بحوث في علم الأصول - ج ٥

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

الجواب على ما ذكر من ان الأمر بالاحتياط عارض على الاحتياط فلا يتقوم الاحتياط الا به فان متعلقه على هذا المبنى نفس العمل لا العمل بقصد الأمر.

وإذا فرضنا الأمر بالاحتياط طريقيا فلا بد وان يرى ما ذا يراد من قصد الأمر الجزمي؟ فان أريد الأمر الحقيقي الناشئ عن ملاك ومبادئ جزمية فهذا غير متوفر حتى مع ثبوت الأمر بالاحتياط لعدم نشوئه عن مبادئ واقعية غير الملاكات المشكوكة ، وان أريد مطلق ثبوت امر مولوي وان لم تكن له مبادئ مستقلة عن الواقع المشكوك فهو حاصل في المقام فيصح التقرب به بنفس البيان المتقدم على فرض كونه نفسيا.

٣ ـ قاعدة التسامح في أدلة السنن :

ورد في عدة من الروايات ـ وفيها ما يكون معتبرا من ناحية السند ان من بلغه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيء من الثواب على عمل فعمله التماسا للثواب أعطي ذلك وان لم يكن مطابقا مع الواقع وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقله (١).

والبحث عن ذلك يقع في عدة جهات :

الجهة الأولى ـ في فقه هذه الاخبار ومحتملاتها. والاحتمالات في مضمونها بدوا كالتالي :

١ ـ ان يكون المقصود مجرد الوعد من الشارع لمصلحة فيه بإعطاء ذلك الثواب لمن عمله فتكون قضيته خبرية صرفة ولو بملاك تعظيم النبي واحترامه وبعد حصول الوعد نقطع بالوفاء به من دون ان يكون هناك امر وترغيب ومطلوبية.

٢ ـ ان يكون إرشادا إلى حكم العقل بحسن الاحتياط والانبعاث من المطلوبية الاحتمالية فيكون ترغيبا صادرا عن المولى بما هو عاقل لا بما هو مولى.

٣ ـ ان يكون استحبابا على عنوان ثانوي هو بلوغ الثواب.

٤ ـ ان يكون حكما مولويا طريقيا ـ ظاهريا ـ من أجل التحفظ على الملاكات الواقعية الراجحة المتزاحمة بالتزاحم الحفظي وهذا يتصور بأحد شكلين :

__________________

مطلقات الاحتياط فلا يعقد إطلاق فيها للعبادة لأن عنوان الاحتياط لا يصدق فيها بقطع النّظر عن نفس الأمر بالاحتياط وهذا يمنع عن الإطلاق لا انه ينعقد الإطلاق وتتم دلالة الاقتضاء فيه.

(١) وسائل الشيعة ، ج ١ ، باب ١٨ من أبواب مقدمة العبادات ، ص ٥٩ ـ ٦١.

١٢١

الأول ـ ان يكون المقصود جعل الحجية للخبر الضعيف وهذا هو المناسب مع التعبير بالتسامح في أدلة السنن.

الثاني ـ ان يكون المقصود جعل إيجاب الاحتياط الاستحبابي في مورد بلوغ الثواب من دون جعل الحجية للخبر الضعيف وترتيب آثار ذلك عليه.

٥ ـ ان يكون المقصود تكميل محركية الأوامر الاستحبابية فيما إذا فرض بلوغ ثواب على مستحب مفروغ عن استحبابه ولكن حيث ان ذلك البلوغ ليس قطعيا فتنقص وتضعف محركية الأمر الاستحبابي الّذي لا ضير في تركه بحسب طبعه فمن أجل حث المكلفين على عدم إهمال المستحبات وطلبها وعد بنفس الثواب وأكمل محركية ذلك الأمر الاستحبابي وهذا الترغيب المولوي وان كان طريقيا أيضا ولكنه لا يستبطن طلبا وأمرا بل مجرد ترغيب بالوعد المولوي على الثواب لجبر ضعف محركية الاستحباب والطلب الندبي وعلى هذا لا يستفاد من هذه الاخبار استحباب عمل لم يثبت خيريته واستحبابه في المرتبة السابقة لأن ذلك قد أخذ في موضوعها فيكون التمسك بها في مورد الشك في أصل الاستحباب من التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية ، بل تكون هذه الروايات من أدلة الترغيب في الطاعة والحث على عدم إهمال المستحبات الشرعية من خلال جعل ثواب ترغيبي تفضيلي في ذلك المورد.

والاحتمالان الأولان من هذه الاحتمالات لا يمكن المصير إليهما ، إذ الأول خلاف ظهورها في انها بصدد الحث والترغيب والطلب لا مجرد الاخبار أو الوعد الصرف.

والثاني خلاف ظاهر حال الخطاب الصادر من المولى في انه صادر عنه بما هو مولى لا بما هو عاقل سواء كان بلسان الأمر والطلب أو بلسان الوعد على الثواب (١).

والاحتمال الأخير وان كان واردا في نفسه وقد يستشهد عليه بما ورد في لسان بعض الروايات ( من بلغه ثواب على شيء من الخير ) الظاهر في المفروغية عن

__________________

(١) وخلاف ظاهر التحديد بان له نفس ذلك الأجر والثواب كما لو كان الثواب البالغ مطابقا للواقع.

١٢٢

خيرية ورجحان العمل الّذي بلغ عليه الثواب في المرتبة السابقة الا ان حمل كل اخبار الباب حتى المطلق منها على ذلك لا موجب له (١).

فيدور الأمر بين الاحتمالين الثالث والرابع أي ان يكون امرا استحبابيا نفسيا بعنوان ثانوي وهو بلوغ الثواب أو يكون حكما ظاهريا طريقيا.

وقد يستدل لا ثبات الاحتمال الثالث ونفي الرابع بأحد وجوه :

الأول ـ ما ذكره السيد الأستاذ من ان احتمال الحكم الظاهري وجعل الحجية بعيد غاية البعد لأن لسان الحجية انما هو إلغاء احتمال الخلاف والبناء على ان المؤدى هو الواقع كما في أدلة سائر الأمارات لا فرض عدم ثبوت المؤدى في الواقع كما في قوله عليه‌السلام ( وان كان رسول الله لم يقله ) (٢).

وفيه : ما تقدم في شرح هذا الاحتمال من ان الأمر الطريقي الظاهري لا ينحصر في ان يكون بمعنى جعل الحجية للخبر الضعيف بل يعقل ذلك على مستوى الحكم بالاحتياط وهو لا ينافي مع التعبير المذكور (٣). على ان هذا سير حسب مصطلحات مدرسة الميرزا ( قده ) من ملاحظة ألسنة الجعل في الأحكام الظاهرية الطريقية وانها في الأمارات بلسان جعل الطريقية ، والا فقد عرفت بما لا مزيد عليه ان حقيقة الحكم الظاهري وروحه واحدة سواء كان بهذا اللسان أو بغيره.

الثاني ـ ويتألف من مقدمتين :

أولاهما ـ انه مهما رتب ثواب على عمل ما فقيل مثلا ( من فطر صائما فله كذا من الثواب ) كان ذلك دليلا على مطلوبيته واستحبابه للملازمة بين الثواب والأمر والا كان جزافا ، فان سبب الثواب ومنشأه هو الإتيان بالمأمور به والمطلوب المولوي فنستكشف من ذكر اللازم الملزوم.

