بحوث في علم الأصول - ج ٣

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٥

ففي هذه الفرضية يكون المخصص المنفصل بحسب السماع متصلاً بحسب مرحلة اكتشاف المراد النهائيّ للمتكلم ولذلك يسري إجماله إلى العام لا محالة.

الثانية ـ أَنْ يرد تعبد من المتكلم على إعطاء حكم الاتصال للمخصصات المنفصلة فيكون مقتضى إطلاق هذا التنزيل عدم حجية العام في مورد إجمال المخصص المنفصل أيضاً ، إلا انَّ كلتا هاتين الفرضيتين غير ثابت في حق الشارع الأقدس ، امّا الأولى منهما فلوضوح انَّ الأئمة المعصومين وإِنْ كانوا يفصحون جميعاً عن مصدر واحد إِلاَّ انَّ ذلك لا يعني انَّ كلماتهم المتباعدة منذ عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عهد الإمام العسكري عليه‌السلام كلها جلسة واحدة مفتوحة كما هو واضح.

وامّا الثانية فلأنه لم يرد دليل على التنزيل المذكور ، وانما الثابت هو اتباع الشارع للطريقة العرفية العامة في مقام اقتناص المراد من مجموع كلمات المتكلم الواحد وقد عرفت انها لا تساعد على إلغاء ظهور منعقد في العموم.

التقريب الثالث ـ انه بناء على مسالك مدرسة المحقق النائيني ( قده ) ، من انَّ العموم في طول الإطلاق وجريان مقدمات الحكمة وانَّ الإطلاق موقوف على عدم البيان المنفصل أيضاً سوف يسري إجمال المخصص المنفصل إلى العام لا محالة ، لأنه صالح للتقييد ورافع للإطلاق ذاتاً كالمتصل تماماً ومعه لا يمكن التمسك بالعامّ في مورد الإجمال لأنه في طول الإطلاق ومقدمات الحكمة وهي لا تجري لكون المورد شبهة مصداقية لها حينئذٍ.

بل قد أشرنا فيما سبق انَّ الإجمال حاصل بمجرد احتمال التخصيص المنفصل وهذه من التوالي الفاسدة لمجموع ذينك المبنيين ولا مخلص عنها إِلاَّ دعوى التمسك باستصحاب الظهور الموضوع للحجية ، إِلاّ انَّ هذا مضافاً إلى كونه لا يتم في موارد احتمال وجود مخصص متقدم أو مقارن ، لا ينتج ما هو المقصود من إثبات الحكم بدليل اجتهادي لا بأصل عملي.

فالصحيح في إبطال هذا التقريب عدم تمامية المبنى في المسلكين المذكورين وقد تقدم إبطال أحدهما في بحث العموم ويأتي إبطال ثانيهما في موضعه من بحوث المطلق والمقيد.

٣٠١

وهكذا يتضح صحة ما ذهب إليه المشهور في هذا الفرع من عدم سريان إجمال المخصص إلى العام وصحة التمسك به في مورد إجمال المخصص لتمامية المقتضي وفقدان المانع.

الفرع الرابع ـ ما إذا كان المخصص المجمل منفصلاً ومردداً بين متباينين كما إذا قال ( أكرم كلَّ فقير ) وورد في دليل منفصل ( لا تكرم زيداً الفقير ) وقد تردد بين زيدين.

وفي هذا الفرع أيضاً نتبع نفس المنهجة المتقدمة في الفرع الثاني لأنهما يشتركان في الدوران بين متباينين ، فنقول : يقع البحث عن حكم هذا الفرع في ثلاث نقاط :

النقطة الأولى ـ عدم صحة التمسك بالعامّ في الفردين معاً ، ووجه ذلك واضح فانه بالرغم من فعلية دلالة العام وشموله للزيدين معاً ـ خلافاً لما تقدم في الفرع الثاني ـ لكون المخصص المنفصل على ما تقدم في الأصل الموضوعي لا يهدم أصل ظهور العام. إِلاَّ انَّ حجية أحد الظهورين ساقطة بحسب الفرض ومعه لا يمكن التمسك بهما معاً ، فانه يعني التمسك بالعامّ فيما يقطع بعدم حجيته فيه وهو غير معقول.

النقطة الثانية ـ عدم جواز التمسك بالعامّ في أحد الفردين بالخصوص ، والوجه فيه واضح أيضاً فانَّ ظهور العام في كل منهما وإِنْ كان فعلياً فالمقتضى تام كما انه لا يعلم بتخصيصه بالخصوص فالمانع مفقود أيضاً لو لوحظ كل من الظهورين مستقلاً إلا انه باعتبار العلم بالتخصيص في أحدهما لا محالة يقع التعارض بينهما في الحجية بالعرض ويكون شمول دليل الحجية لأحدهما دون الاخر ترجيحاً بلا مرجح ، هذا لو أُريد التمسك بأحدهما بالخصوص بدلاً عن الاخر وامَّا التمسك به وبالآخر جمعاً فهو رجوع إلى النقطة السابقة وقد عرفت عدم معقوليته.

النقطة الثالثة ـ في جواز التمسك بالعامّ لنفي التخصيص الزائد المحتمل في الفرد الآخر غير الخارج بالتخصيص على نحو الإجمال إذا ترتب على ذلك أثر شرعي.

والصحيح : في هذه النقطة هو الجواز أيضاً كما كان الأمر كذلك في الفرع الثاني رغم انَّ الشبهة التي آثرناها هناك تجري في المقام أيضاً فيما إذا كان الخارج لا تعين له ثبوتاً.

بل الإشكال هنا أعوص منه هناك إذ يرد أيضاً في مورد تعين الفرد المخصص واقعاً

٣٠٢

كما في مثال الزيدين وذلك بتقريب انه إِنْ أُريد التمسك بالعامّ في عنوان غير الخارج بالتخصيص بما انه فرد ثالث للعام فهو واضح البطلان إذ ليس هناك إلا فردان هما زيد الأول وزيد الثاني وبالتالي لا يكون للعام إلا ظهوران تعينيان في كل واحد من الزيدين.

وإنْ أُريد جعل هذا العنوان مشيراً إلى ما هو مصب الظهور الّذي واقعه أحد الظهورين التعينيين فالمفروض وقوع التعارض بين هذين الظهورين نتيجة العلم الإجمالي بخروج أحدهما الموجب لوقوع التعارض بينهما بالعرض (١).

والجواب على هذه الشبهة صناعياً نفس ما تقدم في الجواب عليها في الفرع الثاني علاوة على جريان الوجه الثالث من وجوه التصرف هنا بخلافه هناك كما نبهنا عليه.

وقبل أَنْ نختم البحث في هذا المقام لا بأس بالتنبيه على أمور :

التنبيه الأول ـ انه قد اتضح في ضوء ما تقدم وجود فارق نظري وعملي في موارد إجمال المخصص المردد بين الأقل والأكثر بين ما إذا كان متصلاً أو منفصلاً وهو إجمال العام على التقدير الأول دون الثاني.

وعلى هذا الأساس لو فرض الشك في كون المخصص المحرز أصل مخصصيته صدر متصلاً بالعامّ أو منفصلاً عنه أصبح المقام صغرى من صغريات احتمال وجود القرينة المتصلة ، فإذا قيل هناك بمقالة المشهور من التفصيل بين احتمال وجود القرينة واحتمال قرينية الموجود ، أمكن التمسك بحجية العام في مورد الإجمال ، وذلك لإمكان إحراز عمومه بأصالة عدم وجود المخصص المتصل ، فانَّ أصل المخصص وإِنْ كان محرزاً إلاّ انَّ اتصاله به غير محرز فالشك في أصل وجود القرينة المتصلة لا محالة فتجري أصالة عدم القرينة ولا تعارض بأصالة عدم القرينة المنفصلة لأنها لا أثر لها بعد فرض إحراز أصل المخصص.

