بحوث في علم الأصول - ج ٣

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٥

وثانياً ـ انَّ اشتراط أَنْ يكون الموجب للانحلال الحكمي معاصراً زماناً مع العلم الإجمالي لو سلمناه كبروياً ـ وتحقيقه موكول إلى محله ـ لا يمكن تطبيقه في المقام وتوضيح ذلك :

انَّ ملاك هذا التفصيل سواءً كان عبارة عن انَّ العلم الإجمالي حدوثاً بعد أَنْ أوجب تساقط الأصول في الأطراف لا يمكن التمسك بدليل الأصل في بعضها لأنَّ الأصل بعد موته لا يعود حياً لبرهان يأتي في محله. ـ وهذا هو المناسب مع مباني الاقتضاء في تنجيز العلم الإجمالي ـ أو كان عبارة عن انَّ العلم الإجمالي انما يكون علّة للتنجيز فيهما إذا أمكن أَنْ يكون طريقاً إلى الواقع المعلوم بالإجمال بحيث ينجزه في أيٍّ كان وهذا فرع أَنْ يكون تمام أطرافه قابلاً للتنجيز به فإذا كان منذ البداية في بعض الأطراف ما يمنع عن التنجيز ولو لوجود منجز تفصيلي آخر فلا يعود العلم الإجمالي صالحاً لتنجيز الطرف الاخر وهذا انما يكون في حال معاصرة الموجب للانحلال الحكمي مع العلم الإجمالي وامّا إذا كان متأخراً زماناً فالعلم الإجمالي صالح لتنجيز الطرفين غاية الأمر ينجز أحدهما لفترة قصيرة مثلاً وهي فترة عدم وجود المنجز التفصيليّ.

أقول : كلا هذين البيانين لو تم فهو مخصوص بغير المقام أعني بموارد الأصول العملية دون اللفظية ، إذ الأصول اللفظية يمكننا أَنْ ندعي فيها انَّ مقتضي الحجية فيها من أول الأمر مشروط بعدم العلم بالمخصص لها تفصيلاً أو إجمالاً فالعام الّذي يكون مخصصه واصلاً واقعاً ولو بعلم إجمالي ليس موضوعاً للحجية أساساً ، وهذا يعني انَّه بحصول العلم الإجمالي بالمخصص يكون حال المعمومات من باب اشتباه الحجة باللاحجة لا من باب التنافي في الحجيات بعد ثبوت مقتضياتها في كلّ طرف في نفسه ـ كما في الأصول العلمية حيث انَّ أدلتها مطلقة تشمل أطراف العلم الإجمالي في نفسها فليس هناك سقوط عن الحجية لكي يقال بعدم الرجوع إلى الحياة بعد ذلك أو غير ذلك من التقريبات بل اشتباه بين ما هو حجة وما ليس بحجة فإذا علم تفصيلاً بالمخصصات بمقدار المعلوم بالإجمال فسوف يعلم بعدم حجية هذه العمومات المخصصة بها تفصيلاً من أول الأمر وحجية غيرها فلا مانع عقلائياً من الرجوع إلى أصالة العموم في العمومات الباقية وإِنْ كان العلم الإجمالي غير منحل حقيقة ، فانَّ هذا نظير الرجوع إليها فيما إذا كان العلم الإجمالي مقارناً زماناً مع

٣٦١

العلم التفصيليّ الموجب للانحلال الحكمي الّذي لا إشكال فيه حتى عند المحقق المذكور في ثبوت الانحلال حكماً وجواز الرجوع إلى العمومات.

والحاصل ليس ما نحن فيه من قبيل تعارض أصلين بل من قبيل ما لو قال المولى :

( أكرم كلَّ عالم ) وعلمنا إجمالاً بأنَّ أحد الرجلين مثلاً جاهل فلم نتمكن من التمسك بكلام المولى للعلم بانتفاء موضوعه في أحدهما ثم علمنا تفصيلاً انَّ هذا جاهل والاخر عالم.

ثم انَّ هنا جواباً اخر للتفرقة بين المقامين حاصله : انَّ التساقط في المقام ليس بملاك تنجيز العلم الإجمالي بل بملاك وقوع التعارض بين العمومات بالملازمة حيث انَّ مثبتات الأصول اللفظية حجة وليست كمثبتات الأصول العلمية ، ومن الواضح انَّ ملاك التعارض انَّما يوجب التساقط ما دام هناك تعارض بين الدليلين فمتى ارتفع التعارض بسقوط أحد المتعارضين عن الحجية فعلاً عاد الاخر إلى حجيته كما هو واضح. وفي المقام بعد حصول العلم بمخصصات تفصيلية بقدر المعلوم بالإجمال يرتفع ملاك التعارض بين العمومات لارتفاع مقتضى الحجية في العمومات التي علم تفصيلاً بمخصص لها.

إِلاَّ انَّ هذا الوجه لا يعالج الإشكال في العمومات الترخيصية التي أيضاً يعلم إجمالاً بوجود مخصصات إلزامية لها فانَّ ملاك التساقط فيها غير منحصر فيما ذكر بل تتساقط العمومات بملاك تنجيز العلم الإجمالي أيضاً.

الثالث ـ أَنْ يقال بقصور المقتضي للحجية عن شمول العمومات قبل الفحص لمعرضيتها للتخصيص بحكم ما عرف من ديدن الشارع وطريقته في إلقاء أحكامه الشرعية وبيانها للناس ، كما أشار إليه المحقق الخراسانيّ ( قده ).

وهذا الوجه يمكن تقريبه بأحد نحوين :

١ ـ انَّ المدرك لحجية الظهورات السيرة العقلائية المنعقدة على حجية الظهور بين الموالي والعبيد بحيث يشكل ظهور كلام المولى عنصراً صالحاً للإدانة والاحتجاج بينهما وكذلك السيرة المتشرعية على العمل بالظهورات تبعاً لطريقة العقلاء وإمضاء الشارع لذلك وحينئذٍ يقال : انَّ السيرة العقلائية مخصوصة بما إذا لم يكن العام في

٣٦٢

معرض التخصيص فانَّ التخصيص بالمنفصل والاعتماد على القرائن المنفصلة وإِنْ كان امراً عرفياً إِلاَّ انه على خلاف الأصل بحيث يكون احتماله عادة ضعيفاً لا ما إذا كانت طريقة المتكلم في مقام البيان اعتماد القرائن المنفصلة غالباً أو كثيراً. وإلا فلم ينعقد منهم سيرة على العمل بالعامّ لكي يكون دليلاً على ذلك ، والسيرة المتشرعية وإِنْ كانت على العمل بالعمومات الصادرة من الشارع إِلاَّ انه لم يعلم قيامها على العمل بها قبل الفحص عن المخصصات إِنْ لم يدَّع الجزم بعدم العمل بها كذلك فالقدر المتيقن منها هو العمل بعد الفحص وعدم الظفر بالمخصص ، نعم الشخص المخاطب بالعامّ في مجلس الإمام عليه‌السلام كان العام حجه له على كلّ حال لكونه وظيفته الفعلية ولو للمصلحة ثانوية ، وبما انَّ السيرة دليل لبّي فيقتصر فيه على القدر المتيقن وهو ما ذكرناه.

