بحوث في علم الأصول - ج ٥

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

الأكبر ، وهي ان المستفاد من أدلة الوضوء كقوله تعالى ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ... ) (١). المفسر بالقيام من النوم ان المحدث بالأصغر إذا لم يكن جنبا ـ بمقتضى التخصيص في الآية الأخرى ـ كان طهوره الوضوء ، وهذا الموضوع المركب جزئه يحرز بالوجدان وهو كونه محدثا بالأصغر ويحرز جزئه الآخر وهو عدم كونه جنبا بالاستصحاب فيتنقح موضوع مطهرية الوضوء بالنسبة إليه ، وأين هذا من محل كلامنا؟

والتحقيق في المنع عن جريان استصحاب جامع الوجوب المردد بين الأقل والأكثر ان يقال : لو أريد باستصحاب جامع الوجوب إثبات وجوب العشرة لأن ذلك هو لازم بقائه فهذا من الأصل المثبت لكون الملازمة عقلية ، وان أريد به الاقتصار على إثبات جامع الوجوب فهذا لا أثر له ، لأنه لا يزيد على العلم الوجداني بهذا الجامع وقد فرغنا عن ان العلم به لا ينجز سوى الأقل ، والأقل حاصل بحسب الفرض.

هذا مضافا إلى عدم صحة الأصل الموضوعي المبني عليه هذا الاستصحاب ، حيث انه مبتن على تصور سقوط الوجوب بالامتثال مع انك عرفت غير مرة ان الّذي يسقط فاعلية الوجوب لا فعلية (٢) ، هذا كله في الاستصحاب المثبت للاحتياط.

واما تقريب الاستصحاب المثبت للبراءة فباستصحاب عدم وجوب الزائد الثابت قبل دخول الوقت أو عدم جعل وجوبه الثابت في صدر التشريع.

وأورد عليه في الدراسات بأنه معارض باستصحاب عدم الوجوب الاستقلالي للأقل بحده ، وانما لم نقل بالمعارضة فيما سبق بين البراءة عن وجوب الأكثر مع البراءة عن وجوب الأقل بحده باعتبار ان البراءة انما تجري عن الإلزام بخلاف الاستصحاب فانه كما يجري عن الإلزام يجري عن الترخيص ، ووجوب الأقل بحده أعني الإطلاق أمر ترخيصي لا إلزاميّ.

ويرد عليه : ان استصحاب عدم الوجوب الاستقلالي للأقل لا يجري لأنه لا أثر له ،

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) هذا الإيراد غير متجه باعتبار انه لا إشكال في صحة جريان استصحاب بقاء التكليف عند الشك في سقوطه بالامتثال أو غيره سواء صغناه بعنوان استصحاب بقاء فعلية الوجوب أو فاعليته ، بل سوف يأتي في بحث الاستصحاب عدم اشتراط إجراء الاستصحاب في الحكم أو موضوعه بل يجري في كل ما يقبل التنجيز والتعذير.

٣٦١

إذ لو أريد به إثبات وجوب الزائد بالملازمة فهو من الأصل المثبت ، وان أريد به التأمين في حالة ترك الأقل فهو غير صحيح لأن فرض ترك الأقل هو فرض المخالفة القطعية ، ولا يصح التأمين بالأصل العملي الا عن المخالفة الاحتمالية لا القطعية كما أشرنا مرارا (١).

وهكذا يتضح ان الاستصحاب المثبت للبراءة تام الأركان ، والاستصحاب المثبت للاحتياط غير جار في نفسه.

٢ ـ الأقل والأكثر في المحرمات :

قد يعلم بحرمة شيء مردد بين الأقل والأكثر كما إذا علم بحرمة تصوير رأس الحيوان أو تصوير كامل حجمه. وقد أفاد المحقق النائيني ( قده ) ان دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين في المحرمات حاله حال الدوران بينهما في الواجبات.

ولكن الصحيح ان حال هذا الدوران في باب الحرام يختلف عنه في باب الواجب من بعض الجهات ، نشير إلى جملة منها :

الأولى : ان وجوب الأكثر كان هو الأشد مئونة هناك واما هنا فحرمة الأكثر هي الأخف مئونة ، إذ يكفي في امتثالها ترك أي جزء ، فحرمة الأكثر في باب الحرام تناظر وجوب الأقل في باب الواجب من حيث كونه متيقنا على كل حال.

الثانية : ذكر المحقق العراقي ( قده ) ان جريان البراءة هنا أولى من جريانها في الشبهة الوجوبية لأن بعض وجوه المنع عن جريانها في جانب الوجوب لو تم هناك لا يجري هنا ، وذلك الوجه ما ذكره صاحب الفصول ( قده ) من ان وجوب الأقل متيقن على كل حال اما ضمنا أو استقلالا والشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني وذلك لا يكون الا بالأكثر إذ بالأقل لا يقطع بالفراغ وسقوط التكليف. وهذا الوجه لا يتم هنا لأن المتيقن حرمته هو الأكثر ويقطع بتحقق تركه بترك جزء منه فما هو متيقن الحرمة

__________________

(١) هذا لو أريد استصحاب عدم جعل الوجوب الاستقلالي للأكثر ، واما إذا أريد إجراء الاستصحاب العدمي في وجوب الزائد لا بمعنى إجرائه في اللحاظ ليقال بأنه بما هو لحاظ لا أثر له وليس موضوعا لحكم العقل بل في الوجوب بما هو موضوع للدخول في العهدة فانه بهذا النّظر يرى هناك وجوبات متيقنة للأقل ويشك في تقييدها بوجوب جزء زائد فينفي بالاستصحاب ، ولا يعارض باستصحاب عدم وجوب الأقل بحده لأن وجوب الأقل في هذا العالم معلوم لا شك فيه.

٣٦٢

وهو تصوير كامل حجم الحيوان متروك حتما وما لم يترك وهو تصوير بعض منه مشكوك الحرمة من أول الأمر.

وقد يناقش في ذلك بان الأقل في المقام أيضا معلوم الحرمة اما استقلالا أو ضمنا ولا يعلم بامتثاله وعدم عصيانه الا بتركه رأسا ، نعم الأشد مئونة والأكثر زحمة في جانب الوجوب كان هو الوجوب الضمني للأقل دون الاستقلالي بينما هنا الأمر بالعكس فالأشد مئونة الحرمة الاستقلالية للأقل لا الضمنية كما أشرنا ، وعليه فبرهان صاحب الفصول يمكن إجرائه هنا أيضا بان الأقل معلوم الحرمة اما ضمنا أو استقلالا فالشغل به يقيني ولا بد من الفراغ عنه ولا يكون الا بترك الأقل.

الا ان التحقيق عدم صحة هذه المناقشة ، وتمامية ما يقوله المحقق العراقي ( قده ) وذلك :

أولا ـ لما تقدم في بحوث اجتماع الأمر والنهي انه لا معنى للحرمة الضمنية وان قياس الحرام بالواجب في ذلك مغالطة.

وثانيا ـ لو تصورنا معنى معقولا للحرمة الضمنية فلا إشكال في ان الّذي تشتغل به الذّمّة ويتنجز بحكم العقل انما هو الحرمة الاستقلالية لا الضمنية بخلاف باب الوجوب ، وعليه فقانون ان الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني لا يمكن تطبيقه في المقام على الحرمة الضمنية كما كان يمكن تطبيقه على الوجوب الضمني.

