بحوث في علم الأصول - ج ٣

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٥

نسبة الأب الواحد إلى أبنائه فيقال علي مستوى البحث الفلسفي بصحّة الاتّجاه الأول الّذي سار عليه ابن سينا دون الاتجاه الثاني الّذي سلكه الرّجل الهمداني.

وقد ربطت المسألة الأصولية هذه بتلك المسألة الفلسفية أيضا فقيل : بأنَّه إِذا كان الطبيعي يوجد بوجودات متعدّدة وانَّ وجود كلّ فرد ناقض لعدم الطبيعة في ضمن ذلك الفرد لا مطلقاً فلا معنى لما اشتهر من انَّ الكلّي يوجد بفرد واحد ولا ينعدم إلاّ بانعدام تمام أفراده ، لأنَّ وجود الطبيعي في ضمن كلّ فرد لا يحفظ إلاّ في ضمن ذلك الفرد ولا يعدم إِلاّ بعدم ذلك الفرد فكما انَّ هناك وجودات عديدة للطبيعة هناك أعدام عديدة لها أيضاً فإذا كان الأمر متعلّقاً بوجود واحد كذلك النهي يتعلّق بعدم واحد من تلك الأعدام.

هذا ملخّص ما انتهى إليه المحقّقون المتأخرون.

وقد ذكرنا في بحث المرة والتكرار انَّ هذا الربط بين المسألتين في غير محلّه فانَّ بطلان مسلك الرّجل الهمداني انَّما هو بلحاظ المسألة الفلسفية وعالم الوجود الخارجي للطبيعة ، وامَّا بلحاظ المسألة الأُصولية وبالقياس إلى عالم الذهن الّذي ينتزع جامعاً يكون قدراً مشتركاً بين الأفراد فيصحّ كلام الرّجل الهمداني حقيقة بلا إِشكال حتى من ابن سينا ، إذ لا إِشكال في وحدة الكلّي عنواناً ومفهوماً ومتعلّق الأمر والنهي انَّما هو الوجود العنواني للمتعلق أي المفهوم لا الوجود فما يكون متعلّقاً للأمر حقيقة ينحفظ بفرد واحد ولا ينعدم إلاّ بانعدام تمام أفراده وهذا هو معنى تلك الكلمة المشهورة ، والمطلوب في الأوامر حفظ ذلك المفهوم الطبيعي بينما المطلوب في النواهي إعدامه.

الجهة الرابعة : وتشتمل على تنبيهين مرتبطين بالجهتين السابقتين.

التنبيه الأول : انَّ هاتين الخصيصتين اللتين تميزان النهي عن الأمر في الجهتين السابقتين ثابتتان للنهي سواءً كان النهي مدلوله الزجر عن الفعل أو طلب الترك ولذلك لو صرّح بطلب الترك أيضا كانت الخصيصتان مستفادتين منه كما إِذا قال ( أترك الصلاة ) فانَّه يستفاد منه نفس ما يستفاد من النهي عن الصلاة في مثل ( لا تصلِّ).

والوجه في ذلك إِنَّ كلتا النكتتين موجودتان في طلب الترك أعني نكتة نشوء طلب

٢١

الترك غالباً من مفسدة الفعل التي هي انحلالية فيكون الحكم انحلاليّاً ونكتة انَّ الطبيعة لا تترك إِلاّ بترك تمام أفرادها فيكون امتثاله بترك تمامها.

التنبيه الثاني : انَّ قاعدة أنَّ الطبيعة توجد بفرد واحد ولا تنعدم إِلاّ بانعدام تمام أفرادها بالتفسير المتقدّم تنطبق على كلّ الطبائع والكلّيات إِلاّ الجامع الانتزاعي مثل أحدهما فانَّه لو قال ( أوجد أحدهما ) استفيد منه لزوم إيجاد أحدهما بينما إِذا قال أعدم أحدهما أو اترك أحدهما لا يستفاد منه لزوم تركهما وإعدامهما معاً مع انَّ القاعدة العقلية لا تقبل التخصيص وبعبارة أخرى مثل عنوان أحدهما يختلف عن أي عنوان جامع آخر في انَّه يمكن أَنْ يصدق في حقّه في آن واحد الوجود والعدم معاً فنقول أحدهما موجود وأحدهما معدوم وهذا بخلاف سائر الجوامع والمفاهيم الكليّة فانَّه لا يضاف إليها العدم إِلاّ بانعدام تمام مصاديقها وأفرادها ، وهذا لغز مستعصى لا يمكن حلّه إِلاّ بمراجعة حقيقة هذه الجوامع لكي يتبيّن انَّها ليست كلّيات وانَّما هي أشباه كلّيّات.

وتوضيح ذلك ـ انَّ عنوان أحدهما وما يماثله ليس جامعاً من قبيل عنوان الصلاة وانَّما هو مجرّد رمز ذهني يراد به التعبير عمَّا في الخارج والإشارة إليه فبدل أَنْ يقول مثلاً جاء زيد يقول جاء أحدهم فانَّ هذا ليس جامعاً ينطبق على زيد وغيره كما في سائر الجوامع وانَّما هو من قبيل الرمز بـ ( س أو ص ) الّذي يعبر بهما عن الاعداد فهو في قوة أَنْ يقال هذا أو ذاك فليس طلب تركه طلباً لترك الجامع وانَّما هو طلب لترك إِحدى الخصوصيّتين.

والبرهان على ذلك : انَّ الجامع لا يمكن أن ينطبق على الفرد بخصوصيّاته لأنّه عبارة عن تجريد الفرد عن خصوصياته وانطباقه على الفرد بذاته لا بخصوصيته ، وهذا بخلاف عنوان أحدهما أو أحدهم فانه ينطبق على الخصوصية بما هي خصوصية.

٢٢

بحوث النواهي

اجتمَاعُ الأَمرِ وَالنّهي

ـ فذلكة القول بالامتناع

ـ امتناع الأمر بالجامع والنهي عن فرده

ـ امتناع الأمر بعنوان جامع والنهي عن

الجامع عنوان آخر ينطبق على فرد من ذلك

ـ ملاكات ثلاثة لجواز الاجتماع

ـ البحث عن صغرى ان تعدد العنوان يوجب تعدد المعنون

ـ تنبيهات مسألة الاجتماع

٢٣
٢٤

الفصل الثاني

اجتماع الأمر والنهي

الأمر والنهي تارة يلحظان بالنسبة إلى متعلقهما بالذات وأُخرى بالنسبة إلى متعلّقهما بالعرض ، والمقصود من المتعلّق بالذات العنوان القائم في الذهن الّذي هو المعروض الحقيقي للأمر والنهي والمقصود من المتعلّق بالعرض مطبق تلك العناوين باعتبار انَّ تلك العناوين ملحوظة بما هي فانية في معنوناتها فتكون هي المعروضة بالعرض.