__________________

(١) لا يقال ـ بأنَّ التمسك بالعامّ في غير ما خرج بالتخصيص إذا كان متعيِّناً واقعاً لا معارض له لأنه بهذا العنوان الإجمالي لا يكون له معارض وانما المعارضة بلحاظ العنوانين التفصيليين حيث بلحاظهما يوجد علم إجمالي بكذب أحدهما ، وهذا نظير ما يقال في موارد تعارض الأصلين العمليين من إمكان التمسك بدليل الأصل في غير المعلوم بالإجمال من دون معارض. فانه يقال : انَّ موضوع الأصل هو الشك وباختلاف العنوان من التفصيل إلى الإجمال يتولد شك ثالث يكون موضوعاً ثالثاً لدليل الأصل غير العنوانين التفصيليين وهذا بخلاف المقام حيث انَّ ما هو موضوع العام انما هو واقع الفردين والمفروض انَّ الظهور في كل منهما معارض والعنوان الإجمالي المشير لا يشير إلى فرد ثالث كما هو واضح.

٣٠٣

وامَّا بناءً على ما هو المختار عندنا في بحث حجية الظهور من عدم الفرق بين احتمال وجود القرينة واحتمال قرينية من حيث عدم جريان أصالة عدم القرينة لكونها أصلاً عقلائياً قائماً على أساس نكتة الكشف والظهور ولا يكون ذلك إلا في موارد انعقاد أصل الظهور كما في موارد احتمال القرينة المنفصلة التي يحرز فيها ظهور ذي القرينة ففي موارد احتمال القرينة المتصلة التي على تقدير ثبوتها تكون هادمة للظهور في ذي القرينة لا كاشف فعلي لكي يتمسّك به فلا يمكن نفي إجمال العام بأصالة عدم القرينة ، نعم يمكن نفيه بأمارة أخرى لو فرض قيامها على ذلك كشهادة الراوي السلبية ، فانَّ سكوته عن نقل ما يكون مغيراً لمعنى الكلام المنقول بنفسه شهادة سلبية بعدم القرينة وإلاّ كان ينبغي أنْ يذكرها بمقتضى تعهده بنقل الواقعة المنقولة بتمام ماله دخل فيها.

إلا انَّ هذه الأمارة أيضا انما تتم في خصوص دائرة القرائن الحادثة في مجلس المخاطبة لا القرائن النوعية الارتكازية التي هي مناسبات عامة معاشة في الأذهان العرفية ، فانَّ الراوي متعهد بنقل الواقعة في مجلس المخاطبة وليس متعهداً بنقل الإطار الذهني والاجتماعي العام في ذلك العصر والتي على أساسها قد تتغير مداليل الكلمات ، فمثل هذه القرائن لو احتملت انحصر طريق نفيها بمراجعة تاريخ صدور النص وملاحظة الملابسات والظروف التي كانت معاشة آنذاك لتشخيص حال القرينة المحتملة سلباً أو إيجاباً وتفصيل الكلام في هذه الجهات موكول إلى محله من بحوث حجية الظهور.

التنبيه الثاني ـ انه في موارد دوران المخصص المجمل بين متباينين قد يتصور عدم الفرق العملي بين ما إذا كان متصلاً بالعامّ أو منفصلاً وإِنْ كان بينهما فارق نظري من حيث كون المتصل موجباً لإجمال نفس الظهور والمنفصل موجباً لإجمال حجيته ، لأنه على كلا التقديرين لا يمكن التمسك بالعامّ في الفردين معاً أو في أحدهما المعين كما أنه على كلا التقديرين يمكن التمسك به في العنوان الإجمالي غير المعلوم خروجه فلا ثمرة عملية بينهما.

ولكن الصحيح وجود الثمرة العملية بينهما أيضاً. ويمكن تصويرها بأحد نحوين.

الأول ـ ما إذا فرضنا ثبوت مخصص تعييني لأحد الفردين بالخصوص زائداً على

٣٠٤

المخصص المجمل فانه لو فرض انفصال المخصص المجمل أمكن التمسك بالعامّ في الفرد الاخر لأنَّ المحذور في التمسك به انما كان وجود العلم الإجمالي بالتخصيص المستلزم لعدم جواز التمسك بالعامّ في أحد طرفيه بالخصوص لكونه ترجيحاً بلا مرجح إلا انَّ هذا المحذور ينحل بمجيء المخصص التعييني ومعه يصح التمسك بالعامّ في الفرد الاخر لتمامية المقتضي وهو الظهور وفقدان المانع.

وامَّا إذا فرض اتصال المخصص المجمل فبما انَّ الإجمال حينئذٍ في أصل الظهور فلا يحرز المقتضي في الفرد الاخر ليتمسك به ولو فرض انحلال العلم الإجمالي بالتخصيص لأنَّ المفروض اتصال المخصص ومعه يكون احتمال التخصيص كافياً في إجمال الظهور كما هو واضح.

والمثال من الفقه الّذي يمكن أَنْ نسوقه لهذه الثمرة ما إذا فرضنا جريان استصحاب النجاسة في أحد طرفي العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإناءين فانَّ دليل الاستصحاب يكون بمثابة مخصص لعموم دليل قاعدة الطهارة في ذلك الطرف المبتلى بمخصص إجمالي وهو حكم العقل أو العقلاء بعدم جواز الترخيص في المخالفة القطعية ، فانَّ هذا المخصص إذا فرض حكماً عقلياً نظرياً ـ كما هو المشهور ـ فيكون مخصصاً منفصلاً مجملاً دائراً بين متباينين ، وإِنْ فرض حكماً عقلائياً أو عقلياً بديهياً كان بمثابة المخصص المتصل المجمل. فحينئذٍ قد يقال بأنه على التقدير الثاني لا يمكن إجراء قاعدة الطهارة في الطرف الاخر لعدم تمامية مقتضي دليل الأصل فيه لإجمال الظهور ذاتاً.

ولكن الصحيح عدم تمامية هذه الثمرة وجريان القاعدة في الطرف الاخر من المثال الفقهي المذكور على كل حال وذلك بناءً على ما تقدم من صحة التمسك بالعامّ في موارد إجمال المخصص وتردده بين المتباينين بعنوان غير معلوم التخصيص بالإجمال (١).

__________________

(١) هذا العنوان مجرد مشير إلى واقع الظهور وليس ظهوراً ثالثاً وهو محتمل الانطباق على ما خرج بالمخصص التفصيليّ المتصل أو المنفصل فيكون على الأول تمسكاً بظهور محتمل وعلى الثاني تمسكاً بظهور مردد بين ما هو حجة وما ليس بحجة وكلاهما غير جائز فلا يقاس بما إذا لم يكن إلا المخصص الإجمالي ، وعليه فيتعين أنْ يكون الحجية في هذه الحالة بالنحو المتقدم في حالة عدم التعين الواقعي أي التبعيض في الكاشفية فإذا لم نتعقله أصبحت هذه الثمرة صحيحة تامة.

ثم انه يمكن تصوير هذه الثمرة فيما إذا فرضنا اتصال المخصص التفصيليّ فانه إِنْ كان المخصص التفصيليّ فانه إنْ كان المخصص الإجمالي متصلاً أوجب الإجمال لكونه من مصاديق احتفاف الكلام بما يحتمل قرينيته وإخراج الفرد الاخر ولا يوجد ظهوران لكي يبعض في الحجية بينهما بخلاف ما إذا كان منفصلاً.

٣٠٥

ولازم حجية هذا العموم مع حجية دليل الاستصحاب في الطرف الاخر ثبوت القاعدة والحكم الظاهري في الطرف الأول لا محالة ولوازم الظهورات والدلالات حجة.