الثانية ـ انه في المقام وان رتب الثواب على من بلغه الثواب على عمل فعمله فيمكن ان يكون الثواب من جهة الانقياد والإتيان بالعمل برجاء مصادفة المأمور به

__________________

(١) مصباح الأصول ، ج ٢ ، ص ٣١٩.

(٢) على ان المراد من الخير ، الخير العنواني لا الواقعي ولو بقرينة ان دليل إبلاغ الثواب عادة هو دليل الخيريّة والاستحباب لدى الشارع لأن ان هناك دليلين أحدهما على الاستحباب والآخر على الثواب.

(٣) الإنصاف ان هذا التعبير لا يناسب عرفا مع نكتة جعل الحكم الظاهري التي هي التحفظ على الملاكات الواقعية.

١٢٣

الواقعي وهو حسن عقلا يستحق فاعله الثواب فلا ينحصر وجه ترتب الثواب على وجود أمر نفسي الا ان إطلاق هذه الاخبار لما إذا جاء به لا برجاء المصادفة والانقياد يقتضي الأمر به لا محالة إذ لا موجب للثواب فيه الا الاستحباب.

فإذا تمت المقدمتان ثبت الاحتمال الثالث في قبال الرابع. وقد اتفق أكثر المحققين على انه لو تم الإطلاق في اخبار من بلغ لصورة الإتيان بالعمل لا بداعي الانقياد ثبت الاستحباب النفسيّ وان اختلفوا في أصل هذا الإطلاق ـ على ما سوف يأتي الحديث عنه.

وفيه : أولا ـ ان استفادة الأمر من أدلة الثواب ليست بنكتة الملازمة العقلية بين الثواب والأمر بالدقة لوضوح عدم الملازمة بين ثبوت الأمر واقعا وبين الثواب وانما الأمر يستفاد على أساس إحدى نكتتين :

أولاهما ـ الكناية بان يكون ذكر الثواب كناية عن الأمر من جهة انه معلوله عادة وعرفا من قبيل زيد كثير الرماد.

ثانيتهما ـ وجود تقدير ارتكازي عرفي هو انه لو علم بحكمه المكلف وأحرزه فعمله كان له ذلك الثواب فتكون الملازمة بين ترتب الثواب على العمل لمن يعلم بحكمه وبين ان يكون حكمه الاستحباب عقلية ونكتة هذا التقدير واضحة عرفا وارتكازا فان هذه خصوصية يتكفل الخطاب نفسه لا لإيجادها وحفظها فكأنها مفروغ عنها.

وكلتا النكتتين انما تجريان في مورد لا يوجد فيه نكتة أخرى عرفية صالحة لأن تكون هي منشأ ترتب الثواب وموجبه كما في المقام ، فانه مع ثبوت بلوغ الثواب ولو بخبر ضعيف وإتيان المكلف به التماسا لذلك الثواب لا موجب لاستكشاف امر نفسي لأن هذه مناسبة في المورد يمكن ان تكون هي المعنية والملحوظة في ترتيب الثواب وهذا وان كان فيه تقييد للخطاب بفرض الانقياد الا ان نكتتها ومناسبتها العرفية ليست بأشد أو أخفى من النكتتين المذكورتين. والحاصل ان نكتة الاستفادة المذكورة انما تتم حيث لا يكون في مورد الخطاب نكتة أخرى للثواب كما في المقام.

لا يقال ـ إطلاق الخطاب لغير صورة الانقياد تعين إحدى النكتتين.

فانه يقال ـ اما النكتة الأولى فهي فرع ان يكون أصل المدلول ملازما عرفا مع الأمر ليكون كناية عنه كما هو واضح ، واما النكتة الثانية فالمفروض ان قيد الانقياد

١٢٤

وقصد الامتثال لا بد من أخذ مقدرا على كل حال لترتيب الثواب علاوة على قيد وصول الأمر وإحرازه وحينئذ كما يمكن أخذ الإطاعة والانقياد لهذا الخطاب قيدا الّذي يستكشف منه ثبوت الاستحباب النفسيّ كذلك يمكن أخذ الإطاعة والانقياد للأمر البالغ قيدا وليس أحدهما بأولى من الآخر عرفا ولو فرض ان أحدهما أكثر تقييدا من الآخر ـ لأن كل من ينقاد من الأمر المحتمل ينقاد من الأمر الجزمي دون العكس ـ لأن التمسك بالإطلاق فرع تحديد ما هو المقدر بحسب المناسبات العرفية في المرتبة السابقة فلا يمكن تحديده به.

وثانيا ـ ان ترتب الثواب ان كان من باب التفضل من الله لأنه جواد كريم فلا محال لاستكشاف الأمر بالملازمة كما لا يخفى وان كان ثوابا استحقاقيا وبملاك الإطاعة فهذا الثواب ترتبه متوقف عقلا على ان يكون الإتيان بالفعل بداع قربي وإطاعة للمولى وحينئذ نقول لو رتب الثواب على فعل كما إذا قال من فطر صائما فله كذا من الثواب ثبت بالملازمة ، الأمر حتى مع وجود القيد العقلي المذكور فان ترتب الثواب على من فطر صائما حتى مع قصد قربي لا وجه له الا مع فرض الأمر به فيستكشف ذلك بالملازمة ، واما في المقام فحيث ان الموضوع الّذي رتب عليه الثواب هو الإتيان بعمل بلغ عليه الثواب بقصد قربي إلهي فصدق هذه القضية لا يتوقف على فرض ثبوت امر استحبابي لعنوان البلوغ ولا يمكن التمسك بإطلاقه لحال الإتيان به لا بداعي الانقياد واحتمال الأمر البالغ لأن إطلاق الحكم فرع إطلاق الموضوع ولا يمكن إثبات الموضوع بالحكم.

وثالثا ـ ان ترتيب الثواب في فرض عدم الانقياد وتحرك المكلف من احتمال الأمر البالغ بل تحركه من نفس هذا الخطاب غاية ما يقتضيه ثبوت الأمر المولوي في هذا الفرض أيضا وهو الجامع بين الاحتمال الثالث والرابع لأن هذا الأمر يمكن ان يكون طريقيا وان يكون ترتيب الثواب عليه بداعي تحريك المكلفين وترغيبهم على الاحتياط والتحفظ على اهتمامات المولى ، واستحقاق الثواب عليه لمن يأتي به بداعي امتثاله ثابت أيضا اذن فهذا الإطلاق لا ينفي الأمر الطريقي المولوي على مستوى الأمر بالاحتياط وانما ينفي احتمال الإرشاد إلى حكم العقل بحسن الانقياد.

الثالث ـ ما ذكره بعض المحققين من ان ظاهر قوله عليه‌السلام ( فعمله ) انه جملة خبرية

١٢٥

مستعملة في مقام الإنشاء كما في مثل قوله عليه‌السلام ( يسجد سجدتي السهو ) والجملة الخبرية المستعملة في مقام الإنشاء يكون ظاهرا في انه بداعي الأمر.

وفيه : أولا ـ ان جملة ( فعمله ) في اخبار من بلغ واردة في موقع الشرط حيث قيل ( من بلغه شيء من الثواب فعمله كان له ذلك الثواب ) وواضح ان استفادة الأمر من الجملة الخبرية انما تصح إذا كانت في موقع الجزاء أو جملة حملية لا ما إذا كانت شرطا وفي موقع الفرض والتقدير نظير قوله ( من أجنب فليغتسل ) فانه لا يفهم منه الأمر بالإجناب ، ولعمري هذا من غرائب كلماتهم في المقام.