وعلى هذا الأساس يقال : انَّ المعروض بالذات للأمر والنهي إِنْ كان واحداً من قبيل ( صلّ ) و( لا تصلِّ ) فيجب أَنْ يفترض استحالة اجتماع الأمر والنهي فيه أصلاً موضوعيّاً مفروغاً عنه قبل البحث عن اجتماع الأمر والنهي. كما انَّه إِنْ فرض انَّ ما هو المعروض بالعرض لهما متغاير بقطع النّظر عن التغاير بين المعروضين بالذات كشرب الخمر والصلاة فهذا أيضا يجب أَنْ يفترض إمكان تعلّق الأمر بأحدهما والنهي بالآخر مفروغاً عنه.

وهناك حالة وسطى هي موضوع هذا البحث وهي التغاير بين المعروضين بالذات فيقع البحث حينئذ عن انَّ هذا التغاير هل يدفع محذور التضاد أم لا؟ امَّا باعتبار كشفه عن التغاير بين المعروضين بالعرض ، وامَّا باعتبار انَّه وإِنْ لم يكشف عن ذلك إِلاّ

٢٥

أنَّه بنفسه كافٍ في دفع محذور التضاد.

وهذا التغاير يتصوّر بأحد نحوين رئيسين :

أحدهما : أَنْ يكون العنوان واحداً فكلاهما متعلّق بالصلاة مثلاً إِلاّ انَّهما متغايران بالإطلاق والتقييد كصلِّ ولا تصلِّ في الحمام.

الثاني : أَنْ يكون العنوان متغايراً رأساً من قبيل صلِّ ولا تغصب. فلا بدَّ من بحث كلّ واحد منهما.

وهذان النحوان يختلفان في أمر هو انَّه لا يمكن البحث في النحو الأول عن إمكان استلزام التغاير في العنوان ـ المعروض بالذات ـ بهذا النحو للتغاير في المعنون ـ المعروض بالعرض ـ لوضوح وحدة الصلاة الخارجية في الحمام وعدم تعدّدها فينحصر البحث عن هذا النحو من التغاير في انَّ هذا المقدار من التغاير بالعنوان هل يكفي لدفع التضاد بنفسه أم لا؟

بينما النحو الثاني للتغاير يعقل البحث فيه عن اندفاع محذور التضاد بلحاظ كلّ من الناحيتين. وبهذا يظهر انَّ منهج البحث عن اجتماع الأمر والنهي ليس كما صوّره السيد الأستاذ.

وقبل الدخول في البحث عن هذين القسمين الرئيسيين لا بدَّ من التعرّض لما افترضناه أصلاً موضوعيّاً للبحث وهو استحالة اجتماع الأمر والنهي على متعلّق واحد بالذات.

ويمكن بهذا الصدد ذكر ثلاثة بيانات قد يمكن إرجاع بعضها إلى البعض الآخر :

البيان الأول : أَنَّ التكليف مشروط بالقدرة ولا قدرة للمكلّف على أَنْ يصلّي ولا يصلّي ، بل ليس له إِلاّ قدرة واحدة فيستحيل أَنْ يجتمع التكليفان وهذا هو نفس البيان المذكور في باب التزاحم غير انّه هناك كان يجاب عن محذور الاستحالة بوجود قدرتين مشروطتين كلّ منهما بعدم الآخر لكنَّ هذا غير معقول في المقام.

وهذا البيان يمكن لمن يرى انَّ القدرة ليست شرطاً في التكليف بل في الامتثال فقط ـ كما عليه الأستاذ ـ أَنْ يدفعه بدعوى : انَّه لا مانع من التكليف بغير المقدور غاية الأمر أنَّ العقل يحكم بعدم منجزية شيء منهما ، لأنّه على تقدير عدم أحد النقيضين

٢٦

يكون الآخر ضرورياً لا محالة فلا معنى لاشتراط الأمر بأحدهما بفرض ترك الآخر فانْ وصل أحدهما دون الآخر تنجز حكم العقل به وإِلاّ فلا يحكم العقل بتعيين أحدهما.

البيان الثاني : انَّ التضاد بين صلِّ ولا تصلِّ ثابت في عالم الجعل والحكم لأنَّ الحكم انَّما هو البعث والزجر ، ويستحيل اجتماع البعث والزجر على عنوان واحد ـ مع قطع النّظر عن القدرة في مرحلة الامتثال ـ وهذا البيان بحسب الحقيقة هو روح البيان الأول لأنّه قد أرسل في ذلك البيان شرطية القدرة إرسال المسلَّمات مع انَّ نكتتها ما يذكر في هذا البيان.

وهذا أيضا يمكن إنكاره لمن يرى انَّ الحكم ليس إِلاّ مجرّد اعتبار للفعل أو الترك على ذمّة المكلّف وليس متقوّماً بداعي الباعثية والمحركيّة.

البيان الثالث : انَّ التضاد بينهما ثابت في مرحلة المبادئ لأنَّ الأمر يكشف عن مصلحة تامة ومحبوبيّة فعلية في الفعل ، والنهي يكشف عن قيام مفسدة تامّة ومبغوضيّة فعلية في الفعل فإذا تعلّقا بشيء واحد لزم اجتماع الضدّين.

وهذا البيان أيضا يمكن دفعه على المسلك القائل بأنَّ مبادئ الحكم قد تكون في نفس الجعل بأَنْ تكون المصلحة في الجعل لا متعلّقه فلا يتّحد مركز المصلحة الفعلية مع مركز المفسدة الفعلية.

وكذلك المسلك القائل بأنَّ المبادئ ليست إِلاّ ذات المصلحة والمفسدة لا المصلحة والمفسدة التامّتين الموجبتين للحبّ والبغض لإمكان حصول ذات المصلحة والمفسدة في فعل واحد.

وموضع تحقيق هذه المباني موكول إلى محلّها ونحن هنا نفرغ عن عدم صحّة هذه المباني وتماميّة البيانات الثلاثة معاً.

وعلى هذا الضوء ندخل في شرح كلّ من القسمين للتغاير بين المتعلقين بالذات لنرى ما يتمّ من هذه البيانات فيه.

امّا القسم الأول فالبيان الأول لا يتمّ فيه لوضوح إمكان امتثال الأمر بإتيان الجامع بغير الحصّة المحرمة.

وامَّا البيان الثاني فأيضاً لا يأتي لوضوح إمكان فعلية انقداح كلا الداعيين داعي

٢٧

البعث نحو المطلق وداعي الزجر عن المقيد.

وامَّا البيان الثالث أي التنافي بلحاظ عالم المبادئ ، فهذا البيان تارة : تلحظه بالنسبة إلى عالم الذهن والمفاهيم أي المعروض بالذات ، وأخرى : بالنسبة إلى عالم الخارج والوجود أي المعروض بالعرض.

امَّا بالنسبة إلى العالم الأول فالصلاة قد وقعت معروضاً للمحبوبية على وجه الاستقلال ووقعت معروضاً للمبغوضية على وجه الضمنيّة أي ضمن المقيد.

وحينئذ قد يقال : انَّه كما يستحيل اجتماع المحبوبيّة والمبغوضيّة الاستقلاليّتين كذلك يستحيل اجتماع المحبوبيّة الاستقلاليّة والمبغوضية الضمنية ، بدليل انَّه لا يمكن اجتماع المبغوضية الاستقلالية مع المحبوبية الضمنية فانَّه لا يعقل الأمر بالصلاة مثلاً مع النهي عن التكبيرة نهياً استقلاليّاً.

