرية بوجوداتها الواقعية ، فانه على هذا التقديرين يكون الأصل في كل شبهة من اشتباه الحجة باللاحجة بالبيان المتقدم شرحه سواء كان الأصل مسانخا أو غير مسانخ نعم تجري الأصول الطولية بلحاظ الشبهة الموضوعية للحجة من البراءة الطولية أو استصحاب عدم الحجة وهي متسانخة في جميع الأطراف فتسقط جميعا وهذه أيضا من نتائج المبنى المختار.

الاعتراض الرابع ـ ما يرد بناء على مبنى جريان الأصل الطولي في أطراف العلم الإجمالي بعد سقوط الأصول العرضية فان هذا قد يتفق في المقام كما في أصالة البراءة في مورد أصالة الطهارة من الشبهات الحكمية.

٤٠٢

وهذا الاعتراض أيضا يجاب عليه على ضوء مبنانا بما تقدم من ان المقام من اشتباه الحجة باللاحجة لتقدم الأمارات التي في معرض الوصول على الأصول المؤمنة فتتقيد بعدمها لا محالة فمع الشك فيها لا يجوز الرجوع إليها الا بالرجوع إلى الأصل الموضوعي أو البراءة الطولية وهي في جميع الشبهات في عرض واحد.

الوجه السابع ـ اننا نستظهر عرفا من نفس دليل الحكم الواقعي ان الشارع يهتم به في مرحلة الظاهر أيضا بمقدار موارد العلم به ولو علما إجماليا بنحو الشبهة المحصورة وكذلك موارد ما قبل الفحص فانه بمر العقل وإن كان يمكن ان لا يهتم المولى بأغراضه الإلزامية بمجرد الشك والتردد الا ان هذا خلاف المرتكز عرفا ، وعليه فينعقد للخطاب الدال على الحكم الواقعي دلالة التزامية عرفية على إبراز الاهتمام وإيجاب الاحتياط تجاه الواقع بهذا المقدار وعليه إذا كانت الشبهة قبل الفحص واحتملنا وجود خطاب كذلك لم يجز الرجوع إلى البراءة لأن دليلها ليس بصدد نفي الإلزام الواقعي فيكون دليله المحتمل دالا على نفي البراءة لا محالة ولا يمكن إجراء البراءة الطولية أي البراءة عن إيجاب الاحتياط قبل الفحص لأن هذه أيضا منافية عرفا مع الحكم الواقعي على تقدير وجوده فلا تفهم من دليل البراءة الّذي ليس بصدد نفي الحكم الواقعي. نعم قد يتمسك بالبراءة العقلية إذا قلنا بها قبل الفحص لأن المفروض ان الخطاب الواقعي لم يصل إلينا ولكن قد عرفت عدم تماميتها في نفسها وعدم جريانها قبل الفحص لو قيل بها.

فالحاصل ـ بناء على هذا الاستظهار العرفي لو ثبت دليل على حكم إلزاميّ كان بحسب الحقيقة مقيدا لإطلاق دليل البراءة قبل الفحص عند الشك في ذلك الحكم ـ والّذي يكون بنحو الشبهة الموضوعية لا محالة بعد فرض ثبوت أصل ذلك الحكم ـ ونافيا للبراءة الشرعية والعقلية في مورد الشك فيه فإذا ضممنا إلى هذه المقدمة ثبوت الدليل على حجية خبر الثقة الّذي قد يكون إلزاميا وافترضنا وصول ذلك للمكلف لم يجز له الرجوع إلى البراءة قبل الفحص عن خبر الثقة إلى قد يكون إلزاميا في أية شبهة حكمية فان دليل الحكم الواقعي وإن لم يكن وأصلا الا ان دليل حجية الخبر وأصل وهو يدل بحسب الفرض على لزوم الاحتياط وعدم غمض العين حتى في الشبهة الموضوعية في المقام لأنها شبهة حكمية في روحها ـ.

٤٠٣

الوجه الثامن ـ ان نستفيد من نفس المقدمة الموضحة في الوجه السابق بعد ضمه إلى العلم إجمالاً بوجود بعض الخطابات الشرعية ضمن الشبهات ، وهذا العلم الإجمالي فيما سبق كنا نستفيد منه في إيقاع التعارض والتساقط بين الأصول المؤمنة في الأطراف امّا هنا فنستفيد منه في المقام لإثبات التقييد في أدلة الأصول المؤمنة بلحاظ ما قبل الفحص فيكون من موارد اشتباه الحجة باللاحجة.

الوجه التاسع ـ التمسك باخبار وجوب التعلم ، وهذا الوجه انما ينفع لمن عرف صدفة اخبار وجوب التعلم وتماميتها سندا ودلالة ، واما من لم يعرف ذلك فلو لم يتم في حقه في المرتبة السابقة منجز لوجوب الفحص فلا تجدي له هذه الاخبار.

وقد اعترض في تقريرات المحقق العراقي على الاستدلال بهذه الاخبار بوجوه عديدة :

الأول ـ ان بالإمكان حملها على موارد العلم الإجمالي بالتكليف الّذي هو الغالب في موارد الشك قبل الفحص.

وفيه : انه خلاف إطلاقها بل خلاف ظهورها في ان منشأ التنجز كونه لا يعلم لا كونه يعلم بالتكليف إجمالا.

ثم لو غض النّظر عن هذا الاستظهار فالنسبة بين إطلاقها وإطلاق أدلة البراءة الشرعية العموم والخصوص المطلق إذا فرض خروج الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي عن أدلة البراءة بالمخصص العقلي المنفصل ، فيكون قد ورد عليه تخصيصان أحدهما حكم العقل بقبح المعصية والآخر هذه الاخبار فتتقيد بغيرهما. واما إذا قلنا بان خروج أطراف العلم الإجمالي يكون على أساس قرينة متصلة ارتكازية ـ كما هو الصحيح ـ فالنسبة بينهما عموم من وجه لشمول هذه الاخبار دون أدلة البراءة لأطراف العلم الإجمالي وشمول أدلة البراءة دون هذه الاخبار للشبهات بعد الفحص ، فإذا لم يكن وجه لتقديم أدلة البراءة من جهة قطعية سندها ولو لوجود الكتاب ضمنها تعارض الإطلاقان وتساقطا في الشبهة غير المقرونة بالعلم الإجمالي قبل الفحص ، فلا تثبت البراءة حتى الطولية لما تقدم في بعض الوجوه السابقة.