الثالثة ـ ان جريان البراءة بين الأقل والأكثر في الحرام يكون من الانحلال الحكمي كجريانها في الدوران بين التعيين والتخيير لا الانحلال الحقيقي ، لأن حرمة الأكثر تعني ان متعلق الحرمة مجموع الاجزاء الّذي يكون في قوة وجوب ترك أحد الاجزاء تخييرا وحرمة الأقل تعني ان متعلق الحرمة هو الجامع بين الاجزاء الّذي يكون في قوة وجوب ترك هذا الجزء بالذات وذاك الجزء بالذات ، وهذا دوران لمتعلق التكليف بين عنوانين أحدهما جامع والآخر حصة وفرد ، وهذا من الدوران بين التعيين والتخيير والّذي لا انحلال حقيقي فيه وانما الانحلال حكمي وعلى أساس ان البراءة عن حرمة الأقل لا تعارض بالبراءة عن الأكثر لأن فعل المجموع يعلم بحرمته على كل حال فيكون مخالفة قطعية لا يمكن الترخيص فيها.

٣٦٣

٣ ـ الدوران بين الجزئية والمانعية :

إذا تردد الا بشيء بين كونه جزء من الواجب أو مانعا عنه فمرجع ذلك إلى العلم الإجمالي بوجوب زائد متعلق اما بالتقيد بوجود ذلك الشيء أو بالتقيد بعدمه ، وفي مثل ذلك يكون هذا العلم الإجمالي منجزا وتتعارض أصالة البراءة عن الجزئية مع أصالة البراءة عن المانعية فيجب على المكلف الاحتياط بتكرار العمل مرة مع الإتيان بذلك الشيء ومرة بدونه.

وقد يقال : ان العلم الإجمالي المذكور غير منجز ولا يمنع عن جريان البراءتين معا بناء على بعض صيغ الركن الرابع لتنجيز العلم الإجمالي ، وهي الصيغة القائلة بان تعارض الأصول مرهون بأداء جريانها إلى الترخيص عمليا في المخالفة القطعية ، فان جريان الأصول في المقام لا يمكن ان يؤدي إلى المخالفة القطعية العملية لأن المكلف اما ان يأتي بذلك المشكوك أو يتركه وعلى كل من التقديرين تكون المخالفة احتمالية. نعم قد تحصل المخالفة القطعية بترك الصلاة رأسا الا ان هذا مما لا اذن فيه من قبل الأصلين لأنها مخالفة قطعية على كل حال من ناحية سائر الاجزاء المعلومة الوجوب ، فما يثبت بالأصلين من الترخيصين لا يمكن ان يؤدي إلى المخالفة القطعية العملية.

ولكن قد عرفت عدم صحة تلك الصياغة ، مضافا إلى ان المخالفة العملية تصبح ممكنة إذا فرض ان الجزئية أو المانعية كانت قربية فانه يمكن للمكلف ان يأتي بالفعل أو الترك على وجه غير قربي فيكون مخالفا للمعلوم بالإجمال على كل تقدير ويكون جريان الأصلين معا مؤديا إلى الاذن في ذلك فيتعارض الأصلان ويتساقطان.

وبهذا يعرف بطلان ما يظهر من عبائر الشيخ الأعظم ( قده ) من جريان الأصل عن المانعية والشرطية معا لكون الدوران بين المحذورين ولا يمكن مخالفتهما القطعية.

ثم ان السيد الأستاذ قد نقض عليه بموارد الدوران بين القصر والتمام الّذي أفتى فيه بالاحتياط مع انها بالدقة داخلة في مسألتنا فان المكلف بعد التشهد يدور امره بين ان يجب عليه‌السلام أو لا فتكون زيادة مانعة.

أقول : هذا النقض يوجد فرق ظاهري بينه وبين المقام ، ذلك لأن المكلف هنا يعلم إجمالا اما بوجوب السلام عليه أو وجوب تركه الا ان الواجب ليس مطلق تركه

٣٦٤

بل الترك الخاصّ وهو تركه مع تعقب ذلك بالركعتين الأخيرتين فيمكنه ان يتركه من دون الإتيان بركعتين فيكون قد خالف علمه الإجمالي لا التفصيليّ ، وهذا بخلاف المقام إذا ترك الصلاة رأسا فانه مخالفة لعلم تفصيلي. نعم هذا الفرق صوري لأنه يقطع بان ما جاء به من الواجبات الضمنية المعلومة ليس محققا لغرض المولى لأنه يعلم بأنها اما لا بد وان يكون بعدها السلام أو الركعتان وقد تركهما معا سواء كان الواجب تعبديا أو توصليا فهو يعتبر عاصيا تفصيلا لما اشتغلت الذّمّة به لأن مجرد الإتيان بعمل مع القطع بأنه لا يسقط التكليف المعلوم تفصيلا لا يكون امتثالا ولا مخرجا عن عهدة التكليف المعلوم.

٤ ـ الشبهة الموضوعية للأقل والأكثر :

كما يمكن افتراض الشبهة الحكمية للدوران بين الأقل والأكثر كذلك يمكن افتراض الشبهة موضوعية بان يكون مرد الشك إلى الجهل بالحالات الخارجية لا الجعل ، كما إذا علم المكلف بان ما لا يؤكل لحمه مانع في الصلاة وشك في ان هذا اللباس هل هو مما يؤكل لحمه أو لا فتجري البراءة عن مانعيته أو عن تقيد الصلاة بعدمه.

وأفاد المحقق النائيني ( قده ) ان الشبهة الموضوعية للواجب الضمني انما يمكن تصويرها إذا كان لهذا الواجب تعلق بموضوع خارجي أي له متعلق المتعلق ويشك فيه خارجا ، واما إذا لم يكن له موضوع خارجي كما في القراءة الواجبة مثلا فلا يعقل تصوير الشبهة الموضوعية فيه.

والتحقيق : إمكان تصويرها في غير ذلك أيضا ، وذلك بلحاظ حالات المكلف نفسه كما إذا فرضنا ان السورة كانت واجبة على غير المريض في الصلاة وشك المكلف في مرضه ، فان هذا يعني الشك في جزئية السورة مع انها واجب ضمني لا تعلق له بموضوع خارجي ، والحكم هو البراءة (١).

__________________

(١) لعل مقصود الميرزا ( قده ) تطبيق ما تقدم منه في بحث جريان البراءة في الشبهة الموضوعية من عدم تعقل الشك بنحو الشبهة الموضوعية من ناحية متعلق الحكم بل لا بد وان يكون منشأ الشك اشتباه متعلق المتعلق أو قيود الحكم فلا يرد عليه الاعتراض المذكور كما لا يخفى.

٣٦٥

٥ ـ الدوران بين الأقل والأكثر في المحصل الشرعي :

بعد الفراغ عن ان الأصل في مورد الشك في التكليف غير المعلوم بعلم جامع لشرائط التنجيز يكون مجرى للبراءة ، وان الأصل عند الشك في الفراغ اليقيني ـ أو فاعلية التكليف ـ بعد الفراغ عن فعليته واشتغال الذّمّة به مجرى للاحتياط. وقع البحث في جريان البراءة أو الاحتياط في دوران المحصل الشرعي بين الأقل والأكثر ، والمراد بالمحصل الشرعي ما إذا كان المسبب امرا مجعولا شرعا ومترتبا على السبب الخارجي فشك في ذلك السبب كما إذا شك في ان الطهارة بناء على كونها حكما شرعيا لا امرا تكوينيا هل تترتب على الغسل مرة أو مرتين. والحق بذلك ما إذا كان المسبب تكوينيا الا ان سببه مما لا يتعين بفهم العرف بل يكشف عنه الشارع كما إذا افترضنا الطهارة حالة نورانية تكوينية كشف عنها الشارع.

