بحوث في علم الأصول - ج ٣

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٥

الشرعي. وإن شئت قلت : انَّ الذهن من خلال هذا العنوان الانتزاعي يرى واقع العناوين المنطبق عليها فيلزم التهافت والتضاد بهذا اللحاظ.

التحفّظ الثالث : إنَّ العنوانين المتغايرين إِذا اشتركا في جزء كما إِذا أمر بتعظيم العادل ونهى عن تعظيم الفاسق فقام المكلّف لمجيء العادل والفاسق في مورد مثلاً بحيث انطبق على فعله العنوانان معاً كان هذا من الشقّ الأول لأنَّ الجزء المشترك وهو التعظيم سوف يكون محبوباً ومأموراً به ضمناً وباعتبار لزوم التخيير الشرعي منه سوف يتعلّق الحبّ بالفرد المبغوض لا محالة ، وهذا يعني انَّ تعدد العنوان انَّما يوجب جواز الاجتماع إذا كانا متمايزين بتمام حقيقتهما وامَّا إِذا كانا متغايرين في الخصوصية مع الاشتراك في ذي الخصوصية لحق بالشقّ الأول.

وبما ذكرناه من التحفُّظات حول الملاك الثاني للجواز أعني كفاية تعدد العنوان لدفع غائلة التضاد يظهر انَّنا بحاجة أيضا إلى البحث التطبيقي ـ الصغروي ـ للملاك الثالث من ملاكات الجواز وهو ما دار بين المحقق الخراسانيّ والنائيني والسيد الأستاذ من انَّ المجمع هل يكون واحداً أو متعدداً ، فانَّه إذا ثبت انَّه متعدد أمكن الاجتماع وكذلك التقرّب لا محالة بالمجمع وإِنْ كان منضمّاً إلى ما يكون مصداقاً للحرام.

وقد ذكرنا فيما سبق انَّ القوم انّما اتجهوا هذا المنحى في تصوير الجواز وعدم الاكتفاء بتعدد العنوان باعتبار ما اشتهر من أنَّ الأحكام انَّما تتعلّق بالعناوين لا بما هي هي بل بما هي فانية في الخارج وحاكية عنه فالمعروض هو الخارج فلا بدَّ من تعدّده.

ونحن قد كشفنا وجه المغالطة في ذلك حيث قلنا انَّ هذا الفناء والإفناء ليس بمعنى انَّه يوجد هناك شيئان العنوان والمعنون وانَّ الحكم يعبر من الأول إلى الثاني ، بل ليس هنالك إِلاّ معروض واحد للحكم وهو العنوان غاية الأمر انَّه تارة يلحظ بالحمل الأوّلي فيكون معروضاً للحكم وأخرى بالحمل الشائع فلا يكون معروضاً ، فالفناء في الخارج ليس إِلاّ عبارة عن لبس نظارة الحمل الأوّلي في مقام جعل الحكم فيرى العنوان كأنَّه شيء في الخارج فإذا تعدد العنوان تعدد لا محالة خارجيتهما بهذا المعنى ولا ربط لذلك بالمعنون أو الوجود الخارجي أصلاً.

٤١

ثمَّ لو سلَّمنا بأنَّ الحكم من خلال العنوان يعرض على المعنون الخارجي وقطعنا النّظر عن محاذيره ولوازمه الباطلة ، فغاية ما يمكن تسليمه انَّ الذهن حينما يدرك العنوان يجعله أداة لصبّ الحكم على المعنون ورؤيته بالعنوان إِلاّ أنَّ جواز الاجتماع على هذا المسلك أيضا لا يحتاج إلى فرض تعدد المعنون في الوجود الخارجي بل يكفي تعدد المقدار المرئي من المعنون بكل من العنوانين سواءً كان وجوده متّحداً مع المرئي بالعنوان الآخر أم لا ، لأنَّ العنوان انَّما يحكي عن معنونه بمقداره لا بأكثر من ذلك من دون فرق بين العناوين الذاتيّة ـ نوعية كانت أم جنسية أم فصلية ـ أو الانتزاعيّة كالفوقية والتحتيّة لأنَّها أيضا حيثيات واقعية في خارج الذهن وإِنْ لم تكن من سنخ الوجود.

وأيّاً ما كان فقد ذكر المحقّق الخراسانيّ ( قده ) انَّ المجمع واحد مهما تعدد العنوان ، لأنَّ عناوين متعددة قد تنطبق على وجود واحد وربّما يكون بسيطاً من كلّ الجهات كالواجب تعالى فمجرّد تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون.

ومن هنا ذهب صاحب الكفاية إلى امتناع الاجتماع.

والمحقق النائيني ( قده ) ذكر في المقام انَّ العناوين على قسمين :

القسم الأول : العناوين الاشتقاقيّة التي تحمل على الذات كالطويل والعالم والعادل وغيرها.

والقسم الثاني : مبادئ اشتقاق تلك العناوين أي الطول والعلم والعدالة.

والنوع الأول من العناوين تنتزع عن الذات المحمولة عليها باعتبار قيام المبادئ والأعراض بها ، إِلاَّ أنَّ هذا القيام مجرّد حيثيّة تعليليّة في الصدق لا تقييديّة لوضوح انَّ الحمل والصدق على الذات لا على تلك المبادئ ، فإذا كانت هذه العناوين منتزعة من الذات وجهات صدقها عليها تعليلية وليست تقييديّة فتعددها لا يوجب تعدد المعنون وإِنْ كانت النسبة بينهما عموم من وجه ومن هنا يكون التركيب بين العنوانين الاشتقاقيين كالحلو والأبيض والمصلّي والغاصب في مورد الاجتماع اتحاديّاً دائماً.

وامَّا النوع الثاني من العناوين فحيث انَّها تنتزع من نفس المبادئ والتي هي عناوين ذاتيّة لها وتكون هي مصداقها بنحو الحيثيّة التقييديّة فتعددها يوجب تعدد المعنون خارجاً إذا كان بين العنوانين عموم من وجه كالغصب والصلاة ـ لا الغاصب

٤٢

والمصلّي ـ إذ في هذا الحال لا بدَّ لكلّ من العنوانين من جهة صدق بنحو الحيثية التقييديّة محفوظة في مورد افتراقه عن الآخر وهذا لا يكون إِلاّ مع تعدد المعنون وإِلاّ لزم عدم صدقهما في مورد الاجتماع ، وهكذا يتبرهن : انَّ التركيب انضمامي في مورد الاجتماع بلحاظ المبادئ والعناوين الذاتيّة إذا كان بينهما عموم من وجه كالغصب والصلاة ، ومن هنا قال هذا المحقق بالجواز.

نعم لو كانت النسبة التساوي أو العموم من وجه فقد يكون التركيب اتحاديّاً كما في العناوين والماهيات الطولية كالأجناس المتصاعدة أو النوع والفصل ولا يتمّ فيهما البرهان الّذي ذكر.

