بحوث في علم الأصول - ج ٣

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٥

٢ ـ أَن يُدّعى دلالة اللام في الموردين على معنى واحد وهو التعيين والتعيين في الجمع لا يكون الا في المرتبة العليا وهي المرتبة المستوعبة لجميع الافراد إذ أي مرتبة أخرى غيرها تكون مرددة لا محالة.

وفيما يلي نتحدث أولاً عن الفوارق بين المسلكين ثم المناقشات التي يمكن توجيهها إلى كل منهما.

امّا الفوارق ، فقد يقال : بأنه على المسلك الأول يكون استفادة العموم وضعيا ثابتاً بمقتضى أصالة الحقيقة في استعمال اللام بينما على الثاني لا تقتضي أصالة الحقيقة إلاّ كون مدخول اللام متعينا وهو أعم من إرادة العموم إذ لعله متعين في جماعة معهودة منهم.

إلاّ إِنَّ الصحيح عدم ترتب هذا الفرق بين المسلكين لأنَّ صاحب المسلك الأول يعترف أيضا ـ كما أشرنا ـ بأنَّ من معاني اللام التعيين لوضوح عدم استفادة العموم منها في غير موارد الجمع ، فيكون مشتركا لفظيا بين التعيين والعموم ، ودخولها على الجمع كما يناسب العموم يناسب أيضا إرادة التعيين في جماعة معهودة فلا يمكن إثبات العموم بأصالة الحقيقة ليجدي في موارد الإجمال واحتمال التعيين فانّ الاستعمال حقيقي على كل حال ، كما انه على المسلك الثاني أيضا لا يمكن رفع الشك في موارد احتمال العهد بالإطلاق ومقدمات الحكمة لأنه من موارد احتمال القرينية والبيان (١).

وقد يقال بالفرق بين المسلكين من حيث ان الثاني منهما لا يقتضي تحديد نوعية العموم من حيث كونه استغراقيا أو مجموعيا لأنّها لم تدل على العموم وانما دلت على

__________________

(١) قد يقال : بناءً على المسلك الثاني يكون اللام مشتركا معنويا بمعنى انَّ المدلول الوضعي إرادة مجموعة متعينة من العلماء وخصوصية المتعين لا بدَّ من إثباته بدال آخر وحينئذ يقال انَّ التعين العهدي في جماعة خاصة بحاجة إلى مئونة بيان زائد بخلاف التعين في جميع الافراد فيكون مقتضى الإطلاق وعدم بيان ما يعنى جماعة خاصة إرادة ما هو متعين بالطبع وهو الجميع فتكون الدلالة على العموم دلالة إطلاقية في موارد عدم وجود ما يصلح للقرينية على الخلاف ، وهذا بخلافه على المسلك الأول فانه على القول باختصاص اللام الداخلة على الجمع بالعموم فقط كان مقتضى أصالة الحقيقة العموم ، وعلى القول بالاشتراك اللفظي يكون الإجمال ثابتا مع عدم قرينة معينة على كل حال كما هو الحال في استعمال كل مشترك لفظي من دون قرينة ، ولا يمكن إثبات العموم حتى بالإطلاق ومقدمات الحكمة.

اللهم إلاّ أَنْ يقال : انَّ عدم وجود ما يعنى المعهود بنفسه يكون قرينة على إرادة المعنى الاخر لا محالة ، فلا يظهر فرق بين المسلكين.

٢٤١

التعيين الملازم للعموم أي دلت على انَّ المراد من الجمع المرتبة المتعينة المتمثلة في الجميع وامّا سائر الجهات والتي منها الاستغراقية أو المجموعية فتبقى على ما كان يقتضيه طبيعة الجمع وهي تقتضي المجموعية على ضوء الضابط المتقدم في المقام الأول لأنَّ الجمع كالعدد يدل على معنى اسمي موحد في نفسه غاية الأمر انه في الجمع مأخوذ لا بشرط من حيث الزيادة على الثلاثة ، وهذا المعنى الوحدانيّ سواءً قيل بكونه امراً حقيقيا مقوليا كما يقوله الفلاسفة حيث يجعلون العدد من مقولة الكم المنفصل ، أو امراً اعتباريا لا إشكال في كون وحدانيته الاعتبارية امراً مطابقا مع المرتكزات العرفية ، بمعنى انَّ هذا الأمر الاعتباري يعتبر في مرتكز العقلاء والعرف شيئا ثابتا في الخارج على حد ثبوت الأمور الحقيقية ويقع موضوعا للأحكام والآثار كما تقع تلك موضوعا لها ، فانَّ أرسطو ان فرض خطأه في تحليل الأمور الواقعية وحقائق الخالق والمخلوق فلا أقل من انه أصاب في تحليل المفاهيم العرفية والإلهامات الفطرية للإنسان ، فمقولة الجمع والعدد التي عبر عنها بالكمّ المنفصل يعد امراً وحدانيا ثابتا في صقع الخارج ويقع موضوعا للأحكام وليس من الاعتبارات الذهنية التي تكون من شئون الاستعمال والإفهام فقط كما قلناه في وحدة معنى العام الاستغراقي ، ويشهد على هذا المعنى فهم الفقهاء في الأبواب الفقهية المختلفة وحدة الحكم المجعول على العدد ، من قبيل ما ورد في أدلة استحباب الأذكار أو الأدعية أو التسبيحات كذا مرّة أو الصلاة الف ركعة فانها جميعا يستفاد منها انَّ هناك حكما واحدا موضوعه مجموع ذلك الكم المعين لا انَّ كل فرد منه له استحباب مستقل ، وعليه فلا يقتضي دخول اللام على المسلك الثاني استغراقية العموم المستفاد من الجمع بل يبقى على مجموعيته ، وهذا بخلافه على المسلك الأول إذ قد يقال انَّ اللام الداخلة على الجمع موضوعة ابتداءً لإفادة العموم واستيعاب تمام الافراد بنحو الاستغراق لا المجموعية أو بنحو المزج بين الاستغراقية والمجموعية بناءً على بعض الوجوه المتقدمة في تصوير دلالة الجمع المحلى باللام على العموم ، بأَنْ تدل مثلا على الاستغراقية بلحاظ كل ثلاثة ثلاثة التي تكون مجموعية في نفسها.

ولكنَّ الصحيح مع ذلك عدم تمامية الفارق المذكور أيضاً لأنَّ المسلك الثاني وإِنْ

٢٤٢

كان يعترف بأنَّ الجمع والعدد له اعتبار ثابت في نفسه إلاّ انه حيث اقتضى دخول اللام على الجمع إرادة ما هو المتعين من الجمع في الصدق الخارجي وهو جميع الافراد الخارجية وهي غير متعينة من حيث الكمّ ومرتبة العدد إذ يمكن أَنْ تكون ثلاثة أو أربعة أو عشرة أو أي عدد آخر ، فلا محالة يرى بهذا الاعتبار كأنه ألغيت خصوصية الكمّ الّذي هو اعتبار ثابت في نفسه بقطع النّظر عن مرحلة الاستعمال وانما لوحظت خصوصية الاستيعاب والكثرة وما تقتضيه من الوحدة الاعتبارية في مقام الاستعمال (١) وهذا لا ينافي مع كون الكمّ من طرف القلة والحد الأدنى ملحوظا حيث يشترط أَنْ لا يكون مجموع الافراد أقل من ثلاثة ولكن هذا الاعتبار مندك في الاستيعاب والكثرة الملحوظة باعتبار وحداني في مجال الاستعمال ، وان شئت قلت : انَّ خصوصية الاستيعاب وعموم جميع الافراد لم تؤخذ فيها مقولة الكم المنفصل وانما الملحوظ واقع الافراد الخارجية المتعيِّنة شريطة أَنْ لا تكون أقل من ثلاثة ، فتلاحظ تلك الافراد المتكثرة في مقام الاستعمال ضمن معنى اعتباري واحد كالمعنى الاعتباري الوحدانيّ الملحوظ في موارد العموم الاستغراقي والّذي قلنا انه من شئون مرحلة الاستعمال.