وقد نسب إلى السيد الشيرازي الكبير ( قده ) القول بجريان البراءة ، وذهب المحقق النائيني ( قده ) إلى انه لا فرق في لزوم الاحتياط بين الشك في المحصل الشرعي وغيره وأثبت ذلك بوجوه ثلاثة تتضح بعد تقديم مقدمة حاصلها : ان جريان البراءة تتوقف على تمامية أركان ثلاثة :

الأول ـ الشك.

الثاني ـ كون المشكوك من المجعولات الشرعية بحيث يكون امر وضعه أو رفعه بيد الشارع.

الثالث ـ ان يكون في الرفع توسعة ومنة على المكلف.

وعلى ضوء ذلك يقال : بأنه لا معنى لجريان البراءة عند الشك في حصول الطهارة الواجبة في الصلاة مثلا بغسلة واحدة أو غسلتين ، وذلك لوجوه ثلاثة :

الوجه الأول ـ ان البراءة إذا أريد إجرائها عن أصل وجوب الطهارة في الصلاة فهو غير مشكوك فيه بل معلوم ، وإذا أريد إجرائها عن سببية الأكثر أي الغسلتين لها فهي أيضا معلومة إذ يعلم بحصولها بذلك. وإذا أريد إجرائها عن سببية الأقل أي الغسلة الواحدة لها فرفع ذلك بالبراءة يعني التضييق على المكلف ولزوم إتيانه بالأكثر وعدم الاقتصار على غسلة واحدة.

٣٦٦

وفيه : انا إذا قطعنا النّظر عما سوف يأتي أمكن ان يقال في المقام بجريان البراءة عن سببية الأكثر فانها غير معلومة وانما المعلوم حصول الطهارة عند حصول الأكثر الا ان ذلك غير سببية الأكثر بما هو أكثر كما هو واضح.

والوجه الثاني ـ ان السببية أو جزئية الزائد للسبب وغير ذلك من الأمور كلها أمور وضعية انتزاعية وليست مجعولة للشارع ، فالركن الثاني لجريان البراءة منتف.

وفيه : أولا ـ هذا خلاف مسلكه المتقدم في أصل هذا البحث ، حيث أجرى البراءة عن الجزئية والمانعية بدعوى انها وان لم تكن مجعولة بالأصالة الا انها مجعولة بتبع جعل منشئها فيكون امر رفعها ووضعها بيد الشارع أيضا.

وثانيا ـ ان أصل شرطية هذا الركن في جريان البراءة غير صحيح ، لأن البراءة ليس رفعا واقعيا بل ظاهريا بمعنى رفع إيجاب الاحتياط فلا بد وان يكون ما يجري عنه البراءة قابلا لا يجاب الشارع للاحتياط تجاهه عند الشك فيه أي يكون قابلا للتنجيز ، ولهذا قلنا في البراءة عن الجزئية بأنها وان كانت قابلة للرفع والوضع من قبل الشارع ولكنها لا تجري البراءة عنها لأن الجزئية ليست منشأ للتنجز وإيجاب الاحتياط ، فالميزان ملاحظة ذلك سواء كان الموجود الواقعي للمشكوك قابلا للرفع الشرعي واقعا أم لا فسببية الأكثر في المقام ولو فرضت امرا غير قابل للرفع الشرعي إذا كان يعقل إيجاب الشارع للاحتياط تجاهها أي مما تدخل في العهدة وتتنجز جرت البراءة عنها.

والتحقيق ان يقال : ان المحصل إذا كان عرفيا فنفس عرفيته قرينة على ان المولى لم يتكفل بإيجاب السبب وإدخاله في العهدة بل أوكل ذلك إلى المكلف وادخل المسبب في عهدته كما إذا قال ( اقتل المشرك ) فيجب الاحتياط عند الشك في محصله ، واما إذا لم يكن عرفيا اما لكون المسبب شرعيا أو لإبهامه وغموضه فنفس عدم عرفيته قرينة عامة على ان المولى هو الّذي تكفل بيان السبب وتحديده فيكون مقدار اهتمام المولى بغرضه بمقدار بيانه للسبب ، وفي مثل ذلك الّذي يجب بحسب الحقيقة ويدخل في عهدة المكلف ليس هو ذلك الغرض والمسبب المجهول بل المقدار المبين من السبب فإذا شك في بيان المولى لدخالة الزائد في السبب كان مجرى للبراءة لا عن السببية بل عن مقدار ما يهتم به المولى ويدخله في عهدة المكلف وهو السبب.

٣٦٧

وبالجملة المجعول الإنشائي للمولى وان فرض هو إيجاب الغرض كما لو قال طهر ثوبك للصلاة مثلا وبيان سببية الغسلة الثانية للطهارة ليس امرا مجعولا وموضوعا بالوضع الشرعي ولكن حيث ان القرينة العامة في باب المحصلات الشرعية تصرف ظهور اللفظ عن لزوم تحصيل الغرض كائنا ما كان إلى ما ذكرناه يصبح السبب هو الّذي يتنجز بمقدار تبيانه شرعا فهو الواجب بحسب الدقة والداخل في عهدة المكلف ويكون قابلا لإيجاب الاحتياط تجاهه فتجري البراءة عنه عند الشك في دخالة الزائد فيه كما تجري البراءة عن وجوب الجزء الزائد المحتمل دخله في الغرض الأقصى.

وعلى هذا الأساس تجري البراءة عن شرطية شيء أو مانعيته في الوضوء السبب للطهور. هذا إذا لم نقل بان الطهور بنفسه اعتبار شرعي منطبق على نفس الأفعال الخارجية والا فجريان الأصل فيه واضح على ما حققناه مفصلا في علم الفقه.

الوجه الثالث ـ ان البراءة لو جرت عن سببية الأكثر فهي لا تثبت سببية الأقل للطهارة والمفروض تقيد الواجب واشتغال الذّمّة بها للزوم تحصيلها في الصلاة فيجب الاحتياط.

وفيه ـ ما اتضح من الجواب على الوجه السابق من ان الّذي يتنجز ويدخل في العهدة ليس هو المسبب مطلقا بما هو بل بالمقدار المبين من سببه من قبل الشارع.

٦ ـ الشك في إطلاق دخالة القيد :

إذا شك في إطلاق دخالة جزء أو شرط في الواجب الارتباطي بان علم دخالته في حال الصحة وشك في دخالته في حال المرض مثلا ، فهذا مرجعه بحسب الحقيقة إلى دوران الواجب بين الأقل والأكثر بلحاظ حالة الشك ، فإذا لم يكن لدليل الجزئية أو الشرطية إطلاق لها وانتهى الموقف إلى الأصل العملي جرت البراءة عن وجوب الزائد في هذه الحالة. وهذا على العموم واضح لا غبار عليه. ولكن قد وقع الإشكال في حالتين من هذه الحالات ، إحداهما حالة الشك في إطلاق الجزئية أو الشرطية لصورة نسيان الجزء أو الشرط ، والأخرى حالة الشك في إطلاقهما لحالة تعذره. فالبحث في مقامين :

٣٦٨

١ ـ الشك في إطلاق القيد لحالة النسيان :

المقام الأول ـ إذا نسي المكلف جزء من الواجب الارتباطي ثم التفت إلى نقصان ما أتى به فتارة يبحث عن مقتضى الأصل العملي ، وأخرى عن مقتضى الأصل اللفظي.

