بحوث في علم الأصول - ج ٣

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٥

نصب إطلاق من هذا القبيل في مقابل هذا المطلق ، ضرورة انَّ كلاً من هذين المطلقين وإِنْ كان لو خلي وطبعه لشمل بإطلاقه مورد الاجتماع لكنهما يتزاحمان عند الاقتران ويصبحان مجملين بلحاظ مورد الاجتماع وحينئذٍ لا يكون المطلق الثاني بياناً لنفي الحكم عن الحصة غير الواجدة للقيد ـ التي هي مورد الاجتماع ـ حتى يجتمع إرادة المقيد مع وفاء كلامه بتمام مرامه فلا يكون كلامه وافياً بتمام مرامه إِلاَّ إذا كان مرامه المطلق وهذا معنى الملازمة بين مقتضى الظهور الحالي المذكور وبين إرادة المطلق ولم تنثلم هذه الملازمة بوجود المطلق الثاني فيتم مقتضي الإطلاق في كل منهما غاية الأمر انهما يتزاحمان.

وامّا ما يمتاز به الاحتمال الثاني على الاحتمال الأول وهو عدم بيان التقييد ضمن عام نسبته إلى هذا المطلق نسبة العموم من وجه فقد يقال بأنه يساهم في تكوين الملازمة المذكورة لأنَّ هذا العام بيان للقيد عند العرف فعلى تقدير وجود هذا العام لا ملازمة بين وفاء كلامه بتمام مرامه وبين إرادته المطلق بل انه حينئذٍ يريد المقيد ومع ذلك يكون كلامه وافياً بتمام مرامه ، فلكي يكون وفاء الكلام بتمام المرام ملازماً لإرادة المطلق يجب اشتراط عدم نصب المتكلم القرينة على التقييد ولو ضمن العام.

وقد يقال : انَّ هذا العام ليس بياناً للتقييد بالنحو الّذي يقتضيه ظهور حال المتكلم ، لأنَّ ظاهر حال المتكلم لا يقتضي وفاء كلامه بتمام مرامه بأيّ نحو كان بل انما يقتضي وفائه به مع مراعاة التطابق بين مرامه وكلامه بلحاظ الكيفية فانَّ ما يدعى كونه مذكوراً في كلام المتكلم ضمن العموم لو كان مقصوداً له لبّا فهو مقصود له على نحو القيدية بحيث تضيق دائرة مفاد المطلق وهذه الكيفية غير محفوظة في العام وإِنْ كان الكلام وافياً بذات المقيد وذات القيد وإِنْ شئت قلت : انَّ ظاهر حال المتكلم بيان الحكم إثباتاً كما هو عليه ثبوتاً فكما ان الحكم لباً مجعول على نحو التقييد لا على نحو قضيتين كليتين متعارضتين فكذلك في مقام الإثبات لا بدَّ وان يكون بيان القيد بلسان التقييد فمثل هذا البيان لا يكفي لسد حاجة الظهور الحالي المذكور بل يبقى هذا الظهور مقتضياً لإرادة المطلق حتى مع وجود العام ، غاية الأمر انه يزاحم حينئذٍ مدلول العام. فما يمتاز به الاحتمال الثاني على الاحتمال الأول ليس شرطاً في تمامية الدلالة الإطلاقية.

٤٢١

هذا كله بالنسبة إلى ما به الاشتراك بين الصياغتين المذكورتين للمقدمة الثانية من مقدمات الحكمة.

وامّا ما تمتاز به الصياغة الثانية التي اختارتها مدرسة المحقق النائيني ( قده ) وهو اشتراط عدم نصب قرينة ولو منفصلة على التقييد. ففيه فرضيّتان :

الفرضية الأولى : أَنْ يقال باشتراط ذلك على نحو الشرط المتأخر. بمعنى انَّ تمامية الدلالة الإطلاقية لكلام المتكلم من أول الأمر مشروطة بعدم مجيء القرينة المنفصلة بعد ذلك بحيث لو جاءت القرينة المنفصلة بعد ذلك كشفت عن انَّ كلام المتكلم لم تكن فيه الدلالة الإطلاقية من أول الأمر.

وهذه الفرضية باطلة ويمكن الإيراد عليها حلاًّ ونقصاً :

امّا حلاًّ فهو خلاف الوجدان إذا انَّ الوجدان قاض بأنَّ الظهور الحالي السياقي المذكور يدلّ بالالتزام على الإطلاق منذ البداية والعقلاء يأخذون بهذا الظهور ولا ينتظرون احتمال حدوث القرينة المنفصلة في المستقبل.

وامّا نقصاً ، فلأنها تستلزم عدم إمكان التمسك بالإطلاق ما دمنا نحتمل حدوث القرينة المنفصلة في المستقبل فضلاً عن صورة احتمال كونها حادثة فعلاً ، ولا يتوهم جريان أصالة عدم القرينة لأنه إِنْ أُريد بها الأصل العقلائي فلا شك في انَّ العقلاء انما ينفون احتمال وجود القرينة في طول وجود ظهور فعلي منجز ، وإِنْ أُريد بها الاستصحاب الشرعي فمن الواضح انَّ إثبات الظهور به حينئذٍ أخذ بلوازم الأصول.

الفرضية الثانية ـ أَنْ يقال باشتراط ذلك على نحو الشرط المقارن لا على نحو الشرط المتأخر بمعنى أَنْ الدلالة الإطلاقية لكلام المتكلم في كل آن متوقفة على عدم حدوث القرينة المنفصلة منه إلى حين ذلك الآن بحيث لو جاءت القرينية المنفصلة لم تكشف عن عدم الدلالة الإطلاقية من أول الأمر بل أسقطت تلك الدلالة من حينها أي حين حدوث تلك القرينة.

وقد تبنت هذه الفرضية مدرسة الميرزا ( قده ) ظناً منها بأنها تعالج النقص المذكور في الفرضية الأولى لكنها أيضاً لا تسلم من الاعتراض حلاًّ ونقضاً.

امّا نقضا ، فلأنه وإِنْ أمكن حينئذٍ التمسك بالإطلاق قبل مجيء القيد المنفصل

٤٢٢

حتى مع احتمال مجيئه في المستقبل لكنه يصحّح التمسّك به عند احتمال كون المقيد المنفصل قد جاء فعلاً ولم يصل إِلينا لأنَّنا حينئذٍ لا نتأكد من الظهور الإطلاقي.

وامّا حلاًّ ، فلأنَّ هذه الفرضية وإِنْ لم يرد عليها الوجدان الّذي ادعيناه في الفرضية الأولى لأنها لا تنافي عمل العقلاء بذاك الظهور الحالي السياقي من أول الأمر دون انتظار لاحتمال مجيء المقيد المنفصل لكنها غير معقولة في نفسها ثبوتاً لأنَّ ظاهر حال المتكلم يمكن افتراضه على شكلين :

الشكل الأول ـ أَنْ يقال بأنَّ ظاهر حال المتكلم يقتضي كونه بصدد بيان تمام مرامه بشخص هذا الكلام الّذي يتكلمه فعلاً.

الشكل الثاني ـ أَنْ يقال بأنَّ ظاهر حال المتكلم يقتضي كونه بصدد بيان تمام مرامه لا بشخص كلامه بل بمجموع ما يصدر منه في شخص كلامه وفي المستقبل.