وثانيا ـ ان هذه القرينة على تقدير تماميتها تنفي احتمال الإرشادية في هذه الاخبار ـ كما ذكر المحقق النائيني ( قده ) ـ ولا تنفي احتمال الأمر الطريقي الظاهري كما هو واضح.

الرابع ـ لا إشكال في تقييد مفاده هذه الاخبار لفظا أو عقلا بما إذا جيء بالعمل البالغ عليه الثواب بداع قربي إذ من دونه لا استحقاق للثواب بوجه ، وهذا القيد لا يناسب مع كون الأمر طريقيا ومن أجل الاحتياط والتحفظ على الملاكات الواقعية الراجحة ، إذ ثبوت الثواب على العمل على الإطلاق يوجب تحرك العبد ولو لم يوجد في نفسه داع قربي كما في المستحبات التوصلية فان هذا أحفظ للملاكات الراجحة.

وفيه ـ ان الأمر الطريقي بالاحتياط المجعول ليس بأكثر من الأمر الاستحبابي الواقعي المشكوك فكما ان الأمر الواقعي لا يمكن ان يترتب عليه ثواب الا إذا أتى به بداع قربي كذلك الأمر الطريقي فان شأنه التحفظ على الأوامر الواقعية المشكوكة بجعلها كالأوامر المعلومة من حيث التحريك المولوي لا أكثر من ذلك فهذا القيد مناسب مع كلا الاحتمالين.

وهكذا يتضح انه لا معين لخصوص الاحتمال الثالث أي الاستحباب النفسيّ في قبال الاحتمال الرابع أي الأمر الظاهري ـ على مستوى الأمر بالاحتياط ـ (١).

__________________

(١) يمكن ان نستبعد الاحتمال الثالث على أساس إحدى نكتتين :.

الأولى ـ ان ظاهر الروايات ترتيب الثواب على نفس العنوان الّذي بلغ المكلف وعمله ـ مع قصد القربة ـ لا على عنوان البلوغ الّذي ربما لا يكون ملتفتا إليه وهذا أنسب مع الحكم الطريقي من استحباب عنوان البلوغ.

الثانية ـ ان ظاهر هذه الروايات ترتيب نفس المقدار من الثواب البالغ على العمل والّذي يختلف من مورد إلى آخر وليس

١٢٦

الجهة الثانية ـ ذكر السيد الأستاذ في الدراسات انه لا ثمرة فقهية بين القولين القول بالاستحباب النفسيّ لعنوان ما بلغ عليه الثواب والقول بجعل الحجية للخبر الضعيف ، إذ تثبت في النتيجة من الناحية الفقهية استحباب ذلك العمل سواء بعنوانه الثانوي أو الأولي ، وما قيل من انه على التقدير الثاني لو دل خبر صحيح على حرمة عمل وبلغ عليه الثواب بخبر ضعيف تعارض الخبران وتساقطا فلا تثبت الحرمة بخلافه على الأول حيث يدخل في باب تزاحم الملاكين ملاك الاستحباب وملاك الحرمة فقد تثبت الحرمة بمقتضي إطلاق دليله غير تام لأن هذه الاخبار لا إطلاق لها لفرض بلوغ الثواب على مورد بلغ العقاب عليه وتنجزت حرمته.

والصحيح : ان هناك ثمرات عديدة تترتب بين القولين نذكر فيما يلي جملة منها :منها ـ تحقق التعارض فيما إذا دل خبر ضعيف على استحباب أو وجوب فعل وترتب الثواب عليه ودل خبر آخر صحيح على عدم رجحانه ، فبناء على القول الثاني لا يثبت الرجحان بينهما يثبت الاستحباب بالعنوان الثانوي على القول الأول.

ومنها ـ لو فرض ورود خبرين ضعيفين على استحباب عملين وعرف من الخارج عدم استحبابهما معا أي علم إجمالا بكذب أحدهما ، فانه بناء على القول الثاني يقع التعارض بينهما بناء على مثل مبنى المحقق النائيني ( قده ) من عدم إمكان جعل العلمية والطريقية لمجموع شيئين علم بكذب أحدهما وعدم مطابقته للواقع واما بناء على ما هو الصحيح من ان التعارض في موارد العلم الإجمالي بالكذب ينشأ من جهة المدلول الالتزامي لكل من الدليلين ونفيه للمدلول المطابقي للآخر فالتعارض في المقام مبني على ان يستفاد من اخبار من بلغ حجية الخبر الضعيف لا في إثبات الاستحباب والثواب فقط بل في كل مداليله حتى الالتزامية النافية لاستحباب شيء آخر.

ومنها ـ لو ورد دليل على عدم استحباب عمل يضر بالنفس ولو بالعنوان الثانوي

__________________

مقدارا واحدا والمرتكز عند العرف إذا كان عنوان البلوغ من العناوين الطارئة الموجبة لاستحباب العمل ان يكون له حكم واحد وثواب واحد لا ان يختلف شدة وضعفا وكثرة وقلة باختلاف المقدار البالغ من الثواب ، فالإنصاف ان استفادة الاستحباب النفسيّ من هذه الروايات مشكل ، وحيث ان الاحتمال الرابع ـ وهو جعل الحجية أو الحكم الظاهري أيضا خلاف الظاهر من هذا الروايات كما تقدم فيتعين احتمال سادس يستحصل بالتلفيق بين احتمالين هما الاحتمال الثاني مع تطعيمه بالاحتمال الأول بان يكون الوعد على الثواب مولويا لتتميم محركية الاستحباب المشكوك لأن الاحتمال الثاني لا يفسر بمفرده إعطاء العامل نفس الثواب الّذي بلغه ولا يناسبه كما لا يناسب ظهور هذه الاخبار في الترغيب المولوي.

١٢٧

وورد خبر ضعيف على الاستحباب وترتب الثواب للطم في عزاء الحسين عليه‌السلام مثلا وفرض انه مضر بالنفس شيئا ما فانه بناء على جعل الحجية يكون الخبر الضعيف مخصصا للدليل الأول (١) ولا معارضة بينه وبين اخبار من بلغ لأنها تثبت الحجية ولا تنفي مدلول ذلك الدليل ، وبناء على الاستحباب يقع التعارض بين اخبار من بلغ والدليل الأول بنحو العموم من وجه فيتساقطان ولا تثبت الاستحباب.

ومنها ـ لو دل خبر ضعيف على وجوب عمل وترتب الثواب عليه ، فانه بناء على الاستحباب يثبت استحبابه ورجحانه بالعنوان الثانوي ، واما بناء على جعل الحجية فان قيل بان اخبار من بلغ تثبت الحجية حتى للخبر الضعيف الدال على الوجوب ثبت الوجوب والا فلا يمكن إثبات أصل الرجحان أيضا بناء على ان الدلالة على أصل الرجحان دلالة تحليلية وحجية الدليل في إثبات مثل هذا المدلول فرع حجيته في إثبات المدلول المطابقي.

ومنها ـ لو دل دليل على استحباب عمل مطلقا ودل خبر ضعيف على استحباب ذلك العمل مشروطا بقيد فانه بناء على جعل الحجية يثبت مستحب واحد للمقيد (٢) ، واما بناء على الاستحباب النفسيّ لعنوان البلوغ يثبت استحبابان بالعنوان الثانوي للمطلق والمقيد معا.