وهذا التقريب مبني على إثبات الأصل الموضوعي المفترض فيه وهو قصور السيرة العقلائية عن شمول العمومات قبل الفحص إذا كانت في معرض التخصيص وهذا ما يمكن أَنْ يذكر في سبيل إثباته تارة : بأنَّ المستفاد من طريقة الشارع وديدنه إلغاء الفواصل الزمنية بين العام والمخصصات بحيث يُعَد المخصص المنفصل متصلاً بالعامّ وقد تقدم انه مع احتمال المخصص المتصل لا يكون العام حجة ما لم ينف ذلك بشهادة الراوي وهي لا يمكن أَنْ تكون عادة إِلاَّ بلحاظ ما يصدر من الكلام في مجلس واحد ومعه سوف يبتلي العام بالإجمال كلما احتمل في حقه وجود مخصص منفصل من هذا القبيل.

إلا انَّ هذا الكلام غير تام ، لأنَّ مجرد كثرة ورود المخصصات وكون ديدن الشارع على ذلك لا يعني تنزيل المخصص المنفصل منزلة المخصص المتصل في الآثار كما لا يوجب إلغاء الفواصل الزمنية حقيقة ، فلا محالة ينعقد الظهور العرفي في العموم. على انَّ تلك المرتبة المفترضة من المعرضية للتخصيص قابل للمناقشة في حصولها بالنسبة لكلمات وبيانات الشارع نفسه إذ لعلّ كثيراً مما نجده من المخصصات المنفصلة نشأت نتيجة عدم دقة النقل أو كونه بالمعنى لا باللفظ فهذا البيان مخدوش كبرى وصغرى.

وأخرى يقرب ذلك : بأنه يكفي في قصور المقتضي للحجية عقلائياً وإِنْ كان

٣٦٣

الظهور موجوداً ومنعقداً عدم معهودية هذا النحو من الظهورات لدى العقلاء بحيث يعتمد صاحبه على قرائن منفصلة ومعه لا يبقى دليل غير السيرة المتشرعية وقد عرفت اختصاصها بما بعد الفحص.

وهذا الكلام أيضاً كأنه يتناسب مع مسلك المحقق الأصفهاني ( قده ) وتفسيره لمعنى السيرة العقلائية : حيث يفترض انَّ الدليل اللبّي ما وقع خارجاً وسلكه العقلاء في مقام العمل بنحو القضية الخارجية الفعلية ولم يردعهم الشارع ، وامّا بناء على ما هو الصحيح من انَّ الإمضاء وعدم الردع ينصب على المضمون والمحتوى العقلائي لسلوك العقلاء والّذي قد يفترض انه أوسع مما أُتيح لهم سلوكه خارجاً فالدليل يكون هو النكتة والمنظور العقلائي المستكشف من خلال تلك السيرة فمجرد أن العقلاء خارجاً لم يعتمدوا التخصيص المنفصل كثيراً أو لم يجزم بذلك في حقّهم لا يكفي لإثبات قصور المقتضي بعد ان كان الظهور الّذي هو ملاك الحجية العقلائية محفوظاً في المقام.

وثالثة يقرب ذلك : بأنَّ ملاك الحجية العقلائية ينثلم بمعرضية العام لورود المخصص عليه لحصول وهن وضعف في درجة الكاشفية والإدانة والمسئولية في أمثال ذلك.

وهذا البيان لو أريد منه دعوى ينتج عدم الحجية قبل الفحص فقط بحيث يعود ملاك الحجية العقلائية بعد أَنْ فحص ولم يجد مخصصاً كان رجوعاً إلى الوجه القادم ، وإِنْ أُريد منه انَّ المعرضية توجب ارتفاع الملاك رأساً بحيث لا يبقى حجة عند العقلاء حتى بعد أَنْ يفحص ولا يجد مخصصاً ، ولهذا يحتاج في ذلك إلى الرجوع للسيرة المتشرعية فهذا غير صحيح بحسب الظاهر فانَّ ملاك الحجية العقلائية كما أشرنا إليه عبارة عن انعقاد ظهور في كلام المولى بنحو يجعله مسئولاً في عالم المولوية والعبودية عمّا قاله وهذا محفوظ حتى إذا احتمل المخاطب ورود مخصص لم يجده فمجرد هذا الاحتمال لا يزيل ملاك الحجية العقلائية.

٢ ـ النحو الثاني لتقريب هذا الوجه أَنْ يقال ابتداءً بأنَّ السيرة العقلائية لا تقتضي أكثر من حجية العمومات بعد الفحص عن مخصصاتها إذا كانت في معرض التخصيص لتمامية ملاك الحجية بعده ـ كما أشرنا إليه الآن ـ بخلاف ما قبل الفحص

٣٦٤

لأنَّ معرضيتها لذلك تمنع عقلائياً عن الحجية من دون فحص وبحث عن مظان وجود المخصص. نعم بعد أَنْ فحص ولم يجد يبني العقلاء على الحجية ولا ينتظرون شيئاً آخر وهذا هو الّذي يقتضيه وجداننا العقلائي في المقام.

ثم انه ربما يقال بأنَّ مراجعة وضع أصحاب الأئمة ورواة الأحاديث تدلنا على انهم لم يكونوا في مقام الفحص عن الأدلة والمخصصات المنفصلة والتي يحتمل صدورها في عرض ما ينقلونه في أصولهم إلى الآخرين ، أي انَّ زرارة مثلاً لم يكن يفحص عن وجود مخصصات فيما نقله محمد بن مسلم مثلاً ، نعم طولياً وبلحاظ من تأخر عنهم كالفضل بن شاذان ربما كان يفحص عمّا ينقله محمد بن مسلم من المخصصات والقرائن ولم يكن يقتصر على نقل ما في أصل زرارة فقط.

إِلاَّ انَّ الفحص والبحث فيما بين الرّواة المباشرين والذين هم في عرض واحد لم يكن موجوداً وإِلاَّ لانعكس ذلك وألفت الأنظار ولاستوجب نشوء حركة الاستنساخ والتبادل والتباحث فيما بينهم ، وهذا مما يقطع بعدمه عادة مما يكشف عن عدم وجوب الفحص عليهم على الأقل فربما يجعل ذلك دليلاً على عدم وجوب الفحص حتى مع المعرضية للتخصيص على الأقل بالنسبة لهم الذين كانوا مشافهين بالعمومات أو كانت الخطابات قطعية الصدور في حقهم.

إِلاَّ انَّ هذه الظاهرة لا يمكن الاستفادة منها في المقام شيئاً لأنها تحتمل وجوهاً مختلفة بحيث لا يمكن أَنْ يستفاد منها مطلب محدد ، فانه يمكن أَنْ تفسر تارة : على أساس عدم وضوح المعرضية للتخصيص في حقهم ، امّا لثبوت جملة من المخصصات ومعلوميتها لديهم ولو بملاحظة مجموع ما هو مسجل أو معلوم ولو ارتكازاً عند كل واحد منهم وانما هذه المعرضية ثابتة في حقنا نحن اليوم نتيجة التقطيع والضياع في كثير من تلك الأصول ، وامّا لعدم وضوح ثبوت هذه المرتبة من كثرة المخصصات عندهم بعدُ وانما اتضحت ذلك بعد تجميع تلك الروايات. وأخرى : تفسر على أساس احتمال وجود ظروف حرجة وصعبة ولو من ناحية التقية كانت تمنعهم من التعرض والبحث والفحص عن المخصصات فيما بينهم إذ قد يستكشف من ذلك حركة علمية تلفت الأنظار وتجلب الخطر عليهم.