فإذا بنينا على الشكل الأول انتج انَّ مقتضى الظهور الحالي المذكور انما يستلزم إرادة الإطلاق عند انتفاء القرينة المتصلة سواءً كانت القرينة المنفصلة موجودة أو منتفية لأنَّ القرينة المنفصلة حينئذٍ لا تلبي مقتضى الظهور الحالي المذكور على فرض إرادة التقييد فيتعين إرادة الإطلاق فلا يشترط في الدلالة الإطلاقية عدم نصب قرينة منفصلة على التقييد.

وامّا إذا بنينا على الشكل الثاني وقلنا بأنَّ ظاهر حال المتكلم انه بصدد بيان تمام مرامه لا بشخص كلامه بل بمجموع ما يصدر منه الآن وفي المستقبل ، فهذا ينتج انَّ هذا الظهور الحالي انما يستلزم إرادة الإطلاق عند انتفاء القرينة المتصلة والمنفصلة معاً بحيث ما لم نتأكد بذلك لا نستطيع التمسك بالإطلاق وهذا يعني انَّ الدلالة الإطلاقية مشروطة على نحو الشرط المتأخر بعدم نصب قرينة منفصلة. وقد أشرنا إلى أنَّ هذا الشكل الثاني منافٍ للوجدان لأنَّ ظهور الحال المذكور يمكن الأخذ به وجداناً من أول الأمر دون انتظار لاحتمال مجيء القرينة المنفصلة.

وامّا فرضية كون الدلالة الإطلاقية مشروطة بعدم نصب القرينة المنفصلة على نحو الشرط المقارن. فهي تستدعي افتراض شكل ثالث للظهور الحالي المذكور وهو أَنْ يقال بأنَّ ظاهر حال المتكلم انه في مقام بيان تمام مرامه في كل آنٍ بمجموع ما يصدر منه إلى

٤٢٣

ذلك الآن لكن الظهور الحالي المذكور بهذا الشكل غير معقول ثبوتا ، لأنه يستلزم انقلاب نفس الظهور الحالي وعدم وجود أساس له بل الظهور الحالي السياقي في كلامه يقتضي كونه مريدا للإطلاق إلى حين صدور القرينة المنفصلة ، ومريدا للتقييد في ذلك الحين وهذا واضح البطلان.

وهكذا يتضح انَّ الدلالة الإطلاقية غير مشروطة بعدم نصب قرينة منفصلة على التقييد لا على نحو الشرط المتأخر ولا على نحو الشرط المقارن فإذا صدرت القرينة المنفصلة فانما هي ترفع حجية الدلالة الإطلاقية في المطلق ولا ترفع أصل دلالته على الإطلاق فالصحيح في المقدمة الثانية من مقدمات الحكمة الصياغة الأولى التي اختارها المحقق الخراسانيّ ( قده ) من عدم نصب قرينة متصلة على التقييد.

وقد ظهر من خلال مجموع ما ذكرناه انَّ المقدمة الثانية من مقدمات الحكمة انما تساهم في أصل تكوين الدلالة الإطلاقية وليس دورها مجرد رفع المانع ، وبتعبير آخر : مع وجود القرينة المتصلة لا مقتضي للإطلاق لا انَّ المقتضي موجود لكن القرينة المتصلة تمنع عن تأثير ذلك فعدم نصب القرينة المتصلة شرط في تكوين أصل مقتضي الإطلاق ، والنكتة في ذلك فعدم نصب القرينة المتصلة شرط في تكوين أصل مقتضي الإطلاق ، والنكتة في ذلك ما قلناه من انَّ الإطلاق مدلول التزامي للظهور الحالي السياقي المذكور فمقتضي الإطلاق يتكوّن من ثبوت المقدمة الأولى ـ ويحصل الثاني بعدم نصب القرينة على القيد ـ المقدمة الثانية ـ الملزوم والملازمة ويحصل الأول بالظهور الحالي ـ.

وامّا المقدمة الثالثة التي أضافها صاحب الكفاية ( قده ) إلى مقدمات الحكمة وهي ( عدم وجود قدر متيقن في مقام التخاطب ) فقد ذكر انَّ من شرائط انعقاد الإطلاق عدم وجود قدر متيقن بأَن يكون بعض حصص المطلق أولى بثبوت حكم المطلق فيه بحيث لا يحتمل ثبوته في غيره دون ثبوته فيه.

وذكر في تقريب شرطية هذه المقدمة انه لو كان بعض حصص المطلق قدرا متيقنا كان ثبوت الحكم فيه معلوما ومبينا للمخاطب لا محالة. ومعه لو كان تمام مراد المتكلم هو المقيد أي تلك الحصة لا المطلق لم يلزم منه الخلف ونقض الغرض الّذي هو مقتضي ذلك الظهور الحالي للمتكلم من كونه في مقام البيان على ما تقدم في شرح

٤٢٤

الإطلاق ، ومعه لا يبقى كاشف عن إرادة الإطلاق لأنَّ الكاشف عنه كان هذا الظهور وما يقتضيه من نقض الغرض لو كان تمام مراده المقيد.

ثم استدرك على ذلك بما إذا أُريد بكون المتكلم في مقام بيان تمام مراده انه في مقام إفادة تمام مراده للمتكلم مع إفادة انه تمام المراد. فانه على هذا مجرد كون بعض حصص المطلق متيقنا لا ينافي الإطلاق إذ لو كان مقصوده المقيد المتيقن فتمام المراد وإِن كان بينا ومعلوما لدى المكلف واقعا لكنه لا يعلم انه التمام وقد افترضنا انَّ اللازم ذلك.

والصحيح انَّ وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب لا يضر بانعقاد الإطلاق

وذلك ـ أولا ـ لأنَّ المقصود من بيان تمام المراد بيان تمام ما هو مأخوذ في موضوع الحكم من القيود في مرحلة الجعل لأنَّ هذا هو مدلول الخطاب وليس المراد بيان تمام ما هو مصداق لموضوع الحكم في الخارج ، وكم فرق بين المطلبين فانه بلحاظ مرحلة الجعل يكون التقييد هو الأكثر والزائد على الإطلاق والطبيعة المهملة بينما بلحاظ مرحلة التطبيق الخارجي تكون الحصة هي الأقل والإطلاق هو الأكثر والأزيد ، ومن الواضح انه في موارد وجود القدر المتيقن وإِن كان المقيد مبيّنا إِلاَّ انَّ المبيّن هو ثبوت الحكم عليه واندراجه تحته على كل حال. واما موضوع الجعل وتقيّده بالقيد فغير مبين.

فلو كان ثابتا واقعا وجدّاً كان خلاف الظهور الحالي المذكور.

وثانيا ـ لو سلمنا انَّ الميزان بيان تمام ما هو المراد بلحاظ المصاديق الخارجية لا بالقياس إلى مرحلة الجعل ، فلا فرق حينئذٍ بين أن يكون القدر المتيقن ثابتا من نفس الخطاب أو من الخارج ، فانه على كلا التقديرين لا يلزم الخلف لو كان مقصود المتكلم هو المقيد المتيقن لأنه تمام المراد ومبين أيضا ولو في ضمن المطلق ، نعم لو لم يكن في البين قدر متيقن أصلا كان الإطلاق منعقدا لأنَّ إرادة كل حصة خاصة وإِن كانت في نفسها لو لوحظت فهي مبينة ولو في ضمن المطلق إِلاَّ انه باعتبار تعارض ذلك مع احتمال إرادة حصة أخرى مقابلة فلا يكون شيء من الحصص المتقابلة مبنية لا محالة وهذا بخلاف ما إذا كان هناك قدر متيقن ولو من الخارج ، اللهُمَّ إِلاَّ أَن يدّعى عنايات إضافية.

