بحوث في علم الأصول - ج ٣

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٥

انَّ كلاً منهما مدلول تصوري للمرجع في اللغة ـ بنحو عرضي أو طولي ـ والمفروض انَّ الضمير وضع لكي يرجع إلى ما هو المدلول التصوري اللغوي وهذا محفوظ في تمام موارد الاستخدام. فالحاصل : لو قيل بوضع الضمير للرجوع إلى ما يراد من مدلوله جداً أو استعمالاً لزم محذور إناطة المدلول الوضعي التصوري بأمر تصديقي ، وإِنْ قيل بوضعه للرجوع إلى ما هو مدلول تصوري لمرجعه فلا يتعقل حينئذٍ التطابق وعدمه بينهما طالما انَّ معنى الضمير أيضا مدلول تصوري للمرجع فما معنى الاستخدام واستعمال الضمير في غير ما وضع له؟.

وحلّ الإشكال بنحو يتضح به الجواب على كل هذه المفارقات المثارة يكون بالالتفات إلى انَّ رجوع الضمير إلى مرجعه ليس بمعنى تكرار معنى المرجع بالضمير مرة ثانية كما إذا قيل ( قلد العالم وأكرم العالم ) فانَّ الأمر لو كان كذلك صح أَنْ يقال بعدم العناية ـ اللهمَّ إِلاَّ بلحاظ الظهور السياقي في تطابق المدلولين الجديين لهما لو قيل به المخصوص بموارد ثبوت مدلول جدي للكلام ـ إِلاَّ انَّ الصحيح انَّ الضمير وضع لمفهوم مبهم هو الإشارة إلى نفس المعنى التصوري للمرجع بنحو لا دور له إِلاَّ إيصال ما بعده من النسبة إلى نفس ما تقدم من المعنى المنسبق إلى الذهن بالمرجع فقولنا ( قلد العالم وأكرمه ) مدلوله الذهني نفس مدلول قولنا ( قلد وأكرم العالم ) غاية الأمر انَّ إيصال الفعل الثاني ـ وهو الإكرام في التعبير الأول ـ كان ببركة الضمير وفي هذا التعبير ببركة هيئة تقدم الفعل على المفعول ، وبناءً على ذلك سوف لا يكون في الذهن إِلاَّ صورة واحدة لمعنى المرجع لا صورتان متكررتان ، ومن الواضح انَّ الصورة الواحدة لا تقبل إِلاَّ إطلاقاً واحداً أو تقييداً واحداً لا إطلاقين أو تقييدين ولذلك فلو فرض وجود دال بعد الضمير يدل على تقييد تلك الصورة الواحدة في الذهن من الطبيعة فلا محالة تكون صورة الطبيعة المفادة بالمرجع مقيدة فيكون الحكم الأول مقيداً لا محالة.

ومما يشهد على هذا اننا نجد نفس الشيء فيما إذا كان هناك ضمير ان بأنْ قال العالم أكرمه وقلده فانه أيضاً لا يمكن أَنْ يراد بأحد الضمير الحصة أو المطلق وبالضمير الآخر الحصة الأخرى فلو كان الضمير في قوة تكرار المعنى الراجع إليه وإيجاده في

٣٨١

الذهن ثانية فأي محذور في تكراره تارة مع القيد وأخرى بلا قيد بعد أَنْ لم يكن يرجع أحد الضميرين إلى الآخر.

وبهذا يتضح انَّ الاستخدام حقيقته عبارة عن سلخ الضمير عن كونه لمجرد الإشارة والإيصال إلى معنى متقدم وتضمينه إفادة معنى وصورة أخرى وإِنْ كانت هي كالصورة الأولى ولكنها مكررة بأَنْ تكون صورة للطبيعة المهملة أيضاً ومن هنا ينشأ الاستخدام إذا أُريد من الضمير الحصة الخاصة من الطبيعة ولو بدال اخر لأنَّ هذا يستلزم وجود صورة الطبيعة لكي ينضم إليها القيد فإذا كانت صورة الطبيعة المتقدمة بالمرجع مطلقة كان لا بدَّ من تكرارها بالضمير لا محالة لكي يفاد به الطبيعة المقيدة وهو خلف وضع الضمير اللغوي لأنه قد ضمن تأسيس المعنى في الذهن لا الإشارة إلى معنى موجود سلفاً ولو كان المعنى المؤسس به مشابهاً للمعنى المتقدم فضلاً عما إذا لم يكن مشابهاً وانما يشترك معه في كونه مدلول اللفظ.

التنبيه الثاني ـ قد علق المحقق النائيني ( قده ) على ما ذكره صاحب الكفاية في وجه منع الرجوع إلى العام بعد العلم برجوع الضمير إلى بعضه لابتلائه بالإجمال والاحتفاف بما يصلح للقرينة ، بأنَّ هذا غير تام لأنَّ سقوط عموم العام انما يكون بأحد سببين امّا وجود معارض له أو وجود ما يكون قرينة على التخصيص بحسب مقام الإثبات وكلا الأمرين غير موجود في المقام.

امّا الأول فلأنَّ المفروض عدم حجية أصالة عدم الاستخدام وامّا الثاني فلأنَّ الضمير بحسب الفرض يتكفل حكماً اخر غير الحكم المرتب على العام أولا فتخصيصه لا ربط له بتخصيص العام.

وهذا الكلام غير تام ، لأنَّ المنع عن ظهور العام في إرادة العموم أو أي ظهور اخر ـ الّذي هو ظهور تصديقي ـ يكون بأحد ملاكين :

١ ـ ملاك القرينية ـ بمعنى أَنْ ينصب المتكلم في مقام التخاطب وقبل أَنْ يفرغ من كلامه ما يكون موضحاً ومحدداً لمرامه من اللفظ المتقدم ، وهذا الملاك لا يبقي ظهوراً في إرادة المعنى المخالف للقرينة ذاتاً لأنَّ الظهور التصديقي انما هو بملاك أصالة التطابق بين ما هو ظاهر كلام المتكلم إثباتاً وما هو مراده ثبوتاً وهذا لا يكون أكثر من انَّ المتكلم

٣٨٢

بحسب ظاهر حاله لا بدَّ وأَنْ لا يختلف مرامه ثبوتاً مع ما يستفاد من مجموع كلامه إثباتاً لا المطابقة مع كل كلمة كلمة منه ، فإذا نصب قرينة متصلاً فقد انحفظ هذا الظهور ولهذا يكون ظهور القرينة المتصلة وارداً على ظهور ذيها ورافعاً لموضوعه ، وفي حال الإجمال وعدم علم المخاطب بمعنى القرينة أيضاً لا ينعقد الظهور باعتبار انَّ الميزان هو الظهور بحسب نظام العرف واللغة وفي مورد إجمال ما هو الظهور النوعيّ للقرينة في نظر المتكلم لا محالة يجمل ويتردد ما هو الظهور النوعيّ لذيها في نظره أيضاً.

وكأن المحقق النائيني ( قده ) يرى انحصار ملاك ارتفاع الظهور بالقرينة المتصلة يقيناً أو احتمالاً بهذا الملاك وعلى أساسه اعترض على صاحب الكفاية بعدم مقتضٍ لافتراض إجمال العام بعد أَنْ كان الضمير يتكفل حكماً مستقلاً وليس بنفسه قرينة على تخصيص العام بحسب مرحلة الإثبات.

