بحوث في علم الأصول - ج ٣

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٥

الحكمية لأنَّ الحجية وإِنْ كانت واحدة جعلاً إِلاَّ انها منحلة في مرحلة التطبيق ولا محذور في أَنْ يتحقق فرد في طول شمول الحجية لفرد آخر كما هو الحال في الاخبار مع الواسطة.

وهذا الجواب مع أصل الإشكال غير الصحيح لأنَّ الحجية ليست مجعولة على عنوان الشك واحتمال الخلاف وانما مجعولة على موضوع هو دلالة الدليل العام فانها الحجة وحينئذٍ فلا بدَّ من ملاحظة انه هل يمكن افتراض دلالتين في دليل العام بلحاظ الشبهتين أم لا فانْ أمكن تحصيل ذلك كان التمسك بدليل الحجية فيهما عرضياً وإِلاَّ فلا مجال للتمسك بدليل الحجية حتى بنحو طولي لعدم موضوع له ، وقد عرفت انه يمكن افتراض دلالة العام مطابقة على فعلية المجعول في الفرد المشكوك والتزاماً على ثبوت جعل له على تقدير كونه عادلاً واقعاً.

النحو الثالث ـ أَنْ يتمسك بالعامّ لإثبات حكم ظاهري لوجوب الإكرام في الفقير المشكوك عدالته وفسقه.

وهذا النحو لا يرد عليه الاعتراض الأول المتقدم على النحو الثاني كما هو واضح ولكن يرد عليه ما أشير إليه سابقاً :

أولاً ـ انَّ الحكم الظاهري في طول وصول الحكم الواقعي عقلائياً فضلاً عن ثبوته الواقعي فلو أُريد إثبات الحكم الظاهري من دون إثبات الحكم الواقعي بوجوب الإكرام على تقدير العدالة فهو غير معقول ، وإِنْ أُريد إثباتهما معاً في عرض واحد للفرد المشكوك فهو خارج عن قدرة العام الّذي لا يثبت في كل فرد إِلاَّ حكماً واحد ، وإِنْ أُريد إثبات الحكم الظاهري بالمطابقة والواقعي بالالتزام كان دوراً لما عرفت من انه في طول وصول الحكم الواقعي فلا يعقل أَنْ يكون وصول الحكم الواقعي بتوسطه.

وثانياً ـ انَّ الجعل الواقعي مع الجعل الظاهري متباينان لتباين موضوعيهما فانْ أُريد التمسك بدليل العام لإثبات الجعل الظاهري في الفرد المشكوك فهو غير معقول لأنَّ الدليل الواحد لا يتكفل إِلاَّ جعلاً واحداً وهو الجعل الواقعي بحسب الفرض ، وإِنْ أُريد التمسك به لإثبات فعلية المجعول الظاهري كانت الجملة خبرية فترجع المحاذير المتقدمة في التقدير المتقدم.

٣٢١

النحو الرابع ـ أَنْ يراد التمسك بالعامّ لإثبات جعل مطلق في الفرد المشكوك غير مقيد بالعدالة لكونها محرزة من قبل المولى نفسه نظير موارد الجعل الشخصي بنحو القضية الخارجية لوجوب إكرام زيد مع العلم بأنَّ الملاك مقيد لبّا بعدالته.

وهذا النحو من التمسك أيضاً غير صحيح وتوضيح ذلك يتوقف على تقديم امرين :

١ ـ إذا ثبت دخل قيد في الملاك بنحو قيود الوجوب لا الواجب فالتحفظ المولوي عليه يمكن أَنْ يكون بأحد وجهين ، امّا التقييد بأَنْ يجعل المولى خطابه مقيداً بحال وجود ذلك القيد وبذلك يكون الموضوع مقيداً بذلك القيد لا محالة ويكون على عاتق المكلف إحرازه ولا يمكن إحرازه من كلام المولى ، وامَّا أَنْ يجعل الحكم مطلقاً غير مقيد بذلك القيد لكونه بنفسه قد ضمن تحقق ذلك القيد ووجوده في تمام تلك الموارد وبذلك لا يضر عدم تقييد الجعل رغم كون الملاك مقيداً.

٢ ـ انَّ الحكم المشروع تارة : يكون مجعولاً على وجه كلّي أي على نهج القضايا الحقيقية التي مرجعها إلى افتراض وجود الموضوع وتقديره وجعل الحكم عليه ، وأخرى :

يجعل الحكم على وجه شخصي أي على نهج القضايا الخارجية فيشير إلى افراد خارجية ويقول أكرم هؤلاء ، وحينئذٍ في موارد ثبوت دخل قيد في الملاك إِنْ كان الجعل من القسم الأول فيتعين على المولى حفظ التقييد بالوجه الأول أي بتقييد الجعل به ولا يمكنه أَنْ يتحفظ على القيد بالنحو الثاني فانَّ القضية الحقيقية موضوعها أعم من الافراد الموجودة والمحققة فعلاً في الخارج أو المعدومة فلا يمكن التحفظ على القيد عن طريق إحراز تحققه في الافراد الخارجية مِنْ قبل المولى نفسه نعم يستثنى من ذلك حالة واحدة سوف نشير إليها.

وامَّا إذا كان الجعل على النهج الثاني فهنا يمكن للمولى أَنْ يتحفظ على القيد بكلا الوجهين من تقييد الجعل به أَو تضمينه بنفسه لإحرازه وجعل الحكم على الأشخاص مطلقاً ويكون حال هذا القيد حال أصل المصلحة من حيث عدم تقيد الحكم به.

إذا اتضح هذان الأمران فنقول :

يوجد هنا جعل كلّي على نهج القضية الحقيقية وهو وجوب الإكرام على كل فقير وقد ثبت بالمخصص المنفصل انَّ قيد العدالة دخيل في الملاك وهذا الجعل لا يمكن أَنْ

٣٢٢

يحفظ ملاكه المذكور إِلاَّ بأنْ يؤخذ العدالة قيداً فيه أيضاً لكونه قضية حقيقية بحسب الفرض ، فلا يمكن افتراض إطلاق الحكم من ناحيته على أساس تضمين المولى تحققه في تمام الافراد المحققة والمقدرة وهذا هو التعنون الّذي ذكره الميرزا ( قده ) فلا يمكن التمسك بهذا الجعل في الفرد المشكوك ، ولكن يفترض وجود جعل اخر شخصي على نحو القضية الشخصية في خصوص زيد وحيث انه جعل شخصي فيمكن أَنْ يفرض انَّ القيد يحفظ فيه بالوجه الثاني فلا يؤخذ قيد العدالة في موضوع الوجوب بل يستكشف من جعل الوجوب عليه إحراز المولى بنفسه لوجود القيد. وهذا النحو يتم لو ورد خطاب خاص في زيد فقيل ( أكرم زيداً الفقير ) ولا يقال بأنَّ إثبات عدالة زيد أجنبي عن المولى فانَّ هذا المولى الّذي جعل الوجوب على زيد مباشرة من شأنه أَنْ يحرز قيود ملاك حكمه فيه وإلا لكان عليه أَنْ يجعل بنحو القضية الحقيقية فنفس تصديه إلى جعل القضية الشخصية ظاهر في تعهده بنفسه لضمان مصب حكمه وملاكه بتمام قيوده وشرائطه.