٤٢٥

وثالثا ـ انه لا فرق أيضا بناء على هذا الطرز من التفكير والتفسير للإطلاق بين أَن يكون المتكلم في مقام بيان تمام المراد واقعا أو انه زائدا على ذلك في مقام بيان انه التمام. فانَّ غاية ما يلزم من ذلك أَن يكون هناك ظهوران حاليان للمتكلم ، أحدهما انه في مقام بيان تمام المراد ، والآخر انه في مقام بيان كونه تمام المراد أيضا أي انه ليس غيره مراد ، إِلاَّ انَّ إضافة هذا الظهور لا يجدي نفعا في إثبات الإطلاق بل بمقتضى الظهور الأول نفسه نثبت انَّ المقيد المتيقن هو التمام لأنَّ ثبوت الحكم على جميع الافراد غير معلوم فلا يكون مبينا بتمامه لو كان هو المراد وبمقتضى كونه في مقام بيان تمام المراد نستكشف انه ليس مرادا وأَنَّ تمام المراد هو المقيد المتيقن.

ورابعا ـ انَّ هذا الطرز من التفكير لا ينسجم مع طبيعة الدلالة الإطلاقية وملاك دلالة مقدمات الحكمة ، فانَّ جوهر هذه الدلالة قائمة كما تقدم على انَّ اسم الجنس وحده لا يفي بالدلالة على إرادة المقيد وانما يفي بالدلالة قائمة كما تقدم على انَّ اسم الجنس وحده لا يفي بالدلالة على إرادة المقيد وانما يفي بالدلالة على إرادة المطلق لكون المقيد مركبا من الطبيعة الجامعة مع زيادة التقييد فإفادته بحاجة إلى مزيد بيان ، وهذا انما يكون على تقدير التصور الأول المتقدم في فهم وتفسير الإطلاق أي أَن يكون النّظر إلى مرحلة الجعل الّذي يكون فيه التقييد أزيد من الإطلاق لا بلحاظ مرحلة المجعول والمصاديق الخارجية التي يكون فيها الإطلاق أزيد من الحصة ، فانه بهذا اللحاظ لا يكون هناك ما يفي بإثبات الإطلاق لأنَّ اسم الجنس لا يفي بإرادة جميع الافراد كما هو واضح وإثبات ذلك بالإطلاق ومقدمات الحكمة دوري إِذ الكلام في نفس هذه المقدمات الموقوفة على وفاء اللفظ في نفسه بإرادته.

وهكذا اتضح انَّ وجود قدر متيقن بحسب مقام التخاطب فضلا عن ثبوته من الخارج لا يضر بانعقاد الإطلاق وتمامية مقدمات الحكمة.

« تنبيهات »

التنبيه الأول ـ انه على ضوء ما تقدم في تفسير الإطلاق ومقدمات الحكمة تتضح أمور وكلمات كثيرا ما تتردد على الألسن.

منها ـ انَّ الإطلاق مدلول تصديقي لا تصوري ، ووجه ذلك واضح على ضوء ما تقدم فانَّ ملاك

٤٢٦

الإطلاق هو الظهور الحالي للمتكلم في انه بصدد بيان تمام ما هو دخيل في مراده التصديقي وهو الجعل والحكم وهذا لا ينتج أكثر من إثبات ما هو المدلول التصديقي أي الحكم وحدوده.

ومنها ـ انَّ المطلق لا يثبت الحكم على الافراد بل على ذات الطبيعة خلافا للعام ووجهه ظاهر أيضا ، فانَّ الإطلاق عبارة عن إحراز عدم دخل القيد في موضوع الحكم زائدا على الطبيعة وهذا غاية ما يقتضيه إثبات انَّ موضوع الحكم ذات الطبيعة وامَّا سراية الحكم إلى كل فرد من افراد الطبيعة فبحكم العقل بانحلال الطبيعة وأحكامها بعدد الافراد في مرحلة التطبيق وهذا بخلاف العام حيث تكون الافراد ولو إجمالا متصورة ومدلولة للكلام (١).

ومنها ـ انَّ الإطلاق رفض للقيود لا جمع لها ووجهه ظاهر أيضا فانَّ الإطلاق انما يعني استكشاف عدم دخل القيد في المرام ثبوتا لعدم ذكره في موضوع الحكم إثباتا فهو انتقال من عدم القيد إثباتا إلى عدم دخله ثبوتا لا إلى دخل القيود جميعا في الحكم فانَّ هذا امر زائد لا تقتضيه مقدمات الحكمة بوجه كما لا يخفى.

ومنها ـ انَّ التقابل بين الإطلاق والتقييد إثباتا من التقابل بين العدم والملكة أي انَّ عدم نصب القرينة على القيد انما ينتج الإطلاق ويكشف عنه في مورد يكون المتكلم قادرا على ذكر القيد أي لا يكون ممنوعا عنه لتقية أو عجز أو ضيق وقت أو غير ذلك وإِلاَّ فلا تنشأ الدلالة الالتزامية من مجرد عدم ذكر القيد على إرادة الإطلاق كما هو واضح ، وهذا غير ما يذكر في بحث التعبدي والتوصلي من إمكان الإطلاق وعدمه بلحاظ القيود الثانوية والتقسيمات الثانوية للحكم فانَّ الملحوظ هناك التقابل بين الإطلاق والتقييد ثبوتا لا إثباتا.

التنبيه الثاني ـ انه اتضح على ضوء ما تقدم انَّ الإطلاق ومقدمات الحكمة انما تجري بلحاظ المدلول التصديقي للكلام وهو النسبة التامة الحكمية وأطرافها ولا تجري بلحاظ النسبة الناقصة التقييدية لأنها ليست إِلاَّ مدلول تصوريا بحتا. وقد تقدم انَّ مقدمات الحكم لا تشخص ما هو تصور المتكلم في مقام الاستعمال فانَّ ذلك يؤخذ من نظام

__________________

(١) تقدّم الإشكال في ذلك في بحوث العموم فراجع

٤٢٧

اللغة والعلاقة اللغوية بين الألفاظ التي يستعملها المتكلم ومعانيها. نعم بالنسبة إلى إمكان إجراء الإطلاق في مدلول نفسي النسبة التامة التي بإزائها مدلول تصديقي هناك بحث تقدم التعرض له في مبحث الواجب المطلق والواجب المشروط ، حيث كان يدعى انَّ حرفية معنى النسبة تمنع عن إمكان إجراء الإطلاق فيه وقد أجيب عليه مفصلا هناك.

التنبيه الثالث ـ في شمولية الإطلاق وبدليته. ولا إشكال انَّ الإطلاق قد يكون شموليا كما في ( أحلّ الله البيع ) وقد يكون بدليا كما في ( أعتق رقبة ) بل قد يكون الإطلاق في حكم واحد بلحاظ موضوعه شموليا وبلحاظ متعلقه بدليا كما في ( أكرم العالم ) فانه بلحاظ افراد العالم يكون الحكم شموليا ولكن بلحاظ أقسام الإكرام لا يجب إِلاَّ تحقيق مسماه ولا يلزم تحقيق كل أنواع الإكرام ، كما انه قد يكون في مورد بلحاظ المتعلق أيضا شموليا كما في ( لا تكذب ) مثلا. ومن هنا يأتي السؤال عن منشأ الشمولية والبدلية مع كون الدال على الإطلاق في تمام الموارد شيئا واحدا وهو مقدمات الحكمة ، فكيف اختلفت النتيجة مع وحدة المقدمة؟.