٢ ـ الملاك الثاني ـ وجود مزاحم للظهور متمثل في ظهور سياقي تصديقي اخر ولو لم يكن ذلك الظهور بحجة ، بمعنى ان ذلك الظهور لو لوحظ بمفرده فليس بحجة في إثبات المرام ولا قرينة بحسب النظام العام للمحاورة للتحديد المراد من لفظ متقدم ولكنه على أي حال كاشف ظني عن المراد إثباتاً أو نفياً ، وفي مثل ذلك يقال بأنَّ هذه المزاحمة تمنع من بناء العقلاء على حجية ذلك الظهور المزاحم لكونه مزاحماً بظهور آخر وإِنْ كان ذات الظهور الكاشف بحسب النوع محفوظاً فيه ، وهذا يرجع بحسب الحقيقة إلى دعوى زائدة في دليل حجية الظهور وهي اختصاصها بغير موارد المزاحمة بظهور آخر ومحل الكلام من هذا القبيل كما لا يخفى (١).

فصل : تخصيص العام بالمفهوم

ويظهر من بعض عبائر الأصوليين انَّ هذا البحث انما نشأ لدفع شبهة عدم إمكان تخصيص العام بالمفهوم ووجوب تقديم العام عليه لكونه منطوقاً والمنطوق أقوى من

__________________

(١) ولكن لو فرض عدم الإجمال بلحاظ المدلول التصوري فلا نكتة لافتراض الإجمال بلحاظ المدلولين التصديقيين لجملة العام وجملة الظهور بعد ان كان كل منهما حكماً مستقلاً عن الآخر.

٣٨٣

المفهوم. وقد يظهر من عبائر أخرى انَّ البحث معقود لعلاج شبهة معاكسة هي انَّ العام لا بدَّ وأَنْ يخصص بالمفهوم ـ مفهوم الموافقة بالخصوص ـ إذ لو لم يخصص به لزم إلغاء منطوقه أيضاً بحكم التلازم بينهما وعدم إمكان التفكيك بين المتلازمين وهذا إلغاء للدليل بلا موجب.

وعلى كل حال تندفع الشبهة الأولى بأنَّ الميزان في التقديم ليس بكون الدلالة منطوقية أو مفهومية بل هناك موازين أُخرى لعلاج التعارض غير المستقر بين الأدلة من الورود والحكومة والقرينية والأظهرية والتخصيص ونحوها على ما هو مبحوث في بحوث التعارض.

وتندفع الشبهة الثانية بأنَّ المعارضة تسري لا محالة من العام والمفهوم إلى العام والمنطوق لأنَّ النافي للازم ينفي الملزوم أيضاً فلو فرض وجود ملاك لتقديم العام عن المنطوق فإسقاط المنطوق لا يكون بلا موجب كما ذكر وهذا واضح.

ثم انَّ البحث يقع في مقامين لأنَّ المفهوم امّا أَنْ يكون مفهوم موافقة أو مفهوم مخالفة:

المقام الأول ـ في معارضة مفهوم الموافقة مع العام ، ونريد بمفهوم الموافقة ما يستفاد من الدليل مشاركته مع حكم الموضوع المذكور في الدليل امّا لكون ثبوته فيه أولى من ثبوته في ملزومه أو لكونه مساوياً لاشتراكهما في علّة الحكم ومناطه ويشترط فيه أَنْ تكون الملازمة عرفية فلا يكفي ثبوت الملازمة بعنايات عقلية.

ومفهوم الموافقة بحسب الحقيقة من دلالة المدلول على المدلول لا من دلالة اللفظ ابتداءً كما في مفهوم المخالفة ولهذا تكون هذه الدلالة قطعية دائماً لأنها قائمة على أساس القطع بالملازمة بين حكم المنطوق وحكم المفهوم ولا يعقل فيها الظنية حتى لو فرض كونها قضية مطلقة عامة إذ لو لم يقطع بالملازمة بين تلك القضية ومفاد المنطوق فلا دلالة وإِلاَّ فالدلالة قطعية لا محالة ، نعم منشأ الدلالة المفهومية أعني دلالة المنطوق على الملزوم قد تكون صريحة قطعية وقد تكون ظنية كما لو كان مستفاداً من الإطلاق أو العموم ، وامّا الدلالة المفهومية فهي قطعية دائماً لكونها بملاك الملازمة القطعية نعم يشترط في صيرورة الدلالة على أساس الملازمة أو الأولوية مفهوماً أَنْ تكون الملازمة التي هي

٣٨٤

ملاك انعقاد هذه الدلالة عرفية أيضا مستفادة بحسب مقام الإثبات من نفس الخطاب ولا يكفي مجرد ثبوت ملازمة عقلية وببراهين أو عنايات فائقة لصيرورة الدلالة المذكورة مفهوم موافقة ، وسوف يظهر ترتب فرق عملي بين القسمين :

وعلى ضوء هذا التفسير لمفهوم الموافقة تتضح أمور :

١ ـ انَّ المعارضة تسري دائماً من العام والمفهوم إلى العام والمنطوق لأنَّ المفروض كون المفهوم من لوازم ثبوت مفاد المنطوق ومدلوله فيستحيل اجتماع مدلول العام مع مدلول المنطوق لاستلزامه ثبوت المفهوم لا محالة.

وهذا بخلاف مفهوم المخالفة فانَّ المعارضة بينه وبين العام لا تسري إلى الحكم المنطوقي لعدم كونه من دلالة المدلول على المدلول بل نفس الكلام أو خصوصية فيه يدل على الحكم المفهومي في عرض دلالته على الحكم المنطوقي.

٢ ـ انَّ أخصية المفهوم من العام لا قيمة لها في مقام تقديمه عليه ، لأنَّ الخاصّ الّذي يتقدم على العام انما يتقدم على العام فيما إذا كان مفاداً للكلام أي المفاد الخاصّ بما هو مفاد للكلام يكون قرينة ومقدماً على العام لا مطلق المدلول الخاصّ وقد عرفت انَّ المفهوم ليس مدلولاً ومفاداً للكلام مباشرة بل هو مدلول للمدلول وهذا بخلاف مفهوم المخالفة فانه إذا كان أخص من العام يتقدم عليه بلا كلام لكونه مدلولاً مباشراً للكلام.

وعلى هذا الأساس فلو كان مفهوم الموافقة الأخص لازماً لإطلاق الحكم المنطوقي لا لأصله لم يجز تخصيص العام به ، لأنَّ هذا المدلول لم يثبت بدلالة كلامية أخص وانما ثبت بدلالة كلامية إطلاقية والنتيجة تتبع أخس المقدمتين لا محالة فتكون الدلالة المفهومية ثابتة بالإطلاق أيضا.