لكن المقام لا يوجد فيه خطاب شخصي في الفرد المشكوك خاصة وانما الموجود خطاب عام متضمن لجعل كلّي ، وحينئذٍ مرجع هذا المدعى إلى انَّ بإزاء الدليل العام يوجد جعلان ، جعلي كلّي بنحو القضية الحقيقية وجعل شخصي بنحو القضية الخارجية للفرد المشكوك ومثل هذا واضح البطلان فانَّ دليل العام لا يبرز إِلاَّ جعلاً واحداً. نعم لو كانت القضية إخبارية أمكن أَنْ تكون اخباراً عن جعول عديدة لكنها ليست كذلك (١).

وهكذا ثبت عدم إمكان التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية ومن نفس هذا التحليل يتضح انَّ هناك حالتين يجوز فيهما التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية لمخصصه.

الحالة الأولى ـ وتتوقف على توفر ثلاثة شروط :

١ ـ أَنْ تكون القضية المجعولة خارجية أي موضوعها افراد محققة الوجود متعينة بالفعل في الخارج لكي يعقل فيها افتراض انَّ المولى قد تصدّى بنفسه ضمان وجود القيد فيها.

__________________

(١) بل لا تفيد حتى إذا كانت القضية إخبارية ما لم تكن اخباراً عن المجعول والقضية الخارجية فتأمل جيداً.

٣٢٣

٢ ـ أَنْ لا يستفاد من دليل التخصيص عدم تعهد المولى بإحراز القيد وإيكاله إلى المكلف ، كما إذا لم يكن الدليل بلسان التخصيص بل بلسان التعارض بنحو العموم من وجه ولكن قدم على العام لصراحته في العموم بحيث لا يمكن رفع اليد عنه وإِلاَّ ففي أدلة التخصيص ربما يدعى ظهور نفس الدليل المخصص المخرج لعنوان في انَّ المولى لا يتعهد بوجود ذلك القيد في افراد العام وإنْ كانت خارجية لا حقيقية فانَّ نفس تصدي المولى لإبراز التخصيص قرينة عرفية على ذلك.

٣ ـ أَنْ لا يثبت من الخارج فقدان بعض افراد العام للقيد. فإذا تمت هذه الشروط صح التمسك بالعامّ في الفرد المشكوك ولعل من أمثلة ذلك قولهم عليهم‌السلام ( لعن الله بني أُمية قاطبة ) حيث انَّ القضية ظاهرة في الخارجية وانه لم يثبت بمخصص لفظي انَّ المراد غير المؤمنين منهم بنحو يستكشف منه تخلي المولى عن إحراز القيد في تمام الافراد وانما ثبت ذلك بحكم العقل أو استفيد من ذوق الشارع بنحو عام كما انه لا يعلم بوجود أموي مؤمن في الخارج ، ففي مثل ذلك يجوز التمسك بالعموم لتجويز لعن كل أموي ولو شك في إيمانه.

والوجه في صحة التمسك واضح فانَّ مجرد العلم بدخل قيد الإيمان في الملاك لا يوجب انثلام ظهور الخطاب العام من عمومه بعد أَنْ كان حفظ القيد المذكور بالنحو الثاني المتقدم شرحه ، فيكون مقتضي التمسك بعموم العام ذلك.

وهذا بحسب الروح وإِنْ كانت شبهة مصداقية ولكن بحسب حرفية الشبهة المصداقية ليست شبهة مصداقية فانَّ القيد لم يؤخذ في عالم الجعل وإن كان مأخوذاً في الملاك فيكون الشك في أصل التخصيص.

نعم لو فرض انثلام شيء من الشروط المذكورة بأنْ كانت القضية مما لا يعقل فيها إحراز المولى بنفسه للقيد أو كان المخصص قرينة على عدم تعهد المولى بإحرازه أو ثبت وجود فرد في الخارج فاقد للقيد فلا محالة يستكشف انَّ المولى لم يتصد لإحراز القيد في الافراد الخارجية وإلا كيف وجد فرد في الخارج فاقد له فيكون ذلك قرينة على انَّ الجعل مقيد وليس مطلقاً.

الحالة الثانية ـ أَنْ تكون الشبهة المصداقية في نفسها شبهة حكمية بحيث كان القيد

٣٢٤

امراً تشريعياً راجعاً إلى الشارع نفسه ، كما إذا ورد دليل على انَّ كل ماء مطهر ثم بمخصص منفصل علمنا بأنَّ الماء النجس لا يطهر ثم شك في وجود ماء نجس وعدمه (١)، فهنا لو أمكن التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية أمكن إثبات انَّ كل ماء طاهر لا محالة.

والصحيح جواز التمسك بالعامّ في مثل ذلك حتى إذا كانت القضية حقيقية لا خارجية وهذه هي الحالة التي أشرنا إليها فيما سبق. والوجه في ذلك انَّ القيد حيث انَّه سنخ قيد يرجع إلى الشارع لكونه امراً تشريعياً أمكن للمولى أَنْ يتعهد بإحرازه حتى في القضية الحقيقية وذلك بجعله كذلك على تمام الافراد ومعه لا موجب لرفع اليد عن ظاهر العام في ثبوت حكمه على تمام الافراد من دون قيد في مقام الجعل. إِلاَّ انَّ التمسك بالعامّ في هذه الحالة أيضاً مشروط بالشرطين الأخيرين في الحالة السابقة أي أَنْ لا يعرف من دليل التخصيص تقييد الجعل وعدم تعهد المولى بإحراز القيد ، وانْ لا نعلم بفقدان القيد في بعض افراد العام (٢).

ثم انه نسب إلى الشيخ الأعظم ( قده ) التفصيل بين ما إذا كان المخصص المنفصل لبياً فيجوز التمسك بالعامّ في شبهته المصداقية وبين ما إذا كان لفظياً فلا يجوز.

__________________

(١) يلاحظ هنا : أولاً ـ عدم اختصاصه بالعامّ بل حتى إذا كان الدليل مطلقاً كما إذا قال « الماء مطهر » وشك في نجاسة ماء البحر مثلاً أمكن التمسّك به لإثبات مطهريته وطهارته لأنَّ النكتة المذكورة تقتضي جعل الحكم على تمام الأفراد سواءً كان ذلك بالعموم أو بالإطلاق.

وثانياً ـ إذا فرض العلم بالتخصيص بمعنى أخذ طهارة الماء قيداً في موضوع جعل المطهرية للماء بنحو القضية الحقيقية كما إذا علم بوجود الماء النجس خارجاً فلا يمكن التمسك. لا بالعامّ ولا المطلق في الشبهة المصداقية لما تقدم من ان تطبيق الجعل على مصاديقه خارج عن مرحلة المدلول ، وان لم يؤخذ ذلك قيداً بأن جعل المطهرية للماء واحتملنا ان الجعل عام أو مطلق وان كنّا نعلم بأنه لو كان هناك ماء نجس فلا محالة يكون الجعل مقيداً بعدمه ، فهذا معناه بالدقة الشك في أصل تخصيص الجعل خطاباً وان كان يعلم بتقييد الحكم ملاكاً فيكون خارجاً عن محل الكلام على أنَّه خلاف جديّة الخطاب بلحاظ روح الحكم إذا كانت القضية حقيقية وان لم يلزم منه نقض الغرض.