والصحيح : أَنْ يقال بالفرق بين المسلكين في موارد وجود تعين خارجي لعدد أقل من مجموع الافراد امّا لوجود قرينة لبيّة متصلة على التعيين كما إذا قال ( اصعد الطوابق ) وكانت عشرة خارجا واحتملنا إرادة التسعة منها التي هي متعينة خارجا في غير العاشر باعتبار وضوح استحالة صعود العاشر من دون صعود التاسع ، فالتسعة كالجميع غير مترددة بين مصاديق متعددة للتسعة ، أو لكونه القدر المتيقن في مقام التخاطب كما فيما إذا كان مورد سؤال السائل وجوب إكرام تسعة علماء معينين ذكرهم السائل فأجاب بوجوب إكرام العلماء حيث لو كان مقصوده التسعة كانوا متعينين في أولئك أيضا باعتبارهم قدراً متيقنا لا يمكن إخراجهم عن الحكم ، وامّا لكونه قدراً متيقنا من خارج مقام التخاطب كما إذا كان أحد العشرة أقلهم شأنا عند المولى بحيث لا يحتمل دخوله

__________________

(١) إلغاء خصوصية الكم والمرتبة العددية لا تستلزم إلغاء خصوصية المجموعية الخارجية مهما بلغ كمُّها العددي ، وقياس ذلك على الوحدة الاعتبارية للمعنى في مجال الاستعمال مع الفارق لأن هذه وحدة موضوعية خارجية بخلاف الوحدة الاعتبارية من أجل الاستعمال كما هو واضح.

٢٤٣

وخروج غيره.

فانه في هذه الحالات الثلاث بناءً على المسلك الأول الّذي يدعى فيه وضع لام الجماعة بإزاء العموم تثبت إرادة العموم بأصالة الحقيقة حتى لو قيل باشتراكه لفظا بين العموم والعهد حيث لا عهد في البين بحسب الفرض ، وانما الموجود مجرد التعين في الصدق خارجا (١).

وامّا بناءً على المسلك الثاني فلا يمكن إثبات العموم في الحالات كلّها أو في الحالتين الأولى والثانية لو قيل باشتراط ما يعين مدخول اللام من داخل الخطاب ولا يكفي تعينه بقرينة خارجية منفصلة ، وذلك لأنَّ اللفظ نسبته إلى إرادة كل من المقدارين المتعينين في الخارج على حد سواء ، فلا معين لأحدهما ، وهذا الفارق بنفسه يكون منبها وجدانيا على بطلان المسلك الثاني عند من يرى بوجدانه دلالة الجمع المحلى باللام على العموم حتى في موارد هذه الحالات الثلاث.

هذه هي الفوارق بين المسلكين ، وامّا المناقشة فيهما :

فقد ناقش السيد الأستاذ في صحة المسلك الأول بدعوى : استلزامه مجازية استعمال لام الجماعة في موارد العهد وإرادة جماعة معهودين وهو خلاف الوجدان (١).

وفيه : انه مبنيٌّ ـ كما أشرنا ـ إلى القول باختصاص اللام الداخل على الجمع بوضع واحد للعموم وامّا لو قيل بأنَّ اللام موضوع مطلقا للتعيين وخصوص الداخل على الجمع موضوع أيضا للعموم فلا محالة يكون للام الجماعة وضعان عرضيان فلا يلزم المجاز من

__________________

(١) قد يقال : لا محيص من الالتزام بالإجمال على المسلك الأول أيضا في الحالة الثانية لأنَّ ذكر السائل للتسعة المعينين بنفسه يصلح أَنْ يكون قرينة على إرادة الإشارة إليهم ، نعم الحالة الأولى تبقى فارقة بين المسلكين لأنَّ دلالة اللام على إرادة كم ومجموعة متعينة خارجا لا يستلزم العموم إذ كما انه متعين التسعة أيضا متعينة والثمانية متعينة وهكذا إلى الثلاثة كل منها يكون جمعا متعيناً في الصدق خارجا مع انه لا إشكال في استفادة العموم. ولكن يمكن أَنْ يقال : انَّ اللازم تعين الجمع المدخول للأداة لا تعين المرتبة كالتسعة والثمانية ، وأية مجموعة لا تعين لها كجمع إذ يوجد في قبالها مرتبة أخرى تكون جمعاً أيضاً باستثناء العموم فانها وان كانت بالدقة مصداقاً واحداً للجمع في قبال المصاديق الأخرى الأقل والتي يصدق عليها الجمع في نفسه الا أن هذا المصداق عرفاً لا يرى أنه في عرض سائر المصاديق بل يرى احتوائه لها فكأنه صدق عليها جميعاً فلا تردد ولا عرضية في الصدق ومن هنا جاء التعين فيه دون المرتبة الأدنى أو سائر المراتب.

(٢) هامش نفس المصدر ، ص ٤٤٥

٢٤٤

استعماله للعهد (١).

وقد ناقش صاحب الكفاية ( قده ) في صحة المسلك الثاني بأنه كما تكون المرتبة العليا المتمثلة في جميع الافراد متعينة كذلك المرتبة الدنيا وهي الثلاثة متعينة فلا وجه لاستفادة العموم بالملازمة من مجرد دلالة اللام على التعيين (٢).

وقد أجابت مدرسة المحقق النائيني ( قده ) ، على المناقشة بأنَّ المراد بالتعيين التعيين في الصدق الخارجي لا التعيين الماهوي وعدد الثلاثة وإِنْ كان متعينا بحسب الماهية لكنه ليس بمتعين بحسب الصدق في الخارج لإمكان انطباقه على هذه الثلاثة أو تلك وهكذا سائر المراتب (٢).

هذا ولكن يمكن تقرير مدعى صاحب الكفاية ( قده ) ، ببيان آخر فني لا يرد عليه هذا الجواب وحاصله : انَّ اللام موضوع لجامع التعيين وهو كما قد يكون خارجيا كما في موارد العهد كذلك قد يكون ذهنيا وقد يكون ماهويا أي تعيينا للجنس والطبيعة في وعائها النّفس الأمري كما هو الحال في موارد دخول اللام على الجنس في مثل قولك ( الرّجل خير من المرأة ) وعليه : فكما يمكن أَنْ يكون المراد من لام الجماعة التعيين الخارجي بحسب الصدق الملازم مع إرادة العموم كذلك يمكن أَنْ يكون المراد منه التعيين الجنسي بأَنْ يكون المقصود جنس الجمع والكثرة فيكون نظير ما إذا قلت ( انَّ العالمين أو العلماء خير من عالم واحد ) ، حيث تقصد بذلك انَّ جنس عالمين أو العلماء أفضل من جنس عالم واحد. وبهذا التقرير يندفع الجواب الّذي ذكرته مدرسة المحقق النائيني ( قده ) على مدّعى صاحب الكفاية ( قده ) ، كما هو واضح.

