بحوث في علم الأصول - ج ٤

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

الردع الحجة باعتبار السيرة ، وعليه فالمخصصية تتوقف على هذا التقدير ـ على عدم حجية الإطلاقات في نفسها وبقطع النّظر عن السيرة ـ بنحو القضية الشرطية ـ ومن الواضح انَّه بقطع النّظر عن السيرة تكون الإطلاقات حجة بحسب الفرض فلا إمضاء ولا مخصصية كما لا دورية ، لأنَّ عدم الردع الحجة المتوقّف على المخصصية عدم الردع الحجة بالفعل وعدم الردع الحجة المتوقف عليه المخصصية عدم الردع الحجة في نفسه وبنحو العدم اللولائي الشرطي.

وامَّا دورية الرادعية فأيضاً غير صحيحة ، إذ لو بني على انَّ السيرة بمثابة التخصيص المتصل فالرادعية متوقفة على عدم ذات السيرة تكويناً وهي غير متوقفة على عدم الرادعية كما هو واضح. وإِنْ بني على انَّ السيرة بمثابة التخصيص المنفصل فانْ بني على كفاية ذات الرادع ولو لم يكن حجة للردع فالرادعية لا تتوقف إِلاّ على ثبوت ذات الدلالة الإطلاقية وهي غير متوقفة على عدم مخصصية السيرة ، لأنَّها لا ترفع ذات الدلالة. وإِنْ بنى على عدم كفاية ذلك بل لا بدَّ من حجية البيان الرادع في نفسه وبقطع النّظر عن السيرة فالرادعية لا تتوقف إِلاّ على حجية الإطلاق الرادع في نفسه وهي متوقفة على أمرين ثبوت ذات الدلالة وعدم العلم ببطلان مفادها على تقدير حجيتها ، ولو فرض انَّه على تقدير عدم حجيتها يمكن افتراض العلم ببطلان مفادها كما لو كان هناك إطلاق محكوم لها بحيث يكون حجة على تقدير عدم حجيتها وفرض العلم من الخارج بأنَّ حجية ذلك الإطلاق يلازم مطابقته للواقع فانَّ دليل الحجية تشمل الدلالة المذكورة بلا إشكال لأنَّ موضوع الحجية ذات الدلالة وامَّا عدم الحجية في فرض العلم بالبطلان فمن باب القيد العقلي والعقل لا يقتضي التقييد بأكثر من القضية التعليقية الشرطية وهي أَنْ لا يكون على تقدير حجية الدلالة يقطع ببطلانها ، وفي المقام على تقدير حجية إطلاقات النهي لا قطع ببطلانها فتكون حجة ، إِذن رادعية الآيات لا تتوقف على عدم مخصصية السيرة بل على ذات الدلالة والقضية التعليقية وكلاهما ثابت.

النقطة الثانية ـ في ما انقسمت إليه مدرسة صاحب الكفاية من اتجاهين ذهب أحدهما إلى تقدّم السيرة على الآيات وتخصيصها بها وذهب الآخر إلى العكس ولكل

٤٠١

من الاتجاهين تقريباته.

امَّا الأول ـ فقد قرب بوجوه :

أحدها ـ ما انتهى إليه في الكفاية ، من انَّ الرادعية إذا كانت دورية ومستحيلة فسوف لا يثبت الردع لا محالة والمخصصية ليست دورية لأنَّها متوقفة على عدم العلم بالردع الّذي يكفي فيه عدم صلاحية الآيات للرادعية.

وفيه :

أولا ـ ما تقدّم من عدم دورية رادعية الآيات.

ثانياً ـ ما أُفيد من عدم دورية المخصصية لكفاية عدم ثبوت الردع في ثبوتها غير تام على ما تقدّم ، إِذ لا بدَّ من ثبوت عدم الردع ليستكشف الإمضاء.

ثالثاً ـ إذا كانت المخصصية متوقفة على عدم العلم بالردع أيضا تبقى شائبة الدور ، لأنَّ الردع عنده متوقّف على عدم التخصيص فيكون عدم العلم بالردع متوقفاً على عدم العلم بعدم التخصيص وهذا يعني انَّ التخصيص متوقّف على عدم العلم بعدم التخصيص أي الشك في التخصيص وهو مستحيل لاستحالة توقّف شيء على العلم أو عدم العلم بشخص ذلك الشيء.

ثانيها ـ ما جاء في تعليق صاحب الكفاية على كفايته ، من انَّ المقام من صغريات الدوران بين مخصصية الخاصّ المتقدم أو ناسخية العام المتأخر ، لأنَّ السيرة العقلائية على حجية الخبر بمثابة الخاصّ المتقدم زماناً على نزول الآيات الناهية والمفروض انَّه لا ردع عنها بقطع النّظر عن هذه الآيات فكانت ممضاة شرعاً في صدر الشريعة قبل نزولها ، كما انَّ الآيات ليست ظاهرة في الردع من أوَّل الأمر لأنَّ التشريعات الصادرة في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس لها ظهور في ثبوتها من أول البعثة وانَّما يوجد ظهور من هذا القبيل في الخطابات الصادرة عن الأئمة عليهم‌السلام لأنَّهم ليسوا بمشرعين ، وعليه فالتعارض بحسب الحقيقة بين الإطلاق الزماني للخاص المتقدم والإطلاق الأفرادي للعام المتأخر والمختار في ذلك تقديم التخصيص على النسخ.

وهذا الوجه يتوقّف على أَنْ يفترض تأخر الآيات الناهية زماناً بنحو بحيث يكون قد مرَّ على السيرة زمان كان يمكن للمولى عرفاً الردع فيه ولم يردع ، وامَّا لو لم يفرض ذلك

٤٠٢

كما إذا كانت الآيات الناهية مكيّة النزول مثلاً فلا دوران كما هو واضح.

ويرد عليه : انَّ المقام ليس من صغريات الكبرى المذكورة ، لأنَّ الخاصّ المتقدم ليس دليلاً لفظياً له إطلاق أزماني بل سيرة عقلائية وهي دليل لبّي تتم دلالته على أساس استكشاف إمضائه من عدم الردع ، ومن الواضح انَّ عدم الردع في كلّ زمان لا يمكن أَنْ يستكشف منه عقلاً أو بظهور الحال أكثر من إمضاء مفاد السيرة في ذلك الحال لا في جميع الأحوال والأزمنة القادمة. فالحاصل : ليس لعدم الردع دلالة على الإمضاء إلى الأبد ليكون هناك دلالة على الإطلاق الأزماني لمفاد الخاصّ وعليه فلا معارض للإطلاق الأفرادي للعام ، نعم لو افترض انَّ الظهور الحالي في الإمضاء الّذي كان أحد مدارك حجية السيرة له سعة بقدر ما للارتكاز من عموم أزماني تمّ ما ذكر إِلاّ انَّه ليس كذلك بل غاية ما يقتضيه الظهور الحالي المذكور تقرير وإمضاء السيرة بالفعل.

لا يقال ـ على هذا لا يمكن التمسّك بدليل السيرة لتخصيص أو تقييد الإطلاقات الفوقانية ولو كانت السيرة ممضاة في عصر المعصومين عليهم‌السلام ، لأنَّ ذلك لا يدلّ على أكثر من الموافقة عليها في ذلك الزمان وامَّا الآن فلا دليل لنا على ثبوت ذلك المفاد عند الشارع إِلاّ الاستصحاب المحكوم للدليل الاجتهادي.

