بحوث في علم الأصول - ج ٣

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٥

المدلول الاستعمالي وبعد ثبوت التخصيص بلحاظ شيء منها لا معنى لإجراء أصالة الحقيقة في العام بلحاظ المدلول المخصص لعدم ترتب المراد الجدي عليه بحسب الفرض.

وامّا البحث الثاني ـ فيمكن أَنْ نذكر لتأييد فرضية الشيخ ( قده ) عدة مؤيدات :

المؤيد الأول ـ النقض المتقدم بموارد العدد ونحوه فانَّه لا يمكن تفسير التعارض فيها بناءً على محاولة صاحب الكفاية ( قده ) إلاّ بتمحلات وادعاءات تقدمت الإشارة إليها ، وهذا بخلاف ما إذا بنينا على محاولة الشيخ ( قده ) فانها ـ كما أشرنا ـ تستطيع أَنْ تفسر ذلك بكل وضوح ، لأنَّ استعمال الأربعة في الثلاثة مثلاً أو ضمير المثنى في المفرد لا يصح عرفا ولو على سبيل المجاز فلا يمكن فرض المخصص دليلا على إرادة ذلك من دليل العدد ولهذا يقع التعارض بينهما فيه (١).

المؤيد الثاني ـ انه بناءً على محاولة الشيخ ( قده ) يكون من الواضح تفسير وجه عدم إمكان تخصيص الأكثر من افراد العام إذ يمكن تفسيره بأنه يلزم استعمال العام في الأقل من افراده وهذا وإِنْ كان جزءً من مدلول العام إلاّ انَّ استعمال اسم الكل في الجزء انما يصح مجازاً فيما إذا كان الجزء مهمّاً معتداً به ، وهذا بخلاف محاولة صاحب الكفاية فانها لا تستطيع تفسير ذلك إلاّ على أساس تمحل أُشير إليه أيضا فيما سبق (٢)المؤيد الثالث ـ انَّ تخصيص العام المجموعي وحجيته في الباقي بعد التخصيص بالإمكان تفسيره على ضوء نظرية الشيخ ( قده ) إذ يكون المخصص قرينة على استعمال العام في مجموع الباقي (٣) ، بينما بناءً على محاولة المحقق الخراسانيّ ( قده ) لم يكن

__________________

(١) استعمال الأربعة أو أي عدد آخر في غيره من الاعداد انما لا يصح ولو مجازاً باعتبار ان كل عدد بحدّه مباين مع العدد الآخر وليس جزءً منه لتكون بينهما علاقة الجزء والكل ، والمفروض في محاولة الشيخ ( قده ) كشف المخصّص عن استعمال العام في ذات الخاصّ لا بما هو خاص والا كان مبايناً مع العام وهذا يؤدي إلي لزوم صحة استعمال الأربعة أيضاً في ذات الثلاثة لا بحدّها فنحتاج إلي جواب آخر لا محالة كما هو على مبنى المحقق الخراسانيّ قده.

(٢) يمكنه أَنْ يجيب عنه بما يخرج به استهجان تقييد المطلق في أكثر افراده مع انه ليس بمجاز على كل المسالك ، والظاهر انَّ النكتة العرفية واحدة في البابين.

(٣) ولكن مجموع الباقي ليس نسبته إلى مجموع العام نسبة الأقل إلى الأكثر في العام المجموعي بل نسبة المباين إلى مباينه ، فكلتا النظريتين بحاجة إلى تمحل لتفسير حجية العام المجموعي في تمام الباقي وكأنه في كل هذه المؤيدات افترض انَّ محاولة الشيخ ( قده ) ترجع إلى دعوى قرينية المخصص على إرادة تمام الباقي من العام مع انَّ هذه محاولة مستقلة غير مسألة الانحلال في الظهور الاستعمالي.

٢٨١

يمكن تفسيره إلاّ بتمحل تقدم بيانه فيما سبق.

المؤيد الرابع ـ انَّ محاولة الشيخ ( قده ) بافتراض انَّ المخصص يتصرف في مرحلة المدلول الاستعمالي من العام تنسجم مع نظرية القرينية العامة في سائر الموارد ، من قبيل موارد حمل الأمر الظاهر في الوجوب على الاستحباب بورود الترخيص في الترك ، وكذلك النهي الظاهر في الحرمة يحمل على الكراهة بورود الترخيص في الفعل ، فانه لا إشكال في حملهما بلحاظ مرحلة المدلول الاستعمالي على إرادة الاستحباب والكراهة لا بلحاظ مرحلة المدلول الجدّي بالحمل على التقيّة أو عدم الجدّ كما هو واضح ، بينما يبقى في ذمة نظرية المحقق الخراسانيّ ( قده ) أَنْ تفسر وجه الفرق بين الموارد الأُخرى وموارد التخصيص التي افترض فيها انَّ المخصص يتصرّف في الظهور الجدّي من العام دون الاستعمالي.

ويمكن للمحقق الخراسانيّ ( قده ) أَنْ يدّعي في المقام بأنَّ الحمل على الاستحباب انما كان باعتبار انه مقتضى الجمع بين الدليل المنفصل الترخيصي ودليل الأمر في سياق واحد ، والقرينة المنفصلة تهدم حجية نفس الظهور الّذي كان ينهدم باتصال القرينة فلا محالة يكون الظهور الاستعمالي لدليل الأمر هو الساقط عن الحجية بورود الترخيص المنفصل ، وامّا في التخصيص فلو كان دليله متصلاً بدليل العام في سياق واحد لم يكن هناك مجازية بناءً على مبناه من انَّ التخصيص المتصل من التخصص من باب ضيق فم الركيّة دائما ـ وسيأتي الحديث عن هذه النقطة ـ ومعه فلا موجب لجعله في فرض الانفصال رافعاً لحجية أصالة الحقيقة نظير باب الإطلاق والتقييد فانَّ دليل المقيد لا يكون كاشفا عن استعمال المطلق في المقيد مجازاً بل القدر المتيقن هو عدم إرادته جدّاً.

هذه هي أهم المؤيدات التي يمكن أَنْ تذكر لترجيح المحاولة التي ذهب إليها الشيخ ( قد ) على المحاولة المتبناة من قبل صاحب الكفاية ( قده ) وقد عرفت انها لا تعدو مجرد أوضحية في تفسير بعض الظواهر والمفارقات ولا تشكل برهانا حاسما لدحض نظرية صاحب الكفاية ( قده ).

وهناك مؤيد واحد في قبال تلك مؤيدات تعزز محاولة صاحب الكفاية ( قده ) هو

٢٨٢

انَّ نظرية الشيخ ( قده ) تعجز عن تخريج حجية العام في الباقي في موارد العموم المستفاد بنحو المعنى الحرفي كالجمع المحلّى باللام بناءً على دلالتها على العموم وذلك بأحد تقريبين.

١ ـ بناءً على أَنْ تكون دلالة الجمع المحلّى باللام على العموم من جهة دلالة اللام على التعيين ولا تعيين إلاّ في مرتبة العموم. فانه إذا فرض كون المخصص كاشفا عن عدم الاستعمال في العموم كان معنى ذلك عدم إرادة المرتبة العليا من الجمع وهو يعني عدم استعمال اللام في التعيين بل في التزيين مثلا ، ومعه فكيف نثبت إرادة تمام الباقي ، وهذا بخلاف ما إذا قلنا بأنَّ الخاصّ يهدم حجية الظهور الجدي مع بقاء المدلول الاستعمالي للعام على حاله.