(٢) بالنسبة للشرط الثاني في الحالتين ربما يناقش : بأنه غير لازم ، وذلك لأنه إذا ثبت مثلاً انَّ ماء البحر نجس فلا دليل على انَّ جعل المطهرية لكل ماء ـ أو طبيعته كما في المطلق ـ مقيد بغير النجس بل لعله مقيد بغير ماء البحر الّذي هو أضيق تقييداً من الأول فيبقى العام أو المطلق شاملين للفرد المشكوك نجاسته من الماء من غير ماء البحر ما دام يحتمل تكفل المولى بإحراز تحقق قيد عدم النجاسة في سائر الافراد ، فتحفظا على عموم كلام المولى أو إطلاقه حيث لا يعلم تقيد الجعل بأكثر من ذلك نثبت إحراز المولى للقيد بنفسه في الموارد الأخرى.

والجواب : إنَّ التبعيض في القضية الواحدة بلحاظ الافراد بحيث تكون حقيقية بلحاظ بعض الافراد وخارجية بلحاظ البعض الاخر أي يكون المولى محرزاً للقيد بلحاظ بعض وغير محرز بلحاظ البعض الاخر بل مخرجاً له بنحو التقييد خلاف الظاهر.

٣٢٥

وقد حاول المحققون المتأخرون أَنْ يخرجوا ذلك على أساس انَّ المخصص اللفظي باعتباره يصنف ظهور العام إلى صنفين فلا محالة يشك في انطباق ما هو الحجة من ظهور العام على الفرد المشكوك لاحتمال اندراجه تحت ظهور المخصص وهذا بخلاف ما إذا كان المخصص لبياً لأنَّ ما هو المخصص حينئذٍ انما هو القطع واليقين ومن الواضح اختصاصه بخصوص الفرد المتيقن خروجه واما المشكوك فيعلم بعدم اليقين فيه فيعلم بعدم شمول المخصص له.

وهذا التوجيه واضح الضعف إذ لا فرق ، بين المخصص اللبّي واللفظي من ناحية معقولية الشك والشبهة المصداقية لهما فيما إذا كان التخصيص ثباتاً بعنوان كلّي كبروي سواءً كان الدليل عليه لفظياً أو لبياً ، كما إذا حكم العقل بعدم جواز لعن المؤمن مثلاً وكان الشك في مصداق ذلك العنوان الخارج بالتخصيص فافتراض إضافة المخصص اللفظي إلى العنوان الكلّي دون المخصص اللبي جزاف.

نعم يمكن أَن يكون هذا التفصيل صحيحاً في إطار الحالتين اللتين استثنيناهما بمعنى أَنَّ كون المخصص لبياً يكون محققاً للشرط الثاني في الحالة الأولى والأول في الحالة الثانية ، حيث انَّ المخصص اللبي من الواضح عدم كونه ناظراً إلى العام وكاشفاً عن تخلي المولى عن ضمان تحقق القيد بخلاف المخصص اللفظي حيث قلنا انه يكون عرفاً قرينة على تقيد الجعل العام وتخلي المولى عن ضمان وجود ذلك القيد في افراده خارجاً.

٣٢٦

« التعويض عن العام باستصحاب العدم الأزلي »

تذييل :

بعد الفراغ عن عدم جواز التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية لمخصصه وقع الكلام بينهم في إمكان التعويض عنه بأصل موضوعي يُنقح موضوع العام وهو استصحاب عدم عنوان الخاصّ ، حيث ان موضوع العام أصبح ببركة التخصيص مركباً من جزءين أحدهما العنوان المأخوذ في العام المحرز انطباقه على المشكوك وجدانا ، والاخر عدم العنوان الخاصّ الخارج من حكم العام فإذا أمكن إحرازه بالأصل تمّ الموضوع المركب لا محالة.

وهذا الكلام لا إشكال فيه ولا جدال فيما إذا فرض انَّ العنوان الخارج بالتخصيص سنخ عنوان له حالة سابقة في الفرد المشكوك من قبيل عنوان الفاسق المسبوق بالعدم ولو في حال صغر الإنسان. وانما النزاع والبحث في العناوين التي تكون ملازمة في وجودها مع موضوع الوصف من قبيل ما إذا خرج بالتخصيص مثل ( أكرم كل فقير إِلاَّ الفقير الأموي ) حيث انَّ الأموية وصف على تقدير ثبوته فهو موجود مع موصوفه منذ وجوده لا انه يعرض عليه فيما بعد كالفسق ، وهذا يعني انه لا توجد حالة سابقة لعدمه إِلاَّ بعدم موضوعه ، وهو المصطلح عليه بالعدم الأزلي ، فوقع النزاع بينهم في انه هل يجري مثل هذا الاستصحاب العدمي أم لا؟

٣٢٧

والواقع انَّ هذا الاستصحاب تارة : يراد تطبيقه لإثبات حكم العام بتنقيح موضوعه ، وأخرى : يراد تطبيقه لنفي حكم الخاصّ في نفسه لو كان إلزامياً ولو فرض عدم إمكان إحراز موضوع العام به ، وثالثة : يكون المراد منه نفي العنوان المسبوق بالعدم بنحو العدم الأزلي لنفي حكمه ولو لم يكن ذلك الحكم تخصيصاً لحكم اخر بل حكم رتب على ذلك الموضوع في دليله.

وكلمات المحققين في هذه المسألة ليست منصبة على مركز واحد من البحث.

فالبرهان المنقول عن المحقق النائيني ( قده ) والّذي أنكر على أساسه جريان هذا الاستصحاب يختص بالموضع الأول من المواضع الثلاثة ولا يشمل الموضعين الأخيرين ، بينما المحقق العراقي ( قده ) الّذي أشكل في جريان هذا الاستصحاب أيضا على تقدير دون تقدير لا يختص اشكاله بالموضع الأول بل يجري في المواضع الثلاثة كلّها ، كما انَّ للمحقق النائيني ( قده ) بياناً يذكره بنفسه في رسالته المعروفة في اللباس المشكوك لو تم يشكل إشكالاً على جريان الاستصحاب المذكور في الموضعين الأخيرين الّذي يراد فيهما نفي الحكم باستصحاب العدم الأزلي.

هذه فروق في كلمات الاعلام المذكورة في هذا الصدد سوف نشير إليها من خلال البحث عن الموضع الأول الّذي هو الموضع الرئيسي للبحث عن جريان هذا الاستصحاب وعدم جريانه ، فنقول :

ذهب المحقق الخراسانيّ ( قده ) إلى جريان استصحاب العدم الأزلي مطلقاً وخالفه في ذلك المحقق النائيني ( قده ) فأنكر جريانه مطلقاً وذهب المحقق العراقي ( قده ) إلى تفصيل في جريانه وذهب السيد الأستاذ إلى جريانه مطلقاً تبعاً لصاحب الكفاية ( قده ).

وقبل البدء بذكر أدلة المثبتين والنافين لا بأس بإشارة إلى بحث حاصله : انه لا إشكال في جريان البحث المذكور بناء على المسلك القائل بتعنون العام بعد ورود التخصيص ، حيث يصبح موضوع الحكم مركباً من جزءين فيمكن أَنْ يحرزا معاً أحدهما بالوجدان والآخر بالأصل والتعبّد وبذلك يرتب حكم العام.