ومنها ـ لو دل خبر ضعيف على استحباب عمل قبل الزوال مثلا مع الشك في بقاء استحبابه بعد الزوال ، فبناء على جعل الحجية أمكن إثبات ذلك بالاستصحاب بخلافه على الاستحباب النفسيّ لعنوان البلوغ لأن البالغ انما هو الثواب قبل الزوال وهذا منتف بعد الزوال جزما.

__________________

(١) هذا إذا استفيد من اخبار من بلغ حجية الخبر الضعيف بجميع خصوصياته وآثاره ، واما إذا كان قصارى ما يدل عليه إثبات الاستحباب لا أزيد كان معارضا مع حجية إطلاق الدليل العام النافي للاستحباب فيتساقطان لأن اخبار من بلغ لا ترتب حينئذ حكم التخصيص والجمع العرفي على الخبر الضعيف.

(٢) هذا إذا استفيد من اخبار من بلغ حجية الخبر الضعيف بجميع خصوصياته وآثاره ، واما إذا استفيد منها حجيته بمقدار إثبات المستحب وهو المقيد لا نفي المطلق فان كان الدليل على استحباب المطلق خبرا صحيحا في نفسه وقع التعارض بين حجية إطلاقه النافي لمدلول الخبر الضعيف ـ حيث انهما ناظران إلى حكم واقعي واحد ـ وبين حجية دلالة الخبر الضعيف وتساقطا فيثبت مستحب واحد هو المقيد بحسب النتيجة ، وان كان دليل الاستحباب المطلق خبران ضعيفا أيضا وأريد إثبات حجيته باخبار من بلغ ثبت استحبابان ظاهريان للمطلق والمقيد معا وان علم بكذب أحدهما فتأمل جيدا.

١٢٨

ومنها ـ ما سوف يأتي الحديث عنه من انه بناء على جعل الحجية يفتي الفقيه بالاستحباب لمقلديه بينما على القول باستحباب العمل البالغ عليه الثواب فلا بد في ثبوته للمقلدين من بلوغهم ذلك ـ وهذا الفرق ثابت بين القول بالاستحباب والقول بالأمر الطريقي على مستوى الاحتياط في موارد بلوغ الثواب أيضا بخلاف الفروق السابقة ـ.

الجهة الثالثة ـ في تحقيق ما اختلف فيه المحققون من شمول اخبار من بلغ لغير فرض الإتيان بالعمل الّذي بلغ عليه الثواب بداعي الانقياد وبلوغ ذلك الثواب ، وهذا يرتبط بملاحظة ما ذكر من دعوى وجود القرينة على تقيدها بفرض الانقياد.

وتلك القرينة يمكن ان تكون أحد امرين :

الأول ـ استفادة ذلك من فاء التفريع في قوله ( من بلغه شيء من الثواب فعمله ) فانه يدل على كون العمل متفرعا على البلوغ.

الثاني ـ ما ورد في جملة منها من التصريح بالإتيان بالعمل التماسا للثواب أو لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيحمل غيره عليه أيضا من باب حمل المطلق على المقيد ، وقد نوقش في الوجه الأول بعدة مناقشات.

منها ـ ما ذكره المحقق الخراسانيّ ( قده ) من ان البلوغ قد أخذ بنحو الحيثية التعليلية للعمل لا بنحو الحيثية التقييدية.

وهذا الكلام ان أريد به دعوى ان البلوغ بعد ان أخذ بنحو التعليل لا بنحو التقييد فلا يختص العمل بالحصة الانقيادية المتفرعة على البلوغ ففيه : ان مجرد أخذ البلوغ في موضوع العمل يجعله متفرعا عليه ومقيدا به سواء كان حيثية تعليلية أو تقييدية.

وان أريد دعوى ان ظاهر الاخبار ترتب الثواب على نفس العمل لا بما انه قد بلغ عليه الثواب لأن البلوغ أخذ بنحو الحيثية التعليلية لا التقييدية ليكون عنوان بلوغ الثواب والانقياد هو موضوع الثواب فتكون الاخبار إرشادا إلى حكم العقل بحسن الانقياد ومخصوصا به.

ففيه : ان ترتب الثواب لا بد فيه من أخذ قيد قصد القربة على كل حال لأنه غير مترتب على ذات العمل بل على الإطاعة أو الانقياد وانما العمل مورد لترتب الثواب

١٢٩

عند تحقق قصد الإطاعة أو الانقياد (١).

ومنها ـ ان العمل لم يفرع في هذه الاخبار على داعوية احتمال الأمر حتى يختص بالحصة الانقيادية وانما فرع على داعوية الثواب حيث قال ( من بلغه شيء من الثواب فعمله ) وحيث نعلم بان ترتب الثواب لا يكون الا مع قصد القربة فلا بد من قصده اما بنحو الانقياد أو بقصد الأمر الجزمي المتعلق في هذه الاخبار بالعمل البالغ عليه الثواب.

وفيه : إذا فرض ان التفريع المذكور تفريع للعمل على داعيه وهو الثواب البالغ كان معناه ان المستحب انما هو الإتيان بالعمل انقيادا وبداعي ذلك الثواب الواقعي البالغ لأن المراد بذلك الثواب كالاستحباب البالغ هو الحكم الواقعي المشكوك.

والصحيح في دفع هذا الوجه ان يقال : بان تفريع العمل على البلوغ لا يقتضي اختصاصه بالحصة الانقيادية لأن تفريع عمل على شيء كما يمكن ان يكون من باب التفريع على داعيه كقولك ( وجب على كذا ففعلته ) ، كذلك يمكن ان يكون من باب التفريع على موضوع داعيه كقولك ( دخل الوقت فصليت ) وفيما نحن فيه يكون تفريع العمل على بلوغ الثواب من باب انه موضوع لتحقق الداعي الّذي هو اما الانقياد أو الإطاعة وقصد الأمر الجزمي المستفاد من نفس هذه الاخبار وليس تفريعا على داعي الانقياد ورجاء بلوغ الحكم الواقعي أو ثوابه ليكون مخصوصا به.

ثم ان المحقق الأصفهاني (٢) حاول ان يثبت الإطلاق في المقام بتقريب آخر حاصله : ان ظاهر الاخبار ترتيب نفس الثواب الّذي أبلغه الخبر الضعيف وهو ثواب على العمل لا العمل المأتي به بداعي الانقياد ورجاء الواقع فيثبت بذلك استحباب العمل مطلقا لا خصوص الحصة الانقيادية منه.

وفيه : ان أريد ان الثواب الثابت بهذه الاخبار على نفس الموضوع الواقعي فهو

__________________

(١) نهاية الدراية ، ج ٢ ، ص ٢٢١ الطبعة القديمة.

(٢) بل هذه النكتة تناسب مع نفي الاستحباب النفسيّ للعمل بعنوانه الثانوي أي بعنوان بلوغ الثواب عليه واقرب إلى إرادة الحكم الطريقي أو الإرشاد إلى حكم العقل حيث يكون الثواب فيهما مترتبا على الواقع ، ودعوى ان عنوان البلوغ مجرد مشير إلى استحباب نفس العناوين البالغ عليها الثواب ليس بأولى من حمله على الحكم الطريقي وخلاف ظاهر الخطاب الواحد في انه جعل واحد وبملاك واحد لا تجميع لجعول عديدة.