٢ ـ بناءً على أَنْ تكون لام الجماعة دالة على النسبة الاستيعابية ابتداءً بين الطبيعة وافرادها. فانه يقال انه بعد ثبوت التخصيص يستكشف عدم استعمالها في ذلك ومعه لا يمكن إثبات استعمالها في النسبة الاستيعابية لأفراد العالم العادل مثلاً.

لأنَّ كل نسبة ومعنى حرفي مباين مع غيرها بحسب المفهوم وإِنْ كان من حيث النتيجة النسبة بين محصول كل منهما خارجا ومحصول الاخر الأقل والأكثر ، وهذا بخلاف ما إذا كان العموم والاستيعاب بنحو المعنى الاسمي ، أو قلنا بأنَّ المنثلم حجيته هو الظهور الجدي لا الاستعمالي.

وبعد هذا السير الطويل نقول : قد يصار في التخصيص المتصل إلى ما ذهب إليه صاحب الكفاية ( قده ) وتبعه عليه مشهور المحققين المتأخرين من عدم المجازية باعتبار مجموع امرين :

الأول ـ عدم الشعور بالعناية في موارد التخصيص المتصل بأقسامه المتعددة.

الثاني ـ تطبيق المحاولة الأولى المتقدمة بافتراض انَّ أداة العموم تدل على استيعاب تمام افراد المدخول ، ويراد بالمدخول معنى أوسع يشمل جميع ما يمكن أَنْ يضيفه المتكلم من القيود والمخصصات في مجموع كلامه أي ما لم يخرجه بالتخصيص وبذلك يكون التخصيص بالمتصل بأقسامه من التخصص من باب عدم انعقاد العموم من أول الأمر بلحاظ المدلول التصوري إلاّ في الباقي.

٢٨٣

والأمر الأول من هذين الأمرين صحيح لا غبار عليه وجدانا إلاّ انَّ الأمر الثاني غير صحيح لما ذكرناه مفصلاً في بحوث تعارض الأدلة وتوضيح ذلك :

انَّ التخصيص الّذي يكون من باب ضيق فم الركيّة والتخصص انما يكون فيما إذا كان تضييق العام ثابتا في مرحلة مدلوله التصوري وذلك انما يكون في موردين ، أحدهما ـ ما إذا كان هناك تقييد في مدخول أداة العموم مباشرة كقولنا ( أكرم كلَّ فقير عادل ) والاخر ـ ما إذا كان هناك ما يدل على التخصيص والإخراج تصورا كأدوات الاستثناء والاستدراك نظير قولنا ( أكرم كلَّ الفقراء إلاّ فساقهم ) فانه في هذين القسمين من التخصيص المتصل يكون تضيق العام ثابتا في مرحلة المدلول التصوري للكلام ولهذا لا تكون هناك عناية ولا مخالفة بلحاظ المدلول التصديقي الاستعمالي أو الجدي (١).

وامّا إذا كان التخصيص المتصل متمثلا في جملة مستقلة أتي بها عقيب العام كما إذا قال ( أكرم كلَّ فقير ، ولا يجب إكرام فساقهم ) ففي مثل ذلك لا يكون تضييق العام ثابتا في مرحلة المدلول التصوري للكلام لوضوح عدم تقييد الفقير الّذي هو مدخول الأداة بنسبة تقييدية وعدم ذكر ما يدل على الاستثناء أو الاستدراك تصوراً ، فلا محالة يكون التخصيص بملاك التناقض بين مدلول الجملتين المتعاقبتين لكون إحداهما موجبة كلية والأخرى سالبة جزئية وهما لا يجتمعان ثبوتاً فلا بدَّ وأَنْ يكون المقصود هو الخصوص لا العموم. الا انه من الواضح انَّ هذا الملاك للتخصيص يكون بلحاظ المدلول التصديقي للكلام لا التصوري لأنَّ مبدأ عدم التناقض من شئون هذه المرحلة بمعنى انَّ مركز هذا التنافي انما هو مرحلة المدلول التصديقي وامّا مرحلة المدلول التصوري للجملة السالبة الكلية والموجبة الجزئية فمن الواضح انه لا يكون أحد التصورين مناقضا ومنافيا مع الاخر بما هما تصوران ساذجان ولهذا لو سمعناهما من جدار انتقش في ذهننا التصوران معاً على حد واحد وهذا يعني انَّ هذا الملاك للتخصيص انما يقتضي ثبوت

__________________

(١) مع وجود فرق بين القسمين من حيث انَّ العام في مورد الاستثناء مستعمل في عمومه الشامل للمستثنى غاية الأمر قد استعمل الاستثناء أيضاً في معناه وهو الاقتطاع تصوراً فتكون حصيلة المستثنى منه والمستثنى إرادة الخاصّ نتيجة بخلاف القسم الأول الّذي يكون التخصيص وارداً على مدخول الأداة.

٢٨٤

التخصيص في مرحلة المدلول التصديقي وحينئذ لا يمكن أَنْ يربط مدلول الأداة الوضعي بعدم التخصيص بهذا النحو فانه ربط للمدلول التصوري الوضعي بمدلول تصديقي وقد تقدم فيما سبق انَّ هذه مغالطة نشأت من الخلط بين مرحلتين وعالمين (١).

وعليه فالمحاولة الأولى من المحاولات الثلاث لا تثبت في تمام أقسام التخصيص المتصل كما ذهب إليه صاحب الكفاية ( قده ) ومن تبعه ، بل في خصوص القسمين الأولين.

وامّا القسم الثالث وهو المخصص المتصل في جملة مستقلة فهو ليس من باب ضيق فم الركيّة بل من باب التخصيص حقيقة بلحاظ المدلول الاستعمالي أو الجدي بعد ثبوت العموم بلحاظ المدلول التصوري الوضعي. وحينئذ قد يقال بأنه لا بدَّ من افتراض العناية في هذا القسم من التخصيص المتصل امّا بلحاظ الظهور الاستعمالي بأَنْ يكون مستعملا في الباقي مجازاً أو الظهور الجدي ـ أصالة التطابق بين عالم الثبوت والإثبات ـ فكيف التزمتم بعدم العناية وفاقا مع صاحب الكفاية ( قده ).

والجواب : انَّ الصحيح مع ذلك عدم العناية في هذا القسم من التخصيص المتصل أيضا ، امّا بلحاظ الظهور الاستعمالي فلأنَّ العام مستعمل في العموم حقيقة ، وامّا بلحاظ الظهور الجدي فلأنَّ موضوع هذا الظهور ليس هو كل جملة من الكلام بل مجموع الكلام الواحد للمتكلم ، لأنَّ الشيء الّذي لا يليق بالمتكلم أَنْ يسكت على كلام غير جدي لا أَنْ يذكر شيئا مع الدلالة في نفس الكلام بقرينة حال أو مقال علي انه جاد في مقدار منه ، فانَّ هذا لا يكون منافيا مع الظهور الحالي المذكور فالتخصص ثابت في الواقع بلحاظ هذه المرحلة من الظهور للعام.