وامَّا إذا قيل بعدم تعنون العام فلا معنى حينئذٍ لإجراء الاستصحاب المذكور

٣٢٨

لتنقيح حكم العام ، نعم يمكن إجراءه لنفي حكم الخاصّ لو قيل به.

إِلاَّ انَّ المحقق الخراسانيّ ( قده ) على ما يبدو من قوله ( انَّ الباقي تحت العام بعد تخصيصه بالمنفصل أو كالاستثناء من المتصل لما كان غير معنون بعنوان خاص بل بكل عنوان لم يكن بعنوان الخاصّ كان إحراز المشتبه منه بالأصل الموضوعي في غالب الموارد إِلاَّ ما شذ ممكناً فبذلك يحكم عليه بحكم العام ) (١) يذهب إلى جريان البحث المذكور حتى على القول بعدم تعنون العام.

وكأنَّ نظره في هذا الكلام إلى دعوى : انَّ العام وإنْ لم يتعنون بنقيض عنوان الخاصّ إِلاَّ انه لما كان الدليل العام يثبت حكمه على الافراد بكل عنوان عدا العنوان الخارج بالمخصص أصبح كل عنوان من تلك العناوين مشمولاً له ، ففي المثال المتقدم كان العام دالاً على وجوب إكرام الفقير الأموي وغير الأموي والفقير القرشي والفقير الّذي لا يكون أموياً وهذا وإِنْ كان ملازماً مع الفقير غير الأموي إِلاَّ انه عنوان آخر غيره والّذي خرج بالمخصص هو الأول واما الأخير فباقٍ تحت العام وباستصحاب عدم الأموية بنحو العدم الأزلي يحرز هذا العنوان فيرتب عليه حكم العام لا محالة.

وهذا الكلام غير تام لوضوح انَّ العموم لا يعني جمع القيود والعناوين بحيث يكون كل عنوان من العناوين المنطبقة على الأفراد موضوعاً للحكم ، كيف ولو كان كذلك لزم تعدد الجعل وقد تقدّم انَّ الدليل العام لا يتكفّل إلاّ جعلاً واحداً.

بل العموم يعني عدم الاختصاص بعنوان واحد أو بافراد عنوان واحد فالعام كالمطلق من حيث انهما معاً رفض للقيود والعناوين وليس تجميعاً لها ، وبناء عليه فان أمكن إثبات حكم العام بالتمسك بأصالة العموم فهو وإِلاَّ فباستصحاب عدم عنوان الخاصّ لا يمكن إثبات حكم العام بناءً على عدم التعنون

وأيّا ما كان فلنرجع إلى مسألتنا الرئيسية فنقول :

انَّ الأقوال في جريان استصحاب العدم الأزلي ثلاثة كما عرفت ، ونبدأ فيما يلي باستعراض أدلة القول بعدم جريانه مطلقاً الّذي ذهب إليه المحقق النائيني ( قده ) مع

__________________

(١) كفاية الأصول ، ج ١ ، ص ٣٤٦

٣٢٩

مناقشات أصحاب القول بجريانه مطلقاً كالسيد الأستاذ ثم نتعرض لتفصيل المحقق العراقي ( قده ).

والمحقق النائيني ( قده ) له كلامان في إثبات ما ذهب إليه.

أحدهما ـ الكلام المنقول عنه في الأصول والّذي يقتضي البرهنة على عدم جريان الاستصحاب المذكور في خصوص المورد الأول من الموارد الثلاثة المتقدمة ، أي ما إذا أُريد تنقيح موضوع العام المخصص به ، ولأجل ذلك ذكر الأستاذ في الردّ على مناقشات المحقق العراقي ( قده ) مع الميرزا بأنها كلها في واد غير ما أنكر فيه الشيخ النائيني ( قده ) جريان استصحاب العدم الأزلي ، حيث افترض انَّ نظر الشيخ النائيني في هذه الكلام إلى المورد الأول فقط من تلك الموارد.

والثاني ـ ما ذكره المحقق النائيني ( قده ) بنفسه في رسالته الخاصة باللباس المشكوك والّذي هو برهان خاص بالموردين الثاني والثالث من الموارد الثلاثة.

امَّا الكلام الأول المنقول عنه في تقريرات بحثه فلمزيد توضيحه وتحديد نقاط الخلاف والنفي والإثبات بينه وبين أصحاب القول الثاني كالسيد الأستاذ نستعرضه من خلال نقاط (١).

النقطة الأولى : انَّ الموضوع لحكم شرعي إذا كان مركباً من جزءين ، فتارة : يلحظ كل جزء منهما بحياله وبما هو هو موضوعاً للحكم ، وأُخرى : يلحظ أحدهما بما هو مضاف إلى الاخر ونعت له موضوعاً للحكم.

فعلى التقدير الأول يمكن إحراز ذلك الجزء إثباتاً أو نفياً فيما إذا كانت حالة سابقة لذلك الجزء بما هو هو وبحيال نفسه. وامَّا في التقدير الثاني فلا يمكن ذلك إِلاّ فيما إذا فرض انَّ حيثية النعتية والإضافة إلى ذلك الجزء أيضا كانت ثابتة في الحالة السابقة وامَّا ملاحظة الحالة السابقة لنفس الجزء بما هو هو فلا تكفي لإثبات الموضوع لأنَّه وإِنْ كان يلزم من وجوده الآن تحقق تلك الإضافة إِلاَّ انَّ هذه ملازمة عقلية لا تثبت بالأصول الشرعية كما هو واضح.

__________________

(١) أجود التقريرات ، ج ١ ، ص ٤٦٥ ـ ٤٧٢

٣٣٠

وهذه نقطة واضحة لا خلاف فيها.

النقطة الثانية ـ وهي بمثابة تحقيق صغرى ما ذكر في النقطة السابقة ، انَّ الجزءين المأخوذين في الموضوع المركب إذا فرض انهما جوهران أو عرضان أو جوهر وعرض لجوهر آخر فلا يعقل افتراض النعتية بينهما إلا بافتراض أخذ عناية زائدة كأخذ عنوان التقارن بينهما وهذا خارج عن هذا البحث ، فلا يعقل في هذه الأنحاء الثلاثة إلا التركيب على النحو الأول أي أن يكون كل من الجزءين مأخوذاً بما هو هو وبحيال نفسه في الموضوع المركب ، إذ يستحيل أَنْ يكون الجوهر نعتاً لجوهر أو العرض نعتاً لعرضٍ أو عرض جوهر نعتاً لغير جوهره ومحله. وهذا بخلاف ما إذا كان الجزءان جوهراً وعرضه أي محلاً وعرضه.

وهذه النقطة أيضاً محل وفاق بين المحقق النائيني ( قده ) والسيد الأستاذ.

النقطة الثالثة ـ انَّ الجزءين إذا كان جوهراً وعرضه فإذا كان العرض بوجوده جزءاً كالفقير والعدالة مثلاً فالبرهان قائم على انَّه لا بدَّ وأَنْ يكون مأخوذاً بما هو نعت لا بما هو هو وبحياله وسوف يأتي التعرض لذلك البرهان.