هذا مضافا إلى إمكان دعوى حكومة هذه الاخبار على أدلة البراءة بملاك النّظر ، لأنها تفترض الجهل واستناد المكلف إلى عدم العلم الّذي قد يقتضي الترخيص.

٤٠٤

الثاني ـ ان هذه الاخبار مسوقة للإرشاد إلى حكم العقل بوجوب الفحص ولزوم الاستناد إلى حجة ، فيكون حالها حال حكم العقل في الشبهة قبل الفحص من حيث كونه تعليقيا ومرفوعا بأدلة البراءة الشرعية لو تم إطلاقها.

وفيه : أولا ـ ان ظاهر هذه الاخبار عدم جواز إهمال الواقع ولزوم التصدي لمعرفته وتحصيل العلم به وانه منجز على المكلف لو لم يفحص عنه فاقتحمه ، وليس مفادها مجرد عدم جواز إهمال الوظيفة العملية ، وبناء عليه فلا وجه لحملها على الإرشاد إلى حكم العقل التعليقي.

وثانيا ـ لو سلمنا ان مفادها عدم جواز إهمال الوظيفة العملية عند الشك مع ذلك كان هذا الإرشاد من قبل المولى إلى حكم العقل كاشفا عن عدم جعله للبراءة فيكون بلحاظ هذا المدلول معارضا مع إطلاق أدلة البراءة لا محالة.

الثالث ـ ان هذا الاخبار أخص من المدعى لاختصاصها بما إذا كان التكليف الإلزامي بنحو بحيث لو سئل عنه لوصل إلى المكلف كما في حق المعاصرين للمعصوم عليه‌السلام فلا تتم لمثل زماننا وأحوالنا.

وهذا الاعتراض يمكن تقريره بأحد نحوين :

١ ـ ان يكون المأخوذ في موضوع روايات الفحص العلم بأنه لو فحص لانكشف له الحال وحيث ان هذا العلم في أزمنتنا غير ممكن فالشبهات قبل الفحص خارجة عن مفاد هذه الروايات.

٢ ـ ان يكون المأخوذ واقع انكشاف الحال على تقدير الفحص وحيث ان هذا غير معلوم قبل الفحص فالتمسك بها لإثبات وجوب الفحص أشبه بالتمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية.

وهذا الاعتراض بكلا تقريبيه لا يتم ، فان في مجموع روايات التعلم ما يمكن ان يكون دليلا على تنجز الواقع قبل الفحص بنفس احتمال التكليف ولو احتمل عدم انكشاف الحال حتى بعد الفحص.

وتفصيل الكلام في هذه الاخبار ان يقال بأنها تنقسم إلى طوائف :

الطائفة الأولى ـ ما دل على ان طلب العلم فريضة وهو منقول عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في روايات عديدة وفي طرق الخاصة والعامة مما يوجب الاطمئنان بصدور أصل هذا

٤٠٥

الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن كانت خصوصية على كل مسلم ومسلمة ربما لم ترد في جميع هذه الطرق وأيا ما كان.

فمنها ـ ما في الكافي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ( طلب العلم فريضة ) (١). وعنه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ألا ان الله يحب بغاة العلم ) (٢).

ومنها ـ ما عن الإمام الرضا عليه‌السلام عن آبائه عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( العالم بين الجهال كالحي بين الأموات وان طالب العلم يستغفر له كل شيء حتى حيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه فاطلبوا العلم فانه السبب بينكم وبين الله وان طلب العلم فريضة على كل مسلم.

ومنها ـ ما عن الإمام الرضا عليه‌السلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ( طلب العلم فريضة على كل مسلم فاطلب العلم في مظانه واقتبسوه من أهله فان تعلمه لله حسنة وطلبه عبادة والمذاكرة فيه تسبيح والعمل به جهاد وتعليمه من لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة إلى الله تعالى لأنه معالم الحلال والحرام ومنار سبل الجنة والمؤمن من الوحشة والصاحب في الغربة والمحدث في الخلوة والدليل في السراء والضراء والسلاح على أعداء الدين ، والزين على الأخلاء ، يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة تقتبس آثارهم ويقتدى بفعالهم وينتهى إلى آرائهم ترغب الملائكة في خلتهم وبأجنحتها تمسحهم في صلواتها تبارك عليهم ، يستغفر لهم كل رطب ويابس حتى حيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه ... إلخ ).

وهذه الطائفة لا إشكال في دلالتها على لزوم طلب العلم الا ان حملها على مجرد الاطلاع على الأحكام اللزومية الواقعية الداخلة في محل الابتلاء والّذي هو معنى وجوب الفحص خلاف الظاهر وانما الظاهر منها الحث على لزوم تحصيل الثقافة الإسلامية التي كان يعبر عنها وقتئذ بالعلم بقول مطلق ، وهذا المعنى من العلم لا يفرق فيه بين الأحكام الداخلة في محل ابتلاء الشخص وغيرها ولا يشمل هذا العلم مجرد التقليد

__________________

(١) أصول الكافي ، ج ١ ، كتاب فضل العلم ، باب فرض العلم ووجوب طلبه ، ح ٢.

(٢) نفس المصدر ، ح ١.

٤٠٦

والسؤال عن الفتوى ولا المعرفة البسيطة فان العلم لغة وإن كان بمعنى الانكشاف ولكن بحسب المصطلح العرفي السائد اجتماعيا منذ عصر الأئمة وإلى يومنا هذا يطلق على مرتبة مخصوصة ومعمقة من المعرفة وليس كل انكشاف علما فتكون هذه الروايات ظاهرة في إرادة هذا المعنى من طلب العلم ، ويؤيد ذلك القرائن المنتشرة في متونها حيث ورد في بعضها المقارنة بين حال العالم والجاهل ، وذكر في بعضها فوائد العلم وشأن العالم وجلالته وان العلم يؤنس الإنسان في وحشته وغربته وهو السلاح على الأعداء والزين على الأخلاء إلى غير ذلك وهذا كله انما يناسب المعنى الّذي ذكرناه وهي وإن كانت ظاهرة في لزوم ذلك على كل مسلم الا انه بقرينة ما دل على سقوطه بقيام من به الكفاية به في كل زمان وبمثل آية النفر من الأدلة الدالة على عدم وجوب ذلك على كل الناس عينا بل كفاية تحمل هذه الطائفة على الوجوب الكفائي.