وامّا التخصيص المنفصل فلا تتم فيه هذه المحاولة كما تقدم بيانه عند التعليق عليها فيدور الأمر بين المحاولتين الثانية والثالثة. وقد اتضح مما تقدم انَّ جميع ما ذكر من المؤيدات والشواهد الإنّية أو اللميّة لإحداهما في مقابل الأخرى لا تكون برهانا حاسما

__________________

(١) هذا لو أُريد انَّ أداة العموم تدل على استيعاب ما لم يخصصه المتكلم ولو بجملة مستقلة ، وامّا إذا أُريد من هذه الدعوى ثبوت التخصيص في مرحلة المدلول التصوري على غرار الاستثناء والاستدراك كما لو ادّعى انَّ نفس تعقب الخاصّ بما هو خاص يدل على الاستدراك تصوراً ومن أساليبه فلا إشكال من هذه الناحية.

٢٨٥

بحيث يعجز صاحب الفرضية المتبناة في المحاولة الأخرى عن تفسيرها بشكل أو بآخر ، وعليه فتبقى المسألة في ذمة وجدان كل أحد من انَّ المخصص المنفصل هل يكون كاشفا عن انثلام الظهور الاستعمالي من العام أو الظهور الجدّي منه.

بقي في المقام التنبيه إلى شيء وهو انَّ ما تقدم من الحديث انما هو حول حجية العام في الباقي في الجمل الإنشائية أعني المستعملة في مقام الإنشاء.

وامّا الجملة الخبرية المخصصة ، فقد يقال فيها بأنه لا تنافي فيها بين دليل التخصيص ودليل العام والوجه في ذلك انَّ المدلول الجدي في الجملة الخبرية هو قصد الحكاية والاخبار لا الجعل والإنشاء ، ومن الواضح انه يمكن أَنْ يكون للمتكلم قصد الحكاية عن العموم جداً وحقيقة لمصلحة فيه مع عدم ثبوت العموم واقعا كما يقتضيه المخصص ، والحاصل : انَّ المخصص انما يدل على عدم ثبوت مدلول العام في مورد التخصيص ولا يكشف عن عدم قصد الحكاية عن العموم في الجملة الخبرية المخصصة ، غاية الأمر يلزم الكذب بناء على تقوم الكذب بأَن يقصد الحكاية عن شيء خلاف الواقع كما هو المشهور ، وامّا بناء على مبنانا من انَّ الكذب متقوم بكشف شيء خلاف الواقع فهو حاصل حتى لو لم يكن قاصداً الحكاية كما في موارد التورية عندهم فانه قد كشف بذلك ما هو خلاف الواقع ولذلك نبني فقهياً على حرمة التورية وكونها كذبا أيضا إلاّ في حالة واحدة لا مجال للتعرض لها هنا ، ولكن هذا ليس من التعارض بين الكلامين لا بلحاظ المدلول الاستعمالي وهو قصد إخطار العموم ولا بلحاظ المدلول الجدي وهو قصد الحكاية عنه ، نعم المخصص مخالف لأمر ثالث وهو مطابقة تلك الحكاية مع الواقع ـ وقد يعبر عنها بأصالة الجد ـ إلاّ انَّ هذا الظهور ليس من ظهورات الكلام ولا من مدلولاته بوجه وانما هو مرتبط بوثاقة الحاكي وكونه صادقاً لا يخطأ وهذا هو معنى عدم التنافي بين الكلامين العام الخبري والمخصص.

ولكن الصحيح وجود التنافي بين العام الخبري ومخصصه بلحاظ ظهور حالي ، ذلك انَّ عدم مطابقة الحكاية مع الواقع تارة : تكون اختيارية من جهة كذب المتكلم ، وأخرى : تكون اضطرارية من جهة التقية ونحوه ، وظاهر المتكلم بكلام انه يحكي عنه بالحرية والاختيار لا بالاضطرار والجبر فإذا فرضنا المتكلم صادقا كالمعصوم الّذي

٢٨٦

يستحيل منه عدم المطابقة الاختياري فلا محالة كان المخصص منافيا مع ظهور العام الخبري في الجدية ، فانَّ مقتضى ظهوره الحالي في كون حكايته اختيارية وصادرة عنه بحرية صدور الكذب من المعصوم وهو مستحيل فلا محالة يقع التنافي بين المخصص والعام الخبري ولو بلحاظ ظهوره الثالث.

« حجية العام مع المخصّص المجمل »

الجهة الثانية ـ في انه إذا فرض إجمال المخصص فهل يكون العام حجة في عام يعلم شموله للمخصص أم لا؟

وهذه المسألة بحسب الواقع امتداد للمسألة السابقة حيث انه بعد أَنْ ثبت هناك حجية العام بعد التخصيص في تمام الباقي يبحث عن حدود ما يكون العام حجة فيه :

فهل هو ما لم يعلم دخوله في المخصص أم خصوص ما علم عدم دخوله فيه؟

والبحث عن هذه الجهة يقع في مقامين ، لأنَّ ، إجمال المخصص امّا مفهومي أو مصداقي وفي كل من المقامين توجد فروع أربعة ، إذ المخصص المجمل امّا متصل بالعامّ أو منفصل عنه ، وعلى كل من التقديرين امّا أَنْ يكون الدوران بين الأقل والأكثر أو بين متباينين.

وقبل الشروع في الحديث عن هذه المسائل لا بدَّ من التعرض إلى نكتة مرتبطة ببحوث تعارض الأدلة ولها دخل كبير في المقام ، وهي الكلمة المشهورة القائلة بأنَّ المخصص المنفصل يرفع حجية العام والمخصص المتصل يهدم ظهور العام فنقول :

امّا دعوى كون المخصص المنفصل رافعا لحجية العام دون ظهوره فلأنَّ العام بعد أَنْ انعقدت دلالته على العموم وتمت فيستحيل أَنْ ينقلب عما وقعت عليه ، لأنها كانت دلالة تنجيزية غير معلقة على عدم التخصيص المنفصل ببرهان نفي احتمال التخصيص بنفس هذا الظهور وإلاّ لابتلى الظهور بالإجمال كلّما احتملنا وجود مخصص منفصل واقعا ، فلا محالة عند ثبوت المخصص أيضا تكون أصل الدلالة والظهور باقيا في العام على حاله وانما ترتفع حجيته امّا بملاك الأظهرية والأقوائية كما سلكه صاحب الكفاية ( قده ) أو بملاك القرينية كما أفاده المحقق النائيني ( قده ) وقد حققنا

٢٨٧

ذلك مفصلا في بحوث التعارض.

وامّا دعوى كون المخصص المتصل رافعا للظهور فهي بالنسبة إلى التخصيص المتصل بنحو التقييد أو الاستثناء والاستدراك واضحة ، لأنَّ التخصيص في هذين القسمين ثابت في مرحلة المدلول التصوري الوضعي للكلام فلا ينعقد ظهور في العموم ذاتا لعدم انعقاد دلالة عليه في مرحلة الدلالة التصورية.