وقد عولجت هذه النقطة في كلمات المحققين بوجوه عديدة :

الوجه الأول ـ ما أفاده السيد الأستاذ من انَّ مقدمات الحكمة في جميع الموارد لا تثبت إِلاَّ مطلبا واحدا وهو انَّ موضوع الحكم أو متعلقه ذات الطبيعة وامّا الشمولية والبدلية فتثبت بلحاظ قرينة عقلية أو عرفية تعين البدلية تارة والشمولية أخرى ، فمثلا قولك ( لا تكذب ) انما أصبح النهي بلحاظ متعلقه ـ وهو الكذب ـ شموليا لأنَّ البدلية غير معقولة ، لأنَّ النهي عن كذب ما لغو محض فانَّ الكذاب مهما يكون كذابا فهو لا يكذب بجميع الأكاذيب لكي يطلب منه ترك كذب ما ، وهذا بخلاف المتعلق في الأوامر ( كصلِّ ) مثلا فانه لا يحتمل فيه الشمولية إذ لا يعقل أَن يجب على المكلف الإتيان بجميع افراد الصلاة فانه غير مقدور له فيتعين أَن يكون الإطلاق بدليا فيه.

وهذا الجواب لا يضع يده على فذلكة الموقف لوضوح انَّ ملاك استفادة البدلية ليست في قيام قرينة على امتناع الشمولية وكذلك في طرف العكس بشهادة استفادة البدلية أو الشمولية في موارد يعقل فيها كلا الأمرين كما في ( أكرم العالم ) فانه كما يمكن جعل وجوب الإكرام على طبيعي العالم بنحو الشمول كذلك يمكن جعله على

٤٢٨

فرد منهم كما في ( أكرم عالما ) مثلا (١).

الوجه الثاني ـ ما أفاده المحقق العراقي ( قده ) من انَّ مقتضى الأصل في المطلق أَن يكون بدليا وامّا الشمولية فبحاجة إلى مئونة زائدة تثبتها ، وذلك لأنَّ مقتضى مقدمات الحكمة انَّ موضوع الحكم هو الطبيعة الجامعة بين القليل والكثير والفرد والافراد والجامع يتحقق بتحقق فرد فيكون بدليا لا محالة وامّا الشمولية فلا بدَّ في استفادتها من عناية إضافية وهي ملاحظة جميع الافراد وسريان الحكم إليها.

وفيه ـ أولا ـ ثبوتا ليست الشمولية فيه عناية زائدة على البدلية وما أُفيد نشأ من الخلط بين العموم والإطلاق ، فانَّ ملاحظة الأفراد انَّما هو في باب العموم لا الإطلاق وإِن كان شموليا كما تقدّم بيان ذلك غير مرّة.

وثانيا ـ إثباتا نحن لا نجد أي عناية إضافية في استفادة الإطلاق الشمولي كما في ( أكرم العالم ) فانه ليس فيه عدا اسم الجنس الدال على الطبيعة واللام الدال على الجنس وشيء منهما لا يتضمن عناية إضافية تقتضي الشمولية ولو توهم دلالة اللام مثلا على الشمولية غيّرنا المثال إلى موارد الإضافة كقولك ( احترم عالم البلد ) مثلا.

الوجه الثالث ـ ما أفاده المحقق الأصفهاني ( قده ) وهو عكس ما تقدم من المحقق العراقي ( قده ) ، حيث ادعى انَّ مقتضى الأصل في الإطلاق الشمولية لأنَّ الإطلاق يثبت انَّ الطبيعة هي المأخوذة لبّا وبما انَّها مأخوذة بما هي فانية في الخارج لا بما هي هي أي الموضوع والمناط هو الوجود الخارجي للطبيعة وبما انَّ كل فرد هو وجود للطبيعة لا محالة أي انَّ الطبيعة نسبتها إلى الافراد نسبة الآباء إلى الأبناء فلا محالة يكون مقتضى الأصل ثبوت حكمها على كل مورد تثبت فيها الطبيعة وهو معنى المشمولية. وامّا البدلية فبحاجة إلى أخذ قيد الوحدة أو الوجود الأول من الطبيعة مثلا معها لكي لا يصدق على الوجود الثاني والثالث مثلا.

وهذا الوجه أيضا كسابقه غير صحيح ثبوتا ولا إثباتا على ما تقدم في بحوث انحلالية

__________________

(١) بل لو كان هذا الّذي أفاده هو الملاك فهو لا يقتضي تعين البدلية دائما فمثلا عدم مقدورية تمام افراد الصلاة لا يستلزم جعله بدليا فليكن شموليا في حدود المقدور منها كما هو كذلك بالنسبة إلى كل خطاب وتكليف حيث يكون مقيدا موضوعا ومحمولا بالمقدور من افرادها.

٤٢٩

النواهي بلحاظ متعلقاتها.

والصحيح أَن يقال : انَّ الشمولية والبدلية لهما معنيان :

١ ـ الشمولية والبدلية بلحاظ الحكم بمعنى كون الحكم منحلا إلى أحكام عديدة بعدد افراد الموضوع خارجا بنحو يكون هناك أحكام عديدة لكل منها امتثاله وعصيانه الخاصّ فيكون شموليا أو وجود حكم واحد له امتثال واحد وعصيان واحد فيكون بدليا.

٢ ـ الشمولية والبدلية في مرحلة الامتثال بمعنى انَّه بعد فرض وحدة الحكم فهل انه يمتثل ضمن فرد واحد أو افراد عديدة. فيقال انه في الأوامر يكون الإطلاق في المتعلق بدليا وفي النواهي يكون شموليا ، إِلاَّ انَّ هذا المعنى الثاني للشمولية والبدلية ليس بحسب الحقيقة من شئون الإطلاق ومقدمات الحكمة الجارية في مدلول الكلام بل هو كما قال صاحب الكفاية بنكتة عقلية هي انَّ الطبيعة توجد بوجود فرد منها ولا تنعدم إِلاَّ بانعدام افرادها وبما انَّ الأمر طلب الإيجاد والنهي طلب الترك من هنا كان الأول يمتثل بإتيان فرد والثاني لا يمتثل إلا بترك تمام الافراد.

وامّا المعنى الأول من الشمولية والبدلية فالصحيح فيه التفصيل بين موضوع الحكم في القضية المجعولة وبين المتعلق فالحكم بلحاظ موضوعه الأصل فيه أَن يكون شموليا ما لم تفرض فيه عناية على الخلاف وهو بلحاظ متعلقه يكون بدليا أي لا ينحل إلى أحكام ما لم يفرض عناية على الخلاف أيضا.

وقد شرحنا هذا المدعى في بحوث الأوامر. وملخصه : انَّ موضوع الحكم يؤخذ في القضية المجعولة مفروغا عنه ومقدر الوجود ولهذا ترجع القضايا الحقيقية إلى شرطية وهذا بخلاف المتعلق فانه يطلب تحقيقه بالحكم فلو كان مفروغا عنه كان الأمر به لغوا ، وحينئذٍ يقال : انَّ الطبيعة المفروغ عنها في المرتبة السابقة على الحكم يستتبع لا محالة انطباقها على جميع ما يصلح أَن يكون مصداقا لها لأنَّ كلّ فرد من تلك الأفراد نسبته إليها على حدّ واحد فيكون له حظ منها لا محالة وممّا يترتب عليها من الآثار والأحكام وهو معنى انحلال الحكم بلحاظ الموضوع وشموليته. وامَّا بلحاظ المتعلّق فالقاعدة تقتضي العكس لأنَّ المتعلق لم يفرض وجوده مفروغا عنه كي يتعدد الحكم في مرحلة التطبيق ويوجد لهذه القاعدة استثناء ان :

٤٣٠

أحدهما ـ بلحاظ الموضوع حيث انَّ الأصل في طرف الموضوعات أَن يكون الحكم شموليا بلحاظها إِلاَّ إذا كان الموضوع منونا فيصير الإطلاق بدليا حينئذٍ من جهة دلالة التنوين على قيد الوحدة.