والسيد الأستاذ وافق على أصل هذا الاستدلال إِلاّ انَّه استثنى منه العناوين الانتزاعية التي لا حقيقة مقولية خارجية لها كالفوقيّة والتحتيّة ونحو ذلك ، فانَّها حيث انَّها ليست من الماهيات المتأصّلة في الخارج فتعددها لا يستدعي تعدد المعنون خارجاً لأنّها قد تنتزع من مبادئ ومناشئ متباينة فانَّ السقف فوق والكتاب فوق والسماء فوق وهكذا ، وحيث انَّ الغصب والصلاة من هذه العناوين فلا بدَّ من ملاحظة منشأ انتزاعهما في الخارج فإذا كان حركة واحدة لزم الامتناع.

والواقع انَّ مرد هذا الاختلاف بين الأستاذ وشيخه لعلّه في الصغرى وليس كبرويّاً ، بمعنى أنَّه يرجع بحسب روحه إلى تشخيص انَّ الحمل المعقول في العناوين الانتزاعية هل هو حمل اشتقاق فقط ـ أي حمل ذو هو ـ فيقال السقف فوق أي ذو فوقية كما يقال الإنسان عالم أي ذو علم؟ أو يعقل فيها أيضا حمل مواطاة ـ أي حمل هو هو ـ كما يعقل ذلك في المبادئ الذاتيّة المتأصّلة فيمكن أَنْ يشار إلى حيثية في الخارج ويقال انَّها فوقية أو تحتية؟.

ذهب الحكماء إلى انَّ هذه العناوين ظرف العروض فيها الذهن وظرف اتصافها الخارج ، وعليه فلا توجد في الخارج حيثية نستطيع أَنْ نشير إِليها بحمل مواطاة. ونحن قلنا مراراً انَّ هذا الكلام غير معقول وانَّ ظرف العروض لا بدَّ وأَنْ يكون هو ظرف الاتصاف وانَّ هذه الأمور واقعية ثابتة خارج الذهن في لوح الواقع الّذي هو أوسع من لوح الوجود ، فهناك حيثية في خارج الذهن يحمل عليها عنوان الفوقية ويصدق عليها

٤٣

على حدّ صدق سائر المبادئ الذاتيّة على مصاديقها بحمل مواطاة.

وعلى كلّ حال فالنزاع بين العلمين كأنَّه يرتبط بهذه النكتة إثباتاً ونفياً وكان ينبغي أَنْ ينتهي البحث بينهما إلى توضيح حقيقة هذه العناوين من هذه الناحية وانَّها هل لها مصداق بالذات في الخارج أم لا؟ فان كان لها مصداق بالذات تحمل عليه بحمل مواطاة كان الصحيح ما ذهب إليه الميرزا ( قده ) فانه لا محالة تكون نسبتها إلى مصداقها بالذات نسبة الماهية المتأصلة إلى مصداقها في الخارج ، فكما يستحيل قيام ماهيّتين عرضيتين بوجود واحد في الخارج فانَّ لكل ماهية عرضية وجوداً واحداً لا محالة كذلك لا يمكن أَنْ يكون لجهة خارجية واحدة عنوانان ذاتيان عرضيان.

وما ذكره الأستاذ من انتزاع عنوان الفوق والتحت من مقولات متباينة كالسقف والسماء يكون من الخلط بين حمل مواطاة وحمل اشتقاق ، فانَّ السقف والسماء المتباينين يحمل عليهما الفوق بحمل اشتقاق لا مواطاة وهذا ثابت حتى في الماهيات المتأصلة كما تقدّم.

وإِنْ أنكرنا أَنْ تكون لهذه الحيثيات خارجية كما ذهب إليه مشهور الحكماء وانَّما الخارجية لمناشئها ، أي لما تحمل عليه بحمل اشتقاق كان الصحيح ما ذكره الأستاذ ، وحيث انَّ مختارنا واقعية هذه العناوين فالصحيح كبروياً ما ذهب إليه الميرزا ( قده ).

ثمّ انَّ ما جاء في كلام الميرزا ووافق عليه الأستاذ من اختصاص البرهان على تعدد المعنون بما إذا كان العنوانان بنحو العامين من وجه لم نفهم له وجهاً ، فانَّ فذلكة البرهان انَّ حيثيّتين عرضيتين يستحيل أَنْ يكون لهما مصداق واحد بالذات في الخارج إذ يستحيل أَنْ يكون للشيء الواحد ماهيّتان عرضيّتان سواءً كانت النسبة بينهما عموم من وجه أو التساوي ، نعم يمكن ذلك في الماهيات المتداخلة والتي بعضها يتمم البعض الآخر ، وهذه هي الملاحظة الأولى لنا على كلام الميرزا ( قده ) في المقام.

والملاحظة الأخرى : انَّ عناوين الأفعال كالغصب والصلاة وإِنْ كانت من المبادئ بحسب مصطلح اللغويين إِلاّ انَّها بحسب الواقع وما هو منظور بحث الأصولي في المقام تتضمن اشتقاقاً مستتراً ، فانَّ الفعل الصلاتي عمل له إضافة إلى المولى بإضافة العبادية كما انَّ الغصب فعل له إضافة واقعية إلى ملك الغير المسمّاة بالغصبية ، وحينئذ

٤٤

لوكان الأمر والنهي متعلّقين بالإضافتين لم يكن هناك محذور لتعددهما وجوداً أو واقعاً ، فانَّه يمكن للمولى أَنْ يقول اجعل عملك هذا عبادة ومضافاً إلى المولى ولا تجعله غصباً ، وامَّا إذا كان الأمر والنهي متعلّقين بنفس الفعل المضاف لا الإضافة فالفعل المضاف كالإنسان الموصوف بأنَّه يصلّي أو يغصب يكون حمل العنوانين عليه بحسب الحقيقة حمل اشتقاق الّذي لا يلزم من تعددهما تعدد المعنون.

وهكذا يتّضح : انَّ الملاك الثالث للجواز الّذي ذهب إليه المحقّق النائيني ( قده ) انَّما يصحّ في خصوص ما إذا كان العنوانان عرضيين ومحمولين على الخارج بحمل مواطاة ، أي لهما مصداق بالذات بحسب نظر الأصولي لا بحمل اشتقاق وإِلاّ فلا يؤدّي تعددهما إلى تعدد المعنون حقيقة ودقة.

وهذا الملاك للجواز إذا قارنّا بينه وبين الملاك الثاني الّذي نحن أثبتناه ، وهو كفاية تعدد العنوان لرفع غائلة التضاد ، نجد انَّه لا فرق كثير بينهما من حيث النتائج فانَّه في كلّ مورد يصدق فيه هذا الملاك يصدق فيه الملاك الثاني وفي كلّ مورد لا يصدق فيه الملاك الثاني لا يصدق فيه هذا الملاك أيضا باستثناء مورد واحد.

توضيح ذلك : انَّه في جميع موارد العناوين التي هي من المبادئ الحقيقية أو الانتزاعية والتي تحمل على مصاديقها بحمل مواطاة كما ينطبق الملاك الثاني للجواز ينطبق الملاك الثالث.

وفي العناوين التي تحمل على مصاديقها بحمل اشتقاق بالمعنى الّذي اصطلحنا عليه الشامل لمثل الصلاة والغصب كما لا ينطبق الملاك الثالث للجواز لا ينطبق الملاك الثاني للجواز بل يكون الاجتماع ممتنعاً ، باعتبار انَّه في هذه الموارد سوف يكون بالدقّة للعنوانين محور مشترك هو الذات المتّصفة بالحيثية ، وقد ذكرنا في التحفّظ الثالث انه كلّما كان هناك محور مشترك بين العنوانين فلا يتمّ فيه الملاك الثاني للجواز لأنَّه بلحاظ ذلك المحور المشترك سوف يجتمع الأمر والنهي على عنوان واحد (١).