٣ ـ انَّ النسبة لا بدَّ وأَنْ تلحظ دائماً في موارد مفهوم الموافقة بين العام والمنطوق لا المفهوم لأنَّ الدلالة المفهومية كما عرفت ليست من دلالة الكلام بل من دلالة مدلول الكلام ومفاده وهي دلالة قطعية ثابتة على أساس الملازمة فلا معنى للتصرف فيها بما هي بل لا بدَّ من ملاحظة دلالة الكلام على ذلك المدلول المنطوقي المستلزم للمدلول المفهومي ، فانْ كان هناك ملاك يقتضي تقديم هذه الدلالة على دلالة العام قدمت

٣٨٥

عليه وإِنْ كان العكس فبالعكس وإِنْ لم يكن ملاك لتقديم أَيّ منهما على الاخر وقع التعارض بينهما لا محالة.

ثم انه في موارد مفهوم الموافقة تارة : لا يكون هناك معارضة مستقلة بين العام وبين المنطوق ، وأخرى يكون ذلك فهنا موردان :

المورد الأول ـ ما ذا كانت معارضة المنطوق مع العام بلحاظ استلزامه للمفهوم فقط ، وهنا تارة : يفرض كون المفهوم لازماً لأصل المنطوق ، وأُخرى : يكون لازماً لإطلاقه.

ففي الفرض الأول يتقدم المنطوق على العام لأنَّ المعارضة بحسب الحقيقية بين عموم العام وبين أصل المنطوق بحيث لو علمنا بالعامّ سقط المنطوق في تمام الموارد لأنَّ ثبوت مفاده ولو في مورد يستلزم المفهوم ، فيكون بحكم الأخص لا محالة سواءً كانت النسبة بين العام والمفهوم لو لوحظ مستقلاً العموم والخصوص المطلق بأَنْ كان المفهوم أخص ، أو من وجه ما لم يلزم من تقديم المفهوم إلغاء العام أو ما بحكمه.

وفي الفرض الثاني ـ لا وجه لتقديم المفهوم على العام ولو كان أخص لكونه متوقفاً على إطلاق المنطوق بحسب الفرض والنتيجة تتبع أخس المقدمات فتكون الدلالة المفهومية في قوة الإطلاق لا محالة فيكون معارضاً مع عموم العام فلو لم يفرض ميزة لأحد الإطلاقين على الاخر كانا متساقطين.

المورد الثاني ـ ما إذا كان المنطوق في نفسه معارضاً أيضاً مع العام وهذا ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

١ ـ أَنْ يكون المنطوق أخص من العام.

٢ ـ أَنْ يكون أعم منه.

٣ ـ أَنْ يكون بينهما عموم من وجه.

امّا القسم الأوّل : فالصحيح فيه تخصيص العام بالمنطوق سواءً كان المفهوم أخص من العام أو بينهما عموم من وجه وسواءً كان المفهوم لازماً لأصل المنطوق أو لإطلاقه فانَّ إطلاق الأخص مقدم أيضاً على الأعم.

ونستثني من هذا القسم ثلاث حالات :

١ ـ أَنْ يكون المفهوم أعم من العام أو مساوياً بحيث يلزم من العمل به إلغاء العام

٣٨٦

وكان لازماً لإطلاق المنطوق فانه في هذه الحالة يسقط إطلاق المنطوق المستلزم لمثل هذا المفهوم باعتبار كون العام بالنسبة إلى هذه المعارضة كالأخص ويثبت التخصيص بمقدار ما عدا المقدار الساقط من إطلاق المنطوق ففي هذه الحالة كل من المنطوق والعام يخصص الاخر بسبب المفهوم.

٢ ـ أَنْ يكون المفهوم أعم أو بحكمه وكان لازماً لأصل المنطوق.

٣ ـ أَنْ يكون المفهوم أخص ولكنه مستوعب لجزء من مورد افتراق العام عن المنطوق بحيث لا يمكن تخصيص العام بالمنطوق والمفهوم معاً.

ففي هاتين الحالتين لا يمكن تخصيص العام بالمنطوق لاستلزامه إلغائه بل يكون التعارض بين العام والمنطوق بنحو التباين.

وقد يفرق بين هاتين الحالتين بأنَّ العام في الحالة الأولى يبقى حجة في مورد اجتماعه مع المنطوق بينما يسقط في تمام مدلوله في الحالة الثانية.

والوجه في ذلك انَّ المنطوق يكون حاكماً على العام في معارضته المباشرة معه لكونه قرينة عليه فتكون حجية العام مقيدة بعدمها وانما المنطوق يعارض حجية العام في مورد افتراقه عنه وبعد تساقط حجية المنطوق وحجية العام في مورد الافتراق يرجع إلى حجية العام في مورد اجتماعه لارتفاع الحاكم عليه نظير ما يقال في موارد الرجوع إلى العمومات الفوقانية.

وهذا بخلاف الحالة الثانية فانَّ المنطوق فيها صالح للقرينة على العام بلحاظ كل من مورد اجتماعه عنه ومورد افتراقه لكون المفهوم لا يلزم منه بحسب الفرض إلغاء العام فتكون الدلالة المنطوقية المستلزمة له مقدمة على العام بالقرينية في نفسه ولكنها قرينية متعارضة مع قرينية المنطوق على العام بلحاظ مورد الاجتماع.

وفيه : ـ انَّ طرف المعارضة الثانية الناشئة بتبع المفهوم ليس هو مورد الافتراض للعام فحسب بل تمام مفاده بحسب الفرض وإِلاَّ لكان المنطوق أيضاً مقدماً عليه في نفسه لأنَّ إطلاق الخاصّ مقدم على العام فدلالة العام في مورد اجتماعه مع الخاصّ يتعارض معه بمعارضتين وهي في إحداهما تكون محكومة وفي أخرى تكون متكافئة فتسقط لا محالة.

٣٨٧

وامّا القسم الثاني ـ وهو ما إذا كان العام أخص من المنطوق فهنا ثلاث صور :

١ ـ أَنْ يكون المفهوم لازماً لإطلاق المنطوق المعارض مع العام. وفي مثله لا إشكال في تخصيص المنطوق بالعامّ فيرتفع إطلاقه المعارض معه.

وبذلك يسقط المفهوم أيضاً سواءً كان أخص من العام أم لا فحال هذه الصورة حال ما إذا لم يكن في البين مفهوم أصلاً.

٢ ـ أَنْ يكون المفهوم لازماً لإطلاق المنطوق المفترق عن العام وفي هذه الحالة سوف يكون العام الأخص من المنطوق معارضاً معه في تمام دلالته المجتمعة معه والمفترقة إحداهما بالمباشرة والأخرى بالملازمة ومعه لا يصلح للتخصيص بل يكون التعارض بنحو التباين والتساقط لا محالة.

٣ ـ أَنْ يكون المفهوم لازماً لأصل المنطوق أي لثبوت مفاده ولو في مورد واحد.

وفي هذه الصورة يحكم بتخصيص العام بالمفهوم أولا ـ ولو لم يكن أخص مطلقاً منه ـ ثم تخصيص المنطوق بما تبقى من مفاد العام ، وذلك باعتبار انَّ المفهوم بحسب الفرض ملازم لأصل مفاد المنطوق فيكون بمثابة تصريح الدليل به فانه قد تقدم في تعريفنا لمفهوم الموافقة انه قائم على أساس أولوية أو ملازمة عرفية للخطاب. فيكون في قوة التصريح به فيتقدم على إطلاق العام ما لم يلزم منه محذور كالتخصيص المستهجن.