١٣٠

مقطوع البطلان إذ لا إشكال في ان الثواب أو الاستحباب الثابت بهذه الروايات قد أخذ في موضوعه عنوان البلوغ قيدا اما بنحو الحيثية التعليلية أو التقييدية ، وان أريد ان هذه الاخبار تثبت نفس المقدار من الثواب كما وكيفا في مورد البلوغ فهذا صحيح ولكنه لا ينافي مع كون الثواب على العمل المأتي به بداعي الانقياد والوصول إلى الثواب البالغ (١).

واما القرينة الثانية للاختصاص أعني حمل المطلقات من الاخبار على ما ورد فيه التقييد بالإتيان بالعمل التماسا للثواب ، فحمل المطلق على المقيد في المثبتين كما في المقام انما يتم لو أحرز وحدة الحكم من الخارج أو ثبت استحالة تعدده للزوم اجتماع المثلين أو نحوه ـ على ما هو مشروح في محله وعلى كلام في جريانه في المستحبات فلو فرض القطع في المقام بوحدة الحكم في المطلقات والمقيدات واستبعدنا احتمال ان تكون المقيدات إرشادا إلى حكم العقل بحسن الاحتياط أو الأمر بالاحتياط الشرعي مثلا والمطلقات ناظرة إلى الاستحباب النفسيّ ـ كما لا يبعد ذلك لوحدة لسانها ولأن الإرشاد إلى حسن الاحتياط لم يكن بحاجة إلى فرض بلوغ الثواب بخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا إلى تحديد مقدار الثواب ـ حمل المطلق على المقيد والا فلا يمكن حمل المطلق عليه ولا تتم هذه القرينة أيضا.

الا ان أصل استفادة التقييد من الروايات التي توهم فيها القيد محل إشكال ، لأن المقصود من التماس الثواب ـ أو طلب قول النبي الّذي هو الثواب أيضا. وان كان هو الثواب الواقعي البالغ والمترتب على الأمر الواقعي الا ان ذكر ذلك ليس من أجل تقييد المتعلق وجعل المطلوب المولوي خصوص هذه الحصة بل من أجل ان ذلك شرط لترتب الثواب في كل مطلوب مولوي فلا يكون ذكره من باب أخذه قيدا في متعلق المطلوب المولوي بهذه الاخبار كما لم يكن قيدا في متعلق المطلوب المولوي الواقعي البالغ بالخبر الضعيف رغم اشتراطه في ترتب الثواب ، فلا وجه لتوهم الاختصاص والتقييد على تقدير استفادة حكم مولوي من هذه الاخبار.

__________________

(١) الظاهر ان المقصود ظهور الاخبار في الحث والترغيب على نفس ما أبلغه الخبر الضعيف أو تتميم محركيته فتكون ظاهرة في ان المكلف به نفس العمل الّذي يكلف به الخبر الضعيف وان كان في مورد البلوغ وهو ذات العمل لا العمل بقيد الإتيان به بداعي الانقياد.

١٣١

الجهة الرابعة ـ في شمول اخبار من بلغ للخبر الدال على كراهة فعل ورجحان تركه ، والبحث عن ذلك يقع تارة في أصل اختصاصها بما يدل على الاستحباب أو شمولها لموارد الكراهة ، وأخرى في ان الثابت بها في موارد الكراهة مجرد رجحان الترك أو تثبت بها كراهة الفعل أيضا ، وثالثة في ما إذا دل خبر على الاستحباب وآخر على الكراهة.

فهذه مقامات ثلاثة :

اما المقام الأول ـ فقد يستشكل في شمول هذه الاخبار لموارد الكراهة لا من جهة ان النّظر فيها إلى الطلب لا الزجر والمنع ليقال بان هذا لا يأتي فيما يكون بلسان الحث والترغيب أو يقال بأنه متفرع إلى ان يكون الأمر بعثا والنهي زجرا لا طلب الترك ، بل من جهة انصراف ألسنتها بقرينة قوله ( فعمله ) إلى الفعل ونحوه لا إلى محض الترك والأمر العدمي. وهذا الاستشكال لو تم استوجب عدم شمولها لما إذا ثبت استحباب ترك فعل بخبر ضعيف أيضا فلا يختص الإشكال بالمكروهات.

والصحيح : ان العرف بحسب المناسبات المرتكزة في ذهنه يلغي خصوصية الفعل والترك ويفهم من هذه الاخبار ان تمام النكتة والموضوع لهذا الحكم هو بلوغ الخير والثواب على شيء سواء كان فعلا أو تركا وجوديا أو عدميا.

واما المقام الثاني ـ فالظاهر ان الّذي يثبت بهذه الاخبار مجرد رجحان الترك في مورد المكروهات ومطلوبيته ولا يثبت بالخبر الضعيف الكراهة ، وهذا بناء على استفادة الاستحباب النفسيّ من هذه الاخبار لعنوان البلوغ واضح ، فان استفادة الاستحباب في مورد خبر الاستحباب والكراهة في مورد خبر الكراهة خلاف ظهورها في جعل سنخ واحد من الحكم ، واما بناء على استفادة جعل الحجية منها فائضا كذلك لأنها تثبت الحجية بمقدار بلوغ الثواب لا أكثر أي تثبت رجحان الترك الجامع بين استحبابه ذاتا أو تبعا وباعتباره نقيض المكروه ولا يثبت الكراهة بعنوانها وخصوصيتها (١)

__________________

(١) الظاهر اننا لو حملنا الاخبار على بيان الحكم الطريقي الظاهري فيكون ظاهرها بحسب المناسبات المركوزة انها للتحفظ على نفس الأحكام الواقعية المشتبهة من الاستحباب تارة والكراهة أخرى ، بل ظهورها في إثبات نفس الثواب الّذي أبلغه الخبر الضعيف من حيث نوع الحكم يقتضي ثبوت نفس النوع من الثواب المبلغ بالخبر الضعيف من حيث سببه وملزومه من الاستحباب تارة والكراهة أخرى والحكم الطريقي الظاهري واحد سنخا في تمام الموارد وليس من قبيل الحكم النفسيّ ليستبعد.

١٣٢

واما المقام الثالث ـ فقد ذكر السيد الأستاذ انه إذا دل خبر على استحباب شيء والآخر على كراهته فبناء على اختصاص اخبار من بلغ بالمستحبات وعدم شمولها للمكروهات يثبت الاستحباب ولا مزاحم له ولا معارض لعدم حجية خبر الكراهة بحسب الفرض ، واما إذا قيل بشمول اخبار من بلغ للمكروهات أيضا فقد يقال بعدم المانع من ثبوت استحباب كل من الفعل والترك ، غاية الأمر يقع بينهما التزاحم ولا ضير بذلك في المستحبات فانه كثيرا ما يكون في كل من الفعل والترك مصلحة ورجحان.

الا ان الصحيح التفصيل بين ما إذا كان الاستحباب والكراهة معا توصليين أو كان أحدهما على الأقل تعبديا ، إذ في الحالة الأولى يقع التنافي بين استحباب الفعل والترك معا إذ يلزم منه لغوية الجعلين فان المكلف لا يمكنه الجمع بين الفعل والترك بل أحدهما ضروري في حقه دائما بخلاف الحالة الثانية التي يمكن فيها مخالفتهما معا بالإتيان بالفعل مثلا من غير قصد القربة فيكون من التزاحم (١).

