بحوث في علم الأصول - ج ٤

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

بالإجمال في الأطراف الأُخرى ، إذ على تقدير كذب تلك الرواية سوف تفقد القيمة الاحتمالية لها وبالتالي نفقد مبرر علمنا الإجمالي ومن هنا قلنا في بحوثنا عن الأُسس المنطقية للاستقراء انَّ ما يتصوّره المنطق الأرسطي من إمكان تشكيل قضايا شرطية في أطراف العلوم الإجمالية لا يتمّ إِلاّ في أطراف علوم إجمالية متحصلة من قيم احتمالية بقطع النّظر عن أطرافها وثابتة في رتبة أسبق لا ما إذا كانت متحصلة من تجميع القيم الاحتمالية لنفس الأطراف كما هو في المقام.

وهكذا يتّضح عدم تمامية الدليل العقلي على حجية اخبار الآحاد وعدم الانتهاء إلى نفس النتيجة المطلوبة من الحجية على تقدير تماميته.

ثمَّ انَّ هنا تقريبات أُخرى للدليل العقلي على الحجية راجعة إلى دليل الانسداد وإثبات حجية الظنّ لا تختصّ ببحث حجية خبر الواحد.

تلخيص واستنتاج :

اتّضح من مجموع ما ذكرناه انَّ المهم من الأدلة على حجية خبر الثقة هو السنة المستكشفة من السيرة خصوصاً سيرة المتشرعة من أصحاب الأئمة عليهم‌السلام ، ويتلوها في الأهمية الروايات الخاصة المشار إليها آنفاً وامَّا الآيات أو الدليل القطعي فلم يتم شيء منهما والإجماع إِنْ تمّ فبمعنى يرجع إلى سيرة أصحاب الأئمة عليهم‌السلام. وقد عرفت كيفية الاستدلال بسيرة المتشرعة من أصحابهم ولكن بقيت شبهة لا بدَّ من التعرّض إليها مع جوابها.

حاصل الشبهة : انَّ عمل أصحاب الأئمة بالأخبار والروايات باعتباره دليلاً لبّيّا لا لسان له ليعلم انَّ أساس ومبنى عملهم هل هو أماريّة وثاقة الراوي وحجيته أو حصول اطمئنان شخصي لهم من تلك الروايات الّذي بناءً عليه يكون المستفاد من السيرة حجية الاطمئنان والعلم العادي الّذي لا إشكال فيها حتى لو حصل من غير خبر الثقة ، فلا بدَّ في تتميم الدليل على حجية خبر الثقة من نفي هذا الاحتمال.

والتحقيق : انَّه لا ينبغي التشكيك بوجه في انَّ أصحاب الأئمة عليهم‌السلام انَّما عملوا بهذه الروايات على أساس أمارية الوثاقة وحجيتها لا على أساس حصول الاطمئنان

٤٢١

الشخصي لهم بصدورها ، لأنَّ دعوى حصول ذلك لهم من جميع هذه الروايات واهية جداً سواءً أُريد ادعاء انه اطمئنان شخصي بحق وعلى أساس حساب احتمالات صحيحة لمن كان في مثل موقفهم أو أُريد ادعاء انَّهم قد حصل لهم الاطمئنان منها ولو جزافاً ومن جهة حسن الظنّ أو الغفلة عن المضعفات.

امَّا الادعاء الأول ، فلأنَّ من غير المحتمل حصول الاطمئنان الشخصي بحق في كثير من الحالات الغالبة في الروايات المذكورة لاقترانها بالمضعفات الواضحة التي بموجبها لا يمكن أن يحصل الاطمئنان الشخصي عادة منها ، نذكر منها ما يلي :

١ ـ إذا كان الخبر معارضاً مع عموم قطعي السند واضح الدلالة فانَّ العموم وإِنْ كان قابلاً للتخصيص إِلاّ انَّه على كلّ حال له كاشفية عن الواقع فيكون عاملاً مضعفاً لحصول الاطمئنان الشخصي من الرواية المخالفة معه.

٢ ـ عكس ذلك ، أي ما إذا كان الخبر دالاً على عموم في قباله مخصصات قطعية السند ، فانَّ ذلك أيضا يضعف من قيمة احتمال صدور العام الظنّي السند بمقدار أمارية العموم وقيمته الاحتمالية.

٣ ـ الخبران المتعارضان فانَّ المستظهر من حال المتشرعة والمستشف من الاخبار العلاجية أيضا انَّهم كانوا يتحيرون في الأخذ بأيّهما ، وهذا يكشف عن انَّهم كانوا يفترضون ثبوت مقتضي الاعتبار في كلّ منهما في نفسه مع انَّه إذا كان أساس الاعتبار هو حصول الاطمئنان الشخصي فعادة لا يحصل ذلك في حالات التعارض فلما ذا التحير بل حالها حال خبرين من غير الثقة.

٤ ـ حالة التعارض بين خبر الثقة وخبر غيره ، فانَّ عملهم كان على الأخذ بخبر الثقة من دون اعتناء بمعارضه الصادر عن غير الثقة ، مع انَّه لو كان أساس الحجية هو الاطمئنان الشخصي بصدور الخبر والكشف التكويني فهذا قد لا يحصل مع وجود معارض له ولو من غير الثقة ، فانَّ المضعف لا ينحصر بخبر الثقة لأنَّ المسألة ترتبط حينئذ بالكشف التكويني وحساب الاحتمالات.

٥ ـ عدم التفرقة في الاعتبار بين ما إذا كان الخبر المنقول قد تحمله الراوي شفهياً عن الإمام عليه‌السلام ثمّ نقله أو سجله عنده وجعله أصلاً مع انَّ القيمة الاحتمالية تضعف

٤٢٢

في حالات النقل الشفهي خصوصاً إذا كان هناك فاصل زمني بين زمن النقل وزمن التحمل (١).

٦ ـ موارد وجود مصلحة أو اتجاه مسبق للراوي قد يقتضي أَنْ يكون الحكم الشرعي على نحو مخصوص. كما إذا كان الراوي نخّاساً مثلاً أو صرّافاً وينقل حكماً في موضوع مرتبط بالنخاسة أو البيع والصرف ، فانَّ مثل هذه الخصوصيات والملابسات قد تضعف من قيمة احتمال الصدق وتمنع من حصول الاطمئنان الشخصي بصدق الراوي.

٧ ـ موارد مزاحمة أمارية وثاقة الراوي وكاشفيتها التكوينية مع حساب احتمالات في المضمون المنقول من قبله ، كما إذا كان مضموناً غريباً يستبعد صدقه أو على خلاف المرتكزات والمتبنّيات أو كان المتن مشوّشاً لفظاً أو أُسلوباً ، فانَّ مثل هذه الملابسات لها دور في تضعيف قيمة احتمال صدور الرواية.

٨ ـ بنائهم العملي على العمل بالخبر مع الواسطة ، مع انَّه لا إشكال في عدم حصول الاطمئنان الشخصي عادة مع تعدد الوسائط ولو فرض حصوله فيما إذا لم تكن وسائط.