وامّا المخصص المتصل المستقل فرافعيته لأصل الظهور تتضح على ضوء النكتة التي ذكرناها فيما سبق لتفسير عدم العناية في التخصيص به ، حيث قلنا بأنَّ العام وإِنْ كان بحسب مدلوله التصوري بل الاستعمالي ظاهراً في العموم إلاّ انه بحسب المدلول الجدي لا ظهور في إرادته بل الظهور يقضي بإرادة الخصوص جدا ، باعتبار انَّ الظهور الحالي في الجدية يقتضي انَّ المتكلم جاد في كلامه في مقابل أَنْ يكون هازلا في مجموع كلامه بأَنْ يسكت على الهزل فما دام لم ينته من كلامه الواحد لا يمكن اقتناص مراده الجدي منه ، فأصالة الجد انما تجري بلحاظ مجموع الكلام لإثبات الجد ونفي الهزل الفعلي بالكلام ولا تجري بلحاظ كل جزء جزء من الكلام الواحد لإثبات الجد التحليلي والحيثي من ناحيته.

فإذا اتضحت هذه المقدمة نعود إلى الحديث عن مسائل إجمال المخصص فنقول :

٢٨٨

( المقام الأول ـ في المخصص المجمل مفهوماً )

( وهو يحتوي على فروع أربعة كما أشرنا :)

الفرع الأول ـ ما إذا كان المخصص المجمل مفهوما متصلا بالعامّ ومرددا بين الأقل والأكثر ، كما إذا ورد ( أكرم كلَّ فقير ولا يجب إكرام الفاسق من الفقراء ) وافترضنا تردد مفهوم الفاسق بين فاعل الذنب الكبيرة بالخصوص ـ الأقل ـ أو مرتكب مطلق الذنب ـ الأكثر ـ.

وفي هذا الفرع لا إشكال ولا ريب في سريان الإجمال من المخصص إلى العام بحيث لا يمكن التمسك به في إثبات حكمه لمورد الإجمال.

والصياغة المعروفة لهذه الدعوى : انَّ الحجية موضوعها الظهور وفي المقام يكون أصل ظهور العام بلحاظ مورد الإجمال من المخصص مجملا باعتباره متصلا وقد تقدم انَّ المخصص المتصل يهدم أصل الظهور ، فلو كان مدلول المخصص هو الأكثر كان معناه عدم انعقاد ظهور العام بلحاظ فاعل الصغيرة لكي يمكن التمسك به ، وبكلمة موجزة : يكون المقام من الشبهة المصداقية لدليل حجية الظهور والعموم فكيف يمكن التمسك به؟ وهذه الصياغة في التخصيص بالمتصل الثابت في مرحلة المدلول التصوري للعام ـ كالتخصيص بنحو تقييد مدخول أداة العموم أو بالاستثناء ـ واضح لا غبار عليه ، إذ لا يمكن أَنْ يحرز فيه المدلول التصوري الوضعي للعام بلحاظ مورد إجمال المخصص لكي

٢٨٩

يكون حجة في الكشف عن المراد الاستعمالي والجدي لأنَّ الكاشف عن ذلك انما هو الفهم الشخصي للمتكلم على ما حققناه في بحوث حجية الظواهر ، والمفروض هنا الإجمال في نظره هذا إذا كان الإجمال بحسب نظره ، واما إذا كان الإجمال بحسب نظر العرف العام أيضا كما في موارد استعمال المشتركات أو المجملات ذاتا فالامر أوضح.

وامّا في التخصيص المتصل المستقل الّذي قلنا فيما سبق ان التخصيص فيه يثبت بملاك تصديقي ولذلك لا يكون ثابتا إلاّ بلحاظ المراد الجدي فقد يقال بأنه لا تتم فيه الصيغة المذكورة لأنَّ المفروض انعقاد الدلالة التصورية والاستعمالية على العموم الشامل لفاعل الكبيرة فضلا عن الصغيرة وانما يشك ويحتمل عدم جدية المتكلم فيه ولكن احتمال الهزل هذا منفيٌ بأصالة الجد ، لأنَّ المقدار الثابت لدى السامع من الهزل انما هو بالنسبة لفاعل الذنب الكبيرة وامّا مرتكب الصغيرة فلم يثبت هزل المتكلم فيه فيكون مقتضى الأصل والظهور الحالي الجدية فيه كما هو كذلك بلحاظ سائر افراد العام.

إلاّ انَّ الصحيح مع ذلك سريان الإجمال إلى العام في هذا القسم أيضاً ، وذلك لأننا ذكرنا فيما سبق في معنى انثلام الظهور الجدي بالمخصص المستقل المتصل بأنَّ الهزل الّذي يكون على خلاف ظاهر المتكلم انما هو الهزل الّذي يسكت عليه المتكلم.

وحينئذ فتارة : يراد بالسكوت ما يقابل إعلام السامع وجعله يفهم بالفعل الهزل ، وأخرى : يراد بالسكوت ما يقابل البيان بحسب ما هو نظام اللغة والمحاورة العام ، فان قصد الأول تمَّ ما ذكر من عدم انثلام أصل الظهور في هذا القسم لأنَّ السامع لم يثبت لديه الهزلية إلاّ بمقدار فاعل الكبيرة فقط ، وإِنْ قصد الثاني فالصحيح ما ذكر في الكلام المعروف من إجمال العموم لأنه على تقدير كون المخصص بحسب النظام اللغوي العام شاملا لفاعل الصغيرة لم يكن المتكلم قد سكت عن هزلية العام بلحاظه فلا يحرز موضوع الظهور الجدي بالنسبة إليه. ولا إشكال في انَّ الصحيح هو التقدير الثاني لوضوح انَّ المتكلم ليس مسئولاً عن أكثر من متابعة النظام اللغوي العام في مقام المحاورة والتخاطب وإبراز جده وهزله.

إِنْ قلت : فما ذا يقال في الموارد التي يكون الإجمال فيها ذاتيا ثابتا بحسب النظام

٢٩٠

اللغوي العام أيضا كما إذا كان المخصص مشتركا لفظيا بين الأقل والأكثر ولم ينصب المتكلم قرينة.

قلنا : بعد افتراض صحة الاستعمال في تلك الموارد وكونه منسجما مع النظام العام بحيث يكون استعماله وإرادته لأحد المعنيين من دون نصب القرينة صحيحا عرفا.

لا يكون المتكلم ساكتا عن الهزل المذكور بحسب النظام العام على تقدير إرادته التخصيص بالأكثر فلا يمكن نفي احتمال هذا الهزل أيضا لاحتمال كونه مما لم يسكت عنه.

وهكذا يتبين صحة الدعوى المذكورة في هذا الفرع من سريان الإجمال من المخصص إلى العام.