الطائفة الثانية ـ ما تأمر بالتفقه في الدين من قبيل رواية علي بن أبي حمزة قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ( تفقهوا في الدين فان من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي ان الله تعالى يقول في كتابه « ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم ... إلخ » ) (١) وأيضا عن مفضل بن عمر قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ( عليكم بالتفقه في دين الله فلا تكونوا أعرابا فان من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يزك له عمل ) (٢).

وهذا الطائفة أيضا تنظر إلى ما ذكرناه في معنى الطائفة السابقة لأن هذا هو المراد من التفقه في الدين ويشهد عليه استشهاد الإمام عليه‌السلام بآية النفر والتعبير بان من لم يتفقه في الدين يكون أعرابيا أي متخلفا عن الهجرة إلى الإسلام وإلى العلم ، وعلى كل حال فهي أجنبية عن مسألة منجزية الاحتمال قبل الفحص.

الطائفة الثالثة ـ ما تأمر بالسؤال عن الأئمة عليهم‌السلام والرجوع إليهم لأنهم هم أهل الذّكر كما ورد في تفسير هذه الآية ( نحن أهل الذّكر ) فتجب عليكم المسألة وهذه الطائفة لا بأس بالاستدلال بها في المقام لأنها متعرضة لذلك ، ولكن يأتي فيها الاعتراض

__________________

(١) أصول الكافي ، ج ١ ، كتاب فضل العلم ، باب فضل العلم ووجوب طلبه ، ح ٦.

(٢) نفس المصدر ، ح ٧.

٤٠٧

المتقدم من اختصاصها بخصوص السؤال عن الإمام الّذي يعلم معه بحصول العلم بالحكم (١).

الطائفة الرابعة ـ ما تدل على استحقاق المتورط في المخالفة للواقع من جهة عدم السؤال والفحص للعقاب. وأحسن ما جاء في هذه الطائفة معتبرة مسعدة بن زياد قال سمعت جعفر بن محمد عليه‌السلام وقد سئل عن قول الله تعالى ( فلله الحجة البالغة ) فقال عليه‌السلام : ( ان الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة عبدي أكنت عالما؟ فان قال : نعم ، قال : أفلا عملت بما علمت؟ وإن قال كنت جاهلا قال له : أفلا تعلمت حتى تعمل؟ فيخصمه وذلك الحجة البالغة لله عز وجل في خلقه ) (٢).

وهي لا بأس بدلالتها على المطلوب ، لأنها ناظرة إلى مسألة المنجزية وحجية الاحتمال قبل الفحص والسؤال ، وهي مطلقة من حيث العلم بانكشاف الواقع على تقدير السؤال وعدمه ، وقريب منها روايات أخرى واردة بنفس المضمون.

وهكذا يتضح صحة الاستدلال بهذه الروايات على وجوب الفحص في الشبهات الحكمية.

ويمكن ان يستدل على وجوب الفحص والسؤال أيضا بفحوى مثل آية النفر الدالة على إيجاب النفر والتفقه في الدين على طائفة من المؤمنين دائما من أجل إنذار أقوامهم ، فان هذا يدل بالالتزام عرفا على إيجاب الفحص على الباقين وعدم جوازهما لهم لذلك.

الوجه العاشر ـ ما ذكره السيد الأستاذ من الاستدلال على وجوب الفحص باخبار الاحتياط والتوقف بعد الجمع بينهما وبين اخبار البراءة حيث تحمل على الشبهة قبل الفحص لكونها المتيقن منها ، وجملة منها واردة في ذلك فتكون كالنص بالنسبة إلى اخبار البراءة فيقيد إطلاقها ، وتخرج منها حالات الشبهة الحكمية قبل الفحص ، فتنقلب النسبة بينها وبين سائر اخبار الاحتياط إلى العموم والخصوص المطلق (٣).

__________________

(١) جامع أحاديث الشيعة ، الباب الأول من أبواب المقدمات ، ح ٢٥.

(٢) الإنصاف ان هذه الطائفة أيضا أجنبية عن محل الكلام لأنها ناظرة إلى نفي مرجعية المصادر الأخرى للعلم غير أهل البيت عليهم‌السلام ولو أغمض عن هذا فلا بأس بإطلاقها للسؤال عن آرائهم وأحكامهم الواصلة من خلال الأحاديث المنقولة عنهم والسؤال عن الفقهاء وأصحابهم الذين يفصحون عن رأيهم فتعم غير زمانهم أيضا.

(٣) مصباح الأصول ، ج ٢ ، ص ٤٩٤.

٤٠٨

وهذا الوجه غير تام لا مبنى ولا بناء.

اما مبنى ، فلما يأتي في بحوث التعارض من بطلان نظرية انقلاب النسبة وانه إذا كانت إحدى الطائفتين المتعارضتين بنحو التباين نصا في بعض الحصص دون بعض ولو باعتبار كونه المورد لها فمثل هذه النصوصية الناشئة لا تكون منشأ للقرينية والتخصيص والجمع العرفي بين الطائفتين المتعارضتين.

واما بناء ، فلأنه لو سلم المبنى واعترف أيضا باخبار التوقف وتماميتها سندا ودلالة فهي تقدم على مثل حديث الرفع ونحوه لأنها أخص منها ، فان حديث الرفع يشمل حتى الشبهات الموضوعية بخلاف اخبار الاحتياط فتتقدم عليه بالأخصية حتى في الشبهات بعد الفحص.

الا ان الصحيح على ما تقدم عدم تمامية اخبار الاحتياط من حيث الدلالة على إيجاب الاحتياط الا بمعنى يكون محكوما لاخبار البراءة على وزان البراءة العقلية كما تقدم تفصيله.

هذا كله في الشبهة الحكمية.

واما الشبهة الموضوعية ، فالكلام عنها أيضا تارة في البراءة العقلية ، وأخرى في البراءة الشرعية.

اما البراءة العقلية ، فقد عرفت انها ليست ثابتة الا كقاعدة عقلائية مرتكزة بالنسبة إلى الموالي العقلائية ، وظروف هذا الارتكاز ومناشئه وترسخه في أذهان العقلاء تختص بما بعد الفحص ولا تشمل ما قبل الفحص حتى بلحاظ الشبهة الموضوعية في الجملة ، فان مرتبة من الفحص بحيث لا يصدق عليه انه تهرب عن الحكم وإغماض العين عنه لازم في الركون إلى هذا التأمين العقلائي حتى في الشبهة الموضوعية.