فانَّه يقال ـ لا يحتمل في المطلقات التخصيص بلحاظ الزمن الأول بالخصوص في الشريعة فلو خرج الزمان الأول منها بالسيرة لم يبق لها دلالة على ثبوت مفادها في الزمن الثاني والثالث ، وعليه فالاستصحاب المذكور هو المرجع في أمثال المقام. والنتيجة انَّ موارد تمسّك الفقيه بالسيرة بحسب الحقيقة يثبت فيها مؤدّى السيرة شرعاً في زمن المعصوم عليه‌السلام وامَّا بالنسبة لنا فلا بدَّ من التمسّك بالاستصحاب وعدم النسخ مثلاً.

ثالثها ـ بعد فرض الدوران بين الرادعية والمخصصية أو بين النسخ والتخصيص وعدم تقديم أحدهما على الآخر ، يقال بالتساقط والرجوع إلى الاستصحاب.

وهذا يتوقّف : أولا ـ على الافتراض المشار إليه في الوجه السابق من ثبوت إمضاء السيرة قبل نزول الآيات شرعاً.

وثانياً ـ عدم تعين الناسخية من جهة عدم إطلاق أزماني في الخاصّ المتقدم.

٤٠٣

وبعد هذا وذاك يرد عليه انَّ دليل حجية الاستصحاب هو خبر الواحد نفسه فلا يعقل التمسّك به لإثبات حجيته كما هو واضح. اللهم إِلاّ أَنْ يدعى انَّ استصحاب عدم النسخ بالخصوص دليله الإجماع القطعي.

رابعها ـ ما ذكره الأصفهاني ( قده ) من انَّ الرادع عن السيرة المذكورة انَّما هو ظهور الآيات الناهية وحجيته فرع حجية الظهور الثابتة بالسيرة أيضا ، ومن الواضح انَّه لا معنى لافتراض انعقاد سيرتين وبناءين عمليين من العقلاء على العمل بكلّ من الخبر والظهور المذكور لأنَّه تناقض فإذا سلّمنا السيرة على العمل بخبر الواحد الثقة فلا محالة لا عمل بالظهور المذكور.

وهذا التقريب من الغرابة بمكان ، فانَّ المراد من انعقاد سيرة العقلاء على العمل بالظهور انعقاد سيرتهم على كاشفية الظهور عن المراد امَّا انَّهم هل يعملون بمراد متكلّم كالشارع أو يعصونه فذلك لا ربط له بالسيرة المنعقدة ، فربّما يعصي بعض العقلاء الشارع في صريح خطاباته فضلاً عن ظواهرها كما لو فرض انَّ بعض العقلاء لا يقيمون الصلاة كما هو كذلك واقعاً فهل هذا يعني انَّهم لا يبنون على حجية ظهور أقيموا الصلاة في الكشف عن وجوبه شرعاً؟ فالحاصل وقع خلط بين العمل بالظهور بمعنى حجيته في الكشف عن مراد المتكلم والعلم به بمعنى الأخذ بمؤدّاه وامتثاله.

وامَّا الاتجاه الثاني وهو تقديم رادعية الآيات على مخصصية السيرة فله تقريبات أهمّها اثنان :

الأول ـ وهو عكس ما ذكر في التقريب الأول للاتجاه السابق ـ انَّ المخصصية إذا كانت دورية فلا محالة تكون الآيات حجة في إثبات الردع لأنَّ كلّ ظهور حجة ما لم يعلم بالمخصص وفي المقام لم يعلم مخصصية السيرة وهذا يعني انَّ رادعية الآيات متوقفة على عدم العلم بالمخصصية لا عدم المخصصية واقعاً فلا دورية في الرادعية فيكون إطلاق الآيات حجة ويثبت به الردع عن السيرة.

وقد حاول المحقق الأصفهاني ( قده ) أَنْ يجمع بين هذا وبين ما ذكرناه في تقريب الاتجاه الأول من عدم دورية المخصصية لأنَّها متوقفة على عدم ثبوت الردع لا عدم الردع فاستنتج انَّ كلا من الرادعية والمخصصية ليست دورية ، لأنَّ كلاً منهما متوقّف

٤٠٤

على عدم ثبوت الآخر أي عدم العلم به لا عدمه واقعاً ، بل نسب ذلك أيضا إلى صاحب الكفاية وجعله هو مراده من الكلام المتقدّم في إثبات الاتجاه السابق ثم أشكل عليه : بأن هذا ينتج نتيجة الرادعية ، لأنَّ لازم ذلك انَّ موضوع كلّ من حجية إطلاق الآيات وحجية السيرة تام وحيث انَّه لا يمكن فعلية حجيتهما معاً فلا يكون شيء منهما حجة فلا تتم السيرة في إثبات حجية خبر الثقة ، وهي نتيجة الرادعية.

وهذه النتيجة مضافاً إلى انَّا لا نعرف وجه استفادتها من كلام صاحب الكفاية مع ظهوره في نفي دورية مخصصية السيرة لا رادعية الآيات غير تام ، إذ لا معنى لافتراض تمامية مناط كلّ من المتنافيين معاً فيقال بأنَّهما لا يوجدان للتنافي بينهما ، لأنَّ هذا معناه انَّ كلا منهما متوقّف على عدم الآخر وهذا دور مستحيل على ما تقدّم في بحث الضدّ واعترف به المحقق المذكور نفسه ولهذا يلتزم في باب التضاد انَّ المانع في مرحلة علّة الضدّين بمعنى انَّ كلّ منهما متوقّف على عدم علّة الضدّ الآخر فلا يتمّ المناط في كلّ من الحجيتين لا انَّه يتمّ ولا يتحقق شيء منهما للتضاد والتمانع بينهما.

وامَّا أصل هذا التقريب فأيضاً غير تام ، لأنَّ الاثنينية بين المخصص والعلم بالمخصص انَّما يتصوّر في الأدلة اللفظية التي لها مقام ثبوت ومقام إثبات بنحو قد ينفك أحدهما عن الآخر ، وامَّا في المقام فمخصصية السيرة مقام إثباتها عين مقام ثبوتها لأنَّ حجيتها انَّما تكون على أساس كاشفيتها الوجدانية المساوقة للعلم بالتخصيص وعدم إرادة الإطلاق من الآيات ، وعليه فانْ تمّت كاشفية السيرة فهي مساوقة مع العلم بالتخصيص وإِنْ لم تتم فلا مخصص واقعاً. وانَّما الصحيح في إبطال دورية رادعية الآيات ما ذكرناه في الاتجاه السابق من انَّ حجية الآيات متوقفة على أمرين ذات الدلالة وعدم العلم بالكذب والأول محرز بناءً على عدم المخصصية المنفصلة للسيرة ، والثاني مبنيٌّ على ما أشرنا إليه من انَّ اللازم عدم العلم بالكذب على تقدير الحجية لا مطلقاً أي حتى على تقدير عدم الحجية إذ لا موجب لتقييد الحجية عقلاً أو عقلائيّاً بأكثر من هذا المقدار ، وفي المقام لو كانت المطلقات حجة لما كان يعلم بكذبها لأنَّ السيرة لا تكون حجة حينئذ إذ تكون دليلاً على الردع ، وإِنْ فرض انَّه على تقدير عدم حجيتها كانت السيرة حجة لعدم دليل معتبر على الردع فرادعية الآيات ليست دورية

٤٠٥

بهذا البيان لا بالبيان المذكور في هذا التقريب ، كما انَّ المخصصية أيضا ليست دورية بالبيان المتقدم في النقطة السابقة ، لأنَّها متوقفة على عدم حجية الآيات في نفسها وبقطع النّظر عن السيرة وعدم حجيّتها في نفسها غير متوقفة على المخصصية وانَّما المتوقف عليها حصّة أُخرى من عدم الحجية.