اما البحث عن مقتضى الأصل العملي فقد يتصور ان المقام من موارد الدوران بين الأقل والأكثر حيث لا يعلم بان الناسي مكلف بالجامع بين التمام والناقص عند النسيان أو انه مكلف بالتمام بالخصوص وهو من الدوران بين الأقل والأكثر ـ التعيين والتخيير ـ.

ولكن الشيخ الأعظم أثار في المقام إشكالا استعصى حله على المحققين وحاصله : ان الناسي لا يمكن تكليفه لا بالأكثر لكونه ناسيا ولا بالأقل لأن الناسي لا يرى نفسه ناسيا فلو جعل خطاب مخصوص بالناسي فلا يمكن ان يصل إليه الا إذا التفت إلى كونه ناسيا فيخرج عن كونه ناسيا. وعليه يكون الشك بحسب الحقيقة في سقوط الواجب بالأقل وهو مجرى الاحتياط لا البراءة.

ولتحقيق حال هذه الشبهة وكلمات الأصحاب حولها لا بد من تفصيل الحديث في جهتين :

الجهة الأولى ـ في إمكان تكليف الناسي بالأقل ، والصحيح إمكانه بأحد نحوين :

الأول : ان يكون التكليف بالجامع بين الصلاة الناقصة المقرونة بالنسيان والصلاة التامة وهو التكليف موجه إلى طبيعي المكلف فلا يلزم منه عدم إمكان وصوله إلى الناسي لأن موضوعه كل مكلف غاية الأمر ان الناسي يرى نفسه متذكرا دائما وآتيا بأفضل الحصتين من هذا الجامع مع انه انما تقع منه أقلهما قيمة ولا محذور في ذلك بل هذا من قبيل ان يأمر المولى بالجامع بين الصلاة في المسجد والصلاة في البيت ويصلى المكلف في البيت بتصور انه مسجد فانه على كل حال منبعث عن شخص ذلك الأمر بالجامع.

الثاني ـ ان يجعل على كل مكلف الإتيان بما يتذكر من الاجزاء فيتحرك كل مكلف نحو المقدار الملتفت إليه والّذي يختلف من شخص إلى آخر بمقدار تذكره وكل

٣٦٩

مكلف يتخيل انه تام التذكر والالتفات ، وعلى كل حال يكون الانبعاث أيضا من الأمر الواحد المتعلق بالجامع ، والوجهان يرجعان روحا إلى امر واحد وهو الخطاب بالجامع وانما يختلفان في كيفية صياغة الجامع المتعلق به الأمر.

وهذا هو الجواب الفني على الشبهة لا ما سلكه صاحب الكفاية ( قده ) وتبعه المحقق النائيني ( قده ) سائرين على نفس عقلية صاحب الشبهة ومنهجته من تصور لزوم تعدد التكليف بين الناسي والمتذكر ، حيث أفاد بأنه إذا استحال تكليف الناسي فيمكن افتراض ان هناك تكليفين أحدهما متكفل إيجاب الأقل على طبيعي المكلف والآخر متكفل بإيجاب الزائد على المتذكر فلا يلزم منه محذور.

وعبارة صاحب الكفاية ( قده ) ظاهرة في النّظر إلى مرحلة الثبوت الا ان تقريرات المحقق النائيني ( قده ) مرددة بين النّظر إلى عالم الثبوت والجعل تارة وإلى الإثبات وكيفية إيصال الخطاب وتوجيهه إلى الناسي تارة أخرى.

وأيا ما كان فإذا كان النّظر إلى عالم الإثبات مع فرض ان عالم الثبوت يوجد فيه تكليف بالأكثر للمتذكر وبالأقل للناسي وان الصياغة المذكورة فقط في مرحلة الدلالة والألفاظ.

ورد عليه : ان هذا لا يحل الإشكال الثبوتي الّذي أثاره الشيخ ( قده ) من ان جعل الخطاب المخصوص بالناسي غير معقول جدا لعدم إمكان وصوله إليه وتحركه منه.

وإن كان النّظر إلى عالم الثبوت فالجواب : ان الأقل في الخطاب الأول هل هو مقيد بالزائد أو مطلق من ناحيته أو مقيد بلحاظ المتذكر ومطلق بلحاظ الناسي أو مهمل ، والأول خلف إذ معناه عدم كون الناسي مكلفا بالأقل ، والثاني كذلك لأن معناه كون المتذكر مكلفا بالأقل بحيث يسقط عنه التكليف بصدور الأقل منه ولو لم يأت بالأكثر ، والثالث معناه وجود خطاب بالأقل مطلقا مخصوص بالناسي وخطاب بالأكثر مخصوص بالذاكر وهذا رجوع إلى مشكلة جعل خطاب للناسي لا يمكن ان يصل إليه سواء كان هذا الإطلاق والتقييد بجعل واحد أو جعلين بنحو متمم الجعل كما لعله الأنسب مع مسلك المحقق النائيني ( قده ) ، والرابع غير معقول لأن الإهمال في عالم الثبوت غير معقول حتى عنده بل قد عرفت مرارا ان التقابل بين الإطلاق والتقييد في عالم الجعل تقابل السلب والإيجاب فلا يمكن انتفاؤهما معا.

٣٧٠

وهكذا يظهر ان دفع الشبهة بفرض تعدد الخطاب غير ممكن وانما الصحيح في حلها ما ذكرناه.

الجهة الثانية ـ في تحقيق ما يجري في المقام من ان الأصل العملي البراءة أو الاحتياط. وقد ربط السيد الأستاذ بين الأصل العملي في المقام وبين ما يختار في مسألة تكليف الناسي بالأقل فأفاد انه بناء على عدم إمكان خطاب الناسي وكون التكليف للجميع بالأكثر يكون الشك في المسقط فتجري أصالة الاشتغال ، وبناء على إمكان تكليف الناسي بالأقل يكون من الدوران بين الأقل والأكثر فتجري البراءة عنه.

وهذا الربط في غير محله ، وتوضيح الحال في ذلك ان يقال :

ان النسيان تارة يستوعب الوقت كله ، وأخرى لا يستوعبه بل يرتفع في أثنائه. ففي الحالة الأولى لا يكون الواجب بالنسبة إلى الناسي مرددا بين الأقل والأكثر بل من الشك في تكليف جديد سواء قيل بإمكان تكليف الناسي بالأقل أم استحالته ، وذلك لأن الناسي في تمام الوقت لا إشكال في عدم تكليفه بالأكثر لأنه لا يكلف بما نسيه على أي حال اما لعدم معقولية تكليفه به كالعاجز أو لأدلة رفع التكليف بالنسيان وانما يعلم بأنه اما ان يكون ما أتى به صحيحا مجزيا أو يجب عليه القضاء الآن وهذا مرجعه إلى الشك في وجوب جديد في حقه لأنه وإن فرض احتماله للتكليف في الوقت بالأقل ـ بناء على إمكان تكليفه به ـ الا انه تكليف خارج عن محل الابتلاء وساقط بخروج الوقت فليس هنالك الا شك في التكليف وهو مجرى البراءة حتى إذا منعناها في موارد الدوران بين الأقل والأكثر.