واما البراءة الشرعية ، فلا يوجد قبال إطلاق أدلة البراءة للشبهات الموضوعية قبل الفحص من الوجوه المتقدمة في الشبهة الحكمية الا الوجه الأول والوجه السابع أي دعوى إمضائية أدلة البراءة العقلائية.

فلا يكون فيها إطلاق لأكثر منها ، وقد عرفت عدم شمولها لموارد الفحص بمقدار غمض العين والتهرب عن الواقع. ودعوى ان المدلول الالتزامي العرفي لدليل التكليف

٤٠٩

بشيء هو الاهتمام به في مرحلة الظاهر أيضا بهذا المقدار. واما سائر الوجوه فهي مخصوصة بالشبهات الحكمية جميعا كما يظهر وجهه بالتأمل فيها.

الا ان هذين الوجهين غاية ما يثبتان لزوم الفحص في الشبهة الموضوعية بمقدار لا يصدق غمض العين عن الحكم والتهرب منه ، هذا كله على مقتضى الأدلة العامة على البراءة في الشبهة الموضوعية.

ولكن وردت روايات خاصة في بعض الأبواب الفقهية تصرح بعدم وجوب الفحص في شبهات موضوعية حتى بهذا المقدار بحيث لو لم يقتنص منها قاعدة عامة في عدم لزوم الفحص في الشبهة الموضوعية فلا أقل من العمل بها في أبوابها.

منها ـ صحيحة زرارة الثانية في الاستصحاب التي ورد فيها ( فهل علي إن شككت في انه اصابه شيء ان انظر فيه؟ قال : لا ولكنك انما تريد ان تذهب الشك الّذي وقع في نفسك ) (١). فانها تدل على جواز غمض العين وعدم لزوم الفحص حتى بهذا المقدار.

ومنها ـ ما ورد أيضا في باب الطهارة والنجاسة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول ( ما أبالي أبول أصابني أم ماء إذا لا أعلم ) (٢). وهو واضح أيضا في عدم لزوم التصدي والفحص عن النجاسة المحتملة حتى بهذا المقدار.

ومنها ـ روايات عديدة واردة في موارد الشك في تذكية ما يؤخذ من سوق المسلمين أو كونها ميتة أو فيه الميتة ، وهي تصرح بعدم لزوم الفحص والسؤال وانه ليس عليكم المسألة ، وفي بعضها ( ان الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالته ان الدين أوسع من ذلك ) (٣) فما لم يعلم بأنه ميتة حلال طاهر ، وهي أيضا واضحة في الدلالة على نفي لزوم أصل التصدي والفحص. هذا تمام الكلام في أصل وجوب الفحص.

ويجدر في خاتمة هذا البحث الإشارة إلى أمور :

الأول ـ حول مقدار الفحص اللازم من ناحية السند والنقل ، فهل يجب التصدي لكل احتمال حتى إذا احتمل مثلا وجود رواية في كتاب أدبي أو لغوي أو يكتفى

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٢ ، ص ١٠٥٤ ، أبواب النجاسات.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ٢ ، ص ١٠٧٢.

٤١٠

بالفحص عن الروايات والأدلة في مظان وجودها. ومن حيث الدلالة والظهور ، فهل يجب الفحص الكامل حتى بالرجوع إلى الأعلم مثلا إن احتمل التفاته إلى خصوصية تثبت الدلالة والظهور أم لا؟

الصحيح ان تحديد ذلك يكون بالرجوع إلى الوجوه المتقدمة في إثبات وجوب الفحص ليرى ما ذا يستفاد منها.

اما الوجه الأول ، فقد يقال : ان غاية ما يقتضيه عدم لزوم غمض العين وعدم الفحص عن الرواية في مظان وجودها : نظير ان الحكومات تنشر قوانينها في مجلات أو جرائد رسمية معينة فيجب الفحص فيها دون غيرها من المصادر فإذا فحص عن ذلك فلم يجد لا يصدق في حقه غمض العين والتهرب عن الحكم ولو فرض وجود نقل في كتاب خارج عن مصادر الحديث الموضوعية لذلك.

الا ان الإنصاف ان هناك فرقا بين البابين ، فان المصادر الرسمية للعقلاء موضوعة من قبلهم لذلك بخلاف مصادر الحديث والرواية عندنا فانها لم تكن موضوعة من قبل الشارع الأقدس وانما بين الشارع في توضيح كيفية تبليغ الأحكام ان خبر الثقة حجة عليكم ، واما هذه الكتب فمربوطة بالمؤلفين والمصنفين الذين جاءوا بعد ذلك وحاولوا تجميع الروايات وتدوينها في مجاميعهم ، ولم يرد تصريح من المعصوم عليه‌السلام بأنه متى ما أردتم الاطلاع على أحكامي وتشريعاتي فراجعوا الكتب الأربعة مثلا ، اذن فلا بد من الفحص عن كل احتمال لوجود خبر ثقة على الحكم ولو فرض في غير هذه الكتب إلى ان يطمئن بعدم وجوده لأن ما يكون في معرض ان يصل إليه خطاب المولى لا يكون محدودا بخصوص هذه الكتب بل يكون منتشرا في تمام ما يصل إلينا مما يمكن ان يكتب فيه حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الإمام عليه‌السلام فمن ناحية السند لا بد من الفحص حتى يحصل الاطمئنان بعدم وجود رواية معتبرة ولا يبعد حصول ذلك عادة بمجرد عدم وجدانها في الكتب المعدة من قبل علمائنا لذلك لأن احتمال غفلتهم عن نقلها وضبطها بعيد جدا ، نعم لو فرض ان فقيها أفتى بحكم استنادا إلى رواية ، ادعى ووجودها في كتاب لغة مثلا أو عقائد وجب الفحص والرجوع إليه لزوال الاطمئنان بالعدم بذلك كما هو واضح.

واما من ناحية الدلالة ، فالفحص اللازم انما هو بمقدار الخبرة الذاتيّة للمجتهد

٤١١

الخبير فلا بد له ان يعمل قدرته في فهم المعنى من اللفظ بالنحو المتعارف بين الخبراء بالنسبة إلى تلك المادة العلمية وقد يدخل في المتعارف الاستفادة من خبرات الآخرين خصوصا السابقين عليه واما أكثر من ذلك بحيث كلما احتمل ان خبيرا آخر تنبه لنكتة لم يلتفت هو إليها أو احتمال ان أشخاصا آخرون استفادوا من الأصول الموضوعية المشتركة بينه وبينهم ما لم يستفده هو منها فالفحص عنه غير لازم لأن مثل هذا الارتكاز غير موجود عند العقلاء ولا معمول به فيرجع إلى أدلة الأصول العملية لإطلاقها وعدم وجود مقيد لها.