لا يقال : تكفي هذه النكتة وهي توقف المخصصية على عدم حجية الآيات في نفسها لإثبات الرادعية وعدم المخصصية ، لأنَّ الآيات حجة في نفسها لو لا السيرة بلا إشكال اذن فشرط مخصصية السيرة غير ثابت فتكون الآيات حجة بالفعل.

فانه يقال : فعلية حجية إطلاق الآيات انَّما تكون فيما إذا لم تكن متوقفة على عدم القطع بخلافها في نفسه وبقطع النّظر عن حجيتها ـ كما هو الصحيح ـ حيث قلنا انَّه يكفي عدم القطع ولو على تقدير حجيتها فقط وامَّا لو توقف على ذلك فلا يكون شيء من حجية السيرة والآيات ثابتة لأنَّ شرط حجية كلّ منهما مفقود فلا تكفي النكتة المذكورة إِلاّ لإثبات عدم المخصصية فقط.

ويستخلص من كلّ ذلك انَّ حجية السيرة متوقفة على عدم حجية إطلاق الآيات في نفسها وامَّا حجية إطلاقها فيتوقّف على عدم حجية السيرة بالفعل وكلّما تعارض دليلان من هذا القبيل قدم الثاني على الأول ، نظير الوجوبين المتواردين بالنحو المذكور. وهكذا يتلخص انَّ حجية كلّ من الإطلاقات والسيرة لو كانت متوقفة على عدم حجية الآخر بالفعل كان دوراً ولو كانت متوقفة على عدم حجية الآخر في نفسه لم يكن دوراً ولكن شيء منهما لم يكن فعلياً في المقام ، ولو كانت إحداهما متوقفة على عدم حجية الآخر في نفسه وامَّا حجية الآخر فمتوقفة على عدم الأول بالفعل لم يكن دوراً وكان الثاني حجة دون الأول وحجية الإطلاقات من الثاني بينما حجية السيرة من الأول.

لا يقال ـ لم لا تكون حجية السيرة أيضا موقوفة على عدم حجية الإطلاقات بالفعل ، بدعوى انَّه لا بدَّ للشارع من إقامة حجة فعلية على الردع ولا تكفي الحجية في نفسها ولو لا حجية السيرة. وإِنْ شئت قلت : لا بدَّ في الرادع أَنْ لا يكون محكوماً للسيرة بل معارضاً معها فعدم الإمضاء علّة لردع شرعي حجة بالفعل لا ردع محكوم في حجيته

٤٠٦

وبهذا ترجع غائلة الدور من جديد.

فانَّه يقال ـ مخصصية السيرة ليست من باب القرينية والحكومة على دليل حجية الإطلاقات بل من باب كاشفيتها الوجدانية أي

العلم بالخلاف فيكون الرادع معارضاً معه لو لا كونه علماً يسقط معارضه عن الحجية ، ولكن حيث انَّ حصول هذا العلم موقوف على عدم حجة على الردع كذلك والإطلاقات حجة كذلك بالفعل فلا تكون السيرة حجة.

الثاني ـ ما ذكره المحقق الأصفهاني ( قده ) ، من انَّ المقام من موارد التزاحم بين المقتضي التنجيزي والتعليقي ، فانَّ مقتضي الحجية في الإطلاقات تنجيزي وهو الظهور وانَّما يحتمل عدم تأثيره لمانعية السيرة وامَّا مقتضي الحجية في السيرة فتعليقي لأن أصل حجيتها معلّق على عدم الردع ، وكلّما تزاحم مقتضيان من هذا القبيل قدم التنجيزي على التعليقي لتمامية المقتضي فيه وعدم المانع ، امَّا تمامية المقتضي فلأنَّه المفروض ، وامَّا عدم المانع عن تأثيره فلأنَّ ما يتصوّر كونه مانعاً انَّما هو تأثير المقتضي التعليقي ومانعيته مستحيلة لأنَّها دورية ، لأنَّ تأثير المقتضي التعليقي فرع وجود المقتضي وهو فرع عدم تأثير المقتضي التنجيزي فلو كان عدم تأثيره من جهة مانعية المقتضي التعليقي كان دوراً. إِذن فتأثير المقتضي التنجيزي لا مانع منه وامَّا التعليقي فيستحيل تأثيره للدور المذكور ، فانَّ تأثيره فرع وجوده وهو فرع عدم تأثير المقتضي التنجيزي وعدم تأثير المقتضي التنجيزي فرع وجود المانع وليس هو إِلاّ تأثير المقتضي التعليقي وهو دور.

ثمّ تصدّى ( قده ) لتقرير الدور في تأثير المقتضي التنجيزي أيضا ، لأنَّ تأثيره لا يكفي فيه مجرد وجود المقتضي بل لا بدَّ من إعدام المانع فيكون تأثيره موقوفاً على عدم المانع فلو كان إعدام المانع بنفس تأثيره كان دوراً.

وبهذا وقع هذا المحقق في مخالفة وجدانية واضحة ، إذ لازم ذلك عدم تأثير المقتضي التنجيزي في موارد ابتلائه بمقتضى تعليقي كما إذا كان هناك ماء واحد وكانت إرادة أحد الشخصين لشربه معلقة على عدم إرادة الآخر دون العكس مع وضوح انَّه في موارد من هذا القبيل لا محالة يؤثر المقتضي التنجيزي ويتعطّل التعليقي.

والصحيح ـ انَّ هذه المغالطة أيضا من تبعات المنهج المغلوط الّذي سار عليه هؤلاء

٤٠٧

المحققون من تصور استقرار الدور في عالم الوجود وفعلية الدائر لا في عالم نفس التوقف والعلّية. وقد بيّنا انَّ نفس العليّة والتوقف غير معقول. وفي موارد التزاحم بين المقتضي التعليقي والتنجيزي انَّما يؤثر التنجيزي دون التعليقي لأنَّ المانع عن تأثيره غير موجود لا ببرهان الدور المذكور بل ببرهان انَّ المقتضي التعليقي يستحيل مانعيته فلا يكون صالحاً لها لأنَّه هل يمنع في فرض وجوده أو عدمه امَّا في فرض وجوده فهو مساوق مع تحقق المعلّق عليه الّذي هو انعدام المقتضي التنجيزي ومن الواضح انَّه مع انعدامه يستحيل مانعية المقتضي التعليقي عنه ، فانَّ مانعية المانع فرع وجود المقتضي الممنوع ، وامَّا في فرض عدمه فلأنَّ المعدوم يستحيل مانعيته وعليه ففي فرض وجود مقتضي المانع التنجيزي يكون المانع عنه مفقوداً لاستحالة مانعية المقتضي الآخر وباعتبار تنجيزيته يؤثر لا محالة وبذلك يكون مانعاً بل رافعاً لأصل وجود المقتضي التعليقي.