وفي هذا الكلام ومواقع للنظر :

الأول ـ منع إطلاق اخبار من بلغ في نفسها للخبر الدال على الاستحباب في قبال ما يدل على الكراهة حتى بناء على اختصاصها بالمستحبات ، لأن الظاهر عرفا من التفريع فيها ان العمل يصدر من المكلف متفرعا على البلوغ فلا بد وان يكون البلوغ في المرتبة السابقة بنحو بحيث يدعو المكلف إلى العمل وهذا لا يكون الا مع بلوغ الاستحباب فقط لا بلوغ الاستحباب والكراهة معا مع فرض تساويها احتمالا ومحتملا ـ فانه حينئذ لا يكون الأمر البالغ محركا مولويا للمكلف باتجاه الفعل في قبال الترك ولا نريد بهذا الكلام اشتراط محركية الاستحباب الواقعي ليقال بكفاية قصد الأمر الثابت بنفس هذه الاخبار ، بل القصد ان الظاهر من ألسنة هذه الاخبار تتميم المحركية والحث على العمل في مورد البلوغ المشكوك وهذا اللسان لا إطلاق له لمورد

__________________

تعدد السنخ الموارد ، بل على القول بالحكم النفسيّ أيضا ربما يقال فأقوائية الظهور المذكور من الظهور في وحدة سنخ المجعول.

(١) هذا إذا كان لسان هذه الاخبار الأمر ، وليس كذلك فان لسانها ترتيب الثواب وهو لا يقتضي أكثر من المحبوبية والرجحان وهو يمكن ان يكون فيما لا ثالث لهما وفيما لا يمكن فيه الترتب على ما حققناه في بحوث التعارض والتزاحم فراجع.

١٣٣

لا تكون المحركية ثابتة في المرتبة السابقة وبقطع النّظر عن هذه الاخبار كما في أكثر فروض ورود خبر ضعيف يدل على استحباب عمل ورد فيه الكراهة أيضا (١).

الثاني ـ ما ذكره من التفصيل بناء على شمول اخبار من بلغ الخبر الكراهة بين ما إذا كان المستحب والمكروه توصليين أو كان أحدهما على الأقل تعبديا لا بد وان يلحظ بالقياس إلى الاستحباب الثابت باخبار من بلغ نفسها لا بالخبرين الضعيفين ، لأن المفروض عنده ان اخبار من بلغ لا تثبت حجية الخبر الضعيف واخبار من بلغ قد أخذ في موضوعها ولسانها قصد التقرب لأن النّظر فيها إلى الثواب وهو لا يترتب الا في هذا الفرض ولا أقل من انه لا إطلاق لها كي يمكن نفي تعبدية هذا الاستحباب فيثبت التزاحم بين استحباب الفعل واستحباب الترك دائما لا التعارض (٢).

الثالث ـ ما ذكر من التفصيل وافتراض وقوع التزاحم بناء على ان يكون أحد الاستحبابين تعبديا غير صحيح في المقام (٣) سواء قلنا بجريان التزاحم في المستحبات كما هو الصحيح ـ أو لم نقل.

اما على الأول ، فلان فرض جريان التزاحم فيها يعني الالتزام بالترتب بينهما من الجانبين وان كلا منهما مشروط استحبابه بعدم امتثال الآخر وهذا في المقام غير معقول لأن الطرفين هما الفعل والترك وفرض ترك كل منهما مساوق مع تحقق الآخر بالضرورة ـ لاستحالة ارتفاع النقيضين ـ ومعه يستحيل محركية الأمر وداعويته نحوه.

وان شئتم قلتم : ان فرض عدم الترك وان كان يناسب حصتين إحداهما الحصة القربية وهي المحبوبة والأخرى غير القربية وهي غير المحبوبة ولكن يستحيل ان يجعل

__________________

(١) هذا الكلام ينبغي ان يذكر بناء على عموم اخبار من بلغ لدليل الكراهة فيقال بعدم ثبوت الاستحباب بها لا للفعل ولا للترك في نفسه لا من جهة التعارض ، واما إذا فرض ان النّظر إلى خصوص بلوغ الاستحباب فغاية ما يقتضيه لسان هذه الاخبار محركية الاستحباب من ناحية وهي ثابتة حتى في مورد خبر الكراهة ولا وجه لتقييدها بغير ذلك.

(٢) لا يبعد دعوى ظهورها في ثبوت الاستحباب لنفس العمل البالغ عليه الثواب باعتبار البلوغ من دون أخذ قيد قصد القربة في متعلق الاستحباب فلإطلاق النافي للتعبدية ثابت ، وأوضح من ذلك لو استفيد منها الحكم الطريقي الظاهري على مستوى الأمر بالاحتياط.

(٣) الأولى في المنع عن تطبيق التزاحم في المقام بأنه من موارد التعارض لأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام فلا يعقل ان يكون كل من. الفعل والترك مستحبا ولو كان أحدهما عباديا لأن محبوبية كل منهما تستلزم مبغوضية الآخر تبعا فيستحيل الأمر به ولو ضمنا ، اللهم الا ان يفترض ان المستحب عنوان وجودي دائما وهو متابعة الخبر البالغ لا نفس الفعل والترك وهو خلاف الظاهر كما لا يخفى.

١٣٤

الأمر مشروطا بان لا يترك بقصد تحقيق الحصة القربية إذ بعد فرض انه لم يترك يكون الفعل ضروريا ومع ضروريته في المرتبة السابقة على الأمر يستحيل ان يؤتى به على وجه قربي بل يكون مأتيا به باعتباره هذه الضرورة. نعم لو كان كل من الفعل والترك قربيين لم يرد هذا الإشكال لأن فرض عدم الترك القربي ليس مساوقا لفرض الفعل.

واما على الثاني ، فمضافا إلى عدم جريان التزاحم في المستحبات يرد عليه في خصوص المقام بان البعث والتحريك المولوي مع فرض استحباب كل من الفعل والترك غير معقول سواء فرض كلاهما توصليين أو تعبديين أو أحدهما توصليا والآخر تعبديا ، لأنه وان كان أخذ قصد القربة قيدا لأحدهما أو كليهما يوجب إمكان مخالفتهما ووجود ضد ثالث لهما الا ان الداعي القربي انما يحرك ويبعث نحو ذات الفعل أو الترك لا نحو الداعوية والمحركية وتحريكه نحو أحدهما بالخصوص فرع ان لا تكون نسبة المولى إليهما على حد سواء ، والمفروض في المقام ان نسبة المولى إلى خصوصية كل منهما على حد واحد ، وتحريكه نحو الجامع بينهما كما في الضدين الذين لهما ثالث غير معقول في المقام لضرورية الجامع بين الفعل والترك بخلاف سائر المستحبات أو الواجبات المتزاحمة ، على ان مقتضي اخبار من بلغ استحباب ما دل عليه الخبر الضعيف وهو خصوص كل منهما لا الجامع بينهما (١).

__________________

(١) هذا الإشكال ان تم فهو يؤدي إلى عدم إمكان الأمر بالضدين اللذين لا ثالث لهما مطلقا أي حتى إذا كان أحدهما أو كلاهما تعبديا ، وهذا يعني انه إذا كان للمولى غرض فيهما مشروط أحدهما أو كلاهما بقصد القربة فلا يمكنه الوصول إلى غرضه حتى بنحو الاخبار عنه لأن الداعوية مستحيلة بحسب الفرض.

والتحقيق ان يقال : ان هذا الإشكال بحسب الحقيقة ينحل إلى اعتراضين :

أحدهما ـ عدم تأتي قصد القربة وداعي الأمر حيث يقال : بان الأمر لا يعقل في المقام ان يكون داعيا لا إلى الجامع بينهما لأنه ضروري ولا إلى خصوص أحدهما لأنهما سيان بالنسبة للمولى.

