بحوث في علم الأصول - ج ٤

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

الوجه الخامس ـ وهو يتم في مورد لو لم تكن السيرة منعقدة على ما يراد إثبات انعقادها عليه لكان لها بديل وكان ذلك البديل ظاهرة مهمة لا تقتضي العادة أَنْ تمرّ بدون تسجيل لخطورتها ، ولعلّ من أحسن أمثلة ذلك انعقاد السيرة على العمل بالظواهر فانه لو لم تكن هذه السيرة موجودة في عهدهم ولم يكن بناء الصحابة والأصحاب على جعل الظهور مقياساً لاقتناص المعنى فلا بد من أَن تكون هناك مبانٍ أُخرى بديلة لذلك في مقام الاقتناص ، إِذ لا شك في انَّهم كانوا يقتنصون المعاني من الأدلة الشرعية على كلّ حال فلو لم يكن ذلك على أساس الظهور فلا بدَّ من قاعدة أُخرى بدلاً عن الظهور وذاك البديل لو كان لكان ظاهرة اجتماعية فريدة وملفتة للنظر بحيث لا يمكن أَنْ تمرّ دون أَنْ يصل إِلينا آثارها وأخبارها بشكل وآخر فانَّ ما هو أقلّ من ذلك تصل آثاره عادة إلى المتأخرين بالتدريج فكيف لا تصل إِلينا رائحة بديل عن الظهورات بوجه من الوجوه فيستكشف منه أنَّه لم يكن هناك بديل بل كان الظهور هو الحجة.

هذه هي وجوه خمسة قد يستند إِليها أو إِلى بعضها على الأقل في إثبات معاصرة السيرة لزمان المعصومين عليهم‌السلام وهناك وجوه أُخرى جزئيّة كثيرة على أساس نكات وخصوصيّات غير منضبطة يواجهها الفقيه عادة في الفقه ، فمثلاً ألسنة الروايات وطرز الأسئلة فيها قد تكون كاشفة إثباتاً أو نفياً عن ارتكاز المتشرعة في عصر المعصومين عليهم‌السلام فبالنسبة إلى طهارة أهل الكتاب مثلاً قد جعلنا لسان الروايات التي استند إِليها المشهور لإثبات نجاستهم دليلاً على أنَّه لم تكن النجاسة ممّا انعقدت السيرة عليها عند أصحاب الأئمة والمتشرعة لأنَّ تلك الأسئلة قد بيّن فيها الاستشكال بضميمة فرض انَّ أهل الكتاب يشربون الخمر ويأكلون لحم الميتة فلو كانت النجاسة الذاتيّة لهم أمراً مشهوراً فلما ذا يفترض النجاسة العرضية والمعرضية لها مع فرض نجاستهم ذاتاً ، وكذلك فقه العامة في باب المعاملات مثلاً يمكن أَنْ يعطي بعض القرائن نفياً أو إثباتاً على استقرار التعامل الخارجي في زمن الأئمة على موقف معيّن إلى كثير من الخصوصيات الحديثة والتاريخية وغيرهما ممّا لا ضوابط لها يترك تفصيلها إلى الفقه حسب موارد المسائل وطبيعتها.

٢٤١

٢ ـ كيف نستكشف الموقف الملائم الكاشف عن الإمضاء :

وهذا هو الركن الثاني في تتميم دلالة السيرة وهذا ما تختلف صيغته في السيرة العقلائية عنها في السيرة المتشرعية ذلك انَّ أصحاب الأئمة عليهم‌السلام المعاصرين معهم لهم حيثيّتان حيثيّة كونهم عقلاء تتحكّم فيهم أحكامهم ومواقفهم وحيثيّة كونهم متشرعة يطبقون أحكام الشريعة المقدّسة فيما لا ربط له بالعقلاء ومواقفهم كما إِذا انعقدت سيرتهم مثلاً على الجهر في صلاة ظهر يوم الجمعة ـ وعلى هذا الأساس تكون هناك سيرتان لهم سيرتهم بما هم متشرّعة وسيرتهم في القضايا التي للعقلاء موقف فيها وملاك كاشفيّة كلّ من السيرتين عن قبول الشارع لمضمون تلك السيرة يختلف عن الآخر.

فالسيرة المتشرعيّة دلالتها على قبول الشارع لمضمونها تشبه دلالة البرهان الإنِّي بتوضيح : انَّنا نتكلّم عن المتشرعة المعاصرين لعهد الأئمة عليهم‌السلام الذين أُتيح لهم تلقّي الأحكام والمعارف الشرعية عنهم بطريق الحسّ أو القريب من الحسّ وذلك بالسؤال عنهم ـ وهم جلّ الأصحاب المعاصرين لهم والناقلين لآثارهم وامَّا فقهاء عصر الغيبة فانَّ تطابق آرائهم وفتاواهم على شيء يكون إجماعاً في الفتوى القائمة على أساس الحدس لا الحسّ وهذا ما سوف يأتي الحديث عن حجيّته وكاشفيّته في فصل قادم ـ ومن الواضح انَّ تطابق آراء الأصحاب والمتشرعة في عصر من هذا القبيل لا محالة يكشف عن تلقيهم ذلك الحكم من الشارع بمعنى استناد موقفهم العملي إِليه لأنَّ احتمال استناده إلى نكات عقلائية غير موجود بحسب الفرض إِذ المفروض انَّ السيرة انعقدت في مسألة شرعيّة بحتة كالجهر في الصلاة فلو فرض انَّ سلوكهم المذكور ممّا لا يرضى به الشارع وغير مقبول لديه بل غير مستند إِليه فهذا معناه افتراض الغفلة الحسيّة في عدد كبير من الناس. امَّا بالغفلة عن أصل الفحص والسؤال أو عن الفحص التام وهو منفي بحساب الاحتمالات فانَّ كلّ واحد وإِنْ كان معقولاً في حقّه ذلك إِلاَّ أنَّ غفلة الجميع في قضية حسيّة منفي بحسب قوانين حساب الاحتمالات ومنطق الاستقراء ، بل كيف تطابقت الغفلات على نتيجة واحدة متّفق عليها فانَّ هذا أيضا بعيد بنفس الحساب ومن هنا كانت هذه السيرة أقوى من إجماع أهل الرّأي

٢٤٢

والاجتهاد بمراتب في مقام الكشف عن الموقف الشرعي ، لأنَّ الإجماع انَّما يكون في قضيّة حدسية ممّا يكون احتمال الخطأ فيها من قبل الجميع معقولاً لو لا عنايات فائقة.

وهذا البيان لا يمكن إجراؤه في السيرة العقلائيّة إِذ يمكن فيها افتراض انَّ المرتكزات العقلائيّة لشدّة سيطرتها على الأفراد وتحوّلها إلى عادة لا شعوريّة يكون منشئاً لاستقرار السلوك المعين فلا ينحصر سببه في التلقي من الشارع. ومن هنا كان لا بدَّ في إثبات دلالتها من الاستعانة بقضيتين شرطيّتين :

إحداهما ـ انَّه لو لم يكن الشارع موافقاً على مضمون السيرة لردع عنها.

الثانية ـ انَّه لو كان قد ردع عنها لوصل إِلينا.

وحيث انَّه لم يصل إِلينا فلا ردع وهو كاشف عن الإمضاء بحكم الشرطيّة الأولى.