هذا إذا كان المخصص المجمل له تعين في الواقع وإلا فالصيغة الفنية للتمسك بالعامّ هي ما تقدم من حجيته في كل من الطرفين مشروطاً بخروج الطرف الاخر وبما انَّ هذا الشرط قد أحرز بالمخصص التعييني فلا محالة يحرز الجزاء فيه.

الثاني ـ أَنْ نفرض وجود معارض لظهور العام في أحد الفردين المتباينين تعييناً لا مخصص سواءً كانت المعارضة بملاك تنافيهما حكماً ، كما إذا دلَّ دليل على وجوب إكرام كل فقير وافترضنا خروج زيد المردد بين الأول والثاني ودل دليل ثالث بعمومه على عدم وجوب إكرام زيد الأول ، ومثال آخر ما إذا افترضنا وجود أصل يثبت النجاسة في أحد طرفي العلم الإجمالي غير مقدم على قاعدة الطهارة بل في رتبته أو كانت المعارضة بملاك نفس المخصص الإجمالي كما إذا فرضنا جريان استصحاب الطهارة في أحد الطرفين المذكورين فانه وإِنْ كان موافقاً مع دليل القاعدة في ذلك الطرف ولكنه معارض مع دليل القاعدة في الطرف الاخر لا محالة.

وعلى كل حال ففي هذه الحالة تظهر الثمرة بين فرضيتي اتصال المخصص المجمل وانفصاله ، فانه على تقدير الانفصال يكون عندنا ظهورات ثلاثة فعلية متعارضة فيما بينها بمعارضتين مستقلتين فتسقط الجميع ، وامَّا على تقدير الاتصال فلا ظهور فعلي للعام الأول في أحد الطرفين بعد ضم حجيته في العنوان الإجمالي إلى ذلك بنفس التقريب المتقدم. ولهذا حكمنا في المثال المذكور بجريان استصحاب الطهارة في أحد الطرفين من دون أَنْ يعارضه قاعدة الطهارة في الطرف الآخر لكونه مجملاً بالتعارض الداخليّ الموجب لإجماله.

التنبيه الثالث ـ بعد أَنْ عرفت الفارق بين دوران المخصص المجمل بين الأقل والأكثر ودورانه بين المتباينين يقع البحث حول تشخيص ميزان كون المخصص المجمل

٣٠٦

دائراً بين متباينين أو أقل وأكثر ، فهل الميزان في ذلك ملاحظة النسبة بين طرفي الإجمال في مرحلة المفهوم فقط أو في مرحلة المصداق؟ وتفصيل ذلك انَّ هناك صوراً عديدة.

١ ـ أَنْ يكون المخصص مردداً بين المطلق والمقيد كما إذا تردد مدلول كلمة الفاسق بين مطلق فاعل الذنب أو خصوص فاعل الذنب الكبيرة ، ولا إشكال في انه من الدوران بين الأقل والأكثر.

٢ ـ أَنْ يكون المخصص مردداً بين مفهومين متباينين بحسب المفهوم وبحسب المصداق معاً ، كما إذا تردد كلمة المولى بين القريب والعبد ولم يكن أحد من الأقرباء بعبد ، وهذا لا إشكال في انه من الدوران بين المتباينين.

٣ ـ أَنْ يكون المخصص مردداً بين مفهومين متباينين بحسب المفهوم ولكن بينهما العموم من وجه بحسب المصداق كما إذا فرضنا في المثال السابق نفسه انَّ بعض الأقرباء عبد ، وهذا أيضاً من المردد بين متباينين وإِنْ كان بلحاظ مورد الاجتماع بالخصوص يقطع بالتخصيص على كل حال.

٤ ـ أَنْ يكون الدوران بين مفهومين متباينين بحسب المفهوم ولكن النسبة بين مصاديقهما الخارجية عموم وخصوص مطلق أي أقل وأكثر كما إذا دار مدلول المخصص بين إخراج عنوان الكافر أو غير المختون مثلاً وفرض ان الأول أعم مصداقاً من الثاني.

فهل الميزان في هذا القسم ملاحظة الخارج فيتعامل مع العام معاملة العام المخصَّص بالمجمل المردد بين الأقل والأكثر أو يتعامل معه معاملة العام المخصَّص بالمجمل المردد بين متباينين؟.

قد يقال : انَّ تشخيص ذلك مرتبط بالبحث القادم من الخلاف بين مدرسة المحقق النائيني ( قده ) ، ومدرسة المحقق العراقي ( قده ) في انَّ العام هل يتعنون ما هو الحجة منه بعد التخصيص بنقيض عنوان الخاصّ أَم لا؟

فعلى الأول يكون المقام من الدوران بين المتباينين ولا يصح التمسك فيه بالعامّ بالنسبة إلى غير المتيقن خروجه من الافراد الخارجية ، لأنَّ عنوان العام الحجة مردد بين الفقير غير المختون أو غير الكافر مثلاً فلا يحرز صدق ما هو الحجة من العام على الكافر المختون ليتمسك به.

٣٠٧

وهذا بخلاف ما إذا قلنا بمقالة مدرسة المحقق العراقي ( قده ) فانَّ العام على هذا التقدير لا يتعنون بشيء بل يبقى شاملاً لكل فرد فرد من افراد الفقير غاية الأمر انَّ ظهوره لشمول الفرد غير المختون ليس بحجة واما ظهوره في شمول الافراد الأخرى فلا وجه لرفع اليد عن حجيته بعد أَنْ كان موضوع دلالة العام الحجة هو كل فرد فرد.

هذا ولكن الصحيح مع ذلك انَّ المقام من الدوران بين الأقل والأكثر على كلا المسلكين في ذلك البحث وانه يصح التمسك بالعامّ في الكافر المختون إذا كان المخصص منفصلاً على كل حال ، والوجه في ذلك انَّ العام وإِنْ كان يتعنون بنقيض عنوان الخاصّ مثلاً. إِلاَّ انَّ هذا لا ينافي مع كون العام حجة في نفسه في نفي تقييده وتعنونه بأي عنوان أي نفي تقيده بعدم الكفر وبالمختون غاية الأمر انه علم إجمالاً بثبوت أحد التقييدين ولكن دلالته على نفي التقييد بالمختون ـ وهو نقيض الأخص ـ لا تكون بحجة لأنه لا يترتب عليه أثر عملي بعد العلم بخروج غير المختون على كل حال وهذا بخلاف دلالته على نفي التقييد بغير الكافر ـ وهو نقيض الأعم ـ فانه يثبت سعة العام وثبوت حكمه على الكافر المختون ، وامّا تصوير الأثر لنفي التقييد بالمختون بلحاظ نفس إيقاع المعارضة بينه وبين الدلالة على نفي القيد الاخر فهذا لا يكفي لتصحيح حجية الدلالة والظهور عقلائياً وهذه نكتة عامة عقلائية كما لا يخفى.

المقام الثاني ـ في المخصص المجمل مصداقاً

وهذا البحث ينقسم أيضاً إلى أربعة فروع ، لأنَّ المخصص المجمل امَّا أَنْ يكون متصلاً بالعامّ أو منفصلاً عنه وعلى كل تقدير امّا أَنْ يكون الإجمال والدوران بين الأقل والأكثر أو بين المتباينين ، إِلاَّ انَّ الفرع الرئيسي الّذي من أجله عقد هذا المقام ما إذا كان المخصص منفصلاً دائراً بين الأقل والأكثر ، لأنَّ هذا البحث انما عقد كتتميم للبحث في المقام السابق عن المخصص المجمل مفهوماً وقد عرفت انَّ الفرع الوحيد في ذلك المقام الّذي كان يظهر فيه صحة التمسك بالعامّ ما إذا كان المخصص المجمل منفصلاً ودائراً بين الأقل والأكثر فيعقد حينئذٍ بحث عما إذا كان إجمال المخصص مصداقياً وانه هل يمكن فيه أيضاً التمسك بالعامّ أَم لا؟ فالفرع الرئيسي في

٣٠٨

هذا المقام ما إذا كان المخصص منفصلاً ودائراً بين الأقل والأكثر وامَّا الفروع الأخرى فقد عرفت بأنَّ التمسك بالعامّ فيه في المجمل المفهومي غير صحيح فما ظنك بالمصداقي.