__________________

(١) هذا ليس هو التحفّظ الثالث فانَّ التحفّظ الثالث ما إذا كان بين العنوانين جزء مفهومي مشترك أي عنصر عنواني مشترك كاحترام العادل واحترام الفاسق وفي المقام لا اشتراك في مفهوم وجزء عنواني بين الصلاة والغصب ، إذ لو أُريد اشتراكهما في مفهوم الذات والشيء فمن الواضح انَّ هذه مفاهيم اعتبارية إشارية يستخدمها الذهن للإشارة بها إلى الخارج وليست جزءاً من

٤٥

نعم إذا تعلّق الأمر بعنوان الجنس والنهي بالفصل انطبق الملاك الثاني للجواز دون الثالث ، كما إذا أمر برسم الخطّ ونهى عن انحنائه ـ والانحناء فصل للخطّ المنحني ـ فانَّه بناء على الملاك الثاني يجوز ذلك لتعدد العنوان وحيثيّة الانحناء الفصل من المبادئ بالنسبة إلى الخطّ وليس بينهما محور مشترك.

وامَّا بناء على الملاك الثالث فلا يجوز ذلك لأنَّ الفصل خارجيته بوجوده ووجوده في الخارج بعين وجود الجنس ، ولهذا قلنا فيما سبق انَّ هذا الملاك يشترط فيه أَنْ يكون العنوانان عرضيين أي ليسا طوليين كالجنس والنوع والفصل حيث انَّ الفصل متمّم للجنس وفي طوله والوجدان شاهد على صحّة الأمر بالخطّ مع النهي عن انحنائه وهذا بنفسه منبّه وجداني يدلّ على كفاية تعدد العنوان في جواز الاجتماع وإِنْ كان المعنون واحداً بحسب عالم الوجود الخارجي ، وهكذا نستنتج انَّ النسبة بين الملاك

__________________

المفاهيم المنتزعة من الخارج ولهذا يمكن للعقل استخدامها في المتقابلات ، وإِنْ أُريد اشتراكهما في المصداق والمعنون فهذا صحيح إِلاّ انه ليس من الاشتراك في المفهوم وقد ذكرنا في الملاك الثاني انَّ متعلّق الأمر والنهي ليس هو الخارج وانَّما هو المفهوم والعنوان بالحمل الأوّلي وهو متعدد بحسب الفرض ورجوع التخيير العقلي إلى الشرعي لا يعني تعلّق الأمر بالخارج والمعنون بل يعني تعلّقه بالعنوان الخاصّ وهو مباين مع العنوان الآخر وإِنْ اتّحدا في الخارج.

وامَّا صحّة الأمر بالخطّ والنهي عن الانحناء فيه فهذا خارج عن البحث باعتبار انَّه من الأمر بفعل والنهي عن خصوصيّة فيه وتغايرهما ثابت حتى عند القائل بالامتناع ، فانّه من الأمر بالعنوان الاشتقاقي والنهي عن خصوصيّة المبدأ فيه وتعدّدهما لا كلام فيه ، كما لو أمر بالصلاة ونهى عن كونها في الحمام ، وكون المنطقي يعتبر الانحناء أو منشأه فصلاً متّحداً في الوجود مع وجود الجنس لا يمنع عن كونه بحسب عالم المفاهيم التي هي متعلّقات الأحكام يعتبر صفة ومبايناً في الوجود عن وجود موصوفه.

وأيّاً ما كان فلا بدَّ من استئناف وجه آخر لإثبات الامتناع في مثل الصلاة والغصب إذا كان الوجدان يحسّ بامتناع اجتماع الأمر بأحدهما مع النهي عن الآخر بالرغم من تعددهما عنواناً ، وبهذا الصدد يمكن أَنْ نذكر بيانين لتوجيه هذا الوجدان.

الأول ـ دعوى انَّ الذهن البشري يتعامل مع العناوين كلّها بشكل واحد وهو الإشارة بها إلى الخارج فكما انَّه يشير ويرمز بالعناوين الاعتبارية كعنوان أحدهما إلى المعنون الخارجي كذلك في العناوين الحقيقية ويرمز بها إلى الخارج ، لا بمعنى انَّه يرمز بها إلى وجود الطبيعي والكلّي في الخارج إذ لا معنى للكلّي إِلاّ إمكان الرمز والإشارة بالمفهوم إلى خارجيّات عديدة بل بمعنى انَّه يرمز بها مباشرة إلى المعنونات والوجودات الواقعيّة في الخارج ، وعلى هذا سوف يكون الأمر بالصلاة والنهي عن الغصب كالأمر بأحدهما والنهي عنه والّذي تقدّم في التحفّظ الثاني امتناعه.

وهذا البيان مبنيّ على ما تبنته المدرسة الوضعيّة في المنطق من إنكار المفاهيم والقضايا الكلّيّة وافتراض أنَّ العناوين ليست إِلاّ رموزاً وإشارات يستخدمها الذهن في التعامل مع الخارج.

الثاني ـ انَّ الذهن عند ما يرى اجتماع عنوانين متغايرين على معنون واحد فسوف يرى كأنَّ أحدهما أصبح مصداقاً للآخر بالعرض في ذلك المورد ـ وإِنْ لم يكن مصداقاً له بالذات ـ وبهذه الرؤية لا يمكن أَنْ يتعلّق بأحدهما الأمر وبالآخر النهي فانه تهافت.

٤٦

الثاني للجواز والملاك الثالث العموم والخصوص المطلق أي انَّ الملاك الثاني أوسع من الملاك الثالث ، كما انَّ النسبة بين هذين الملاكين للجواز وبين الملاك الأول الّذي كان يكتفي في الجواز بأَنْ يكون الأمر بصرف الوجود والنهي عن الفرد ـ مع قطع النّظر عن مسألة لزوم التخيير الشرعي بحسب عالم الإرادة والحبّ ـ هو العموم من وجه إذ يفترق الملاك الأول عن الأخيرين في مثل الأمر بالصلاة والنهي عن الصلاة في الحمام ويفترق الأخيران عنه فيما إذا فرض انَّ الأمر كان بنحو مطلق الوجود أيضا لا بنحو صرف الوجود.

وبعد هذا ينبغي البحث في التطبيق المعروف لهذه المسألة وهو الصلاة في المغصوب.

التطبيق المعروف لمسألة الاجتماع

لا إشكال في الأمر بالصلاة والنهي عن الغصب وقد وقع من جراء ذلك البحث في حالة ما إذا اجتمع هذان العنوانان في مورد واحد ، كما إذا صلّى في المغصوب فهل يمكن أَنْ تكون الصلاة حينئذٍ صحيحة ومصداقاً للمأمور به ، أم لا؟.

وهذا الفرع ينحل إلى فرعين :

الفرع الأول ـ الصلاة في اللباس المغصوب.

الفرع الثاني ـ الصلاة في المكان المغصوب.