الثاني ـ بلحاظ المتعلق حيث انَّ الأصل فيه أَن يكون الحكم بدليا إِلاَّ في متعلقات النواهي حيث يستفاد منها انَّ كل فرد من المتعلق موضوع مستقل للحرمة بحيث توجد أحكام عديدة بلحاظ كل واحد منها فلو عصى وشرب خمرا معينا بقيت الحرمة على الافراد الأخرى. وهذه الدلالة بحسب الحقيقة دلالة تصديقية قائمة على أساس مناسبة عرفية وهي غلبة انحلالية المفسدة بحيث يكون كل فرد من الحرام واجدا للمفسدة مستقلا عن فعل الاخر وتركه.

التنبيه الرابع ـ في الانصراف وهو عبارة عن أنس الذهن بمعنى معين مما ينطبق عليه اللفظ ، وهو على أقسام ثلاثة :

١ ـ الانصراف الناشئ من غلبة الوجود كما إذا كان بعض افراد المطلق وحصصه أغلب وجودا من حصصه الأخرى ، فقد توجب هذه الغلبة في الوجود أنس الذهن مع تلك الحصة الغالبة. وهذا النحو من الانصراف انصراف بدوي لا أثر له ولا يهدم الإطلاق لأنَّ فهم ذلك المعنى الخاصّ ليس مسببا عن اللفظ ومستندا إليه لكي يكون مشمولا لدليل حجية الظهور وانما هو بسبب غلبة خارجية ولا دليل على حجيته. اللهم إِلاَّ إذا كانت الندرة بدرجة بحيث يرى ما وضع له اللفظ ليس مقسما شاملا لما ينصرف عنه ويكون هذا بحسب الحقيقة من نشوء ضيق وتحديد في المدلول.

٢ ـ الانصراف الناشئ من كثرة استعمال اللفظ في حصة معينة مجازا أو على نحو تعدد الدال والمدلول فانَّ ذلك قد يوجب شدة علاقة وأنس بين اللفظ وبين تلك الحصة وهذا أنس لفظي لا خارجي لأنه ناشئ من استعمال اللفظ في المعنى وإفادة المعنى به وهو الّذي يؤدي إلى الوضع التعيني إذا بلغ مرتبة عالية كما في المنقول أو المشترك وامّا إذا لم يبلغ تلك المرتبة فلا يتحقق وضع بل مجرد أنس وعلاقة شديدة ، وهذا قد يكون صالحا للاعتماد عليه في مقام البيان فالانصراف بهذا المعنى قد يوجب الإجمال وعدم تمامية الإطلاق.

٤٣١

٣ ـ الانصراف الناشئ من مناسبات عرفية أو عقلائية كما في التشريعات التي لها جذور عرفية مركوزة عرفا أو عقلائيا فانها قد توجب التقييد أيضا كما إذا قال « الماء مطهر » فانه ينصرف إلى الماء الطاهر لمركوزية عدم مطهرية النجس.

التنبيه الخامس ـ في التمييز بين الإطلاق الحكمي والإطلاق المقامي فانهما مختلفان جوهرا ، وذلك لأن التقييد المحتمل والمراد نفيه بالإطلاق الحكمي على فرض ثبوته يكون قيدا في المراد من اللفظ وموجبا لضيق دائرة مدلوله فإذا قال ( أكرم الفقير ) وأراد الفقير العادل كان ذلك تضييقا في مدلول أكرم الفقير اللفظي ، وامّا الإطلاق المقامي فالتقييد المحتمل في مورده لا يكون قيدا فيما ذكر في الكلام بل هو مراد آخر علاوة على المرام المدلول عليه باللفظ كما إذا قال ( أَلا أعلمكم وضوء رسول الله ) فذكر انه غسل الوجه واليدين ومسح الرّأس والقدمين فانه يستفاد بمقتضى الإطلاق المقامي عدم جزئية المضمضة أو الاستنشاق مثلا ، ولهذا يكون الإطلاق الحكمي ظهورا عاما ليس بحاجة إلى عناية خاصة لأنَّ مقتضى ظهور حال كل متكلم ذكر كلاما انه في مقام بيان تمام موضوع الحكم المدلول بكلامه ، وامّا الإطلاق المقامي فباعتبار كونه مرتبطا بمرام آخر علاوة على مدلول اللفظ فالاستفادة منه مبتنية على عناية زائدة ومقام بيان خاص أكثر مما قد أبرزه الكلام الّذي تكلم به المتكلم ولذلك لم يكن الإطلاق المقامي ظهورا قانونيا عاما بل بحاجة إلى قرينة خاصة وهذه القرينة على قسمين :

١ ـ لفظية صريحة أو ظاهرة كما في المثال المتقدم.

٢ ـ دلالة الاقتضاء المناسبة مع شأن الشارع الأقدس وذلك فيما يفرض انَّ جزء من اجزاء الوظيفة كان مما يغفل عنه عادة بحيث لو لا تعرض الشارع بنفسه له لم يلتفت إليه عامة الناس لكون احتماله لا يخطر على الأذهان العادية فانه في مثل ذلك ينفي بسكوت المولى ولو في مجموع خطاباته احتمال دخله وقيديته. كما يقال ذلك في مثل نفي احتمال دخل القيود الثانوية في التكليف كقصد الوجه والتمييز.

٤٣٢

« حالات اسم الجنس »

تارة يكون اسم الجنس نكرة ، وأخرى معرفا باللام أو مضافا إلى المعرف به ، وثالثا لا يطرأ عليها شيء من التنوين أو اللام. ولا إشكال في القسم الثالث من حيث صلاحيته للإطلاق والتقييد وصلاحيته للتعين صدقا وانطباقا في تمام الافراد بنحو الشمول ببركة الإطلاق ومقدمات الحكمة أو بدلا وفي فرد معين ببركة الدال على التقييد. وانما البحث عن ما يتغير من مدلوله بدخول التنوين أو اللام عليه ومن هنا يقع الكلام في مقامين :

المقام الأول : دخول التنوين على اسم الجنس ـ ولا إشكال في انه بذلك ينسلخ اسم الجنس عن الصلاحية للتعين الاستغراقي وللتعين في فرد خاص لأنَّ التنوين يدل على الإبهام والنكارة فيتعذَّر في حقه التعيين ومن هنا ينقلب الإطلاق فيه من الشمولية إلى البدلية.

امّا انسلاخه عن التعيين الاستغراقي فقد ذكر في تقريبه وتفسيره انَّ التنوين الدال على التنكير يلحق قيد الوحدة بمدلول اسم الجنس فيصبح قولنا ( أكرم عالما ) في قوة قولنا ( أكرم واحدا من العلماء ) ومعه يستحيل في حقه الشمولية لأنه يستوجب استيعاب تمام الآحاد وهو خلف الوحدة.

وهذا البيان يتعرض عادة إلى إشكالين حَلّي ونقضي :

امّا الإشكال الحَلّيّ فحاصله : انَّ الوحدة والواحد أيضا من أسماء الأجناس وصالح للاستغراقية ولهذا يمكن أَن يدخل عليه أداة العموم كقولنا ( أكرم كل واحد من العلماء ) الدال على الاستغراقية الأداتية فضلا عن الحكمية. فكيف يكون تقييد اسم جنس أخرجه موجبا لانسلاخه عن القابلية للاستغراقية.