٣٦٥

وثالثة : تفسر على أساس احتمال انَّ عدم الفحص باعتبار انَّ كل راو خوطب بالعامّ يكون هو القدر المتيقن منه على كل حال أي سواءً كان العام مخصصاً واقعاً أم لا ، إِلاَّ انَّ هذا الاحتمال يدفعه انَّ هؤلاء الرّواة لم يكونوا يقتصرون في سماع الأحاديث لعملهم فحسب بل كانوا يفتون بمضمون الحديث للآخرين بل كثيراً ما كانوا ينقلون أحاديث وأحكاماً قد لا تتعلق بهم ولا تدخل في دائرة ابتلائهم الشرعي.

ورابعة : تفسر على أساس احتمال ثبوت حكم العام في حقهم ولو كحكم ظاهري ولظروف التقية وإِنْ كان الحكم الواقعي مخصصاً ، فانَّ مصلحة الظاهر ربما تكون ثابتة حتى في الإظهار والإفتاء لا العمل فحسب (١) كما يؤيد ذلك روايات الأخذ بالأحاديث على ما شرحناه في تعارض الأدلة.

وامّا المقام الثاني ـ أعني البحث عن مقدار الفحص اللازم ، فاللازم هو الفحص بمقدار تنتفي به المعرضية للتخصيص كما ذكره صاحب الكفاية ، هذا إذا كان مدرك لزوم الفحص الوجه الثالث واما إذا كان المدرك العلم الإجمالي بالتخصيص فيما وصل بأيدينا من الأحاديث فلا بد من الفحص عن المخصص فيها والّذي به أيضاً تنتفي المعرضية عادة.

فصل : في شمول الخطابات لغير المشافهين من الغائبين بل المعدومين زمن صدورها.

وقد أفاد المحقق النائيني ( قده ) بأنَّ هذا البحث ينحل إلى نزاعين نزاع عقلي واخر لفظي.

__________________

(١) هذا بعيد في حق جملة من الرّواة الذين قد استودع الأئمة علم الحلال والحرام عندهم كزرارة ومحمد بن مسلم.

ثم انَّ وجدانية حجية العام بعد الفحص عند العقلاء رغم بقاء احتمال المخصص الّذي كان العام في معرضه غير واضحة ، فانَّ هذا يعني انَّ حكم العقلاء بحجية العام كأنه أعم من كونه بملاك كاشفية العموم وصلاحيته للإدانة أو كونه بملاك الوظيفة العملية والعذر الناشئ من عدم إمكان الوصول إلى المخصص ، وهذا بعيد بل الوجدان قاضي بأنَّ المعرضية إذا ثبتت فالعام يسقط عن الحجية حتى بعد الفحص فلا بدَّ من نفي هذه المعرضية بالقرائن والشواهد ، كما انَّ سيرة المتشرعة أيضاً غير واضحة الشمول لذلك من دون نفي المعرضية بلحاظ مجموع القرائن والشواهد والفحوص.

٣٦٦

امّا النزاع العقلي فهو في إمكان مخاطبة الغائب والمعدوم ثبوتاً وعدمه وهذا بحث عقلي وليس لغوياً ، وامّا النزاع اللغوي ففي شمول أدوات الخطاب لغة وعرفاً لهما.

وعلّق عليه السيد الأستاذ بأنه لو أُريد بالمخاطبة معناها الحقيقي الخارجي فمن الواضح عند كل أحد انه لا يعقل مخاطبة الغائب عن مجلس المخاطبة فضلاً عن المعدوم فكيف يعقل أَنْ يتنازع في امتناع هذا الأمر؟ وإِنْ أُريد المخاطبة الإنشائية التصورية فمن الواضح إمكانه حتى في حق الجمادات فضلاً عن غيرها كما يظهر بمراجعة الشعر والأدب فكيف يعقل أَنْ يتنازع في إمكانه؟

ومن هنا قد جعل هذا النزاع لغوياً بحتاً أي جعل البحث عن تحديد مفاد أدوات الخطاب وانها وضعت بإزاء الخطاب الحقيقي أو الإنشائي ، واختار الأخير.

أقول ـ امّا الجانب السلبي من كلامه فصحيح (١) فانه لا معنى لوقوع البحث عن إمكان التخاطب وامتناعه.

وامّا الجانب الإثباتي في كلامه من انَّ البحث والنزاع انما هو في تحديد مفاد أدوات الخطاب وانها وضعت للخطاب الحقيقي أو الإنشائي فبحاجة إلى تمحيص.

ذلك انَّ هذا يعني انَّ القائلين باختصاص الخطاب بالمشافهين انما ذهبوا إلى ذلك على أساس دعوى وضع أدوات الخطاب للخطاب الحقيقي وانَّ القائلين بالتعميم ذهبوا إلى وضعها بإزاء الخطاب الإنشائي ، وهو الصحيح عنده. وهذا التفريع غير صحيح.

إذ فيما يرجع إلى القسم الأول من هذا التفريع يرد عليه بأنَّ المدلول الوضعي عند المشهور مدلول تصوري لا تصديقي والمخاطبة الحقيقية أو قصد التفهيم مدلول تصديقي وليس تصورياً فلا يعقل انَّ من يدعي الاختصاص انما يقول به على أساس دعوى وضع أدوات الخطاب للمخاطبة الحقيقية.

وفيما يرجع إلى القسم الثاني منه يرد عليه :

__________________

(١) بل قابل للبحث وذلك بالبحث عن المقصود بالمخاطبة فانه لو أُريد به سماع اللفظ والكلام أو ما يكون بمثابته فمن الواضح امتناعه في حق غير الحاضر ، وإِنْ أُريد بها قصد التفهم فلو أُريد قصد الإفهام والاعداد الفعلي للفهم فهو أيضاً مخصوص بالحاضر ولو أُريد قصد افهام كل من يراد افهامه بحسبه فهذا لا يختص بالحاضر بل يعقل في حق المعدوم أيضاً.

٣٦٧

بأنَّ المراد بالخطاب الإنشائي إِنْ كان هو قصد التفهيم وتوجيه الكلام إلى المخاطب فهذا عين المخاطبة الحقيقية التي قد أنكر السيد الأستاذ وضع أداة الخطاب بإزائها.

وإِنْ أُريد به إيجاد الخطاب والمخاطبة بالكلام نظير إيجاد التمني وإيجاد الاستفهام به وهكذا سائر الأمور الإنشائية فهذا ينسجم مع مسالك صاحب الكفاية ( قده ) في باب الإنشاء من انه إيجاد للمعنى باللفظ ولا ينسجم مع مسلكه من عدم معقولية إيجاد المعنى باللفظ (١).