وامَّا الادعاء الثاني وهو حصول الاطمئنان الشخصي لهم جزافاً ، فهذا أشنع إذ هذا لا يحتمل وقوعه بالنسبة إليهم جميعاً وفي جميع الروايات بعد ملاحظة انَّ قوانين حساب الاحتمالات وقواعده عامة وجدانية عند كلّ إنسان وإِنْ لم يبحثوا أُسسه المنطقية.

وهكذا يثبت انَّ أساس عملهم لا يمكن أَن يكون حصول الاطمئنان الشخصي لهم منها بل ولا الظنّ الشخصي ، وانَّما كان على أساس أمارية الوثاقة وحجيتها شرعاً.

__________________

(١) هذا لا ربط له بحصول الاطمئنان الشخصي من ناحية عدم الكذب وانَّما هو مرتبط بباب الخطأ المنفي بأصل عقلائي ، اللهم إِلاّ أَن يدعى انَّ أصالة عدم الخطأ أيضا من باب الاطمئنان الشخصي إِلاّ انَّ الظاهر انَّه من قبيل الظواهر بل من شئونها لا من باب الاطمئنان.

٤٢٣

تحديد دائرة الحجية :

والكلام حول المقدار الّذي يثبت حجيته من اخبار الآحاد يقع على ضوء المسالك المختلفة في مدارك وأدلة حجية خبر الواحد المتقدمة وذلك على التفصيل التالي :

١ ـ أَن يكون مدرك الحجية مثل آية النفر والكتمان ، فانَّه على أساس ذلك تثبت الحجية لمطلق الخبر والإنذار فيكون مقتضى الأصل الأوّلي حجية كلّ خبر إِلاّ ما يخرج بالدليل الخاصّ ، والدليل المخصص قام في خصوص خبر الفاسق. فانَّه مضافاً إلى الإجماع والتسالم على عدم حجية اخباره يقتضيه منطوق آية النبأ حيث أمرت بالتبين عنه الّذي هو إرشاد إلى عدم الحجية وهذا لا إشكال فيه كبروياً ، إِلاّ انَّ الكلام في المراد بالفاسق فهل المراد منه الفسق الشرعي أو الفسق الخبري أي غير الثقة. امَّا الإجماع والتسالم فمتيقنه الأخير وامَّا آية النبإ فأيضاً يمكن تقريب ذلك فيها بأحد وجهين :

أولهما ـ تشخيص ذلك على أساس مناسبات الحكم والموضوع للحكم المبين فيها ، حيث انَّ الفسق الخبري هو الميزان المناسب في التوقّف والتثبّت عن اخبار المخبر خصوصاً وكلمة الفاسق لم يكن بعد قد اصطلح فيها على المعنى الشرعي وانَّما كان يراد بها المعنى اللغوي العام من مطلق الانحراف والمروق فيعين بمقتضى المناسبات المذكورة في الانحراف في مقام الاخبار المساوق مع عدم التورع عن الكذب والافتراء ولا أقلّ من انَّها توجب احتمال ذلك وإجمال المخصص المنفصل.

ثانيهما ـ استظهار ذلك بقرينة التعليل في ذيلها بالجهالة التي تكون بمعنى السفاهة جزماً أو احتمالاً على أقلّ تقدير ، والسفاهة انَّما تكون في التعويل على خبر غير الثقة لا الثقة وإِنْ كان فاسقاً من سائر الجهات.

٢ ـ أَن يكون مدرك الحجية مفهوم آية النبأ. وعلى هذا الأساس تثبت حجية خبر غير الفاسق وحينئذ إِنْ تمَّ استظهار حمل الفسق فيها على الفسق الاخباري بأحد الوجهين المتقدمين فالنتيجة هي النتيجة على المدرك السابق ، وإِلاّ بأَن كان مجملاً مردداً بين المعنيين فضلاً عمّا إذا استظهر المعنى الشرعي فلا يمكن إثبات حجية خبر غير

٤٢٤

العادل من الثقات لأنه لا دليل على الحجية غير نفس الآية المجمل منطوقاً بحسب الفرض فيكون مجملاً مفهوماً أيضا.

٣ ـ ان يكون المدرك السنة والسيرة. ولا إشكال في انَّه بناءً على هذا يكون خبر الفاسق الاخباري خارجاً عن موضوع الحجية ، لأنَّ السيرة العقلائية المركوز فيها عدم حجية اخبار الكاذب فكيف يحتمل شمول سيرتهم له. ولو احتمل ذلك فآية النبأ الواردة في خصوص ذلك وكثير من الروايات الواردة في التحذير عن العمل باخبار الوضّاعين والكذّابين وغير الثقات كافية في الردع عن إطلاقها. كما انَّ سيرة المتشرعة منعقدة على العمل بخصوص اخبار الثقات لا غير الثقات ، والتقريب المتقدم لكيفية الاستدلال بالسيرة المتشرعية على الحجية لا يتمّ إِلاّ في حقّ خبر الثقة فقط الّذي يوجد مقتضٍ عقلائي للعمل به لا خبر غير الثقة الّذي يكون مقتضى الطبع العقلائي عدم العمل به ، وامَّا السنّة اللفظية فموضوع ما تمّ منها دلالة خصوص الثقة من الرّواة خصوصاً إذا جعلناها إمضاءً للكبرى المرتكزة عند العقلاء.

وامَّا خبر الثقة فهل يكون ميزان حجيته بناءً على هذا المدرك وثاقة الراوي أو لا بدَّ إضافة إلى ذلك من الوثوق بالنقل وصدقه بقرائن وأمارات أُخرى زائداً على أصل وثاقة الراوي ، وهل انَّ الوثاقة يكتفي فيها بأقلّ مراتبها أو لا بدَّ من توفّر المرتبة العالية منها؟

الصحيح هو التعميم من كلتا الناحيتين وذلك يكون بأحد طريقين :

الأول ـ التمسّك بعموم السيرة العقلائية ، فانَّها لا تشترط أكثر من وثاقة الراوي وبذلك يمكن تقريب عموم سيرة المتشرعة أيضا بنفس البيان المتقدم في أصل تقريبها ، من انَّه لو كان عملهم على غير ذلك مع كثرة الموارد التي لا تتوفر فيها الشروط الزائدة كان لا بدَّ من السؤال والفحص عنهم عليهم‌السلام ولانعكس الردع والاشتراط مع انَّه ليس شيء من هذا القبيل ممّا يكشف عن التعميم لا محالة.

الثاني ـ أَن نتمسك بالسنة اللفظية التي يكون متنها مطلقاً كرواية أحمد بن إسحاق المتقدمة والتي جاء فيها التعليل بمطلق الوثاقة ويكون سندها قطعياً أو من المتيقن حجيته لكونه واجداً للشروط المذكورة فنثبت بها حجية مطلق خبر الثقة.

يبقى بعد ذلك أُمور لا بدَّ من التعرض إليها.