هذا بشكل عام وامَّا في المقام ، فحيث انَّ المسألة ليست تكوينية بل تشريعية فلا يكفي الحساب المذكور بل لا بدَّ من ملاحظة موضوع الجعل التشريعي لحجية كلّ من إطلاق الآيات والسيرة بالنحو المتقدّم شرحه مفصلاً. وقد عرفت فعلية حجية الإطلاق دون السيرة. هذا كلّه لو مشينا حسب المنهج الّذي سار عليه صاحب الكفاية ( قده ) وتابعه عليه المحققون من بعده ولكن لا تصل النوبة إلى ذلك كما أشرنا إليه في صدر المسألة لأنَّه :

أولا ـ التشكيك في أصل دلالة الآيات الناهية على الردع عن العمل بالظنّ.

وثانياً ـ لو فرض ذلك قد يدعى انَّ رسوخ السيرة على العمل بخبر الثقة وارتكازيتها يمنع عن انعقاد إطلاق في الآيات بلحاظ صيرورتها بمثابة القرينة المتصلة المانعة عن الإطلاق ذاتاً.

وثالثاً ـ لو فرض انعقاد الإطلاق فهو ليس رادعاً جزماً ، باعتبار انعقاد سيرة المتشرعة فعلاً على العمل باخبار الثقات الكاشف إِنّا عن عدم الردع.

ورابعا ـ لو قطعنا النّظر عن سيرة المتشرعة وبقينا وسيرة العقلاء مع ذلك نقول لا تصلح إطلاقات الآيات المذكورة للردع عنها لما أشرنا إليه مراراً من أنَّه لا بدَّ من أَنْ يكون البيان الرادع يردع عن نكتة السيرة صراحة فلا يكفي فيه مجرد إطلاق أو عموم

٤٠٨

بل لا يكفي بيان واحد أو بيانات بل لا بدَّ من مزيد بيانات وتأكيدات وتصريحات لكي تقلع جذور السيرة ونكتتها عن أذهان المتشرعة كما وقع ذلك بالنسبة إلى العمل بالقياس.

الاستدلال بالدليل العقلي على حجية خبر الثقة :

وقد استدلّ على الحجية أيضا بالدليل العقلي ، وذلك بتطبيق قواعد منجزية العلم الإجمالي ، بدعوى انَّنا إذا لاحظنا الروايات التي تكون بصدد إثبات حجيتها فسوف نعلم إجمالاً بمطابقة جملة منها مع الواقع إذ لا يحتمل أَنْ يكون كلّها على خلاف الواقع فيكون منجزاً ، وهذا وإِنْ كان غير الحجية مفهوماً إِلاّ انَّ نتيجته نتيجة الحجية من حيث عدم جواز الرجوع إلى الأصول المؤمنة.

والحديث عن هذا الدليل يقع في مقامين :

أولا ـ في أصل تنجيز هذا العلم الإجمالي.

ثانياً ـ في انَّ نتيجة هذا التنجيز هل هي نفس نتيجة الحجية أم لا.

امّا المقام الأوّل ـ فقد اعترض الشيخ الأعظم ( قده ) في الرسائل على منجزية هذا العلم الإجمالي باعتراض نقضي يمكن تقريبه : بأنَّ مثل هذا العلم لو كان منجزاً وبالتالي مثبتاً لنتيجة حجية الخبر لكانت كافة الأمارات الظنية حجة ، لأنَّها بمجموعها تشكل أطرافاً لعلم إجمالي من هذا القبيل إذ لا يحتمل عادة كذبها جميعاً.

وقد تصدّى كلّ من صاحب الكفاية والسيد الأستاذ للجواب على هذا النقض بما حاصله : انحلال العلم الإجمالي بوجود تكاليف في الشريعة الّذي أطرافه تمام الشبهات ومدركه نفس العلم بأنَّ في الشريعة أحكاماً وحراماً وحلالاً بالعلم الإجمالي بالتكليف في ضمن مجموع الأمارات الظنية الّذي أطرافه مجموع الأمارات من اخبار وشهرات وإجماعات منقولة وغيرها ومدركه عدم احتمال كذبها جميعاً ، كما انَّ هذا العلم بدوره منحل بالعلم الإجمالي بوجود تكاليف بنفس المقدار المعلوم في العلمين السابقين ضمن دائرة اخبار الثقات مثلاً فينحل العلم الكبير بالوسط والوسط بالصغير لا محالة ، لأنَّه كلّما كان هناك علمان إجماليان متداخلان وكان المقدار المعلوم من

٤٠٩

التكليف فيهما متساوياً انحلّ العلم الكبير بالعلم الصغير وجرت الأصول المؤمنة في مورد افتراق أطراف الكبير عن الصغير بلا معارض وفي المقام الأمر كذلك ، لأنَّنا إذا أفرزنا من الروايات أطراف العلم الصغير بمقدار المعلوم بالإجمال ثمّ لاحظنا الباقي منها مع سائر الأمارات والشبهات لم يبق لنا علم إجمالي بالتكليف فيها ، وهذا شاهد على انَّ المعلوم بالعلم الإجمالي الصغير نفس المعلوم بالعلمين الإجماليين الوسط والكبير.

والصحيح انَّ العلم الإجمالي الوسط المذكور لا ينحل بالعلم الإجمالي الصغير في دائرة الروايات ، لأنَّ العلم الإجمالي الوسط بحسب الحقيقة تلفيق وتجميع لعلوم إجمالية متعددة بعدد الأمارات قائمة على أساس إجراء حساب الاحتمالات في كل نوع من الأمارات ، ومن أجل توضيح الفكرة لنفترض انحصار الأمارات الظنية في صنفين الروايات والشهرات ولنفترض انَّ مجموع الروايات مائة ومجموع الشهرات مائة أيضا ويعلم إجمالاً في كلّ منهما بصدق عشرة أمارة على الأقل حيث لا يحتمل كذب الجميع من كلّ صنف بحساب الاحتمالات ونفترض انَّهما متطابقان مجتمعان في تسعين مورد ومفترقان في عشرة من كل جانب ، وحينئذ نقول يستحيل أَنْ ينحلّ العلم الإجمالي بعشرة أحكام مثلاً مطابقة للواقع في مجموع أطراف الأمارتين وهي مائة وعشرة حسب ما فرضناه ـ وهو العلم الإجمالي الوسط ـ بالعلم الإجمالي بمطابقة عشرة روايات ضمن مجموع الروايات مع العلم الإجمالي الصغير ، وذلك ببرهان انَّ العلم المذكور كما رأينا تلفيق بين العلمين الصغيرين العرضيين وحينئذ إِنْ افترض انحلاله بأحد العلمين الصغيرين وهو مائة رواية بالخصوص دون مائة شهرة فهو ترجيح بلا مرجح ، وإِنْ فرض انحلاله بموارد الاجتماع والتطابق بينهما وهي التسعين فهذا معقول إِلاّ انَّه لا ينتج المطلوب وهو حجية تمام الروايات كما انَّه خلاف فرض المستدلّ ، لأنَّ معناه وجود علم إجمالي أصغر من الصغير وبهذا يعرف انَّه لا يكفي للبرهنة علم انحلال العلم الإجمالي الوسط دعوى انَّ المعلوم في العلم الصغير مساو للكبير لأنَّنا لو أفرزنا بمقداره من أطرافه لما بقي في الباقي منها منضماً إلى أطراف العلم الكبير الأُخرى علم إجمالي.