وهذا يعني انَّ السيرة العقلائية بحاجة إلى ثلاث نقاط حتى تتم دلالتها على الموقف الشرعي.

النقطة الأولى ـ إثبات الشرطية الأولى التي محصّلها دلالة عدم الردع على الإمضاء وهذا ما يمكن تقريبه بأحد وجهين :

١ ـ أَنْ تكون دلالة عقليّة بملاك استحالة نقض الغرض وتخلّف المعصوم عن أداء رسالته من تبليغ الشريعة وبيان أحكامها وحلالها وحرامها ، فانَّه بحكم كونه حجّة على العباد في تبليغ الشريعة مسئول عن توضيح ما يخالفها من أوضاع الناس وإلا كان مخالفاً لمسئوليّته بما هو مكلَّف ـ بالفتح ـ وناقضاً لغرضه بما هو مكلِّف ـ بالكسر ـ وكلاهما مستحيل. وهذا الوجه ينطبق فيما إذا كانت السيرة العقلائية تشكّل خطراً على أغراض الشارع بأنْ كان مفعولها سارياً إلى باب الشرعيات كالسيرة على الرجوع إلى أهل الخبرة في كلّ فنّ المقتضي للرجوع إلى الفقهاء في أخذ معالم الدين امَّا جرياً وراء العادة أو لعموم النكتة في نظرهم وعدم الفرق بين علم الفقه وساير الفنون.

٢ ـ أَنْ تكون دلالة حالية بدعوى انَّ لسكوت المعصوم عليه‌السلام عن موقف عقلائي عام يقع بين يديه ظهوراً حالياً في أنَّه موافق عليه ويقبله نظير دلالة سكوته عن عمل شخصي يقع أمامه أو سكوت الأب عن تصرّف معيّن من ابنه الكاشف عن رضاه به وقد قيل انَّ السكوت قد يكون أبلغ من الكلام في التعبير عن المرام.

٢٤٣

وهذا يختلف باختلاف الظروف والملابسات والإمام عليه‌السلام بوصفه له مقام التبليغ والمسئولية في أداء الأحكام يكون لسكوته ظهور حالي يشبه ظهور سكوت الأب عن تصرف ابنه في الكشف عن موافقته عليه ، وهذا الظهور الحالي إِنْ بلغ مرتبة اليقين كان حجة بلا كلام وإلاّ احتيج في إثبات حجيتها ضمّ كبرى حجية الظهور حتى إِذا كان حالياً. ومنه يظهر انَّه لا يمكن بهذا الظهور ـ إذا لم يكن قطعيّاً ـ تتميم الاستدلال بالسيرة على حجية الظهور نفسه.

النقطة الثانية ـ إثبات الشرطية الثانية ومحصلها : انَّ عدم وصول الردع كاشف عن عدمه ثبوتاً وملاك ذلك انَّ الردع عن كلّ سيرة المقابل للسكوت عنها يتحدد حجمه ومقداره وعمقه بمقدار أهمية تلك السيرة ومدى تركزها وسعتها فردع المعصوم عليه‌السلام عن عمل شخصي من قبل مكلَّف على خلاف الموازين يمكن أَنْ لا يصل إِلينا إِذ ليست كلّ واقعة واقعة لا بدَّ وأَنْ تصل إِلينا إِلاّ انَّ الردع عن تصرف نوعي للجمهور في مختلف الأحوال لا بدَّ فيه من تكرر الردع وتركزه لكي يناسب قوة المردوع ويؤثر أثره في قلع جذوره ، ومثله يولد انتباهاً من المتشرعة في السؤال عن الأئمة عليهم‌السلام نتيجة البلبلة والتذبذب الّذي يحصل بالردع في البداية وهذا ينعكس لا محالة في الروايات والآثار المنقولة عنهم لتدلّ على توضيح بطلان مضمون تلك السيرة بنحو بحيث يكون من البعيد جداً بحساب الاحتمالات أَنْ يخفى كلّ ذلك عنّا مع توفر الدواعي على نقلها لكونها قضية تأسيسية تغييريّة مخالفة مع الوضع العام الّذي كان سائداً.

النقطة الثالثة ـ عدم الوصول وهذا يقصد به عدم مطلق الوصول لا خصوص الوصول بخبر صحيح أو موثق فالوصول ولو باخبار ضعاف كاف في عدم تمامية الاستدلال بالسيرة ما لم تنضم عناية زائدة فانَّ ملاك الدلالة والملازمة في الشرطية الثانية انَّما هو حسابات الاحتمال العقلية لا الحجية الشرعية فهي لا تقتضي أكثر من انَّه لو لم يصل ردع أصلاً كان كاشفاً عن عدم وجوده لا انَّه لو لم يصل الردع باخبار الثقات بالخصوص.

ثم انَّ المحقق الأصفهاني ( قده ) في حاشيته على الكفاية اكتفي في حجية السيرة بعدم إحراز الردع وقد ذكر في وجهه انَّ للشارع حيثيتين حيثية كونه عاقلاً من العقلاء

٢٤٤

بل سيدهم وحيثية كونه شارعاً ، وفي موارد السير العقلائية يعرف انَّ الشارع بما هو عاقل له نفس الموقف المنعقد عليه السيرة وإِلاّ لكان خلف عقلانيته أو عقلائية السيرة ويشك في انَّه بما هو شارع هل يخالف ذلك أم لا أي انَّ حيثية كونه مشرعاً هل تمنع عن ذلك أم لا وهذا مجرّد احتمال بعد إحراز أصل موافقته عليه فلا يعتنى به ما لم يثبت خلافه.

وفيه : أولا ـ انَّ إحراز موافقة الشارع للعقلاء بما هو عاقل لمجرّد كونه أحد العقلاء غير صحيح إِذ يحتمل مخالفته لهم بما هو عاقل أيضا لأحد سببين ، امَّا لكون السيرة العقلائية غير عقلية بحتة بل متأثّرة بالعوامل غير العقلية من العواطف والمشاعر الموجودة لدى العقلاء والمؤثرة في قراراتهم كثيراً وامَّا لكون مرتبة عقله أتمّ وأكمل من مراتب عقولهم المستلزم لاتخاذه موقفاً أفضل أو أشمل من موقفهم نتيجة ذلك.

وثانياً ـ لو سلّمنا إحراز الاتحاد بينه وبين العقلاء في المسلك العقلائي فتارة يفرض انَّ هذا الاتحاد يوجب القطع بأنَّه بما هو شارع أيضا لا يخالفهم فهذا معناه عدم إمكان صدور الردع منه وانتفاء احتماله وهو خلف المفروض ، وأخرى يفرض انَّ احتمال اختلاف موقفه بما هو شارع ومولى عن موقفه العقلائي موجود فمن الواضح حينئذ انَّ مجرد إحراز موقفه بما هو عاقل لا أثر له في التنجيز والتعذير عقلاً إذ لا موضوعية لمواقفه غير المولويّة في هذا المجال وإِنْ أُريد جعل ذلك كاشفاً ظنيّاً عن موقفه بما هو شارع فهذا الظنّ لا دليل على حجيّته ما لم يرجع إلى باب الظهور الحال في الإمضاء والقبول على أساس النكات التي تقدّم شرحها.