أضف إلى ذلك انَّ إرادة مرتبة أخرى من الجمع غير مرتبة الاستيعاب كالتسعة مثلا بدلاً عن العشرة أيضا لا ينافي التعيين المفاد عليه باللام فيما إذا أُريد كلّي التسعة الصادق على سبيل البدل على مصاديق خارجية متعددة بحيث يكون كل واحد منها

__________________

(١) الإنصاف انَّ المصير إلى الاشتراك اللفظي في مدلول اللام بين معنيين لا رابط بينهما خلاف الوجدان جدّاً.

(٢) كفاية الأصول ، ج ١ ، ص ٣٨١

(٣) هامش أجود التقريرات ، ج ١ ، ص ٤٤٥

٢٤٥

محققا للكلّي في مقام الامتثال والمفروض انَّ اللام موضوع لطبيعي التعيين (١).

ثم انه قد يناقش في أصل دلالة الجمع المحلى باللام على العموم ـ على أيّ من المسلكين ـ بأنه لا إشكال في صحة دخول أدوات العموم الاسمية على الجمع المحلّى كما في قولنا كلّ العلماء وجميعهم فلو كان بنفسه دالا على العموم أيضا لزم امّا محذور إثباتي وهو استفادة العموم بنحو التأكيد والتكرار وامّا محذور ثبوتي وهو قبول المماثل للمماثل حيث انَّ المدخول يكون مستوعبا فلا يعقل أَنْ يطرأ عليه الاستيعاب من الأداة مرة أخرى.

الا انَّ هذه المناقشة قابلة للدفع على ضوء ما تقدم في التمييز بين العموم المجموعي والاستغراقي ، حيث ذكرنا انَّ أداة العموم إذا دخلت على المعرف باللام تدل على الاستيعاب الأجزائي ، وفي المقام أيضا تدل الأداة على الاستيعاب الأجزائي لمدخولها وهو الجمع المحلّى ، لأنَّ الافراد التي قد استوعبها الجمع واستغرقها ببركة دخول اللام عليه يصبح كلّ منها بمثابة جزء من ذلك المعنى الواحد فتدل الأداة على استيعاب تمام تلك الاجزاء ، فالاستيعاب المستفاد من الجمع المحلّى المدخول عليه الأداة غير الاستيعاب المستفاد من دخول الأداة ولهذا لا يلزم التكرار ولا المحذور الثبوتي من دخول الأداة على الجمع المحلّى (٢).

__________________

(١) قد يجاب على كلا هذين الإشكالين امّا على الأول فبأنَّ التعيين الجنسي وإِنْ كان صحيحا ومستعملا عرفا إلاّ انَّ ارتكازية كون النّظر في الجمع والتثنية إلى مرحلة التعدد والوجود الخارجي للطبيعة تصرف الكلام عن هذا الاحتمال ، وإِنْ شئت فقل : انَّ هيئة الجمع موضوعة لواقع الجمع والتكثر لا لعنوانه فلا يكون الملحوظ بها جنس الجمع.

وامّا الثاني : فلأن المدخول ليس هو مرتبة عددية خاصة وانما الجمع فلا بدّ من تعيّنه بما هو جمع ومتكثر وهذا لا يعقل الا بالتعين في الصدق خارجاً هذا ويمكن المناقشة في المسلك الثاني بأنَّ غاية ما يستلزمه دلالة لام الجماعة على العموم بدلالة الاقتضاء القائمة على أساس الملازمة بحيث يستكشف إرادة العموم في مرحلة المدلول التصديقي من دون أَنْ يكون العموم مستفاداً في مرحلة المدلول الاستعمالي والوضعي حيث يستكشف من عدم تعين مرتبة أخرى انَّ المتكلم يشير إلى المرتبة المستوعبة المتعينة إلاّ انَّ هذه الدلالة إطلاقية بحسب روحها. إلاّ انَّ هذا بحسب الحقيقة ليس إشكالا على المسلك المذكور فلعله يلتزم به ، وبه يمكن ان يفسر وجه دخول ( كلّ ) على الجمع المحلّى دون شعور بتكرر معنى العموم.

(٢) قد تقدم أن الإفرادية والأجزائية ليستا خصوصيتين مدلولتين لأدوات العموم بل أداة العموم تدل على الاستيعاب الوجوديّ والخصوصية الوجودية التي يريد ان يستوعبها العموم من حيث كونها جزاءً لوجود واحد أو افراد لطبيعة واحدة تستفاد من المدخول ، وعليه لو فرض دلالة الجمع المحلّى باللام على العموم والاستيعاب لزم التكرار لا محالة فهذا خير منبّه على عدم استفادة العموم منه وانما المستفاد كما أشرنا في تعليق سابق مجرد النّظر إلي الافراد والتكثرات فتدخل أداة العموم عليه لإفادة استيعاب تمام تلك الافراد.

٢٤٦

ثم انه يمكن أَنْ يستدل على دلالة الجمع المحلّى باللام على العموم بوجوه أخرى.

منها ـ صحة الاستثناء عنه كما في قولك أكرم العلماء إلاّ زيداً ، والاستثناء كما قالوا إخراج ما كان داخلا وهو يعني دخول زيد في مدلول العلماء وهكذا أي فرد آخر منهم ، ولا يحتمل أَنْ يكون دخوله بلحاظ المدلول الإطلاقي الحكمي للجمع بل بلحاظ المدلول الوضعي لما تقدم بيانه من انَّ المدلول الحكمي مدلول تصديقي جدّي لا يكون إلاّ في موارد وجود الإرادة التصديقية وصحة الاستثناء المذكور غير موقوف على ذلك كما هو واضح.

وهذا الوجه يمكن الجواب عليه والمناقشة فيه نقضاً وحلاًّ.

امّا نقضاً ، فبما ورد من الاستثناء عن المفرد كما في قوله تعالى ( انَّ الإنسان لفي خسر إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) ، مع انَّ المفروض عند المشهور عدم دلالة المفرد المعرف باللام على العموم.

اللهم الا أَنْ يدّعى وجدانا الفرق وانَّ الاستثناء من المفرد لا يخلو من عناية مفقودة في الجمع ، وحينئذ يمكن النقض بالجمع المضاف كما في مثل أكرم علماء البلد ، فانه لا إشكال في صحة الاستثناء منه بلا عناية مع انَّ المشهور عدم دلالتها على العموم.