وامّا النقض فبالنكرة الواقعة في سياق النهي والنفي كقولك ( لا تشتم مؤمنا ) فانها تدل على الاستغراقية مع وجود التنوين.

والجواب : امّا عن الحلّ فبان قيد الوحدة له ثلاث معان :

١ ـ الواحد في مقابل الكثير والّذي هو موجود ضمن الكثير ، وواضح انَّ هذا

٤٣٣

المعنى على حد سائر أسماء الأجناس مفهوم كلّي صالح للشمولية وليس مرادنا من قيد الوحدة هذا المعنى.

٢ ـ الواحد فقط أي الواحد بشرط لا عن الزائد ، وفي مثل ذلك يستحيل الإطلاق الشمولي لأنه خلف حد الوحدة إِلاَّ ان هذا المعنى ليس مقصوداً أيضاً على ما سوف يظهر.

٣ ـ الواحد بحده لكن لا في نفس الأمر بل من ناحية هذا الكلام أي الواحد فقط إثباتاً لا ثبوتاً ، وهذا هو المقصود في المقام بمعنى انَّ اسم الجنس بعد دخول التنوين عليه من ناحية نفسه لا يصدق إِلاّ على الواحد فقط من دون أَن ينفي ثبوت الأكثر في الواقع ونفس الأمر وبهذا يختلف هذا المعنى عن المعنى السابق ولهذا لو أكرم عالمين دفعة واحدة كان ممتثلاً (١).

وامّا الجواب عن النقض فبما تقدم فيما سبق من انَّ استفادة الاستغراقية في موارد النهي والنفي إِن أُريد بها الاستغراقية بلحاظ مرحلة الامتثال فهي بقانون عقلي يقضي بأنَّ الطبيعة لا تنتفي إِلاَّ بانتفاء تمام افرادها وإِن أُريد بها الاستغراقية في نفس الحكم فهو بدلالة سياقية خارجية وهي دلالة تصديقية على انَّ المفسدة انحلالية (٢).

__________________

(١) جعل هذه الأمور معانٍ لمفهوم الواحد لا يخلو من إشكال ، فانه ليس له إِلاَّ معنى واحد بل أخذ مثل هذه الاعتبارات في المدلول التصوري مشكل تصويره ثبوتاً.

ويمكن ان يقال : انَّ المفاهيم بما انها منتزعة من الخارج فتكون ملحوظة في الذهن بما هي فانية في الخارج بحيث يشار بها إلى الخارج ومن هنا كان لا بدَّ مع لحاظ الطبيعة من امر آخر وهو بمثابة تكية للاسم على ما عبر به في كلمات اللغويين وهو التنوين أو اللام ، وهذا معناه انَّه باللام يلحظ المفهوم فانياً امَّا في فرد معيَّن معهود أو في الجنس حيث انَّ الإفناء في الجنس والإشارة إليه بما هو أمر خارجي معقول أيضا ، وبالتنوين يفنى المفهوم في فرد لا معين الّذي هو معنى البدلية. ولعله إذا أمكن إثبات هذا المعنى تحلّ على أساسه مشاكل عديدة في أمثال المقام فالمسألة بحاجة إلى مزيد تأمّل.

(٢) كيف يمكن ذلك مع فرض وجود التنوين الدال على الوحدة؟ ولما ذا لا يكون قرينة على عدم الانحلالية في خصوص ذلك؟

وإِن شئت قلت : انَّ فناء الطبيعة بفناء افرادها صحيح ولكن الكلام في تحديد تلك الطبيعة وهل هي شرب خمر واحد أو شرب كل خمر فاستفادة تعلق الحرمة الواحدة بشرب كل خمر فيه مطلب زائد على ما يقتضيه القانون العقلي لا بدَّ في إثباته من التماس تخريج لفظي أو عرفي. ويمكن أن يقال في حلّ الإشكال : بأنَّ التنوين يدلّ على الإشارة بالطبيعة إلى فرد لا بعينه بناء على ما تقدّم من انَّ التنوين أو اللام يرتبطان بكيفية إفناء المفهوم والطبيعة في الخارج وحينئذٍ إيجاد الفرد لا بعينه يكون بإيجاد فرد واحد وامّا انتفاءه فلا يكون إِلاَّ بفناء تمام الافراد ولهذا نجد الشمولية حتى إذا دخل في سياق النهي أداة البدلية كقولك لا تشرب أي خمر ولعل هذا هو مقصود السيد الأستاذ.

٤٣٤

وبهذا يتضح الوجه في انسلاخ اسم الجنس بعد تنكيره عن التعين في فرد معين فانه مقتضى الإبهام والتنكير المستفاد من التنوين فهو من ناحية نفسه لا يكون معيّناً وإِن فرض تعينه ثبوتاً كما في قوله تعالى ( وجاء رجل من أقصى المدينة ). وبهذا نستنتج انَّ كل تنوين نراه في اسم جنس متعين من ناحية نفس الكلام استغراقياً أو شخصياً فليس بتنوين تنكير بل تمكين من قبيل أكرم كل رجل (١). ومن قبيل أكرم رجلاً زارك بالأمس إذا أُريد به الإشارة إلى رجل معين معهود.

المقام الثاني : دخول اللام على اسم الجنس ـ ولا إشكال في انه بذلك يخرج اسم الجنس عن الإبهام والإهمال إلى التعيين ، وقد فسر المشهور ذلك على أساس انَّ اللام موضوعة للتعيين ومن هنا يفيد التعريف ، والتعيين محفوظ حتى في موارد الجنس ، فانَّ الجنس أيضاً له تعين ذهني ، وإِن شئت عبرت عنه بالتعين الجنسي.

وقد استشكل في ذلك صاحب الكفاية ( قده ) بأنه إِن أُريد دلالة اللام على التعيين الخارجي فمن الواضح عدم وجود تعين خارجي في موارد لام الجنس ، وإِن أُريد التعين الذهني أي تعين الطبيعة في الذهن فمن الواضح أنَّه إِن أُخذ هذا التعين في مدلول اللفظ صار ذهنياً وبذلك يخرج عن الصلاحية للانطباق على الخارجيات إِلاّ بالمجاز والتجريد وبطلانه واضح.

ومن هنا التزم ( قده ) بأنَّ اللام موضوعة للتزيين كما هو كذلك في موارد دخولها على الاعلام. وانَّ معاملة اللغة مع المزين به معاملة التعريف لكونه معرفة باللفظ نظير التأنيث اللفظي الّذي قد أعطي حكم التأنيث الحقيقي فلا غرابة.

وقد حاول بعض المحققين التخلص عن إشكال صاحب الكفاية ( قده ) مع الالتزام بمقالة المشهور من دلالة اللام على التعيين فذكروا محاولات نقتصر فيما يلي على ما أفاده المحقق الأصفهاني ( قده ) بهذا الصدد. فقد أفاد بأنَّ الإشكال المذكور مبني على تخيل إرادة التعيين الذهني للجنس بينما المقصود التعيين الجنسي فانَّ كل ماهية

__________________

(١) الاستغراقية هنا ليست مستفادة من نفس اسم الجنس بل مستفادة من كل وهي مضافة إلى النكرة الدالة على فرد من الطبيعة لا بعينه فتدلّ على استيعاب كلّ الأفراد.