مقدار ما يثبت بالسيرة المتشرعية :

الجهة الثالثة ـ في مقدار ما يثبت بالسيرة المتشرعية من حدود الحكم الشرعي فنقول :

تارة تنعقد السيرة المتشرعية على عدم التقيد بفعل كمسح القدم بتمام الكفّ فتدلّ حينئذ على عدم وجوبه بملاك حساب الاحتمالات المتقدم شرحها. وأُخرى تنعقد على الإتيان بفعل ـ أو ترك ـ فلا إشكال حينئذ في ثبوت الجواز بالمعنى الأعم

٢٤٥

حينئذ المقابل للحرمة بل الكراهة أيضا بنفس الملاك وامَّا ثبوت الوجوب أو الاستحباب أو جامع المطلوبية بها؟ فهو بحاجة إلى بحث وتفصيل. لأنَّ السيرة العملية المتشرعية انْ أحرزت نكتتها الارتكازية وعنوان عمل المتشرعة فيها كان علم انهم يعملون ذلك على وجه الاستحباب والأفضلية فنفس ملاك حجية السيرة جاء بلحاظ النكتة المتّفق عليها في السيرة وإِلاّ بأن كان وجه العمل المتشرعي مجملاً غير واضح فتارة يفرض وجود دواع خارجية طبيعية للالتزام بذلك الفعل كالعرف العام مثلاً فلا يمكن أَنْ يستكشف من انعقاد العمل المطلوبية إذ لعله على أساس ذلك الداعي الخارجي وأُخرى يفرض عدم وجود داع كذلك فيكشف ذلك لا محالة عن أصل المطلوبية ولو بدرجة الاستحباب هذا مجمل مفادات سيرة المتشرعة.

مقدار مفاد الإمضاء للسيرة العقلائية :

الجهة الرابعة ـ في مقدار مفاد الإمضاء للسيرة العقلائية وهل هو في حدود ما هو معمول به خارجاً وقام التعارف عليه في عهد المعصوم عليه‌السلام أو يكون الإمضاء أوسع من ذلك وضمن سعة دائرة النكتة العقلائية لها التي قد تكون أوسع من مقدار الجري الخارجي ، فالسيرة على سببيّة الحيازة للتمليك مثلاً كان المقدار المعمول به منها خارجاً الحيازة بالطرق والوسائل البدائية كالاغتراف والاحتطاب وامَّا مثل حيازة الطاقة الكهربائية لم يكن لها وجود آنذاك فهل المقدار المستفاد إمضاؤه يكون في دائرة تلك الموارد المعمول بها أم أوسع من ذلك؟ وهذا له آثار مهمّة في الفقه.

قد يقال : بأنَّ السكوت وعدم الردع لا يدلّ على أكثر من إمضاء ما وقع خارجاً من عمل العقلاء وامَّا سعة نظر العقلاء من دون أَنْ يقع جري خارجي على طبقها فلا يمكن أَنْ يستكشف إمضاء الشارع لها من مجرّد سكوته.

إِلاّ انَّ الإنصاف دلالة عدم الردع على إمضاء تمام النكتة العقلائية التي هي أساس العمل الخارجي للعقلاء وملاكه في نظرهم ، لأنَّ المعصوم له مقام التشريع وإبلاغ أحكام الله سبحانه وتعالى وتصحيح أو تغيير ما ارتكز عند الناس من شرائع غير صحيحة ومثل هذا المقام أوسع مدلولاً من مجرد كونه ناهياً للمنكر الخارجي وآمراً

٢٤٦

بالمعروف بل يدلّ بحسب ظهوره الحالي على انَّه ناظر إلى النكات التشريعية الكبروية نفياً أو إثباتاً فيكون لسكوته وعدم ردعه ظهور في إمضاء تمام النكتة العقلائية للسيرة.

الفوارق بين السيرة المتشرعية والعقلائية :

الجهة الخامسة ـ يظهر من مجموع ما تقدّم عدة فوارق بين سيرة المتشرعة وسيرة العقلاء.

ومن جملتها انَّنا حينما نريد أَنْ نستدلّ بسيرة المتشرعة لا بدَّ وأَن نثبت استقرار بناء المتشرعة وعمل أصحاب الأئمة والأجيال المعاصرة لهم على ذلك العمل ، وامَّا السيرة العقلائية فيكفي فيها أَنْ نثبت انَّ الطباع العقلائية لو خليت ونفسها ولم تردع لكان مقتضاها عمل ما وإِن كان بالفعل لم يجرِ أصحاب الأئمة والعقلاء في زمانهم على ذلك فانَّ هذا نثبته بنفس برهان عدم الردع بالشرطية الثانية المتقدمة. وإِنْ شئت قلت : انَّه يكفي في الاستدلال بالسيرة العقلائية أَنْ نثبت انَّ الطباع العقلائية لو خليت ونفسها ومن دون ردع كانت تقتضي جري العقلاء عليها ولا نحتاج ـ في الركن الأول ـ إلى أكثر من ذلك وإثبات انَّ العقلاء في زمن الأئمة بالفعل كانوا يعملون طبقاً لتلك الطبيعة كما نحتاجه في السيرة المتشرعية لأنَّ نفس ثبوت القضية الطبيعة العقلائية مع عدم وصول ردع عنها كاف في الكشف عن إمضاء الشارع لمقتضاها.

ومن الفوارق انَّ سيرة المتشرعة إذا استكملت شرائطها فلا معنى لاحتمال الردع فيها لأنَّها تكشف عن البيان الشرعي كشف المعلول عن علّته فهي وليدة البيان الشرعي على وفقها فكيف يحتمل الردع عنها وهذا بخلاف سيرة العقلاء فانَّ انعقادها ليس معلولاً للشارع بل لقضية عقلائية فيحتمل الردع عنها شرعاً.

وينبغي أَنْ يعلم انَّ ما نجعله سيرة متشرعة له أحد معنيين :

١ ـ سيرة المتشرعة بنحو يكون تشرعهم حيثية تعليلية للسيرة نظير سيرتهم على الجهر بصلاة الظهر من يوم الجمعة لو فرضت وهذه سيرة المتشرعة بالمعنى الأخص.

٢ ـ السيرة التي مارسها بالفعل المتشرعة وجرى عليها سواءً كان ذلك لتشرعه أو بمقتضى طبعه ، ومثاله سيرة المتشرعة من أصحاب الأئمة على العمل باخبار الثقات

٢٤٧

خارجاً من دون جزم لنا بأنَّ هذا العمل هل هو من باب عقلائيتهم أو لأجل تشرعهم وتلقيهم ذلك من المعصومين عليهم‌السلام وهذه سيرة متشرعية بالمعنى الأعم. ويقابلهما السيرة العقلائية بمعنى إحراز انَّ الطباع العقلائية لو خليت ونفسها ، تقتضي مطلباً ما ولكن لا يعلم ـ بقطع النّظر عن برهان عدم الردع ـ جريان المتشرعة على طبقه.