إِلاّ أنَّ الصحيح عدم تمامية هذا الكلام وانَّ هناك فرقاً بين المحبوبية الضمنية والمبغوضية الضمنية ، فالأوّل لا يمكن أَنْ تجتمع مع البغض الاستقلالي إِلاّ أنَّ الثاني يمكن أَنْ يجتمع مع الحبّ الاستقلالي فانَّه يمكن أَنْ يبغض مجموع أمرين وجزءين مع تعلّق الحبّ الاستقلالي بأحدهما ، فلا بدَّ من التفرقة بين اجتماع المحبوبية الضمنية مع المبغوضية الاستقلالية فانَّه مستحيل وبين اجتماع المبغوضية الضمنية مع المحبوبية الاستقلالية فانه جائز.

وهذا رغم كونه وجدانيّاً يمكن البرهنة عليه بأحد بيانين :

الأول : انّا لا نتعقّل المبغوضيّة الضمنيّة في نفسها بخلاف المحبوبيّة الضمنية فانَّ الحبّ إِذا تعلّق بمجموع جزءين فسوف تتعلّق محبوبيّتان ضمنيّتان بالجزءين ويكون لكلّ منهما اقتضاء لإيجاد ذلك الجزء لا كاقتضاءين مستقلين بل كجزء من اقتضاء الحبّ الاستقلالي للمجموع كما انَّ الحبّ الضمني كان جزءاً تحليليّاً لذلك الحبّ الواحد.

هذا في طرف الحب وامَّا في طرف البغض إذا تعلّق بمجموع جزءين فهذا البغض انَّما يقتضي إعدام المجموع أي أحد الجزءين ونفيه لا إعدام كليهما ، وهذا الاقتضاء لا يمكن أَنْ يتبعض كي ينحل إلى بغضين ضمنيين على كلّ من الجزءين ويكون لهما

٢٨

اقتضاءان تحليليان ، وهذا كاشف عن عدم انحلال المبغوضية إلى مبغوضيّتين ضمنيّتين ، إِذ لو كان هناك بغض ضمني فإِنْ كان لا يقتضي شيئاً فهو خلف كونه مبغوضاً وإِنْ كان يقتضي إعدام ذلك الجزء كان معناه زيادة اقتضاء البغض الضمني على البغض الاستقلالي وانه لا بدَّ من إعدام الجميع وهو غير معقول أيضا ولو كان يقتضي إعدام المجموع فهو خلف كونه ضمنيّاً وهذا كلّه انَّما كان على أساس انَّ المجموع وجوده بوجود كلّ أجزائه بينما يكفي في عدمه عدم أحد أجزائه.

الثاني : انَّ البغض والحبّ انّما يتنافيان فيما إذا فرض تنافيهما في مقام الاقتضاء والتأثير فإذا كان بين مقتضاهما تناف ذاتي لا عرضي ـ كالتنافي العرضي في باب التزاحم ـ استحال اجتماعهما ، ولهذا لو افترضنا عالماً يمكن فيه تحقيق كلا النقيضين أمكن تعلّق الحبّ والبغض بشيء واحد فانَّ البغض ليس نقيضاً للحبّ بذاته ولا تضاد ذاتي فيما بينهما أيضا وانَّما التنافي بلحاظ متعلّقهما.

وعليه نقول : انَّه لا تنافي ذاتي بين مقتضى الحبّ الاستقلالي لشيء ومقتضى البغض الضمني لذلك الشيء لأنّ البغض الضمني لا يقتضي أكثر من إعدام المجموع لا الجميع وهو لا يتنافى مع مقتضي الحبّ الاستقلالي لذلك الجزء لعدم توقّف إعدام الجميع على إعدام ذلك الجزء.

وهكذا يتّضح : انَّه لا تنافي بين أَنْ تقع الصلاة مثلاً مركزاً للمحبوبية الاستقلالية ومركزاً للمبغوضية الضمنية فلا تنافي بلحاظ عالم المعروض بالذات.

وامّا بلحاظ عالم المعروض بالعرض فقد يُدعى انَّ تعلّق الأحكام بالعناوين انَّما هو بلحاظ حكايتها عن الخارج ومن الواضح انَّه بلحاظ الخارج لا يوجد إِلاّ شيء واحد فيستحيل أَنْ يكون هذا الوجود الواحد متعلّقاً للمحبوبيّة والمبغوضية الاستقلاليتين معاً.

وهذه الشبهة أيضا غير تامة لأنَّ الأحكام المتعلقة بالعناوين وإِنْ كانت متعلقة بها بما هي مرآة عن الخارج إِلاّ انَّ ذلك انَّما يكون بمقدار مرآتية ذلك العنوان المتعلق لا أكثر من ذلك ، ومن الواضح انَّ متعلّق الأمر انَّما هو الطبيعة التي يكون مرآة عن صرف وجود الطبيعة في الخارج وامَّا متعلّق النهي فهو الحصّة الخاصّة التي تكون مرآة

٢٩

عن الفرد ، فالمعروض بالعرض للنهي هو الفرد وهو ليس معروضاً بالعرض للأمر بل مصداق للمعروض بالعرض في الأمر ، فانَّه قد تقدّم أنَّ متعلّق الأمر صرف الوجود وصرف الوجود لا يلحظ من خلاله الأفراد كي يكون المعروض بالعرض واحداً وانَّما يلحظ نفس الطبيعة.

وعليه فلا اجتماع للمحبوبيّة والمبغوضية على مركز واحد في عالم المعروض بالعرض كما لا اجتماع في مركز واحد بلحاظ المعروض بالذات وفي مقابل هذا الكلام يوجد بيانان لو تمّ أحدهما سوف يكون ملاكاً للامتناع.

البيان الأول : ما ذكرته مدرسة المحقّق النائيني ( قده ) في تنبيهات المسألة اجتماع الأمر والنهي مع انَّه بيان على أصل الكبرى. وحاصله : انَّه لا يوجد تضاد بين الأمر والنهي المتعلقين بالمطلق والمقيد مع وضوح انَّ التركيب اتحادي وليس انضمامياً لأنَّ مركز الأمر هو صرف الوجود ومركز النهي هو الفرد ولا تنافي ذاتي بينهما إِلاّ انَّه يوجد تناف بالعرض يقتضي : عدم إمكان اجتماع الأمر بالصلاة والنهي عن الصلاة في الحمام وذلك لأنَّ الأمر بصرف وجود الطبيعة لازمه إمكان تطبيقها على أي فرد من أفراد الطبيعة خارجاً حتى الفرد المحرم فيقع تناف لا محالة بين هذا المدلول الالتزامي المستفاد من بدليّة متعلّق الأمر وبين النهي عن الفرد (١).