وامّا حلاًّ ، (١) فبأنَّ الاستثناء وإِنْ كان إخراجا لما كان داخلا إلاّ انّ الأمر لا يدور في الدخول بين الدخول تحت المدلول التصوري الوضعي للمستثنى منه أو المدلول الجدي ، بل هناك شق ثالث وهو الدخول تحت المدلول الاستعمالي للجمع حيث انه لا إشكال في انَّ الجمع يصح استعماله في كل مرتبة من مراتب الجمع بتمامه فكما يكون الثلاثة مصداقاً له بتمامه كذلك الأربعة مصداق له والخمسة مصداق له وهكذا فيكون صدقه عليها على حد واحد لا باعتبار وجود الثلاثة فيها ، وعليه فغاية ما يلزم من صحة الاستثناء هو دخول المستثنى في المراد الاستعمالي من المستثنى منه وهو الجمع المحلّى فيكشف عن انه قد استعمله في العشرة المشتملة على المستثنى

__________________

(١) يمكن تقرير الجواب الحلي بنحو آخر حاصله : ان الاستثناء يدل على دلالة الجمع على التكثر الأفرادي وليست هذه الخصوصية حقيقة العموم بل هي مستفادة من الجمع.

٢٤٧

لا التسعة ، وهذا لا كلام في صحته وكونه استعمالا حقيقيا حتى عند المنكرين لدلالة الجمع على العموم ، وانما الكلام في انه هل يتعين استعماله فيه كي يمكننا إثباته بأصالة الحقيقة أو لا يتعين فيه بل يمكن استعماله كذلك في الأقل كما هو واضح.

ومنها ـ انه لا إشكال ولا ريب في استفادة العموم من الجمع المحلّى باللام عند دخول أداة من قبيل ( كلّ ) عليه وقد ذكرنا فيما سبق انَّ العموم المستفاد من كل حينما تدخل على المعرفة هو الاستيعاب الأجزائي ، ولا إشكال انَّ الأداة لا تعين ما هي اجزاء مدخولها بحسب الوضع وانما تدل على استيعاب تمامها بعد ما يتعين بحسب المدلول الاستعمالي للفظ المدخول. وإِنْ شئت قلت : انَّ الأداة في موارد العموم الأجزائي تكون مؤكدة لما يدل عليه المدخول من الاجزاء وليست مؤسسة لاستيعابها كما في موارد العموم الاستغراقي فإذا كان المدخول موضوعا بنحو العام والموضوع له الخاصّ كما في المقام ، كان لا بدَّ من تحديد إرادة المرتبة العليا من تلك الاجزاء بقطع النّظر عن دخول الأداة لكي يمكن استفادة العموم الأجزائي لتمام تلك الافراد ، فلا بدَّ من افتراض دلالة المدخول في المقام وهو الجمع المحلى باللام على إرادة مرتبة العموم لكي يكون كل فرد جزءً من مدلوله فتشمله الأداة بعمومها الأجزائي ، (١) وهذا الوجه أيضا يمكن إبطاله نقضا وحلاّ.

امّا النقض فبما تقدم في النقض على الوجه السابق من لزوم دعوى دلالة الجمع المضاف على العموم أيضا إذ لا إشكال في استفادة العموم منه عند دخول الأداة عليه كما في قولك أكرم كلَّ علماء البلد.

وامّا الحلّ فبأحد بيانين.

البيان الأول ـ أَنْ يقال بأنَّ استفادة العموم عند دخول الأداة انما يكون بدلالة الاقتضاء التي هي من الدلالات العرفية البيّنة ، فانَّ استعمال الأداة مع عدم إرادة العموم يكون أشبه باللغو عرفا.

__________________

(١) هذا مبني على استفادة العموم والاستيعاب الأجزائي كمدلول ثان لنفس أداة العموم وقد تقدمت المناقشة فيه ، كما تقدم ان المستظهر استفادة العموم والاستيعاب بلحاظ الافراد والتكثرات الفردية المفادة بالجمع في موارد دخول الأداة على الجمع سواء كان محلّى باللام أم لا.

٢٤٨

البيان الثاني : دعوى انَّ الأداة كما تدل على استيعاب تمام ما ينطبق عليه المدخول وضعا في موارد العموم الأفرادي كذلك تدل على استيعاب تمام ما يمكن أَنْ يكون جزء من مدلول المدخول وضعا لا ما وقع جزء منه بحسب المعنى المستعمل فيه فعلا ، وفي المقام وإِنْ كان استعمال الجمع المحلّى في مرتبة غير العموم حقيقيا وصحيحا إلاّ انه لا إشكال في انَّ أي فرد يفترض من الافراد يمكن أَنْ يكون جزء من مدلول الجمع لأنه موضوع بإزاء المراتب ما فوق الاثنين بنحو الوضع العام والموضوع له الخاصّ الّذي يكون استعماله في كل مرتبة بحده صحيحا وحقيقيا. وهذا وإِنْ كان معناه تحديد الأداة لمدلول مدخولها في إرادة المرتبة المستوعبة منه بناءً على الوضع العام والموضوع له الخاصّ فليس بالدقة استيعابا لتمام ما هو جزء لمدلول المدخول الوضعي في نفسه ، إلاّ انه يدعى بأنَّ العرف يستفيد ذلك من دخول الأداة على الجمع ولو باعتبار معاملته مع الجمع معاملة الموضوع بالوضع العام والموضوع له العام باعتبار عدم اختصاصه بإحدى المراتب دون الأخرى ، هذا إذا قلنا بأنه من الوضع العام والموضوع له الخاصّ بأَنْ يكون صيغة الجمع موضوعة بإزاء مراتب العدد بحدودها التي يمتاز كل منها عن الباقي بما به الامتياز لكل مرتبة ، وامّا إذا قلنا بأنه من الوضع العام والموضوع له العام إلاّ انَّ الموضوع له سنخ معنى تشكيكي ينطبق على الكثير بحده والقليل بحده كعنوان العدد فالامر أسهل وأوضح إذ لا يلزم أَنْ يُطعم أداة العموم حينئذ بمطلب زائد على ما هو مدلوله في سائر المقامات ، وبهذا البيان نستطيع تفسير استفادة العموم من الجمع المحلى عند دخول الأداة عليه حتى في موارد عدم وجود إرادة استعمالية في الكلام بخلافه على البيان السابق كما هو واضح.

ومنها ـ محاولة تصحيح المسلك الثاني المتقدم في دلالة الجمع المحلى على العموم ، حيث يقال بأنَّ اللام لا إشكال عرفا وبتنصيص علماء العربية في دلالتها على التعيين ، والتعيين المحتمل في مورد دخول اللام على الجمع يتصور بأحد أنحاء.

١ ـ أَنْ يكون تعيينا عهديا وهذا التعيين لو فرض وجوده بأَنْ كان هناك علماء معهودين فلا إشكال في عدم استفادة العموم فعدم التعيين العهدي يؤخذ في موضوع دلالة الجمع المحلى باللام على العموم كمصادرة.

٢٤٩

٢ ـ أَنْ يكون تعييناً جنسيا حيث قلنا فيما تقدم انَّ جنس الجمع أيضا قد يكون هو متعلق الحكم كما في التعيين الجنسي للمفرد.

وهذا الاحتمال وإِنْ كان معقولاً إلاّ انَّ هناك قرينة نوعية على خلافه باعتبار انَّ الغالب في موارد الجمع إرادة واقع الافراد لا عنوان الجمع والجماعة ولهذا قلنا باستفادة الاستغراقية من الجمع المحلى باللام بناءً على استفادة العموم منها.