وهذه النقطة أيضاً من حيث الفتوى والنتيجة محل وفاق بين المحقق النائيني والسيد الأستاذ ولكن يختلفان في الطريقة والمدرك عليه كما سوف يأتي الحديث عنه.

النقطة الرابعة ـ انَّ الجزءين المشتملين على عرض ومحله لو فرض أخذ عدم العرض جزءً للموضوع المركب ، فائضاً لا بدَّ وأَنْ يكون مأخوذاً بنحو التوصيف والنعتية أي اتصاف المحل بعدم ذاك العرض في موضوع الحكم لنفس البرهان المتقدم في النقطة السابقة ، ولهذا لم يجز عند الميرزا ( قده ) إجراء استصحاب عدم القرشية لأنَّ عدم قرشية المرأة كقرشيتها بمقتضى ذلك البرهان يكون جزءً من الموضوع لا بما هو هو وبحياله المسمّى بالعدم المحمولي لكي يثبت باستصحاب العدم الأزلي الثابت قبل تحقق الموضوع بل بما هو وصف ونعت للمرأة ، وهذا لا حالة سابقة له وانما الحالة السابقة لعدم الاتصاف واستصحابه لا يثبت الاتصاف بالعدم.

وهذه النقطة هي التي قد خالف فيها السيد الأستاذ شيخه النائيني وأنكر ضرورة أخذ عدم العرض بنحو التوصيف والناعتية لمحله ، لعدم تمامية البرهان الّذي يعرضه

٣٣١

المحقق النائيني ( قده ) ولذلك لم يَر بأساً في إجراء استصحاب العدم الأزلي لإثبات حكم العام فيما إذا استظهر انَّ عدم عنوان الخاصّ المأخوذ جزءً لموضوعه كان محمولياً لا نعتياً ـ كما هو كذلك على ما سوف يأتي الحديث عنه ـ وبهذا يتضح : انَّ الخلاف بين العلَمين صغروي وليس كبرويا ، بمعنى انهما يتفقان في كبرى إمكان إثبات جزء الموضوع المركب لحكم سواءً كان وجودياً أو عدمياً باستصحاب ذلك الجزء بحياله إذا كان جزءً بهذا الاعتبار وعدم إمكان إثباته إذا كان مأخوذاً بنحو ناعت كما يدعيه المحقق النائيني ( قده ) أو لا كما يدعيه السيد الأستاذ.

ثم انه قبل أَنْ ندخل في النقطة القادمة المتضمنة لاستعراض أدلة الطرفين فيما اختلفا فيه من هذه النقطة والنقطة السابقة ينبغي أَنْ نفهم معنى أخذ العرض إثباتاً أو نفياً بنحو نعتي تارة ومحمولي أخرى ، وهل هذا معقول في نفسه في طرف وجود العرض وعدمه أو لا؟ فانه إذا ثبت عدم معقولية أَنْ يكون عدم العرض نعتاً لمحله فلا تصل النوبة إلى ما ادعي في النقطة الأخيرة من إمكان أو ضرورة كون عدم العرض ملحوظاً بنحو نعتي لمحله ، وبهذا الصدد نقول :

يمكن أَنْ يراد بالنعتية أَحد معانٍ :

الأول ـ ما ذكره السيد الأستاذ في رسالته المعقودة في حكم اللباس المشكوك من انَّ المراد بنعتية العرض لمحله أخذ الوجود الرابط وهو الوجود في غيره الّذي هو أخسّ أنواع الوجود الأربعة في الموضوع.

وفرّع على ذلك عدم معقولية النعتية في طرف عدم العرض ومحله إذ لا يعقل الوجود الرابط بين العدم والمحل لأنَّ الوجود الرابط لا بدَّ وأَنْ يكون بين وجودين لا بين عدم ووجود فانه يعني تقوم الأمر الوجوديّ بالعدمي وهو محال ، فلا تعقل النعتية في طرف العدم إِلاَّ بإرجاعه إلى ملازمات العدم من الأمور الوجودية الأخرى التي يعقل افتراض الوجود الرابط بينها وبين المحل ، فأخذ عدم عرض بنحو ناعت لمحله يعني أخذ الصفة الوجودية المضادة والتي يمكن ان يكون بينهما وبين ذلك المحل وجود رابط في الموضوع.

٣٣٢

وهذا الوجه مما لا يمكن المساعدة عليه سواءً قبلنا فكرة الوجود الرابط ـ كما هو ظاهر كلامه هنا ـ أو أنكرناها ـ كما هو صريح كلامه المتقدم في بحث المعاني الحرفية في مناقشة شيخه المحقق الأصفهاني ( قده ) ـ وذلك لأنَّه :

أولاً ـ الوجود الرابط انما يعقل حقيقة في باب الاعراض المقولية الحقيقية كالبياض مثلاً مع محله مع انَّ الاعراض الناعتة لمحلها لا تنحصر بذلك بل هناك أعراض انتزاعية وأعراض اعتبارية كالزوجية والطهارة ونحوهما التي لا وجود خارجي للعرض فيها أصلاً وهي في ناعتيتها على حد ناعتية الاعراض المقولية من حيث إضافتها إلى محلها مما يعني انَّ النعتية لا يمكن أَنْ يراد بها اعتبار الوجود الرابط الخارجي.

وثانياً ـ ما ذا يقال في العرض الّذي لا يوجد ضد وجودي له فانه لا بدَّ وأَنْ يلتزم بعدم تعقل العدم النعتيّ فيه أصلاً حتى بالعناية المذكورة مع انه بحسب الوجدان لا إشكال في اتصاف المحل بعدمه النعتيّ حين انعدامه ولا فرق بينه وبين عدم عرض له ضد من ناحية إمكان إضافة العدمين إلى محلهما على حدّ سواء.

الثاني ـ ما ذكره المحقق النائيني ( قده ) في رسالته المعقودة أيضاً في حكم اللباس المشكوك من انَّ المراد بالنعتية ملاحظة العرض بما هو وجود رابطي لموضوعه ، توضيح ذلك انَّ العرض وإِنْ كان في مرحلة التعقل كالجوهر موجود في نفسه بمعنى انه يتعقل مستقلاً ولكنه بلحاظ مرحلة التحقق والتعين في الخارج وجوده في نفسه عين وجوده لموضوعه خلافاً للجوهر ولهذا كان نعتاً له ، فالنعتية تعني ملاحظة مرحلة تحقق العرض في الخارج ليرى بهذه النظرة انه موجود لغيره ومظهر من مظاهرة.

وهذا الوجه أيضاً مما لا يمكن المساعدة عليه ، فانه مضافاً : إلى كونه على خلاف فرض المحقق النائيني ( قده ) حيث ينتج عدم معقولية النعتية في طرف عدم العرض حيث لا يكون وجوده العيني عين وجوده لغيره إذ لا وجود له لكي يكون كذلك ، يختص كالوجه السابق بالاعراض المقولية الحقيقية في الخارج ولا يستطيع أَنْ يفسر النعتية في الاعراض الانتزاعية أو الاعتبارية التي ليس فيها وجود رابط ولا رابطي في الخارج.