والفارق العملي بين هذه الصياغة للامتناع وبين الصياغة السابقة التي كانت تفترض التنافي أولا وبالذات بين مدلولي الأمر والنهي انَّه على الصياغة السابقة لا يفرق في الامتناع بين أَنْ يكون النهي تحريميّاً أو كراهياً ، لأنَّ المحبوبية لا تجتمع مع المبغوضية ولو كانت بمرتبة الكراهة ، بينما على أساس هذه الصياغة لا يوجد تناف فيما إِذا كان النهي كراهيتاً لأنَّ الترخيص في التطبيق على الفرد الّذي هو المدلول الالتزامي للأمر بصرف الوجود لا يتنافى مع كراهة ذلك الفرد. وبهذا أجابت مدرسة الميرزا ( قده ) على الإشكال العويص الّذي يواجه مسألة الكراهة في العبادات ولهذا أيضا ذكرت هذا البيان في تلك المسألة. وهذا البيان غير تام لأنَّ الإطلاق البدلي في متعلّق الأمر

__________________

(١) فوائد الأصول ، ج ١ ، ص ٤٣٥

٣٠

ليس معناه ولا لازمه الترخيص في التطبيق على الأَفراد كحكم شرعي شمولي مولوي.

وتوضيح ذلك : انَّا قد ذكرنا فيما سبق أنَّ مقتضى الإطلاق ليس إِلاّ كون معروض الحكم ذات الطبيعة التي هي تمام المبين بحسب مقام الإثبات ، ولازم ذلك انَّه من قبل هذا الوجوب لا مانع من تطبيقه على أَيّ فرد لا انَّه لا مانع بالفعل ومن جميع الجهات.

وإِنْ شئتم قلتم : انَّه قد وقع الخلط في المقام بين الترخيص الوضعي والترخيص التكليفي ، فانَّ الأمر يقتضي الترخيص الوضعي في تطبيق الحكم على كل فرد أي الاجتزاء بأي فرد محقق للطبيعة وهذا لا ينافي أَنْ يكون هناك مانع من ناحية أخرى ، فلا تنافي بين مدلول الأمر والنهي لا بالذات ولا بالعرض.

وعند ما أشكلنا على أصحاب هذا المسلك بهذا الإشكال أجابوا بأنَّ هذا مدلول عرفي يوجب الامتناع والتنافي العرفي بينهما وهذا مطلب آخر سوف نتعرض له مشروحاً فيما يأَتي.

البيان الثاني : انَّ الحبّ المتعلق بالجامع بنحو صرف الوجود يلازم تعلق الحبّ بكل فرد فرد على تقدير عدم الافراد الأخرى ، وهذا معناه انَّ التخيير العقلي دائماً يلزم منه التخيير الشرعي بلحاظ عالم الحبّ وإِنْ لم يكن كذلك بحسب عالم الجعل والحكم وهذا يستوجب التضاد بين النهي عن الحصّة والأمر بالطبيعة لأنَّ الأول يقتضي تعلق البغض بالحصّة والثاني يقتضي تعلق الحبّ بها منوطاً بترك سائر الحصص ، فبلحاظ عالم الحبّ يكون الحبّ سارياً من الطبيعة إلى الأفراد بنحو مشروط وإِنْ لم يكن كذلك بلحاظ الحكم فيلزم اجتماع الضدّين إِذ كما لا يجتمع الضدّان مطلقاً كذلك مشروطاً.

وهذا البيان موقوف على تمامية إرجاع الحبّ المتعلّق بالطبيعة إلى الحب بكل حصّة منها مشروطاً بعدم الأُخرى ولو اختياراً من جهة أنَّ المكلَّف لم يقدِّم غيرها إلى المولى. وهذا التلازم وجداني في النّفس البشرية فانَّه من غير الصحيح أَنْ يقال لمن يحبّ شرب الماء من هذا الإناء أو ذاك انَّه يحبّ صرف الوجود لا هذا الّذي شربه أو ذاك إِذا شربه بل يحبّ الجامع الّذي هو غير هذا وغير ذلك (١). وهذا معناه انَّه

__________________

(١) وجدانية هذا الحكم محل تأمل بل الوجدان يحكم انَّه يحبّ هذا الفرد بما هو مصداق لذلك الجامع فهو يحبّ الصلاة الخارجية وهذا الفرد صلاة خارجية كذلك الفرد الآخر فالخصوصيّات والحيثيّات الفرديّة الأخرى المقيّدة وكذلك الحصص بما هي حصص خاصة لا تكون متعلّقة للحبّ إِلاّ بالعرض. ولكن لا ينبغي الإشكال في وجدانية التضاد والتنافي ثبوتاً بين ( صلِّ ) و( لا تصلِّ )

٣١

بلحاظ روح الحكم وهو الحبّ والبغض يلزم دائماً التخيير الشرعي من التخيير العقلي فهذا البيان الثاني تام في إثبات الامتناع.

هذا كله في التغاير بين متعلق الأمر والنهي بنحو الإطلاق والتقييد.

وامّا التغاير بينهما بنحو تعدد العنوان من قبيل ( صلِّ ) و( لا تغصب ) فهنا يوجد دعويان متقابلان متطرفان ، دعوى تقول بأنَّه يكفي في رفع غائلة التضاد بينهما مجرّد تعدد الوجود الذهني الّذي هو المعروض بالذات للحكم ولو اتّحد المعروض بالعرض لهما ، ولازم هذه الدعوى انَّه لو أوجدنا ماهية واحدة في الذهن بوجودين مرتين ـ كما إِذا تصوّرنا الصلاة مرتين ـ أمكن أَنْ يتعلّق بأحدهما الحبّ وبالآخر البغض لأنَّ كل منهما وجود غير وجود الآخر وإِنْ اتحدا ماهية فعروض الضدين عليهما نظير عروض أحد الضدين على زيد والآخر على عمر اللذان هما وجودان خارجيان لماهية واحدة.

ودعوى أخرى : بأنَّ الغائلة لا ترتفع إِلاّ بتعدد الوجود الخارجي للمتعلقين لأنَّ الأحكام وإِنْ كانت متعلقة بالوجود الذهني إِلاّ انَّها متعلقة بها بما هي قنطرة إلى الخارج فلا بدَّ من تعدد الوجود الخارجي كي يرتفع محذور التضاد.

والدعوى الأولى كما أشرنا تتوقّف تماميّتها على إثبات انَّ الأحكام لا تعرض على الوجود الخارجي وانّما تعرض على الوجود الذهني.

وهذه النقطة يمكن البرهنة عليها بعدة تقريبات :

التقريب الأول : انَّه لو كانت الأحكام متعلقة وعارضة على الوجود الخارجي فما ذا يقال عن الحكم الّذي لم يمتثل ولم يتحقق بعد شيء من مصاديقه في الخارج ، كما لو عصى المكلّفون ولم يأتوا بشيء من الصلوات خارجاً ، مع وضوح انحفاظ الأمر

__________________

في الحمام ) ولعل وجهه ان إيجاب الطبيعي مع تحريم فرد من أَفراده يؤدّي بحسب عالم النّفس واللحاظ الّذي هو عالم الحكم إلى إمكان اجتماعهما في مورد واحد مع انّ الإرادة والكراهة أو الحبّ والبغض يستحيل اجتماعهما في موضوع واحد. فالحاصل التضاد بين الإرادة والكراهة وامتناع اجتماعهما في مورد واحد يستدعي زائداً على اشتراط تغاير متعلقيهما بالذات أَنْ لا يكون بحسب عالم اللحاظ ومن منظور الملاحظ مما يمكن أَن يتطابقا في الخارج على مورد واحد وإِلاّ كان من زاوية نظر الملاحظ من اجتماع الضدّين في مورد واحد وهو تهافت وهذا بحسب الحقيقة من شئون مرآتية العناوين وحكايتها عن الخارج فلا بدّ وأَن يتقيّد متعلّق الأَمر بغير الفرد المحرم. وما ذكر من انَّ الجامع بنحو صرف الوجود غير الفرد انَّما هو بلحاظ عالم المفاهيم والتحليل الذهني لا عالم تعلق الأَمر والإرادة الّذي هو عالم محكي تلك المفاهيم في الخارج تماماً كالعناوين الانتزاعية الذهنية التي سوف يأتي بيان هذا المحذور فيها فتدبّر.