٤٢٥

الأول ـ انَّ خبر الثقة إذا زوحم بأمارة أقوى من وثاقة الراوي في الأمارية فهل يكون مشمولاً لدليل الحجية أيضا؟ الصحيح : عدم شمول دليل الحجية له ، والسبب فيه انَّ الوثاقة التي هي ملاك الحجية تكون بحسب الارتكاز العقلائي وظهور الدليل والسنة اللفظية المحمولة على الارتكازات العقلائية ملحوظة باعتبار كاشفيتها النوعية لا على وجه الصفتية والموضوعية فإذا ابتليت بمزاحم أقوى أوجب وهن احتمال صحّة النقل فلا تشمله السيرة العقلائية ، ولا يتمّ فيه تقريبنا للاستدلال بسيرة المتشرعة كما تنصرف عنه السنة اللفظية. ومن مصاديق ذلك المسألة المعروفة بإعراض المشهور عن خبر صحيح فانَّه يوجب سقوطه عن الحجية إذا كانت الشهرة من قبل الأقدمين من علمائنا القريبين لعصر النصوص ولم يكن تفسير مدركي اجتهادي واضح لفتاواهم.

الثاني ـ خبر غير الثقة إذا كان يوثق بمضمونه نتيجة قرائن وأمارات خارجية بحيث لا تقلّ كاشفيتها وأماريتها عن أمارية خبر الثقة مع ذلك لا يكون حجة ، وذلك لعدم شمول شيء من السنة اللفظية أو السيرة له. اللهم إِلاّ أَنْ يدعى تنقيح المناط وهو فاسد ، لأنَّ المناط في جعل الحجية هو التحفظ على الأحكام الواقعية فلعلّه قد أشبعت حاجة التحفّظ المذكور بمقدار جعل الحجية لخبر الثقة غير الموهون فكيف يمكن التعدّي وإحراز المناط ، بل لو أمكن ذلك لأمكن إِلغاء الخبر أيضا والتعدّي إلى غيره من الأمارات الظنية كالشهرة الفتوائية مثلاً إذا استوجبت نفس تلك الدرجة من الوثوق والكاشفية ومن هنا لا نقبل انجبار الخبر الضعيف بعمل الأصحاب به.

الثالث ـ خبر الثقة إذا كان مشتملاً على وسائط أيضا يكون مشمولاً لأدلة الحجية اللفظية واللبيّة بل من المتيقن انَّ عمل المتشرعة من أصحاب الأئمة عليهم‌السلام بالروايات لم يكن مقصوراً على الاخبار بلا واسطة ، كيف وكثير من الروايات خصوصاً الصادرة من الأئمة الأقدمين عليه‌السلام كانت مع الوسائط ولم يؤثر عن أحد منهم النقاش أو الدغدغة في صحّة العمل بها لمجرد اشتمالها على وسائط بل لو كانت الواسطة توجب خروج الاخبار عن الحجية لزم تغيير مدارك الاستنباط كلّما مضت فترة على الروايات ومصادر الاستنباط بحيث كان الأمر بحاجة إلى علاج من قبلهم ومثل هذا واضح الفساد.

٤٢٦

دليل الانسداد وحجيّة مطلق الظن

ونتكلّم فيه بالمقدار الّذي يفي بتقرير أصل هذا البحث وأساسياته مع ترك التفاصيل الفرضية والتقديرية ، لأنَّ أصل هذا الدليل تقدير وفرض مبني على عدم تمامية الدليل على حجة شرعية وانسداد بابه وقد عرفت حجية خبر الثقة شرعاً.

وقد ركبه صاحب الكفاية ( قده ) من مقدمات خمس كما يلي :

الأُولى ـ العلم إجمالاً بثبوت تكاليف في الشريعة.

الثانية ـ انسداد باب العلم والعلمي في مقام تعيينها.

الثالثة ـ عدم جواز إهمالها رأساً لمجرّد انسداد باب العلم.

الرابعة ـ عدم جواز الرجوع إلى القواعد والأصول المقررة أو المحتمل تقررها في كلّ مسألة من أصالة البراءة أو الاحتياط أو الاستصحاب أو القرعة.

الخامسة ـ عدم جواز الأخذ بالموهومات في مقابل المظنونات.

فإذا تمّت هذه المقدمات الخمس تعيّن العمل بالظنّ ، إذ لو لم نأخذ به فإما أَنْ يكون من جهة الإهمال لكلّ المحتملات وهو خلف المقدمة الثالثة أو باعتبار الجمع والاحتياط بلحاظها وهو خلف المقدمة الرابعة أو بترجيح الموهوم على المظنون وهو خلف المقدمة الخامسة.

٤٢٧

وهذا التنسيق رغم صورته لا يخلو من قلق من الناحية الفنية ، لأنَّا إذا لاحظنا المقدمة الأولى نجد انَّها ليست مقدمة في عرض سائر المقدمات بل هي برهان بعض المقدمات الأُخرى وهي الرابعة ، فانَّ الوجه في عدم جواز الرجوع إلى البراءة في كلّ مسألة مثلاً هو العلم الإجمالي بالتكاليف فهي على حدّ قاعدة نفي العسر والحرج لنفي لزوم الاحتياط من حيث كونها حيثية تعليلية لتلك المقدمة. كما انَّ المقدمة الثالثة لو أُريد بالإهمال فيها عدم المنجزية وإجراء البراءة فهو رجوع إلى الرابعة ، وإِنْ أُريد عدم جواز الإهمال بمعنى لزوم تحصيل المؤمن تجاه الحكم الواقعي فهذا معناه انَّ مولوية المولى ثابتة بحيث لا بدَّ من التصدّي لتكاليفه وهذا أصل موضوعي لتمام الفقه لا لدليل الانسداد ، ولو أُريد انَّ مجرد انسداد باب العلم لا يوجب ارتفاع التكاليف الواقعية فهذا بحسب الحقيقة رجوع إلى المقدمة الأُولى من فرض العلم بالتكاليف إجمالاً حتى بعد الانسداد.

ولعلَّ الأفضل في منهجة هذا الدليل ، أَن يقال : بعد الفراغ عن أصل مولوية المولى ولزوم الاهتمام بتكاليفه والخروج عن عهدتها ، انَّ الخروج عن عهدة تلك التكاليف وتعيينها يتصوّر على أنحاء ، امَّا بتحصيل العلم التفصيليّ بها أو بالحجة ـ العملي ـ أو بالرجوع إلى الأصول المقررة في كلّ مسألة أو بالاحتياط التام أو بالتقليد لمجتهد أو بالقرعة أو بالعمل بالموهومات أو بالعمل بالمظنونات. فنبطل كلّ المحتملات ما عدا الأخير وبذلك يثبت المقصود.

ثمَّ انَّ مقدمات دليل الانسداد تارة ترتب بنحو ينتج حجية الظنّ على الكشف ، وأخرى حجيته على الحكومة. وقبل البحث عن كلّ من الترتيبين لا بدَّ من تفسير مصطلحي الكشف والحكومة في المقام.

امَّا الكشف فيراد بها حجية الظنّ شرعاً غاية الأمر يستكشف ذلك بدليل الانسداد العقلي أو الملفق من مقدمات عقلية ونقلية ، والحجية الشرعية للظنّ حجية مجعولة ومشرعة من قبل المولى وهذا واضح.

وامَّا حجية الظنّ على الحكومة فقد فسّرها صاحب الكفاية ( قده ) بحكم العقل بحجية الظنّ عند الانسداد على حدّ حكمه بحجية القطع عند الانفتاح.