نعم انَّ هنا إشكالاً قد يوجه على دعوى الإجمال في هذا الفرع وحاصله : انه سلمنا الإجمال وعدم إحراز صغرى الظهور في العام بالنسبة لمورد إجمال المخصص ولكن أليس هذا الشك مسبباً عن الشك في القرينة المتمثلة في المخصص فيمكن نفيه بأصالة عدم القرينة وبه يرتفع الشك المسببي ويحرز الظهور في العام أيضا؟

والجواب على هذا الكلام واضح ، فانه لو أُريد من أصالة عدم القرينة هذا أصل تعبدي شرعي هو استصحاب عدم القرينة فالتمسك به في المقام مثبت لوضوح انَّ الظهور لازم تكويني عقلي وليس أثراً شرعياً مترتباً على عدم القرينة وإِنْ كان يترتب عليه الحجية التي هي حكم شرعي. وإِنْ أُريد الأصل العقلائي فهو انما يجري في مورد تحفظ فيه نكتة كاشفية وأمارية يُنفى بها وجود القرينة ، على ما شرحنا ذلك في بحث حجية الظواهر ، وذلك يكون في إحدى حالتين ليس المقام واحدا منهما :

الحالة الأولى ـ ما إذا كان الشك في القرينة مسببا عن احتمال الغفلة بان كان ذكره المتكلم وغفل عن سماعها المتكلم فيكون منفيا بملاك أصالة عدم الغفلة من العاقل الملتفت.

والحالة الثانية ـ ما إذا كان الشك في وجود القرينة المنفصلة فيكون منفيا بملاك كاشفية الظهور المنعقد في ذي القرينة ذاتا. وفي المقام ليس الشك من باب احتمال الغفلة بل الجهل والإجمال وليس الأصل عدم الجهل ، كما انَّ المحتمل هو القرينة

٢٩١

المتصلة الهادمة على تقدير ثبوتها لأصل الظهور لا المنفصلة التي يحفظ معها الظهور (١).

الفرع الثاني ـ ما إذا كان المخصص متصلا ومجملا دائراً بين متباينين.كما إذا قال ( أكرم كلَّ فقير ولا تكرم الأولياء منهم ) ودار أمر الولي بين العبد وابن العم مثلاً ، أو قال ( لا تكرم زيداً ) ودار أمره بين زيد بن عمر وزيد بن بكر.

والبحث في هذا الفرع يقع في ثلاث نقاط :

النقطة الأولى ـ في عدم جواز التمسك بالعامّ في الفردين المتباينين معاً ، وذلك لوجهين :

الأول ـ ما تقدم في الوجه السابق من انَّ المخصص المتصل يهدم أصل الظهور في العام فانه على هذا الأساس لا يوجد ظهور بلحاظ الفردين معاً كي يتمسك به.

الثاني ـ لو تنزلنا وافترضنا وجود الظهور فيكون المخصص المتصل كالمنفصل رافعا للحجية فقط مع ذلك لا يمكن التمسك بالعامّ كما لا يمكن في فرض انفصال المخصص ، وذلك لأنَّ الظهورين وإِنْ فُرض انعقادهما ذاتاً إلاّ انَّ أحدهما ساقط عن

الحجية بحسب الفرض لثبوت المخصص لأحدهما على كل حال ومعه لا يمكن التمسك بالظهور فيهما معاً فانه خلف التخصيص.

النقطة الثانية ـ في عدم جواز التمسك بالعامّ في أحد الفردين بالخصوص وذلك لوجهين أيضا :

الأول بناء على ما تقدم من انهدام أصل الظهور فيما إذا كان المخصص متصلا لا يحرز أصل الظهور بالنسبة إلي كل من الفردين بالخصوص فيكون شبهة مصداقية لكبرى حجية الظهور.

الثاني لو فرض عدم انثلام أصل الظهور مع ذلك لا يجوز التمسك بالعامّ لإثبات الحكم في أحد الفردين بالخصوص لأنه لو أُريد التمسك به مع التمسك بالعامّ في الفرد الآخر جميعاً فهو خلف التخصيص كما تقدم ، ولو أريد التمسك به بدلاً عن الاخر فهو

__________________

(١) هذا إذا أرجعنا أصالة عدم القرينة في هذه الحالة إلي أصالة الظهور واما إذا لم تكن من باب حجية الظهور عند العقلاء بل من باب أصالة الحقيقة والعموم ابتداءً مع ذلك لم يجز التمسك بها في المقام فيما إذا كان المخصص المجمل ثابتا في مرحلة المدلول التصوري للكلام لعدم انعقاد أصل الدلالة التصورية والاستعمالية بالنسبة إلى مورد الإجمال.

٢٩٢

ترجيح بلا مرجح ، وإِنْ شئت قلت : انَّ الظهور إذا كان منعقداً وإِنْ كان ينفي احتمال التخصيص وفي المقام بلحاظ أحد الفردين بالخصوص لا يقطع بالتخصيص إلاّ انَّ هذا الظهور في كل منهما معارض معه في الاخر فيسقطان عن الحجية كما هو الحال في تمام موارد التعارض.

النقطة الثالثة ـ في إمكان التمسك بالعامّ لإثبات الحكم في الفرد غير الخارج بالتخصيص واقعا على إجماله ، واثره تشكيل علم إجمالي منجز إذا كان العام متكفلا لإثبات حكم إلزاميّ فيكون من موارد العلم الإجمالي بالحجية الّذي هو كالعلم الإجمالي بالواقع في التنجيز ، بل وقد يتصور الأثر أيضا في مورد العام غير الإلزامي أحيانا.

والصحيح إمكان ذلك بتقريب : انَّ غير ما هو المخصص واقعاً يكون ظهور العام شاملاً له على إجماله ولا موجب لرفع اليد عن حجيته لأَنَّ المقتضي وهو أصل الظهور محفوظ بالنسبة إليه وإِنْ كنّا في مقام الإشارة إليه نشير إليه بالعنوان الإجمالي المذكور والمانع مفقود حيث لم يثبت تخصيص آخر زائداً على المخصص المجمل (١).

وبهذا لا يرد شيء من الوجهين المتقدمين في النقطتين السابقتين هنا كما هو واضح ، هذا إذا لم يكن يعلم بعدم التخصيص الزائد ثبوتاً وإِلاَّ كان ثبوته بالعلم الوجداني بإرادة غير المخصص.

إِلاّ انَّ هنا إشكالاً لا بدَّ من حلّه ، وهو انَّ غير ما هو المخصص واقعاً قد يكون لا تعين له واقعاً وذلك فيما إذا كان المخصص لا تعين واقعي له كما إذا كان المخصص عقلياً بمثابة المتصل يقتضي عدم اجتماع الحكم على الفردين المتباينين معاً بحيث لا بدَّ من خروج أحدهما عقلاً ، فانه في حالة من هذا القبيل

__________________

(١) قد يقال انَّ هذا البيان انما يتم فيما إذا لم يكن المخصص ثابتاً في مرحلة المدلول التصوري للكلام وكان الإجمال ثابتاً بحسب النظام العام كما في استعمال المشترك أو الإجمال في نفس الاستعمال وامّا في ذلك فلا تنعقد الدلالة الفعلية التصورية على شمول شيء من المتباينين وامّا الدلالة الشأنية التي كانت تحصل بالفعل لو لا المخصص المجمل فليست هي موضوع الحجية.

ولكن الجواب : بأنَّ الحجة ليست الدلالة التصورية بل الظهور الحالي الكاشف عن قصد المتكلم للإفهام والجد ، وفي المقام يعلم على كل حال بأنَّ المتكلم يقصد أحد المعنيين المترددين في مرحلة الدلالة التصورية كما هو الحال في استعمال المشترك ابتداءً كما إذا قال ( أكرم الموالي ) مثلاً.