وأيّاً ما كان فنتحدث أولا عن الفروع الثلاثة الأخرى ثم نبحث عن الفرع الرئيسي فنقول :

امَّا إذا كان المخصص متصلاً ودائراً بين الأقل والأكثر فلا يمكن التمسك فيه بالعامّ ، وملخص الوجه فيه على ضوء ما يأتي في الفرع الرئيسي انَّ التمسك بالعامّ في هذا الفرع تمسك به في مورد الشبهة المصداقية لنفسه لأنَّ المخصص المتصل على ما تقدم يوجب تضييق ظهور العام ذاتاً لا حجية فحسب فينعقد ظهور العام من أول الأمر في غير مقدار التخصيص ، نعم يختلف حال هذا الفرع في هذا المقام عنه في المقام السابق بأنه يمكن هنا إثبات الحكم المشروط على الفرد المشكوك فيثبت انَّ زيداً الفقير مثلاً يجب إكرامه مشروطاً بكونه عادلاً إذا كان لهذا الوجوب المشروط أثر عملي لدى الفقيه.

وامَّا إذا كان المخصص مردداً بين المتباينين كما إذا علمنا بأنَّ أحد الفقيرين فاسق والاخر عالم وكان متصلاً بالعامّ أو منفصلاً عنه فالحال فيه هو الحال في المقام السابق من عدم إمكان التمسك بالعامّ في الفردين معاً لأنه خلف ثبوت التخصيص ولا في أحدهما بعينه لأنه ترجيح بلا مرجح ، وصحة التمسك به في أحدهما إجمالاً بل هذا التمسك هنا أوضح منه في المقام السابق لأنَّ غير الخارج بالتخصيص دائماً يكون متعيناً في موارد الدوران بين المتباينين وإِلاَّ لم يكن من الدوران بين المتباينين ، كما انَّ ما ذكر في المخصص المنفصل في المقام السابق من إشكال التعارض بين الظهورين التعيينيين في الفردين وتساقطهما غير جار هنا لأنَّ العام في المقام لا مقتضي له في كل من الفردين تعييناً لكونه شبهة مصداقية له وسوف يأتي انه لا مقتضي للعام فيه ، وانما مقتضية من أول الأمر في الفرد غير الخارج بالتخصيص فيكون حجة بلا كلام.

وامَّا البحث عن الفرع الرئيسي وهو ما إذا كان المخصص المجمل مصداقاً مردداً بين الأقل والأكثر فنتدرج في عرضه ضمن خطوات عديدة.

الخطوة الأولى ـ انه قد يقال بصيغة ساذجة انه يمكن التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية لمخصصه وذلك لأنَّ مقتضي التمسّك بالعامّ تام والمانع مفقود.

٣٠٩

امَّا المقتضي فلأنَّ المفروض انفصال المخصص وعدم انثلام ظهور العام الشامل لكل فرد من افراد الفقير مثلاً حتى الفرد المشكوك فسقه. وامَّا فقدان المانع فلأنَّ المانع المتوهم هو المخصص ولكنه لا يمكن التمسك به في الفقير المشكوك فسقه لأنه لا يحرز انطباقه عليه فكيف يمكن التمسك به فإذا لم يكن الخاصّ حجة في مورد الإجمال مع فعلية ظهور العام كان المتعين حجية العام لا محالة.

الخطوة الثانية ـ وهي مناقشة في الخطوة السابقة وحاصلها : انَّ ظهور العام بعد ورود المخصص يصنف إلى صنفين صنف يكون حجة وهو ظهوره في الفقراء غير الفساق وصنف لا يكون حجة وهو ظهوره في الفقراء الفساق ، ومورد الشك المصداقي لا يدرى هل انَّه ينتسب إلى الفئة الأولى أو الثانية ،؟ فيكون الشك في أصل المقتضي وشمول الظهور الحجة من العام لمورد الإجمال.

الخطوة الثالثة ـ وهي مناقشة فيما ذكر في الخطوة السابقة وتصحيح للمدعى في الخطوة الأولى وحاصلها : انَّ التصنيف المذكور اعتباطي لا موجب له لأنَّ ظهور العام انما يقتضي شمول كل فرد فرد من مصاديقه وهم الفقراء في المثال ـ على ما تقدم شرحه في بحوث أدوات العموم ـ حيث قلنا بأنها تدلّ على انَّ كلّ فرد موضوع للحكم ، فالمقتضي انَّما هو الظهور الجزئي في كلّ فرد وهذا محرز في الفرد المشكوك وانَّما يشك في وجود المانع عنه وهو شمول المخصص وقد عرفت انَّه لا يمكن التمسّك به فلا يعقل أَنْ يكون مانعاً ، وامَّا تصنيف ظهور العام إلى صنفين وفئتين فمجرد انتزاع عقلي عما هو واقع ظهور العام ودلالته فلا عبرة به.

الخطوة الرابعة ـ وتتكفل عرض مقالة المحقق النائيني ( قده ) التي تحاول إبطال ما انتهينا إليه من مجموع الخطوات السابقة ببيان فني يتوقف على مقدمة حاصلها : انَّ الحكم له مرحلتان مرحلة الجعل الّذي يفرض فيه الموضوع مقدر الوجود في أفق الجعل ويحكم عليه بالحكم ، ومرحلة المجعول وفعلية الحكم باعتبار انطباق موضوعه على الخارج.

وانحصار الحكم الفعلي بقسم من الافراد تارة ، يكون من جهة انحصار موضوع الحكم بذلك القسم ، كما إذا مات الفقراء الفساق مثلاً ولم يبق في الخارج إِلاَّ الفقير

٣١٠

العادل. وأخرى : يكون من جهة تحديد في مرحلة الجعل تخصيصاً أو تقييداً أو نسخاً ، وبين الانحصارين فرق جلي ذلك انَّ الأول لا يوجب تعنون العام بخصوص ذلك القسم المتبقي من الافراد بل ثبوت وجوب الإكرام في الفقير العادل انما هو باعتباره فقيراً من دون دخل لخصوصية عدالته فيه لأنَّ موت بعض مصاديق موضوع الجعل لا يؤثر على الجعل نفسه الّذي يكون الموضوع مقدراً فيه كما لا يخفى ، بل حتى لو فرض عدم وجود شيء من موضوع الجعل فالجعل ثابت على موضوعه المفروض في أفق الجعل ، ولهذا لا يعقل أَنْ يكون انعدام بعض مصاديق الموضوع خارجاً موجباً لتعنون موضوع الجعل بغيره بل الموضوع نفس الموضوع وانما لا يجد مصداقاً ينطبق عليه غيره.

وامَّا في الثاني فلا محالة يتحدد العام ويتعنون بغير مورد التخصيص لأنَّ التحديد الوارد منصب على الجعل نفسه ليضيِّق منه تخصيصاً أو نسخاً ، ومن الواضح انه بلحاظ هذه المرحلة امَّا أَنْ يكون هناك تقييد أو إطلاق لاستحالة الإهمال ثبوتاً فإذا فرض ثبوت المخصص جداً وعن مصلحة وملاك كما هو حال الأحكام الشرعية كان لا محالة دليلاً على التقييد وتعنون الجعل ثبوتاً بالفقير الفاسق لأنَّ الإهمال مستحيل والإطلاق خلف ثبوت التخصيص.