الثالث ـ انَّ النعتية يراد بها النسبة التحصيصية القائمة في عالم المفاهيم بين العرض

٣٣٣

ومحله ، كما في قولنا عدالة العالم المنتزعة بلحاظ الاتصاف والربط الواقعي الثابت بينهما في لوح الواقع قبل لوح الوجود وانما يعرض الوجود على المتصف ومفهوم النعتية والصفتية مفاهيم اسمية منتزعة عن تلك المعاني النسبية بحسب الحقيقة شأنه في ذلك شأن سائر المفاهيم الاسمية المنتزعة عن النسب الخارجية كمفهوم الظرفية والابتدائية والمعيّة والتقارن وغيرها ، فأخذ أحد جزئي الموضوع نعتاً للآخر يعني أخذ هذه النسبة بينهما في موضوع الحكم لا أخذ كل منهما بحياله.

وهذا معنى لا يعقل بين غير العرض ومحله ، نعم يتعقل بينهما أنواع أخرى من النسب والإضافات التي هي أمور واقعية كنسبة الظرفية مثلاً بين الماء والكوز وانْ كانت نفس الظرفية أو المظروفية من الاعراض النسبية للكوز أو الماء كما هو واضح.

ولا يرد على هذا الوجه النقض بالاعراض الانتزاعية أو الاعتبارية ، امَّا الأول فلأنها أمور واقعية ثابتة في لوح الواقع الّذي هو أوسع من لوح الوجود فيكون الربط الواقعي بينهما ثابتاً أيضاً ، وامَّا الثاني فلأنَّ الأمر الاعتباري وإِنْ كان نفس المنشأ فيه كالطهارة والطلاق اعتبارياً فرضياً إِلاَّ انه في طول لحاظ هذا الاعتبار ولحاظ واقعيته وهماً يكون الربط بينه وبين الموضوع ثابتاً أيضاً من خلال منظار ذلك الاعتبار فيرى الجسم متصفاً بالطهارة والمرأة متصفة بأنها مطلّقة.

وهذا المعنى للنعتية صحيح ، بل يمكن إرجاع المعنيين الأوليين إليه أيضاً بعد تعديل ما ورد فيهما من التعبير بالوجود الرابط أو الرابطي إلى الواقع الرابط أو الرابطي لكي لا يرد النقض بالاعراض غير الوجودية. وهو كما ذكر لا يتصور إِلاَّ بين العرض ومحله لا الجوهرين ولا العرضين ولا الجوهر وعرض جوهر آخر ، حيث لا يمكن أَنْ توجد الإضافة والربط والتحصيص بينهما.

ولكن لا موجب لتخصيص البحث عن استصحاب العدم الأزلي بذلك فانه جار في كل جزءين لموضوع مركب أُخذ بينهما ربط مخصوص سواءً كان ربطاً نعتياً أو غيره فيبحث عن انَّ استصحاب مفاد كان التامة في أحد ذينك الجزءين أو مفاد ليس التامة هل يجري ، أو لا يجري لأنه لا يثبت الربط الخاصّ بينهما؟ وليست القيود الثابتة لموضوعات الأحكام بأدلة التخصيص أو غيرها تكون دائماً من قبيل العرض والمحل بل

٣٣٤

قد يكون من قبيل الجوهرين أو العرضين أو الجوهر وعرض محل اخر المأخوذ بينهما إحدى النسب التحصيصية الممكنة بينهما ، نعم يشترط في الربط المذكور أَنْ لا يكون مجرد ربط إنشائي اعتباطي في مقام التعبير فحسب بحيث ليس له ما بإزاء خارجي فانه حينئذٍ تحكم المناسبات العرفية بإلغائه وعدم دخله في ما هو موضوع الحكم المراد إثباته بالاستصحاب ويترتب على هذا التفسير مطلبان :

المطلب الأول ـ انَّ النعتية بهذا المعنى بين عدم العرض ومحله غير معقول بل مطلق الربط بينهما غير معقول.

والوجه في ذلك : انَّ الربط النعتيّ كما قلنا يعني تحصيص أحد الأمرين بالاخر وعدم العرض لا يمكن أَنْ يحصص بالموضوع وانما التحصيص دائماً في طرف المعدوم الّذي هو صفة للموضوع ومنتسب إليه في لوح الواقع لا العدم نفسه فيكون العدم دائماً عدماً للمحصص لا عدماً محصصاً ، فقيد العالم في عدالة العالم تحصيص للعدالة لا لعدمها وكذلك عدم قرشية المرأة فيكون العدم محمولياً دائماً والربط والتقييد في جانب المعدوم ، وهذا المطلب وإِنْ أرسله الحكماء إرسال المسلمات ولم يبرهنوا عليه ولكن بالإمكان لنا أَنْ نبرهن عليه بما يلي :

انَّ عدم العدالة إذا فرض تحصيصها إلى حصتين حصة مربوطة بالعالم وحصة مربوطة بالجاهل فنتساءل هل انَّ للمعدوم وهو العدالة المضاف إليها العدم حصتان أو حصة واحدة أي عدالتان أو عدالة واحدة؟ فانْ قيل بالأول استحال التحصيص مرة ثانية في جانب العدم لأنَّ عدم تلك الحصة من العدالة وهي عدالة العالم مثلاً لا تصدق على غير مورده كعدم عدالة الجاهل لكي يقبل التحصيص بل هو منحصر فيه فان تحصيص المعدوم تحصيص لعدمه تبعاً ومعه لا يتعقل تحصيصه مرة أخرى ، وإِنْ فرض انَّ المعدوم حصة واحدة وهي جامع العدالة وطبيعيّه فيلزم :

أولاً ـ عدم وحدة النقيض بمعنى عدم انحفاظ التقابل الموجود بين النقيضين ، إذ سوف يكون مقابل حصتين من العدم أي عدمين وجود واحد ونقيض واحد وهو محال.

وثانياً ـ انَّ عدم جامع العدالة يعني عدم كل افراده وهذا يعني أخذ عدم عدالة الجاهل أيضاً نعتاً للعالم وهو محال لأنَّ عدالة الجاهل عرض جوهر اخر وعدمها على

٣٣٥

تقدير كونه نعتاً فهو نعت له لا للعالم.

ولا يقاس ذلك بالوجود فانَّ وجود العدالة باعتباره خارجاً عين الموجود فلا محالة كان متحصصاً إلى حصتين تبعاً له وامّا عدم العدالة فهي نقيضها ومقابل لها مصداقاً (١).

وهكذا يثبت انَّ عدم العرض لا يكون إِلاَّ محمولياً ولا يعقل أَنْ يكون نعتاً للموضوع ومرتبطاً به إِلاَّ بنسبة ذهنية إنشائية لا تكون موضوعاً للأثر شرعاً.

نعم الأوصاف الوجودية المساوقة والملازمة مع عدم العرض يمكن أَنْ تكون نعتاً للموضوع وإلى ذلك يرجع كل ما ثبت من النسب التقييدية بين موضوع وعدم عرضه كقوله تعالى ( بقرة لا فارض ولا بكر ) وقوله ( وفدت عليه بغير زاد ) وهكذا.