بل بالتأمّل يظهر انَّ هذا الميزان أيضا غير منطبق في المقام ، لأنَّنا إذا أفرزنا من موارد الاجتماع بين الأمارتين بمقدار المعلوم بالإجمال لم يبق علم إجمالي بملاحظة الباقي

٤١٠

من أطراف العلم الوسط وامَّا إذا أفرزنا بمقداره من مورد افتراق إحدى الأمارتين عن الأُخرى ولاحظنا الباقي كان العلم الإجمالي فيها باقياً على حاله ، لأنَّ المفروض عدم احتمال كذب الأمارة الأخرى بتمامها وهذا يعني انَّ علمنا الإجمالي بحسب الحقيقة علم إجمالي دائر بين الأقل والأكثر لأنَّه علم بوجود عشرة أحكام في مورد الاجتماع أو أزيد إلى عشرين في موردي الافتراق لأنَّ أي حكم يكون في أحد موردي الافتراق فهو حكم زائد على العشرة المعلومة بالإجمال في دائرة الأمارة الأخرى وحيث انَّ موضوع الأكثر ومورده غير الأقل ـ وهو العشرة ـ لا يكون هذا العلم الإجمالي الدائر بين الأقل والأكثر منحلاً إلى العلم بالأقل والشك في الأكثر فهو نظير العلم بوجود نجس بين هذين الإناءين أو نجسين بين الأواني الثلاث الأُخرى وإذا كان علمنا الإجمالي كذلك كان معناه انَّ معلومنا الإجمالي بالعلم الصغير لا يحرز كونه على كلّ تقدير يحتمل انطباقه مع المعلوم بالعلم الكبير بل يكون كذلك على تقدير كونه في مادة الاجتماع للأمارتين ولا يكون لو كان شيء منه في مادة الافتراق لإحداهما عن الأخرى وهذا يعني انَّ الميزان في الانحلال هو إحراز احتمال التطابق بين المعلومين على كلّ تقدير وعلامته انَّه لو أفرزنا بمقداره من أيّ طرف لم يبق في الأطراف الأُخرى علم إجمالي وهذا غير منطبق في المقام كما هو واضح. تبقى في المقام شبهتان.

إحداهما ـ دعوى انحلال العلم الوسط بالعلم الإجمالي الصغير في دائرة الروايات دون العلم الصغير في دائرة الشهرات ، لأنَّ معلومه لا يزيد على معلوم الأول ولكن يزيد على معلوم الثاني ولو من جهة انَّ المعلوم صحته من الروايات أكثر من المعلوم صحته من الشهرات.

والجواب عليها : أولا ـ بإنكار أصل الدعوى ، فانَّ القيمة الاحتمالية لكلّ شهرة شهرة إِنْ لم تكن أكثر من القيمة الاحتمالية لكلّ رواية خصوصاً إذا كانت مع الوسائط الكثيرة فليست بأقلّ منها وميزان حصول العلم المذكور هو حساب هذه القيم الاحتمالية الموزعة في أطراف كلّ صنف من الأمارات فلا موجب لافتراض زيادة المعلوم صحته من الروايات عن المعلوم صحته من الشهرات أو أمارة أُخرى.

وثانياً ـ انَّ هذه الأكثرية في المعلوم لا أثر لها بلحاظ مادة الاجتماع وانَّما يظهر أثرها

٤١١

بلحاظ مادتي الافتراق أي الروايات التي لا شهرة على طبقها والشهرات التي لا رواية على طبقها ، ومن الواضح انَّ القيمة الاحتمالية عادة للشهرات التي لا رواية على طبقها أكثر بكثير من القيمة الاحتمالية للروايات التي لا شهرة على طبقها لقوة كاشفية الشهرة غير المدركية والتي لا رواية على طبقها وقوة احتمال وجود روايات ضاعت علينا بل القطع بذلك وانَّ الروايات الموجودة بأيدينا قد وصلت إلينا عن طريق المشهور الّذي لم يعمل بها أو لم يعمل كلّهم بها ممّا يكشف عن وهن فيها على كلّ حال ومعه كيف يصحّ فرض انَّ ضم مادة الافتراق من الروايات إلى مادة الاجتماع يزيد في مقدار المعلوم دون ضم مادة الافتراق من الشهرات التي هي أقوى كاشفية وقد قلنا انَّ ميزان هذه الكاشفية هو حساب القيم الاحتمالية فكلّما ازدادت ازداد المعلوم لا محالة.

وثالثاً ـ ربّما يفرض انَّنا لو أخذنا مقداراً من مادة الافتراق للروايات ـ ولنفرضه المقدار الأقوى كاشفية ـ مع مقدار من مادة الافتراق من الشهرات أو جميعها وضممناها إلى مادة الاجتماع أيضا حصل لنا العلم الإجمالي في دائرة الروايات حيث يعوض عن كاشفية الروايات المتروكة من مادة الاجتماع بالشهرات المضافة من مادة الافتراق فيصعد بمقتضى حساب الاحتمالات مقدار المعلوم بالإجمال ضمن هذه الدائرة عن المعلوم بالإجمال ضمن دائرة مادة الاجتماع فقط كما كان يصعد عند ما نضم إليها مادة الافتراق من الروايات. وحينئذ سوف تكون هذه الدائرة هي دائرة علمنا الإجمالي الصغير الّذي يكون في عرض العلم الإجمالي الصغير في دائرة الروايات فقط ويكون بينهما عموم من وجه فلا وجه لانحلال العلم الوسط بأحدهما دون الآخر (١).

ورابعاً ـ لو سلّمنا كلّ ذلك فغايته انَّ العلم الإجمالي الوسط ينحل بالعلم الإجمالي الرواياتي ولا ينحل بالعلم الإجمالي الشهراتي ولكن مع ذلك يبقى العلم الإجمالي

__________________

(١) هذه الأجوبة الثلاثة كلّها وجدانية ، فيمكن لأحد أَنْ ينكرها ويدّعي انَّ المعلوم بالإجمال في دائرة الروايات مطلقاً أو ما يكون عن ثقة فقط أكثر من المعلوم بالإجمال لأيّ دائرة أُخرى من الدوائر التلفيقية المتصورة بين الأمارات الظنيّة الأُخرى وبين الروايات ، لأنَّ هناك عاملين مهمّين جداً في تصعيد مقدار المعلوم بالإجمال أحدهما كثرة وقائع الأمارة وأهميتها والثانية قيمتها الاحتمالية التي من أهم مناشئها كون الأمارة حسية ومن ثقة وكلا هذين العاملين متوافران بصورة جيدة في الروايات دون غيرها من الروايات.

٤١٢

الشهراتي في دائرة الشهرات منجزاً لتمام أطرافه ما لم نضم دعوى زائدة سوف تأتي في الشبهة الآتية.

الثانية ـ دعوى انحلال العلم الوسط بالعلم الإجمالي في دائرة الروايات وانحلال العلم الإجمالي الشهراتي بعلم إجمالي أصغر منه في خصوص مادة الاجتماع بين الشهرات والروايات ، إذ لا إشكال في انَّ تطابق الروايات مع الشهرات ربّما يوجب العلم إجمالاً بصدق مقدار من مادة الاجتماع لا يقلّ عن المعلوم الإجمالي في دائرة الشهرات جميعاً ، لأنَّ القيمة الاحتمالية للروايات المتطابقة مع الشهرات في مادة الافتراق ليست بأقلّ من القيمة الاحتمالية للشهرات في مادة الافتراق وبهذا يندفع الجواب الرابع عن الشبهة السابقة أيضا كما هو واضح.