وامّا القسم الثالث ـ وهو أَنْ يكون بين المنطوق والعام عموم من وجه فهنا صور :

١ ـ أَنْ يكون المفهوم لازماً لأصل المنطوق أي لثبوته ولو في مورد واحد وهذه الصورة تحتها حالتان :

الأولى ـ أَنْ يكون المفهوم مستوعباً لمورد افتراق العام عن مورد التعارض مع المنطوق بحيث لا يمكن تخصيص العام بمجموع المفهوم والمنطوق معاً.

والحكم في هذه الحالة تخصيص العام بالمفهوم أولا ثم تخصيص المنطوق بالعامّ.

ويمكن أَنْ يذكر في تقريب ذلك وجهان :

الوجه الأول ـ أَنْ إطلاق المنطوق في مورد اجتماعه مع العام وإطلاق العام في مورد افتراقه عن المنطوق يعلم بسقوطهما على كل حال لاستلزامهما إلغاء الدليل الاخر رأساً فيكون الدليل الاخر بحكم الأخص منه من هذه الناحية.

٣٨٨

الوجه الثاني ـ ويتوقف على مقدمة هي دعوى قرينية الأخص من وجه للتخصيص في نفسه وانما لا يخصص به لكونها قرينية متكافئة في العامين من وجه ، ولعلّه لذلك يتقدّم أحد العامين من وجه على الآخر ويخصص فيما إذا كان قدراً متيقناً مثلاً أو غير قابل للتخصيص بمورد الافتراق ، وبناءً عليه يقال : بأنَّ إطلاق المنطوق في مورد اجتماعه مع العام غير صالح للقرينية في المقام لكونه مستلزماً لإلغاء العام بالملازمة بخلاف العكس فيتخصص بالعامّ ، وامّا تخصيص العام بالمفهوم فلأنَّ دليل المنطوق من هذه الناحية يكون بحكم الأخص وإِلاَّ يلزم إلغائه في تمام المفاد.

الثانية ـ أَنْ لا يكون المفهوم مستوعباً لتمام مورد الافتراق من العام بحيث كان تخصيصه بغير موارد شمول المنطوق والمفهوم معاً.

وحكم هذه الحالة تخصيص العام بالمنطوق والمفهوم معاً ، لأنَّ معناه انَّ عموم العام منافٍ مع تمام مدلول المنطوق في المعارضة بسبب استلزام المفهوم وإِنْ لم يكن كذلك في المعارضة بلحاظ المفهوم مباشرة.

٢ ـ أَنْ يكون المفهوم لازماً لإطلاق المنطوق في مورد تعارضه مع العام.

وحكم هذه الصورة حكم ما إذا لم يكن مفهوم أصلاً حيث يتعارض الدليلان في مورد الاجتماع ويتساقطان ويرتفع المفهوم موضوعاً بالتبع.

٣ ـ أَنْ يكون لازماً لإطلاق المنطوق في مورد افتراقه عن العام وهنا أيضا حالات :

الأولى ـ أَنْ يكون المفهوم مستوعباً لتمام مورد افتراقه للعام من المنطوق فيكون التعارض بينهما بنحو التباين إِلاَّ إذا كان المفهوم لازماً لإطلاق المنطوق في مورد معين بحيث يمكن تخصيص المنطوق بغيره فيخصص المنطوق بتمام مدلول العام لأنَّ دليل المنطوق يكون ملغياً للعام بخلاف العكس.

الثانية ـ أَنْ يكون المفهوم غير مستوعب لتمام مورد افتراق العام ، بحيث كان يمكن تخصيصه به وحكم هذه الحالة تخصيص العام بالمنطوق والمفهوم معاً إِلاَّ إذا كان يمكن تخصيص المنطوق بمورد لا يستلزم منه المفهوم فيكون التعارض بينهما بنحو العموم من وجه باقياً على حاله.

٣٨٩

وهكذا اتضح عدم صحة ما ذكرته مدرسة المحقق النائيني ( قده ) من انه في موارد مفهوم الموافقة لا بدَّ من ملاحظة النسبة بين المنطوق والعام ولا أثر للمفهوم ، فانَّ هذا انما يصح في خصوص ما إذا كان المفهوم لازماً لإطلاق المنطوق في مورد معارضته مع العام لا مطلقاً كما عرفت.

المقام الثاني ـ في تخصيص العام بمفهوم المخالفة ، والبحث عن ذلك تارة : فيما إذا كان العام معارضاً مع إطلاق المفهوم ، وأخرى : فيما إذا كان معارضاً مع أصله.

امّا إذا كان معارضاً مع إطلاق المفهوم ، فتارة : يفرض كون دلالة العام بالإطلاق ومقدمات الحكمة أيضاً ، وأخرى : يفرض كونهما بالوضع والأداة.

ففي الأول لا إشكال في تساقط الإطلاقين ذاتاً كما إذا كانا متصلين ، أو حجية كما إذا كانا منفصلين ما لم تفرض نكتة إضافية تقتضي تقديم أحدهما على الاخر لكونه أظهر أو أقوى مثلاً.

ودعوى : تقديم المنطوق على المفهوم ، كلام ظاهري فانَّ خصوصية المفهومية والمنطوقية ليست ميزاناً في التقديم فانَّ المفهوم أيضاً ناشئ من خصوصية مأخوذة في الكلام ، كما انَّ دعوى : عدم معقولية أظهرية أحد الإطلاقين المتعارضين لكون الإطلاق دلالة سكوتية وليست لفظية لكي يفترض لها مراتب مختلفة في الشدة والضعف ، مدفوعة : بأنَّ الأقوائية تنشأ من ظهور حال المتكلم في كونه في مقام بيان مرامه بشخص كلامه وهذا الظهور له درجات لا محالة سواءً في العام أو المطلق.

وفي الثاني لو فرض اتصال العام بالمفهوم فلا إشكال في تقدمه عليه لكون ظهوره تنجيزياً وظهور إطلاق المفهوم تعليقياً أي متوقف على عدم بيان القيد والعام بيان بحسب الفرض فيكون وارداً لا محالة على الإطلاق ورافعاً لموضوعه.

وامّا لو فرض انفصاله فتخريج تقديم عموم العام على إطلاق المفهوم يكون بأحد وجوه ثلاثة :

١ ـ أَنْ يقال بمقالة مدرسة المحقق النائيني ( قده ) من توقف الإطلاق على عدم بيان القيد ولو منفصلاً والعام بحسب الفرض بيان فيكون وارداً عليه.

إِلاَّ انَّ هذا المسلك مرفوض عندنا على ما سوف يأتي في محله.

٣٩٠

٢ ـ أَنْ نطبق القاعدة الميرزائية في باب القرينية وكيفية تشخيص ما هو القرينة عن ذي القرينة القائلة بأن كل ما يفرض على تقدير اتصاله رافعاً للظهور فهو على تقدير انفصاله رافع للحجية.

وهذه القاعدة رغم كونها من أبدع ما أنتجه الفكر الأصولي في مباحث الألفاظ إِلاَّ انها انما تصح في موارد لا يكون لنفس خصوصية الاتصال والانفصال دخل في تكوّن أحد الظهورين كما هو الحال في الظهورات الوضعيّة التنجيزية ليكون تقدم أحدهما على الآخر في فرض الاتصال قائماً على أساس القرينة.