المطلب الثاني ـ لو تنزلنا وتصورنا النعتية بين عدم العرض والموضوع قلنا مع ذلك انَّه لا يمنع عن جريان استصحاب العدم الأزلي بنحو يثبت العدم النعتيّ فيما إذا كان عدم العرض مضافاً إلى ذات الموضوع لا إلى الموضوع الموجود في الخارج بما هو موجود ، وذلك لأنَّ هذا العدم النعتيّ يكون ثابتاً في الأزل أيضاً بثبوت العدم المحمولي فانَّ ذات هذه المرأة لا المرأة الموجودة بما هي موجودة ـ كما انها في الأزل لم تكن بقرشية وهذه سالبة محصلة ـ كانت لا محالة متصفة بعدم القرشية اتصافاً ثابتاً في لوح الواقع الأوسع من لوح الوجود. ودعوى : انَّ العدم النعتيّ قضية موجبة معدولة فيستدعي وجود موضوعها

__________________

(١) قد يقال : لا إشكال في ان الوجود والعدم مفهومان عرضيان وليسا كالمقولات الماهوية بل يعرضان على الماهية المطلقة أو المقيدة المتحصّصة فالتحصيص ابتداءً بين الماهيات ، كما انه لا ينبغي الإشكال في ان وجود الماهية المتحصصة كعدالة العالم نقيضها عدم عدالة العالم لأن نقيض المقيد رفع المقيّد لا الرفع المقيّد ، إِلاَّ أَنْ هذا لا يعني عدم معقولية الرفع المقيد بالموضوع الّذي هو المراد بالعدم النعتيّ لأن الذهن كما ينتزع المفاهيم المقولية عن الخارج كذلك ينتزع مفهوم الوجود والعدم ويتعامل معها تعامل المفاهيم المقولية من حيث التحصيص لأن التحصيص من شئون المفاهيم بما هي مفاهيم لا من شئون الواقع الخارجي ومن هنا يقال ( زيد موجود ) كما يقال ( زيد عالم ) ويقال ( العنقاء معدوم ) كما يقال ( العالم عادل ) ولا يراد بالعدم النعتيّ إِلاَّ تحصيص مفهوم بمفهوم العدم فالعالم له حصتان حصة مع العدالة وحصة بلا عدالة ، كما يشهد بذلك الوجدان القاضي بأنه لم يؤخذ في مفهوم العالم غير العادل إِلاّ مفهومي العالم وعدم العدالة مع النسبة بينهما.

والجواب : ان تحصيص العالم وتقييده بعدم العدالة ليس إِلاّ مجرد تحصيص ذهني منتزع بالتبع من إضافة العدالة إلى العالم ، أي هي نسبة تحصيصية ذهنية بحتة ولا تحكي نسبة واقعية خارجية إذ لا نسبة حقيقةً بين المحل وعدم العرض ، بخلاف وجود العرض فان هناك حقيقة ثالثة غير وجود المحل ووجود العرض وهي النسبة الواقعية بينهما.

٣٣٦

كما يقول المناطقة لأنَّ ثبوت شيء فرع ثبوت المثبت له ، صحيحة إِلاّ أن ثبوت شيء لشيء انَّما يكون بالنحو الّذي يفرض في جانب ما يثبت من اللوح المناسب لذلك الثبوت وقد قلنا ان لوح الواقع أوسع من لوح الوجود الخارجي ، فلو كانت النعتية والنسبة بين عدم العرض والمحمل كالنسبة بين العرض والمحل ثابتاً فلا محالة ثابت في لوح أسبق من مرحلة الوجود لصدق عدم عدالة زيد قبل وجوده وهذا يعني انَّ عدم العدالة مضاف إلى ذات زيد لا زيد الموجود فلا يشترط إِلاَّ ثبوت موضوعه في هذا الصقع واللوح الّذي هو أسبق من مرحلة الوجود.

فالعالم قبل وجوده يكون متصفاً بعدم العدالة لكونه معدوماً فعدالته أيضاً معدومة في لوح الواقع ولو أخبر عنه بعدم نفسه أو عدم عدالته كان الخبر صادقاً (١).

وهذا نظير صدق الاخبار عن الإنسان بأنه ممكن أو شريك الباري بأنه ممتنع من حيث عدم ثبوت الموضوع إِلاَّ في صقع ثبوت المحمول لا في صقع الوجود الخارجي.

النقطة الرابعة ـ فيما استدل به العلمان لإثبات ما تقدم في النقطة الثالثة والثانية المتقدمتين أي إثبات كون عدم العرض المأخوذ في الموضوع يكون نعتياً أو محمولياً.

والبحث هنا في مقام الثبوت تارة وفيه نستعرض الأدلة الثبوتية التي قد يستدل بها لإثبات النعتية ، وفي مقام الإثبات أخرى وفيه نستعرض ما يمكن أَنْ يكون هو المستظهر من الأدلة الدالة على تركيب موضوع الحكم وكون العدم محمولياً لا نعتياً.

امَّا المقام الأول فقد ذكرنا انَّ السيد الأستاذ قد وافق الشيخ النائيني ( قده ) في ضرورة نعتية العرض المأخوذ وجوده جزءً للموضوع وانما خالفه في ضرورية ذلك في طرف عدم العرض.

وقد برهن على مدعاه بأنَّ العرض لو كان وجوده جزءً في الموضوع فلا محالة لا بدَّ من افتراض أخذه بنحو نعتي مرتبط بالموضوع الّذي هو الجزء الاخر فتكون قرشية المرأة موضوعاً لا ذات القرشية مع ذات المرأة لأنه يستلزم منه فعلية الحكم حتى إذا كانت

__________________

(١) القائل بنعتية العدم انما يقول بنعتية تلك الحصة من عدم العرض المقارن مع وجود الموضوع وفي طوله المعبر عنه بالقضية المعدولة لا مطلق عدم العرض ولو من باب السالبة بانتفاء الموضوع لأن انتزاع الذهن لمفهوم العالم غير العادل كانتزاعه للعالم العادل يكون الاتصاف والنعتية فيه في طول الموضوع فليس مطلق العدم المتحقق خارجاً نعتاً للموضوع.

٣٣٧

المرأة غير قرشية فيما إذا وجدت قرشية ما في الخارج ولو في موضوع اخر وهو خلف التقييد المقصود للمولى

وهذا انما يصح في جانب الوجود لا العدم إذ فيه كما يمكن تقييد العدم بالموضوع يمكن تقييد المعدوم به وأخذ نفس العدم محمولياً غير مرتبط بالموضوع.

وامَّا الشيخ النائيني ( قده ) فقد استدل على مدعاه ـ على ما جاء في تقريرات بحثه ـ بأنَّ انقسام الموضوع بلحاظ صفاته ونعوته يكون متقدماً رتبة على انقسامه بلحاظ مقارناته الخارجية فلا بدَّ وأَنْ تلحظ أوصاف الموضوع في مقام الجعل في مرتبة أسبق ، ومن الواضح انَّ العدم النعتيّ وكذا الوجود النعتيّ يكون من الانقسامات الأولية المتقدمة في الرتبة على الانقسام بلحاظ العدم المحمولي الملازم والمقارن خارجاً مع العدم النعتيّ فلا محالة يكون موضوع الحكم في الرتبة السابقة مقيداً بالعدم النعتيّ ، حيث ان الإهمال ثبوتاً مستحيل والإطلاق خلف الغرض ومستلزم للتهافت مع التقييد بالعدم المحمولي. ومع ثبوت التقييد في تلك المرتبة كان تقييد الحكم بعد ذلك بالعدم المحمولي لغواً وغير مجدٍ في إجراء الاستصحاب أيضاً.