ولنا على هذه الشبهة تعليقات :

الأُولى ـ انَّ المعلوم بالعلم الإجمالي الشهراتي إِنْ فرض مساواته مع المعلوم بالعلم الإجمالي الرواياتي فانحلال الأول بالعلم الإجمالي في خصوص مادة الاجتماع يوجب انحلال الثاني أيضا لا محالة وهو خلف المطلوب كما تقدّم. وإِنْ فرض انَّه أقلّ منه فهذا يعني انَّ القيم الاحتمالية للروايات أكبر من القيمة الاحتمالية للشهرات وقد تقدّم المنع عن ذلك في دفع الشبهة السابقة.

الثانية ـ انَّ العلم الإجمالي الأصغر في مادة الاجتماع لا يمكنه أَنْ يحلّ العلم الإجمالي الشهراتي فيما إذا فرضنا انَّ واحداً على الأقل من مادة الاجتماع قيمته الاحتمالية ليست بأكثر من مجموع الشهرات في مادة الافتراق بحيث لو أفرزنا ذاك الواحد وضممنا مادة الافتراق للشهرات إلى مادة الاجتماع بقي علمنا الإجمالي على حاله ، فانَّه إذا قبلنا هذا فسوف يتكون لنا علمان إجماليان صغيران بينهما عموم من وجه نظير ما ذكرناه في الجواب الثالث على الشبهة السابقة.

الثالثة ـ انَّ مادة الافتراق من الشهرات إِنْ فرض انَّها كانت تؤثر في زيادة عدد المعلوم بالإجمال في العلم الإجمالي الوسط الّذي أبرزه الأستاذ وادعى انحلاله بالعلم الإجمالي الصغير فلا يمكن الانحلال حينئذ لأنَّه بإفرازها لا محالة يقلّ عدد المعلوم بالإجمال ، وإِنْ فرض عدم تأثيرها في ذلك فهذا معناه خروجها من أول الأمر عن

٤١٣

الطرفية لا أنَّها طرف فيه وقد انحلَّ بعلم صغير ، وهذا بخلاف ما إذا لم يعلم بمقدار المعلوم بالعلم الإجمالي الشهراتي في مادة الاجتماع إذ يعلم حينئذ بوجود تكاليف امَّا فيها أو أكثر منها في مادتي الافتراق فتكون كلّ من مادتي الافتراق طرفاً للعلم الإجمالي.

ثمّ انَّ المحقق النائيني ( قده ) في فوائد الأصول قد ذكر صيغة أُخرى في تقريب هذا الدليل العقلي ، وذلك بأَنْ يدعى انَّنا نعلم إجمالاً بصدور جملة من الروايات والأحاديث المنقولة باخبار الآحاد عن المعصوم عليه‌السلام وهذا علم إجمالي بالحجة ، لأنَّ تلك الأحاديث باعتبار اشتمالها على الظهور تكون موضوعاً للحجية ولو فرض عدم العلم بمطابقة شيء منها للواقع. والعلم الإجمالي بهذا التقريب يمتاز على التقريب السابق في انَّ أطرافه خصوص الروايات كما انَّ معلومه قد يكون أكثر من المعلوم في العلم الإجمالي بالتكليف الواقعي في دائرة الشبهات ، وبهذا قد تندفع بعض الإشكالات المتقدمة ولكن مع ذلك يبقى الإشكال الّذي أبرزناه نحن من انَّ هناك علماً إجمالياً بالواقع في دائرة غير الاخبار من الأمارات الظنية بنحو تكون النسبة بين أطرافه وأطراف العلم المذكور العموم من وجه ومعه يكون كلا العلمين منجزاً.

وامَّا المقام الثاني ـ من البحث ففي ملاحظة نتيجة هذا الدليل ، وانَّها هل تكون نفس نتيجة الحجية أم مغايرة معها عملياً كما هي مغايرة معها مفهوماً؟ قد يقال ، بأنَّ النتيجة العملية واحدة وانَّما الاختلاف في بعض الآثار غير المربوطة بالوظيفة العملية ، إذ على كلّ حال لا بدَّ من العمل بالأخبار الدالة على التكاليف سواءً كان من جهة منجزية العلم أو حجيتها. نعم لا يمكن للفقيه اسناد مفادها إلى الشارع بناءً على مسلك منجزية العلم الإجمالي بينما قد يجوز ذلك بناءً على مسلك الحجية ، كما انَّه بناءً على الحجية لو صادف مطابقة جميع الاخبار للواقع وخالف المكلّف كان عاصياً فيها جميعاً فيعاقب بعدد تلك الوقائع عقاب العصيان لثبوت التكليف الواقعي وتنجزه عليه بالحجة وامَّا بناءً على مسلك منجزية العلم فحيث لا يعلم بأكثر من عشرة تكاليف مثلاً في مجموع الاخبار فحتى لو فرض مطابقة جميعها للواقع وارتكاب المكلّف لها جميعاً فلا يكون عاصياً لأكثر من عشرة تكاليف نعم يكون متجرياً بعدد الأطراف لاحتمال

٤١٤

انطباق أحد التكاليف المعلومة بالإجمال عليه. إِلاّ انَّ كلاًّ من هذين الأثرين غير عمليين.

والصحيح وجود فارق عملي بين المسلكين أيضا وتوضيح ذلك وتفصيله ، انَّ هناك صنفين من الروايات :

١ ـ الروايات الدالة على الترخيص ولو بالدلالة الالتزامية.

٢ ـ الروايات الدالة على الإلزام ولو بالالتزام.

وفيما يلي نلاحظ الفوارق بين المسلكين في مجال كلّ من الصنفين فنقول. امَّا في موارد الروايات النافية للتكليف فالصحيح وجود الفارق العملي بين المسلكين من ناحية انَّه على القول بالحجية يجب العمل بها ولو كان في قبالها أصل لفظي أو عملي يقتضي الإلزام بينما على القول بمنجزية العلم الإجمالي قد يثبت الإلزام وذلك فيما إذا كان في قبالها أصل لفظي أو عملي ملزم إذ لم تثبت حجيتها لكي يجوز رفع اليد عنه.

وقد يدّعى انَّ العلم إجمالاً بمطابقة بعض تلك الروايات الترخيصية للواقع أو صدورها عن المعصوم يوجب سقوط تلك الأصول اللفظية أو العملية إذا كانت في تمام أطراف هذا العلم الإجمالي فيجوز الرجوع إلى البراءة العقلية على القول بها أو الشرعية لو كان دليلها قطعياً.

والجواب ـ امَّا بلحاظ الأصول العملية المثبتة للتكليف فلأنها تتمثل في أصلين امَّا أصالة الاشتغال العقلية أو الاستصحاب المثبت للتكليف الثابت حجيته بالقطع أو بالروايات الداخلة في أطراف العلم الإجمالي المنجز لمداليلها الإلزامية والتي منها الاستصحاب المثبت ، وكلاهما يجريان حتى لو علم إجمالاً بصدور بعض الروايات الترخيصية لأنَّه علم إجمالي بالحكم الترخيصي وهو لا ينافي جريانهما ، امَّا الأول فواضح لأنَّ مقتضي الاشتغال عقلاً لا يزاحمه ولا يرفعه العلم الإجمالي بالترخيص بل لا بدَّ من العلم بالمؤمّن تفصيلاً ليرفع اليد عن مقتضى أصالة الاشتغال. وامَّا الثاني فلأنَّ دعوى سقوط الاستصحاب المثبت للتكليف عن الحجية في المقام موقوف على تمامية أمرين كلاهما غير تام عندنا.