والصحيح : انَّ أدوات الخطاب كسائر أدوات الإنشاء موضوعة بإزاء نسبة تصورية خاصة بين المُخاطِب والمُخاطَب كالنسبة الطلبية والاستفهامية وغيرها والتي نعبر عنها بمفهوم اسمي هو المخاطبة والنسبة الخطابية ، وامّا قصد المخاطبة فمدلول تصديقي وليس مدلولاً وضعياً لأدوات الخطاب لأنَّ المدلول الوضعي كما عرفت في بحوث الوضع تصوري بحت وامّا المدلول التصديقي فيثبت بدلالة السياق والظهور الحالي ، فكما انَّ ظاهر حال المتكلم إذا استعمل الأمر أو النهي انه في مقام الجد وبداعي الطلب الحقيقي كذلك في المقام يكون مقتضى الظهور السياقي انه يستعمل أدوات الخطاب بداعي المخاطبة الحقيقية وقصد التفهيم ، فالعناية الحاصلة في موارد الخطابات غير الحقيقية كخطاب الليل أو الطير ليست من ناحية تخلف المدلول الوضعي وعدم استعمال أدوات الخطاب فيما وضعت له بل من باب تخلف المدلول السياقي ونظير استعمال الأمر في موارد السخرية أو التعجيز أو التهديد ونحوها (٢).

__________________

(١) بل هناك معنى معقول لإيجاد المعنى باللفظ لعله نتعرض له في بحوث الخبر والإنشاء ، ولكن هذا المعنى الإنشائي أيضاً يختص بالمخاطب الحقيقي ، فليست الإنشائية تساوق التعميم دائماً.

(٢) ولكن يبقى البحث عن ان هذه النسبة التصورية في معنى أدوات المخاطبة طرفها المشافه الحاضر بالخصوص أو الأعم منه ومن الغائب والمعدوم وهذا يبتني أولاً على تحقيق أن حقيقة المخاطبة ما هي وأَنْ هذه النسبة هل يمكن ان تتصور مع الأعم من الحاظر أم لا. ويتوقف ثانياً على تشخيص ان أدوات الخطاب هل هي موضوعة لذلك المعنى بعد فرض معقوليته أم لا؟ والصحيح كما أشرنا معقولية مخاطبة الغائب أو المعدوم بالمعنى الّذي تقدم للمخاطبة وقصد الإفهام كما ان أدوات الخطاب ليست موضوعة للنسبة القائمة بين المتكلم والمخاطب الحاضر بالخصوص بل يتحدد طرف النسبة في كل مورد بحسب ما وقع موضوعاً لها أو تشخصه القرائن والمناسبات بنحو تعدد الدال والمدلول ، واما الظهور الحالي الكاشف عن قصد التفهيم فهو يتحدد في طول تحديد المدلول التصوري وانه النسبة الخطابية بين المتكلم والحاضر بالخصوص أو الأعم منه ، لأن ملاك هذا الظهور ما أشير إليه من ان ظاهر حال كل متكلم إرادة مدلول كلامه جداً فإذا كان المدلول المعنى الأعم كان المقصود ذلك أيضاً.

٣٦٨

وبهذا اتضح : انَّ مجرد تصوير معنى وضعي لأدوات الخطاب بحيث تصلح بناءً عليه أَنْ تكون شاملة للغائبين والمعدومين ـ كما صنعه السيد الأستاذ ـ لا يكفي لإثبات شمول الخطابات لهم فانَّ ما هو المهم والمفيد انَّما هو شمول المدلول التصديقي للكلام وهو قصد التفهيم والمخاطبة للغائبين والمعدومين فإذا فرض اختصاصه بالمشافهين بمقتضى الظهور السياقي والحالي كان الخطاب خاصاً بهم لا محالة.

وهذا هو الصحيح فانَّ الخطابات تكون ظاهرة في الاختصاص بالحاضرين ما لم تقم قرينة عامة أو خاصة على التوسعة.

ثم انَّ المحقق النائيني ( قده ) قد فصل في المقام بين ما إذا كان الخطاب مجعولاً على نهج القضية الخارجية فيختص بالمشافهين وما إذا كان مجعولاً على نهج القضية الحقيقية فيعم الغائبين والمعدومين لأنَّ القضية الحقيقية تستبطن بنفسها تقدير وجود الغائبين والمعدومين وتنزيلهم منزلة الموجودين فيشملهم الخطاب.

وفيه :

أولاً ـ انَّ تقدير الموضوع في القضية الحقيقية لا يعني تقدير وجود الافراد بالفعل وفي مقام المخاطبة ، بل يعني تقديرهم موضوعاً للحكم كل في ظرف وجوده فهذا خلط بين تقدير الغائب والمعدوم موضوعاً للحكم في القضية الحقيقية المفادة بالخطاب وبين تقديرهما موجودين ومخاطبين بالخطاب بما هو كلام.

وثانياً ـ لو سلمنا استبطان القضية الحقيقية تنزيل الافراد المعدومين والغائبين منزلة الموجودين في مقام المخاطبة مع ذلك لم يجدِ في شمول الخطاب لهم ، لأنَّ التنزيل انما يجدي في ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على المنزل عليه والمخاطبة أمر تكويني لا يقبل الترتب بالتنزيل (١).

بقي في المقام البحث عن الثمرة المترتبة على القول باختصاص الخطاب فنقول قد ذكر لهذا البحث ثمرتان.

__________________

(١) لو كان مقصود المحقق النائيني ( قده ) ان سياق القضية الحقيقية بلحاظ كل مكلف يدل على ان المدلول التصديقي للخطاب يعم الغائبين أيضاً وانَّ المقصود بالإفهام كل من يبلغه الخطاب لم يرد عليه شيء من الاعتراضين.

٣٦٩

الأولى ـ وتترتب على مبنى المحقق القمي ( قده ) في حجيّة الظهورات من دعوى اختصاصها بمن قصد افهامه ، حيث يقال بأنه على القول بعموم الخطاب لنا نكون ممن قُصد افهامه فيصح لنا التمسك بالظهورات لإثبات مفادها وامّا على القول بالاختصاص بالمشافهين فلا يعلم دخولنا فيمن يقصد افهامه لكي يكون الخطاب حجة في حقنا.

إِلاَّ انَّ المبنى المذكور غير تام عندنا على ما سيأتي في محله من بحث حجية الظهور.

الثانية ـ إذا فرض انَّ الخطاب لم يكن على نهج بحيث يفهم منه انَّ الحكم فيه عام يشمل المعدومين والغائبين أيضاً كما إذا كان الحكم وارداً بلسان المخاطبة مثل ( يا أيها الناس تجب عليكم الصدقة ) بحيث كان موضوع الحكم من يشمله الخطاب فيتحدد الموضوع بحدود من قصد بالخطاب.

ففي مثل ذلك بناءً على القول بالاختصاص لا يثبت الحكم للمعدومين والغائبين لاختصاص موضوعه بالمخاطبين فلا يثبت الحكم في حقهم بخلاف ما إذا كان الخطاب شاملاً للمعدوم والغائب فانهم سوف يدرجون في موضوع الحكم لا محالة فيمكنهم التمسك به لإثبات حكمهم.

ودعوى : انَّ خصوصية الخطاب والمخاطبة ملغية عرفاً ومحمولة على المثالية بحسب مناسبات الحكم والموضوع العرفية والارتكازية.