٤٢٨

وقد استشكلت مدرسة المحقق النائيني ( قده ) على هذا التفسير بأنَّه امَّا أَن تكون هذه الحجية المدعى ثبوتها للظنّ بحكم العقل مجعولة أو منجعلة ، فان فرض انَّها مجعولة فهذا معناه انَّ العقل يجعل الحجية للظنّ مع انَّ العقل شأنه الإدراك لا الجعل والتشريع ، وإِنْ فرض انَّها منجعلة فهذا معناه انَّها من لوازم الظنّ وذاتيّاته لأنَّ ما لا يكون من لوازم موضوع ذاتاً لا يكون منجعلاً بجعله ، مع انَّه قد تقدّم في مستهلّ البحث عن الحجج والأمارات انَّ الحجية ليست ذاتية لغير العلم بل لو لم يحكم الشارع بحجية ظنّ ومنجزيته لحكم العقل في مورده بقبح العقاب بلا بيان.

ويمكن أَن يجاب على هذا الإشكال من زاوية فكر صاحب الكفاية ( قده ) ، بأنَّ حجية الظنّ على الحكومة منجعلة له عند الانسداد كالحجية للقطع غاية الأمر انَّها ليست من لوازم ماهية الظنّ مطلقاً بل نظير لوازم الوجود التي ترتبها على اللزوم موقوف على تحقق شرط كالإحراق المترتب على النار بشرط الجفاف مثلاً أو الملاقاة ، وفي المقام الظنّ بشرط انسداد باب العلم والعلمي يحكم العقل بحجيته وتكون روح المطلب حينئذ دعوى انَّ العقل يدرك انَّ الظنّ في حال الانسداد كافٍ للبيانية وارتفاع موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان المزعومة لأنَّه كالقطع في حال الانفتاح من حيث انَّه أقصى ما يمكن تحصيله من التصديق والكشف عن التكليف الواقعي سواءً سمّيناه بالبيان والحجة لغة أم لا لأنَّ حقّ الطاعة للمولى ثابت فيه عند الانسداد على الأقل.

هذا إذا لم نتمسك بحرفية القاعدة ، وامَّا إذا تمسّكنا بها فيستحكم الإشكال لأنَّه حتى إذا تمّت مقدمات الانسداد فلا ينتج حجية الظنّ بحكم العقل لأنَّ الظنّ بقطع النّظر عن منجزية العلم الإجمالي ليس ببيان لكي يكون منجزاً ورافعاً للقاعدة وفرض حجية له حاكمة على القاعدة خلف كون العقل مدركاً لا جاعلاً ومشرعاً. نعم العلم الإجمالي منجز وبيان وهو يقتضي الاحتياط التام لو لا الدليل على عدم لزومه ، فتكون النتيجة هو التبعيض في الاحتياط وهو غير حجية الظنّ بحكم العقل.

وقد حاول الميرزا ( قده ) العثور على وجه معقول لحجية الظنّ على الحكومة لا يرجع إلى التبعيض في الاحتياط وبنفس الوقت لا يرجع إلى ما ذكره صاحب الكفاية المستلزم لثلم قاعدة قبح العقاب بلا بيان ـ ومنه سوف يظهر انَّ ما جاء في الدراسات

٤٢٩

من تفسير حجية الظنّ على الحكومة بمسلك التبعيض في الاحتياط على إطلاقه غير صحيح ـ وما يمكن أَنْ تصاغ به هذه المحاولة على ضوء مجموع كلمات الميرزا ( قده ) إحدى فرضيات مختلفة في المبنى والأصول الموضوعية وإِنْ كانت مشتركة في إثبات نحو حجية للظنّ بحكم العقل في حال الانسداد.

الأُولى ـ أَن يراد حجية الظنّ بحكم العقل في مقام الامتثال والخروج عن عهدة التكليف المنجز بالعلم الإجمالي ، حيث انَّه بعد فرض عدم إمكان الاحتياط والامتثال اليقيني أو عدم وجوبه شرعاً يحكم العقل بلزوم الامتثال الظنّي والخروج عن عهدة التكليف المتنجز بالعلم خروجاً ظنّيّاً ، فليس المقصود تنجز التكليف بالظنّ لكي يكون منافياً مع قاعدة قبح العقاب بلا بيان كما انَّ هذا ليس مجرد التبعيض في الاحتياط الّذي قد يتحقّق بمجيء دليل شرعي يدلّ على عدم وجوب الاحتياط في بعض الأطراف. والحاصل بعد فرض منجزية العلم الإجمالي تارة : يدلّ دليل على عدم وجوب الاحتياط في بعض الأطراف فيجب الاحتياط في الباقي بقانون منجزية العلم الإجمالي وهذا هو التبعيض في الاحتياط ، وأُخرى : يدلّ الدليل على عدم وجوب الاحتياط التام من دون تعيين ذلك في أطراف معيّنة فيمكن أَن تكون هي المشكوكات كما يمكن أَنْ تعين في المظنونات فانَّ كلّ ذلك من زاوية العلم الإجمالي ومنجزيته للأطراف الباقية على حدّ سواء فلا بدَّ من إضافة دعوى حكم العقل حينئذ بلزوم تطبيق ترك الاحتياط في المشكوكات دون المظنونات ، لأنَّ العلم الإجمالي بعد أَنْ كان منجزاً حتى بعد عدم لزوم الاحتياط التام يحكم العقل بلزوم الخروج عن عهدته بالظنّ إذا كان ممكناً ولا يجوز تركه إلى الامتثال الشكّي أو الوهمي.

الثانية ـ انَّ الظنّ يوجب صرف تنجيز العلم الإجمالي ـ بعد عدم إمكان الموافقة القطعية أو عدم وجوبها أي عدم تنجيزه لجميع الأطراف ـ إلى الطرف المظنون.

الثالثة ـ انَّ العلم الإجمالي وإِنْ كان ينجز الجامع وأمَّا الأطراف بخصوصياتها فتتنجز بالاحتمال بعد تعارض الأصول فيها إِلاّ انَّه حيث تتزاحم الاحتمالات في مقام التنجيز بعد عدم وجوب الاحتياط التام يكون الظنّ مرجحاً في مقام حلّ هذا التزاحم.

٤٣٠

الرابعة ـ انَّ التنجز من حيث الوصول ثابت للتكليف في أي طرف كان بالعلم الإجمالي أو بالاحتمال ، وانَّما هناك اضطرار إلى ترك الاحتياط الّذي قد يؤدّي إلى ترك بعض التكاليف المعلومة بالإجمال والمتنجزة من حيث الوصول ، وحينئذ لا بدَّ من ترجيح المظنونات على المشكوكات والموهومات بقوة احتمال الأهمية ـ التي هي من مرجحات باب التزاحم ـ.

وروح هذه الفرضيات ونتيجتها واحدة وإِنْ اختلفت صياغتها حسب اختلاف المباني في منجزية العلم الإجمالي وغيرها بنحو لا يسعنا الدخول في عرضها في المقام على التفصيل.