٤٣٥

بحسب شئونها وحدودها وتشخصها الماهوي متميزة عن غيرها ومتعينة واقعاً والمراد إفادة هذا اللون من التعين ولا يلزم منه ذهنية المعنى.

وفيه ـ انه إِن أُريد مفهوم التعين الماهوي فمن الواضح انه كسائر المفاهيم في أسماء الأجناس مفهوم غير معين واقعاً فضمه إلى مفهوم غير معين لا يفيد تعريفاً بل تحصيص ، وإِن أُريد منشأ انتزاع التعين أي ما به تتعين الماهية فهي في الماهيات حدودها وهي داخلة في مدلول اسم الجنس المدخول للاّم فلم تزد اللام شيئاً على مدخولها.

والصحيح في الجواب ما حققناه سابقاً حينما كان لصاحب الكفاية ( قده ) إشكال مشابه على أخذ الإطلاق قيداً في المعنى الموضوع له اسم الجنس من استلزام ذهنية المعنى وعدم انطباقه على الخارج. وحاصل الجواب : انه لو كان المقصود أخذ مفهوم التعين الذهني أو المتعين في الذهن قيداً فهو غير صالح للحكاية إِلاَّ عن الذهن لا الخارج لكونه معقولاً ثانوياً انتزع عما في الذهن ، ولكن هذا ليس هو المدعى كيف ومفهوم التعين نكرة بنفسه سواءً أُريد به التعين في الذهن أو الخارج ، وانما المأخوذ واقع التعين الذهني بمعنى انَّ الواضع حينما وضع اللفظ كان لا بدَّ له أَن يتصور المعنى ليقرن بينه وبين اللفظ وامّا المعنى بلا تصور فلا يمكن قرنه باللفظ وفي المقام قد قرن بين اللفظ وبين الصورة الذهنية بما هي متعينة ولا يلزم منه عدم انطباقه على الخارج فانَّ هذه الصورة المتعينة بطبيعتها حاكية عن الخارج لأنها منتزعة عنه ، وكأنه وقع خلط بين أخذ مفهوم من المعقولات الثانوية في مدلول اللفظ وبين أخذ مفهوم من المعقولات الأولية بما له من الشئون والخصوصيات في العقل الأول في مدلول اللفظ (١) ،

__________________

(١) هذه الخصوصيات والشئون إذا كانت راجعة إلى اللحاظ والوجود الذهني في المعقول الأول فلا يمكن أخذها في مدلول اللفظ الّذي هو امر تصوري لأنَّ الموضوع له ذات المعنى لا المعنى المقيد بالوجود أو ما هو شأن من شئون الوجود لا ذهناً ولا خارجاً وان كانت راجعة إلى المتصور والملحوظ فلا معهودية ولا تعين للماهية الملحوظة زائداً على تعينها الذاتي المفاد باسم الجنس والأولى على ضوء ما تقدم ان يقال : بأنَّ المفهوم تارة لا يضاف في الذهن إلى الخارج وهذا هو اسم الجنس من دون تنوين ولا لام ، وأخرى يشار به إلى الخارج ولكن إلى خارج غير متعين أي إشارة بنحو بدلي وهذا هو اسم الجنس مع التنوين ، وثالثة يشار به إلى الجنس الموجود في الخارج فيما إذا كان هو محط الغرض لا الخصوصيات وهذا هو موارد لام الجنس ، فالتعيين يراد به الإشارة إلى الخارج المعين وهذا محفوظ في لام الجنس وانَّما الاختلاف عن موارد التعين الخارجي في طبيعة المشار إليه لا في الإشارة نفسها فانَّها حاصلة في المقامين ولعل هذا مقصود المحقق الأصفهاني ( قده ).

٤٣٦

فانه بذلك لا يخرج عن كون مدلول اللفظ معقولاً أولياً لا ثانوياً. فالصحيح ما عليه المشهور والمتطابق مع الوجدان العرفي القاضي بدلالة اللام على التعين حتى في موارد لام الجنس. ولكن ليس المراد من هذا التعيين الذهني محض الوجود في الذهن لوضوح انه بذلك لا يصبح المعنى معرفة ولهذا لم يتوهم انقلاب الكلمات إلى معارف من ادعى وضعها للمعنى المقيد باللحاظ الاستقلالي أو الآلي ذهنا. وانَّما المراد من التعين هنا تطبيق الصورة الذهنية على الانطباقات المألوفة سابقاً للذهن فالأسد له انطباعات معيّنة في ذهن الإنسان مثلاً واللام تدلّ على ماهية الأسد ومعناه بذلك النحو المعروف المألوف في الانطباعات السابقة وهذا كأنَّه يشبه العهد الذهني ولكنه في المقام نوعي وليس شخصياً.

وهناك حالة أخرى لاسم الجنس وهي حالة العلمية وتسمى بعلم الجنس كأسامة. والوجدان العرفي على إبهامه وإجماله يحس بالفرق بينه وبين اسم الجنس فهناك فرق بين أسد وبين أسامة ، فما هو حقيقة هذا الفرق؟ يمكن أَن نذكر بشأنه احتمالات ثلاثة :

١ ـ ولعله أقربها ، انَّ التعين الذهني الجنسي الّذي تدل عليه لام الجنس حينما تدخل على اسم الجنس مستبطن في نفس مدلول علم الجنس ومن أجل أخذ هذا التعين في مدلوله أصبحت الكلمة معرفة لأنها في قوة المعرف باللام ولكن بوضع واحد لا بوضعين.

٢ ـ ولعله أضعفها ، انَّ علم الجنس قد أخذ فيه الإطلاق وتجرد الطبيعة عن القيد وهذا نحو تعين في الماهية وتقليل في إهمالها.

وهذا الاحتمال بعيد لأنَّ مجرد أخذ الإطلاق لا يجعله معرفة فانَّ الطبيعة التي تلحظ بلا قيد لا تكون معرفة ولهذا لم يقل أحد من القائلين بأخذ الإطلاق في مدلول اسم الجنس بأنه يصبح معرفة ولم ينقض أحد عليهم بذلك فكأن المسلّم بينهم انَّ هذا المقدار لا يصيّر الكلمة معرفة ولا يخرجها عن إهمالها.

٣ ـ انَّ أعلام الأجناس في بداية نشوئها في اللغة كانت أعلاماً لحيوانات شخصية طوطمية معينة كانت مقدسة لدى قبيلة أو قوم وبعد أَن انتهت ظروف التقديس بقي

٤٣٧

الاسم مشيرا إلى ماهية ذلك الحيوان محتفظاً بعلميته لغة باعتبار انَّ الخصائص اللغوية لا تزول بسرعة.

وهذا الاحتمال أيضاً يبعده امران :

١ ـ انَّ أعلام الأجناس لا تختص في اللغة بخصوص الحيوانات التي كانت مقدسة في التاريخ بل قد تكون لحيوانات تافهة كأم عريط للعقرب.

٢ ـ انَّ العرب لم يعهد منهم تاريخياً الاعتقاد بمثل هذه القضايا وأعلام الأجناس كلمات عربية وليست دخيلة.

وبهذا ينتهي البحث عن الإطلاق.

٢ ـ التقييد

والقصد منه البحث عن موارد حمل المطلق على المقيد وهو بحيث يناسب باب التعارض نجمله هنا فنقول : انَّ المقيد تارة يكون متصلاً بالمطلق ، وأخرى منفصلاً عنه.

فهنا مقامان.