٣٢

والحكم الشرعي في حالتي العصيان والامتثال معاً.

التقريب الثاني : انَّه لو كان الحكم متعلقاً بالوجود الخارجي لكان متأخراً مرتبة عن الوجود الخارجي مع انَّه من مبادئ الوجود الخارجي والدواعي لا لإيجاده فيستحيل أَنْ يكون عرضاً من أعراضه ، وهذا هو معنى ما يقال من انَّ العلّيّة تنافي العروض ، ولا يمكن الجواب عليه : بما ذكره المحقق الأصفهاني من التفرقة بين الوجود العلمي والوجود الخارجي بأَنْ يكون العارض على الوجود الخارجي هو الأمر الواقعي وما يكون علّة للوجود الخارجي هو الأمر بوجوده العلمي أي علم المكلّف بالأمر فاختلف ما هو العلّة والمتقدّم عمّا هو العارض والمتأخر.

لأنَّه إِذا كان الأمر بوجوده الواقعي عارضاً على الوجود الخارجي ومتأخراً عنه فيستحيل أَنْ يكون العلم بمثل هذا الأمر محركاً نحو ذلك الوجود الخارجي لأنَّ العلم به سوف يكون كاشفاً عن وجود معروضه في الخارج ، لأنَّ ما يكون محركاً انَّما هو العلم بالأمر الفعلي لا الشأني التقديري ، والأمر لا يكون فعليّاً إِلاّ بعد أَنْ يتحقق الموجود خارجاً أو على الأقل بعد أَنْ يرى العالم معروضه موجوداً في الخارج ، فإذا لم يَر العالم المعروض فعليّاً في الخارج فلا يكون الأمر فعلياً بحسب نظره فلا يكون محركاً.

وبعبارة أخرى : إذا فرض انَّ العلم بالأمر المحرك للمكلف متعلق بالأمر الفعلي المتحقق في الخارج بتحقق موضوعه لزم التهافت في نظر العالم لأنه يرى الفعل معلولاً له ولعلمه فكيف يكون موجوداً بقطع النّظر عنه فهذا تحصيل الحاصل ، وإِنْ كان المحرك له العلم بأنَّه سوف يتحقق الموضوع ويتحقّق حكمه في الخارج أي الحكم التقديري فهذا لا يمكن أَنْ يكون محركاً.

التقريب الثالث : ما أشرنا إِليه مراراً من أنَّ الأحكام الشرعية من الصفات ذات الإضافة والتي تكون الإضافة مقومة لها بحيث لا يعقل افتراضها في أي مرتبة إِلاّ ولها تلك الإضافة حتى مرتبة ذاتها إِذ يلزم من الانفكاك في مرتبة من المراتب تعقل حبّ أو علم مثلاً بلا محبوب أو معلوم وهو غير معقول ، ولازم هذا أَنْ يكون المضاف إِليه في هذه الصفات ثابتاً في مرتبة ذاتها ، وبهذا البرهان يثبت انَّ المحبوب بالذات والمبغوض بالذات انَّما هو نفس الحبّ والبغض.

٣٣

ويمكن أَنْ يصاغ هذا التقريب بصياغة أخرى حاصلها : انَّ الإرادة نسبة إلى ماهية المراد وهي امَّا نسبة العرض إلى موضوعه كنسبة البياض إلى الجسم أو نسبة الشيء إلى متعلقه ، والأول واضح البطلان لأنَّ موضوع الإرادة هو النّفس لا المراد الخارجي بل قد تتعلق الإرادة بالعدم كما لو أراد أَنْ لا يكون زيد عالماً ، وامَّا الثاني فانْ كانت هذه النسبة التي هي نسبة الإضافة نسبة تعرض على الإرادة كعروض الإضافة الخارجية على الشيء فيقال عنه انه لفلان مثلاً فهذا يستلزم إمكان انفكاك هذه الإضافة عن المضاف مع انَّه غير ممكن في الإرادة إِذ لا يتعقل إرادة بلا مراد ، وإِنْ كانت هذه الإضافة أمراً ذاتياً للإرادة بأَنْ كانت حقيقتها ذلك فمن الواضح انَّ الإرادة ليست عبارة عن نسبة الإضافة التي لا استقلال لها في نفسها وانَّما الإرادة شيء لها الإضافة إلى المراد ، فإذا بطلت هذه الشقوق كلّها يتعيّن أَنْ تكون نسبة الإرادة إلى المراد نسبة الوجود إلى الماهية ولكن بالوجود الذهني ، والوجود مع الماهية متّحدان لا محالة وفي عالم واحد كما هو واضح.

وعلى أساس هذه التقريبات يقال بأنَّه يرتفع غائلة الاجتماع بمجرد تعدد الوجود الذهني المتعلّق به الأمر والنهي.

وهذه الدعوى لو تمّت لاقتضت جواز الاجتماع حتى لو كان العنوان واحداً ـ كما أشرنا إِليه ـ فيما إذا وجد ذلك العنوان في الذهن مرّتين.

إِلاّ انَّ هذه الدعوى غير صحيحة لأنَّ كون الأحكام عارضة على الوجودات الذهنية وإِنْ كان صحيحاً إِلاّ أنَّ الصور الذهنية لها اعتباران ، اعتبار بالحمل الأوّلي واعتبار بالحمل الشائع وقد تقدّم مراراً توضيح هذين الاعتبارين في الصور والوجودات الذهنيّة.

ومحصّله : إِنَّ الوجود الذهني بالنظر التصوري ـ الحمل الأوّلي ـ يكون عين الأمر الخارجي المحكي عنه ، وبالنظر التصديقي ـ الحمل الشائع ـ يكون مبايناً للخارج وغير واجد لشيء من خصائصه وأحكامه ، فالماء الموجود في الذهن بالنظر التصديقي صورة وانطباع في النّفس وليس ماءً ولا واجداً لشيء من خصائص الماء وبالنظر التصوّري يكون ماءً رافعاً للعطش محبوباً لدينا. والحكم بمبادئه يتعلّق بالصورة الذهنية بحسب النّظر التصوري لا التصديقي ولذلك أيضا يكون محركاً نحو الخارج الّذي

٣٤

هو المنظور التصوّري وامَّا الصورة الذهنية بحسب النّظر التصديقي فليس بمطلوب ولا محبوب أصلاً. وحينئذ سوف يكون الحكم والحبّ في عالم النّفس وبحسب لحاظ المولى متعلقاً بالصورة الذهنية بالحمل الأوّلي والنّظر التصوّري الّذي لا يرى به إِلاّ الماهية فإذا كانت الماهية والمنظور التصوّري واحداً ـ ولو ضمن وجودين ذهنيين ـ فيستحيل أَنْ يتعلّق الحبّ والبغض والأمر والنهي بها لأنَّه بحسب هذا النّظر واللحاظ الّذي هو نظر المولى في مقام الحكم ومبادئه يلزم التهافت والتضاد فيكون مستحيلاً أيضا ، فليست الاستحالة منحصرة بما إِذا كان الوجود الذهني المعروض للأمر والنهي بالحمل الشائع واحداً فقط.