وامّا إذا كان ارتفاع تقديم أحد الظهورين على الاخر في فرض الاتصال بملاك ارتفاع أحدهما موضوعاً في تلك الحال كما هو في محل الكلام فلا معنى لتسرية حكم ذلك إلى فرض انفصالهما وهذا واضح.

٣ ـ أَنْ يقدم عموم العام على إطلاق المفهوم لكونه أظهر منه وأقوى تطبيقاً لكبرى تقديم أظهر الظهورين وأقواهما في مقام الجمع العرفي.

امّا كبرى هذا الجمع العرفي فتحقيقها موكول إلى محله. واما الصغرى فلأنَّ عموم العام بعد أَنْ كان بالوضع يكون أقوى لا محالة من إطلاق المفهوم الّذي هو بمقدمات الحكمة ، وذلك لما أشرنا إليه مراراً من انَّ منشأ هذه الظهورات التصديقية ظاهر حال المتكلم في مقام المحاورة وواضح انَّ ظهور حال المتكلم في إرادة ما قاله الّذي هو منشأ الظهورات التصديقية في موارد الدلالات الوضعيّة أقوى من ظهور حاله في عدم إرادة ما لم يقله الّذي هو منشأ الظهورات التصديقية الحكمية ـ الإطلاقية ـ لأنَّ غرابة تخلف المراد في الأول أكثر منها في الثاني كما هو واضح.

فالصحيح تقديم عموم العام على إطلاق المفهوم ما لم تفرض نكتة زائدة تقتضي العكس أو التعارض والتساقط وذاك أمر من شغل الفقيه تشخيصه لا الأصولي لأنه يتبع الموارد الخاصة.

وامّا إذا كان العام معارضاً مع أصل مفهوم المخالفة بحيث يلزم من العمل به إلغاء المفهوم رأساً ، فلا إشكال في تقديم المفهوم على العام وتخصيصه به سواءً كان عمومه بالوضع أو بالإطلاق كما إذا قال ( أكرم العلماء ) وقال ( أكرم العالم إذا كان عادلاً ).

٣٩١

وتخريج هذا التقديم فنيّاً مع كون استفادة المفهوم بنحو السالبة الكلية أيضاً بالإطلاق ومقدمات الحكمة يمكن أَنْ يكون بأحد وجوه :

١ ـ انَّ تقديم العام على المفهوم يلزم منه إلغاء ظهور القيد أو الشرط في أصل القيدية أو التوقف وهذه دلالة وضعية في الجملة المشتملة على أداة المفهوم فتكون مقدمة على العام وصالحة لتخصيصه لا محالة.

وهذا الوجه لا يبرر تقديم المفهوم على العام وتخصيصه به ، بل غاية ما يقتضيه عدم ثبوت الجعل بنحو العموم بل هناك مخصص له إجمالاً لكي لا يلزم لغوية القيد لا اختصاص الحكم بمورد القيد أو الشرط ولهذا لو فرض وجود قدر متيقن للانتفاء لم يلزم من حجية العام في الباقي مخالفة الظهور الوضعي المذكور ، بل الظهور الوضعي المذكور لا يقتضي التقييد حتى بهذا المقدار وانما يقتضي الالتزام بتعدد الحكم إِنْ لم يفرض برهان أو إجماع أو استظهار يقتضي وحدة الحكم وإلا ثبت التقييد ولو لم يكن للجملة مفهوم.

٢ ـ انَّ المفهوم وإِنْ كان ثابتاً بالإطلاق ومقدمات الحكمة إِلاَّ انه إطلاق في طرف الحكم لا الموضوع لأنه إطلاق في العلّية أو التوقف المقتضي لكون الترتب مطلقاً أي منحصراً مثلاً أو كون التوقف في تمام الحالات وامّا موضوع القضية بالمعنى الأصولي للموضوع أي ما أُخذ مفروض الوجود فهو خاص لأنَّ الشرط قيد للموضوع بحسب اللّب ، وهذا بخلاف العموم في العام فانه ثابت في طرف موضوع الحكم ، ويدعى :

انه كلما وقع تعارض بين إطلاق في طرف الحكم مع إطلاق في طرف الموضوع قدم الأول على الثاني وخصص الأعم موضوعاً بالأخص موضوعاً.

وهذا الوجه غير تام أيضاً ، لأنَّ مجرد كون مركز الإطلاق الحكم أو الموضوع لا يكون ملاكاً للتقديم عرفاً.

٣ ـ انَّ الإطلاق في طرف المفهوم يقتضي التضييق والتعيين بخلاف الإطلاق في العام فانه يقتضي التوسعة وكلما كان أحد الإطلاقين المتعارضين كذلك قدم الأول على الثاني نظير ما إذا كان مقتضى الإطلاق في ( أكرم العالم ) الانصراف إلى زيد لكونه أشهر الافراد مثلاً فانه مقدم على إطلاق ( لا تكرم بني فلان ) الّذي أحدهم

٣٩٢

زيد لكون الأول يقتضي التعيين والتضييق والثاني يقتضي التوسعة.

ونكتته بحسب الحقيقة هو الأخصية فان الميزان في الأخصية ان تكون النتيجة النهائيّة المتحصلة من مجموع الكلام أخص من النتيجة النهائيّة المتحصلة من الاخر لا الأخصية بلحاظ كل ظهور تحليلي في الكلام الواحد ولهذا يقدم الخاصّ الدال على الوجوب بإطلاق الأمر ـ بناءً على ان دلالة الأمر على الوجوب بالإطلاق لا الوضع ـ على العام النافي للوجوب بالوضع.

وهذا الوجه انما يتم فيما إذا كان الإطلاق المثبت للمفهوم بالتقريب الّذي ذكره في الكفاية من ان إطلاق الترتب والعلية ينصرف إلى العلية الانحصارية لا بالتقريبات الأخرى ، كتقريب ان مقتضى الإطلاق بلحاظ تقدم علة أخرى وعدمه أو إطلاق التعليق والتوقف في تمام الحالات ثبوت المفهوم فان مثل هذه التقريبات للإطلاق لا تنتج التعيين والضيق بل التوسعة كالعام.

٤ ـ ان يقال بان المفهوم وان كان بالإطلاق ومقدمات الحكمة إِلاّ ان هذا الإطلاق يكون حاكماً على العام لكونه ناظراً إليه لأن الحكمين في ( أكرم كل عالم ، وأكرم العالم إذا كان عادلاً ) اما ان يفترض العلم بوحدة الجعل فيهما أو يفرض احتمال التعدد ، فعلى الأول يكون الشرط بحسب الفرض تقييداً للحكم المجعول في الخطاب الثاني باعتباره ناظراً إليه ومقيداً له والمفروض ان هذا الجعل هو نفس الجعل المنكشف بالعامّ فيكون تقييده تقييداً لهما لا محالة.