٣ ـ أَنْ يكون تعييناً للكلي الملحوظ بدليا وهذا التعيين في الواقع تعيين أُصولي وليس عرفياً لأنَّ البدلية لا تقتضي لا التعيين الصدقي الخارجي ولا الماهوي إذ لا نضيف شيئا ماهويا إلى المعنى كما هو واضح.

٤ ـ أَنْ يكون التعيين بلحاظ الصدق ، وبعد استبعاد الاحتمالات الثلاثة يتعين لا محالة هذا الاحتمال فيدل دخول اللام على الجمع إرادة المرتبة المتعينة صدقا من مدلول المادة وهي الجميع ، لأنَّ أي مرتبة أخرى غيرها لا تكون متعينة كذلك.

وهذا الوجه أيضا غير تام في إثبات العموم ، لأنَّ غاية ما يثبت به انَّ اللام تدل على استيعاب الطبيعة للمرتبة المستوعبة من الافراد باعتبارها هي المتعينة صدقا ، ولكن هل انَّ الطبيعة المستوعبة هي المطلقة أو الحصة المقيدة منها؟ فهذا لا يمكن أَنْ تعينها اللام لأنه كما تكون جميع افراد الطبيعة المطلقة متعينة صدقا كذلك جميع افراد الطبيعة المقيدة ـ كالعلماء العدول ـ متعينة صدقا أيضاً فنحتاج في إثبات كون الطبيعة المستوعبة المستغرقة هي المطلقة لا المقيدة إلى دال آخر.

وإِنْ شئت قلت انَّ هناك ثلاثة احتمالات ـ

١ ـ أَنْ يراد استيعاب بعض افراد الطبيعة المطلقة.

٢ ـ أَنْ يراد استيعاب تمام افراد الطبيعة المقيدة.

٣ ـ أَنْ يراد استيعاب تمام افراد الطبيعة المطلقة.

والعموم هو الثالث من هذه الاحتمالات واللام الدالة على التعيين لا تقتضي إلاّ نفي الاحتمال الأول دون الثاني فلا يثبت العموم ، وانما نحتاج في استفادته إلى إجراء مقدمات الحكمة أو إضافة مدلول جديد إلى اللام غير المسلمات المتقدمة.

لا يقال : انا نثبت كون المدخول هو الطبيعة المطلقة لا المقيدة بأصالة الحقيقة التي

٢٥٠

قلنا في الأبحاث السابقة انها جديرة بإثبات الإطلاق بالحمل الشائع ، وبإضافة مدلول اللام إلى المدلول الوضعي الاستعمالي لمدخولها بنحو تعدد الدال والمدلول نستفيد انَّ الطبيعة المستوعبة انما هي المطلقة بالحمل الشائع لا المقيدة كما كنّا نستفيد في أداة العموم تماما.

فانه يقال : انَّ تعين افراد الطبيعة المقيدة أيضا تعين للطبيعة المطلقة كما لو أريد افراد العالم العادل بالخصوص ، فانَّ هذا تعين للطبيعة من ناحية ، والمفروض دلالة اللام على أصل التعيين.

وإِنْ شئت قلت : انَّ الجمع موضوع بإزاء الكثرات ما فوق الثلاثة بنحو الوضع العام والموضوع له الخاصّ بحيث يصح أَنْ تكون كل مرتبة منها بما هي مدلولا له ومراتب هذه الكثرات لها قسمان من المحددات ، محددات كمية متمثلة في الاعداد الصحيحة كالثلاثة والأربعة والعشرة أو الكسرية كنصف العلماء وربعهم وعشرهم ، ومحددات نوعية متمثلة في العدول من العلماء أو المؤلفين منهم أو غير ذلك فانَّ هذه المحددات وإِنْ كانت بلحاظ نوع المعدود والمتكثر إلاّ انها لا محالة تكون محددة للعدد والكمّ أيضا بحيث لو لا ذلك النوع لما كانت الكثرة محدودة بذلك الحد والمقدار ، والجمع المجرد عن اللام كما يمكن استعماله في مرتبة من مراتب الكثرات المحددة تحديداً كميّاً كعشرة منهم كذلك يمكن استعماله وإرادة مرتبة العدول منهم خارجا فانه يكون استعمالا حقيقيا أيضا على حد الأول ، واللام تدل على إرادة مرتبة متعينة صدقا من الجمع ، وهذا غاية ما يقتضيه نفي إرادة أي مرتبة من مراتب التكثر المحدودة بمحدد كمّي باستثناء المرتبة المستغرقة لأنَّ أي مرتبة من مراتب المحددات الكمية لا تكون متعينة صدقا وإِنْ كانت متعينة ذاتا وامّا المراتب المحددة بمحدد نوعي فلا تنفيها اللام لأنها بخلاف المراتب المحددة بمحدد كمّي لها تعين صدقا فانَّ افراد العدول أو المؤلفين من العلماء متعينة من حيث الصدق خارجا ، نعم نفس تلك المراتب النوعية لا تعين لها إلاّ انَّ اللام نسبتها إليها على حد سواء بحسب الفرض ، والحاصل : انَّ اللام تقتضي إلغاء احتمال إرادة مرتبة متناهية من العدد كما غير متعينة صدقاً وامّا احتمال إرادة مرتبة من المراتب المحددة نوعا المتعينة صدقا فلا يمكن نفيه باللام وانما ينفيها دال آخر فلا بدَّ في نفي

٢٥١

احتمال إرادتها من التمسك بمثل الإطلاق ومقدمات الحكمة ، فلو قال ( أكرم العلماء ) وكان مراده مرتبة المؤلفين منهم بالخصوص المتعينة من حيث الكمّ في المرتبة المستوعبة لم يكن بذلك قد استعمل مجازاً (١).

ومنها ـ انَّ استفادة العموم والاستغراق من الجمع المحلى مما لا إشكال فيه وانما الكلام في كون منشأ هذه الدلالة الوضع أو الإطلاق ومقدمات الحكمة ، فإذا برهنا على عدم استناد هذه الدلالة إلى مقدمات الحكمة يتعين لا محالة استنادها إلى الوضع وهو معنى العموم ، وفيما يلي نبرهن على ذلك بأحد بيانين.

__________________

(١) يمكن ان يناقش في هذا البيان بوجهين :

الأول : لا موجب لافتراض انَّ مدلول الجمع هو الكثرات بنحو الوضع العام والموضوع له الخاصّ فانْ كان الموجب هو صحة استعماله وصدقه على كل مرتبة بحدها ، فهذا لا يعين هذا النحو من الوضع بدليل انَّ لفظة ( العدد ) أيضا صادقة على كل مرتبة بحدها مع انها على حدّ أسماء الأجناس الأخرى ، وليكن تصوير ذلك بالوضع بإزاء معنى جامع مشترك منتزع عن كل مرتبة بحدها وقد تقدم في أبحاث سابقة تصوير مثل هذا المعنى في بعض المداليل كمدلول الكلمة الصادق على ما زاد على حرف أو حرفين بنحو يكون الزائد على فرض وجوده داخلا وجزء وعلى فرض عدمه غير مانع.