واما الحالة الثانية فالتكليف فعلي في الوقت غير انه متعلق اما بالجامع الشامل للصلاة الناقصة الصادرة حال النسيان أو بالصلاة التامة فقط ، والأول معناه اختصاص جزئية المنسي بغير حال النسيان ، والثاني معناه إطلاق الجزئية لحال النسيان وهو من الدوران بين التعيين والتخيير الا ان جريان البراءة هنا أولى منه في موارد الدوران بين الأقل والأكثر كما انه لا يرتبط بإمكان تكليف الناسي بالأقل بل يتم حتى على القول باستحالة تكليفه فلنا دعويان :

اما الدعوى الأولى ـ فمبررها ان العلم الإجمالي الدائر بين التعيين والتخيير حتى إذا

٣٧١

قيل بعدم انحلاله لا حقيقة ولا حكما مع ذلك لا تنجيز له في المقام للأكثر لعدم تشكل علم إجمالي منجز هنا لأن التردد بين الأقل والأكثر والعلم الإجمالي انما يحصل هنا للناسي بعد ارتفاع النسيان والمفروض انه قد أتى بالأقل في حالة النسيان وهذا يعني انه يحصل بعد امتثال أحد طرفيه وخروجه عن محل الابتلاء وحصول مثل هذا العلم الإجمالي لا يكون منجزا حتى إذا كان التردد فيه بين المتباينين فضلا عن الأقل والأكثر (١) نعم لو تذكر في الأثناء فقد يتشكل علم إجمالي منجز سوف نتحدث عنه.

واما الدعوى الثانية ـ فلان ما توهم من انه بناء على استحالة تكليف الناسي يكون الشك في المسقط وهو مجرى للاشتغال يرد عليه :

أولا ـ انه من الشك في التكليف أيضا لأن الأقل الصادر من الناسي إذا كان وافيا بملاك الواجب تقيد وجوب الأكثر لا محالة بما إذا لم يأت المكلف بالأقل نسيانا بنحو شرط الوجوب من أول الأمر فيكون من الشك في أصل حدوث التكليف وهو مجرى البراءة.

وثانيا ـ لو افترضنا ان شرطية عدم الإتيان بالأقل نسيانا ليست بنحو الشرط المتأخر بحيث يرفع إتيان الأقل موضوع وجوب الأكثر حدوثا بل يسقط التكليف بقاء فقط لاستيفاء ملاكه فالشك وإن كان في المسقط الا ان جريان الاشتغال ليس منوطا بصدق عنوان الشك في المسقط بل منوط بأن يكون الشك من ناحية الامتثال واستيفاء فاعلية التكليف مع الجزم بحدود ما يهتم به المولى ويريده ، وفي المقام يكون الشك في حدود اهتمام المولى وغرضه وهو من الشك في أصل التكليف بقاء فتجري عنه البراءة الشرعية والعقلية على القول بها. نعم قد يقال بجريان استصحاب بقاء التكليف في المقام وذاك امر آخر.

__________________

(١) المكلف في الشبهة الحكمية يعلم من أول الأمر انه يجب عليه في الوقت اما الصلاة التامة بالخصوص أو الجامع بين الصلاة تامة أو ناقصة صادرة في حالة النسيان غاية الأمر دائما يتصور انه يأتي بالصلاة التامة فإذا قيل بمنجزية هذا العلم الإجمالي وعدم جريان البراءة عن التعيين فيه فبعد ارتفاع النسيان يجب عليه الاحتياط لأنه ينكشف لديه انه لم يفرغ ذمته عن التكليف المنجز عليه بالعلم الإجمالي من أول الأمر نعم لو نسي الجزئية لا الجزء فقد يصح هذا الأمر حينئذ لزوال علمه الإجمالي بالنسيان ، وهذا نظير ما إذا علم بوجوب عتق الرقبة المؤمنة عليه أو عتق مطلق الرقبة وقلنا بالاحتياط في الدوران بين التعيين والتخيير فأعتق رقبة تصور انها مؤمنة ثم انكشف انها كافرة فانه يجب عليه عتق رقبة أخرى مؤمنة ولا يجوز له إجراء البراءة بدعوى انه من الشك في التكليف الآن حيث يحتمل ان الواجب عليه عتق مطلق الرقبة.

٣٧٢

وثالثا ـ لو سلمنا ان البراءة لا تشمل موارد الشك في المسقط للتكليف بهذا العنوان مع ذلك قلنا بان البراءة حينئذ وإن لم تكن تجري عن التكليف بمعنى الوجوب لأن الشك في سقوط بقاء الا اننا يمكننا إجراء البراءة العقلية ـ على القول بها ـ أو الشرعية عن هذا التكليف بلحاظ ملاكه وروحه حيث كان يمكن للمولى الاخبار عن تحقق ملاكه بالأقل الصادر نسيانا فان مجرى البراءة كل ما يكون تحميلا شرعا سواء كان بلسان الإنشاء أو الاخبار وما هو موضوع التحميل المولوي عقلا اهتمامات المولى المبرزة بأغراضه فإذا شك فيها جرت البراءة عنها لا محالة.

وهكذا يتضح ان الصحيح جريان البراءة في موارد الشك في إطلاق الجزئية أو الشرطية لحالة النسيان لكونه من الدوران بين الأقل والأكثر أو من الشك في أصل التكليف من دون ارتباط ذلك بشبهة عدم إمكان تكليف الناسي بالأقل التي أثارها الشيخ الأعظم ( قده ) في المقام رغم عدم تماميتها في نفسه كما عرفت.

ثم ان هنا فروضا أخرى تجدر الإشارة إلى حكمها.

منها ـ ان يفرض تذكر الناسي للجزء المنسي في أثناء الصلاة بعد الدخول في الركن ، وهنا لا يرد ما ذكرناه في الدعوى الأولى من خروج أحد طرفي العلم الإجمالي الدائر بين التعيين والتخيير عن محل الابتلاء لامتثاله إذ لا امتثال للواجب الاستقلالي بعد. الا ان هنا علما إجماليا آخر يكون دائرا بين متباينين وهو العلم الإجمالي بوجوب إتمام هذه الصلاة وحرمة قطعها أو الإتيان بالأكثر ضمن فرد آخر وهذا العلم الإجمالي قد تقدم تصويره في أصل مسألة الدوران من قبل المحقق العراقي ( قده ) وأجاب عليه بجوابين أحدهما لم يكن تاما في نفسه والآخر هو الانحلال الحكمي لأن أحد طرفيه وهو وجوب الإتمام كان منجزا عليه بالعلم التفصيليّ من أول الأمر وهذا الجواب ان تم هناك فلا يتم هنا لأن هذا العلم التفصيليّ زائل بعد التذكر وحصول العلم الإجمالي كما هو واضح.

الا انه يرد هنا ما ذكرناه من الجواب المختار هناك على منجزية هذا العلم الإجمالي من ان حرمة القطع ليس موضوعها الصلاة الواقعية بل الصلاة التي يجوز للمكلف بحكم وظيفته العلمية الاجتزاء بها فتكون حرمة القطع في طول جريان الأصل عن الزائد فلا يمكن ان يعارضه.