مدفوعة : بأنَّ احتمال الاختصاص إِنْ كان من جهة احتمال كون الحكم خاصاً بالمخاطبين كأشخاص فهذا منفي بارتكازية عدم اشتمال الشريعة على أحكام شخصية لافراد معينين بما هو افراد معينون وإِنْ كان من جهة احتمال كون الحكم خاصاً بهم لاشتمالهم على صفة وعنوان تخصهم كعنوان فقرهم مثلاً حيث كان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقراء في أوّل الأمر حتى نقل عن عائشة انهم لم يشبعوا من تمر حتى فتح الله لهم خيبر ، فيحتمل الاختصاص حينئذٍ باعتبار احتمال دخالة ذلك العنوان في الحكم فانْ كان ذلك العنوان عنواناً زائداً متغيراً أيضاً أمكن نفي ذلك بالإطلاق الأحوالي بالنسبة إلى أولئك المخاطبين لما إذا زال عنهم الفقر مثلاً.

٣٧٠

وامّا إذا كان احتمال الاختصاص من ناحية احتمال دخالة عنوان مخصوص بهم ثابت في حقهم كعنوان مصاحبة الرسول أو كونهم في عصر الغيبة فمثل هذا الاحتمال لا يمكن إِلغاؤه ولا نفيه بالإطلاق ، امّا الأول فواضح وامّا الثاني فلأنَّ إطلاق الدليل انما يجدي بلحاظ الحالات الزائلة المتغيرة عليهم لا الحالة الثابتة فانه لا يكون حينئذٍ إطلاق في الخطاب لفرض فقد ان تلك الحالة لكي نستطيع أَنْ ندفع به هذا الاحتمال ، فاحتمال الاختصاص ليس من جهة احتمال دخل خصوصية المخاطبة في الحكم ليقال بإلغائه عرفاً بل من جهة احتمال دخل خصوصية ثابتة في المخاطبين الذين اختص بهم الموضوع في القضية المجعولة نتيجة المخاطبة وتوجيه الكلام إليهم فلا عموم لفظي في القضية ولا مناسبات تقتضي التعدي والتعميم كما هو واضح.

« تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض مدلوله »

فصل : إذا تعقب العام ضمير يرجع إلى بعض مدلوله كما في قوله تعالى ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهنَّ ان يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إِنْ كن يؤمن بالله واليوم الاخر وبعولتهن أحق بردهن ان أرادوا بذلك إصلاحاً ) (١) حيث يعلم انَّ الضمير في بعولتهن راجع إلى خصوص الرجعيات من المطلقات ، فهل يؤدي ذلك إلى انثلام العموم في المطلقات بالنسبة إلى الحكم الأول المذكور في الكلام أي وجوب التربص ثلاثة قروء أم لا؟

وحاصل العنوان انه كلما كان هناك عام وقد علق عليه حكمان وكان الموضوع في أحد الحكمين ضميراً يرجع إلى بعض ذلك العام فهل يستوجب ذلك تخصيص العام بخصوص ذلك البعض في كلا الحكمين أم لا؟

وهذا المطلب بحسب الحقيقة له فرضان :

الفرض الأول ـ ما إذا فرض العلم بكون المراد الاستعمالي من الضمير خصوص البعض ، كما إذا قيل بأنَّ التخصيص تصرف في المراد الاستعمالي من العام.

__________________

(١) سورة البقرة ، آية ٢٢٨

٣٧١

الفرض الثاني ـ أَنْ يفرض العلم بكون المراد الجدي من الضمير الخصوص مع احتمال كون المراد الاستعمالي منه العموم.

وانما وقع البحث عن تمامية العموم في المقام وعدمه باعتبار توهم معارضته بأصل آخر هو أصالة عدم الاستخدام فانَّ العام لو كان المراد منه عمومه لزم أَنْ يكون الضمير راجعاً إلى بعض مدلوله وهو أحد أنحاء الاستخدام الّذي يكون خلاف الأصل فانَّه يقتضي التطابق بين الضمير ومرجعه.

وأيّاً ما كان فالبحث يقع في مقامين :

المقام الأول ـ في ما إذا علمنا بأنَّ المراد الاستعمالي من الضمير الخصوص لا العموم.

فيقال بأنَّ مقتضى التطابق حينئذ بين المراد الاستعمالي للضمير ومرجعه استعمال العام في الخاصّ وإِلاَّ يلزم الاستخدام نظير ما ذا قال ( رأيت أسداً وضربته ) وأريد بالضمير الرّجل الشجاع وبالأسد الحيوان المفترس فانه خلاف الأصل جدّاً ، فيكون أصالة العموم في المقام مبتلى بالمعارض في مرحلة المدلول الاستعمالي للكلام.

وقد منع من إجراء كل من أصالة عدم الاستخدام في الضمير وأصالة العموم في العام في نفسه.

امّا المنع عن إجراء أصالة عدم الاستخدام فبتطبيق دعوى عامة هي : انَّ الأصول اللفظية لا تكون حجة إِلاَّ في مقام الكشف عن المراد عند الشك فيه مع العلم بالاستناد دون ما إذا كان الشك في الاستناد مع العلم بالمراد ، وهذه كبرى كلية طبقت من قبل المحققين في موارد عديدة :

منها ـ موارد استدلالات السيد المرتضى ( قده ) على الوضع بالاستعمالات الواردة في كتب الأدب واللغة حيث أُجيب عنها بأنها من التمسك بأصالة الحقيقة في مورد يعلم فيه بالمراد الاستعمالي للمتكلم ولكن يشك في انه كيف اراده هل على وجه الحقيقة أو المجاز أي هل استند في إرادته إلى الوضع لكونه معنى حقيقياً أو إلى القرينة والمناسبة لكونه مجازاً.

٣٧٢

ومنها ـ المقام حيث انَّ المراد الاستعمالي من الضمير معلوم بحسب الفرض لكنه يشك في انه هل يكون على وجه الاستخدام الّذي هو كالمجاز من حيث كونه خلاف أصالة الظهور التي منها تتشعب الأصول اللفظية الأخرى أم لا؟ فيقال بعدم حجية أصالة الظهور في مثل ذلك.

ومنها ـ موارد الدوران بين التخصيص والتخصص بناءً على انَّ التخصيص يثبت بلحاظ مرحلة المدلول الاستعمالي للعام لا المدلول الجدي منه.

وقد حاول المحقق الخراسانيّ ( قده ) أَنْ يبرِّر هذه الكبرى بتقريب : انَّ مدرك حجية الظهور هو السيرة والبناء العقلائي وهو دليل لبّي يقتصر فيه على القدر المتيقن منه وهو ما إذا أُريد بالظهور إثبات المراد لا الاستناد.

هذا وقد أشرنا نحن في بعض البحوث السابقة انَّ مثل هذا البيان لا يمكن أَنْ يقبل في كل دليل لبّي ، نعم في مثل الإجماع لا بأس بدعوى عدم الإطلاق في معقده ، وامّا إذا كان الدليل اللبّي متمثلاً في السيرة العقلائية فلا بدَّ من إبراز نكتة للتفصيل عقلائياً فانَّ المراد بالعقلاء ليس جماعة خاصة كانوا في غير أعرافنا وأوضاعنا بل نحن وأعرافنا امتداد لهم فلا بدَّ لأيّ تفصيل يذكر لحجة عقلائية أَنْ نحس نحن أيضاً ولو ارتكازاً بوجداننا العقلائي ثبوته وثبوت نكتة له إجمالاً فانَّ العقلاء ليس لهم أحكام تعبدية بحتة كما هو واضح.