ومما يشهد على انَّ الجمع من هذا القبيل معاملة العرف معه معاملة أسماء الأجناس من حيث دخول التنوين عليه لإفادة البدلية كما في مثل ( جئني بكتب ) فانه إذا جاء بأيّ عدد منها كان كلّه امتثالا دون أَنْ يكون هناك إجمال في المدلول المستعمل فيه وبهذا نستطيع الجواب على الوجه المتقدم ـ الوجه الثاني ـ لإثبات العموم دون الوقوع في تحميل أداة العموم مدلولا زائداً عما وضعت له في سائر الموارد.

الثاني : انَّ المحدد النوعيّ ليس مرتبة من مراتب الجمع والكثرات ببرهان انه قد يكون مساويا مع كل الكثرات فتكون المرتبة المحددة بالمحدد النوعيّ من الكثرة كالكثرة غير المحددة وذلك فيما إذا كان تمام الافراد واحدة لذلك القيد كما إذا فرض كل العلماء عدولا أو مؤلفين وهذا يعنى انَّ هذا القيد والتحديد حد للمتكثر لا للكثرة نفسها والجمع موضوع بهيئته بإزاء الكثرات والتعدد ، وكون الجمع المحدد بمادته له مرتبة من التحدد وإِنْ كان مسلماً إِلاّ أن هذا بحسب الحقيقة من نتائج إضافة هيئة الجمع إلى المادة لا انّه مرتبة ثابتة في رتبة سابقة على إضافة مدلول الهيئة إلى مدلول المادة كما هو مقتضى قانون تعدد الدال والمدلول.

هذا كله مضافا إلى شهادة الوجدان بأنَّ استعمال علماء أو العلماء في خصوص العدول منهم بما هم عدول لا بما هم كمّ معين كاستعمال العالم في العالم العادل يكون مجازاً من حيث مادة الجمع.

أضف إلى ذلك : انَّ المراتب للمحدد النوعيّ وإِنْ كان كل منها متعينا صدقا إلاّ انَّ تعينها في طول تعين نفس المحدد وإلاّ فباعتبار تعدد نفس المحددات النوعية وعدم تعينها لا محالة لا بدَّ لكي تشبع حاجة اللام في التعيين الصدقي من افتراض محدد نوعي معين في المرتبة السابقة على مدلول اللام لأنها موضوعة لواقع التعيين والإشارة لا لمفهوم التعين وهذا يعني انَّ استعمال اللام دائما يكون في طول تعيين المحدد النوعيّ بمادة الجمع لكي يمكن أَنْ يستعمل اللام في التعيين الصدقي.

فالحاصل اللام كأسماء الإشارة تشير إلى ما هو المتعين من مدلول مدخولها وهذا لا يكون إلاّ بعد افتراض تحدد مدلول المدخول تصوراً ووضعا كمّا ونوعا ، كمّاً في مرتبة الاستغراق ونوعاً في مدلول مادة الجمع ومن دونه لا يمكن الإشارة والتعيين إذ لا يمكن تعيين شيء متعين صدقا وخارجا من دون تحديد المفهوم المتعين تصوراً في المرتبة السابقة.

٢٥٢

البيان الأول : انَّ غاية ما تثبت بمقدمات الحكمة ، كون الطبيعة هي تمام موضوع الحكم وامّا سريان الحكم إلى الافراد ومصاديق الطبيعة فلا تثبت في مرحلة المدلول الوضعي والاستعمالي للكلام وانما تثبت في مرحلة الانحلال والتطبيق العقلي بقانون انطباق الطبيعة على كل فرد من افرادها. ومن هنا تكون ميزة الدلالة الإطلاقية وعلامتها الفارقة اننا لا نرى فيها ثبوت الحكم على الافراد بما هي افراد بل على الطبيعة بما هي هي ، بخلاف العمومات الوضعيّة ـ كما تقدم شرح ذلك في مستهل هذا الفصل ـ ولا ينبغي الإشكال وجدانا في دلالة الجمع المحلى باللام على ثبوت الحكم على الافراد بما هي افراد فأكرم العلماء لا يفهم منه ثبوت الحكم لطبيعة الجمع كما في أكرم العالم الدال على ثبوت الحكم لطبيعة العالم ، بل يفهم منه ثبوت الحكم على افراد العلماء وقد قلنا انَّ مثل هذه الدلالة لا يمكن أَنْ تكون من شئون الإطلاق ومقدمات الحكمة.

وهذا البيان يمكن الجواب عليه نقضا وحلاًّ.

امّا نقضا ، فبالجمع المضاف بناءً على مسلك المحققين من عدم دلالته على العموم مع انَّ لحاظ الافراد محسوس فيها وجدانا أيضا.

وثانيا : انه يمكن لمنكر العموم الوضعي أَنْ يدّعي استناد الدلالة على الافراد إلي اللام المقتضية للتعيين الصدقي ـ على ما تقدم في إبطال الوجه السابق ـ بنحو يلغي احتمال إرادة التكثرات الكمية اللامتعينة صدقا ويعين الاستغراق في افراد إحدى المحدّدات النوعية وبهذا تكون الافراد ملحوظة إلاّ انه مع ذلك لا يكفي ذلك لإفادة العموم المطلوب ما دام لا يعين المحدد النوعيّ في المرتبة العامة الواسعة فيحتاج إلى مقدمات الحكمة لتعيين انَّ المحدد النوعيّ هو مدلول مادة الجمع لا غير. هذا إلاّ انَّ هذا البيان لا يكفي لحل الإشكال في مورد النقض بالجمع المضاف وسوف يأتي مزيد توضيح لهذه النقطة (١).

البيان الثاني : انَّ مقدمات الحكمة والإطلاق انما تجري في مورد يكون المدلول

__________________

(١) قد تقدم ان استفادة التكثر الأفرادي منشأ هيئة الجمع ، الا أن هذه الخصوصية ليست حقيقة العموم وانما العموم هو الاستيعاب لتمام وجود الشيء أو الطبيعة.

٢٥٣

الوضعي المستعمل فيه اللفظ مبينا غاية الأمر يشك في وجود قيد زائدٍ عليه لم يذكر في مقام الإثبات وليست وظيفة مقدمات الحكمة تعيين مدلول اللفظ.

وفي المقام بناءً على ما تقدم من انَّ الجمع موضوع بنحو الوضع العام والموضوع له الخاصّ يكون كل مرتبة من مراتب الكثرة بحدها مدلولا للفظ فيكون اللفظ من مشترك المعنى غاية الأمر بوضع واحد ويكون الشك في إرادة إحدى تلك المراتب معناها الإجمال بلحاظ ما هو مدلول اللفظ والتردد بين إرادة المعنى الأوسع أو الأضيق ، ومجرد كون أحدهما أوسع من الآخر لا يمكن تعيينه بمقدمات الحكمة بعد فرض كون كلّ منهما معنى مستقلا ، ولهذا لو فرض وضع لفظ ( بني هاشم ) مثلاً بوضعين ، تارة : لِمَنْ تولد من هاشم من طرف الأب بالخصوص ، وأخرى : لمطلق من تولد منه سواءً من طرف الأب أو الأم ، فلا يمكن عند الشك في مراد المستعمل تعيين إرادة المعنى الأوسع بالإطلاق ومقدمات الحكمة ، فانَّ مقدمات الحكمة تقتضي نفي وجود قيد زائد على المعنى المطلق المبرز باللفظ لم يذكر عليه دال ولا تقتضي إثبات إرادة المعنى الأوسع من معنيي اللفظ المشترك.