وبهذا يتضح انَّ نقض المحقق العراقي ( قده ) على مقالة المحقق النائيني (١) بموارد موت الفقراء الفساق من الغرائب المعدودة التي وقع فيها هذا المحقق فانَّ الفارق بين النحوين مما لا يكاد يخفى.

وعلى ضوء هذه المقدمة يقال في موارد الشبهة المصداقية للمخصص إِنْ أُريد التمسك بالعامّ لإثبات الحكم المطلق فهو مقطوع البطلان بعد ورود المخصص ، وإنْ أُريد التمسك به لإثبات الحكم المشروط بالعدالة فهذا صحيح لكنه غير مفيد لأنَّ المقصود التمسك بالحجة والدليل لإثبات حكم فعلي نستغني ببركته عن الرجوع إلى الأصول العملية وامَّا الحكم المشروط المشكوك تحقق شرطه فلا يفيد ذلك.

الخطوة الخامسة ـ ونناقش في هذه الخطوة مقالة المحقق النائيني ( قده ) فنقول : انَ

__________________

(١) أجود التقريرات ، ج ١ ، ص ٤٥٨ ـ ٤٥٩

٣١١

الشبهة في المقام التي يراد علاجها بالعامّ شبهة موضوعية وليست حكمية بحسب الفرض ، وعلى هذا الأساس إذا فرض تمامية مقتضي العام وظهوره في نفسه للفرد المشكوك أمكن التمسك به لإثبات وجوب إكرامه بالفعل ولو كان يلزم منه كونه عادلاً ، فليس التمسك بالعامّ في الموارد مستلزماً لإثبات حكم مطلق حتى يقال بأنه مقطوع الكذب بعد ورود المخصص الدال على التقييد إذ ليست الشبهة حكمية ليراد إثبات الحكم المطلق وانما الشبهة موضوعية ومقتضى العام إثبات الحكم الفعلي على كل فرد من افراده فيكون معنى التمسك به في الفقير المشكوك إثبات وجوب إكرامه لأنه عادل تماماً نظير ما إذا قام دليل خاص في زيد الفقير المشكوك في عدالته على وجوب إكرامه فكما كنا نتمسك به وبالملازمة نثبت انّه غير فاسق كذلك الحال في دلالة العام وشموله لزيد فانه يثبت وجوب إكرامه الفعلي لأنه غير فاسق ، ووجوب الإكرام لكونه غير فاسق لا يكون معارضاً مع التخصيص كما هو واضح فالحاصل : المعارض مع التخصيص دلالة العام في الشبهة الحكمية على نفي التقييد لا دلالته في الشبهة الموضوعية ومجرد تعنون الجعل المدلول عليه بالعامّ ثبوتاً بنقيض عنوان الخاصّ لا يكفي لإبطال شبهة التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية لمخصصه بعد أَنْ كان ظهوره في إثبات الحكم الفعلي بوجوب الإكرام على كل فرد تاماً في نفسه.

نعم لو ضمننا إلى هذا المبنى مبنى آخر كأنَّ مدرسة المحقق النائيني ( قده ) قد أضمرته ولم تصرح به وهو انَّ العام يدلّ على ثبوت حكمه في كلّ فرد بالعنوان المأخوذ فيه أي ثبوت وجوب الإكرام على كلّ فرد بما هو فقير فقط. تمَّ ما ترمي إليه إذ يقال عندئذٍ بأنه لو أُريد من التمسك بالعامّ إثبات وجوب إكرام زيد بما هو فقير غير فاسق فلا مقتضي بعد ورود المخصص وإِنْ أُريد إثبات وجوب إكرامه بما هو فقير غير فاسق فلا مقتضي للعام في ذلك إذ لا ظهور فيه على انَّ زيد بما انه غير فاسق يجب إكرامه ، ومن هنا نعلم انَّ تمامية مقالة الميرزا ( قده ) وبرهانه في المقام مبنيٌ على الاعتراف بأمرين :

أحدهما ـ تعنون العام ثبوتاً بغير عنوان الخاصّ.

والثاني ـ دلالة العام إثباتاً على ثبوت حكمه في كل فرد بما انه معنون بعنوان العام.

ونحن نوافق مدرسة الميرزا ( قده ) في الأمر الأول واما في الثاني فلا نعترف بدلالة

٣١٢

العام على ثبوت حكمه في كل فرد بما هو معنون عنوان العام وانما العام يدل على ثبوت حكمه الفعلي في كل فرد من افراد عنوان العام مهملاً من حيث كونه بذلك العنوان فقط أو من جهة دخل عنوان اخر فيه أيضاً.

نعم عمومه للفرد الفاقد للقيد ينفي دخل ذلك القيد في موضوع الحكم إِلاَّ انَّ هذا لا يعني انَّ عمومه لكل فرد وشموله له لكونه مصداقاً للعنوان المأخوذ فيه لا غير ، فعمومه لكل فرد لا يقتضي إِلاَّ إثبات الحكم الفعلي فيه مهملاً من ناحية ما هو مناط ثبوت الحكم ، واستفادة عدم دخالة غير العنوان المأخوذ في مدخول العموم في الحكم انما يكون ببركة عمومه للفرد الفاقد ـ وهو الفقير الفاسق ـ الّذي علم بكذبه بعد ورود المخصص لا انها شرط في دلالته وشموله لكل فرد ، فمقتضي العام بلحاظ الفرد المشكوك فعلي والشك في وجود المانع عنه ، لما تقدم في الخطوة الثالثة من انَّ العموم ينحل إلى دلالات عديدة بعدد كل فرد فرد فإخراج أي فرد حتى الفرد المشكوك يكون تخصيصاً زائداً على العام فلا يقاس بباب المطلقات كما هو واضح (١).

__________________

(١) يفهم من هذا البيان ان هناك فرقاً بين المطلق والعام فالمطلق لا مجال لتوهم حجيته في الشبهة المصداقية لمقيّده ، وهذا يمكن ان يبين في وجهه أحد أمرين الأول ـ ان المطلق لا نظر فيه إلى الافراد وانما يكشف الإطلاق عن ان تمام الموضوع للحكم ثبوتاً ذات الطبيعة وبعد ورود المقيد علم بأنها ليست تمام الموضوع وانما الموضوع هو المقيد والمفروض الشك فيه وهذا بخلاف العام الّذي يكون الحكم فيه ثابتاً على كل فرد فرد.

وهذا المقدار من البيان يمكن الإجابة عليه بأنَّ الفرق بين العام والمطلق ليس من ناحية رؤية الافراد في العام دون المطلق كيف وان المطلق أيضاً قد يكون ناظراً إلى الافراد كما في الجمع المضاف في مثل قولك « أكرم علماء البلد » كما ان العام ربما يكون الاستيعاب فيه أجزائياً أو مجموعياً وانما الفرق من ناحية دلالة العام على الاستيعاب باللفظ بخلاف المطلق الّذي تكون الدلالة فيه بالسكوت وعدم البيان.