وكلا المعنيين للسيرة المتشرعية تكون حجّة بملاك كشف المعلول عن علّته إِلاّ انَّ السيرة بالمعنى الأول أقوى دلالة من المعنى الثاني إذ لا يحتمل فيه أَنْ تكون ناشئة من الطبع العقلائي وانَّما منشأ وقوع الخطأ فيها أَنْ تكون المتشرعة قد أخطأت في تلقّي البيان الشرعي وهو منفي بحساب الاحتمالات على ما تقدّم شرحه ، وامَّا السيرة المتشرعية بالمعنى الثاني الأعم فيحتمل نشوؤها من الطبع العقلائي ، ومن هنا كانت مثل السيرة المتشرعية على الجهر في الصلاة أقوى من سيرتهم على العمل باخبار الثقات في الكشف عن الحكم الشرعي إِلاّ انَّ كلتيهما حجة على كلّ حال بملاك واحد ، لأنَّ النزعة العقلائية وإِنْ كانت تقتضي الجري على طبقها إِلاّ انَّ المتشرعة حيث انَّهم متشرعون فاحتمال انَّهم جميعاً قد غفلوا عن حكم المسألة شرعاً وانساقوا وراء طباعهم العقلائية من دون سؤال واستفسار أو تفهّم للموقف الشرعي ولو روحاً في مسألة داخلة في محل ابتلائهم كثيراً منفي أيضا بحساب الاحتمالات.

وبهذا نختم الحديث عن السيرة.

٢٤٨

حجيّة الظواهر

والبحث عنها يقع في جهات :

الجهة الأُولى ـ في أصل حجيّة الظهور. والعمدة في الاستدلال عليه التمسّك بالسيرة التي فرغنا عن كبراها في المسألة السابقة.

والاستدلال تارة يكون بالسيرة المتشرعية وأُخرى بالسيرة العقلائية.

امَّا السيرة المتشرعية فقد قلنا فيما سبق انَّ الاستدلال بها يتوقّف على إثبات وقوع العمل فعلاً من قبل المتشرعة من أصحاب الأئمة عليهم‌السلام باخبار الثقات بأحد وجوه خمسة متقدمة نطبق منها في المقام الوجه الخامس وحاصله : انَّ فقهاء ذلك العصر كانوا يعملون بالظواهر جزماً ، إذ لو لم يكن قد انعقد بناؤهم على العمل بالظهور في مقام اقتناص الحكم من الأدلة الشرعية وكان بناؤهم على قاعدة اليقين أو الاطمئنان أو الاحتياط أو أيّ قاعدة أُخرى لكان ذلك حدثاً فريداً في الفقه ولا نحتمل انَّ مثل هذا الحادث يقع ويكون مبنى فقهاء الطائفة عليه ثم لا يشار إِليه ولا يصل إِلينا منه عين ولا أثر بل يصل إِلينا العكس ، فانَّ كلّ من كتب في الأصول بنى على حجيّة الظهور ولم يشكك فيه أحد ولم يحتمل وجود خلاف.

ولا يتوهّم : احتمال انَّهم كان يحصل لهم الاطمئنان غالباً من الظهورات ومن هنا

٢٤٩

لم يشكل ظاهرة فريدة ملفتة للنظر. إِذ من الواضح انَّ أكثر مراتب الظهور لا يحصل منها اطمئنان لا لاحتمال التجوز أو الإظهار أو التقدير أو نحوها من خلاف الظاهر الكثير في اللغة العربية فحسب بل لأنَّ وضع الأئمة عليهم‌السلام واعتمادهم على التقيّة أو القرائن المنفصلة لم يكن يساعد على حصول الاطمئنان من ظاهر كلماتهم جزماً.

وبهذا نثبت انعقاد السيرة المتشرعية بالمعنى الأعم على العمل بالظهورات وقد تقدّم انَّه حجّة كالسيرة المتشرعية بالمعنى الأخص وبناءً عليه لا تصل النوبة إلى البحث عن احتمال الردع بإطلاقات النهي عن العمل بالظنّ مثلاً والبحث عن انَّها هل تصلح للرادعية أم لا ، فانَّ هذا الاستدلال بالسيرة المتشرعية الكاشفة كشفاً إنيّاً عن موقف الشارع مباشرة.

وامَّا السيرة العقلائية فلا ينبغي الإشكال أيضا في انَّ قضية العمل بالظهور على وفق الطبع العقلائي ، بل هذا من أوضح طباعهم وجوانب سلوكهم العام حيث لا يتقيدون في مقام الإفادة والمحاورة بالتنصيص والصراحة في مقام التعبير جزماً.

وكيفية تقريب الاستدلال بالسيرة العقلائية في المقام يمكن أَنْ يكون بأحد شكلين :

الأول ـ الاستدلال بسيرة العقلاء في معاشهم وأوضاعهم الخارجية اليومية حيث انَّها انعقدت على الأخذ بالظهورات وهذا بناء عقلائي في مجال أغراضهم التكوينية.

الثاني ـ التمسّك بسيرتهم في عالم المولويات العرفية والأغراض التشريعية لهم حيث انَّ بناء العقلاء على إلزام كل من الآمر والمأمور بالظهور ويرونه حجة.

وقد يعترض على الاستدلال بالسيرة العقلائية على النهج الأول بأنَّه غير تام صغرى وغير مفيد كبرى ، إِذ العقلاء وإِنْ كانوا لا يطالبون بالألفاظ الصريحة في مجال بيان أغراضهم التكوينية ، إِلاّ انَّ هذا ليس من باب التعبّد بالظهور بل على أساس نكات أُخرى كيف ولا يعقل التعبد في مجال الأغراض التكوينية ولا معنى للحجية والمنجزية والمعذرية فيها. وامَّا نكات العمل وملاكاته فقد يكون عبارة عن حصول الاطمئنان من الظهور أحياناً بأنَّ المتكلّم ليس بناؤه على التأويل والإلغاز أو الإجمال أو حصول الغفلة العرفية عن احتمالات خلاف الظاهر أو عدم الأهميّة بالغرض التكوينية بحيث

٢٥٠

يرتب الأثر على احتمالات خلافه المقتضية للاحتياط أو كونه على وفق الاحتياط أو إيقاع باب التزاحم مثلاً بين أطراف القضية ونحو ذلك ، هذا من حيث الصغرى ، وامَّا من حيث الكبرى فلو سلّمت الصغرى تعقّلاً ووقوعاً فأيّ فائدة في مثل هذه السيرة العقلائية في مجال الأغراض التكوينية وأيّ فائدة في عدم ردع الشارع عنها فانَّ غايته إمضاؤه في مجاله لا في مجال الأغراض التشريعية وعالم التنجيز والتعذير الّذي هو المهم من هذا البحث.

والتحقيق ـ انَّ الاعتراض الصغروي المذكور وإِنْ كان صحيحاً في الجملة بمعنى أنَّه لا معنى للحجية والتعبّد في باب الأغراض التكوينيّة واحتمال كون المحرك فيها انَّما هو الاحتمالات التكوينية ودرجتها أو المحتملات التكوينية وأهميتها ، إِلاّ انَّ هذا لا يمنع عن صحّة الاستدلال بها في محل الكلام لأنَّ هذه السيرة بقطع النّظر عن تحليل مناشئها ودوافعها باعتبارها سلوكاً يوميّاً عاماً في حياة كلّ عاقل الاعتيادية فسوف تشكّل عادة وجبلة وفطرة ثانوية للإنسان العرفي بحيث يكون بابه باب العادة لا باب التعقل والتبصّر والدراية ومع تحوّل السلوك العقلائي من سلوك تبصر مدروس إلى سلوك عفوي جبلي لا يضمن بحسب الخارج حينئذ أَنْ لا يكون السير عليه أوسع من مأخذه الأول ونكتته العقلية التي يفترض لها بل لعله يصبح تدريجاً أدباً عقلائيّاً ونهجاً عرفيّاً يعاب الإنسان على مخالفته والخروج عنه المعبر عنه بالتقاليد العرفية أو العقلائية.