ثمّ انَّنا فيما يلي نتكلّم في كلّ واحدة من مقدمات الانسداد حسب ترتيبها في الكفاية فنقول :

امَّا المقدمة الأُولى ـ وهو العلم الإجمالي بثبوت تكاليف في مجموع الشبهات ، فمما لا ينبغي الإشكال فيه لأحد منشأين.

١ ـ البرهان اللّمي الناتج من الاعتقاد بالشريعة والدين المستلزم للاعتقاد بثبوت أحكام وتشريعيات إلزامية فيها.

٢ ـ البرهان الإنِّي القاضي باستكشاف ذلك من مجموع الروايات والأمارات والشواهد المنتشرة في الفقه الدالة إجمالاً على وجود تكاليف في الشريعة المقدسة.

وإِنَّما الكلام في تحقيق دعوى انحلال هذا العلم بعلم أصغر منه بحيث يمكن الاحتياط التام في أطرافه. وهذه الدعوى يمكن تصويرها بأحد وجوه :

١ ـ انحلال العلم الإجمالي بالتكاليف في مجموع الشبهات بالعلم الإجمالي في حدود الأمارات القائمة في الفقه على الحكم الشرعي ، فلا يجب الاحتياط في الشبهات المجردة عن الأمارة على التكليف. وهذا صحيح وقد تقدّم ذكره عند التعرّض للدليل العقلي على حجية خبر الثقة ، حيث قلنا انَّه لا موجب لافتراض انَّ المعلوم بالإجمال بالعلم الكبير أكبر عدداً ممّا يعلم إجمالاً ثبوته في دائرة مجموع الأمارات لا من ناحية البرهان اللمِّي ولا الإنِّي المتقدمَين ، أمَّا الأول فواضح وأمَّا الثاني فلأنَّ هذه الأمارات بحسب الحقيقة هي المدرك الكاشف عن ثبوت التكاليف في الشريعة. والاحتياط في

٤٣١

أطراف هذا العلم الإجمالي قد لا يوجب عسراً ولا حرجاً.

٢ ـ انحلال كلا العلمين السابقين بالعلم الإجمالي في دائرة الروايات التي بأيدينا ، خاصة وهذه الدعوى هي عين الدليل العقلي المتقدّم على حجية خبر الثقة وقد تقدّمت مناقشته.

٣ ـ دعوى انحلال العلمين المتقدمين بعلم إجمالي أصغر في دائرة مجمع الأمارات خاصة ، حيث انَّ المعلوم بالإجمال فيها لا يقلّ عن المعلوم بالعلوم الإجمالية الأُخرى ولو نتيجة قوة الاحتمال فيه وتطابق الأمارات عليه.

٤ ـ دعوى انحلال كلّ العلوم الإجمالية المذكورة بما يعلم به تفصيلاً من التكاليف نتيجة الضرورات والمسلمات الفقهية أو الروايات والأدلة المتواترة والقطعية كالإجماعات والارتكازات مضافاً إليها ما يطمئن به اطمئناناً شخصياً من الأحكام مع دوائر العلوم الإجمالية الصغيرة في المسائل الفقهية حسب الموضوعات لا الأمارات كالعلم بوجوب القصر والتمام أو الظهر والجمعة أو بأنَّ للصلاة أجزاءً غير الأركان ضمن ما هو متعارف وشايع فيها ونحو ذلك ممّا فيه علوم إجمالية صغيرة منجزة ، فانَّه بضمّ مجموع هذه الأقلام من التكاليف الثابتة أو المتنجّزة بعضها إلى بعض ربّما نحصل على موارد وأطراف يتنجز فيها التكليف لا تقلّ عن المعلوم بالإجمال من التكاليف في مجموع الشبهات بحيث لا يعلم بوجود تكليف خارج عنها فينحل العلم الإجمالي الانسدادي في مجموع الشبهات بذلك.

وأمَّا المقدمة الثانية ـ من انسداد باب العلم والعلمي بالنسبة إلى معظم الفقه ، وهذا الانسداد في مثل زماننا واضح بالنسبة إلى العلم ولعلّه واضح بالنسبة إلى أزمنة الأئمة عليهم‌السلام أيضا في بعض البلاد والحالات ، وأمَّا انسداد العلمي فهو مربوط بتحقيق حال حجية الظهورات وأخبار الآحاد فانْ بني على عدم حجيتهما معاً ثبت الانسداد من ناحية العلمي أيضا ، كما انَّه إذا بني على حجيتهما معاً فلا انسداد لكفايتهما بمعظم الفقه وإِنْ كان باب العلم منسداً ، وأمَّا إذا دلَّ الدليل على حجية الخبر دون الظهور فأيضاً الانسداد تام لقلّة الروايات الصريحة القطعية من حيث الدلالة ولو فرض الدليل على حجية الظهور دون الخبر فانْ فرض العلم إجمالاً بتخصيص بعض الظهورات فأيضاً

٤٣٢

سوف يسري إِليها الإجمال فتسقط وإِلاّ فتبقى الأدلة القطعية السند أو الاطمئنانية حجة إِلاّ انَّ الظاهر عدم كفاية ذلك بمعظم الفقه وأنَّ المعلوم بالإجمال من التكاليف أكثر من المقدار الثابت بها وهذا يعني انَّ الانفتاح مبنيّ على حجية الظهور وخبر الواحد معاً.

وأمَّا المقدمة الثالثة ـ وهي عدم جواز إهمال التكاليف ، فقد تقدّم منَّا الإشكال في معناها وانَّها مستدركة ، ومن هنا نريد منها

هنا عدم جواز الرجوع إلى البراءة في كلّ الشبهات في قبال المقدمة الرابعة التي نقصد بها عدم لزوم الاحتياط في تمام الأطراف.

والكلام في إثبات عدم جواز الرجوع إلى البراءة في تمام الأطراف يقع في مقامين :

أولا ـ في إثبات أصل المقتضي للبراءة.

وثانياً ـ في إبراز المانع عنه.

أمَّا المقام الأول ـ فانْ بنينا على مسلك البراءة العقلية وقبح العقاب بلا بيان فالمقتضي الطبعي للبراءة العقلية ثابت لا محالة. وحينئذ إِنْ ادعينا ما ذكرناه في تفسير ظاهر كلام صاحب الكفاية ( قده ) من حكم العقل بحجية الظنّ عند الانسداد وانَّه بيان فسوف لا يتمّ موضوع البراءة في المظنونات لكون الظنّ بياناً في حال الانسداد ويكون موضوعها تاماً في المشكوكات والموهومات بلا مانع أيضا لانحلال العلم الإجمالي بمنجزية الظنّ ، وإِنْ أنكرنا البراءة العقلية رأساً أو أنكرنا التفسير المذكور واعتبرنا العلم الإجمالي بياناً كما هو مسلك المشهور فلا مقتضي للبراءة العقلية وعلى كلّ المسالك لا مقتضي للبراءة العقلية في المظنونات.

وأمَّا البراءة الشرعية فانْ كان دليلها خبر الواحد كحديث الرفع مثلاً فمن الواضح انَّه لا حجية له عند الانسداد فلا مقتضي لها إثباتاً أيضا ، وإِنْ كان دليلها الكتاب الكريم من قبيل قوله تعالى ( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (١). فانْ بنى على عدم حجية الظهورات فالنتيجة كما تقدّم أيضا وإِلاّ فالمقتضي للبراءة الشرعية يكون تاماً ، وإذا تمّ

__________________

(١) سورة الإسراء : الآية ١٥.