واما الوجه الثاني ، وهو إيقاع المعارضة بين إطلاق البراءة وإطلاق عقد المستثنى في قوله تعالى ( حتى يبين لهم ) فمن حيث السند يصدق البيان لو فرض وجود رواية معتبرة واصلة في الكتب ولو غيره المتعارفة فيجب الفحص عند احتماله ، ومن حيث الدلالة لا يصدق البيان لمجرد احتمال نكتة فنية قد يلتفت إليها خبير آخر مثله لأنه قد فحص بالمقدار الّذي يكلفه الارتكاز العقلائي في باب تحصيل الخبرة ولم يصل إلى الحكم فلا يصدق انه قد بين له المولى ولم يفحص عنه فالنتيجة نفس ما تقدم.

واما الوجه الثالث فائضا كذلك لأن مدرك القرينية العرفية المحتملة ما ذكرناه في الارتكاز العقلائي ، وقد عرفت التفصيل فيه بين الناحيتين.

وأوضح منه الوجه الرابع الّذي كان يرجع إلى حكم العقل والعقلاء.

واما الوجه الخامس وهو دعوى ان الشبهة مصداقية لدليل البراءة مع احتمال وجود أمارة معتبرة في معرض الوصول فهي تجري بلحاظ احتمال وجود رواية في أي كتاب ولا تجري بلحاظ احتمال نكتة لدى خبير آخر تغير الدلالة لأن الظهور حجة ما لم يثبت خلافه سواء في ذلك الظهور النوعيّ أو الشخصي الكاشف عنه طالما يكون قد أعمل خبرته بالنحو المتعارف اللازم عقلائيا.

واما الوجه السادس هو العلم الإجمالي بالتكاليف أو الحجج الظاهرية في الشبهات فهذا لا يجري لا من حيث السند ولا الدلالة لانحلال العلم الإجمالي بالرجوع إلى الكتب المعدة لتجميع الروايات والأحاديث فلا يجب الفحص بلحاظ هذا الوجه من ناحية السند فضلا عن الدلالة.

واما الوجه السابع وهو الدلالة الالتزامية لدليل حجية خبر الثقة فقد عرفت انها

٤١٢

مبنية على حكم الارتكاز العقلائي المتقدم شرحه فلا يقتضي لزوم الفحص عن كل احتمال الا من ناحية السند ، ومثله الوجه الثامن.

واما الوجه التاسع وهو اخبار وجوب التعلم فمن حيث السند لا بأس بدلالتها على لزوم الفحص عن كل احتمال ، واما من ناحية الدلالة فتنصرف إلى الطريقة المتعارفة في الفحص والسؤال عند أهل الخبرة وقد عرفت ما هو اللازم فيها ، ومثلها الوجه العاشر أعني اخبار التوقف والإرجاء حتى يرى الإمام فيسأل عنه إن تم الاستدلال بها في نفسها.

وهكذا تحصل من مجموع تلك الوجوه ان المقدار اللازم هو البحث والاستقصاء إلى درجة حصول الاطمئنان بالعدم من ناحية احتمال وجود رواية أو مدرك للحكم ، واما من حيث الدلالة والظهور فلا بد من صرف وسعه الذاتي بلا حاجة إلى الرجوع إلى الأعلم لمجرد احتمال ان لديه نكتة ، إلا ان هذا انما يتم إذا لم يتولد لدى المجتهد المفضول علم إجمالي بأنه إذا راجع الأعلم في كافة الأبواب الفقهية حصل تغير في فتواه عادة فانه مع حصول مثل هذا العلم خصوصا إذا كان جامعا لشرائط التنجيز لا تجري البراءة فيجب الفحص عليه بالرجوع إلى ذلك الأعلم.

الثاني ـ كما لا تجري البراءة في الشبهات الحكمية قبل الفحص كذلك لا تجري سائر الأصول العملية كأصالة التخيير والطهارة والاستصحاب الترخيصي.

اما أصالة التخيير في موارد الدوران فلأنه حكم عقلي ولا يحكم به العقل الا بعد الفحص لأنه انما يحكم به بملاك العجز وعدم القدرة على الامتثال القطعي وقبل الفحص يحتمل القدرة على الامتثال الواقعي وهو منجز. وهذا البيان لا يختص بالدوران بين المحذورين في الشبهة الحكمية بل يتم في الشبهة الموضوعية أيضا فلا يقاس أصالة التخيير في الشبهة الموضوعية بالبراءة فيها.

واما أصالة الطهارة والاستصحاب الترخيصي فلا بد فيهما من الرجوع إلى الوجوه العشرة المانعة عن إطلاق أدلة الأصول فنقول.

اما الوجه الأول فهو مخصوص بالبراءة ولا يجري في الأصول الترخيصية الأخرى التي ليست بملاك البراءة العقلائية بل بملاكات أخرى قد تتطابق مع البراءة وقد تخالفها كما هو واضح.

٤١٣

واما الوجه الثاني ، فهو جار هنا أيضا فانَّ إطلاق البيان يشمل موارد وجوده قبل الفحص فتقع المعارضة بين إطلاق عقد المستثنى في الآية وإطلاق أدلة هذه الأصول.

وامّا الوجه الثالث ، وهو احتمال القرينة المتصلة البينة بلحاظ ظهور حال المعصومين في شدة اهتمامهم بإيصال الأحكام إلى المكلفين فهو أيضا يجري هنا ولا يفرق فيه بين البراءة وسائر الأصول الترخيصية.

والوجه الرابع كان راجعا إلى الوجه الأول ، وقد عرفت عدم جريانه هنا.

والوجه الخامس والسادس والسابع والثامن تجري هنا كما كانت تجري في حق أصالة البراءة لعدم الفرق من ناحيتها بين أصل ترخيصي وآخر.

واما الوجه التاسع والعاشر أعني اخبار التعلم والاحتياط فبالنسبة إلى أصالة الطهارة قد يقال بان هذه الاخبار لم ترد في خصوص مورد الطهارة الظاهرية كما هي واردة في مورد البراءة فشمولها لموارد الشك في الطهارة قبل الفحص يكون بالإطلاق فتكون النسبة بينها وبين دليل الطهارة في الشبهة قبل الفحص أو بعدها العموم من وجه.