وبذلك سوف تشكل هذه السيرة إحراجاً للشارع في مجال الأغراض التشريعية أيضا إذ لا ضمان لعدم امتدادها إلى هذا المجال انسياقاً معها وتأثرها بها كعادة جارية فلو لم يكن الشارع راضياً وموافقاً عليها لزمه التنبيه على ذلك وردعهم عن استخدام نفس النزعة العادية في مجال التشريعيات.

ومنه ظهر جواب الاعتراض الكبروي فانَّ سكوت الشارع عن هذه السيرة لا يثبت مجرد عدم المضايقة منها في مجال الأغراض التكوينيّة بل يثبت موافقته على امتدادها إلى مجال الظواهر في الأدلة الشرعية أيضا.

نعم لو كان مسلكنا في استكشاف الرضا ما تقدّم من المحقق الأصفهانيّ ( قده ) من استكشاف ذلك على أساس كون الشارع سيد العقلاء وأحدهم فهذا لا يقتضي أكثر

٢٥١

من استكشاف موافقته معهم في مجال الأغراض التكوينية.

وإِنْ شئت قلت : انَّ السيرة على هذا التقدير لا يعدو أَنْ يكون مجرّد عادة عفويّة ولا يكون بناءً عقلائيّاً تشريعيّاً لكي تكون عقلائية الشارع مجدياً في إثبات الحجيّة في التشريعيات وانَّما يتوقّف استكشاف ذلك كموقف تشريعي على أساس عدم

الردع بالتقريب المتقدم منّا.

وامَّا الشكل الثاني من الاستدلال بالسيرة العقلائية وهو دعوى إدانة العقلاء لكل من الأمر والمأمور بالظهور في أغراضهم التشريعية فهو سليم عن الاعتراضين السابقين حتى على مسلك الأصفهاني ( قده ) لأنَّ الحجية والتعبد معقول في هذا المقام فلا يحتاج في الاستناد إلى هذه السيرة لإبراز نكتة تحولها إلى سلوك عادي جبلي ، إذ يكفي ثبوت نفس الإدانة العقلائية المولويّة إِلاّ انَّ مصاديق هذه السيرة خارجاً أقلّ من تطبيقات السيرة العقلائية في الأغراض التكوينية ، كما انَّه ليس المراد بهذه السيرة دعوى الإدانة العقلائية على أساس كاشفية عقلية عملية وإِلاّ كانت حجية الظهور ذاتية كحجية القطع مع انَّه قد فرغنا عن عدمها ، كما انَّه ليس المراد انَّ العاقل يعاقب أو يعاتب الأمر أو المأمور إذا خالف الظهور فانَّ الحجيّة حكم يجعله نفس الآمر بلحاظ مأموره بالخصوص لا شخص آخر ، لما تقدّم من انَّها عبارة عن حكم ظاهري يجعله صاحب الأغراض التشريعية وهو المولى في مقام علاج التزاحم الواقع فيما بينها فيرجح بعضها على بعض على أساس قوة الاحتمال أو على أساس الاحتمال أو على أساس أهمية المحتمل ومثل هذا لا يكون إِلاّ من قبل كل مولى بلحاظ مواليه لا غير.

وانَّما المقصود انَّ كلّ عاقل يرى انَّه لو كان جالساً مجلس ذلك المولى الأمر لجعل الظهور حجّة فيما بينه وبين مأموريه وهذه قضية شرطية يبنى عليها كلّ عاقل ولو ارتكازاً وهو معنى السيرة العقلائية.

هذا كلّه في كيفيّة تقرير نفس السيرة العقلائية.

وامَّا إثبات إمضائها من قبل الشارع ، فقد تقدّم انَّه يستكشف من عدم ردعه عنها على أساس أحد ملاكين امَّا لزوم نقض الغرض لو لم يكن موافقاً عليها ولم يردع أو انعقاد ظهور حالي في إمضائه وتقريره ، والأول منهما تام في المقام على ضوء ما تقدّم في تقرير

٢٥٢

حقيقة هذه السيرة العقلائية الممتدة إلى مجال الأغراض التشريعية ، وامَّا الثاني فالظهور الحالي وإِنْ كان ثابتاً هنا أيضا بنحو أقوى بل يمكن اعتباره ظهوراً لفظيّاً لأنَّ نفس تصدّي الشارع لتفهيم مرامه بالظهورات وعدم تقيده بإبراز العبارات الصريحة ظاهر في البناء على مرجعيتها وحجيّتها في مقام اقتناص المرام ، وهذا ظهور للشارع بما هو متكلّم لا بما هو مشرع فحسب فيكون ظهوراً كاللفظي إِلاّ انَّه لا يمكن جعل ذلك دليلاً على إمضاء السيرة في المقام ، لأنَّ الكلام بعد في حجية الظهورات ، اللهم إِلاّ أَنْ يحصل لنا اليقين بمدلول هذا الظهور أو التلفيق بين السيرة المتشرعية والعقلائية بأنْ نثبت حجيّة شخص هذا الظهور بالسيرة المتشرعية ثم به نثبت إمضاء السيرة العقلائية وليس هذا عبثاً أو مستدركاً ، لأنَّ المقدار الّذي يثبت بسيرة المتشرعة من الحجية قد يكون له قدر متيقّن هو خصوص الظهور القوي لا مطلق الظهور ويكون شخص هذا الظهور داخلاً في القدر المتيقّن.

وامَّا إثبات عدم الردع فيكون بعدم وصوله كما تقدم ، وقد يشكل عليه في المقام بأنَّه يكفي في الردع عمومات النهي عن العمل بالظنّ أو إطلاق أدلّة الأصول والقواعد الشرعية المقررة لموارد عدم العلم الشامل للظن أيضا كحديث الرفع مثلاً.

وهذه الشبهة تورد على الاستدلال بالسيرة على حجيّة خبر الواحد في بحث حجيته وهناك نكات وبحوث مشتركة بين المسألتين نؤجلها إلى ذلك الفصل وانَّما نتعرض في المقام إلى نكتتين :

إحداهما ـ انَّ هذه العمومات لا تصلح لذلك ، بداهة انَّ مثل هذه السيرة لشدة ترسخها واستحكامها في أذهان العقلاء والمتشرعة حتى انَّه لم يتزعزع شيء منها بعد ورود المطلقات المذكورة التي كانت على مرأى ومسمع من الناس لا يكفي في ردعها الاعتماد على مثل هذه المطلقات فانَّ الردع لا بدَّ وأَنْ يتناسب مع المردوع عنه ، فمثلاً نحن نرى في باب الردع عن القياس ما أكثر وأشدّ التصريحات الصادرة عنهم في مقام الردع عنه رغم انَّه لا ترسخ له في أذهانهم وانَّ الحاجة الفقهية إِليه والتعامل الفقهي معه أقلّ بمراتب من الحاجة إلى الظهور والتعامل معه في الفقه فضلاً عن المجالات الأُخرى.