وهذا الإشكال يمكن ان يجاب عليه : بان المراد بقصد القربة ليس هو الداعوية الفعلية بمعنى صدور الفعل خارجا بنية الأمر بالفعل بل تكفي الداعوية التقديرية أي ان تكون حالة المكلف بحيث لو لم يكن له مقتض وداع آخر للفعل لأقدم عليه أيضا من أجل المولى بدليل صحة العبادة في الموارد التي يكون للمكلف داع شخصي يوجب الإقدام على الفعل على كل حال ، وهذه القضية الشرطية أي الداعوية التقديرية صادقة حتى إذا كان الجامع ضروريا فان المكلف المطيع للمولى يصدق في حقه انه يأتي بالجامع أو الفرد للمولى حتى إذا لم يكن ضروريا ، نعم لو اشترط الداعوية الفعلية بحيث لولاها لما تحقق الفعل فهو غير ممكن في المقام لا بالنسبة إلى الإتيان بالجامع لكونه ضروريا ولا بالنسبة إلى الخصوصتين لأن نسبتها إلى المولى على حد واحد.

الثاني ـ لغوية الأمر حيث يقال : بأنه على تقدير ترك أحدهما يكون الآخر واجبا فلا يعقل الأمر بإيجاده.

١٣٥

الرابع ـ انه بناء على ثبوت الكراهة باخبار من بلغ في مورد الخبر الضعيف الدال على الكراهة سوف يكون المقام من التعارض لا محالة التزاحم لوحدة مركز الإرادة والكراهة حينئذ.

الجهة الخامسة ـ في شمول اخبار من بلغ للخبر الضعيف المعلوم الكذب وجدانا أو تعبدا. وقد ذكر مشهور المحققين انها لا تشمل موارد العلم وجدانا أو تعبدا بكذب الخبر الدال على الاستحباب كما إذا قام خبر صحيح يدل على حرمة ذلك الفعل أو عدم استحبابه ، وقد ذكر في وجه ذلك الانصراف تارة والحكومة أخرى بدعوى ان الدليل المعتبر الدال بالمطابقة أو الالتزام على نفي الاستحباب يجعلناه عالمين تعبدا بعدم الاستحباب وكذب الخبر الضعيف واخبار من بلغ قد أخذ في موضوعها احتمال صحة البلوغ ومطابقته للواقع.

والتحقيق ان يقال ـ ان اخبار من بلغ وان كان يعقل ثبوتا شمولها للخبر الضعيف المقطوع كذبه بناء على ان المجعول فيها الاستحباب النفسيّ لا حجية الخبر ، الا ان هذا خلاف الظاهر فيها إثباتا ، لأن الظاهر منها تفرع العمل على الثواب البالغ وهذا لا يكون مع القطع بالكذب ، كما انه لا يكون مع ثبوت الحرمة بل الكراهة بدليل معتبر ولو كان إطلاق آية أو رواية لأنه مع تنجز ذلك لا يتحقق الانبعاث والتفريع على الثواب في المرتبة السابقة.

واما مورد دلالة خبر صحيح على عدم الاستحباب فلا وجه لدعوى خروجه عن إطلاق اخبار من بلغ ، لأن حجية ذلك الخبر لا تعني الجزم بعدم الاستحباب لكي لا يعقل الانبعاث في المرتبة السابقة فيمكن للمكلف ان يأتي به رجاء مطابقة الخبر الضعيف للواقع رغم حجية الخبر الصحيح.

ودعوى ان الدليل المعتبر الدال على عدم الاستحباب يجعلنا عالمين تعبدا بالكذب وعدم مطابقة الخبر الضعيف للواقع.

مدفوعة : بأنه غير تام حتى بناء على مباني جعل الطريقية وقيام الأمارات مقام

__________________

وهذا الإشكال انما يتجه إذا كانا معا توصليين ، واما إذا كان أحدهما تعبديا فلا لغوية في الأمر بهما بنحو الترتب لأن فائدته صرف المكلف عن الإتيان بالحصة غير القربية.

١٣٦

القطع الموضوعي ، إذ لم يؤخذ في موضوع اخبار من بلغ عدم العلم أو الشك واحتمال المطابقة كما في مثل حديث الرفع ( كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام ) لكي تتم الحكومة ، وانما المأخوذ فيها إمكان العمل على الثواب البالغ والانبعاث منه ، وهذا ثابت مع احتمال مطابقة الخبر الضعيف للواقع ولو قامت حجة على عدم مطابقته للواقع. وان شئت قلت : ان إمكان الانبعاث لازم تكويني للشك والعلم التعبدي لا يرفع اللوازم التكوينية للشك.

الجهة السادسة ـ في جواز إفتاء المجتهد باستحباب العمل الّذي بلغ عليه الثواب للعامي الّذي لم يصل إليه ذلك الخبر. وقد فرع المحقق العراقي ( قده ) جواز ذلك على القول بان مفاد هذه الاخبار جعل الحجية للخبر الضعيف لأن الحجية وان كانت في حق من بلغه الخبر الضعيف وهو المجتهد خاصة الا ان مفاد الخبر البالغ هو استحباب العمل على كل المكلفين فيمكنه الإفتاء به (١).

والتحقيق ـ ان هناك وجوها عديدة لتخريج جواز إفتاء المجتهد بالاستحباب ، بعضها يتم حتى على القول باستفادة الاستحباب النفسيّ من اخبار من بلغ وهي كما يلي :

الأول ـ تخريج الإفتاء على أساس ان المجتهد بعد جعل الحجية للخبر الضعيف في حقه يصبح عالما تعبدا بالاستحباب فترتب على آثار العلم من الإفتاء والحجية للمقلدين.

وفيه ـ إنكار مبنى قيام الأمارات مقام القطع الموضوعي خصوصا في حجية ثابتة بمثل هذه الاخبار لا بالسيرة وملاكات الكاشفية العقلائية.

الثاني ـ إفتاء المجتهد بالحكم الظاهري بالاستحباب الثابت في حقه جزما ، فان المتفاهم عرفان ان موضوع الحجية المستفادة من اخبار من بلغ واقع الخبر المبلغ للثواب لا البلوغ ، بل البلوغ بلوغ للحجة بحسب الحقيقة.

وفيه ـ ان هذا الحكم الظاهري موضوعه البلوغ وهو غير حاصل في حق غير المجتهد ، إذ ليس هذا الحكم الطريقي الظاهري بملاك الكاشفية الصرفة وقوة الاحتمال بل

__________________

(١) نهاية الأفكار ، القسم الثاني من الجزء الثالث ، ص ٢٨٦.

١٣٧

لخصوصية البلوغ ونوع الحكم البالغ دخل في ثبوت هذا الحكم الظاهري بحيث لا يمكن إلغاء هذه الخصوصية والتعدي لمن لم تثبت في حقه هذه الخصوصية.

الثالث ـ ان جواز الإفتاء اما ان يكون موضوعه الواقع فأخبار من بلغ تجعل الخبر الضعيف كالخبر الصحيح في الحجية وإثبات الاستحباب الواقعي فيفتي به المجتهد للمقلدين ، واما ان يكون موضوعه الأعم من العلم بالواقع وقيام الحجة الشرعية فيكون الخبر الضعيف محققا لذلك بناء على استفادة جعل الحجية له من اخبار من بلغ.