والنكتة المفترضة للتفصيل امّا أَنْ تكون راجعة إلى ضعف في درجة الكاشفية والأمارية التي هي ملاك الحجية عند العقلاء فتكون نكتة طريقية ، وامّا أَنْ تكون نفسية فانه ربما يفترض أخذ نكتة نفسية في موضوع الحجية العقلائية كما هو الحال في حجية الظهور ، فانه قد يفترض وجود كاشفية لأمر غير الظهور لا تقل عن كاشفية الظهور إِلاَّ انه مع ذلك لا يكون ذلك الكاشف حجة عند العقلاء بخلاف الظهور باعتبار انَّ فيه نحواً من إمكانية التحميل والتسجيل والإدانة للمتكلم مثلاً مفقودة في دلالة وكاشفية أخرى. والحاصل : انَّ الحجج العقلائية في غير الاطمئنان تبتني على مجموع امرين الكاشفية والأمارية الثابتة على أساس حسابات الاحتمال والمنطق الاستقرائي ، ونكتة نفسية موضوعية ولو من أجل ضبط الكاشف ونوعيته أو خصوصية

٣٧٣

أخرى فيه كالإدانة ولهذا لم يكن كل ظن حاصل من حسابات الاحتمال حجة.

ومن هنا فلا بدَّ لنا إذا أردنا تبرير هذه الكبرى وإثبات صحتها من أَنْ نبرز نكتة للفرق امّا من النوع الأول أو الثاني تقتضي عدم إمكان التمسك بأصالة الحقيقة أو غيرها من شعب أصالة الظهور لإثبات الاستناد ، ونحن يمكننا أَنْ نتصور نكتتين لذلك ، إحداهما طريقية ، والأخرى نفسية تقتضيان اختصاص الأصل بغير موارد الشك في الاستناد ، إِلاَّ انَّ كلتيهما على ما سوف يظهر انما تتمان في المورد الأول أي موارد الاستدلال بالاستعمال في معنى على كونه حقيقة كما صنع السيد المرتضى ( قده ) ولا تجريان في المقام.

النكتة الأولى ـ وهي النكتة الطريقية وحاصلها :

انَّ أمارية الظهور في مقام الكشف عن المراد أقوى وأكثر قيمة احتمالية من أماريته في مقام الكشف عن الاستناد وإثبات قضية لغوية من قبيل إثبات وضع كلمة الأسد للرجل الشجاع مثلاً فيما إذا رأينا المتكلم قد استعملها فيه ، وذلك لأنَّ هذه الأمارية قائمة على أساس الغلبة النوعية في انَّ المتكلم لا يستعمل اللفظ خصوصاً مع عدم القرينة إِلاَّ في معناه الحقيقي ولنفرض انَّ هذه الغلبة بنسبة ٢ / ٣ بحيث في كل ثلاثة استعمالات كذلك يكون اثنان منها في المعنى الحقيقي ، وهذه الأمارية الناشئة من الغلبة لا معارض نوعي لها في مجال الأول أي الكشف عن المراد ، إِلاَّ انها معارضة بأمارة نوعية مخالفة في المجال الثاني أي إثبات القضية اللغوية لأنَّ القضية اللغوية قيمة الاحتمال فيها في نفسها ـ المسمى بقيمة الاحتمال القبلي ـ ضعيفة بمعنى انَّ احتمال أَنْ يكون اللفظ المخصوص حقيقة في المعنى المخصوص أضعف من احتمال العكس لكثرة المعاني وقلة الألفاظ بالنسبة إليها فانه ليس بإزاء جميع المعاني توجد ألفاظ موضوعة بإزائها ولو فرض ، ذلك أيضاً فليس احتمال وضع شخص هذا اللفظ إِلاَّ ضعيفاً جداً.

بل نسبة الوضع في مجموع المعاني أقل من النصف ولنفرضها ١ / ٣ فيكون مقتضى حسابات الاحتمال في مقام استنتاج النتيجة النهائيّة لقيمة احتمال ثبوت القضية اللغوية أقلّ من ٢ / ٣ لا محالة حسب ما هو واضح وجداناً ومبرهن عليه في كتاب الأُسس المنطقية

٣٧٤

للاستقراء ، حيث برهن هناك على انَّه في موارد من هذا القبيل تحسب القيمة النهائيّة على أساس ضرب أطراف العلم الإجمالي المتشكل في الدائرة الأولى في أطراف العلم الإجمالي المتشكل في الدائرة الثانية واستثناء الصور الممتنعة وملاحظة الصور الباقية ونسبة ما يكون منها بصالح المطلوب

ويكون في المثال المتقدم احتمال ثبوت القضية اللغوية النصف على ما هو مشروح في محله.

لا يقال ـ هذه المعارضة ربما تفترض في إثبات المراد أيضاً فيما إذا كان المراد في مورد ما في نفسه قضية من المستبعد إرادة المتكلم لها.

فانه يقال ـ الميزان وجود أمارة نوعية معارضة لا أمارة شخصية ولو فرض في مورد وجود كاشف نوعي على عدم إرادة المتكلم لمعنى معين لا يبعد صيرورته قرينة على عدم إرادة ذلك المعنى الحقيقي أو يوجب الإجمال على أقل تقدير.

وهذه النكتة من الواضح عدم تماميتها في المقام ، حيث انه بأصالة عدم الاستخدام لا يراد إثبات قضية لغوية بل يراد إثبات انَّ المراد الاستعمالي من العام أيضاً هو الخصوص لا العموم ، كما انها لا تجري في موارد الدوران بين التخصيص والتخصص.

النكتة الثانية ـ افتراض أخذ نكتة نفسية في موضوع الظهور الحجة عند العقلاء بأن يكون موضوع الحجية مقيداً بقيد موضوعي مفقود في موارد الشك في الاستناد فيكون عدم الحجيّة من باب عدم ثبوت ذات الحجّة لا انَّ الظهور محفوظ ولكنه ليس بحجة كما أفاد المحقق الخراسانيّ ( قده ) وهذا التفسير لموضوع الحجية العقلائية يمكن تقريبه ببيانين لعلهما يرجعان إلى روح واحدة :

١ ـ أَنْ يقال : بأنَّ العقلاء انما يبنون على حجية الظهورات التصديقية الكاشفة عن المرادات لإحراز صغرى ما أخبر به المتكلم وتشخيصها فيكون محققاً لعنوان الاخبار الّذي يكون حجة امّا باعتباره من إنسان معصوم لا يكذب أو يقطع بصدقة أو من إنسان قوله حجة لكونه ثقة أو لكونه إقراراً فينفذ فيما عليه أو غير ذلك ، والمقام ليس من هذا القبيل لأن ما أخبر به المتكلم معلوم بحسب الفرض وانما يراد التمسك بالظهور المذكور

٣٧٥

لإثبات أمر وراء ذلك وهو القضية اللغوية ، ولهذا لو قال لنا بعد ذلك كنت قد استعملت كلمة الأسد في الرّجل الشجاع بنحو المجاز لا الحقيقة لا يكون كاذباً.

وهذا يعني انه لا يوجد في موارد استدلالات السيد المرتضى ( قده ) موضوع الحجة العقلائية وهذا بخلاف موارد الدوران بين التخصيص والتخصص أو موارد الشك في الاستخدام فانَّ الغاية فيها تشخيص المراد من العام وإحراز قصده منه وحدود اخباره.