والفرع الأول ـ فيه مسألتان :

إحداهما ـ أَنْ يكون اللباس المغصوب هو الساتر.

الثانية ـ أَنْ لا يكون هو الساتر بل امر اخر.

ويوجد تقريبان لإثبات الامتناع يختص أحدهما بالمسألة الأولى بينما يعم ثانيهما كلتا المسألتين.

اما التقريب المختص بالمسألة الأولى : فهو انَّ الستر جزء واجب في الصلاة فلو كان باللباس المغصوب كان حراماً لكونه تصرفاً في المغصوب فيلزم اجتماع الأمر والنهي في فعل واحد.

٤٧

وهذا التقريب غير تام ، لأنَّ المورد ليس من موارد مسألة الاجتماع لأنَّ التستر بحسب الحقيقة قيد للصلاة وليس جزءاً منها على حد قيدية الاستقبال ، وفي القيود الأمر لا ينبسط على القيد بل على التقيد فحسب فيكون التستر خارجاً عن مصب الأمر بالصلاة ، والدليل على ذلك مضافا : إلى قصور الأدلة عن إثبات جزئية التستر ، انه لو كان جزءاً لكان يجب إتيانه على وجه قربي مع وضوح انّه قد لا يكون ملتفتاً إليه ولا يجب إتيانه مَع قصد القربة ، فلو لم يقم إجماع تعبدي على اشتراط إباحة الساتر كان مقتضى القاعدة صحة الصلاة في الساتر المغصوب.

وامّا التقريب الثاني والّذي يعم المسألتين : فهو لزوم اجتماع الأمر والنهي لا بلحاظ الستر بل بلحاظ الفعل الصلاتي نفسه من قيام وركوع وسجود ، لأنَّ هذه الأفعال الصلاتية تستوجب تحريك الثوب أو الساتر المغصوب والتصرف فيه إذ الركوع والسجود والقيام تستلزم الهويِّ والنهوض وهما علّة تحريك اللباس المغصوب فلو كان الهويّ والنهوض إجزاءً للصلاة لزم الاجتماع بلحاظهما لأنَّ علّة الحرام حرام أيضا ، ولو فرض انَّهما مقدمتان لما هو جزء من الرّكوع والسّجود قيل بأنَّ نفس الركوع والسجود أيضا علّة لتحريك الثوب أو طيَّه وهو تصرف فيه. وهذا البيان لو تمّ فلا يفرق فيه بين الساتر المغصوب وغيره كما لا يخفى.

وفيه : انَّ الأفعال الصلاتية ليست علّة تامة لتحريك اللباس المغصوب ـ حتى لو فرضنا انَّ هذا التحريك تصرف في الغصب ومحرم ـ لأنَّ مجرد الركوع والسجود أو النهوض والهويِّ ليس تمام السبب في تحرك الثوب بل هناك اجزاء أُخرى له لا أقل من إبقاء الثوب على البدن وعدم فصله عنه حين الركوع والسجود. وهكذا يتضح انَّ الفرع الأول خارج عن مسألة الاجتماع.

وامّا الفرع الثاني ـ أي الصلاة في المكان المغصوب فقد يتصور أنه من تطبيقات مسألة الاجتماع ، حيث انَّ عنوان الصلاة مأمور به وعنوان الغصب منهي عنه وهما صادقان في المجمع.

ولكن ينبغي أَنْ يعلم : انَّ عنوان الغصب ليس إلاّ عنوانا مشيراً إلى واقع العناوين والتصرفات الخارجية في مال الغير كالدخول في ( بيوتِ غير بيوتكم ) و

٤٨

( أكل مال الغير ) وغير ذلك مما دلت الآيات والروايات على حرمتها ، وعنوان الغصب ليس بنفسه مركز النهي ومصبه ، وعليه فالحرام في مكان راجع إلى الغير انما هو التصرف فيه بتغيير أو بالكون فيه وإشغال حيِّزٍ منه أو بإلقاء الثقل عليه ونحو ذلك.

فلا بدَّ وأَنْ نرى انَّ هذه العناوين يتَّحد شيء منها مع فعل من افعال الصلاة أم لا؟ فنقول :

الصلاة تشتمل على عدة أمور :

منها ـ النية والقصد ، ولا إشكال في انه ليس شيئا من العناوين المحرمة المذكورة.

ومنها ـ ما هو من مقولة فعل اللسان ، كالقراءة والتسبيح والتهليل والذّكر ، وهذا أيضا ليس مصداقا لشيء من العناوين المحرمة.

ودعوى : انَّ القراءة يستوجب تحريك الهواء وتموّجه وهو تصرف في فضاء ملك الغير وهوائه.

مدفوعة : أولاً ـ بأنَّ القراءة أو الصوت ليس عين التموج في الهواء وانما يحصل بسببه فيكون التموّج علّة لحصول الصوت والقراءة لا نفسها.

وثانياً ـ لو سلّمنا انه نفس التموج فلا دليل على حرمة التصرف في هواء ملك الغير فانَّ الإنسان يملك الفضاء لا الهواء الّذي فيه ، ولهذا يجوز سحبه وتغييره أو سحب جزء من خارجه.

وثالثاً ـ لا دليل على حرمة هذا المقدار من التصرف ، فانه بحسب نظر العرف ليس هذا تصرفاً أو تغييراً في ملك الغير ليشمله دليل حرمة التصرف ، خصوصاً بعد أَنْ لم يكن هناك دليل لفظي مطلق.

ومنها ـ ما يكون من مقولة افعال الجوارح كالركوع والسجود والقيام ، فيقال : بأنَّ هذه الأفعال بنفسها تصرف في المكان المتعلق بالغير.

وفيه : انَّ القيام والركوع والسجود بما هي افعال المصلي تصرف في جسم الراكع والقائم والساجد لا في ملك الغير ، نعم كون المصلي في ملك الغير تصرف فيه إلاّ أنَّ هذا الكون ليس جزءاً من أفعال الصلاة.

وقد يقال : انَّ من الأفعال الاستقرار وهو كون في المكان المغصوب.

٤٩

وفيه : انَّ الاستقرار والطمأنينة يعني عدم الاضطراب والترجح يمنة ويسرة وهذا غير الكون في المكان المغصوب ولهذا يمكنه أَنْ ينتقل من مكان إلى آخر دون الإخلال بالطمأنينة.

وقد يقال : بأنَّ الهويّ إلى الركوع أو السجود تصرف وحركة في ملك الغير وفضائه وهو محرم أيضاً. والجواب : انَّ الهويّ ليس جزءاً من الصلاة وإِن كان مقدمة لبعض اجزائه.

وهكذا يتضح : انَّ هذه البيانات كلها لم تنجح لتصوير مركز اجتماع بين المأمور به والمنهي عنه.