الأول ـ اختيار مسلك الشيخ ( قده ) من انَّ اليقين الإجمالي بالانتقاض مانع عن

٤١٥

جريان الاستصحاب في أطرافه للتعارض بين الذيل والصدر في دليل الاستصحاب.

الثاني ـ العلم إجمالاً بمطابقة بعض تلك الروايات النافية للواقع لكي يعلم بانتقاض الحالة السابقة إجمالاً ، وامَّا لو كان يعلم بصدور بعض تلك الروايات فهو مجرد علم بالحجة الإجمالية على الترخيص وهو لا يمنع عن جريان الاستصحاب المثبت إِلاّ بناءً على مسلك قيام الأمارات مقام القطع الموضوعي.

وامَّا بلحاظ الأصول اللفظية فالعلم الإجمالي بوجود المخصصات أو المقيدات لبعض العمومات والمطلقات المثبتة للتكليف في قبال الروايات النافية وإِنْ كان يوجب التعارض فيما بينها بل يكفي لإيقاع التعارض وإجمالها العلم إجمالاً بوجود مخصصات ومقيدات لمجموع الإطلاقات الأولية في الأدلة القطعية زائداً على المقدار الثابت بالدليل القطعي من المقيدات والمخصصات ، إِلاّ انَّه مع ذلك يجب الاحتياط ، وذلك لصحة التمسك بالعمومات المثبتة بالعنوان الإجمالي في غير المقدار المعلوم بالإجمال تخصيصه منها الّذي هو أقلّ من مجموع العمومات المثبتة لا محالة ونتيجته تحصيل علم إجمالي بالحجة على التكليف.

وامَّا في موارد الاخبار المثبتة للتكليف ـ التي هي مورد هذا الدليل العقلي ـ فعلى العموم تكون النتيجة على المسلكين هو العمل على طبق الروايات المثبتة للتكليف ولو بالالتزام ، امَّا لكونها حجة أو لكونها أطرافاً للعلم الإجمالي المنجز. ولكنه مع ذلك هنالك حالات وموارد قد يظهر الفرق بين المسلكين نشير إلى جملة منها فيما يلي :

المورد الأول ـ أَنْ يفرض انَّ الخبر المثبت للتكليف يكون على خلافه عموم أو إطلاق في دليل اجتهادي قطعي السند دال على الترخيص ، فانَّه بناءً على الحجية لا بدَّ من العمل على طبق الخبر المثبت للتكليف وامَّا بناءً على منجزية العلم الإجمالي الّذي أطرافه الروايات المثبتة للتكليف فالمنجزية لا تشمل الأطراف التي فيها أصل مؤمن بلا معارض خصوصاً إذا كان دليلاً اجتهادياً معيناً للتكليف المعلوم بالإجمال في سائر الأطراف.

وقال جملة من المحقّقين انَّه بناءً على مسلك منجزية العلم الإجمالي أيضا تجري أصالة الاشتغال ، للعلم إجمالاً بطرو مخصصات ومقيدات على خصوص المطلقات

٤١٦

الترخيصية أو مطلق العمومات وهو كافٍ في تعارضها وإجمالها. ولا يفيد هنا ما ذكرناه فيما سبق من إمكان إثبات مفاد العام فيما زاد على القدر المعلوم ، لأنَّه ترخيص ليس فيه مقتضي عدم التنجيز فلا يزاحم ما فيه مقتضي الاحتياط والتنجيز.

المورد الثاني ـ أَنْ يفرض في قبال الخبر المثبت أصل عملي نافٍ للتكليف ، وهذا الأصل النافي تارة يكون جارياً في تمام موارد الروايات المثبتة أي في تمام أطراف العلم الإجمالي في نفسه كالبراءة مثلاً وهذا لا إشكال في كونه خارجاً عن محل الكلام ، لأنَّه ساقط بنفس العلم الإجمالي المفترض وأخرى يكون جارياً في خصوص بعض موارد الخبر المثبت كأصالة الطهارة مثلاً. وهنا تارة يفرض انَّ ذلك الأصل النافي دليله العقل ، وأخرى دليله شرعي قطعي ، وثالثة دليله من نفس الروايات.

فعلى الأول يرجع إلى ذلك الدليل لو كان بلا محذور ، وعلى الثاني يرجع إليه أيضا بناءً على مسلكنا من جواز الرجوع إلى الأصل النافي في بعض أطراف العلم الإجمالي لو كان مختصاً به ولو فرض وجود أصل نافٍ مشترك في تمام الأطراف لكونه من غير سنخه ، هذا إذا لم يعلم بطرو التخصيص أو بمخالفة بعض موارد جريان هذا الأصل للواقع بحيث يصبح إطلاقه متعارضاً ومجملاً كإطلاق العمومات الترخيصية في الموارد السابق ، وعلى الثالث فلا أثر للأصل المذكور بل يجب الأخذ بمفاد الخبر المثبت بمقتضى منجزية العلم الإجمالي.

المورد الثالث ـ أَنْ يفرض في قبال الخبر المثبت للتكليف خبر نافٍ له ، وهنا بناءً على الحجية لا يجب العمل بشيء منهما للتعارض والتساقط ، وامَّا بناء على مسلك منجزية العلم الإجمالي يجب العمل بالخبر المثبت من باب الاحتياط لكونه طرفاً للعلم الإجمالي ومجرد وجود خبر نافٍ في قباله لا يقتضي خلاف ذلك ، اللهم إِلاّ أَنْ يدعى انحلال العلم الإجمالي في دائرة الروايات بالعلم الإجمالي في خصوص الروايات غير المعارضة بأَنْ يكون المعلوم إجمالاً صدوره منها بمقدار المعلوم إجمالاً في مجموع الروايات وهو يعني خروج مورد الرواية المعارضة عن الطرفية ولو باعتبار تعارض القيم الاحتمالية في كلّ منهما مع الآخر.

المورد الرابع ـ أَنْ يكون في قبال الخبر المثبت للتكليف خبر آخر أيضا مثبت

٤١٧

للتكليف ولكنه بشكل معاكس بأَنْ يدلّ أحدهما على الحرمة والآخر على الوجوب ، فبناءً على مسلك الحجية النتيجة هي التعارض والتساقط والرجوع إلى مقتضى القاعدة الأولية ، بينما على القول بمنجزية العلم الإجمالي فسوف يكون الخبران معاً طرفاً للعلم الإجمالي بالتكليف. فانْ بنينا على انحلال العلم الإجمالي وانحصاره بخصوص موارد الاخبار التي لا معارض لها خرج المورد عن الطرفية فالنتيجة نفس النتيجة ، وامَّا لو لم نقل بذلك فسوف يكون العلم الإجمالي غير مقتضٍ للتنجيز في هذا الطرف لدوران الأمر فيه بين محذورين وامَّا بالنسبة إلى سائر الأطراف فيكون منجزاً على تفصيل تأتي الإشارة إليه في المورد السادس.