وعلى الثاني يتمسك بإطلاق الحكم المعلق على الشرط لإثبات ان الشرط شرط لطبيعي وجوب إكرام العالم. وهذا وإِنْ كان إطلاقاً إِلاَّ انه إطلاق في الحاكم والناظر إلى الحكم فيكون مقدماً على إطلاق العام المقتضي لثبوت وجوب إكرام غير مقيد بذلك الشرط فكأنه قال وجوب إكرام العالم معلق على العدالة فكما يتقدم إطلاق هذه الجملة على عموم العام كذلك المفهوم (١).

__________________

(١) رجوع الجملة الشرطية إلى هذا المفاد خلاف الظاهر جداً لأنه يستلزم أخذ وجوب الإكرام في الشرطية بنحو النسبة الناقصة المفروغ عنها مع انه لا إشكال في انَّ الجملة الشرطية بنفسها في مقام جعل الحكم بحيث يكون مدلولها التصديقي جعل الحكم المشروط لا الاخبار عن تعليق حكم مجعول بجعل آخر ومما يشهد على هذا انه لو كانت الشرطية ناظرة إلى ذلك لزم تقديم إطلاق

٣٩٣

فصل : تعقب الاستثناء لجمل متعددة

إذا تعقب الاستثناء جملاً متعددة فهل يرجع إلى الأخيرة بالخصوص أو إلى الجميع مع فرض عدم قرينة خاصة على تعيين أحد الاحتمالين؟

المعروف بين المحققين هو التفصيل بين ما إذا تعددت الجمل موضوعاً ومحمولاً كما إذا قال ( أكرم العلماء وأكرم الشيوخ وأكرم الهاشميين إِلاَّ الفساق ) ، وبين ما إذا لم يكن كذلك بأَنْ تعدد المحمول فقط كما إذا قال ( أكرم العلماء وقلدهم إِلاَّ الفساق ) أو تعدد الموضوع فقط كما إذا قال ( أكرم العلماء والشيوخ والهاشميين إِلاَّ الفساق ) ففي المثال الأول يرجع إلى الأخيرة فقط إِنْ لم تفرض عناية تقتضي العكس. وحكموا في الأخيرين بالرجوع إلى الجميع ولو باعتبار الإجمال واحتمال قرينية المتصل.

وهذه النتائج بالإمكان تخريجها فنياً بالنحو التالي :

امّا في الموضع الأول : فلأنَّ رجوع الاستثناء إلى الجميع امّا أَنْ يكون على أساس رجوعه إلى كل واحدة من تلك الجمل مستقلاً وهذا يستلزم محذور استعمال أداة الاستثناء الموضوعية للنسبة الاستثنائية الإخراجية في أكثر من معنى فانَّ كل نسبة استثنائية بلحاظ كل واحد من تلك الجمل يشكل معنى مستقلاً لا محالة (١) ، واما أَنْ يكون على أساس استعماله في جامع الاستثناء وهذا أيضاً غير معقول على ضوء ما تقدم من جزئية معاني الحروف وأدواتها والتي منها أداة الاستثناء ، لا بمعنى الجزئية الخارجية أو الذهنية بل بمعنى الجزئية الطرفية وهي النسبة المتقومة والمتشخصة

__________________

على المفهوم العام حتى لو لم يلزم من العمل بالعامّ إلغاء المفهوم كما إذا كانا عامين من وجه ، كما إذا ورد « أكرم كل فقير » و « أكرم زيداً إذا جاءكَ » فانه على القول بالمفهوم للشرطية يتعامل معهما معاملة المتعارضين بنحو العموم من وجه ولا يقدم إطلاق المفهوم على عموم العام.

(١) كون هذا من الاستعمال في أكثر من معنى محل تأمل بشهادة الوجدان على إمكان رجوع الاستثناء إلى الجميع بلا العناية الموجودة في موارد استعمال لفظ واحد في معنيين بل هو يشبه قولنا ( عند الزوال تصدق على الفقير واقرأ القرآن وصلِّ الظهر ) الّذي يرجع فيه الوقت إلى الجميع من دون أن نشعر بعناية التوحيد الاعتباري والاستعمال في أكثر من معنى. ولعلَّ وجهه انَّ النسبة إذا كانت ذهنية واقعية فلا محذور في ان يقع مفهوم واحد طرفاً لنسبتين مع مفهومين آخرين في عرض واحد كما في الاخبار عن موضوع واحد بمحمولين أو اسناد فعلين إلى فاعل واحد والنسبة الاستثنائية وما شاكلها نسبة واقعية بمعنى انَّ الإخراج والاقتطاع من شئون النسبة الحكمية الواقعية.

٣٩٤

بأطرافها ولا جامع ذاتي لها ، وامّا أَنْ يكون على أساس استعماله في نسبة إخراجية واحدة عن مجموع ما تقدم من الموضوعات في الجمل المتعددة بعد توحيدها اعتباراً ، وهذا وإِنْ كان معقولاً ولا محذور فيه ثبوتاً إِلاَّ انه خلاف الظاهر إثباتاً حيث يكون بحاجة إلى عناية التوحيد الاعتباري بين موضوعات تلك الجمل ومقتضى الإطلاق عدمها.

وهكذا لا يبقى وجه معقول ثبوتاً وغير منفي إثباتاً لرجوع الاستثناء إلى الجميع إِلاَّ انَّ هذا انما يتم في الاستثناء بالأداة أي الاستثناء الحرفي لا الاسمي أو الاستثناء بالفعل كما لو قال ( واستثني الفساق منهم ) فانَّ ذلك يعقل فيه الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة بأَنْ يكون مستعملاً في جامع الاستثناء الاسمي ويكون مقتضى الإطلاق مثلاً ثبوته في الجميع ، فلا محذور ثبوتي فيه غير انه يبقى دعوى إثباتية وهي استظهار رجوعه للأخيرة بالخصوص ولو بقرينية التأخير أو بنكتة أخرى. وهذه القرينية لو تمت كانت مدركاً إثباتياً في الاستثناء الحرفي أيضاً على حد سواء.

وامّا الموضع الثاني : ـ فلأنَّ رجوع الاستثناء فيه إلى الأخيرة بالخصوص يستلزم أَنْ يكون الضمير قد استعمل في تكرار الموضوع وإعطاء صورة مستقلة جديدة له وقد تقدم انَّ هذا خلاف وضع الضمير فانه لمجرد الإشارة إلى الصورة الذهنية الأولى المعطاة بالمرجع فلا محالة يرجع الاستثناء إليه وبذلك يتخصص الجميع.

وامّا الموضع الثالث : ـ فتخريج رجوع الاستثناء فيه إلى الجميع يظهر بملاحظة ما قلناه في الموضع الأول فانَّ تعدد الموضوعات مع كون المحمول واحداً لا يكون في نفسه إِلاَّ في طول توحيد اعتباري فيما بينها ليكون ذلك الأمر الواحد هو طرف النسبة في الجملة ومعه يكون رجوع الاستثناء إليه أيضاً وإِلاَّ لزم إلغاء تلك الوحدة الملحوظة وهو بحاجة إلى قرينة وعناية (١) ..

لا يقال : انَّ ( واو ) العطف في قوة التكرار ومعه لا مانع من رجوع الاستثناء إلى الجميع حتى في الصورة الأولى.