٢ ـ أَنْ يقال بأنَّ الحجة عند العقلاء انما هو ظهور التطابق بين ما هو المدلول التصوري للكلام وما هو المدلول الاستعمالي أو الجدي ولوازمه ، فلا بدَّ من الانتقال من المدلول التصوري للكلام دائماً في مقام الاستكشاف وهذا لا يكون إِلاَّ في موارد الشك في المراد مع وجود مدلول تصوري للكلام لا الشك في الاستناد.

وهكذا ثبت انَّ هذه الكبرى على إطلاقها ليست بصحيحة وانما تصح في مورد استدلالات السيد المرتضى ( قده ) لا لتخصيص دليل حجية الظهور فيها بل للتخصص وعدم ثبوت موضوع ما هو الحجة العقلائية في باب الظهورات ، وامّا في محل الكلام فالظهور المذكور أعني أصالة عدم الاستخدام تام فيكون حجة ومعارضاً مع أصالة عموم العام إِنْ كان العلم بالتخصيص في الضمير منفصلاً عن الكلام أو موجباً لإجمال الظهور في العموم إِنْ كان العلم بالتخصيص بقرينة متصلة.

ثم انه لو تنزلنا وافترضنا عدم جريان أصالة عدم الاستخدام في المقام مع ذلك ندعي وجود معارض آخر للعموم وهو ظهور تطابق مرجع الضمير مع الضمير فانَّ هذا ظهور اخر متفرع على الظهور الأول أعني تطابق الضمير مع المرجع ، وإِنْ شئت قلت : انَّ ظهور التطابق بين الضمير ومرجعه الّذي هو ظهور سياقي تارة : ينظر إليه بالعين اليسرى من طرف الضمير ، وأخرى : ينظر إليه بالعين اليمنى من طرف المرجع فانَّ المطابقة ذات طرفين لا محالة فلو فرض عدم حجيته باللحاظ الأول لكون المراد من الضمير معلوماً فلا مانع من حجيته باللحاظ الثاني ، وهو بهذا اللحاظ ليس من الشك في الاستناد بل في المراد من المرجع كما هو واضح (١).

__________________

(١) ظهور التطابق بين الضمير ومرجعه ليس سياقياً بل وضعي بدليل استفادته حتى إذا كان اللافظ غير ذي شعور كما إذا

٣٧٦

ثم انَّ المحقق الخراسانيّ ( قده ) بعد إبطاله لحجية أصالة عدم الاستخدام لكونه من الشك في الاستناد حاول إبطال التمسك بأصالة العموم أيضاً بأنها وإِنْ لم يَكن معارضها حجة إِلاَّ انَّ ثبوت ذات الظهور في عدم الاستخدام ولو لم يكن حجة كافٍ في ابتلاء العام بالإجمال وعدم انعقاد العموم فيه لاحتفافه بما يصلح للقرينة على إرادة الخصوص.

والصحيح ـ أَنْ يقال : بأنَّ صلاحية ظهور التطابق بين الضمير والمرجع للمنع عن انعقاد العموم انما يكون فيما إذا كان المخصص لحكم الضمير بمثابة المتصل المغيّر للمدلول الاستعمالي منه لا ما إذا كان منفصلاً إذ الظهور في العموم يكون منعقداً حينئذٍ لأنَّ المخصص المنفصل لا يرفع أصل ظهور الضمير في إرادة العموم منه.

هذا تمام الكلام في المقام الأول.

المقام الثاني ـ فيما إذا علم انَّ المراد الجدي من الضمير هو الخصوص ولم يعلم المراد الاستعمالي منه.

وقد ذكر المشهور هنا بقاء العام على عمومه وعدم معارضته بشيء لأنَّ المعارض المتوهم انما هو أصالة عدم الاستخدام والمطابقة بين الضمير والمرجع وهي في المقام لا تعارض أصالة العموم إذ غاية ما تقتضيه هو استعمال الضمير في العموم مع العلم بعدم إرادته جداً وهو لا يوجب تخصيص حكم العام.

والصحيح إجمال العام في المقام أيضاً وذلك بأحد بيانين أحدهما فني والاخر ذوقي :

امَّا البيان الفنّي ـ فهو انَّ المفروض على ضوء ما تقدّم في المقام السابق صلاحية خصوصية الضمير للقرينية على المراد من العام ببركة ظهور التطابق بين مرجع الضمير مع الضمير أو أصالة عدم الاستخدام ، وفي المقام وإِنْ كان إرادة الخصوص من الضمير في مقام الاستعمال غير معلوم إِلاّ انَّ خلافه أيضا غير معلوم فمن المحتمل كون المراد

__________________

سمعناه من جدار ، ولعل منشأه ان الضمير موضوع للإشارة به إلى المرجع فكأن هناك موضوعاً واحداً تصوراً يربط به حكمان أحدهما مباشرة والآخر بتوسط الضمير على ما سوف يأتي اختيار سيدنا الأستاذ ( قده ) لذلك أيضا ، وعلى هذا الأساس لا معنى لفرض وجود ظهورين أحدهما التطابق بين الضمير ومرجعه والآخر التطابق بين المرجع مع الضمير فان ذا انَّما يكون له مجال فيما إذا فرض هذا التطابق ظهوراً تصديقياً لا تصورياً وضعياً وبالملاك المذكور ، اللهم إِلاّ أن يراد ظهور آخر في وحدة المدلولين التصديقين للجملتين من حيث الموضوع ولكنه لا موجب له ، نعم قد يدعى الإجمال وعدم استقرار مدلول تصوري.

٣٧٧

الاستعمالي منه الخصوص فيدخل ما نحن فيه في باب احتمال قرينية المتصل وهو يوجب الإجمال (١).

ودعوى : التمسّك بأصالة الحقيقة في العام وأصالة عدم الاستخدام في الضمير لنفي هذا الاحتمال وإثبات كون المراد من الضمير استعمالاً هو العموم ، حيث يترتب عليه أثر بلحاظ عموم العام وإِنْ لم يكن له أثر بلحاظ الضمير.

مدفوعة : بمعارضة هذا الظهور بظهور آخر هو التطابق بين المراد الاستعمالي والمراد الجدّي وهو ظهور سياقي قائم على أساس الغلبة والتي نسبته إلى إثبات المراد الاستعمالي بالمراد الجدّي وبالعكس واحدة ومعه لا يمكن إحراز عدم استعمال الضمير في الخصوص بل يكون المقام من موارد احتمال قرينية المتصل الموجب للإجمال كما أشرنا (٢).

وامّا البيان الذوقي ـ فهو دعوى انَّ أصالة التطابق التي ذكرناها في المقام السابق بين المراد الاستعمالي من الضمير والمراد الاستعمالي لمرجعه ثابتة بلحاظ المراد الجدي منهما أيضا أي انَّ التطابق المذكور ثابت في مرحلة الاستعمال والجد معاً فإذا ثبت عدم جدية إرادة العموم من الضمير ثبت بمقتضى هذا الظهور عدم جديته في المرجع أيضاً.