الثاني ـ ان العام حيث يدل فيه اللفظ على الاستيعاب وشمول الحكم لكل فرد فرد فيكون مقتضى التمسك بالعموم فيه لكل فرد نفي خروجه عن الحكم بأي عنوان من العناوين بخلاف المطلق فانه لا يوجد فيه ما يدل على هذا النفي الا بمقدار ما يسكت عنه من القيود فإذا ثبت التقييد بقيد كالعادل فمع الشك في انطباقه لا يوجد ما ينفى به عدم خروج ذلك الفرد بذلك العنوان لا باللفظ كما هو واضح ولا بالسكوت لأن المفروض العلم بالتقييد. واما العام فعمومه للفرد المشكوك بنفسه يدل على استيعاب الحكم له لفظاً أي يدل على نفي انطباق أي عنوان مخرج له عن العام وهذه الدلالة في الشبهة الحكمية تقتضي نفي التخصيص بعنوان آخر وفي الشبهة المصداقية بعد فرض ثبوت التقييد بالعدالة تقتضي نفي انطباق ذلك العنوان على المصداق المشكوك فيه. فالحاصل : ان المطلق وان كان يمكن التمسك بإطلاقه في الفرد المشكوك لنفي أخذ عدمه قيداً في الجعل وإثبات سعة الجعل من ناحية إلا ان هذا لا ينفي احتمال خروجه بقيد آخر غير مسكوت عنه ومعلوم الحصول. وهذا بخلاف العام فان عمومه للفرد يدل باللفظ على عدم خروجه بأي عنوان فيدل بالملازمة على عدم خروجه بالقيد المعلوم أيضاً.

٣١٣

ومما يدل على عدم تمامية الأمر الثاني المتوقف عليه برهان الميرزا ( قده ) انا لو فرضنا انَّ دلالة العام على وجوب إكرام كل فقير انما هي باعتبار كونه فقيراً لا غير ، لزم عدم حجية العام في الباقي بعد ثبوت التخصيص فضلاً عن الشبهة المصداقية لمخصصة للعلم بكذب دلالته هذه ولا مقتضي لظهور آخر فيه كما هو واضح.

الخطوة السادسة ـ في بيان البرهان الفني المختار على عدم جواز التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية لمخصصه.

والصحيح في وجه عدم صحة التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية للمخصص هو أَنْ يقال لا إشكال في توقف التمسك بالعامّ في ذلك على دلالة العام على الحكم في الشبهة الموضوعية ولا يكفي ملاحظة دلالته في الشبهة الحكمية إذ بلحاظها فقط لا يمكن إثبات حكم الفرد المشكوك لأنَّ الحكم المطلق يعلم بخلافه بعد ثبوت المخصص والحكم المقيد لا يجدي مع الشك في شرطه فلا محيص من التمسك بدلالة العام بلحاظ الفرد المشكوك بنحو الشبهة الموضوعية لإثبات وجوب إكرامه بالفعل الدال بالالتزام على انه عادل. وهذه الدلالة يمكن تخريجها بأحد طريقين :

الطريق الأول ـ أَنْ نتمسك بدلالة العام في الفرد المشكوك لإثبات وجوب إكرامه واقعاً من باب انه عادل واقعاً.

وهذا الطريق غير تام لأنَّ الخطاب المولوي لا يتكفل إثبات حكم ليس من شئون المولى بما هو مولى الكشف عنه بل هو من شئونه بما هو عالم للغيب أو عالم به صدفة ، ومن هذا القبيل وجوب إكرام زيد لكونه عادلاً واقعاً فانَّ هذه الحصة من وجوب الإكرام كأصل عدالة زيد نسبتها إلى المولى بما هو مولى وإلى العبد على حد سواء فلا تكون الخطابات المولوية الصادرة من المشرع بما هو مشرع كاشفة عرفاً عنها.

فالحاصل : إِنْ أُريد إثبات وجوب إكرام زيد حتى لو كان فاسقاً واقعاً فهذا مقطوع الكذب بعد ورود المخصص وإِنْ أُريد إثبات وجوب إكرامه من باب كونه عادلاً فهذا ليس من شأن المولى بما هو مشرع الكشف عنه فلا طاقة في خطاباته الصادرة عنه بما هو مشرع ومولى لإثباته نعم لو تصدى المولى بنفسه لبيان وجوب إكرام زيد بالخصوص كان ظاهر تصديه انه قد أحرز تحقق القيد خارجاً.

٣١٤

الطريق الثاني ـ هو التمسك بدلالة العام في الفرد المشكوك لإثبات وجوب إكرامه الظاهري ولو من باب انَّ الشارع جعل الفقر ـ العنوان المأخوذ في العام ـ أمارة على العدالة ـ القيد المنكشف بالمخصص ـ وذلك تحفظاً على دلالة العام وشموله للفرد المشكوك فيكون وجوب إكرامه لكونه عادلاً ظاهراً وهذا ليس كالعدالة الواقعية خارجاً عن شئون المولى بما هو مولى بيانه بل جعل الأمارية كسائر الأحكام من شغل المولى بما هو مشرع.

وهذا الطريق أيضاً غير تام وذلك لأنَّ الحكم الظاهري بوجوب إكرام زيد المشكوك فرع ثبوت وجوب الإكرام له واقعاً على تقدير عدالته الواقعية ، لأنَّ الحكم الظاهري في طول الشك واحتمال ثبوت الحكم الواقعي ، وحينئذٍ إِنْ أُريد التمسك بالعامّ في الفرد المشكوك مرتين مرة لإثبات وجوب إكرامه الواقعي مشروطاً بعدالته الواقعية ومرة أُخرى لإثبات وجوب إكرامه الظاهري فهو واضح الفساد ، فانَّ الدليل لا يتكفّل إِلاّ إثبات وجوب إكرام واحد على كلّ فرد ، وإِنْ أُريد التمسك به لإثبات الوجوب الواقعي فقط المشروط بالعدالة فهو لا يفيد ، وإِنْ أُريد التمسك به لإثبات الوجوب الظاهري فقط فهو غير معقول لأنه كما أشرنا في طول ثبوت الوجوب الواقعي فلا يعقل ثبوته من دون ثبوت الوجوب الواقعي المشروط.

ودعوى انَّ المدلول المطابقي انما هو الوجوب الظاهري وليكن ثبوت الوجوب الواقعي المشروط مستكشفاً بالدلالة الالتزامية ، مدفوعة : بأنَّ الوجوب الظاهري ليس في طول ثبوت الوجوب الواقعي في لوح الواقع بل في طول وصول الحكم الواقعي واحتماله فلا يمكن أَنْ يكون وصوله بنفس وصول الحكم الظاهري أو في طوله كما هو واضح (١).

__________________

(١) قد يقال لا يكون جعل الحكم الظاهري في طول وصول الواقعي وانما فعلية مجعوله في الشبهة الموضوعية في طول وصول الجعل الواقعي في الشبهة الحكمية وعموم العام في الفرد المشكوك يثبت جعل الحكم الظاهري في الشبهة الموضوعية فيكون بنفسه كاشفاً بالملازمة عن جعل الحكم الواقعي في الشبهة الحكمية.

والجواب : اللغوية المذكورة عرفية وامّا بالدقة العقلية فلا لغوية كما ذكر ولكن اللغوية العرفية كافية للمنع عن انعقاد العموم نعم لو كان الدليل وارداً في خصوص المورد فمقتضى قرينة الحكمة وصوناً للكلام عن اللغوية ثبوت اللازم.

٣١٥

وقد يتوهم ورود هذا الجواب على الطريقة الأولى بدعوى انَّ التمسك بالعامّ لإثبات الحكم الفعلي على زيد أي المجعول فرع ثبوت الجعل له على تقدير كونه عادلاً فانَّ المجعول أيضاً في طول الجعل فانْ أُريد التمسك بالعامّ لإثبات الجعل لزيد والمجعول معاً فهو غير ممكن لعدم وجود دلالة واحدة في العام بالنسبة إلى زيد ، وإِنْ أُريد التمسك به لإثبات الجعل المشروط فهو لا يجدي ، وإِنْ أُريد إثبات المجعول فقط من دون جعل فهو غير معقول.

إِلاَّ انَّ هذا التوهم غير صحيح لأننا نتمسك بالعامّ لإثبات الحكم الفعلي بالمطابقة ونثبت الجعل بالالتزام وليس فعلية المجعول في طول وصول الجعل بل في طول ثبوته الواقعي.