إلاّ ان الصحيح تقدم هذه الاخبار امّا لحكومتها بالنظر إلى حكم الشبهة والشك على ما تقدم أو لإبائها عن التخصيص وقوة ظهورها في العموم.

وإن شئت قلت : انها تدل على عدم معذرية الجهل الناشئ عن عدم السؤال وهذا لا يفرق فيه بين مورد قاعدة الطهارة قبل الفحص أو البراءة على انه لو سلم التعارض والتساقط لا تثبت الطهارة الظاهرية أيضا بل يجب الاحتياط.

وامّا بالنسبة إلى الاستصحاب الترخيصي فقد يتوهم ان دليله رافع لموضوع هذه الاخبار بناء على مسالك جعل الطريقية والعلمية.

وفيه ـ بعد تسليم المبنى ـ وقد تقدم إبطاله في محله ـ ان اخبار التوقف كما تقدم تنفي العلمية والطريقية فتكون معارضة واخبار التعلم الغاية فيها التعلم والسؤال والفحص عن الحكم الواقعي للوصول إليه والاستصحاب ولو كان بلسان جعل الطريقية لا يكون إلاّ أصلا عمليا ولا يحقق صغرى العنوان الوارد في هذه الاخبار.

ولو أريد من رفع الموضوع الحكومة لا الورود ليكون المبنى أقل فسادا ورد عليه ما تقدم من نظر هذه الاخبار إلى حكم الشبهة قبل الفحص وإباء ألسنتها عن التخصيص

٤١٤

بل لزوم إلغاء مفادها تقريبا لو أريد إجراء الاستصحاب في الشبهات قبل الفحص.

الثالث ـ لا إشكال في استحقاق العقوبة إذا ترك الفحص واقتحم الشبهة وتورط في مخالفة الواقع ، إلاّ انه وقع البحث في ان العقاب هل يترتب على مخالفة الواقع أو على ترك الفحص الواجب أو على المجموع المركب منهما؟

ذكر المحقق النائيني ( قده ) ان العقاب لا يمكن ان يكون على الواقع لكونه غير مبين فيقبح العقاب عليه ومجرد الأمر بالفحص والسؤال لا يجعل غير المبين مبينا كما لا يمكن العقاب على مخالفة الأمر بالفحص والتعلق بما هي لأنه امر طريقي كما هو ظاهر جميع الأوامر المتعلقة بعناوين تكون دخيلة في التوصل إلى امتثال التكليف فانها تكون طريقية ومن أجل التوصل إلى حفظ الملاكات الواقعية وليست بملاكات نفسية مستقلة عن الواقع فلا يمكن أن يعاقب على تركها بما هي هي وانما العقاب على المجموع المركب من مخالفته ومخالفة الواقع أي على ترك التعلم والاحتياط بقيد ان يكون مؤديا إلى تفويت الواقع وهذا الترك الخاصّ بما هو منظور إليه بعين الخطاب الطريقي ترك للحكم الواصل فلا يكون العقاب عليه بلا بيان وبما هو منظور إليه بعين الخطاب النفسيّ يكون نفسيا فلا يرد الإشكال بعدم العقاب على مخالفة الخطابات الطريقية.

ويرد على هذا البيان :

أولا ـ انه ينسجم مع مبنى المحقق الأصفهاني ( قده ) القائل بجريان البراءة وقاعدة قبح العقاب قبل الفحص ، ولا ينسجم مع مبنى الميرزا ( قده ) والمشهور من عدم جريانها إلاّ بعد الفحص ، وكأنّه وقع خلط من هذه الناحية ، فان أدلة العقاب على ترك التعلم تنظر إلى الشبهة قبل الفحص لا بعده ولا تجري فيها قاعدة قبح العقاب بلا بيان عندهم امّا لمنجزية نفس الاحتمال وبيانيته قبل الفحص أو لبيانية الواقع المحتمل على تقدير وجوده في معرض الوصول.

وثانيا ـ انه مناف مع مبناه في إيجاب الفحص وهو الاستناد إلى العلم الإجمالي بوجود تكاليف في الجملة فيما بأيدينا من الكتب ، وقد ادعى عدم انحلال هذا العلم الإجمالي إلاّ بالفحص عنها جميعا ، فلو فرض جريان البراءة العقلية في الشبهة البدوية قبل الفحص فكيف يقال بها في موارد العلم الإجمالي.

وهذا هو الصحيح في المناقشة فيما إفادة ، لا ما قد يتراءى ويخطر في الذهن من ان ضم

٤١٥

ما يعاقب عليه إلى ما لا يعاقب عليه لا ينتج ما يعاقب عليه فان هذه ليس برهانا وقانونا ، بل لو سلمنا جريان البراءة في شبهة ـ كما في الشبهة البدوية بعد الفحص ـ فلا محالة على مثل مبنى الميرزا ( قده ) المنكر للعقاب على التجري يكون العقاب على المجموع المركب منهما أي مخالفة الواقع الواصل بالخطاب الطريقي لأن موضوع قبح العقاب بلا بيان هو عدم البيان على الواقع ابتداء أو بتوسط ما يحفظه ويبرز اهتمام المولى به وهو الخطاب الطريقي.

إلاّ ان كل هذا لا موجب له على مبنانا من إنكار القاعدة رأسا فيكون المكلف عاصيا لمخالفته تكليفا نفسيا للمولى إذا صادف مخالفة الواقع فيعاقب على معصيته كما يعاقب على تجريه إذا لم يصادفها.

الرابع ـ بعد البناء على ان العقاب على المخالفة قبل الفحص يكون بلحاظ الواقع يقع البحث في انه هل يثبت العقوبة ثابتة على الواقع في خصوص فرض وجود أمارة على طبقه لو فحص لظفر بها أو تثبت العقوبة عليه مطلقا؟.

ذكر الميرزا ( قده ) انه إذا كان الوجه في تنجيز الواقع ووجوب الفحص العلم الإجمالي بالتكاليف فالعقوبة ثابتة على الواقع مطلقا ، وإن كان الوجه في التنجيز أدلة وجوب التعلم والفحص شرعا كحكم طريقي فهذا ينجز الواقع بتوسط الأمارة لأنه يدل على لزوم الفحص عن الأمارة والاحتياط بلحاظها فلو لم تكن أمارة في البين فالحكم الطريقي بالفحص لم يصادف واقعه ومحتواه.