٢٥٣

الثانية ـ قد يقال : انَّ الرادعيّة في المقام مستحيلة ، لأنَّ ما يراد جعله رادعاً بنفسه ظهور وظنّ فيلزم من حجيته لكي يكون رادعاً عدم حجيته وكلّ ما يلزم من وجوده عدمه محال.

وهذا البيان يحتاج في تتميمه إلى دعوى مصادرة وجدانية عهدتها على مدّعيها وهي القطع بعدم الفرق في فرض عدم الحجية بين سائر الظهورات وشخص هذا الظهور الرادع وإِلاّ فنثبت حجيّة شخص هذا الظهور بالسيرة العقلائيّة ، إِذ لا رادع عنه غيره بحسب الفرض وهو يستحيل أَنْ يكون رادعاً عن نفسه فإذا كان حجّة فيردع به عن حجية ساير الظهورات (١).

المقارنة بين الاستدلال بالسيرتين على حجية الظهور :

قد اتّضح ممّا سبق انَّ السيرة المتشرعية تمتاز على السيرة العقلائية في انَّها لا تحتاج إلى إثبات عدم ردع الشارع عنها ولهذا تكون أقوى في الدلالة على الموقف الشرعي منها ، هذا على العموم. إِلاّ انَّه في خصوص المقام ربّما يقال ببعض جهات النقص والضعف في الاستدلال بالسيرة المتشرعية من انَّ هذه السيرة باعتبارها دليلاً لبياً لا بدَّ وأَنْ يقتصر فيه على القدر القطعي المتيقّن من مدلوله ، فلا يمكن أَنْ نثبت بها إِلاّ ما أحرز يقيناً عمل المتشرعة به من الظهورات فمثلاً لا يمكن أَنْ نثبت بها حجيّة الظواهر الحالية البحتة غير المكتنفة بالكلام ، إِذ لا يمكن القطع بأنَّ عمل أصحاب الأئمة كان على الأخذ بها لعدم شيوع الاستدلال بمثلها في مجال الاستنباط بخلاف الظواهر اللفظية المتمثلة في الكتاب والسنة بل بعض مراتب الظهورات اللفظية أيضا قد لا يحرز العمل به من قبلهم. والحاصل : يكون مضمون السيرة المتشرعية قضية مهملة وهي في قوة الجزئية فلا يمكن الرجوع إِليها كلّما شك أو شكك في حجيّة ظهور كان فيه نكتة تستوجب مثل التشكيك من قبيل كونه يظنّ بخلافه أو لا يظنّ بوفاقه أو غير

__________________

(١) قد يقال لا يحتاج إلى القطع بعدم الفرق بل انَّ اعتماد نفس الظهور في مقام البيان والردع عن الظنّ يشكل قرينة عرفية بملاك عدم تناقض المتكلّم مع نفسه ولو بحسب ما يرى عرفاً تناقضاً على أنَّه لا يريد الظهور بل غيره من الظنون فلا ينعقد إطلاق من أول الأمر في مثل هذه الأدلة لشمول الظواهر.

٢٥٤

ذلك ، وهذا بخلاف السيرة العقلائية المنعقدة بمعنى القضية الطبعية العقلائية فانَّه لا يشك في عمومها لمطلق الظواهر الحالية واللفظية بمراتبها المتعارفة عقلائيّاً.

إِلاّ انَّ الصحيح إمكان تعميم نتيجة السيرة المتشرعية بعد ضمّ افتراض وجود السيرة العقلائية أولا بل افتراض أخذ أصل ثبوت السيرة العقلائية بعين الاعتبار أمر لا بدَّ منه في إثبات أصل السيرة المتشرعية وليس هذا مستدركاً لما قلنا من انَّ الاستدلال بالسيرة المتشرعية ليس بحاجة إلى عدم الردع بخلاف العقلائية التي لا يكفي في الاستدلال بها أصل ثبوتها. ووجه الاحتياج انَّ العقلاء لو لم يكونوا يبنون على الظهورات فكان حال الظهور عندهم حال غيره من القواعد غير المقبولة كالقرعة أو الاستخارة مثلاً. فلا يمكن استكشاف ثبوت سيرة متشرعية في زمان المعصومين عليهم‌السلام ، لأنَّ ذلك انَّما كان ببيان انَّه لو كانت لهم طريقة أُخرى في مقام اقتناص المرام لكانت حادثة فريدة على خلاف الوضع العقلائي العام ومثله لن يمرّ بدون تسجيل تاريخي بشكل وآخر مع انَّه لم تصل رائحة ذلك إِلينا ، وواضح انَّ مثل هذا البيان انَّما يتمّ فيما لو افترض انَّ الوضع العقلائي العام كان يعتبر أي طريقة أُخرى غير الظهور أمراً غريباً عن طباعهم وإِلاّ كان حال الظهور حال تلك القضايا فلما ذا يفترض انَّ العمل كان به لا بها ، فافتراض (١) انَّ العمل بالظهور هو الطريقة العقلائية الطبعية مقوم لطريقتنا في استنتاج السيرة المتشرعية. وحينئذ بالطريقة نفسها نثبت التعميم في مضمون السيرة

__________________

(١) الظاهر انَّ أصل عمل المتشرعة من أصحاب الأئمة بظهورات الأدلة الشرعية ممّا لا مجال للشك فيه ولو لوضوح بنائهم على نقل الأحاديث والروايات عن المعصومين وضبطها للعمل والإفتاء حسب ظواهرها فلا يتوقّف إثبات أصل السيرة المتشرعية إلى افتراض ثبوت السيرة العقلائية ، نعم نستكشف من عدم نقل تصد شرعي مباشر لإثبات حجية الظهور انَّ العمل به كان على وفق الطبع العقلائي أيضا للشارع والمتشرعة معاً وإِلاّ فلو كان الشارع هو موجد هذه السيرة ومؤسسها لانعكس ذلك في بياناته ، فالسيرة العقلائية تثبت بالسيرة المتشرعية القطعية أيضا ، وبهذا يعرف انَّ افتراض قصور السيرة المتشرعية انَّما يكون بمعنى انَّ المقدار المحرز وقوعه بالفعل خارجاً من عمل المتشرعة بالظهورات الشرعية هو القضية المهملة التي تكون في قوة الجزئية لا ثبوت كون الملاك في ذهنهم أخصّ من القضية الطبعية ليقال بأنه لا منشأ لهذه الأخصية إلاّ البيان الشرعي فلا يحرز وقوع مورد افتراق القضية الطبيعية الأعم لهم خارجاً في الأدلة الشرعية فلعله لو كان يقع لهم ذلك لسألوا عن حكمه أو تصدّى الشارع لبيانه ، وانَّما لم يسألوا ولم ينقل حكم كذلك لعدم وقوع ذلك وامَّا افتراض كون سجيتهم بما هم متشرعة على طبق السجية العقلائية وإِلاّ لكان بتأثير البيان الشرعي فكان لا بدَّ وأن يصل إلينا فهذا بلا موجب ، فلا يبقى إِلاّ نفس الطبيعة العقلائية التي يكون الاستدلال بها بحاجة إلى ضمّ عدم الردع ولا يكون بنفسه معلولاً للموقف الشرعي وانَّما المعلول له مقدار ما وقع خارجاً من سلوك المتشرعة بالفعل.