ثم انَّ هناك إشكالاً رئيسياً مشتركاً على الطريقتين معاً وحاصله : انَّ ظهور العام لا يساعد على إثبات وجوب الإكرام في الفرد المشكوك لا بالطريقة الأولى ولا بالطريقة الثانية.

امَّا الأول فلأنَّ إثبات الحكم الفعلي بالعامّ على الفرد المشكوك معناه صيرورة مدلول العام إخباراً في هذا الفرد لأنَّ فعلية مجعول جعل ثابت بدليل آخر قضية خبرية لا محالة ، فانْ أُريد جعل الخطاب العام في تمام مدلوله إخباراً عن فعلية جعل ثابت في مرتبة سابقة فهو واضح البطلان بل خلف لأنَّ الكلام في التمسك بدليل الجعل في الشبهة المصداقية ، وإِنْ أُريد جعل خصوص هذه الدلالة منه إخباراً فهو أشنع لأنَّ الدال على الحكم في العام واحد فهو امَّا أَنْ يكون إخباراً أو إنشاءً فجعله إخباراً بلحاظ بعض الافراد وإنشاء بلحاظ الباقي إِنْ لم يكن مستحيلاً فلا أقل من انه غير صحيح إثباتاً.

ولا يقاس ذلك بما إذا ورد دليل خاص على وجوب إكرام زيد المشكوك في عدالته فانه لو علم انَّ ملاك الإكرام هو العدالة لا إشكال في كون القضية إنشائية وليست إخبارية ومع ذلك يستفاد انتفاء الفسق ، وذلك لأنه في مثل هذه الحالة يكون الخطاب كاشفاً عن جعل شخصي ويكون المولى بنفسه قد تصدى إلى إحراز موضوعه فلا تكون عدالته المشكوكة مأخوذة في موضوع الجعل الشخصي وإِنْ كان الملاك مقيداً بها بل

٣١٦

يكون حالها حال أصل الملاك من حيث عدم تقييد الخطاب به لكون المولى متصدياً لإحرازه في موضوع جعله ، ومثل هذا لا يعقل افتراضه في المقام فانَّ استفادة جعل شخصي في زيد بالخصوص يلزم منه أَنْ يكون خطاب العام متكفلاً جعلين أحدهما جعل وجوب الإكرام على الفقراء العدول بتوسط عنوان كل فقير عادل والاخر جعل شخصي لوجوب إكرام زيد على كل حال وهو واضح البطلان فانَّ خطاب العام لا يتكفل إِلاّ جعلاً واحداً بتوسط عنوان العام على نهج القضية الحقيقية اللهم إِلاّ أَنْ نرجع الجملة إلى خبرية فيمكن أَنْ تكون إخباراً عن جعول متعددة وقد عرفت فساد ذلك أيضا.

وامَّا الثاني فلأنَّ الحكم الظاهري يختلف عن الحكم الواقعي في مرحلة الجعل حيث يكون موضوعه الشك في الحكم الواقعي ، وحينئذٍ لا يعقل أَنْ يكون عموم العام في الفرد المشكوك كونه من افراد المخصص دالاًّ على وجوب إكرامه الظاهري لأنه لو دل على وجوب ظاهري فعلي فيه كان إخباراً وإِنْ كشف عن جعله فيه على حد جعل الوجوب الواقعي في الفقير العادل فهو غير معقول لأنَّ كل خطاب لا يتحمل إِلاَّ الكشف عن جعل واحد وهو امّا أَنْ يكون واقعياً لم يؤخذ في موضوعه الشك أو يكون ظاهرياً أخذ في موضوعه ذلك.

ويمكننا أَنْ نستخلص من مجموع ما تقدم انَّ التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية لمخصصه غير صحيح لأنَّ ذلك انما يتصور بأحد أنحاء أربعة كلها غير تامة.

النحو الأول ـ أَنْ يراد التمسك بالعامّ في الفرد المشكوك بلحاظ الشبهة الحكمية أَي لإثبات جعل يمكن تطبيقه على الفرد المشكوك وهذا هو النحو الّذي عالجه المحقق النائيني ( قده ) مبنياً على تعنون العام ثبوتاً بغير عنوان الخاصّ بالبرهان المتقدم شرحه حيث انه لو أُريد التمسك به لإثبات الجعل المطلق فهو خلف التخصيص وإِنْ أُريد التمسك به لا ثبات الجعل المقيد فلا يحرز انطباقه على الفرد المشكوك.

وقد ناقش المحقق العراقي ( قده ) في التعنون المذكور بنقاش نقضي وحلّي (١).

__________________

(١) مقالات الأصول ، ج ١ ، ص ١٤٩ ـ ١٥٠

٣١٧

امَّا النقض فبموارد موت بعض افراد العام خارجاً وقد عرفت انَّ هذا منه ( قده ) خلط غريب بين مرحلة الجعل ومرحلة المجعول.

وأمَّا الحلّ ، فبدعوى : انَّ المخصص انَّما يدلّ على تضييق حكم العام في مورد التخصيص وحكم العام متأخرٌ رتبة عن موضوعه فان أُريد جعل هذا التضيق سبباً في تضيق الموضوع فهو مستحيل لأنَّ الحكم المتأخر عن موضوعه لا يمكن أَنْ يؤثر في تجديد موضوعه ، وإِنْ أُريد تضييق الموضوع في المرتبة السابقة بقطع النّظر عن المخصص فهو بلا موجب كما هو واضح.

وهذه المناقشة أيضاً غريب منه ( قده ) فانَّ المخصص وإِنْ كان تضييقاً لحكم العام إِلاّ انَّ مدّعي التعنون لا يدعي انَّ تضييق حكم العام واسطة ثبوتية لتضييق موضوعه ليقال بأنه مستحيل وانما يدّعي انه واسطة في الإثبات تكشف إِنّا عن تضييق موضوع حكم العام ببرهان استحالة الإهمال ثبوتاً ، وكأَنَّ المحقق العراقي ( قده ) قاس العمومات المجعول فيها الحكم على الافراد من خلال عنوان العام على نهج القضايا الحقيقية بالقضية الخارجية التي يجعل فيها الحكم على الأشخاص الخارجية مطلقاً كما فيما إذا أشار إلى اشخاص معينين وقال ( أكرم هؤلاء ) فانه في مثل ذلك لا إشكال في انه لو اخرج بالتخصيص زيداً الفاسق منهم مثلاً لا يتعنون موضوع الحكم في الباقي بعنوان العادل لأنَّ المولى بنفسه قد أحرز وشخص موضوع حكمه في كل شخص من أولئك سواءً كان لعنوان العدالة دخل في الحكم ثبوتاً أم لا.

وقد تقدم انَّ هذا القياس في غير محله وإِنَّ الحكم إذا كان مجعولاً بتوسط عنوان ـ ولو كان مصبه الفرد لا الطبيعة ـ فلا محالة يتعنون موضوع الحكم بنقيض ما يطرأ على ذلك الخطاب من قيود لكون القضية حقيقية لا خارجية وإِنَّ المولى لا يتكفل إحراز ذلك العنوان في المصاديق وانما يجعل حكمه على كل فرد ينطبق عليه ذلك العنوان وبتوسطه فإذا كان لا يريد القضية المطلقة فلا محالة يكون موضوع حكمه المجعول على نهج القضية الحقيقية المقيد بغير العنوان الخاصّ.

بل هذا التعنون يثبت في القضية الخارجية أيضاً إذا كان المخصص للعام اخرج الافراد بتوسط عنوان كما إذا قال في المثال المتقدم ( لا يجب إكرام فساقهم ) ، حيث

٣١٨

يستكشف منه انَّ المولى لم يتصد بنفسه إلى إحراز فسقهم وعدالتهم بل أوكل ذلك إلى المكلف وجعل حكمه بوجوب الإكرام على العادل منهم فهذه القضية من ناحية فسقهم وعدالتهم كالقضية الحقيقية من حيث أنَّ موضوع الجعل المستكشف بالخطاب مقيد بالعدالة.