والتحقيق ان يقال : ان تنجيز الواقع تارة يكون بملاك العلم الإجمالي ، وأخرى بملاك حكم العقل بمنجزية الاحتمال قبل الفحص ، وثالثة بملاك الحكم الشرعي الطريقي بوجوب الاحتياط والفحص.

فعلى الفرض الأول يتعين بناء على مبنى المحقق النائيني ( قده ) إنكار العقاب على الواقع لو لم يكن في البين أمارة ، لأن المفروض عنده انحلال العلم الإجمالي الكبير بالعلم ضمن ما بأيدينا من الأمارات ، فاحتمال ثبوت الواقع في نفسه ليس بمنجز بعد انحلال العلم الإجمالي الكبير بالصغير ، واحتمال ثبوت الواقع الّذي دلت عليه الأمارة غير مطابق للواقع بحسب الفرض فعلى ما ذا يكون العقاب؟ نعم يمكن معاقبته بملاك التجري عند من يقول به لا عند الميرزا المنكر له.

٤١٦

وامّا على الفرض الثاني فان أنكرنا القاعدة كبرويا ـ كما هو الصحيح ـ كان معناه ثبوت حق الطاعة في موارد احتمال التكليف فيكون العقاب مطلقا لا محالة ، وإن قبلناها كبرويا وقلنا بعدم جريانها قبل الفحص بالخصوص لتمامية البيان ، فان أريد بالبيان منجزية نفس الاحتمال وثبوت حق الطاعة للمولى قبل الفحص فالعقاب مطلق أيضا ، وإن أريد بالبيان الأمارة التي تكون في معرض الوصول بحيث يكون عدم جريان القاعدة من باب الشبهة المصداقية له كان العقاب منوطا بوجود الأمارة في معرض الوصول فلا يعاقب عقاب معصية على تقدير عدم وجودها ، وامّا عقاب التجري فلو قيل به هنا فليس بالملاك المتقدم في بحث التجري والّذي هو ملاك مشترك بين العصيان والتجري لأن المفروض عند هذا القائل انه يريد بالبيان واقع البيان لا الوصول ولهذا كانت شبهة مصداقية للقاعدة فلا بد إذا أريد القول بالعقاب على مثل هذا التجري ان يدعى كون عمله ظلما أيضا ولو بدرجة أخف أي ان للمولى عليه حق ان لا يرتكب ما يحتمل كونه ظلما له ، أو ان يقال بان العقل يحكم بان للمولى على عبده حقا آخر غير حق الطاعة وهو حق الجامع بين الاحتياط والفحص فعند ترك المكلف لهذا الحق يستحق العقاب أيضا.

وعلى الفرض الثالث إن قلنا بان إيجاب الاحتياط والفحص تنجيز للواقع ابتداء فالعقاب ثابت على مخالفته مطلقا ، وإن قلنا انه تنجيز للأمارات الموجودة في معرض الوصول فالعقاب يثبت في خصوص فرض وجود الأمارة في معرض الوصول إلاّ انه لا وجه لذلك فان هذا الحكم وإن كان في طول حجية الأمارات بمعنى انه على تقدير عدم حجيتها لا يجب الفحص عنها ، إلاّ ان الأحكام الظاهرية كلها تنجز الواقع وتكون بملاكه سواء كانت عرضية من حيث موضوعها أم طولية لأنها جميعا تجعل من أجل التحفظ على الملاكات الواقعية النفسيّة كما تقدم في توضيح وشرح حقيقة الحكم الظاهري ونسبته إلى الحكم الواقعي فلا طولية بين ملاكاتها إذ لا ملاكات مستقلة لها وانما الطولية فقط بلحاظ ظروف ومراتب التزاحم الحفظي بين الملاكات الواقعية الإلزامية والترخيصية فانه تارة يكون الشك في الحكم الإلزامي الواقعي في نفسه وأخرى يكون من ناحية الشك في حجية الخبر الدال على الإلزام في ذلك المورد وهكذا. وقد يجعل في المرتبة الأولى من التزاحم حكما ظاهريا مغايرا مع المجعول في

٤١٧

المرتبة الثانية مع ان الأحكام الظاهرية جميعا بملاك واحد وهو حفظ الأهم من الملاكين المتزاحمين في مقام الحفظ. وعليه فالأحكام الظاهرية كلها تنجز الواقع ابتداء في مرتبتها لكونها من أجل حفظ الواقع ، فوجوب الاحتياط والفحص في المقام ينجز ابتداء الواقع قبل الفحص بدون توسيط الأمارة فتكون العقوبة ثابتة مطلقا.

الخامس ـ هناك بعض الموارد التي قد يخفى فيها تنجز الواقع قبل الفحص :

منها ـ ما إذا كان المكلف غافلا رأسا عن احتمال وجود تكليف في المورد مع كونه ملتفتا إجمالا إلى وجود تكاليف في الشريعة فيترك الفحص ، فانه قد يتصور عدم التنجيز للتكليف الّذي هو غافل عنه فعلا لاشتراط الوصول ولو الاحتمالي في تنجز التكليف.

الا ان الصحيح كفاية الالتفات الإجمالي لتنجز التكاليف من ناحية الفحص والتعلم ثبوتا كما ان كافة الوجوه المتقدمة للتنجيز إثباتا جارية في المقام مع الالتفات الإجمالي.

ومنها ـ ما إذا كان في الوقت متسع فترك الفحص في أول الوقت وحصلت له الغفلة في آخره ، فقد يتصور انه لا عقاب لجواز التأخير له في أول الوقت وارتفاع شرط التكليف في آخره.

ولكن الصحيح ثبوته أيضا إذا لم يكن جازما في أول الوقت بأنه سوف لن يغفل في آخره أو غافلا عنه ، إذ يكفي احتمال التفويت بالتأخير وترك التعلم في التنجز ثبوتا وإثباتا.

ومنها ـ ما إذا كان الواجب مضيقا ولم يكن يمكن التعلم في الوقت ، فيقال بعدم التنجز لا قبل الوقت لعدم الوجوب ولا داخل الوقت لعدم التمكن من التعلم مع فرض توقف القدرة على الامتثال على التعلم لا توقف الموافقة القطعية عليه ، إذ على الثاني يثبت فعلية التكليف في الوقت واقعا وهو يوجب الاحتياط عقلا ولو بتعلمه قبل الوقت لتحصيل الفراغ اليقيني ، فالإشكال له صورة فنية في مورد توقف الامتثال عقلا على التعلم كما في مثل العبادات. وهذا البحث بحسب الحقيقة داخل ضمن بحوث المقدمات المفوتة وكيفية وجوبها عقلا قبل وقت الواجب.