٣٧٣

ومنها ـ ان يفرض تذكره بعد التجاوز عن المنسي وقبل الدخول في الركن لو احتمل عدم لزوم التدارك وكفاية الأقل الصادر نسيانا ، وهنا تارة يفترض ان التدارك على تقدير عدم وجوبه ليس مستلزما لوقوع الزيادة المبطلة فعندئذ يكون العلم الإجمالي بوجوب الإتمام أو التدارك والإتمام علما إجماليا دائرا بين الأقل والأكثر فتجري البراءة عن التدارك ، وأخرى يفرض ان التدارك على تقدير عدم وجوبه يكون زيادة مبطلة فسوف يدور امر التدارك بين الجزئية والمانعية وهو من العلم الإجمالي بين المحذورين الّذي لا يمكن فيه الاحتياط فيثبت التخيير وأيهما اختار يجب عليه الإعادة لأن ما هو عدم لإعادة الصلاة كان مرددا بين متباينين ولم يأت الا بأحدهما هذا إذا لم نقل في مثل هذا الفرض الّذي تجب فيه الإعادة على كل حال بعدم حرمة القطع والإعادة من أول الأمر (١).

__________________

(١) هنا عدة كلمات يمكن ان تثار :.

الأولى ـ إذا فرض التدارك زيادة مبطلة على تقدير عدم الوجوب تعين على المكلف عدم الإتيان بها لأن نفس التدارك سوف يكون على هذا التقدير إبطالا للصلاة ومحرما ومع احتماله لا يمكن إتيانه بقصد القربة فلو جاء به علم ببطلان صلاته تفصيلا اما للزيادة أو للنقيصة من جهة عدم الإتيان بذلك الجزء الواجب تداركه بقصد القربة فيتعين عليه الإتمام بلا تدارك برجاء كونه مجزيا ثم الإعادة للعلم إجمالا بوجوب أحدهما وهو من العلم الإجمالي بالمتبائنين ـ مع قطع النّظر عما سوف يأتي ـ ولا يتصور ان الإتمام من دون تدارك أيضا يحتمل كونه إبطالا ومحرما لأن الابطال على تقدير لزوم التدارك يكون بترك التدارك لا بفعل سائر الاجزاء كما لا يخفى.

الثانية ـ ان الجواب المذكور فيما سبق جار هنا من ان ما يحرم قطعه انما هو الصلاة التي يثبت كونها وظيفة المكلف ويمكنه الاقتصار عليها في مقام الامتثال فتكون حرمة القطع ووجوب الإتمام في طول جريان البراءة عن وجوب الزائد فلا يمكن ان يقع الأصل الجاري بلحاظه طرفا للمعارضة مع البراءة كما لا يخفى.

الثالثة ـ قد يقال إذا فرضنا ان حرمة القطع موضوعها الصلاة الواقعية كان وجوب الإتمام وحرمة قطع الصلاة التي بيده ثابتا في حقه على كل حال أي سواء كان الواجب على الناسي الأقل أو الأكثر لصحة صلاته هذه ما لم يدخل في الركن وهو لا يدري ان القطع يتحقق بدخوله في الركن أو إتيانه بالجزء فهذا حكم آخر معلوم له تفصيلا وليس طرفا لعلم إجمالي بينه وبين وجوب الأكثر نعم لا يمكنه موافقته القطعية وانما يتيسر له الموافقة الاحتمالية فقط مع إمكان المخالفة القطعية فتجب الموافقة من دون ان يضر ذلك بالبراءة عن وجوب الأكثر بلحاظ الحكم الآخر وهو وجوب الصلاة. ودعوى : العلم إجمالا اما بوجوب إتمام هذه الصلاة من دون تدارك لكونه مبطلا أو وجوب التدارك بقصد القربة والّذي لا يتمكن منه الا بالإعادة وهذا علم إجمالي منجز.

يدفعها : ان الطرف الأول لهذا العلم الإجمالي متنجز في نفسه لما تقدم من انه لا يمكنه ترك إتمام هذه الصلاة أو إتمامها مع التدارك لكون ذلك إبطالا لهذه الصلاة على كل حال فيكون محرما فلا تجري البراءة عن وجوب إتمامها بلا تدارك لكي تعارض البراءة عن وجوب الزائد فلا يكون العلم الإجمالي المذكور منجزا.

هذا ولكن الصحيح منجزية هذا العلم الإجمالي لأن إتمام الصلاة من دون تدارك أيضا لا يعلم وجوبه بحيث يحتمل جواز

٣٧٤

ومنها ـ ان يفرض انه كان متذكرا للسورة في أول الوقت ولم يصل ثم نسي وصلى واستمر نسيانه إلى آخر الوقت. وهنا يتشكل له علم إجمالي بلحاظين لحاظ داخل الوقت ولحاظ ما بعد النسيان وخروج الوقت. فباللحاظ الأول يعلم إجمالا بان الواجب عليه داخل الوقت اما الأكثر تعيينا أو الجامع بينه وبين الأقل الصادر نسيانا وهذا العلم الإجمالي كلا طرفيه خارج عن محل ابتلائه ولا يقتضي تنجيزا عليه. وباللحاظ الثاني يعلم اما بوجوب الناقص عليه في حال النسيان ـ ولو ملاكا لو قيل باستحالة تكليفه ـ أو وجوب الكامل عليه الآن قضاء وهذا العلم الإجمالي أحد طرفيه خارج عن محل ابتلائه كما تقدم.

هذا كله في ما تقتضيه الأصول العملية.

واما البحث عن مقتضى الأصل اللفظي بقطع النّظر عن الأدلة الخاصة المتكفلة لحكم النسيان ، فتارة يفترض الإطلاق في دليل اعتبار ذلك القيد لحال النسيان أيضا فتثبت بذلك جزئيته أو شرطيته وهذا هو معنى ان مقتضى الأصل اللفظي لدليل اعتبار قيد ركنيته ، وأخرى يفرض عدم الإطلاق في دليل اعتبار ذلك القيد وعندئذ تارة يفرض وجود الإطلاق في دليل أصل الواجب وأخرى يفرض عدم وجود أيضا فعلى الأول يثبت وجوب الأقل على الناسي وعدم اعتبار ذلك الجزء أو القيد في حقه ، وعلى الثاني يرجع إلى الأصل العملي.

وقد أثير قبال التمسك بكل من الإطلاقين بعض الشبهات ، اما إطلاق دليل الواجب فيما تقدم من استحالة تكليف الناسي بالأقل ، وقد عرفت الجواب عليه وانه لا محذور في التكليف بجامع ينطبق على الناسي أيضا.

واما الإطلاق في دليل الجزئية أو الشرطية فتارة يناقش فيه بإبراز مانع داخلي عن التمسك به ، وأخرى يناقش بإبراز مانع خارجي عنه فهنا تقريبان للمنع.

التقريب الأول ـ وهو مختص بما إذا كان دليل الجزئية بلسان الأمر والإنشاء لا الإخبار عن الجزئية أو الشرطية : ان الأمر لا يشمل في نفسه حالات التعذر بالنسيان

__________________

ترك إتمام رأسا لاحتمال جزئية الجزء المنسي والمفروض عدم قدرته على الإتيان به بقصد القربة فيكون التكليف بإتمام هذه الصلاة ساقطا عنه رأسا ، فالعلم الإجمالي المذكور منجز في حق المكلف فتأمل جيدا.