وامَّا الدعوى الثانية فتقريبها : انَّ الأحكام الشرعية وإِنْ كانت متعلقة بالصور الذهنيّة وبالعناوين في أُفق النّفس أو عالم الاعتبار إِلاّ انَّها انَّما تتعلّق بها بما هي فانية في المعنونات الخارجية إذ لو لا هذا الفناء لما كان يريد المولى شيئاً من هذه العناوين فالمتعلّق المطلوب للمولى هو المعنون الخارجي ، وعلى هذا فلا بدَّ من تعدد الوجود الخارجي لمتعلّق الأمر والنهي كي لا يلزم التضاد وإِلاّ فالتضاد حاصل ولو كانت العناوين والمرايا متعددة ، ومن هنا قالوا انَّ الميزان في الامتناع والجواز تشخيص أنَّ تعدد العنوان بعدد المعنون أم لا؟ أي انَّ التركيب بين معنون متعلّق الأمر مع معنون متعلّق النهي اتحادي أو انضماميّ فانْ كان اتحاديّاً بأنْ كان هناك معنون واحد امتنع الاجتماع وإِنْ كان انضماميّاً جاز الاجتماع. وكأن هذا المقدار من البيان يشترك فيه المحقّق الخراسانيّ والنائيني ( قدهما ) والسيد الأستاذ فإنَّهم جميعاً يتّفقون على أصل هذه الدعوى وانَّ الأحكام متعلّقة بالعناوين بما هي فانية في الخارج وانَّما يختلفون في التطبيق وبعض النتائج ، فالمحقّق الخراسانيّ ( قده ) يدّعي انَّ الخارج واحد وانَّ تعدد العنوان لا يؤدّي إلى تعدد المعنون (١) ـ وهذه مقدمة أخرى غير أصل الدعوى يذكرها في برهانه على الامتناع المؤلّف من عدة مقدمات ـ والمحقق النائيني ( قده ) يدّعي انَّ تعدد العنوان يوجب تعدد المعنون إِذا كان العنوانان بنحو العامين من وجه ، كعنواني

__________________

(١) كفاية الأصول ، ج ١ ، ص ٢٤٠

٣٥

الغصب والصلاة ، ببرهان يذكره لإثبات ذلك محصله : انَّ كلاً من العنوانين لا بدَّ وأَنْ يكون منتزعاً من جهة مشتركة محفوظة في موارد الاجتماع والافتراق معاً فلا بدَّ من الالتزام بجهتين في موارد الاجتماع لا محالة وإِلاّ استحال انتزاع عنوانين بينهما عموم من وجه بل صحّ انتزاع عنوان الغصب حينئذ من الصلاة في المسجد وكذلك عنوان الصلاة من الغصب وإنْ كان بغير الصلاة (١) ، والسيد الأستاذ أفاد موقفاً وسطاً بين المحقّق الخراسانيّ والنائيني ( قدهما ) حيث ادعى انَّ إطلاق القول بأنَّ تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون وكذلك إطلاق القول بأنَّ تعدد العنوان يوجب تعدد المعنون في العامين من وجه كلاهما لا يمكن المساعدة عليه وإِنَّما الصحيح أَنْ يقال : انَّ العنوانين إِنْ كانا من المقولات الحقيقيّة والماهيّات الخارجية فلا محالة يتعدد المعنون بتعدد العنوان إِذ يستحيل أَنْ تكون ماهيّتان لموجود واحد في الخارج بل الوجود الواحد لا تكون له إِلاّ ماهية واحدة ، وإِنْ كان العنوانان من العناوين الانتزاعيّة الاعتبارية فتعددها لا يوجب تعدد المعنون حتى لو كانا عامين من وجه ، وما ذكره المحقّق النائيني ( قده ) من البرهان لا يتمّ فيها لأنَّ العنوان الانتزاعي لا يلزم أَنْ يكون منشأ انتزاعه ماهية واحدة بل قد ينتزع في مورد الاجتماع من ماهية غير التي ينتزع منها في مورد الافتراق (٢).

وهكذا اختلف هؤلاء المحقّقون الثلاث في النتائج تبعاً لاختلافهم في تطبيق تلك الكبرى الكليّة القائلة بأنَّ الميزان في دفع غائلة الاجتماع تعدد الوجود الخارجي وعدمه وسوف يأتي التعرض تفصيلاً لهذه التطبيقات وبراهينها التفصيليّة وانَّما نحن في هذا المقام بصدد ملاحظة أصل تلك الدعوى وما تحتويها من الفكرة الكليّة فنقول :

إنَّ عبارة أنَّ الأحكام تتعلّق بالعناوين بما هي فانية لا بما هي هي وبالمعنى الاسمي على إجمالها صحيحة إِلاّ أنَّ هذا لا يعني انَّ العنوان قنطرة حقيقة توصل الحكم إلى المعنون الخارجي بحيث يستقر عليه فانَّ هذا مستحيل سواءً أُريد به انَّ الحكم

__________________

(١) أجود التقريرات ، ج ١ ، ص ٣٣٧

(٢) نفس المصدر ، ص ٣٣٧ ـ ٣٣٨

٣٦

عفويّاً وتلقائيّاً يسري من الصورة الذهنيّة والعنوان إلى الخارج أو أُريد به انَّ الصورة الذهنية تكون سبباً لإدراك المولى للخارج فيلقي الحكم عليه ، إذ يرد على الأول : ما تقدّم من الأدلة على استحالة تقوم الحكم بالوجود الخارجي. ويرد على الثاني : انَّ إدراك الخارج غير معقول وانَّما يكون إدراكه بإدراك الصورة الذهنية وبعنوان دائماً ، وليس معنى الفناء في الخارج انَّ الصورة الذهنية تكون سبباً وعلّة لإدراك الخارج بنحو الحيثيّة التعليليّة وانَّما معنى الفناء والإفناء انَّه لا يوجد لدى المولى الحاكم إِلاّ الصورة الذهنية بالنظر التصديقي ويكون هذا الشيء الحقيقي هو الفاني وهو المفني فيه لا انَّه فان في شيء آخر لدى المولى ، بل الجهة الفانية من هذا الشيء هو الصورة بالحمل الشائع والجهة المفني فيها هي الصورة بالحمل الأوّلي. وبعبارة أخرى. انَّ المفني فيه بالذات الحقيقي هو نفس الصورة الذهنية لا الخارج وليس الخارج إِلاّ المفني فيه بالعرض كما هو واضح.