المقام الأول ـ في المقيد المتصل بالمطلق ، وله أقسام ثلاثة :

١ ـ أَن يكون جزءً لنفس جملة المطلق ( كأعتق رقبة مؤمنة ). ولا إشكال في هذا القسم من حيث عدم انعقاد الإطلاق ذاتاً ومن أول الأمر لوروده مقيداً.

٢ ـ أَن يكون المقيد جملة مستقلة عن جملة المطلق ولكنه بلسان التقييد بحيث انصب الحكم فيه على التقييد لا المقيد كما إذا قال ( أعتق رقبة ولتكن تلك الرقبة مؤمنة ) ، أو ( إيّاك أَن تعتقها كافرة ) ولا إشكال في هذا القسم أيضا من حيث عدم ثبوت الإطلاق لأنَّ ظاهر دليل التقييد حينئذٍ الشرطية أو المانعية وهو حاكم على دليل المشروط.

٣ ـ أَن يكون المقيد جملة مستقلة ناهية وقد انصب النهي فيها على المقيد لا التقييد كما إذا قال ( أعتق رقبة ) و( لا تعتق رقبة كافرة ) وهنا إذا استظهرنا من لسان الدليل انَّ النهي إرشاد أيضاً إلى المانعية فلا إشكال في التقييد وعدم انعقاد الإطلاق ومقدمات للحكمة بنفس النكتة المقدمة وإلا فان احتمل ذلك فائضاً لا ينعقد

٤٣٨

الإطلاق للإجمال واحتمال قرينية الموجود ، وان لم يحتمل ذلك بأَن استظهر انه حكم نفسي مستقل على حد حكم المطلق ، فان قيل بإمكان اجتماع الأمر والنهي حتى في أمثال المقام فلا إشكال لعدم التنافي حينئذٍ ، وإِن بني على الامتناع ولو في مثل المقام الّذي يكون العنوانان من المطلق والمقيد ، فان فرض انَّ هذا الامتناع امر بديهي واضح عرفاً كان التنافي بين الدليلين داخلياً متصلاً وحينئذٍ يتشكل للمقيد دلالة التزامية عرفية على عدم إرادة الإطلاق من المطلق فيتقيد به لا محالة لو لم يفرض انَّ دلالة المقيد ولو من جهة أخرى بالإطلاق ومقدمات الحكمة أيضاً ، وإذا فرض انَّ برهان الامتناع عقلي وليس بديهياً واضحاً عرفاً فلا معارض متصل بل بعد ضم ذلك البرهان فحكمه حكم التعارض المنفصل ، هذا كلّه إذا فرض انَّ الأمر كان بدليّاً كأعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة ، واما إذا كان انحلالياً كأكرم العالم ولا تكرم العالم الفاسق فلا إشكال في التنافي حينئذٍ على كل حال ويتعين تقييد المطلق لكونه قرينة على التقييد على كل حال ، ومثل هذا أيضاً ما إذا كان التنافي بين المطلق وجملة المقيد بنحو السلب والإيجاب من قبيل لا يجب إكرام العالم وأكرم الفقيه.

٤ ـ أَن يكون جملة المقيد مستقلة آمرة من قبيل ( أعتق رقبة ) و( أعتق رقبة مؤمنة ) وهنا تارة : يفترض استظهار وحدة الحكم في الجملتين ولو باعتبار مناسبات الحكم والموضوع ، وأخرى : يفترض استظهار التعدد ، وثالثة : يفترض عدم وجود ما يدلّ على ذلك بحيث يحتمل فيه كلا الأمرين ، فإذا استظهرنا وحدة الحكمين فلا إشكال في لزوم التقييد حينئذٍ من جهة انَّ الحكم الواحد امّا مطلق أو المقيد ، وإذا استظهر التعدد فلا تعارض حينئذٍ ، وإذا لم يستظهر شيء منهما فقد يقال انَّ مقتضى القاعدة العمل بهما معاً ما دام لم يحرز الوحدة الموجبة للتعارض ونثبت في طول ذلك تعدد الحكم.

وفيه : إذا فرض إجمال الجملة الثانية من ناحية كونها معبرة عن حكم آخر أو نفس الحكم فيكون مما يحتمل قرينيتهُ ومعه لا يحرز أصل الظهور الإطلاقي لكونه متصلاً به.

وهكذا يثبت لزوم التقييد في الأقسام الأربعة ورفع اليد عن الظهور الإطلاقي أو سقوطه ، أي انَّ الظهور الإطلاقي ساقط فيها تخصصاً لعدم الموضوع له لا تخصيصاً

٤٣٩

واقتضاءً لا لمانع لما أشرنا إليه في مقدمات الحكمة من انَّ الإطلاق نتيجة عدم وجود ما يكون بياناً للقيد. إِلاَّ انَّ هذا التخصيص تارة لا يحتاج إلى مصادرة ، وأخرى يحتاج إلى مصادرة وعلاوة ، ومن هنا تختلف الأقسام المتقدمة. ففي القسم الأول وهو ما إذا كان القيد وارداً في نفس جملة المطلق انهدام الإطلاق ومقدمات الحكمة لا يحتاج إلى مصادرة على ما تقدّم في بيان مقدمات الحكمة وكيفية اقتضائها للإطلاق ، لأنَّ اسم الجنس لم يأتِ مجرداً عن القيد لكي ينعقد فيه إطلاق ، وامّا في الأقسام الأخرى فان بني في المقدمة الثانية من مقدمات الحكمة انَّ عدم بيان القيد يراد به عدم مطلق ما يكون بياناً للقيد فهنا أيضاً لا نحتاج إلى المصادرة الإضافية في تمام الأقسام التي حكمنا فيها بحمل المطلق على المقيد لثبوت ما يدل على القيد ، وامّا إذا كان المراد بيان ما يكون قرينة على التقييد وبلسان التقييد والقرينة فانهدام الإطلاق موقوف في هذه الأقسام على مصادرة زائدة هي انَّ طرز بيان القيد في جملة المقيد هو طرز القرينية امّا بنحو الحكومة كما في القسم الثاني أو بنحو القرينية النوعية كما في الثالث والرابع لكي يحرز بذلك انثلام مقدمات الحكمة.

ثم انَّ هذا المقيد قد يفرض انه يتدخل في إثبات مفاده إِطلاق من الإطلاقات بحيث لولاه لم يكن موجب للتقيد ، كما إذا قال ( لا يجب عتق الرقبة ) و( أعتق رقبة مؤمنة ) فانَّ التقييد في المقام فرع استفادة الوجوب من ظهور صيغة الأمر وامّا لو حمل على الاستحباب فلا تنافي ، فلو قيل مثلاً انَّ دلالة الأمر على الوجوب بالإطلاق ومقدمات الحكمة لا بالوضع وقع التنافي بين الإطلاقين لا محالة. وفي مثل ذلك نحتاج إلى المصادرة المتقدمة على كل حال حتى لو بنينا على انَّ المقدمة الثانية هي عدم مطلق ما يكون بياناً للقيد فانه من دون فرض مصادرة القرينية وانّ الإطلاق إذا كان في موضوع أخص عُدَّ قرينة عرفاً لم يكن وجه لترجيح أحد الإطلاقين على الاخر.

المقام الثاني ـ في المقيد المنفصل وقد ذكروا في هذا المقام انه إِن لم يكن بين المطلق والمقيد تناف أخذ بهما وإِلاَّ حمل المطلق على المقيد ، وتحقيق حال هذه الفتوى بالكلام في موضوعين :

١ ـ انه متى يكون تناف وتعارض بين المطلق والمقيد؟

٤٤٠