٣٧٥

أو العجز لاشتراطه بالقدرة فلا معنى للتمسك بإطلاق دليل الأمر بالقيد للناسي بل يتعين دائما التمسك بإطلاق دليل الواجب أو الرجوع إلى الأصل العملي (١). وهذا الوجه لا يجري فيما إذا لم يكن النسيان أو العذر مستوعبا لتمام الوقت لوضوح إمكان إيجاب الأكثر عليه حينئذ لزوال العجز بعد ارتفاع النسيان.

وقد أجيب عن هذه الشبهة بان الأمر بالجزء أو الشرط لو كان امرا مولويا لاختص بالقادر ولكنه ليس كذلك بل يفهم منه الإرشاد إلى الجزئية والشرطية فيكون مفاده ممكنا في حق العاجز أيضا فيتمسك بإطلاقه.

والتحقيق : ان فرضية انسلاخ الأمر بالقيد عن المولوية بذلك ممنوعة ، ولذا ترى الاستهجان عرفا إذا صرح بالإطلاق بان قال اقرأ السورة في الصلاة ولو كنت عاجزا فهذا الأمر لا يزال مولويا غاية الأمر انه ليس بداعي ملاك نفسي ضمني أو استقلالي بل بداعي الجزئية أو الشرطية ولهذا يكون مشروطا دائما بفرض الإتيان بالصلاة اما صريحا كقوله تعالى ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) أو بحسب المتفاهم العرفي من منصرف الكلام كما إذا قال اقرأ السورة في الصلاة فان العرف يفهم من ذلك إذا صليت فاقرأ السورة. ولكون الداعي من ورائه الجزئية صح هذا الأمور المولوي بلحاظ الصلاة الاستحبابية أيضا مع ان الأمر الضمني المتعلق بها في الصلاة الاستحبابية ليس إلزاميا.

فالحاصل ما أفيد من ان هذا الأمر للإرشاد إلى الجزئية وليس مولويا لا يجدي في المقام لدفع الإشكال لأن الجزئية هو الداعي من وراء الأمر من دون انسلاخ الأمر عن المولوية ولهذا يكون الاستهجان محفوظا لو صرح بالإطلاق (٢) فلا بد من استئناف

__________________

(١) هذا مبني على عدم إمكان تكليف الناسي واقعا اما لكونه عاجزا تكوينيا في طول النسيان أو لاستظهار الرفع الواقعي من حديث الرفع وكلا الأمرين قابل للإشكال والمنع.

(٢) الاستهجان لو صرح بالإطلاق انما هو من جهة ما يحصل على مستوى المدلول التصوري للكلام من الظهور في ان الأمر بالسورة ثابت على العاجز وهذا عنصر آخر يوجب الاستهجان يحصل من نفس التصريح بحال العجز وهو مفقود في حالة عدم التصريح.

فالحاصل : بعد ان كان ورود الأمر بالجزء في سياق تحديد المركب الواجب ظاهرا في كونه بداعي بيان جزئيته للمركب لا بداعي البعث والزجر ينعقد الإطلاق في ان هذا الداعي غير مقيد بحال التمكن والا كان عليه بيان التقييد وهذا هو معنى الإرشادية.

٣٧٦

جواب آخر وحاصله :

انه قد يفرض ان المولى بصدد بيان ان وجوب السورة ملازم مع وجوب الصلاة بحيث كلما وجبت الصلاة السورة ولازمه سقوط وجوب الصلاة عند سقوط وجوب السورة بالعجز ونحوه ، وهذا المطلب كما يمكن للمولى بيانه بأدوات العموم فيقول كلما وجبت الصلاة وجبت السورة كذلك يمكن ان يعوض عنه بالإطلاق ومقدمات الحكمة بان يقول إذا قمت للصلاة فاقرأ السورة فيها وحينئذ يقال بان الأمر بالجزء المشروط صريحا أو ضمنا بفرض الإتيان بالكل ظاهر بحسب المتفاهم العرفي في بيان الملازمة المطلقة بين وجوب الكل ووجوب ذلك الجزء ولهذا كان الفقهاء ( قدس الله أسرارهم ) لا يزالون يستفيدون من الأمر بالجزء أو الشرط الجزئية والشرطية حتى لحال العجز إلى ان أورد عليهم المتأخرون بإشكال اختصاص الطلب والأمر بالقادر فاضطروا في مقام التوفيق بين الصناعة والفن وبين الفهم العرفي الواضح إلى تجشم الجواب بان هذه الأوامر ليست مولوية بل إرشاد إلى الجزئية والشرطية وبذلك حاولوا سلخها عن المولوية رأسا ليمكن إطلاقهما للعاجز مع ان الصحيح بقائها على المولوية والطلب ولكن إطلاقها لبيان الملازمة بين وجوب الكل ووجوب الجزء بحيث كلما سقط وجوب الجزء بالعذر سقط وجوب الكل أيضا.

ولا يقال : ان إطلاق الأمر بالجزء أي ثبوت وجوبه في فرض العذر يقطع بخلافه اما تخصيصا أو تخصصا فلا يصح التمسك به.

فانه يقال ـ الّذي يقطع بسقوطه ثبوت اللازم وهو وجوب الجزء لا الملازمة والمفروض ان الإطلاق لبيان الملازمة وهي يمكن ثبوتها في فرض العذر كما هو واضح.

التقريب الثاني ـ التمسك بحديث الرفع بدعوى ان المستفاد منه رفع المنسي في عالم التشريع الّذي يعني رفع حكمه وهو الجزئية أو الشرطية ، أو بدعوى ان الرفع تنزيلي لما يقع خارجا نسيانا وهو ترك السورة مثلا فكأنه لا ترك للسورة خارجا تنزيلا وتعبدا

__________________

واما ما أفيد من دلالة الإطلاق على الملازمة بين مطلوبية الجزء كما كان الكل مطلوبا وواجبا بحيث يكون مدلول الكلام نفس الملازمة فهو بعيد جدا لوضوح ان المدلول التصديقي في مثل إذا قمتم إلى الصلاة فاقرءوا السورة فضلا عن مثل اقرأ السورة في الصلاة يكون بإزاء الأمر بالسورة فهو بصدد بيان وجوبها لا بيان الملازمة بينه وبين وجوب الكل بعد الفراغ عن وجوبها والّذي هو مدلول إخباري.

٣٧٧

فيثبت صحة العمل.

ويرد عليه : إن أريد تطبيق ذلك على مورد النسيان في جزء الوقت من دون استمراره إلى آخره فمن الواضح ان المنسي في خصوص ذلك الوقت ليس موضوعا لحكم شرعي حتى يرفع وانما الموجود في لوح التشريع السورة في تمام الوقت ، وان أريد تطبيقه على مورد النسيان المستمر إلى آخر الوقت فحديث الرفع وإن كان يرفع حكمه ولزومه الا انه من الواضح ان رفع حكم السورة لا يعني إيجاب الصلاة عليه بلا سورة بل لعل هذا الرفع يكون برفع أصل وجوب الصلاة.