٤٣٣

الدليل على البراءة الشرعية في المظنونات ولم يكن مانع عن إجرائها في المقام القادم فسوف تكون هذه البراءة رافعة لحجية الظنّ على الحكومة بالمعنى المتقدم في تفسير ظاهر كلام الكفاية لأنَّ حجية أو منجزية الظنّ عند الانسداد الثابتة بنظر العقل معلقة على عدم الترخيص الشرعي في الخلاف وهذا ترخيص شرعي فيكون حاكماً عليها.

وأمَّا المقام الثاني ـ فتذكر عادة ثلاثة موانع عن الرجوع إلى البراءة في تمام الشبهات.

١ ـ الإجماع حيث يقال انَّه لا يحتمل في حقّ فقيه أَنْ يرخص في إجراء البراءة في تمام الفقه.

٢ ـ لزوم الخروج عن الدين ، وليس المقصود به الكفر ليقال بأنَّ ترك التكاليف المعلومة تفصيلاً لا يوجب ذلك فكيف بالمعلومة إجمالاً ، وانَّما المقصود الخروج عن مذاق الدين المعلوم بالضرورة منه لما يعلم من ملاحظة مجموع ما ثبت من الأحاديث التي هي مصادر لهذه الأحكام والاهتمام بها والتأكيد والحرص إلى حد التضحية عليها من قبل أئمة الإسلام والطائفة وعلمائها في سبيل حفظها انَّ الشارع لا يرضى بتركها جميعاً وإهمالها لمجرد عدم العلم بها.

٣ ـ العلم الإجمالي الموجب لتساقط أصالة البراءة في أطرافه.

وقد يناقش في الوجه الأول عن طريق التشكيك في ثبوت إجماع من العلماء حتى في فرض الانسداد بل المتيقن عدم جريانها عندهم في الشبهات في حال الانفتاح لأنَّهم لم يعيشوا الانسداد ولم يعنونوه في كلماتهم.

ولكنه لا ينبغي الإشكال بملاحظة ما ذكر في الوجه الثاني صحّة دعوى القطع الضروري بأنَّ علمائنا رضوان الله عليهم أيضا لم يكن من مذاقهم السماح بإجراء البراءة في جميع الشبهات فانَّ هذا واضح منهم بلا حاجة إلى مراجعة كلماتهم ومسائلهم التي عنونوها. إِلاّ انَّ الإجماع بهذا التقرير سوف يكون في طول وضوح صحّة القضية المجمع عليها في نفسها شرعاً فلا يمكن أَنْ يكون الإجماع مدرك صحّتها فيرجع الوجه الأول إلى الثاني بحسب الحقيقة.

وقد يحاول إرجاع الوجه الثاني إلى الثالث بدعوى انَّه لو لا القطع بثبوت تكاليف

٤٣٤

إجمالاً لم يكن وجه لعدم إجراء البراءة في الشبهات إذ لو احتمل حقّاً عدم التكليف أصلاً فلما ذا يفترض انَّ مذاق الشارع مانع عن جريانها.

إِلاّ انَّ الصحيح عدم رجوعه إليه ، لأنَّ الوجهين وإِنْ افتقرا معاً إلى أصل فرض علم بالتكاليف ولو إجمالاً إِلاّ انَّ الوجه الثالث يجعل منجزية العلم مانعاً عن جريان الأصول وموجباً لتساقطها ، بينما الوجه الثاني لا يبتني على ذلك فحتى لو بني على انَّ الترخيص في تمام أطراف العلم الإجمالي في نفسه جائز وإِنَّ إطلاق أدلة الأصول لا مانع من التمسّك فيها إِلاّ انَّه في خصوص هذا العلم الإجمالي لا يجوز ذلك لكونه إجمالاً في أصل الشريعة بحيث يكون إجراء الأصول المرخصة في تمام الأطراف تفويتاً لأصل الشريعة ومعظم الفقه ومثل هذا ممّا يقطع بعدم رضى الشارع به ، وإجراء البراءة في بعضها دون بعض ترجيح بلا مرجح فتتساقط الأصول.

وأمَّا صحّة الوجه الثالث فقد استشكل عليه بوجهين :

١ ـ انَّ هذا العلم الإجمالي غير منجز ، لأنَّ المكلّف مبتلى بالاضطرار إلى ارتكاب بعض أطرافه بعد عدم تيسر الاحتياط التام لكونه متعسراً فيكون من الاضطرار إلى ترك الاحتياط في بعض الأطراف وهو كافٍ عند مثل صاحب الكفاية ( قده ) في إسقاط العلم عن التنجيز في سائر الأطراف ولو كان الاضطرار إلى أطراف غير معيّنة.

وهذا التقرير للإشكال جوابه المنع عن المبنى على ما سوف يأتي في محلّه ، مضافاً إلى ما سوف يأتي من إمكان دعوى انَّ هذا الاضطرار من أجل دفع العسر والحرج ليس إلى غير المعين بل المعين.

ومن هنا حاول المحقق العراقي ( قده ) تقرير هذا الاستشكال بدعوى انَّ الاضطرار إلى أطراف معينة وهي الموهومات أو بإضافة المشكوكات ، وذلك لأنَّ الاضطرار ابتداءً وإِنْ كان متوجهاً إلى غير المعين لأنَّه بملاك دفع العسر الناشئ من الاحتياط التام في تمام الأطراف فيرتفع باقتحام بعضها لا بعينه إِلاّ انَّ أطراف الاحتياط باعتبارها ليست متساوية الإقدام بل بعضها مظنون الانطباق على المعلوم بالإجمال وبعضها موهومة أو مشكوكة فالعقل يستقل بلزوم صرف هذا الخروج عن قانون العلم الإجمالي إلى أبعد الأطراف عن المعلوم الإجمالي وهو الموهومات أو مع المشكوكات

٤٣٥

فيكون كالاضطرار إلى معين.

وهذا التقرير أيضا غير تام ، فانَّه أولا ـ انَّ هذا التعيين بحكم العقل انَّما يكون في طول تنجيز العلم الإجمالي فلا يعقل أَنْ يكون مانعاً عن تنجيزه ، إذ لو قطعنا النّظر عن منجزيته فالاضطرار إلى غير المعين وانَّما يأتي التعيين في طول الفراغ عن منجزية العلم ولزوم الخروج عن عهدته ، وليته كان قد صور تعين الاضطرار في دائرة الموهومات بأنه لا عسر في الاحتياط في المظنونات في نفسها وانَّما الموهومات هي التي يلزم من الاحتياط فيها العسر نتيجة انَّ باب الوهم والاحتمال واسع فربّما يحتمل التكليف في الأمور الحياتية المهمة التي في نفسها لا يمكن الاحتياط فيها.