نعم هناك أمر رابع ربما يكون بلحاظه الاجتماع وهو مربوط بتحقيق معنى السجود ، فانه قد يقال : انَّ السجود ليس عبارة عن مجرد التَّماس بين الجبهة والأرض وانما فيه معنى وضع الجبهة على الأرض الّذي هو نحو إلقاء الثقل على الأرض وهو نوع تصرف فيها ، وحينئذ إِنْ قلنا بجواز الاجتماع على أساس الملاك الثالث أو الثاني فبعد أَنْ عرفت انَّ المحرم ليس هو عنوان الغصب بل واقع الفعل الّذي يتحقق به الغصب ـ وهو إلقاء الثقل في المقام ـ يظهر عدم انطباق شيء من الملاكين للجواز هنا ، نعم لو قبلنا الملاك الأول القائل بأنَّ الأمر بصرف الوجود لا يتنافى مع النهي عن الفرد والحصة جاز الاجتماع في المقام. وهكذا يتضح : انَّ الاجتماع انما يمكن ادعاه بلحاظ السجود ووضع الجبهة على الأرض في الصلاة فما لا سجود فيه بهذا النحو من الصلوات لا يكون من تطبيقات هذه المسألة أي من زاوية مسألة امتناع الاجتماع لا محذور فيها وإِنْ كان من الزاوية الفقهية قد يستدل ببعض الروايات على بطلان الصلاة في المكان المغصوب ، والبحث عنه في ذمة علم الفقه.

بعد هذا يقع البحث في تنبيهات مسألة الاجتماع ، وقد أدرجنا فيها جملة من البحوث التي قدمت في كلمات المحققين على استعراض أصل المسألة لما وجدناه من انَّ تحقيق تلك الأمور متفرع على فهم أصل مسألة الاجتماع وملاكات الجواز والامتناع فيها.

٥٠

تنبيهات مسألة الاجتماع

التنبيه الأول ـ في تحقيق هويّة هذه المسألة من حيث كونها أصولية أو فقهيّة أو كلامية أو من المبادئ التصديقية.

وقد ذكر صاحب الكفاية طبقا لضابطة أصولية المسألة عنده أنها أصولية لوقوع نتيجتها في طريق استنباط حكم شرعي كلي هو صحة الصلاة في الدار المغصوبة أو بطلانها (١).

وأشكل عليه المحقق النائيني ( قده ) بأنَّ اللازم وقوعها كبرى في قياس الاستنباط طبقا لمبناه في أصولية المسألة ـ أي لا يحتاج معها إلى ضم كبرى أخرى وبما ان هذه المسألة من دون ضم كبرى أخرى إليها كفساد العبادة بالنهي عنها لا تثبت حكما شرعياً فلا يمكن ان تكون مسألة أصولية (٢).

وأجاب السيد الأستاذ عن الإشكال : بكفاية استغنائها عن كبرى أخرى على أحد التقديرين ، وهو تقدير القول بالجواز فانه لا يحتاج في تصحيح العبادة عندئذٍ إلى كبرى أخرى (٣).

ولنا على كل هذه الكلمات ملاحظات.

امّا كلام الأستاذ فيمكن الإجابة عليه : بعد تسليم الضابطة المذكورة لأصولية المسألة بأنه حتى على تقدير القول بالجواز نحتاج إلى ضم كبرى أصولية أخرى إذ لو قيل بالجواز بملاك كفاية تعدد العنوان كان لا بدَّ من ضم كبرى عدم قدح النهي عن مصداق المأمور به ولو بعنوان آخر في صحة العبادة واستئناف بحث حول ذلك.

وإِنْ قيل بالجواز بملاك تعدد المعنون فائضاً نحتاج في تصحيح العبادة امّا إلى القول بإمكان الترتب ، كما لو فرض عدم المندوحة أو وجودها ولكن قلنا بأنَّ الأمر بالجامع بين الفرد غير المزاحم مع الحرام والفرد المزاحم غير ممكن إلاّ بنحو الترتب

__________________

(١) كفاية الأصول ، ج ١ ، ص ٢٢٦.

(٢) فوائد الأصول ، ج ١ ، ص ٣٩٩.

(٣) هامش أجود التقريرات ، ج ١ ، ص ٣٣٣ ـ ٣٣٤

٥١

لاشتراط أَنْ يكون متعلق الأمر مقدوراً عقلا وشرعا كما ذهب إليه المحقق النائيني ، أو إلى كبرى إمكان الأمر بالجامع بين المقدور وغير المقدور ، اذن فتصحيح العبادة في مورد الاجتماع بحاجة إلى ضم كبرى أخرى على كل حال ، فإذا فرض انَّ الثمرة لهذه المسألة تصحيح العبادة في مورد الاجتماع فهي تتوقف على ضمّ قاعدة أُخرى على تمام تقادير مسألة الاجتماع.

وامّا التعليق على كلام المحقق النائيني ( قده ) فبأن لصاحب الكفاية أَنْ يجعل الثمرة المستنبطة من هذه المسألة نفس الوجوب والحرمة في مورد الاجتماع إثباتاً ونفياً فانهما حكمان شرعيان كليان أيضاً ، فلا حاجة إلى جعل خصوص صحة العبادة أو بطلانها في المجمع ثمرة ، وهذه الثمرة لا يحتاج في استنباطها إلى ضم كبرى أخرى.

هذا ، والصحيح : انَّ كل هذا الكلام لا موضوع له بناء على ما هو الضابط عندنا لأصولية المسألة من أَنْ تثبت الحكم الشرعي الكلي بنحو الاستنباط والتوسيط وأَنْ تكون مشتركة سيّالة في أكثر من باب فقهي وأَنْ تكون مرتبطة بالشارع لا أجنبية عنه ، فكلما تحققت هذه الخصائص الثلاث في مسألة كانت أصولية ، وهي مجتمعة في مسألتنا هذه فانها تثبت الوجوب والحرمة أو الصحة والبطلان في مورد الاجتماع بنحو التوسيط لا التطبيق ، فانَّ الوجوب أو الصحة كحكمين شرعيين مجعولين يستنبطان من قاعدة إمكان الاجتماع العقلية وليست تطبيقاً لها ، كما انَّ القاعدة لا تختص بباب فقهي خاص ، وهي مرتبطة بالشارع وأحكامه من وجوب أو حرمة وليست مرتبطة بأمر خارجي مستقل عن الشارع كوثاقة الراوي أو فسقه.

فالصحيح انَّ هذه المسألة أصولية.

التنبيه الثاني ـ انَّ الإمكان والامتناع المبحوث عنهما في هذه المسألة هل هو بحسب نظر العقل أو العرف؟

فانه ربما قيل بإمكان الاجتماع عقلا وامتناعه عرفا.

وقد استشكل فيه : بأنَّ الإمكان والامتناع امران واقعيان يدركهما العقل ولا شأن للعرف في ذلك وليس نظره حجة في تشخيصهما وإنَّما يمكن أَنْ يحتجّ بنظر العرف في باب المفاهيم وتحديد مداليل الألفاظ.