٢٥٥

المتشرعية إِذ لو كان مؤداها أقلّ من مؤدّى القضية الطبعية وأخصّ منه فهذا لا منشأ عقلائي طبعي له وانَّما ينحصر منشؤه في البيان الشرعي الّذي يعتبر تحديداً للقضية العقلائية وردعاً عنها ومثله لو كان لوصل إِلينا عادة مع انَّه لم يصل شاهد عليه من قريب أو بعيد فليست السيرة المتشرعية مهملة بذلك النحو الّذي يجعل مؤداها في قوة الجزئية دائماً ، هذا بالنسبة إلى سيرة المتشرعة.

وأمَّا السيرة العقلائية فربما يبرز بإزائها بعض نقاط الضعف ، منها ما تقدّمت الإشارة إِليه ، من أنَّ هذه السيرة مجرّد ثبوتها لا يكفي للاستدلال بها على الحكم الشرعي ما لم يثبت عدم الردع عنها الكاشف عن الموافقة مع مضمونها وهذا يتوقّف في بعض الأحيان على إثبات حجية ظهور حالي أو لفظي للشارع في الإمضاء وهو لا يكون إِلاّ بالتمسّك بدليل آخر على حجيّته لا بنفس هذه السيرة ، ومن هنا كان بحاجة إلى ضمّ السيرة المتشرعية إِليها في إثبات حجية شخص هذا الظهور على ما تقدّم شرحه.

وقد يقال بلزوم ضمّ السيرة المتشرعية في إثبات أصل ثبوت السيرة العقلائية في الظهورات الموجودة في ثنايا الأدلة الشرعية ، لأنَّ هذه الظهورات تختلف عن الظهورات العرفية في مقام المحاورة والتي هي القدر المتيقّن من شمول السيرة العقلائية لها في انَّها ظهورات صادرة في مجالس متعددة مفصولة بعضها عن بعض زماناً ومكاناً وحتى من حيث المتكلّم نفسه ، فانَّ الأئمة عليهم‌السلام قد خالفوا الطرائق العرفية في المحاورة بكثرة اعتمادهم على القرائن المنفصلة المتعددة والصادرة في مجالس مختلفة وأزمنة متباعدة ومن أئمة متعددين في عصور مختلفة ومثل هذه الطريقة ليست بعرفية ولا أقلّ في انَّها لا تكون رائجة فيما بين العقلاء لكي ينظر ما هو بنائهم فيها ، فالسيرة العقلائية على العمل بالظهورات العرفية المتعارفة وحدها لا تكفي لإثبات حجية مثل هذه الظهورات.

وهذه الشبهة تارة تُبين كاعتراض على دليلية السيرة العقلائية ، وحينئذ قد يجعل نفس عمل أصحاب الأئمة عليهم‌السلام بهذه الظهورات مع اطلاعهم على انَّ لهم حالة اعتماد القرائن المنفصلة وتأجيلها شاهداً على عموم السيرة العقلائية ، لأنَّهم انَّما كانوا يعملون ذلك بعقلائيتهم لا لتلقي نصّ منهم عليه.

٢٥٦

وقد تُبيّن هذه الشبهة للتشكيك في كلتا السيرتين ، امَّا العقلائية فبما تقدّم ، وامَّا المتشرعية فلما تقدّم أيضا من توقّف تماميتها على افتراض العموم في السيرة العقلائية في المرتبة السابقة عليها وإِلاّ لم يكن طريق لإثبات عمومها.

والصحيح : انَّه لا يمكن إبطال عموم السيرة المتشرعية ولا العقلائية بهذه الشبهة فلنا في المقام دعويان :

امَّا الأُولى ـ فلأنَّ ثبوت السيرة المتشرعية انَّما يتوقّف على ثبوت أصل كبرى حجيّة الظهور عند العقلاء وبحسب طباعهم لا انطباقها في خصوص كلمات الشارع فثبوت الكبرى ولو بنحو القضية المهملة الأوّليّة كافية في ثبوت سيرة المتشرعة ، إِذ هذا المقدار كافٍ في أَنْ يكون أي طريقة أُخرى لدى المتشرعة والشارع في مقام اقتناص المرام من ظواهر كلماتهم طريقة فريدة مرصودة لو كانت لنقلت إِلينا لا محالة لخطورتها وجدارتها.

وإِن شئت قلت : انَّ تطبيق تلك الكبرى الطبعيّة على كلمات الشارع وظهوراتها وإِنْ كان خارجاً أو يشك في دخولها عن المتيقن من مضمون السيرة العقلائية إِلاّ انَّه باعتبار تجانسه معها لا يشكل حادثاً فريداً بخلاف اتباع طريقة أُخرى كالاستخارة والقرعة مثلاً.

وامَّا الدعوى الثانية ـ فلأنَّ السيرة العقلائية في باب الأغراض التشريعية قد انعقدت على انَّ لنفس صدور الكلام والظهور واستناده إلى المولى موضوعية في باب الحجيّة والإدانة وليس حال الظواهر في هذا المجال حال الظواهر في مجال الأغراض التكوينيّة التي يتعامل معها لمجرد كاشفيتها التكوينية ليقال بأن مجالها الظهورات المتعارفة. نعم لا بأس بدعوى انَّ الإدانة والحجية إِنَّما تكون بعد الفحص عن المخصص والمقيّد والقرينة المنفصلة خصوصاً فيما إِذا كان المولى من دأبه الاعتماد على القرائن المنفصلة.

هذا كلّه لو سلّم وجود طريقة غير متعارفة للشارع في مقام اعتماده على القرائن المنفصلة ، فان أصل هذا المطلب وإِنْ كان صحيحاً في الجملة إِلاّ انَّه لا بالمرتبة التي تخرجها عن الطرائق المتعارفة في نظائرها على ما تقدّم تفصيل ذلك في بعض بحوث العام والخاصّ. بعد أنْ كان الأئمة المتعددين بحكم مشرع واحد لعصمتهم واطلاعهم على

٢٥٧

كل ما صدر من الإمام الآخر.

وهناك شبهة أُخرى قد تثار بوجه الاستدلال بالسيرة العقلائية على القضية المطلقة ، حاصلها : انَّ الاستدلال بالسيرة العقلائية مبتنٍ على استكشاف عدم الردع ولو من عدم وصوله وهذا بالنسبة إلى المراتب القوية من الظهور وبالنسبة إلى ظهور الروايات والأحاديث ثابت بلا إِشكال إِلاّ انَّه بالنسبة إلى بعض الظهورات مرتبة أو مورداً يوجد ما يحتمل كونه ردعاً عنه ، وذلك لأنَّ هناك طائفتين من الروايات يبلغ مجموعها حدّ الاستفاضة.

الأُولى ـ ما دلّت على الردع عن تفسير الكتاب بالرأي ، وقد استند إِليها بعض المحدثين لإسقاط حجيّة الظهورات الواردة في الكتاب الكريم ، فيدعى بأنَّ ما لا يكون القرآن صريحاً فيه واضحاً قد يصدق عليه انَّه تفسير بالرأي.