وهذا البيان بهذا المقدار قد أورد عليه من قبل السيد الأستاذ بإنكار أصله الموضوعي الّذي افترض وكأنه امر بديهي وهو انَّ الانقسامات الأولية للموضوع متقدمة في مقام جعل الحكم من الانقسام بلحاظ المقارنات. فانه لا برهان على ذلك ولا بداهة تقتضيه ، فكما يمكن للمولى أَنْ يأخذ العدم النعتيّ الّذي هو من الانقسامات الأولية كذلك يمكنه أَنْ يأخذ العدم المحمولي المساوق من حيث الصدق مع العدم النعتيّ فالتقيد بأي واحد منهما يغني عن الاخر نظير التقييد باستقبال القبلة أو استدبار الجدي لأهل العراق ولكن في كلام الشيخ النائيني ( قده ) في رسالته التي وضعها في حكم اللباس المشكوك قد جاء التعبير بأنَّ هذا ـ أي تقدم انقسام الموضوع بلحاظ صفاته على انقسامه بلحاظ مقارناته ـ من نتائج عدم معقولية الإهمال في لبّ الواقع.

وهذا التعبير يمكن أَنْ يكون إشارة إلى برهان حاصله : انَّ هناك فرقاً بين التقييد بالعدم النعتيّ والتقييد بالعدم المحمولي من حيث انَّ الأول تقييد للموضوع باعتباره وصفا له

٣٣٨

بينما الثاني تقييد للحكم ابتداءً وليس قيداً محصصاً للموضوع وهو ذات المرأة وإلاّ كان خلفاً فهما أمران متقارنان قيد بهما الحكم. وكلّ قيد لموضوع الحكم يسري لا محالة إلى الحكم نفسه حيث يكون قيداً فيه أيضاً لأنَّ الحكم مقيد بموضوعه فإذا كان موضوعه مقيداً بقيد كان الحكم مقيداً به أيضاً وهذا بخلاف ما يكون قيداً للحكم ابتداءً ـ كالعدم المحمولي ـ فانه لا موجب لسريانه إلى الموضوع وتقيده به.

وفي ضوء هذه المقدمة يتضح : انَّ تقييد الموضوع بالعدم النعتيّ يغني عن تقييد الحكم بالعدم المحمولي لأنه يرجع بالواسطة إلى تقييد الحكم به أيضاً لسريان قيود الموضوع إلى الحكم ، وامّا تقييد الحكم بالعدم المحمولي فلا يغني عن تقييد الموضوع بالعدم النعتيّ لأنَّ قيود الحكم لا تسري إلى الموضوع ، والمفروض انَّ الإهمال في لبّ الواقع محال فلا بدَّ من أَنْ يكون الموضوع الملحوظ في عالم اللبّ امّا مطلقاً أو مقيداً فان كان مطلقاً وقع التهافت وإنْ كان مقيداً كان التقييد بالعدم المحمولي لغواً ، فظهر انه لا بدَّ من ملاحظة موضوع الحكم مقيداً بالعدم النعتيّ لكي لا يلزم التهافت أو الإهمال في عالم اللب وكلاهما محال.

والبرهان بهذه الصياغة ينحصر جوابه : بأنَّا نختار أَنَّ الموضوع في عالم اللب مطلق بمعنى انه ذات الطبيعة بلا قيد ـ حيث يستحيل الإهمال وأنْ لا يكون الملحوظ ثبوتاً لا المطلق ولا المقيد ـ إِلاَّ انَّ هذا لا يلزم منه التهافت فانَّ الإطلاق ليس جمعاً للقيود ولحاظ ثبوت الحكم مع كل قيد من قيود الموضوع وانما هو رفض القيود وملاحظة ذات الطبيعة وسريان الحكم على كل فرد انما يكون بحكم العقل المستنتج من انطباق الطبيعة على الافراد ، ومن الواضح انَّ إطلاق الطبيعة في الرتبة السابقة انما يوجب السراية إلى تمام الافراد إذا لم يقيد الحكم في الرتبة المتأخرة بما ينافي ذلك كما في التقييد بالعدم المحمولي.

وهكذا يثبت انه بحسب مقام الثبوت لا برهان يقتضي أخذ عدم العرض بنحو النعتية لو تصورنا النعتية في عدم العرض.

وامَّا المقام الثاني ـ أي بحسب مقام الإثبات فقد ذكر المحقق النائيني ( قده ) انه

٣٣٩

لا بدَّ من إثبات كون العدم مأخوذاً بنحو محمولي وإِلاَّ فحتى لو أمكن ذلك ثبوتاً فاحتمال العدم النعتيّ كافٍ في عدم إمكان إجراء استصحاب العدم الأزلي إذ لا يمكن أَنْ يحرز به موضوع الحكم المحتمل كونه نعتياً.

وما يمكن أَنْ يذكر في تقريب انَّ العدم مأخوذ في موضوع العام بعد ثبوت المخصص بنحو محمولي لا نعتي أحد وجوه :

الوجه الأوّل ـ التمسك بأصالة العموم باعتبار انَّ المقام من موارد الدوران بين الأقل والأكثر بحسب المفهوم ، حيث انَّ العدم المحمولي والنعتيّ وإِنْ كانا متلازمين من حيث الصدق الخارجي ولكنهما أقل وأكثر من حيث المفهوم لأنَّ العدم النعتيّ عبارة عن العدم المحمولي زائداً النعتية التي تعني إضافته إلى الموضوع فإذا دار الأمر بينهما كان اعتبار أصل العدم معلوماً وانما الشك في اعتبار النعتية زائداً على ذلك فينفى بأصالة العموم.

وهذا الوجه موقوف على إمكان تصوير العدم النعتيّ بنحو لا يرجع إلى نعتية صفة وجودية أخرى مضادة مع ما أخذ عدمه النعتيّ وإِلاَّ كان بينهما التباين المفهومي كما هو واضح (١).

ودعوى : انَّ العنوانين متباينان على كل حال لكون كل من المحمولية والنعتية حدين وجوديين للعدم ، مدفوعة : بأنَّ الصورتين واللحاظين الذهنيين للعدم وإِنْ كان بينهما التباين إِلاَّ انَّ المقياس ملاحظة الملحوظين لهما ، ومن الواضح انَّ النسبة بين ما هو الملحوظ في العدم المحمولي مع ما هو الملحوظ في العدم النعتيّ الأقل والأكثر فالتباين بين اللحاظين لا الملحوظين كما هو الحال بين المطلق والمقيد.

وقد يقال : انَّ هذا الوجه موقوف على أَنْ يكون المخصص منفصلاً لا متصلاً وإِلاَّ فقد عرفت من البحوث السابقة سريان الإجمال والتردد في موارد التخصيص المتصل إلى العام نفسه فلا يمكن التمسك به.

__________________

(١) قد تقدم ان عدم قيام نسبة واقعية بين عدم العرض وموضوعه لا يعني عدم إمكان تحصيص موضوع بعدم عرضه في عالم المفاهيم الّذي ينتزعها الذهن من الخارج من دون إقحام عنصر مفهومي غريب ، وعليه تكون النسبة بين العدم المحمولي والعدم النعتيّ بلحاظ الملحوظين الأقل والأكثر لا محالة.

٣٤٠