__________________

(١) الظاهر انَّ المأخذ إثباتي لا ثبوتي لأن الاستثناء إخراج عن الحكم والنسبة فإذا قال أكرم العلماء والشيوخ إلا الفساق كان الظاهر رجوع الاستثناء إلى نسبة الحكم وهو الإكرام إلى موضوعه والمفروض انه استعمل مرة واحدة ونسب إلى كل من العلماء والشيوخ بنسبة واحدة إليها معاً وهذا بخلاف الموضع الأول.

٣٩٥

فانه يقال : كونه دالاً على التكرار انما يعقل بعد فرض ثبوت الحكم على المعطوف عليه قبل مجيء حرف العطف ليدل العطف على إلغاء الحاجة إلى تكرار الدال على الحكم وهذا لا يعقل في الصورة الأولى التي قد اكتملت الجمل المتعددة موضوعاً ومحمولاً.

نعم يعقل ذلك في الصورة الثالثة وحينئذٍ قد يعكس الاستدلال فيقال بأنه لا يبقى فرق بين الصورتين الأولى والثالثة لأنَّ العطف في قوة تكرار حكم المعطوف عليه فكأنه قال أكرم العلماء وأكرم الشيوخ وأكرم الهاشميين إِلاَّ الفساق وكما لا يرجع الاستثناء إلى الجميع في الصورة الأولى كذلك لا نكتة للرجوع إليها في الثالثة.

ولكن الصحيح مع ذلك الرجوع إلى الجميع بنكتة انَّ العطف وإِنْ كان في قوة التكرار إِلاَّ انه لا يعطي المعنى المكرر صريحاً بل تقديراً فيكون رجوع الاستثناء إلى الأخير أيضاً تقديرياً فلو أُريد إرجاعه إليه بالخصوص كان خلاف التقديرية المذكورة.

هذا كلّه لو سُلم انَّ قولهم العطف في قوة التكرار أُريد به ظاهرة حقيقة لا انه مجرد تخريج نحوي في مقام الإعراب.

ثم انَّ للمحقق العراقي ( قده ) في المقام كلمات ثلاث نذكرها فيما يلي مع التعليق عليها.

الكلام الأول ـ انه حكم بصحة رجوع الاستثناء في نفسه إلى جميع الجمل من دون فرق بين الاستثناء الحرفي أو الاسمي ، وامّا الإشكال بأنَّ المعنى الحرفي جزئي فلا يمكن إرجاع حرف الاستثناء إلى الجميع فهو فاسد مبنى لأنَّ الصحيح كلية المعاني الحرفية عنده ، وبناءً لأنَّ الاستثناء من الجميع غير منافٍ لجزئية المعنى الحرفي لأنَّ الاستثناء من الجميع فرد من افراد الاستثناء كالاستثناء من الأخيرة فقط.

وفيه : انَّ الاستثناء من الجميع إِنْ أُريد به الاستثناء منها بعد إسباغ طابع الوحدة عليها اعتباراً فهذا وإِنْ كان فرداً جزئياً من الاستثناء كالاستثناء من الأخيرة ولكنه قد عرفت انَّه خلاف مقام الإثبات ، وإِنْ أُريد منه الاستثناء منها بلا توحيد اعتباري فلا يكون جزئياً لما عرفت من انَّ المراد بالجزئية الجزئية الطرفية فمع تعدد الطرف يتعدد المعنى لا محالة.

٣٩٦

وامّا إنكار المبنى فمع عدم صحته على ما حققناه في محله غير مجد في المقام ، لأنه ( قده ) يعترف بأنَّ المعاني الحرفية وإِنْ كان لها جامع حقيقي كالمعاني الاسمية إِلاَّ انها لا ترد في الذهن إِلاَّ جزئية وضمن أطرافها فالمعنى الموضوع له وإِنْ كان كلياً في نفسه إِلاَّ انه لا يأتي إلى الذهن إِلاَّ بعد تشخيص أطرافها بدوال أخرى وبهذا يكون إفادة المعنى الخاصّ من باب تعدد الدال والمدلول لا بدال واحد كما هو على مسلك جزئية المعنى الحرفي ذاتاً ، وهذا المقدار من الاعتراف بالجزئية كافٍ في عدم صلاحية إرجاع أداة الاستثناء الحرفي إلى الجميع بما هي أمور متعددة ، لأنه في مقام الاستعمال لا بدَّ للمستعمِل أَنْ يتصور المعنى الحرفي ضمن خصوصية الطرفين ومع تعدد الطرف لا يمكن ذلك إِلاَّ بأَنْ يتصور حصصاً متعددة من ذلك المعنى فيكون من استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد. نعم من يقول بكلية المعاني الحرفية ذهناً وخارجاً يمكن له في المقام دعوى رجوع الاستثناء إلى الجميع بما هي أمور متعددة.

الكلام الثاني ـ للمحقق العراقي ( قده ) انَّ مقتضى الإطلاق في عقد المستثنى وهو الفساق مثلاً الرجوع إلى الجميع وهذا الإطلاق معارض مع إطلاق ما عدا الجملة الأخيرة بنحو العموم من وجه بعد فرض الرجوع إلى الأخيرة على كل حال ، فانَّ فرض الإطلاق في ما عدا الجملة الأخيرة بالعموم والوضع قدم على إطلاق الاستثناء وإِلاّ وقع بينهما التعارض والتساقط.

وهذا الكلام منه ( قده ) غريب فانّه يرد عليه :

أولاً ـ انَّ إطلاق المستثنى لشمول ما عدا الجملة الأخيرة فرع أَنْ يكون راجعاً إليه أيضا ، فانْ أُريد إجراء الإطلاق فيه مع قطع النّظر عن إضافته إلى المستثنى منه فهذا غير معقول لأنَّه من دون إضافته إليه لا يتحصل منه مفهوم محدد ، وإنْ أُريد إجراء الإطلاق بعد تحصيل مفهوم معين له بوقوعه صفة للمستثنى منه ومضافاً إليه فالشك انَّما هو في نفس ذلك المفهوم وانه الجملة الأخيرة فقط أو المجموع والإطلاق لا يثبت ذلك. والحاصل :

انَّ إطلاق المستثنى لما يشمله الجملة الأولى فرع رجوع الاستثناء إليها أيضاً فمع الشك في ذلك لا موضوع لإطلاق المستثنى.

وثانياً ـ انه لو قطعنا النّظر عن ذلك وافترضنا معقولية إجراء الإطلاق في عقد

٣٩٧

المستثنى في نفسه فهو حاكم على العموم أو الإطلاق في عقد المستثنى منه لأن إطلاق المخصص ناظر إلى المخصَّص فلو فرض شمول المستثنى لشيء من افراد موضوع الجملة الأولى كان حاكماً على دلالة عقد المستثنى منه.

الكلام الثالث ـ للمحقق العراقي ( قده ) ما أفاده فيما إذا فرض كون الإطلاقين معاً حكمياً لا وضعياً من إجمال الإطلاق في الجمل المتعددة لعدم قرينية كل منهما على الآخر فانَّ قرينية كلّ منهما فرع تمامية ظهوره بتمامية مقدمات الحكمة بالنسبة إليه ولا تتم في خصوص المقام وإِلاّ لزم الدور.