٢٩٣

لو فرض خروج كلا الفردين لم يكن يتعين المخصَّص ـ بالفتح ـ في أحدهما المعين بل كانت نسبته إليهما على حد واحد ، فإذا لم يكن المخصَّص متعيناً فلا محالة غير المخصَّص أيضاً لا يكون متعيناً لأَنَّ نقيض اللامتعين لا متعين لا محالة ، ومعه لا يمكن التمسك بالعامّ حتى بعنوان غير الخارج بالتخصيص واقعاً لأَنَّ المقصود من التمسك به إثبات حكمه في ذلك المورد ولا يعقل جعل الحكم على موضوع غير متعين واقعاً.

اذن فالصيغة المذكورة لتقريب الحجية لا بدَّ من تطويرها وتصعيدها بعد افتراض انَّ العمل عقلائياً وفقهياً على بقاء العام على حجيته في غير ما هو خارج بالتخصيص واقعاً من دون فرق بين حالة تعين الخارج في لوح الواقع وعدم تعينه.

وقد يقال : انَّ غاية ما يثبت بالمخصص في هذه الحالة عدم إمكان شمول العام للفردين معاً وامّا شموله لأحدهما لا بعينه فلا مانع منه بحسب الفرض فيتمسك بالعامّ لإثبات حكمه في أحدهما لا بعينه.

وفيه : أولاً ـ انَّ عنوان أحدهما ليس فرداً من افراد العام ليكون مشمولاً له بدلالة مستقلة بل هو جامع انتزاعي بين الفردين والدلالتين ، لأنَّ العام انما يدل على شمول كل فرد بعنوانه التعييني فتتشكل دلالتان تعينيتان يعلم بسقوط إحداهما لا بعينها والجامع بين الدلالتين ليس دلالة ، نظير ما قلناه في باب التعارض بين الخبرين عند ما أُريد إثبات الحجية لأحدهما لا بعينه.

وثانياً ـ انَّ هذا ينتج الوجوب التخييري الثابت لعنوان أحدهما مع انَّ العام بحسب الفرض يثبت الحكم التعييني في كل فرد ولهذا قلنا بتشكل علم إجمالي مقتضٍ للاحتياط.

والصحيح في علاج هذا الإشكال أَنْ يقال : إِنَّ الحالة المذكورة انما تكون في الموارد التي يكون التخصيص فيها بملاك استحالة اجتماع الفردين تحت العام من دون خصوصية في أحدهما وإِلاَّ كان إخراجه متعينا ثبوتاً في نظر المولى فانه كما لا يعقل أَنْ يكون موضوع حكم المولى غير متعين ثبوتاً كذلك لا يعقل أَنْ يقصد المولى تخصيصاً وإخراجا لأحدهما اللامعين ثبوتاً فانَّ الإخراج والتخصيص حكم أيضاً فلا بدَّ من تعينه ثبوتاً.

٢٩٤

وحينئذٍ يقال : بأنَّ المحذور العقلي المذكور سوف يؤدي إلى وقوع التعارض بين الدليلين المتمثلين هنا في عموم العام بلحاظ هذا الفرد وعمومه بلحاظ الفرد الاخر ، وهذا التعارض انما يكون فيما لو أُريد التحفظ على الظهورين في الفردين مطلقاً بحيث نثبت في كل منهما حكم العام بالفعل ، وبما انَّ هذه المشكلة مجرد مشكلة فنية نظرية وليست عملية باعتبار انَّ السيرة العملية العقلائية لا تفرق على كل حال في حجية العام لنفي التخصيص الزائد على إجماله سواءً كان له تعين واقعي على تقدير ثبوته أَم لا ، فالمسألة في مرحلة الإثبات محلولة بحسب الفرض وانما نريد أَنْ نلتمس صياغة فنية لها ثبوتاً.

ويمكن علاج الإشكال فنياً بافتراض انَّ الساقط بالمخصص المذكور في المقام هو عموم العام لكل من الفردين مطلقاً وَامَّا ثبوت حكمه لكل منهما مشروطاً بخروج الاخر فلا محذور فيه ، وبما انه يعلم بخروج أحدهما على كل حال فيكون القدر المتيقن فعلية الشرط في إحدى الشرطيتين وبالتالي العلم الإجمالي بالحجة على الحكم وهو منجز كالعلم الإجمالي بالواقع.

هذه هي الصياغة الإجمالية للحل ، وامَّا تفصيل ذلك أَنْ يقال : انَّ الجمع بين الظهورين المتعارضين في المقام بنحو لا نقع في المحذور العقلي للمخصص يتصور بدواً على أحد أنحاء أربعة.

١ ـ أنْ نجمع بينهما بتقييد الحكم المنكشف في كل منهما بحالة خاصة هي ما إذا لم يكن الحكم ثابتاً للآخر وبذلك نستحصل وجوبين مشروطين في الفردين كل منهما مشروط بعدم ثبوت الحكم على الاخر.

وهذا الوجه غير صحيح إثباتاً وغير معقول ثبوتاً ، فانَّ إثبات كون الحكم المجعول المنكشف بالدليل مقيد ومشروط بحاجة إلى قرينة على ذلك ومجرد التعارض بين إطلاقي الدليلين لا يقتضي ذلك ، هذا مضافاً إلى استحالة ثبوت هذين الحكمين المشروطين في المقام كالحكمين المطلقين ، لأنه لو كان الشرط في كل منهما عدم الوجود المطلق لحكم الاخر فهو دور إذ يستلزم توقف كل منهما على عدم الاخر ، ولو أُريد عدم الوجود اللولائي له أي لو لا الأول فالشرط غير محفوظ في شيء منهما إذ لو لا أحدهما

٢٩٥

لم يكن محذور في جعل الحكم على الاخر كما هو واضح.

٢ ـ أَنْ يفترض التعارض بين الإطلاقين ويكون المقدار الثابت منهما بعد التعارض إطلاق العام لكل من الفردين على تقدير عدم الحكم للفرد الاخر ، فيكون المقدار الثابت ظاهراً هو المقدار المردد بين المطلق والمشروط ، نظير ما إذا تعارض ( أكرم الفقير ) مع ( لا تكرم الفاسق ) وتساقطاً فكان المقدار الثابت بالحجة نتيجة هو وجوب إكرام الفقير العادل المردد ثبوتاً بين كونه مخصوصاً به أو مطلقاً من ناحية قيد العدالة.

فيقال في المقام : انّ مقتضى حجية إطلاق العام لكل من الفردين في حال خروج الاخر وعدم ثبوت الحكم له ، ثبوت حكمين على الفردين مرددين بين المشروط والمطلق وإِنْ كان يعلم بان أحدهما لا بدَّ وأَنْ يكون مطلقاً لاستحالة كونهما معاً مشروطين ثبوتاً.

وهذا الجمع أيضاً غير صحيح لعدم معقوليته ثبوتاً إِذ الجعل المشروط لأحدهما مع كونه في الاخر مطلقاً يكون لغواً لأنَّ الشرط بحسب الحقيقة انما هو عدم جعل الحكم على الاخر لا عدم امتثاله كما في باب التزاحم ، والمفروض انَّ عدم الاخر منتفٍ فالجعل المشروط لا يكون محركاً ومن أجل الامتثال فيكون لغواً ، وهذا يعني وقوع التعارض بين الإطلاقين المزبورين أيضاً حيث يعلم بأنَّ أحدهما ساقط يقيناً على كل حال وبما انه غير متعين فلا يعقل التمسك بالاخر بعنوانه.