والتحقيق : انَّ نظر العرف في تشخيص المصاديق من حيث هو تشخيص

٥٢

للمصاديق وإِنْ لم يكن حجة كما أُفيد ، إلاّ انه لو فرض نشوء دلالة التزامية عرفية للدليل اللفظي نتيجة نظر عرفي في المصداق أو نتيجة امتناع يتصوره العرف وإنْ لم يكن امتناعا بالدقة فهذه الدلالة الالتزامية العرفية سوف تكون مشمولة لدليل حجية الظهور والدلالات أيضاً ، والحاصل : كلّما كان هناك توسعة في الدلالة أو المفهوم للدليل ولو كان في طول نظر عرفي تطبيقي كان حجة ومفيداً فقهياً. وهذا له تطبيقات كثيرة في الفقه ، فمثلاً دليل مطهرية شيء يدل عرفا وبالملازمة على طهارته لأن المطهر لا يعقل عرفاً أَنْ لا يكون طاهراً مع انه عقلاً لا امتناع في ذلك ودليل نجاسة الماء النجس المتمم بالطاهر كراً يلازم عرفاً نجاسة الماء كله وإِنْ كان عقلاً لا يمتنع ذلك ، وهكذا في المقام لو فرض الامتناع عرفاً لاجتماع الأمر والنهي في موضوع واحد كان دليل وجوب الصلاة مثلاً دالاً بالملازمة العرفية على اختصاصها بغير الفرد المحرم.

اذن فالبحث عن الإمكان والامتناع العرفي معقول ومفيد فقهياً أيضاً ، نعم هناك فرق بين الامتناع العرفي والامتناع العقلي من حيث انَّ الامتناع العرفي يختص اثره بما إذا كان الدليل على الأمر أو النهي لفظياً ، فلا يتم فيما إذا كان الدليل لبياً من إجماع أو غيره لما عرفت من انَّ الامتناع عرفاً انما يجدي إذا كان منشئاً لتشكيل دلالة في الدليل تكون موضوعاً لكبرى حجية الدلالات ، وهذا مخصوص بباب الألفاظ ودلالاتها ولا مجال له في الأدلة اللبية.

ثم إنَّ الصحيح عدم الامتناع عرفاً في كل مورد نقول فيه بعدم الامتناع عقلاً.

والوجه في ذلك : انَّ الامتناع العقلي على ما بيناه انما هو بلحاظ مبادئ الحكم من الحب والبغض والإرادة والكراهة والإنسان العرفي يعيش هذه الحالات بحسب وجدانه ويمر في حياته حتماً بعناوين يحب بعضها ويبغض بعضها الاخر وقد يجتمعان في مورد واحد فإذا كان عقلاً يجوز ذلك فالإنسان العرفي سوف يحس بوجدانه حتما إمكان أَنْ يجتمع الحب والبغض في مورد على شيء واحد بعنوانين فيذعن بإمكانه وعدم امتناعه.

التنبيه الثالث ـ في الفرق بين مسألة الاجتماع ومسألة اقتضاء النهي لفساد العبادة.

حيث قد يتوهم اتحادهما باعتبار انَّ البحث هنا عن انَّ النهي عن شيء هل

٥٣

يوجب زوال امره أم لا؟ والبحث في تلك المسألة عن انَّ النهي عن العبادة هل يقتضي بطلانها أي عدم وقوعها مصداقاً للمأمور به أم لا؟

وهذه نفس الجهة المبحوث عنها في مسألة الاجتماع.

وقد حاول صاحب القوانين ( قده ) التفرقة بين المسألتين بحسب الموضوع وانَّ موضوع مسألة الاجتماع ما إذا كان هناك عنوانان بينهما عموم وخصوص من وجه كالغصب والصلاة ، بينما موضوع مسألة النهي عن العبادة ما إذا كان هناك أمر بالجامع ونهي عن فرد من أفراده.

وأشكل عليه في الفصول : بأنَّ موضوع بحث الاجتماع ما إذا كان هناك عنوانان على معنون واحد سواءً كانت النسبة بينهما عموم من وجه أو عموم مطلق ، نعم موضوع المسألة الأخرى ما إذا كان النهي متعلقاً بفرد من افراد العبادة.

وكلا هذين البيانين إذا أُريد ظاهرهما فهو واضح الفساد فانه كما لا يختص البحث عن جواز الاجتماع بما إذا كان العنوانان عامين من وجه كذلك لا يختص البحث عن اقتضاء النهي عن العبادة لفسادها بما إذا كان النهي قد تعلق بالعبادة من خلال عنوان أخص منها بل يشمل ما إذا تعلق بها ولو من خلال عنوان أعم منها من وجه.

كما انَّ ما جعله موضوعاً لمسألة الاقتضاء من وجود عنوان واحد تعلق بجامعه الأمر وبفرده النهي أيضاً مندرج في مبحث الاجتماع بالملاك الأول الّذي ذكرناه للجواز كما تقدم شرحه.

ومن هناك ذكرت مدرسة المحقق النائيني ( قده ) : بأنَّ الفارق بين المسألتين ليس من حيث الموضوع بل من حيث الرتبة ، فانَّ مسألة الاجتماع تنقح موضوع مسألة الاقتضاء ، فانَّ المبحوث عنه هنا بحسب الحقيقة انما هو سريان النهي إلى ما تعلق به الأمر ـ كالصلاة ـ وعدمه فإذا ثبت السريان تنقح موضع تلك المسألة فيبحث عند ذاك عن اقتضاء النهي للفساد وإذا ثبت عدم السريان فلا موضوع لتلك المسألة (١).

وهذه التفرقة أيضا غير مطابقة مع الواقع ، فانَّ البحث في مسألة الاجتماع ليس

__________________

(١) نفس المصدر السابق ، ص ٣٣٤

٥٤

عن السراية وعدمها بل عن جواز اجتماع الأمر والنهي ولو مع فرض السراية ووحدة المعنون ـ كما هو الحال في الملاك الأول للجواز ـ فيكون البحث في هذه الجهة في عرض البحث في مسألة اقتضاء النهي للفساد من حيث الرتبة.

ولصاحب الكفاية أيضاً كلام في التفرقة بين المسألتين حاصله : انَّ الفرق ليس ولا ينبغي أَنْ يكون بلحاظ الموضوع وإلاّ أمكن تقسيم كل بحث إلى بحوث عديدة ـ كما ذكر ذلك في موضوع العلم ـ وانما المعيار في تمايز المسائل بعضها عن بعض بتمايز جهة البحث فيها ، وجهة البحث في المقام هو السراية وعدمها ، وجهة البحث في المسألة القادمة اقتضاء النهي للبطلان وعدمه (١).

وهذا الفارق أيضا لا يرجع إلى محصل إذ لو كان المراد من جهة البحث المحمول فالسراية ليست هي محمول مسألتنا وانما المحمول هو الجواز والامتناع وامّا السراية فحيثية تعليلية بمثابة البرهان لإثبات الامتناع ، والمحمول هنا وهو الامتناع كالمحمول في تلك المسألة وهو البطلان ، على انه لما ذا وافق على التمايز على أساس المحمول دون الموضوع. وإِنْ أراد من جهة البحث الحيثية التي بها نثبت محمول المسألة لموضوعها أَي واسطة الإثبات فالسراية يمكن أَنْ يكون واسطة لإثبات محمول مسألة الاجتماع ولكن البطلان ليس واسطة في المسألة القادمة بل نفس المحمول فكان ينبغي أن يذكر أَنْ الجهة فيها مثلاً عدم إمكان قصد التقرّب ، على أنَّ تعدد الحيثية التعليليّة لا يوجب تعدد المسألة ولهذا لو كانت لمسألة واحدة حيثيات تعليلية وبراهين عديدة لم تخرج عن كونها مسألة واحدة.