بقي هنا تنبيهان :

الأول ـ انه إذا فرضنا رجوع الضمير إلى المطلق بدلاً عن العام وأُريد منه المقيد فقد يقال علي ضوء ما تقدّم إلى هنا انَّه لا يلزم من ذلك انثلام الإطلاق في المطلق لعدم استلزام الاستخدام من إرادة المقيد من الضمير لأنَّ الإطلاق ليس مدلولاً وضعياً للمطلق لكي يلزم إرجاع الضمير إلى غير معنى مرجعه بل مرجعه مستعمل في الطبيعة المهملة والضمير أيضا راجع إليها غاية الأمر كان المراد الجدّي من الضمير الطبيعة مع

__________________

(١) هذا مبني على ان يكون ظهور التطابق بين الضمير ومرجعه سياقياً تصديقياً لا تصورياً بالنحو الّذي تقدم شرحه.

(٢) الظاهر انَّ هذا الكلام انما يصح فيما إذا كان المخصص للمراد الجدّي من الضمير متصلاً لا ما إذا كان منفصلاً فانَّ القرينة ليست هي واقع المراد الاستعمالي من الضمير وإلا كان لازمه انَّ تخصيص الضمير بالمنفصل يستوجب ما لا يستوجبه تخصيص العام نفسه بالمنفصل وهو واضح البطلان ، ولازمه أَنْ يكون إحراز ظهور العام في العموم بالتعبد أي في طول إحراز المراد الاستعمالي للضمير وهو أيضاً خلاف الوجدان العرفي ..

٣٧٨

القيد فظهور التطابق بين الضمير ومرجعه أو بين المرجع والضمير لا يختل في هذا الفرع ، وهذا يؤدي بنا إلى نتيجة غريبة مرفوضة وهي أَنْ يكون الظهور الإطلاقي أقوى من العموم حيث انَّ رجوع الضمير الّذي يراد منه الخصوص إلى العام يوجب إجماله وعدم انعقاد عمومه بخلاف رجوعه إلى المطلق فلا ينثلم إطلاقه ، كما انَّ لازمه عدم عناية ولا استخدام في أَنْ يراد بالمطلق حصة من افراده وبالضمير حصة أُخرى كما إذا قال قلد العالم وأكرمه فيراد بالأول المجتهد وبالثاني غيره مثلاً مع وضوح العناية في ذلك.

وهذا يكشف لا محالة عن اختلال في الحسابات بحيث يؤدي إلى نشوء هذه المشكلة الغريبة. ويمكن في مقام حل هذه المشكلة ذكر أمور :

الأول ـ أَنْ يقال بأنَّ الضمير موضوع بإزاء ما هو المراد الجدي من مرجعه فإذا اختلف المراد الجدي من المرجع عما يراد بالضمير حصل الاستخدام واستعمال الضمير في غير ما وضع له.

وفيه : انه خلاف ما هو التحقيق والمختار في باب حقيقة الوضع لأنَّ لازمه إناطة المدلول الوضعي للضمير بمدلول تصديقي فيكون مدلوله تصديقاً وهو خلاف نظام اللغة ، فانَّ العلقة اللغوية تصورية دائماً وإِلاَّ لزم عدم وجود مدلول للجملة المشتملة على الضمير في موارد لا يوجد فيها مدلول جدي للمتكلم كموارد الهزل.

الثاني ـ أَنْ يقال بأنَّ الضمير يرجع إلى الطبيعة المهملة وهي المعنى المستعمل فيه المرجع المطلق ولكن هناك ظهور تصديقي في التطابق بين المراد الجدي من الضمير والمراد الجدي من المرجع وهذا الظهور ـ الّذي ذكرناه فيما سبق ـ هو المستلزم لتقييد المطلق إذا ما رجع إليه ضمير يراد به الخصوص.

وهذا الوجه أيضاً لا يعالج الإشكال لأنَّ لازمه عدم ثبوت عناية ومئونة فيما إذا لم يكن هناك مراد جدي للمتكلم كما في موارد الهزل وإِنْ شئت قلت هذا الحل غاية ما صنعه دفع المشكلة الأولى وهي عدم أقوائية الإطلاق من العموم وامّا المشكلة الثانية وهي العناية فيما إذا أريد بالمطلق حصة وبالضمير حصة أخرى فلا يمكن تفسيرها على هذا الأساس إذ المفروض في ذلك استعمال كل من الضمير ومرجعه فيما وضع له حيث انَّ المراد الاستعمالي منهما معاً واحد وهو الطبيعة المهملة وانما أفيد التخصيص بدال

٣٧٩

اخر مما يكشف عن ثبوت المحذور في مستوى المدلول الوضعي المستعمل فيه كل من الضمير ومرجعه.

الثالث ـ أَنْ يقال بأنَّ الضمير موضوع لما يطابق المدلول التصوّري من مرجعه ولكن بما انَّ المرجع اسم الجنس ومدلوله الوضعي هو الطبيعة المهملة وهي عند ما تأتي إلى الذهن في مقام الاستعمال لا محالة تكون مطلقة بالحمل الشائع.

فالضمير يرجع إلى الطبيعة المهملة بما لها من الحد الواقعي المتمثل في المطلق تارة والمقيد أخرى ، فإذا كان المدلول المستعمل فيه المرجع الطبيعة المطلقة بالحمل الشائع وإِنْ كان حده الإطلاقي خارجاً عن مدلول اللفظ كان هو مدلول الضمير أيضاً وهذا الاقتراح أيضاً غير تام إذ الحد الإطلاقي بالمعنى المذكور أيضاً مدلول تصديقي ولكنه مدلول تصديقي استعمالي لا جدي فإناطة المدلول الوضعي للضمير به خلاف النظام اللغوي العام في حقيقة العلقة الوضعيّة الّذي يقتضي انحفاظ مداليل مفردات الكلام في مرحلة التصور على نحو واحد بحيث ينحفظ لمجموع الكلام مدلوله التصوري ولو سمع اللفظ من الجدار. فلا بدَّ من افتراض وضع الضمير للرجوع إلى نفس المدلول التصوري الوضعي لمرجعه بلا أخذ أي قيد تصديقي زائد لا على مستوى المدلول التصديقي الاستعمالي ولا على مستوى المدلول التصديقي الجدي.

وحينئذٍ يعود المحذور والإشكال في موارد المرجع المطلق حيث لا يلزم من إرجاع الضمير إليه وإرادة حصة خاصة منه بنحو تعدد الدال والمدلول استخدام ولا عناية لوحدة المعنى الموضوع له والمستعمل فيه كل من المرجع والضمير وهو الطبيعة المهملة ، من دون أَنْ يكون ذلك منافياً مع إجراء الإطلاق ومقدمات الحكمة في المرجع لكون مدلوله تصديقيّاً أو تقييده بحجة بدال اخر إذ كل ذلك ينبغي أَنْ لا يكون فيه محذور وعناية مع وضوح المحذور فيه ووضوح انَّ الإطلاق الحكمي ليس بأقوى من العموم الوضعي.

بل يمكن ان يضاف فيقال : بأنَّ الضمير لو كان موضوعاً للرجوع إلى ما هو المدلول التصوري الّذي هو المدلول الوضعي اللغوي للمرجع فلا عناية ولا استخدام حتى إذا استعمل الضمير في معنى غير ما استعمل فيه المرجع كما إذا كان للمرجع معنيان حقيقيان أو معنى حقيقي ومعنى مجازي فأُريد به أحدهما وبالضمير الاخر ، إذ المفروض

٣٨٠