الثانية ـ ما دلّ على الردع عن العمل بالقياس ، فيقال انَّ بعض مراتب الاستظهار المبتنية على إعمال تحليلات عرفية أو إبراز مناسبات ونكات للظهور أو إِلغاء الخصوصيات المأخوذة بحسب ظاهر الدليل ونحو ذلك قد يصدق عليه عنوان القياس والاستحسان ، لأنَّها تعميمات مبتنية على مناسبات وهي وإِنْ كانت تشكل ظهوراً في الدليل بحيث يعترف بالظهور والدلالة فيها بعد الالتفات إلى تلك النكات إِلاّ أنَّه قد يقال بأَنَّ هذه لشباهتها باعمال الرّأي والقياس يحتمل شمول الروايات الرادعة لها ومعه لا يبقى جزم بعدم الردع لو لا إبراز السيرة المتشرعية وفعلية عملهم بها.

والجواب ـ يمكن أَنْ يكون على أساس أحد وجوه :

الوجه الأول ـ انَّ هذا المقدار لا يكفي في الردع عن السيرة بعد فرض انعقادها وعموم نكتتها ، فانَّه قد ذكرنا سابقاً انَّه لا بدَّ في مقام الردع عن سيرة أو تعديلها أَنْ يكون الرادع واضحاً صريحاً في إرادة ذلك فمجرد التشابه بين بعض الظهورات والقياس أو إعمال الرّأي المردوع عنه ـ الّذي هو بنفسه ضرب من القياس مع الفارق ـ لا يشكل ردعاً فعدم الردع المناسب ثابت.

الوجه الثاني ـ انّا نثبت حجيّة هذه المراتب من الظواهر بأدلة لفظيّة لا بالسيرة

٢٥٨

العقلائية ابتداءً ، وتوضيحه : انَّ هناك طائفتين من الروايات دلّتا على حجية الظواهر.

إحداهما ـ الروايات التي أمرت بالتمسّك والرجوع إلى الكتاب والسنة والموضوع فيها هو الكتاب والسنة أمَّا بما هما من مقولة اللفظ والكلام والدلالة أو بلحاظ المعنى وواقع ما هو المراد فيهما ، وعلى الأول تكون دالة بالإطلاق اللفظي على حجية تمام مراتب الظهور فيهما وعلى الثاني تكون دالة بالإطلاق المقامي على حجيّة ذلك أيضا ، فانَّه يقتضي الإحالة على العرف والطريقة المتعارفة في كيفية تشخيص ما هو المراد فيهما سنخ ما يقال في أدلة إمضاء المعاملات بمعنى المسببات من انَّ مقتضي إطلاقها المقامي إمضاء الأسباب العقلائية لها.

الثانية ـ ما دلّ على تحكيم دلالات القرآن الكريم ابتداءً كمعتبرة عبد الأعلى مولى آل سام ـ ( هذا وأشباهه يعرف من كتاب الله ) (١) وهكذا روايات العرض على الكتاب الكريم ، وميزتها على الطائفة الأُولى انَّها ناظرة إلى الكتاب الكريم بما هو دلالة ولفظ لا بما هو معنى ، فالإطلاق فيها لتمام مراتب الدلالة لفظي لا مقامي ، وحينئذ نثبت حجيّة إطلاق أو عموم هاتين الطائفتين بالسيرة العقلائية لأنَّ ذلك من القدر المتيقّن المندرج فيها لكونه عموماً أو إطلاقاً ظاهراً بلا إِعمال نكات أو إِلغاء خصوصيات ثمّ نثبت حجية المراتب التي يقتنص منها الظهور على أساس إِعمال نكات وإِلغاء خصوصيات بهذه الروايات.

الوجه الثالث ـ انَّ الردع المحتمل متأخر زماناً عن صدر الإسلام لتأخر روايات الردع عن القياس والرّأي ونحو ذلك مع انَّ السيرة العقلائية على حجية الظهور كانت منعقدة منذ صدر الإسلام من دون ردع عنها وقتئذ بل مع إمضائها كجملة من القضايا التي كانت ممضاة في صدر الإسلام ثمّ نسخت من باب التدرج في التشريع فيرجع احتمال الردع إلى احتمال النسخ فيستصحب بقاء الحجيّة وهذا عمل بإطلاق دليل الاستصحاب الداخل في القدر المتيقّن من السيرة لأنَّه إطلاق لفظي غير قائم على

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ب ٢٩ من أبواب الوضوء.

٢٥٩

أساس إِلغاء الخصوصيّة وإِعمال نكات كما لا يخفى (١).

الوجه الرابع ـ التمسّك بروايات صادرة عنهم تدلّ على أنَّهم كانوا يستدلون بظواهر قرآنيّة من نفس النمط أي حيث يكون الاستدلال بها مبنيّا على إعمال عنايات وإلغاء خصوصيات فيثبت انَّ هذا صحيح لا ردع عنه ولا نقصد بذلك ما يكون ظاهراً في تفسير القرآن الكريم وبيان واقع المرام منه فانَّه باب آخر أجنبيّ عن حجية الدلالة ، وإِنَّما المراد ما يكون ظاهراً في الاستدلال بالآية على الحكم الّذي بيّنه الإمام عليه‌السلام وهذا له مصاديق كثيرة وجملة منها وإِنْ لم يكن خالياً عن المناقشة سنداً أو دلالة إِلاّ انَّ الإنصاف إمكان استفادة المدعى منها في الجملة.

وعلى سبيل المثال نورد ما يلي :

١ ـ ما رواه عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال الله تعالى في كتابه : « فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحاً فصيام ثلاثة أيّام ... إلخ (١).

فانَّ ظاهرها انَّ الإمام عليه‌السلام يريد استخراج الحكم من الآية الكريمة بقرينة الاستشهاد والتفريع عليها بقوله : ( فمن عرض .. .. ) ، وقد استفاد منها الإمام عليه‌السلام ضابطة كليّة مع انَّها بحسب حاق مفادها اللغوي خاصة بمورد الأذى من رأسه في مسألة حرمة الحلق على المحرم فاستفاد الإمام بمناسبات الحكم والموضوع إلغاء الخصوصية والتعدّي إلى مطلق تروك الإحرام.

٢ ـ معتبرة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن طائر أهلي دخل الحرم

__________________

(١) لا يقال : ـ انَّ أدلة الردع شأن غيرها ممّا صدر من الأئمة ظاهرة في انَّ القياس وما يكون مثله كان باطلاً من أول الأمر فلا يقين سابق نعم قد يكون هناك عذر لمن عمل به قبل صدور الردع إِلاّ انَّه مطلب آخر فلا يكون بابه باب النسخ بل التخصيص ومعه لا يقين سابق.

فانه يقال : ـ انَّ الحجية قبل كمال الدين كانت ثابتة يقيناً بالإمضاء العام فالروايات لا تدلّ على أكثر من بطلانه بعد اكتمال الدين ولو في أواخر زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ثمَّ ان هنا وجهاً آخر للجواب عن أصل الإشكال حاصله : التمسّك بإطلاق الظهور الحالي في الإمضاء ـ الّذي هو أحد تقريبي الكشف عن الإمضاء ـ بالنسبة إلى الظهورات المذكورة حيث لم يثبت الردع عنها وهذا الظهور الحالي داخل في القدر المتيقّن من حجية الظهور ولا يمكن أن يرفع اليد عن إطلاقه لمجرّد الاحتمال.

(٢) وسائل الشيعة ب ١٤ ، أبواب بقيّة الكفارات.

٢٦٠