وحلّ الإشكال قد يكون بإنكار الصغرى وإرجاع الواجبات المشروطة جميعا إلى

٤١٨

واجبات معلقة تجب من أول زمان البلوغ مع التعليق في الفعل المتعلق به وهذا ما احتمله صاحب الكفاية ( قده ) تبريرا لا يجاب تعلم أحكامها من أول البلوغ وأشكل عليه المحقق العراقي ( قده ) بان لازم القول بوجوب الواجبات من أول البلوغ هو الالتزام بالترتب لأن صوم شهر رمضان مثلا واجب من أول البلوغ وقضاؤه على تقدير تركه واجب كذلك مع ان قضاؤه والتكفير عن تركه يستحيل ان يجتمع مع صوم رمضان فان الأمر بهما من الأمر بالضدين.

والواقع ان البحث عن إمكان الواجب المعلق ثبوتا تقدم مفصلا في بحوث الواجب المطلق والواجب المشروط ، والاعتراض المذكور أيضا غير وارد على صاحب الكفاية ، لأن الواجب إن كان ذات الصوم بعد شهر رمضان أو الإطعام ستين مسكينا على من أفطر في شهر رمضان فهذا ليس مضادا مع صوم شهر رمضان ، نعم لا يقعان معا على صفة الوجوب وليس هذا من التزاحم ، وإن استظهر ان الواجب عنوان التدارك الّذي لا يجتمع مع وقوع صوم شهر رمضان فالتضاد بين متعلقي الوجوبين وإن كان تاما الا ان الأمر بالتدارك مشروط بترك الصوم في الزمان الأول والأمر بشيء لا يقتضي ترشح الوجوب الغيري نحو مقدمات وجوبه ، وهذا الوجوب وإن كان فعليا من أول البلوغ بنحو الواجب المعلق أيضا إلاّ انه لا بد وان يفرض أنه من ناحية هذا الشرط لا اقتضاء له ولا فاعلية فلا يقع تطارد بين فاعلية الأمرين في زمان واحد الّذي هو المحذور في الترتب عند صاحب الكفاية وهذا واضح.

وامّا كيفية إثبات ان الواجبات كلها من الواجب المعلق تبريرا لوجوب تعلمها من أول الأمر مع ان ظاهر أدلتها ان القيود ترجع إلى مدلول الهيئة والوجوب لا المادة بنحو الواجب المعلق فهذا يتوقف على ان ينحصر وجه إيجاب الواجبات التي لا يمكن إتيانها حين إيجابها الا بالتعلم قبل وقتها في كونها بنحو الواجب المعلق بعد ضم دلالة اخبار التعلم على تنجزها والمعاقبة على تركها الناشئ من ترك التعلم ولو قبل الوقت الموجب للعجز عنه وافتراض ان هذا الإطلاق في اخبار التعلم آب عن التخصيص ـ كما لا يبعد ذلك على ما تقدم ـ وإلاّ كان معارضا مع ظاهر أدلة الاشتراط الدال على رجوع القيد إلى الوجوب لا الواجب.

وأخرى يحل الإشكال بمنع الكبرى وان المقدمات المفوتة يمكن ان تكون واجبة

٤١٩

قبل وقت إيجاب الفعل ، وامّا باعتبار فعلية ملاك الواجب وكون القدرة غير دخيلة فيه فيحكم العقل بقبح تفويته ولو من جهة ترك مقدماته المفوتة قبل الوقت طالما كان يمكن تحصيله للمولى ، أو بدعوى ان وجوب التعلم وجوب نفسي للتهيؤ والاستعداد وهذا أيضا لبّا من نتائج فعلية ملاك الواجب وعدم دخل القدرة فيه ، وتفصيله ثبوتا قد مر في بحوث المقدمات المفوتة ، وامّا استفادته إثباتا ففعلية الملاك وإن لم يكن يمكن استكشافها عادة من الخطابات الأولية لسقوط دلالتها الالتزامية على الملاك في موارد العجز بعد سقوط دلالتها المطابقية خلافا لما ذهب إليه المحقق العراقي ( قده ) وعدم تمامية مبنى إطلاق المادة بلحاظ محمولها الثاني خلافا لما ذهب إليه المحقق النائيني ( قده ) ، إلاّ انه يمكن إثبات ذلك بإطلاق اخبار التعلم بعد ان كانت مطلقة شاملة لكل واجب حتى إذا كان امتثاله متوقفا على التعلم ولا يكون هذا الإطلاق مخالفا مع ظهور أدلة الواجبات المشروطة في رجوع القيد فيها إلى مدلول الهيئة لا المادة على هذا المبنى في حل الإشكال كما لا يخفى.

ومنها ـ موارد الحكم بصحة الصلاة تماما أو إخفاتا في مورد القصر والجهر مما يكون عمل الجاهل فيه صحيحا رغم كونه عاصيا في ارتكاب المخالفة إذا كان مقصرا في ترك التعلم على ما هو المشهور ، فانه قد يقع فيه الإشكال من ناحية كيفية الجمع بين صحة ما أتى به وبين ترتب العقوبة على ترك الصلاة الأخرى. وقد حاول المحققون تصوير ذلك بأحد أنحاء.

النحو الأول ـ ما في الكفاية من فرض مصلحة إلزامية في الجامع ومصلحة أخرى إلزامية زائدة في الصلاة الأخرى تفوت بالصلاة التي جاء بها المكلف بحيث لا يمكن استيفاؤها بعد ذلك نظير سقي الأرض بماء مالح لا يمكن بعده استيفاء السقي ولو بماء حلو ، فيقع التمام صحيحا من ناحية كونه محققا للجامع المأمور به وما فيه من المصلحة اللزومية وفي نفس الوقت يكون المكلف عاصيا لتفويته المصلحة الملزمة الأخرى. ثم أشكل على نفسه بلزوم صحة الإتيان بالتمام في حال العلم أيضا لتحقق الجامع به مع ان الفتوى ببطلانه ، فأجاب بان الجامع الواجد للمصلحة هو الجامع بين القصر والتمام المقيد بحال الجهل لا مطلقا.

واعترض على هذا التصوير من قبل المعلقين على الكفاية بما يلي :

٤٢٠