وفيه : أولا ـ ان هذا مبتن على ان يستفاد من اخبار من بلغ ترتيب تمام آثار الحجية على الخبر الضعيف لا بمقدار الاستحباب والثواب على العمل به فقط ، وقد تقدم ان سياق الترغيب في هذه الاخبار لا يساعد على استفادة أكثر من ذلك منها.

وثانيا ـ الصحيح ان جواز الإسناد إلى الشارع والإفتاء موضوعه العلم لا الواقع ـ كحرمة الكذب ، غاية الأمر قام الإجماع على قيام الحجج والأمارات مقام العلم بالواقع وهذا الإجماع والتسالم قدره المتيقن الأمارات والحجج المتعارفة لا مثل هذه الحجية بناء على استفادتها من اخبار من بلغ.

الرابع ـ ان المجتهد بحسب الحقيقة يفتي بكبرى استحباب العمل الّذي بلغ عليه الثواب عموما ويخبر بتحقق صغرى الخبر المبلغ للثواب في الموارد الخاصة فيتحقق صغرى البلوغ للمقلد أيضا فيثبت الاستحباب في حقه إذ لا يراد بالبلوغ إبلاغ الراوي المباشر بالخصوص.

وبهذا التقرير لا يرد ما قد يقال من استحالة تحقق البلوغ بنفس إفتاء المجتهد بالاستحباب لأن ثبوت الاستحباب بنفس الإفتاء به كثبوت الحكم بالعلم بشخصه محال ، فان المجتهد لا يفتي بالاستحباب الثابت باخبار من بلغ بل يفتي بموضوع هذا الاستحباب وهو الخبر المبلغ للاستحباب الواقعي.

وهذا الوجه يتم على كلا القولين في اخبار من بلغ ، الا انه خلاف ما هو ظاهر عمل الأصحاب من الإفتاء بالاستحباب بناء على قاعدة التسامح كحكم واقعي أولي لا كحكم ثانوي متوقف على إبلاغ المجتهد لمقلديه بالثواب الواصل بالخبر الضعيف.

١٣٨

٤ ـ جريان البراءة في الشبهة الموضوعية :

ولا ينبغي الإشكال في جريان البراءة في الشبهة الموضوعية حتى عند المنكرين لها في الشبهة الحكمية ، وانما البحث في جهتين :

إحداهما ـ في ان الجاري فيها البراءتان الشرعية والعقلية أو إحداهما فقط.

الثانية ـ في بيان ضابط الشبهات الموضوعية التي تجري فيها البراءة

اما البحث في الجهة الأولى ـ فلا ينبغي الإشكال في جريان البراءة الشرعية في الشبهة الموضوعية لا طلاق بعض أدلتها كحديث الرفع ، وان كان بعضها قد يكون مختصا بالشبهة الحكمية ، بل بعض أدلة البراءة كحديث ( كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه ) قد يدعى اختصاصه بالشبهة الموضوعية.

وقد نوقش في الاستدلال به بورودها في مورد العلم الإجمالي بقرينة قوله ( فيه حلال وحرام ) وقوله ( حتى تعرف الحرام بعينه ) فيدل على البراءة في الشبهة البدوية بالدلالة الالتزامية ، وحيث ان مدلوله المطابقي ساقط جزما لوضوح عدم جريان البراءة في موارد العلم الإجمالي والشك في المكلف به ـ على ما سوف يأتي ـ فلا يمكن التمسك بمدلوله المطابقي أيضا للتبعية بين الدلالتين.

والبحث عن اختصاص مدلوله المطابقي بالشك في المكلف به متروك إلى البحث الإثباتي القادم في مبحث العلم الإجمالي كما ان البحث عن إمكان جريان البراءة الشرعية في أطراف العلم الإجمالي تقدم ويأتي أيضا في المبحث الثبوتي لمنجزية العلم الإجمالي ، وانما نقول في المقام بأننا حتى إذا سلمنا بالقرينة المتقدمة اختصاص مفاد هذا الحديث بموارد العلم الإجمالي فغاية ما يسقط من مدلوله المطابقي صورة الشبهة المحصورة من أطراف العلم الإجمالي لا غير المحصورة ، وثبوت هذا المقدار يكفي لا ثبات البراءة في الشبهات البدوية بالملازمة ، ودعوى احتمال الفرق باعتبار ضعف احتمال التكليف في كل طرف من أطراف الشبهة غير المحصورة مدفوعة.

أولا ـ بان إطلاق الحديث شامل لما إذا كان احتمال التكليف في بعض أطراف الشبهة غير المحصورة معتدا به أو مظنونا فيكون ثبوت البراءة في الشبهة البدوية أولى.

وثانيا ـ القرينة العقلية المخصصة تخصص فقط موارد الشبهة المحصورة لعلم إجمالي

١٣٩

منجز ، واما إذا لم يكن العلم منجزا ولو كانت الشبهة غير محصورة كما لو كان أحد أطرافها خارجا عن محل الابتلاء أو يجري فيه أصل مؤمن فلا بأس بالتمسك بإطلاق الحديث في سائر أطرافه.

وثالثا ـ ان هذه الدلالة الالتزامية ثابتة لأصل مدلول هذا الحديث وهو ثبوت الترخيص ما لم يعلم الحرام بعينه ، لأن ظاهره ان الملاك في الترخيص عدم معرفة الحرام بعينه لا الاطمئنان بعدمه في هذا الطرف بالخصوص ولهذا يكون ظاهره الترخيص في تمام أطراف الشبهة غير المحصورة واما البراءة العقلية بناء على القول بها كبرويا في حق أحكام الشارع والمولي الحقيقي كما هو المشهور فقد اختلفت كلماتهم حولها في الشبهة الموضوعية ، حيث ادعى بعضهم عدم جريانها هنا لتمامية البيان من قبل المولى كبرويا وانما الشك في صغرى الحكم وليس من وظيفة المولى بيانه.

وقد ذهب الأكثر إلى جريانها أيضا ، وأجابوا على الإشكال المذكور بأحد نحوين :

الأول ـ ان المراد بالبيان الإظهار وهو كما يتوقف على وصول الحكم كبرويا كذلك يتوقف على وصوله صغرويا.

الثاني ـ ان المراد بالبيان في القاعدة العلم لا المعنى اللغوي لكلمة البيان ، لأن ملاك هذه القاعدة ونكتتها ليس هو تقصير المولى حتى يقال بعدم التقصير في الشبهة الموضوعية لأنه ليس من شأنه بيان الموضوعات ، وانما ملاكه عدم المقتضي للتحريك الّذي هو العلم وهذا ثابت في الشبهتين على حد واحد.

ونفس هذا الاختلاف بينهم في أصل الجريان وفي صيغة الإجابة على الإشكال يشهد بعدم بداهة هذه القاعدة التي أرسلها بعضهم إرسال المسلمات.

وأيا ما كان فالوجه الأول من الوجهين جوابه واضح ، فان هذه قاعدة عقلية وليست نصا شرعيا ليبحث في حدود معنى كلمة البيان لغة أو عرفا ، وانها هل تشمل الشبهات الموضوعية أم لا.

واما الوجه الثاني فان أريد من ذلك دعوى قبح العقاب بلا مقتض مولوي للتنجيز فهذا مسلم كبرويا ومعترف ببداهتها ولكنها لا تثبت صغراها في مورد الشك في التكليف بنحو الشبهة الحكمية أو الموضوعية بل لا بد من ملاحظة ان العقل يدرك

١٤٠