وهذا الكلام أيضاً غير صحيح وقد وقع نظيره في جملة من الموارد فانَّ محذور الدور لا يندفع بالمنع عن وجود الشيء الدائر خارجاً أعني بالمنع عن تحقق الموقوف والموقوف عليه خارجاً وانما لا بدَّ من إبطال أحد التوقفين في نفسهما ، فانَّ المستحيل هو علّيّة الشيء لنفسه في عالم العلّية والملازمات أعني في لوح الواقع الّذي هو أوسع من لوح الوجود الخارجي فليست استحالة الدور من شئون عالم الوجود الخارجي لكي يكفي في دفع غائلة الدور في المقام أَنْ يمنع عن انعقاد الإطلاقين خارجاً في مورد تصادمهما بل لا بدَّ من إبطال أحد التوقفين.

والصحيح ـ في المقام أَنْ يقال بأنَّ فعلية الدلالة الإطلاقية في كل من المتعارضين ليس موقوفاً على عدم فعلية الاخر بل على عدم الإطلاق الشأني في الاخر وهو غير موقوف على فعلية الإطلاق ، ومرادنا من الإطلاق الشأني الإطلاق اللولائي أي لو لا المعارض معه ، ومن الواضح انه مع عدم كل منهما بالخصوص كان الاخر فعلياً في المقام لتمامية مقتضية وانما المحذور انَّ فعلية كلا المقتضيين ـ بالفتح ـ يستوجب التناقض مثلاً ، وهذا نظير ما يقال في كل ضدين من انه موقوف على عدم مقتضى الاخر.

هذا كله من ناحية قابلية نفس الاستثناء للرجوع إلى الجميع وامّا من ناحية قابلية المستثنى للرجوع إلى الجميع وعدمه فنقول انَّ ذلك على أنحاء :

١ ـ أَنْ يكون قابلاً للرجوع إلى الجميع كما لو قال ( أكرم العلماء والتجار إِلاَّ الفسّاق ) فانه من ناحية المستثنى يجوز الرجوع إلى الجميع وانما لا بدَّ من ملاحظة حال الاستثناء نفسه على ضوء الأبحاث المتقدمة.

٣٩٨

٢ ـ أَنْ لا يكون قابلاً للرجوع إلى الجميع كما لو استثني في المثال الجهال بمعنى من ليس بعالم ، وهنا لا إشكال في الاختصاص بالأخيرة حتى في الموارد التي استظهرنا فيها الرجوع إلى الجميع لأنَّ ذلك فرع إمكان الإرجاع إليه.

٣ ـ أَنْ يكون مشتركاً لفظاً بين معنيين على تقدير أحدهما يختص بالأخيرة وعلى تقدير الآخر يمكن إرجاعه إلى الجميع ، كما إذا فرضنا انَّ عنوان الجهال مشترك لفظي بين المعنى المقابل للعالم والمعنى المقابل للرشيد العاقل والمفروض عدم القرينة على تعيين إرادة أحد المعنيين. وفي مثله إِنْ فرض المورد من الموارد التي استظهرنا فيها رجوعه إلى الأخيرة فقط كما في الموضع الأول من المواضع الثلاثة فلا يظهر أثر عملي بلحاظ غير الجملة الأخيرة حيث يبقى على إطلاقها سواءً أُريد المعنى الأول أو الثاني ، وإِنْ فرض انه من الموارد التي استظهر فيها الرجوع إلى الجميع كالموضوع الثالث فسوف يبتلي ما عدا الأخيرة بالإجمال ويكون بالنتيجة كما لو رجع إليه الاستثناء.

لا يقال : ـ ظهور السياق في الرجوع إلى الجميع بنفسه يعين إرادة المعنى الصالح للرجوع إلى الجميع وإِلاَّ كان مخالفاً لمقتضى الظهور المذكور.

فانه يقال : ـ الظهور المذكور فرع عدم كون المستثنى في نفسه مما لا يمكن إرجاعه إلى الجميع وإِلاَّ كان بنفسه قرينة رافعة للظهور المذكور فمع احتمال ذلك يكون المورد من موارد احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية.

٤ ـ نفس الصورة السابقة مع فرض أحد المعنيين مجازاً والاخر حقيقة فانْ فرض المعنى الحقيقي يصلح للرجوع إلى الجميع والمعنى المجازي يختص بالأخيرة فلا فرق في النتائج التي فرغنا عنها في الصورة الأولى من التفصيل بين الموضع الأول والموضعين الثاني والثالث.

وإِنْ فرض العكس وأنْ المعنى الحقيقي لا يصلح للرجوع إلى الجميع فبإجراء أصالة الحقيقة يحرز الرجوع إلى الأخيرة فقط حتى في المورد الّذي حكمنا فيه بالرجوع إلى الجميع ، لأنَّ عدم صلاحية رجوع المستثنى بما له من المعنى الحقيقي بنفسه قرينة على الاختصاص.

٣٩٩

فصل : تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد

هذا الفصل انما يعقد بعد الفراغ عن كبرى قرينية الخاصّ وتقدمه على العام بلحاظ كبرى حجية الظهور ، كما إذا كانا معاً قطعيين سنداً ، وانما جهة البحث والإشكال ما إذا كان الخاصّ ظنياً من حيث السند والعام قطعياً. ومنشأ الإشكال يكون من ناحيتين :

الأولى ـ دعوى قصور المقتضي لحجية السند في مورد معارضة الخاصّ الظني مع الكتاب الكريم بل مع أي دليل قطعي السند ، امّا بتقريب : انَّ دليل حجية السند دليل لبّي متمثل في الإجماع أو سيرة المتشرعة والقدر المتيقن منه غير مورد التعارض مع الدليل القطعي. وامَّا بتقريب انَّ اخبار الطرح الآمرة بطرح ما خالف الكتاب تقيّد كبرى حجية الخبر بما إذا لم يكن مخالفاً مع الدليل القطعي ولو كانت المعارضة بينهما من التعارض غير المستقر. وتفصيل البحث عن هذه الناحية من الإشكال موكول إلى محله في باب تعارض الأدلة وباب حجية خبر الثقة ، حيث تعرضنا في هذين الموردين إلى البحث من هذه الناحية لمناسبته معها حيث انَّ هذا ينتج التفصيل في حجية خبر الثقة وتخصيصه بما إذا لم يكن معارضاً مع الدليل القطعي فناسب التعرض له في بحث حجية الخبر وعند التعرض لاخبار العلاج في بحوث تعارض الأدلة.

الثانية ـ بعد الفراغ عن تمامية مقتضي الحجية في المقام يدعى بأنَّ مركز التعارض لا ينحصر بلحاظ كبرى حجية الظهور ليقال بتقدم الخاصّ لكونه قرينة بل يسري التعارض إلى كبرى حجية السند أيضاً بمعنى ان كبرى حجية الظهور الشامل للعموم يكون معارضاً مع كبرى حجية السند الشامل لسند الخاصّ ولا قرينية لدليل إحدى الكبريين على الاخر ، فان القرينية بين مفاد الخاصّ ومفاد العام لا بين مفاد دليل حجية الظهور ودليل حجية السند.

وهذا البحث أيضاً مذكور مفصلاً في بحوث تعارض الأدلة لدى التعرض إلى حالات ظنية سند القرينة وهو أنسب بذلك الباب منه بالمقام.

٤٠٠