وإِن أَراد من جهة البحث الغرض المتوخى من المسألة فمن الواضح انَّ الغرض الفقهي من المسألتين واحد وهو تصحيح العبادة وانطباق الأمر على مورد النهي وعدمه.

والتحقيق أَنْ يقال : انَّ تعدد المسألة يتوقف على توفر مجموع شرطين.

الشرط الأول ـ تعدد القضية أي تغاير المسألتين والّذي يكون امّا بتغاير موضوعهما

__________________

(١) كفاية الأصول ، ج ١ ، ص ٢٣٤ ـ ٢٣٥

٥٥

أو محمولها فانَّ تعدد القضية يكون بذلك.

الشرط الثاني ـ أَنْ لا تكون الجهة التعليلية أي نكتة الثبوت في المسألتين واحدة ، أي مفروغاً عن وحدتها فيهما بحيث لو ثبتت في إحداهما ثبتت في الأخرى عند أهل تلك الصناعة أيضا.

فمثلا استلزام وجوب الصلاة لوجوب مقدمته مسألة مغايرة مع استلزام وجوب الصوم لوجوب مقدمته إلاّ انَّ نكتة الثبوت واحدة في المسألتين عند أهل الصناعة فلا معنى لعقد بحثين لهما.

وفي المقام كلا هذين الشرطين متحقق ، امّا الأول فلأنَّ المسألتين متغايرتان في المحمول على الأقل ، فانَّ المحمول في المقام عبارة عن انَّ النهي هل ينافي الأمر كحكم تكليفي أم لا؟ والمحمول في المسألة القادمة انَّ الحرمة هل تنافي الصحة كحكم وضعي أم لا؟ واحدهما غير الاخر.

وامّا الشرط الثاني ، فلوضوح انَّ نكتة المنافاة الأولى يمكن أَنْ تكون غير نكتة المنافاة الثانية ، كما إذا قيل بامتناع الاجتماع مع القول بالصحّة وضعاً من جهة الملاك وكفاية قصده في التقرب ، أو قيل بالجواز على أساس الملاك الأول مع القول بالفساد على أساس عدم إمكان التقرب على القول بالسراية ، وهكذا فحيثية الإثبات في المسألتين أيضاً متعددة.

التنبيه الرابع ـ قد يتوهم انَّ بحث اجتماع الأمر والنهي يبتني على مسألة تعلق الأمر بالطبيعة أو الافراد ، فإذا قلنا بأنَّ الأوامر تتعلق بالافراد ثبتت السراية وامتناع الاجتماع ، بخلاف ما إذا قيل بأنها تتعلق بالطبائع إذ يقال بالجواز مثلاً لتغاير متعلقهما ، أو يقال بأنه على هذا التقدير يقع النزاع في الجواز والامتناع من جهة انَّ الطبيعة انما تلحظ بما هي فانية في الخارج فقد يقال بالسراية عندئذ.

وقد دفع هذا التوهم كل من صاحب الكفاية ( قده ) والمحقق النائيني ( قده ) ببيان خاص.

فصاحب الكفاية ذكر : انَّ نكتة الامتناع والجواز في هذه المسألة غير مرتبطة بمسألة تعلّق الأوامر بالطبائع أو الافراد ، إذ يمكن على كلا التقديرين في تلك المسألة البحث هنا في

٥٦

الجواز والامتناع باعتبار انَّ نكتته عبارة عن كفاية تعدد العنوان لدفع التضاد أو عدم كفايتها في ذلك سواءً كان الأمر متعلقاً بالطبيعة أو الفرد ، فلو قيل بأنَّ تعدد العنوان يكفي في دفع التضاد جاز الاجتماع حتى إذا كان الأمر يتعلق بالافراد لوجود عنوانين فرديين ، وإِنْ كان تعدد العنوان لا يكفي لم يمكن الاجتماع ولو كان الأمر متعلقاً بالطبيعة لأنَّ المفروض انَّ الطبيعتين منطبقتان على موجود واحد خارجاً (١).

والمحقق النائيني ( قده ) أفاد : أنَّ النكتة هنا أنَّ تعدد العنوان هل يوجب تعدد المعنون خارجاً لكون التركيب بينهما انضمامياً أو لا لأنَّ التركيب اتحاديٌّ؟ فعلى القول بالتعدد جاز الاجتماع ولو كان متعلق الأوامر الافراد لا الطبائع لتعدد الفرد خارجا ، وعلى القول بالاتحاد لم يمكن الاجتماع حتى إذا كان متعلق الأوامر الطبائع لا الافراد (٢).

والتحقيق أَنْ يقال : انَّ للقول بجواز اجتماع الأمر والنهي ملاكات ومسالك ثلاثة تقدمت ، وفي مسألة تعلق الأمر بالطبائع لا الافراد توجد مسالك متعددة لمعنى تعلق الأمر بالافراد تقدمت في محلها أيضاً ، وبعض تلك المسالك يكون له تأثير على بعض المسالك للجواز في مسألتنا ، وبعضها حيادية لا تؤثر شيئاً في المقام ، ولتوضيح ذلك نستعرض أهم المسالك في مسألة تعلق الأوامر بالطبيعة أو الافراد مع ملاحظة مدى تأثير كل منها على مسالك القول بالجواز فنقول :

المسلك الأول ـ أَنْ يكون مراد القائل بتعلق الأوامر بالطبيعة تعلقها بالجامع بنحو صرف الوجود وبنحو التخيير العقلي بين افرادها بينما القائل بتعلقهما بالافراد يرى تعلقها بكل فرد من افراد الطبيعة بدلاً على سبيل التخيير الشرعي.

وهذا المسلك يؤثر في المقام على الملاك الأول للجواز كما ذكرنا في دفعه دون الملاك الثاني فضلا عن الثالث كما هو ظاهر.

المسلك الثاني ـ أَنْ يراد بتعلق الأمر بالطبيعة بقاؤه على الطبيعة في قبال سريانه إلى

__________________

(١) كفاية الأصول ، ج ١ ، ص ٢٤٠ ـ ٢٤١

(٢) فوائد الأصول ، ج ١ ، ص ٤١٢ ـ ٤١٧

٥٧

الافراد بمعنى سريانها إلى المشخصات العرفية للطبيعة خارجا كالكون في مكان خاص أو زمان خاص أو صفة خاصة ، وبناء على هذا المسلك يبطل الملاك الثالث للجواز ، إذ حتى إذا فرض التركيب انضمامياً لا اتحادياً سوف يسري الأمر إلى المشخصات العرفية لوجود الطبيعة في الخارج والتي منها خصوصية المبدأ المنهي عنه في مورد الاجتماع.

ولكنه لا يبطل الملاك الثاني لأنَّ السريان إلى المشخصات لا يعني السريان إلى عنوان المشخص وطبيعي الغصب بل السريان إليها بما هي مشخصات.

وكذلك لا يبطل الملاك الأول لأنَّ الأمر بالطبيعة مع مشخصاتها المسامحية أيضا امر بصرف الوجود فلا يتنافى مع النهي عن الحصة.

المسلك الثالث ـ أَنْ يراد من تعلق الأمر بالطبيعة تعلقه بالطبيعة بما هي هي ومن تعلقه بالافراد تعلقه بالطبيعة بما هي فانية في الوجود الخارجي.