النحو الثاني ـ أَنْ يتمسك بالعامّ في الفرد المشكوك بلحاظ الشبهة الموضوعية لإثبات فعلية المجعول بالجعل الواقعي لوجوب الإكرام وهذا هو الّذي قلنا انَّ البرهان المتقدم من الميرزا ( قده ) لا يجدي في إبطاله ولكنه غير صحيح أيضاً لوجوه :

الأول ـ ما تقدم من انَّ بيان فعلية المجعول من باب فعلية موضوعه الواقعي ليس من شأن المولى بما هو مولى عرفاً فلا يكون خطابه كاشفاً عن ذلك ليتمسك به (١).

الثاني ـ انه يلزم منه انقلاب خطاب العام الإنشائي إلى جملة خبرية في الفرد المشكوك لأنَّ الكشف عن فعلية وتحقق مجعول جعل كلّي في فردٍ مفاد خبري وليس إنشائياً كما تقدم ، فحينئذٍ لو فرض إرجاع مفاد العام في تمام الافراد إلى جملة خبرية

__________________

(١) بل الأوفق ان يقال : ان الحكم الفعلي بمعنى المجعول خارج عن مدلول الخطاب سواءً في العام أو المطلق وانما هو من باب تطبيق الجعل المنكشف بالخطاب على مصاديقه وإحراز صغراه المستلزم لتولد الحكم الفعلي بمعنى المجعول ـ وهو وجود وهمي غير حقيقي على ما تقدم مراراً ـ فتمام دور الظهورات في باب القضايا الحقيقية الكشف عن الجعل وحدوده سعة وضيقاً ولا مساس لها بعالم المجعول ومرحلة التطبيق ، نعم إذا كان الخطاب قضية خارجية كان ناظراً إلى مرحلة التطبيق والمجعول لا محالة إلاّ انَّ هذا غير جعل الحكم على كلّ فرد فرد فانّ هذا يتصور في القضية الخارجية والحقيقية معاً كما انَّه غير دلالة اللفظ على الاستيعاب المتصورة في القضيتين أيضا لأنَّها تنفي التخصيص بنحو الشبهة الحكمية فقط.

وهكذا يتضح : ان الخطاب المجعول على نهج القضية الحقيقية لا يمكن أن نثبت به الحكم في الشبهة المصداقية ، إذ لو أريد التمسك به لإثبات الحكم الفعلي بمعنى المجعول فهو خارج عن مدلول الخطاب ، وان أريد التمسك به لإثبات سعة الجعل وعدم خروج هذا الفرد منه فالمفروض أنْ الجعل قضية حقيقية فسعته وشموله لهذا الفرد أيضاً لا بد وان يكون على نهج القضية الحقيقية لا الخارجية أي ينفي أخذ أي قيد يوجب عدم شمول القضية الحقيقية بما هي حقيقية لهذا الفرد لا أنه يثبت شموله له بما هو فرد خارجي فان هذا خلف كون الجعل المستكشف بالعامّ ـ مهما ورد عليه قيود حقيقية أو خارجية ـ يبقى قضية حقيقية ، فالعموم لا يمكن ان يثبت الا انَّ الجعل غير مقيد بعدم هذا الفرد ولا يمكن ان يثبت ان هذا الفرد الخارجي واجب الإكرام وانما يثبت ذلك في مرحلة التطبيق بعد إحراز الجعل وحدوده والمفروض ان الجعل قد أخذ في موضوعه قيد العدالة فلا يحرز انطباقه على الفرد المشكوك وقد ظهر بهذا البيان : ان تمام فذلكة الموقف مرتبطة بهذه النكتة لا بمسألة مولوية المولى وشأنه بما هو مولى ، ولا بكون الجملة إنشائية لا خبرية فان الخطاب لو كان بنحو القضية الخارجية وناظراً إلى مرحلة التطبيق كان يصح التمسك به بلا كلام ولم يكن ذلك منافياً مع شأن المولى بما هو مولى ولا انقلاب الإنشاء إخباراً بل يبقى الخطاب إنشاءً ولكنه يدل بالملازمة على مدلول إخباري ولا محذور فيه.

كما ظهر : ان ما أفيد في دفع الإشكال الثالث من ان نتمسك بالعموم لإثبات فعلية المجعول بالمطابقة ويكون دالاً بالالتزام على الجعل غير سديد ، فان الخطاب لا يمكن ان يثبت المجعول إلا إذا كان بنحو القضية الخارجية ، ولعل هذا هو روح مقصود الميرزا ( قده ).

٣١٩

تحكي عن فعلية المجعول بفعلية موضوعه فهذا واضح الشناعة ، إذ مضافاً إلى وضوح كون الخطاب جملة إنشائية في مقام الجعل بحسب الفرض ، كيف يمكن أَنْ يفرض اخبار المولى عن عدالة كل فقير مع وضوح انقسامه إلى فاسق وغير فاسق؟

وإِنْ بقي مفاد العام في سائر الافراد على إنشائيته فهذا فيه شناعتان ، إذ من ناحية يلزم أَنْ تكون القضية الواحدة ملفقة من إنشائية وإخبارية وهو إِنْ لم يُفرض استحالته فلا أقل من انه لا يقع خارجاً في باب الاستعمالات ، ومن ناحية أخرى لا يوجد تمايز بين الفرد المشكوك في الشبهة الموضوعية مع الفرد الواقعي بل كلاهما فردٌ من الفقير المأخوذ في موضوع الخطاب العام اللهم إِلاَّ أَنْ يعمل المولى علمه الغيبي فيقصد بخطابه الاخبار بلحاظ الافراد التي يعلم بعلمه الغيبي انه سوف يقع شك مصداقي فيها وهذا أيضا واضح الفساد والشناعة.

الثالث ـ ما تقدم من انَّ التمسك بالعامّ لإثبات الحكم الفعلي في الشبهة الموضوعية فرع ثبوت الجعل له في الشبهة الحكمية فانْ أُريد إثباتهما معاً فهو غير معقول إذ الخطاب لا يتكفل إِلاّ إثبات حكم واحد ، وان شئت قلت : انَّ العام لا يشمل كلّ فرد إِلاّ مرة واحدة لإثبات الحكم فيه امَّا بلحاظ مرحلة الجعل أو المجعول.

وإِنْ أُريد إثبات المجعول بلا جعل فغير معقول لتوقفه عليه وإِنْ أريد إثبات الجعل بلا مجعول فغير مفيد لكونه مشروطاً.

وقد تقدم الجواب عن هذا الوجه وانه يمكن اختيار الشق الثاني وانه بالعامّ نثبت بالمطابقة فعلية المجعول ويكون دالاً بالالتزام على الجعل فيكون استفادة الجعل بلحاظ الفرد المشكوك بدلالة التزامية للعام لا مطابقية.

الرابع ـ ما يستفاد من بعض كلمات المحقق العراقي ( قده ) وحاصله : انَّ دليل حجية العام لا تشمل العام إِلاَّ مرة واحدة لا مرتين مع انه في المقام لا بدَّ من إلغاء احتمال عدم وجوب إكرام الفرد المشكوك مرتين مرة بلحاظ الشبهة الحكمية لنفي احتمال تخصيص زائد فيه وأخرى بلحاظ الشبهة الموضوعية. وقد حاول الجواب عليه ، بأنه لا مانع من التمسك بدليل حجية العام أولا لإلغاء احتمال الخلاف في الفرد المشكوك بلحاظ الشبهة الموضوعية لإثبات الموضوع فيتمسك بدليل الحجية فيه مرة أخرى بلحاظ الشبهة

٣٢٠