وهذا البيان مبنيٌّ على أَنْ يكون الموضوع له في صيغة الجمع خاصا أي كل مرتبة من مراتب العدد والكثرة بحدها وامتيازها ، وامّا إذا قيل بوضعها للجامع الّذي به اشتراك كل تلك المراتب والّذي ينطبق على كل مرتبة بحدها ـ كما حقق في محله في بحث المقولات التشكيكية ـ فيكون من الوضع العام والموضوع له العام ويكون جريان مقدمات الحكمة بلا محذور.

هذا ولكن مع ذلك يمكن تصحيح إجراء مقدمات الحكمة بدعوى انَّ الوضع العام والموضوع له الخاصّ يستدعي على المسالك المشهورة ـ ان يتصور الواضع في مقام الوضع عنوانا جامعا يشير به إلى الخواصّ ، وهذا العنوان إذا فرض كونه بنفسه كأحد الخواصّ من ناحية تلك الحيثية الملحوظة أي كان بحسب مصطلح المنطقي من العناوين التي تنطبق على نفسها ـ كعنوان الكلّي وعنوان المفهوم لا كعنوان الجزئي وعنوان النسبة ـ إِذن فسوف تنشأ العلقة الوضعيّة بين اللفظ وبين نفس العنوان الجامع أيضا بل تكون العلقة معه أشد وآكد باعتباره هو المتصور للواضع في مقام الوضع بحيث ينصرف إليه

٢٥٤

اللفظ في الإطلاق بلا حاجة إلى قرينة معينة ، والمقام من هذا القبيل فانَّ صيغة الجمع موضوعة بإزاء كل معنى يكون حاويا لمرتبة من مراتب الكثرة المتعينة كمّاً أو نوعاً ونفس عنوان الجمع والكثرة أيضا حاوٍ للتكثر مهملا من حيث الكمّ والمقدار فينصرف اللفظ عند عدم قرينة على إرادة إحدى المراتب المتعينة كمّاً أو نوعا إلى إرادة نفس الجمع والكثرة الجامع بين المراتب فيجري حينئذ بلحاظ هذا المعنى الجامع الإطلاق ومقدمات الحكمة فيثبت إرادة الجميع.

ولنعد إلى ما أوعدنا به في التعليق على التقريب الأول من إمكان تصوير جريان الإطلاق ومقدمات الحكمة بنحو لا ينافي مع رؤية الافراد من خلال الجمع المعرف باللام أو المضاف فنقول : انَّ مقدمات الحكمة ، تارة : تنصب على كل فرد من افراد الجمع لتحديد ما أَخذ فيه من الصفات والقيود وحينئذ تفيد نفي القيود بمعنى انَّ ما هو تمام الموضوع ثبوتا هو ذات العالم لا العالم العادل مثلا ، وأخرى : تنصب مقدمات الحكمة على الكثرة المدلول عليها بالجمع نفسها فتفيد حينئذ نفي أخذ أيّ محدد عن المحددات الكمية أو النوعية غير المحدد النوعيّ المدلول عليه بمادة الجمع وهذا مساوق مع الاستغراق ورؤية الافراد لا محالة.

وهكذا يتبين انَّ وجدانية رؤية الافراد في باب الجمع المحلى باللام بالإمكان تفسيرها بلا حاجة إلى افتراض دلالة وضعية على العموم مما يعني انه لا يوجد مقتضٍ لمثل هذا الافتراض ، لأنه امّا يكون على أساس قول اللغة الّذي هو دليل لميّ وامّا يكون على أساس الإحساس بوجدان لا يمكن تفسيره إلاّ بالالتزام بدلالة وضعية ، والأول غير موجود حيث لم ينقل عن لغوي دعوى وضع اللام بإزاء العموم ، والثاني أيضا قد عرفت عدم وجوده وإِنَّ استفادة ما يرى من استيعاب الأفراد يمكن أَنْ تكون على أساس مقدمات الحكمة لا الوضع.

بل نضيف هنا علاوة على ما تقدم انَّ الدلالة على العموم ـ كما أشرنا ـ امّا أَنْ تكون من جهة دلالة اللام على التعيين بالتقريب الفني المتقدم في الوجه الثالث وامّا ان تكون من جهة وضع لام الجماعة للعموم ابتداء.

والأول ، يبطله إضافة إلى ما تقدم : انَّ التعين الصدقي المساوق للاستغراق ليس

٢٥٥

متعينا بل هناك التعين الجنسي المعقول في الجمع ، وما تقدم في الوجه الثاني من انَّ الجمع يلحظ فانيا في الافراد مسلم ولكنه لا يضر بإرادة الجنس لأنَّ الفاني في الافراد هو المعنى الاستعمالي فلا بدَّ من تحديد ما هو المعنى الاستعمالي مسبقا ثم فرضه فانيا في واقعه ومعنونه ، واللام إذا حددت المعنى الاستعمالي في جنس الجمع فلا محالة يلحظ فانياً في معنونه وهو الجنس لا الافراد.

ومما يشهد أو يدل على صحة إرادة التعيين الجنسي من اللام الداخلة على الجمع دخولها على ما يرادف مدلول هيئة الجمع من الأسماء كما في قولنا أكرم الكثير أو العديد من العلماء فانه لا إشكال في كون اللام هنا لتعيين جنس الكثرة لا الافراد (١).

وامّا الثاني ، فأيضا بعيد إذ مضافا إلى استبعاد الاشتراك اللفظي في معنى اللام بأَنْ تكون موضوعة للعموم وللتعيين في عرض واحد ، بالإمكان إبراز منبه لهذا الاستبعاد وهو انه لا إشكال في عدم العناية في موارد تقييد الجمع المحلى باللام بمثل ( أكرم العلماء العدول ) فانه على حد تقييد المفرد المحلّى بها كما في أكرم العالم العادل من حيث عدم العناية أو المجازية ، مع انه لو كان اللام قد دلت على إرادة عموم افراد مادة العالم لزمت المخالفة مع القيد لأنَّ مدخول اللام قد تم قبل مجيئه إذ مدخوله هو ( علماء ) لا ( علماء العدول ) ، كما كنا نقوله في كل عالم عادل ، فانَّ العدول وصف للعلماء بعد دخول اللام عليه لا قبله ولهذا يلزم ان يكون معرفا.

والحاصل : انَّ هنا احتمالات ثلاثة كلها بعيدة غير محتملة إثباتا.

١ ـ أَنْ يكون القيد جزءً من مدخول اللام ، وهو بعيد جدا بحسب المنهج العرفي للتراكيب اللفظية وبحسب نصّ علماء العربية.

٢ ـ أَنْ يكون القيد خارجا عن مدخول اللام ويكون القيد منافيا مع عموم المقيد ولكنه يقدم عليه في مقام الكشف عن المراد ، وهذا أيضا خلاف الوجدان العرفي الشاهد بعدم العناية في مرحلة المدلول التصوري الوضعي قبل مرحلة كشف المدلول التصديقي.

__________________

(١) هذا مبنيٌّ على أَنْ يكون الموضوع له هيئة الجمع عنوان الكثرة والجمع لا واقعهما ومصداقهما أي أنْ لا تكون للإشارة إلى مصداق المتعدد من افراد المادة وإلاّ كان القياس مع الفارق والوجدان يقضي بالعناية في موارد إرادة جنس الجمع من اللام الداخلة على الجمع.