وهذا المسلك لا يبطل شيئاً من ملاكات الجواز في المقام كما هو واضح.

إلاّ انه على هذا المسلك سوف يكون القول بتعلق الأمر بالطبيعة بما هي هي لا بما هي فانية في الخارج مستوجبا لتعين الملاك الثاني للجواز في المقام بوضوح ومن دون مناقشة كما لا يخفى.

المسلك الرابع ـ أَنْ يكون مراد البحث عن تعلق الأمر بالطبائع أو الافراد إلى البحث عن أصالة الوجود أو أصالة الماهية ، فمن يقول بأنَّ الأصل هو الوجود يقول بتعلقها بالافراد ومن يقول بأنَّ الأصل هو الماهية يقول بتعلقها بالطبيعة لأنها الماهية.

وبناء على هذا المسلك قد يتوهم ابتناء البحث في المقام على تلك المسألة ، حيث انه بناء على أصالة الوجود وتعلق الأمر به لا يوجد إلاّ وجود واحد في مورد الاجتماع فلا يمكن الاجتماع وبناء على أصالة الماهية وتعلق الأمر بالطبيعة يجوز الاجتماع لتعدد الماهية.

وهذا التوهم فاسد فانَّ القول بأصالة الوجود أو أصالة الماهية لا يؤثر على المقام ، إذ كلما كان الموجود واحداً كانت الماهية الحقيقية واحدة أيضاً وانما يتصور التكثر في العناوين العرضية الانتزاعية لا العناوين الماهوية الحقيقية فلا ربط لمسألتنا

٥٨

بمصطلحات أصالة الوجود أو الماهية ، إذ ليس بين القول بأصالة الوجود والقول بأصالة الماهية اختلاف في الوحدة والتعدد الخارجي بل كل ما يراه القائل بأحدهما واحداً يراه الاخر واحداً أيضا ، وانما الاختلاف في انَّ الأصل وما هو قوام الأشياء وحقيقتها هل هو أمر عيني لا يمكن أَنْ تدركه العقول إلاّ عرضا ، وهو مفهوم الوجود المشار به إلى الخارج ، أو انَّ الأصل والقوام ما ينتزعه العقل ويدركه من المعقولات الأولية من الخارجيات؟ فالخلاف في هوية الخارج لا في وحدته وتعدده كما هو واضح.

التنبيه الخامس ـ في انه هل يشترط في موضوع بحث الاجتماع فرض ثبوت الملاكين في المجمع أم لا يشترط ذلك؟ والبحث هنا في عدة جهات :

الجهة الأُولى ـ في أصل هذه الشرطية التي جاءت في كلمات المحقق الخراسانيّ ( قده)

حيث أفاد : أنَّ المجمع متى ما فرض واجداً لملاكي الأمر والنهي دخل في بحث الاجتماع وانّ كلا منهما هل يمكن أَنْ يؤثر في إيجاد مقتضاه فيكون من اجتماع الأمر والنهي أو لا يمكن ذلك فعلى القول بالجواز يمكن أَنْ يؤثرا معاً فيجتمع الوجوب مع الحرمة تمسكا بإطلاق دليلهما ، وعلى القول بالامتناع يلزم التزاحم بين الملاكين والاقتضاءين ولا يقع بينهما تعارض لأنَّ الملاكات مفروضة الوجود.

واما إذا كان الفرض ارتفاع أحد الملاكين في مورد الاجتماع فسوف يكون خارجاً عن هذا البحث ، لأنه على كل تقدير سوف يقع التعارض بين دليلي الحرمة والوجوب سواءً قلنا بالجواز أو بالامتناع ، لأنَّ أحد الحكمين بلا ملاك فلا يعقل ثبوتهما معاً ولا التزام بين مقتضيهما (١).

هذا حاصل ما ذكره في الكفاية من دون أَنْ يستدل عليه بشيء وسوف يظهر بعض ما يمكن أَنْ يكون دليلاً على مدعاه.

وقد ناقشت في ذلك مدرسة المحقق النائيني ( قده ) : بأنَّ مسألة الاجتماع غير مبتنية على القول بوجود ملاك للأحكام أصلاً ، بل حتى القائلين بعدم لزوم تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في متعلقاتها يمكنهم البحث في إمكان أو امتناع اجتماع الأمر

__________________

(١) كفاية الأصول ، ج ١ ، ص ٢٤١ ـ ٢٤٢

٥٩

والنهي في مورد واحد ، لأنَّ مناط البحث هنا هو لزوم اجتماع الضدين ـ وهما الأمر والنهي ـ في موضوع واحد وهو محال حتى عند المنكر للتبعية فلا وجه لاشتراط وجود الملاكين في مورد الاجتماع ولا ربط بين المسألتين (١).

وهذا النقاش كأنه نشأ عن مجرد تشابه لفظي بين ما ذكره المحقق الخراسانيّ من لزوم فعلية الملاكين في المجمع وبين مسألة تبعية الأحكام للملاكات بمعنى المصالح والمفاسد للعباد.

فانّه من المظنون قوياً انَّ مقصود المحقق الخراسانيّ من الملاك في المقام لم يكن هو الملاك في مسألة التبعية ، وإِلاّ كان من الواضح انَّ مشكلة الاجتماع لا ربط لها بمسألة تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد ، وانَّما مقصوده سنخ ملاك للحكم لا يختلف فيه الأشعري مع المعتزلي ، أي مبادئ الحكم ، فانَّ كلّ أمر أو نهي لا بدَّ له من مبادئ ولو كانت تلك المبادئ راجعة إلى المولى نفسه لا إلى العبد ، بل ولو كانت جزافية وتحكمية ولا صلاح فيها للعباد أصلاً ، إذ كل حكم لا بدَّ من نشوئه من منشأ وغرض لا محالة ولو لم يمكن فيه مصلحة للمكلف فمدعى صاحب الكفاية انَّ المجمع لا بدَّ وأَنْ يكون مجمعا لملاك الأمر وملاك النهي أي للحيثية الداعية إلى الأمر والحيثية الداعية إلى النهي لكي ينفتح البحث عندئذ عن إمكان اجتماع الأمر والنهي أو امتناعه فيه حتى يكون حال المجمع من حيث اشتماله على الحيثية الداعية إلى الأمر والنهي على حد سائر المصاديق ويبحث عن إمكان فعلية الأمر والنهي فيه من ناحية التضاد ، وأي ربط لهذه الشرطية بما جعلته مدرسة المحقق النائيني ( قده ) تفسيراً لكلام صاحب الكفاية ( قده ) ولعل الدافع لصاحب الكفاية في تجشم هذه الشرطية كان هو الذب عن المشهور في أحد موضعين.

الأول ـ ذهابهم إلى التعارض بين العامين من وجه في بحث تعارض الأدلة من دون بناء ذلك وتفريعه على مسألة الامتناع ، فكأنه حاول أَنْ يدفع عنهم بأنه في العامين من وجه من قبيل ( أكرم العالم ولا تكرم الفاسق ) لا يحرز أصل الملاكين في المجمع

__________________

(١) أجود التقريرات ، ج ١ ، ص ٣٤٥ ـ ٣٤٦

٦٠