وثانياً ـ لو سلّم انَّ العلم الإجمالي سقط عن المنجزية للاضطرار إلى اقتحام بعض أطرافه بأحد البيانين المتقدمين ، فهناك علم إجمالي آخر في خصوص دائرة المظنونات يوجب تعارض الأصول المؤمنة فيها إذ لا يحتمل كذبها جميعاً وما فرضناه سابقاً في المقدمة الأولى انَّ هذا العلم الصغير لا يؤثر في حلّ العلم الإجمالي الانسدادي ولو لكون معلومه أقلّ من معلومه لا ينافي تأثيره فيما هو المقصود في هذه المقدمة من تعارض الأصول المؤمنة في دائرة المظنونات.

ثمّ انَّ الغرض الأساس من هذه المقدمة وهو إسقاط البراءة ونفي وجود وظيفة شرعية واصلة يحتاج إليه على جميع المسالك في حجية الظنّ عند الانسداد ، امَّا على مسلك التبعيض في الاحتياط فواضح لأنَّه يقتضي منجزية العلم الإجمالي في كلّ شبهة ما لم يثبت خلافه ومنجزيته في كلّ شبهة شبهة فرع عدم جريان البراءة فيها ، وامَّا على مسلك حجية الظنّ على الحكومة بالتفسير الّذي تقدّم عن الكفاية فلأنَّ العقل انَّما يحكم بأنَّ الظنّ عند الانسداد كالقطع عند الانفتاح معلقاً على عدم ترخيص من الشارع والبراءة الشرعية ترخيص منه رافع لموضوع هذا الحكم ، وامَّا على مسلك الكشف فلأنَّ اكتشاف جعل الشارع الظنّ حجة موقوف على عدم مرجعية البراءة إذ لو جرتِ البراءة الشرعية بل لو كانت البراءة العقلية أيضا جارية لكفى ذلك في عدم إمكان استكشاف جعل الشارع الظنّ طريقاً فلعله اعتمد على ما يحكم به العقل من البراءة.

٤٣٦

٢ ـ ما يمكن أَنْ يستفاد من مجموع كلمات متفرقة للمحقق العراقي ( قده ) من الإشكال في هذه المقدمة بما حاصله : انَّ العمدة في إثبات هذه المقدمة الوجه الأول والثاني دون الثالث وهو العلم الإجمالي لأنَّه يبطل بضمه إلى الوجهين ولا يوصلنا إلى مرام الانسدادي بتبديلهما به ، توضيح ذلك : انَّه لو تمّ أحد الوجهين وأثبتنا بهما تنجز التكاليف على نحو لا يمكن إجراء البراءة بقطع النّظر عن العلم الإجمالي فهذا يكشف لنا انَّ الشارع جعل منجزاً في بعض الأطراف والشبهات إذ لو لا ذلك لما ذا يقوم إجماع أو ضرورة على عدم جواز إجراء البراءة بل انَّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان عقلية لا يمكن تخصيصها إِلاّ برفع موضوعها وهو المنجز الواصل ، فلا محالة يكشف كلّ من الوجهين الأولين لو تمّا عن وجود منجز كذلك ، وهذا المنجز المستكشف بهما يوجب انحلال العلم الإجمالي لأنَّه منجز في بعض أطراف العلم فيدخل تحت كبرى انحلال العلم الإجمالي بقيام منجز في بعض أطرافه. ولو فرض عدم تمامية الوجهين والاقتصار على الثالث فلا ينتج حجية الظنّ بل غايته التبعيض في الاحتياط ، لأنَّ هذا العلم الإجمالي إِنْ بني على عدم منجزيته فلا تتعارض الأصول النافية في أطرافه ، وإِنْ بني على منجزيته فكلّ شبهة سوف تكون منجزة بالعلم المذكور وحينئذ لا يعقل تنجزه ثانياً بالظنّ لأنَّ المتنجز لا يتنجز.

ونلاحظ على ما ذكره : أولا ـ انَّ الوجهين الأولين لو تمّا فلا يحلان العلم الإجمالي ، لأنَّ غاية ما يقتضيان عدم جواز الاقتحام في تمام الشبهات إذ بذلك يتحقق الخروج عن الدين وهو المخالف للإجماع وأمَّا اقتحام بعض وترك بعض فلا يكون فيه محذور ، وهذا يعني انَّ المقدار الّذي يترتب بناءً على تماميتهما حرمة المخالفة القطعية بالاقتحام في تمام الشبهات التي يقتضيها العلم الإجمالي ـ الوجه الثالث ـ أيضا وهذا لا يعقل أَنْ يوجب انحلال العلم الإجمالي ، فانَّه يتوقّف على أَنْ يقوم منجز تعييني في بعض أطرافه والوجهان الأولان لا يقتضيان ذلك بوجه. ومنه يظهر انَّ هذين الوجهين ليسا فقط لا يضرّان بالثالث بل لا ينفعان من دونه لأنَّ غاية ما يثبت بهما حرمة الاقتحام في تمام الأطراف الحاصل بالاحتياط في بعضها أيّاً كان وحينئذ لا يمكن ترجيح المظنونات على الموهومات بحكم العقل إِلاّ بفرض العلم الإجمالي الّذي هو الوجه الثالث ، وأمَّا لو خلينا

٤٣٧

والوجهين الأولين فتشبع حاجتهما بترك الاقتحام في كلّ الشبهات وإجراء البراءة ـ على الأقل العقلية ـ في سائر الشبهات (١).

نعم لو قلنا بأنَّ العقل يستقل بحجية الظنّ بمجرد سقوط البراءة التعيينية في المظنونات بلا حاجة إلى المقدمة الخامسة المتكلّفة لترجيح الامتثال الظنّي على الوهمي فسوف ينحل العلم الإجمالي وتجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان في الموهومات والمشكوكات.

وثانياً ـ انَّ ما أفاده من استحالة تنجز الشبهة المتنجزة بالعلم الإجمالي بالظنّ ثانية جوابه : انَّ العلم الإجمالي انَّما ينجز حرمة المخالفة القطعية ولا ينجز الأطراف ابتداءً ، وبهذا تسقط الأصول الشرعية المؤمنة في الأطراف فيبقى الاحتمال في كلّ طرف بلا مؤمن شرعي أو عقلي فيكون منجزاً لا محالة ، ومن الواضح انَّ الظنَّ أيضا يمكن أَنْ يكون منجزاً امَّا شرعاً بناءً على الكشف أو عقلاً بناءً على الحكومة من دون أَنْ تكون هذه المنجزية في طول منجزية الاحتمال ليكون من تنجز المتنجز ، غاية الأمر انَّ منجزية الظنّ على الحكومة مبنيٌ على سقوط البراءة الشرعية فقط دون العقلية لكونها بحسب الفرض تخصيص فيها بينما منجزيته على الكشف فرع سقوط البراءتين معاً لكفاية جريان البراءة العقلية في عدم إمكان استكشاف الحجية الشرعية. وعلى كلّ حال فليست حجية الظنّ ومنجزيته في طول منجزية الاحتمال هذا كلّه بناءً على مسلك الاقتضاء ، وأمَّا على مسلك علّية العلم الإجمالي فالتكليف وإِنْ كان قد تنجز بنفس العلم الإجمالي فيتراءى تمامية مدعى المحقق العراقي ( قده ) إِلاّ أنَّه مع ذلك يمكن أَنْ يقال بأنَّ حجية الظنّ كشفاً أو حكومة في عرض منجزية العلم الإجمالي ، لأنَّها وإِنْ كانت في طول العلم الإجمالي ومنجزيته إِلاّ انَّها في طول منجزيته للجامع أي لحرمة المخالفة القطعية وليست في طول منجزيته لوجوب الموافقة أي ليست في طول منجزيته

__________________

(١) قد يقال : انَّ الوجهين الأولين مقتضاهما أكثر من ذلك ، لأنَّنا نعلم بالضرورة عدم جواز اختيار بعض الأطراف جزافاً واشتهاءً واقتحام الباقي بنحو يوكل أمر ذلك إلى كلّ مكلّف ، بل يعلم بوجود طريقة مقبولة شرعاً ولو بالإمضاء في أخذ الشريعة وتشخيصها والتي تعين بالكشف أو الحكومة في الظنّ فيتنجز الظنّ وبذلك ينحل العلم الإجمالي.