٣ ـ أَنْ يقال بالحجية المشروطة لكل من الظهورين المتعارضين ، نظير ما ذكرناه في بحث التعارض من إمكان استفادة نفي الثالث على القاعدة من دليل الحجية العام تمسكاً بإطلاقه لكل من الخبرين المتعارضين مشروطاً بكذب الاخر ، ففي المقام أيضاً يقال : انَّ العقلاء يجعلون الحجية لكل من الدلالتين العموميتين في العام ولكن لا مطلقاً بل مشروطاً بكذب الاخر بمعنى عدم ثبوت مدلوله وبما انه يتيقن انَّ أحدهما على كل حال غير ثابت فتكون إحدى الحجيتين فعلية لا محالة ، ولا محذور في أَنْ يكون واقعاً كلاهما غير ثابت المستلزم لفعلية الشرطين والحجتين لأنَّ هذا التقدير غير واصل للمكلف على كل حال بل لو وصل إليه فسوف ينتفي موضوع الحجية فيهما معاً باعتبار العلم التفصيليّ بكذب العموم فيهما معاً ، وكون الحجة المعلومة بالإجمال نسبته إلى

٢٩٦

الطرفين على حد واحد لو فرض فعلية شرطهما واقعاً بحيث لا تتعين في أحدهما المعين لا ضير فيه ، فانَّ عدم تعين العلم الإجمالي واقعاً لا محذور فيه بلحاظ المنجزية العقلية وانما المحذور في عدم تعين موضوع الجعل والحكم الشرعي أو العقلائي كما هو واضح وهو متعين في المقام في أحد الفردين أو كليهما فلا إهمال فيما هو المجعول.

وهذا الوجه صحيح ومعقول طالما افترض تمامية المقتضي له في مرحلة الإثبات وانَّ السيرة العقلائية قاضية بنفي التخصيص الزائد كما أشرنا إليه. إِلاّ انه لا يتمّ إِلاّ في المخصص المنفصل الّذي يحفظ فيه أصل الظهور وتنثلم حجيته ، وامَّا إذا كان المخصص المذكور متصلاً وهادماً لأصل الظهور فلا بدَّ من تعين ما يهدم وما لا يهدم ولا معنى للهدم المشروط كالحجية المشروطة كما هو واضح.

٤ ـ أَنْ يقال بالتبعيض في الكشف والدلالة نفسها بدعوى انَّ كلاً من الدليلين له كشف عن مدلوله وهو ثبوت الحكم على أحد الفردين مطلقاً من حيث كذب الكاشف الاخر أو صدقه ، فتكون الحجة خصوص الكشف الثابت على تقدير كذب الاخر لا بأَنْ يكون كذب الاخر مأخوذاً في موضوع المنكشف بل في موضوع الكشف نفسه ، نظير ما إذا أخبر المعصوم بكذب إحدى الأمارتين حيث يكون لكل منهما كشفاً عن مدلوله على تقدير كذب الاخر من دون أَنْ يكون كذب مدلول الاخر مأخوذاً في موضوع مدلول الأول ، فيقال في المقام انَّ المخصص العقلي المذكور لا يقتضي أكثر من إثبات كذب إحدى الدلالتين والكشفين فيكون التقييد في الكاشفين ، أي يكون كل من الظهورين كاشفاً عن مدلوله وهو ثبوت حكم موضوعه ولكن كشفه المقيد بكذب الظهور الاخر هو الحجة ، وبما انه يعلم بحصول القيد في أحدهما على الأقل فتحرز فعلية أحد الكشفين على الأقل ولعلّه واقعاً كلاهما فعلي إِلاَّ انه لا يضر كما أشرنا ، باعتبار عدم العلم بذلك ومقتضى حجية الكشف المعلوم بالإجمال التنجيز (١).

__________________

(١) الظاهر أنَّ هذا النحو من التقييد في الكاشفية انما هو في الملازمات الثبوتية كما إذا أخبر عن أحد الضدين فيكشف عن صدقه على تقدير كذب الاخر وامّا الكواشف الفعلية كالكلام الكاشف عن المراد فلا يعقل هذا النحو من التقييد فيها لأنها امر جزئي وكاشفيّته فعلية فلا يعقل أَنْ تكون موقوفة على كذب الاخر ثبوتاً أو عدم كذبه بل هي كاشفة عن كذب ذاك بالفعل ، فلا تعليق ولا تعدد في الدلالة والكشف ، نعم يعقل توصيف هذه الدلالة والكشف بأنها توأمة مع كذب الدلالة والكاشف

٢٩٧

وهكذا نستطيع أَن نخرج بصياغة فنية لتخريج حجية العام في غير الخارج بالتخصيص على إجماله ، وقد عرفت انَّ المشكلة صياغية فنية وليست عملية إذ لا إشكال عندنا في انَّ السيرة العملية العقلائية قائمة على حجية العام في نفي التخصيص الزائد على المقدار المعلوم بالإجمال سواء كان له تعين واقعي أم لا.

ثم انَّ من تطبيقات هذه الفكرة ما إذا علمنا بنجاسة أحد الثوبين أو الترابين واحتملنا نجاسة الاخر ، فانَّ دليل كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر مقيد بمقتضى مخصص لبيّ متصل أو منفصل بعدم إمكان الترخيص في المخالفة العملية القطعية فلا يمكن أَنْ يشمل كلا طرفي العلم الإجمالي وامَّا شموله لغير ما علم إجمالاً بنجاسته مع احتمال كونه غير متعين في الواقع ـ كما لو فرض نجاستهما معاً من دون مائز ثبوتي ـ فمبنيٌّ على ما ذكرناه من إمكان التمسك بالعامّ لنفي التخصيص الزائد ، إذ المخصص العقلي أو العقلائي المذكور لا يقتضي أكثر من عدم إمكان اجتماع الموضوعين معاً تحت دليل الأصل وامَّا شموله لأحدهما فلا محذور فيه.

وأثر التمسك بدليل الأصل في غير المعلوم بالإجمال مع كونه متكفلاً لحكم ترخيصي جواز تكرار الصلاة بهما مرتين حيث يحرز بالتعبد الطهارة الظاهرية وهذا بخلاف ما إذا قيل بعدم جواز التمسك بالعامّ في ذلك.

الفرع الثالث ـ ما إذا كان المخصص المجمل منفصلاً دائراً بين الأقل والأكثر كما إذا ورد ( أكرم كل فقير ) وورد في دليل منفصل ( لا يجب إكرام فساق الفقراء ) مع تردد مفهوم الفاسق بين مطلق مرتكب الذنب وبين خصوص من ارتكب الكبيرة.