فالتعابير بالفناء والآليّة والقنطرة إلى الخارج ونحو ذلك من التعابير ليس إِلاّ بمعنى انَّنا ننظر إلى الصورة الذهنية لا بحقيقتها الواقعيّة بل بعنوانها وما يتوهّم من خلالها. وهكذا يتّضح : انَّ كون الأحكام متعلقة بالصورة الذهنية بما هي فانية في الخارج لا يعني عروضها وتعلّقها بالخارج بل يعني انَّها تتعلّق بالصورة بما هي ترى عين الخارج إِلاّ أنّ كونها ترى عين الخارج بالنظر التصوري لا يعني تعلقها بالخارج حقيقة.

وبهذا يتّضح أيضا انَّه يجوز تعلّق الأمر والنهي بالعنوانين وإِنْ كان الوجود الخارجي ( المعنون ) لهما واحداً لأنَّ متعلّق الأمر والنهي الصورة الذهنية بالنظر التصوّري وهو متعدد بنفس تعدد العنوان بالنظر التصوّري لأنَّه بحسب النّظر التصوّري يرى امران في الخارج إِذ ليس معنى لحاظهما خارجيين لحاظ الوجود الشخصي في الخارج بل لحاظ نفس الطبيعة والعنوان في الخارج وهما متعددان بحسب الفرض.

وهكذا نصل إلى انَّ تعدد العنوان بحسب النّظر التصوّري الّذي هو ظرف عروض الحكم يكفي لدفع غائلة التضاد بالذات بين الأمر والنهي في هذا الشقّ كما كان كذلك في الشقّ الأول ـ أي ما إذا كان الأمر بالجامع والنهي عن الحصّة ـ.

٣٧

يبقى بعد هذا أَنْ نلاحظ التقريبين اللذين ذكرناهما للامتناع في الشقّ الأول لا من جهة نفسي الأمر والنهي بل باعتبار ما يلزم الأمر بشيء بنحو صرف الوجود من الترخيص في تطبيق الجامع على الحصة أو لزوم التخيير الشرعي فهل يتمّ شيء منهما في المقام أي ما إِذا كان متعلق النهي غير متعلّق الأمر عنواناً كالغصب والصلاة أم لا؟.

والتحقيق : عدم تمامية شيء منهما في المقام ، لأنَّ متعلق النهي هنا عنوان آخر كالغصب وهو غير الجامع المتعلق للأمر وليس حصّة منه فانَّ الحصّة المقيدة للصلاة بالغصب تعني الصلاة مع تقيدها بالمكان المغصوب مثلاً على نحو دخول التقيد وخروج القيد فعنوان الغصب الّذي هو القيد يبقى خارجاً عن معروض الأمر أو الحبّ المتعلقين بالصلاة حتى إِذا لزم منهما الترخيص في تطبيقه على الحصّة أو تعلّق الحبّ بها بنحو التخيير الشرعي ، فيكون معروض الأمر والحبّ ذات الحصّة والتقيد ومعروض النهي والبغض القيد وهو الغصبيّة ولا محذور في ذلك ، وهذا بخلاف الشقّ السابق أي ما إِذا تعلّق النهي بالحصّة المقيّدة ـ كالصلاة في الحمام أو في المكان المغصوب ـ حيث انَّه سوف يتعلّق النهي والبغض بالحصّة المقيّدة التي يلزم من الأمر بالجامع المنطبق عليها الترخيص فيها أو تعلّق الحبّ بها بنحو التخيير الشرعي فيجتمع المتضادان في مركز واحد ، نعم هناك تحفّظ أساسي هنا سوف يأتي بيانه.

ومن مجموع ما تقدّم إلى هنا نستطيع أَنْ نستخلص ثلاثة ملاكات وتقريبات لجواز اجتماع الأمر والنهي في موضوع واحد لو تمّ شيء منها في مورد جاز الاجتماع.

الملاك الأول : انَّ الأمر إِذا كان متعلّقاً بصرف وجود الطبيعة في الخارج فحتى إِذا كان النهي متعلّقاً بالفرد والحصّة لا تضاد بينهما ، إِذ لا محذور في أَنْ يريد المولى صرف الوجود للجامع وينهى عن فرد من أفراده.

الملاك الثاني : أَنْ يكون متعلّق الأمر غير متعلّق النهي عنواناً وإِنْ انطبقا على وجود واحد في مورد خارجاً ، لأنَّ تعدد العنوان يؤدّي إِلى تعدد ما هو معروض الأمر والنهي والحبّ والبغض حقيقة وذاتاً.

الملاك الثالث : أَنْ يكون التركيب بين عنواني المأمور به والمنهي عنه انضماميّاً

٣٨

لا اتّحاديّاً ، أي يكون تعدد العنوان مستلزماً لتعدد المعنون خارجاً.

والملاك الثالث هو الّذي بنى عليه المحقّقون جواز الاجتماع كبرويّاً وإِنْ اختلفوا في تشخيص موارده صغرويّاً ، وسوف يأتي الحديث عن ذلك مفصلاً.

والملاك الثاني قد أوضحناه الآن وعلى أساسه أثبتنا جواز الاجتماع حتى مع وحدة المعنون.

والملاك الأول قد بيّنا فيما سبق انَّه وإِنْ كان صحيحاً في نفسه بلحاظ نفس الأمر والنهي إِلاّ انَّه لو لاحظنا ما ادّعينا وجداناً لزومه عن الأمر بالجامع بنحو صرف الوجود من التخيير الشرعي في عالم الحبّ والإرادة المستلزم لتعلّق الحبّ بالفرد عند ترك سائر الأفراد لزم التضاد بين الأمر بالجامع والنهي عن الفرد في عالم الحبّ والبغض الّذي هو عالم المبادئ وروح الحكم (١).

__________________

(١) ذكر سيدنا الأستاذ ( قدس سرّه الشريف ) خارج البحث تعليقاً على هذا الملاك لجواز الاجتماع بأنَّ ما ذكرناه في ردّه من سريان المحبوبيّة من الجامع إلى الفرد لا يشكل محذوراً ثبوتيّاً للامتناع وانَّما هو مجرّد محذور إثباتي مخصوص بما إذا كان الأمر والنهي ثابتين بدليلين لفظيّين.

توضيح ذلك : انَّ حبّ الفرد المتولد من حبّ الجامع تارة يكون بنحو بحيث يغلب مبغوضيّة الفرد المحرم بعد الكسر والانكسار بين مصلحة الجامع المتحقّقة بالفرد ومفسدته فيكون الفرد محبوباً ولكن بدرجة أخفّ من محبوبيّة سائر الأفراد ، وأخرى : يفرض غلبة المبغوضيّة فلا حبَّ للجامع المنطبق على هذا الفرد المبتلى بالمفسدة.

فعلى الأوّل يمكن ثبوتاً بقاء الأمر بل الحبّ على الجامع رغم تعلّق النهي بالفرد غاية الأمر لا يكون ملاك النهي مبغوضيّة الفرد بل وجود المفسدة فيه أو قلّة محبوبيّته ، فالمولى ينهى عنه لكي يطبّق المكلّف الجامع على الأفراد غير المبتلاة بالمفسدة والواجدة للمحبوبيّة الكاملة ولكن لو أتى به كان واجداً للمصلحة والمحبوبيّة.