فانَّه يقال : بأنَّ هذه عناية زائدة إذا ثبتت بأحد الوجهين تمّ ما ذكر إِلاّ انَّ الشأن في ثبوتها.

٤٣٨

للمظنونات فالتنجيز الّذي يدعى للظنّ ليس في طول ثبوت نفس التنجيز للعلم بل في طول ثبوت تنجيز آخر له ، إِلاّ انَّ هذا الجواب مبنيٌ على أَنْ يقبل أصحاب مسلك العلّية وجود مرتبتين للتنجيز في العلم الإجمالي.

المقدمة الرابعة ـ في نفي وجوب الاحتياط أو غيره من القواعد العملية المثبتة للتكليف.

أمَّا الاحتياط فمقتضي الاحتياط التام تام في نفسه للعلم الإجمالي بالتكاليف أو منجزية الاحتمال نفسه بعد تساقط الأصول المؤمنة الشرعية في الشبهات. وهناك وجهان للمنع عن مرجعية الاحتياط.

الوجه الأول ـ التمسّك بقاعدة نفي العسر والحرج وبذلك ينفي وجوب الاحتياط ، وقد استدلّ الشيخ بها في المقام فاستشكل عليه صاحب الكفاية ( قده ) وكأنَّ مبنى الإشكال اختلافهما في فقه القاعدة وتفسيرها من هنا تجدر الإشارة إلى المباني في تفسيرها وأمثالها كلا ضرر ليرى انَّ الاستدلال بها في المقام يتمّ على أساس أي واحد منها والمباني في ذلك ثلاثة :

١ ـ مبنى مدرسة المحقق النائيني ( قده ) من انَّ المراد بالعسر والحرج المنفي الحكم الشرعي نفسه ، لأنَّه دقة وإِنْ لم يكن يصدق عليه عنوان الحرج أو الضرر بل على آثاره إِلاّ انَّه حيث تكون الآثار الضررية أو الحرجية معلولة ومسببة عن الحكم الشرعي فصحّ تطبيقه على السبب وعلى هذا يكون النفي نفياً حقيقياً لأنَّه منصب على الحكم الشرعي القابل للرفع الحقيقي غايته انَّه قد أُشير إليه وعبّر عنه بعنوان ثانوي وهو عنوان الضرر والحرج كناية عن نكتة الرفع. وهذا المبنى فيه عناية تلبيس الحكم عنوان نتيجته وأثره.

٢ ـ ما ذهب إليه صاحب الكفاية ( قده ) من أنَّ هذه العناوين تنطبق حقيقة على متعلّق الحكم الّذي هو المنشأ الحقيقي للضرر أو الحرج كالوضوء الضرري أو الحرجي والحكم ليس إِلاّ من دواعي الضرر أو الحرج وعليه فيكون نفي الضرر أو الحرج نفياً غير حقيقي ، إذ ليس المقصود نفي الموضوع الخارجي بل نفي ادعائي طريقاً إلى نفي حكمه نظير قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا رهبانية في الإسلام.

٤٣٩

٣ ـ المختار من أن المنفي نفس الضرر والحرج الخارجيين الحقيقيّين إِلاّ انَّه حيث كان من الواضح انَّ الضرر واقع خارجاً وانَّ المولى بما هو مولى ليس في مقام نفيه فنقيد إطلاق المنفي بالحرج أو الضرر الّذي ينشأ من الشارع وهذا تقييد قرينته معه وهي ظهور حال المولى في النفي المولوي.

وعلى المبنى الأول من هذه المباني يوجد تقريبات للاستدلال بالقاعدة في المقام على نفي وجوب الاحتياط :

الأول ـ تطبيق القاعدة على نفس التكاليف المعلومة بالإجمال ، لأنَّها في حالة الانسداد تكون سبباً للاحتياط وللحرج وإِنْ كانت في حال الانفتاح وفي نفسها لا تكون حرجية والمفروض انَّ الحكم يلبس ثوب نتيجته.

وهذا التقريب على مبنى علّية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة تام ، وأمَّا على مبنى الاقتضاء فيمكن أَنْ يقال انَّ الحرج لم ينشأ عن التكليف بل عن المجموع المركب منه وعدم الترخيص في الأطراف (١).

الثاني ـ تطبيق القاعدة على نفس وجوب الاحتياط ، وقد استشكل فيه صاحب الكفاية ( قده ) بأنَّ وجوب الاحتياط عقلي والقاعدة ترفع ما يكون من الشارع لا أحكام العقل.

وفيه : انَّه إِنْ أُريد انَّ حكم العقل غير قابل للرفع ، فالجواب : انَّ بيد المولى رفعه بالترخيص في بعض الأطراف لأنَّ حكم العقل كما هو معلوم معلّق على عدم الترخيص ، وإِنْ أُريد به محذور إثباتي وهو انَّ القاعدة ناظرة إلى أحكام الشارع

__________________

(١) الترخيص الظاهري إثباتاً أو نفياً يكون لنفي أثر الحكم الواقعي وإبراز الاهتمام به فالمنجّز دائماً هو التكليف الواقعي وهذا المقدار كاف لتصحيح العناية المطلوبة بل يمكن ان يقال بالدقة على كلا المبنيين ليس نفس التكليف سبباً للحرج وانَّما منجزية الاحتمال عند عدم إحراز الترخيص والعلم الإجمالي علّتان لوجوب الاحتياط فانْ كفى هذا المقدار من تسبيب التكليف للحرج في رفعه كفى فيهما معاً ، وإِلاّ بأن شرطنا سببية التكليف للحرج بلحاظ امتثال متعلقه بالخصوص فليس ثابتاً على المسلكين ودعوى : انَّ الشارع يمكنه في مقام رفع العسر ان يرفع يده عن مرتبة اهتمامه بالحكم الواقعي بنحو التبعيض في الاحتياط لا أصله إن كان مانعاً عن صحة استناد العسر والحرج إلى نفس التكليف فهذا ممكن بناءً على كلا المسلكين فان القائل بالعلية أيضا يتصوّر إمكان التبعيض في الاحتياط ولو بالكشف عن بعض الأطراف بدلاً عن الواقع المعلوم بالإجمال كما في موارد قيام أمارة أو أصل منجز في أحد طرفي العلم الإجمالي.

٤٤٠