__________________

والآخر كما انها قد تكون مقرونة بأمور واقعية أخرى من قبيل صدق مضمونه أيضاً وتحققه واقعاً إِلاَّ انه من الواضح ان الحجية المجعولة عقلائياً أو شرعاً على الكواشف لا تجعل لها مقيدة بمثل هذه القيود الواقعية المرتبطة بالمدلول المنكشف من حيث صدقه أو كذب ضده فتمامية مقام الإثبات عقلائياً محل تأمل وإِلاَّ فكان ينبغي المصير إليه في تمام موارد التعارض بين إطلاقي دليلين بملاك العلم الإجمالي كما إذا علم إجمالاً بتخصيص أحدهما ـ كما إذا جرى استصحاب الطهارة في طرف وأصالة الطهارة في طرف اخر مثلاً ـ بل وفي موارد التعارض من باب التنافي بين مدلوليهما بنحو العموم من وجه فيما إذا كان كلاهما يتضمن حكماً إلزامياً ويظهر اثره العملي في موارد تعدد الواقعة مع انه من البعيد الالتزام بذلك فقهياً بل ذهب المشهور إلى عدم نفي الثالث في موارد التعارض ، نعم في خصوص الأصول العملية يمكن إجرائها في عنوان غير المعلوم بالإجمال لأن موضوع الأصل هو الشك ومع وجود عنوان إجمالي يتحقق فرد ثالث للشك يكون موضوعاً مستقلاً لدليل الأصل غير الشك المتعلق بالعنوانين التفصيليين.

٢٩٨

والصحيح في هذا الفرع صحة التمسك بالعامّ في مورد إجمال المخصص وعدم سريانه إلى العام.

والصيغة المدرسيّة لتخريج ذلك : انَّ مقتضي الحجية وهو ظهور العام في العموم بالنسبة لمورد الإجمال موجود والمانع مفقود.

امَّا وجود المقتضي ، فلما تقدم من انَّ المخصص المنفصل لا يهدم الظهور وانما يتقدم عليه في الحجية بملاك الأظهرية أو القرينية.

وامَّا عدم المانع ، فلأنَّ الثابت من المانع عن حجية العموم انما هو بمقدار فاعل الكبيرة من الذنب وامَّا فاعل الصغيرة فلم يثبت بحسب الفرض خروجه بالتخصيص فيبقى العام على حجيته لما تقدم من انَّ ظهور العام بنفسه حجة في نفي التخصيص المحتمل.

وهذه الصياغة صحيحة لا غبار عليها ، إِلاَّ هنالك شبهات يمكن أَنْ تثار في مقابلها لا بدَّ من دفعها ، وهي يمكن ان تذكر بتقريبات عديدة :

التقريب الأول ـ أَنْ يقال بأنَّ هذا تمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية لمخصصه الّذي سوف يأتي في المقام الثاني عدم صحته وذلك لأنَّ المخصص قد اخرج عن العام بحسب الفرض ما هو مدلول عنوان الفاسق من الفقراء وبذلك أصبح ظهور العام منقسماً إلى ما يكون حجة فيه ، وهو الفقير الّذي لا يكون مشمولاً لمدلول الفاسق ، وما لا يكون حجة فيه وهو الفقير المشمول لمدلول الفاسق ، والمفروض انَّ فاعل الصغيرة ممن يشك في كونه مشمولاً لمدلول الفاسق أم لا فيكون بالنسبة إلى الظهور الباقي على ممن يشك في كونه مشمولاً لمدلول الفاسق أم لا فيكون بالنسبة إلى الظهور الباقي على حجيته من العام شبهة مصداقية ولا يجوز التمسك فيها بالظهور.

والجواب : انَّ التخصيص إذا كان بعنوان من هو مدلول كلمة الفاسق بحيث أخذت كلمة الفاسق في دليل التخصيص بنحو الموضوعية بحيث يكون التخصيص بعنوان مسمَّى الفاسق فلا إشكال عندئذٍ في عدم إمكان التمسك بالعامّ في مورد الإجمال وهو فاعل الصغيرة إِلاَّ انَّ هذا بحسب الحقيقية من إجمال المخصص مصداقاً لا مفهوماً لأن مفهوم مسمى الفاسق لا إجمال فيه وانما الإجمال في مصداقه لا محالة ، وامَّا إذا كان التخصيص بعنوان من يكون فاسقاً واقعاً بحيث يكون مفهوم الفاسق ملحوظاً بما هو

٢٩٩

مرآة عن واقعه كما هو الحال في كل مفهوم فلا محالة يكون التخصيص بمقدار محكي هذا العنوان المردد بحسب الفرض بين الأقل والأكثر ويكون المتيقن منه هو الأقل وامَّا الأكثر فينفي احتمال تخصيصه بعموم العام دون أَنْ يكون شبهة مصداقية له ، لأنَّ ظهوره انما انقسم بمقدار ما ثبت فيه التخصيص وهو فاعل الكبيرة فقط كما هو واضح.

التقريب الثاني ـ انَّ البناء العقلائي قاض بمعاملة الأدلة والقرائن المنفصلة معاملة المتصلات بتنزيلها منزلة المتصلة في مقام استكشاف المراد النهائيّ من مجموع كلمات المتكلم الواحد وهذا البناء يقضي في المقام أيضاً أَنْ نعطي للمخصص المنفصل المجمل حكم المخصص المتصل المجمل وقد تقدم في الفرع الأول انه يوجب سريان الإجمال إلى العام فكذلك الحال فيما ينزل منزلته ، غاية الأمر انَّ الإجمال هناك تكويني حقيقي وهنا تنزيلي حكمي.

الجواب : انَّ المقصود من البناء العقلائي المذكور انَّ الدليل المنفصل بما هو منفصل وما ينجم عن ذلك من استقرار ظهورات ودلالات يفرض كأنه متصل فإذا كان هناك ظهور يتولد من نفس حيثية الانفصال وانتهاء الكلام الأول فلا بدَّ وأَنْ يحافظ عليه أيضاً في مقام التعامل ، وليس معنى التنزيل المذكور في البناء العقلائي افتراض إلغاء هذا الظهور حكماً. وإِنْ شئت قلت : انَّ فحوى هذا البناء انَّ الدليل الّذي يكون على تقدير اتصاله قرينة مفسِّرة ومحددة لمراد المتكلم يكون على تقدير انفصاله كذلك حكماً وبلحاظ الحجية مع افتراض انحفاظ تمام ما هنالك من ظهورات ودلالات في مجموع الكلامين ، فلا يراد بهذا البناء إلغاء الظهورات الكلامية المتولدة نتيجة انتهاء الكلام الأول كالظهور في العموم في المقام.

نعم يتم هذا التقريب إذا تمت إحدى فرضيتين :

الأولى ـ أَنْ يكون الدليل المنفصل متصلاً بحسب عالم اقتناص المراد وفهمه من الكلام وإِنْ كان منفصلاً عنه بحسب السماع وتعاقب الألفاظ. وذلك فيما إذا فرض انَّ الجلسة مفتوحة بعد ، وانَّ الكلام لم ينتهِ معنوياً وإِنْ انتهى سماعاً ، كالأستاذ المحاضر الّذي يلقي مطالبه تدريجاً ، فانه لا يكون انتهاء كلامه في محاضرته الأولى موجباً لاستقرار الظهور النهائيّ الكاشف عن مراده لأنَّ مجموع كلامه لا يعتبر منتهياً بعد.

٣٠٠