وعلى الثاني أيضا يبقى الأمر على الجامع المنطبق على الفرد المبغوض ولا ينحسر عنه إلى الجامع المختصّ بسائر الأفراد ، لأنَّ هذا الفرد وإنْ لم يكن محبوباً إِلاّ انَّه واجد للمصلحة وملاك الأمر ومعه لا وجه لبقاء الأمر ومعاقبة المكلّف على تركه للجامع ضمن سائر الأفراد بعقاب زائد على ارتكابه للحرام بل يبقى الأمر متعلّقاً بالجامع رغم عدم محبوبيّة هذا الفرد ولكن ينهى عن الفرد لكي يدفع المفسدة والمبغوضيّة ، فانَّ الأمر والنهي لا يلزم أَنْ ينشأ دائما عن المحبوبيّة والمبغوضيّة الفعليّتين في متعلقيهما وانَّما ظاهرهما ذلك ، مع إمكان أن تكون إحداهما أو كلتاهما شأنية ولا يقدح ذلك في تنجز الأمر أو النهي ودخوله في عهدة المكلّف فانه يكفي في ذلك إبرازهما من قبل المولى والتصدّي لتحصيل ملاكهما إذا كان ممكناً كما في المقام ، وهذا يعني انَّ دليلي الأمر والنهي لو كانا لفظيين بحيث يستظهر منهما المحبوبيّة والمبغوضيّة الفعليتين وقع التنافي بينهما بلحاظ هذا الظهور وامّا إذا كان أحدهما لبّيّا كالإجماع أمكن الجمع بينه وبين مدلول الآخر ، فالمحذور إثباتي وليس ثبوتيّاً ... انتهى بيانه ( ١ الشريف ).

هذا ولكن يخطر في الذهن القاصر تحفّظان على هذا البيان :

الأول ـ انَّنا لو وافقنا على هذا البيان فلا وجه للقول بالامتناع حتى إثباتاً وفي موارد ثبوت الأمر والنهي بدليلين لفظيين ، لأنَّ دلالة الأمر والنهي على المحبوبيّة والمبغوضيّة ليست إِلاّ دلالة التزاميّة مبنيّة على قاعدة التبعيّة أو على الغلبة والاستئناس العرفي نتيجة انَّ من يأمر بشيء يُحِبُّ المأمور به عادة ومن ينهى عن شيء يبغضه ، وكلا هذين الملاكين لا يستوجبان رفع اليد عن المدلول المطابقي

٣٩

ثمّ انَّ هنا تحفّظات للقول بالجواز لا بدَّ من التنبيه عليها :

التحفّظ الأول : عدم جواز الاجتماع إِذا كان الواجب عباديّاً لا باعتبار لزوم غائلة التضاد بل باعتبار عدم إمكان التقرّب ، فانَّ الفرد إذا كان مبغوضاً للمولى فلا يمكن التقرّب به فانَّ الإتيان بالمبغوض مبعد عن المولى وليس مقرباً له ومعه لا يقع الفرد مصداقاً للواجب لاشتراط القربة فيه.

ويشترط في هذا التحفّظ أَنْ يكون النهي واصلاً فمع الجهل به يمكن التقرّب ويقع المجمع مصداقاً للواجب ، وهذا أحد الفروق والثمرات بين القول بالامتناع والقول بالجواز فانَّه على الأول يقع العمل باطلاً حتى مع الجهل بالنهي بخلافه على الثاني ، وسوف يأتي مزيد تعرّض لثمرات القولين في تنبيهات المسألة.

التحفظ الثاني : إنَّ تعدد العنوان انَّما يشفع للجواز فيما إِذا كان العنوانان حقيقيين ـ سواءً كانا ماهويين أو انتزاعيين ـ لا ما إِذا كانا من العناوين التي ينشئها العقل كعنوان أحدهما أو واحد منهما ، فانَّ هذه العناوين ليست إِلاّ رموزاً يشير بها الذهن إلى الخارج لا أكثر ، فلو أمر بأحد الخصال الثلاث لم يمكن أَنْ ينهي عن أحدهما بالخصوص ـ كالعتق مثلاً ـ لأنَّ معروض الأمر والحبّ سوف يكون واقع الخصال بنحو التخيير

__________________

لخطاب الأمر والنهي في مورد الاجتماع ، إذ يمكن ثبوتهما غاية الأمر لا يستكشف من مدلوليهما الالتزامي أكثر من الملاك أي المصلحة والمفسدة ، وأي محذور فيه بعد أَنْ كان ذلك مدلولاً التزاميّاً تصديقيّاً؟ خصوصاً وانَّ خطابات شارعنا الأقدس تنشأ عن مصالح ومفاسد ترجع إلى العباد لا إلى المولى نفسه ورغباته أو ميوله.

الثاني ـ اننا لو ميزنا بين الحبّ وبين الإرادة التشريعية بمعنى التحريك والدفع المولوي نحو الفعل وجعلنا هذا هو روح الحكم وحقيقته سواءً أبرزه بصيغة الاعتبار والإنشاء أو الاخبار ، وقلنا برجوع التخيير العقلي إلى الشرعي بلحاظ روح الحكم أي إرادة المولى التشريعيّة أو لزوم الترخيص في تطبيق الجامع على الفرد من الأمر به أو لزوم التهافت واجتماع الضدّين في اللحاظ. فالمحذور أعني التضاد باقٍ على حاله ، لأنَّ المولى لا يمكنه أَنْ يدفع المكلّف نحو الصلاة في الحمّام مثلاً ويمنعه عنها في ذات الوقت ، بل امَّا أَنْ يدفعه إليها أو يمنعه عنها فإذا ثبت انَّه يمنعه عنها تقيّد دفعه وتحريكه بغيرها من أفراد الطبيعة لا محالة.

وامّا تحقق المصلحة بالفرد المحرم أيضا فهذا وإنْ كان ممكناً ثبوتاً وموجباً لسقوط الأمر وعدم عقاب المكلَّف بتركه لسائر الأفراد إِلاّ انَّه لا يبرر الأمر بالجامع المنطبق على الفرد المحرم إذا كان روح الأمر وحقيقته الدفع والتحريك المولوي لا مجرد الملاك والمصلحة أو المحبوبيّة ولو الشأنية المبرزة بالأمر ، فيتعيّن للمولى إذا فرض اشتمال الفرد المحرم على مصلحة الواجب أَنْ يأخذ عدمه قيداً في موضوع الإرادة كما لو تحققت المصلحة بفعل الغير أو من نفسها لا أَنْ يأمر به فانه محال. ومنه يظهر ان ما أفيد من انَّ المولى يمكنه انْ يبقي أمره في الصورتين على الجامع ولكن لا يكشف عن المحبوبيّة التامة بل الناقصة أو لمجرد المصلحة بنفسه يشكل دليلاً على انَّ حقيقة الحكم وروحه ليست المحبوبيّة والمبغوضيّة بل التصدّي والتحريك المولوي المعبّر عنه بالإرادة والكراهة التشريعيتين المضاهيتين للإرادة والكراهة التكوينيتين وحينئذ لا بدَّ من ملاحظة التضاد والتمانع بلحاظ هذا المركز كما ذكرنا لا المحبوبيّة والمبغوضيّة.

٤٠