٢٥٦

٣ ـ أَنْ يكون المدخول هو العلماء بشرط أَنْ لا يأتي بعد ذلك بما يقيده ويضيق منه ، وهذا أيضا خلاف الوجدان القاضي بأنَّ الإتيان بالقيد تقييد لسعة المقيد كما في المفرد لا انه تقيد بحيث وجد مقيداً كما هو مقتضى هذا (١).

نعم هذا المبعد لا يمكن جعله إبطالاً للقائلين بالعموم من جهة دلالة اللام على التعيين ، لوضوح انَّ التقييد بالعدول أو بغير ذلك لا ينافي مع التعين الصدقي الّذي لا بدَّ منه لإشباع حاجة اللام الوضعيّة ، ولذلك جعلنا هذا المنبه إبطالا للمسلك الآخر.

هذا تمام الكلام في المقام الثاني الّذي عقدناه للبحث عن دلالة الجمع المحلّى باللام على العموم وضعا.

وامّا المقام الثالث : وهو تحقيق كون العموم على تقدير استفادته منه استغراقياً أو مجموعياً فقد اتضح الحال فيه مما تقدم حيث تقدم انَّ مقتضى الطبع الأولي وإِنْ كان دلالة الجمع على امر موحد ثابت في مرتبة سابقة على دخول اللام إلاّ انه مع ذلك لنكتة زائدة تلغى هذه الوحدة ويكون المستفاد هو العموم الاستغراقي على القول باستفادة أصل العموم منه.

« النكرة في سياق النفي أو النهي »

ومما قد يدّعى افادته للعموم وقوع النكرة في سياق النفي أو النهي ، بدعوى : انَّ انتفاء الطبيعة لا يكون إلاّ بانتفاء جميع افرادها بخلاف إيجادها في موارد وقوعها في سياق الإثبات ، فبهذه القرينة العقلية يستفاد العموم من وقوع النكرة في هذا السياق.

وفيما يلي تعلق على هذه الدعوى في نقاط :

النقطة الأولى : انّ هذه الاستغراقية المستفادة من وقوع النكرة في سياق النهي أو النفي ليست مرتبطة بالنكرة وانما ترتبط بسياق النهي والنفي ، فحتى لو كان الواقع فيه معرفة استفيد ذلك كما إذا قال لا تكرم النحوي فانه كقولنا لا تكرم نحويا. وقد تقدم

__________________

(١) بل هذا لازمه بقاء المدلول التصوري للجمع المحلّى الّذي هو المدلول الوضعي ـ بناءً على التحقيق ـ مراعى حتّى ينتهي المتكلم من كلامه ولا يأتي بالقيد وهذا واضح البطلان.

٢٥٧

في مبحث الأوامر تفصيل هذه القرينة العقلية وما تقتضيه من الفرق بين وقوع الطبيعة في سياق الأمر ووقوعها في سياق النهي.

النقطة الثانية : انَّ هذه الاستغراقية المستفادة على أساس القرينة العقلية ليست استغراقية في مرحلة الحكم بل في مرحلة الامتثال ، إذ القرينة المذكورة لا تقتضي إثبات تعدد الحكم وانما تقتضي انَّ النهي أو النفي إذا تعلقا بالطبيعة على حد تعلق الأمر بها ، ففي مرحلة امتثال هذا الحكم الواحد لا يمكن امتثال النهي الّذي هو عبارة عن الزجر من أجل الانزجار إلاّ بترك جميع الافراد ، وهذا بخلاف الأمر بالطبيعة الّذي هو بعث من أجل الانبعاث نحو الطبيعة ، فانه يحصل بتحقيق فرد واحد منها.

فلا يمكن إثبات استغراقية الحكم وانحلاله إلى أحكام عديدة بعدد الافراد بمثل هذه القرينة العقلية ، بل لو فرض استفادة ذلك من النواهي فذلك بقرينة أخرى تقدم بيانها وتفصيل الكلام فيها في بحوث النواهي.

النقطة الثالثة : انَّ هذه الاستغراقية ليست عموما بل هو عبارة عن الشمولية المقابل للبدلية فانَّ الطبيعة في متعلق النهي أو الأمر قد تكون شمولية وقد تكون بدلية وهذا ليس عموماً لأنَّ العموم عبارة عن الدلالة على استيعاب افراد الطبيعة وضعا لا مجرد كون الطبيعة ملحوظة بنحو الشمولية كما هو الحال في موارد وقوع الطبيعة موضوعا أي متعلق المتعلق للأمر في مثل قولنا ( أكرم العالم ).

النقطة الرابعة : انَّ إفادة هذه الشمولية والاستغراق موقوفة على تمامية الإطلاق ومقدمات الحكمة ـ كما قاله المحقق الخراسانيّ ( قده ) (١) ـ لوضوح انَّ القرينة العقلية المذكورة غاية ما تقتضيه انَّ ما هو متعلق النهي أو النفي من الطبائع لا تنعدم إلاّ بانعدام تمام افرادها خارجا وامّا تحديد الطبيعة المتعلق بها النهي أو النفي هل انها الطبيعة المطلقة أو المقيدة فهذا خارج عن عهدتها وانما يتكفل بإثباته الإطلاق ومقدمات الحكمة كما هو واضح.

__________________

(١) كفاية الأصول ، ج ١ ، ص ٣٣٤

٢٥٨

النقطة الخامسة : قد ناقش الأصفهاني (١) والسيد الأستاذ في صحة ما يدعى في الكلام المشهور من انَّ وقوع الطبيعة في سياق النفي أو النهي يختلف عقلا عن وقوعها في سياق الأمر والإيجاد ، بدعوى انَّ الطبيعة نسبتها إلى الوجود والعدم على حد واحد بمعنى انَّ الطبيعي إذا كانت نسبته إلى الافراد الخارجية نسبة الآباء إلى أبناء ـ كما هو الصحيح ـ لا نسبة الأب الواحد إلى أبنائه ـ كما هو مدعى الرّجل الهمداني ـ فكما انَّ هناك وجودات عديدة للطبيعة بعدد الافراد كذلك هنا إعدام عديدة للطبيعة بعدد الافراد لا محالة ، وكما انَّ الأمر الواحد يتعلق بوجود واحد كذلك النهي الواحد لا يتعلق إلاّ بعدم واحد من تلك الاعدام وبهذا حاولوا إبطال القاعدة العقلية المشهورة وجعلها مبنية على مسلك الرّجل الهمداني.

إلاّ انه قد تقدم منّا في بحوث النواهي الدفاع عن مقالة المشهور وانَّ هذه المناقشة خلط بين المسألة الفلسفية في النزاع المعروف بين ابن سينا والرّجل الهمداني وبين ما هو الملحوظ في المسألة الأصولية في تحديد المفاهيم الواقعة متعلقات للأوامر والنواهي في عالم الذهن. وتفصيل الكلام موكول إلى محله.

وبهذا ينتهي البحث في هذا الفصل الّذي عقدناه للحديث عن العموم.

__________________

(١) نهاية الدراية ، ج ١ ، ص ٣٣٦

٢٥٩
٢٦٠