وبتعبير آخر : حديث الرفع غايته رفع الأمر بالجزء المنسي لا رفع الجزئية التي هي حكم وضعي منتزع من الأمر بالجزء فالملازمة بين إيجاب الكل وإيجاب الجزء التي تقدمت الإشارة إليها لا يمكن نفيها بحديث الرفع ليثبت وجوب الأقل على الناسي.

٢ ـ الشك في إطلاق القيد لحال العجز :

والبحث هنا كالبحث عن إطلاق الجزئية أو الشرطية في التعذر النسياني ولكن يختلف عنه في جملة من النكات والخصوصيات نشير إليها ضمن الجهات التالية :

الجهة الأولى ـ انه لا موضوع هنا لشبهة استحالة الأمر بالأقل التي تقدمت في الناسي إذ العاجز متوجه إلى عجزه ولا مانع من تكليفه بالأقل حال عجزه وهذا الفرق وإن كان لا يثمر بناء على ما تقدم منا من عدم صحة الشبهة في نفسها ومن عدم ارتباط جريان البراءة عن الزائد إثباتا ونفيا بها الا انه يثمر على مبنى السيد الأستاذ وغيره ممن ربطوا بين المسألتين.

الجهة الثانية ـ انه تقدم في بحث النسيان ان النسيان لو كان في جزء الوقت دون استيعاب لتمامه كان من التكليف المردد بين الأقل والأكثر ـ التعيين والتخيير ـ ولكنه حكما كان أوضح حالا منه لأن هذا العلم الإجمالي يحصل بعد خروج أحد طرفيه عن محل الابتلاء وهو الأقل بالامتثال وإن كان النسيان مستمرا إلى آخر الوقت كان خارجا عن الأقل والأكثر موضوعا أيضا لأنه إذا لم يكن للواجب قضاء خارج الوقت فلا تكليف على الناسي والا كان من العلم الدائر بين المتباينين بعد خروج أحد طرفيه بالامتثال.

٣٧٨

ولكن في المقام حيث ان العاجز ملتفت من أول الأمر إلى تكليفه فيتشكل له علم إجمالي في الحالة الأولى بوجوب الأكثر أو الجامع بينه وبين الأقل حال العجز وهو من العلم الإجمالي الدائر بين التعيين والتخيير فتجري البراءة في حقه عن التعيين ، وفي الحالة الثانية إذا كان للواجب قضاء يعلم إجمالا بوجوب الأقل عليه في داخل الوقت أو الأكثر قضاء في خارجه وهو من العلم الإجمالي بين المتباينين مع عدم خروج شيء من طرفيه عن محل الابتلاء فيكون منجزا لا محالة.

نعم بناء على مبنى الميرزا ( قده ) من إناطة منجزية العلم الإجمالي بإمكان وقوع المخالفة القطعية بالفعل خارجا يمكن ان يقال بعدم منجزيته لأن مخالفته القطعية لا يمكن ان تقع خارجا إذ لو جاء المكلف بالأقل في حال العجز كانت المخالفة احتمالية ولو ترك الأقل في الوقت كان القضاء معلوما تفصيلا (١).

الجهة الثالثة ـ فيما إذا فرض طرو العجز في أثناء الوقت ، وقع البحث عندهم في جريان استصحاب بقاء وجوب الأقل وعدمه ، وقد خص البحث عن جريان هذا الاستصحاب بفرض طرو العجز دون النسيان ، وهذا هو الصحيح ، إذ في حال النسيان ليس هناك شك لا حق ويقين سابق وبعد إتيان العمل وزوال النسيان لا مجال لجريان الاستصحاب لأنه حكم ظاهري بملاك حافظية التكليف الواقعي المشكوك ، ووجوب الناقص بعد الإتيان به لا معنى لحفظه بالاستصحاب بل على تقدير ثبوته قد انحفظ بنفسه في المرتبة السابقة فلا مجال للحكم الظاهري في فرض النسيان ، وليس الإشكال من ناحية اللغوية لكي يقال بترتب الأثر عليه بلحاظ الاجزاء وعدم وجوب القضاء ، بل الإشكال في عدم معقولية الحكم الظاهري الاستصحابي في نفسه.

واما البحث عن جريان هذا الاستصحاب في موارد طرو العجز في الأثناء فقد أثير بوجهه الإشكال بان الوجوب المعلوم للأقل هو الوجوب الضمني وهو مقطوع الارتفاع مع ان المراد إثباته بالاستصحاب هو الوجوب الاستقلالي للأقل وهو مشكوك الحدوث

__________________

(١) الا ان هذا يعني عدم إمكان المخالفة القطعية للعلم الإجمالي بما هو علم إجمالي لا عدم إمكان المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال والملاك في المعارضة هو الثاني لا الأول كما لا يخفى.

٣٧٩

وفي مقام دفع هذا الإشكال توجد عدة تقريبات.

التقريب الأول ـ ان نجري استصحاب جامع الوجوب المردد بين الاستقلالي والضمني.

ويرد عليه : أولا ـ انه من استصحاب القسم الثالث من الكلي ، لأن الوجوب الضمني المتيقن سابقا معلوم الارتفاع وانما يحتمل بقاء الجامع ضمن فرد آخر منه هو الوجوب الاستقلالي وهو مشكوك الحدوث

وثانيا ـ ان الجامع بين الوجوب الضمني للأقل الّذي لا يقبل التنجيز الآن للعجز عنه والوجوب الاستقلالي له لا يقبل التنجز لو علم به وجدانا وفكيف بالاستصحاب ، هذا إذا أريد إثبات جامع الوجوب وتنجيزه ، وإن أريد إثبات فرده وهو الوجوب الاستقلالي للأقل كان من الأصل المثبت.

وقد أورد المحقق العراقي ( قده ) على هذا الاستصحاب بأنه محكوم لاستصحاب بقاء جزئية الجزء المتعذر لأن الشك في وجوب الأقل مسبب عن الشك في جزئية المتعذر في هذا الحال.

ويرد عليه : إن أريد من الجزئية دخالته في تحصيل الغرض والملاك فهذا سبب عقلي لسقوط الوجوب لا شرعي ، وإن أريد من الجزئية كونه واجبا بالوجوب الضمني فهذا مقطوع العدم حال التعذر ، وإن أريد الملازمة بين وجوب الصلاة ووجوب هذا الجزء فهي مشكوكة من أول الأمر وانما المتيقن الملازمة بينهما في حال القدرة وعدم التعذر وهو مقطوع البقاء على ان هذه الملازمة في عرض عدم وجوب الأقل معلولان لشيء ثالث هو كون الملاك قائما بالأكثر ولا سببية ولا مسببية بينهما حتى تكوينا. وإن أريد من الجزئية دخالته في مسمى الصلاة كما لعله يظهر من عبائر تقرير بحثه فمن الواضح ان هذا ليس حكما شرعيا ولا موضوعا لحكم شرعي ، لأن الواجب هو واقع المأمور به لا مسمى الصلاة.

التقريب الثاني ـ ان الجزء المتعذر إذا لم يكن ركنيا بحيث يتبدل بانتفائه الموضوع جرى استصحاب الوجوب ، لأن هذه الحيثية حينئذ تكون تعليلية لا تقييدية ، وقد تنقح في محله انه مع انتفاء الحيثية التعليلية يجري الاستصحاب في الموضوع الّذي كان واجبا سابقا وإن تغيرت حيثيته التعليلية.

٣٨٠