المورد الخامس ـ إذا كان الخبر المثبت للتكليف في مقابله أصل مثبت للتكليف بنحو معاكس ، فانه بناءً على الحجية يجب العمل على طبق الخبر وامَّا بناءً على منجزية العلم الإجمالي إِنْ كان الأصل المثبت للتكليف عقلياً كأصالة الاشتغال فمرجعه إلى علم إجمالي آخر يقتضي ذلك فيصبح كلّ من الوجوب والحرمة طرفا لعلم إجمالي وحينئذ لا يؤثر كلّ منهما بلحاظ مادة الاجتماع للتزاحم بينهما وامَّا بلحاظ مادتي الافتراق فيؤثران على كلام يأتي في المورد السادس وإِنْ كان شرعياً كالاستصحاب ، فانْ كان في سائر الأطراف أصول شرعية نافية للتكليف أيضا وقعت المعارضة فيما بينها جميعاً ، لأنَّ الاستصحاب المذكور وإِنْ كان مثبتاً للحرمة مثلاً إِلاّ انَّه بلحاظ الوجوب المعلوم بالإجمال نافٍ للتكليف لأنَّه يؤمن من الترك لا محالة كأصالة البراءة عنه وإِنْ لم يكن أصل ناف في تلك الأطراف ـ أو كان من سنخ يجري في هذا الطرف أيضا بخلاف الاستصحاب المختص به ـ فانْ كان دليل الاستصحاب قطعياً جرى وانحلّ العلم الإجمالي بمعنى انَّه يؤمن من ناحية الوجوب المحتمل في مورده مع بقاء التنجيز في سائر الأطراف وإِنْ فرض دليله من نفس الاخبار فلا يكون مؤمناً عن الوجوب بل يكون مدلوله التحريمي منجزاً من باب أصالة الاشتغال ومنجزية العلم الإجمالي فيكون كالمورد الرابع مع كون الحرمة ظاهرية لا واقعية.

المورد السادس ـ أَنْ يكون الخبر المثبت في قباله أصل لفظي يثبت التكليف بشكل معاكس ، فبناءً على الحجية ينبغي العمل به وتخصيص الأصل اللفظي وامَّا

٤١٨

بناءً على منجزية العلم الإجمالي فانْ فرض عدم العلم الإجمالي بالمخصصات للعمومات القطعية أكثر من المقدار الثابت بالدليل القطعي جرت أصالة العموم ودلّت على نفي التكليف الإلزاميّ المدلول عليه بالخبر وتعيينه في الأطراف الأُخرى ، وإِنْ فرض العلم الإجمالي بالتخصيص أكثر من ذلك وقع التعارض بين العمومات. ولكنا ذكرنا فيما سبق بقاء العمومات المثبتة للتكليف على الحجية إجمالاً في غير المعلوم بالإجمال تخصيصه فيتشكل من ذلك علم إجمالي بالحجة على التكليف فيكون المورد طرفاً مشتركاً بين علميين إجماليين أحدهما في دائرة الروايات الإلزامية والآخر في دائرة العمومات الإلزامية فيتزاحمان في التأثير في الطرف المشترك ، وحينئذ قد يقال بعدم تأثير شيء منهما للدوران بين المحذورين ، وقد يقال بتقديم العلم الإجمالي في دائرة العمومات على العلم في دائرة الروايات في التنجيز لأنَّ احتمال انطباق الحجة الإجمالية من العمومات أقوى من احتمال انطباق المعلوم بالإجمال صدقه أو صدوره من الروايات في المورد ، لأنَّ المقدار المعلوم بالإجمال صدقه أو صدوره من الروايات نسبته إلى غير المعلوم كذلك أقلّ بكثير من نسبة ما هو الحجة إجمالاً من العمومات إلى ما ليس بحجة منه لثبوت المخصص له إجمالاً ، لأنَّ المخصص المذكور عادة من ناحية الروايات المعلوم إجمالاً بصدورها وما يعلم إجمالاً صدوره أقلّ مما لا يعلم في دائرة الروايات والعقل يستقل بلزوم تحصيل أكبر قدر ممكن من الموافقة بعد فرض منجزية العلم الإجمالي وعدم إمكان الموافقة القطعية ، هذا كلّه في مادة الاجتماع وامَّا في مادتي الافتراق فتصوير تأثير العلم الإجمالي فيهما يكون له تقريبات :

الأول ـ أَنْ يقال بأنَّ ما بقي من موارد الافتراق أيضا فيه معلوم بالإجمال ، إذ لم يكن معلومنا الإجمالي في دائرة الروايات بقدر مورد التعارض المذكور بل أكثر منه فتنجز بذلك.

الثاني ـ أَنْ تكون المنجزية لسائر الأطراف من جهة سقوط الأصول المؤمنة في جميع الأطراف بالتعارض وانَّما لا منجزية بلحاظ هذا الطرف من جهة العجز عن الاحتياط فيه لا لوجود المؤمن فيكون احتمال التكليف في الأطراف الأُخرى كافياً في التنجيز لأنَّه لا مؤمن عنه.

٤١٩

وقد يقال هنا بما يذكر عادة في بحث الدوران بين المحذورين من جريان الأصل المؤمن عن الطرفين معاً من دون محذور ، لأنَّ المحذور انَّما يكون من جهة الترخيص في المخالفة القطعية وهي غير ممكنة ففي المقام أيضا لا يمكن المخالفة القطعية للعلمين الإجماليين فلا محذور من جريان الأصول المؤمنة في جميع الأطراف.

إِلاّ انَّ هذه الشبهة لو تمّت في محلّها فتتم في المقام في المورد الرابع والخامس المتقدمين لا في هذا المورد ، لأنَّ المفروض هنا وجود علمين إجماليين مشتركين في طرف واحد وكلّ منهما في نفسه مخالفته القطعية ممكنة وهو كافٍ في تعارض الأصول وتساقطها في أطرافه.

نعم لو قيل بما ذكره الكفاية ( قده ) في بحث الاضطرار إلى بعض الأطراف من دون تعيين من سقوط العلم الإجمالي عن المنجزية لأنَّه متى ما لم تجب الموافقة القطعية بلحاظ طرف سقطت المنجزية في الطرف الآخر أيضا لاحتمال أَنْ يكون التكليف ثابتاً فيه بل على تقدير كونه في غير الطرف الّذي جازت مخالفته فلا يكون العلم علماً بالتكليف على كلّ تقدير ، أقول هذه الشبهة روحاً جارية في المقام أيضا.

الثالث ـ انَّ لدينا في المقام علم إجمالي بلحاظ مادتي الافتراق ، لأنَّه لا يحتمل انطباق المعلومين الإجماليين معاً في مادة الاجتماع للتنافي بينهما فيعلم إجمالاً بثبوت تكليف إِلزامي في إحدى مادتي الافتراق على أقلّ تقدير وهو كافٍ في وجوب الاحتياط فيهما ، فإنَّا نعلم بأنَّه على تقدير كذب الخبر الإلزاميّ في مورد الاجتماع فهو صادق في مورد الافتراق كذلك بلحاظ الدليل الآخر المثبت للتكليف المعاكس وبما انَّ أحدهما كاذب لا محالة ـ إذ لا يعقل صدقهما معاً فيعلم بثبوت التكليف في أحد موردي الافتراق إجمالاً على الأقل. وهذا البيان مخصوص بما إذا كان هناك علمان إجماليان كما في المقام ولا يتمّ في المورد الرابع والخامس إذا كان هناك علم إجمالي واحد ضمن أطراف أحدهما يدور بين متباينين كما يظهر بالتأمل.

وهذا الجواب انَّما يتمّ فيما إذا لم يكن العلم الإجمالي بصدق أو صحة إحدى الروايات مستنداً إلى تجميع القيمة الاحتمالية للصدق في مجموع الأطراف ، وإِلاّ فلا يتشكّل لنا قضية شرطية بأنَّ أحد الأطراف لو كانت الرواية فيه كذباً لكان المعلوم

٤٢٠