بحوث في علم الأصول - ج ٣

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٥

الثاني : أَنْ يكون المقصود من استيعاب المفهوم لافراد نفسه افتراض نسبة استيعابية في مرحلة المدلول اللفظي قائمة بين المفهوم وافراده ، وهذا الوجه يستدعي

__________________

وجميع فانها لا تدخل على المفرد فلا تقول كافة إنسان أو عموم عالم بل كافة الناس وعموم العلماء وهذا القسم بناء على المنهجة المذكورة يجب إلحاقها بالجمع المحلّى باللاّم من الدلالة على النسبة الاستيعابية بين الطبيعة المفاد عليها بمادة الجمع وبين الافراد والجمع المفاد بهيئة الجمع. والقسم الثاني ( كلّ ) الّذي يدخل على المفرد والجمع معاً إلاّ انَّ هذا أيضا من الواضح÷ عدم أخذ مفهوم التكثر والافراد فيه بنحو المعنى الاسمي بشهادة صحة إضافته إلى الفرد فيقال كل فرد من الإنسان دون أَنْ يلزم تناقض من ذلك أصلاً بل ( كلّ إنسان ) أيضا يدل على وحدة مدخول كل لمكان التنوين ولعلّه لذلك نجد عدم دخول كلّ على الجنس بل يدخل امّا على المفرد المنون أو على الجمع ، والحاصل انَّ مفهوم التكثر والافراد الاسمي غير مأخوذ لا في القسم الأول بشهادة احتياجه إلى مدخول يكون جمعاً أو ما بحكمه ولا يكفي أَنْ يكون مدخوله نفس الطبيعة ولا في القسم الثاني بشهادة صحة إضافته إلى مفهوم مناقض مع مفهوم التكثر والافراد. كما وإِنَّ دعوى أخذ مفهوم الاستيعاب فقط في مدلول العموم الاسمي بعيد أيضاً وإلاّ كان ينبغي إمكان تحصيل نفس المعنى بقولنا استيعاب العلماء ، أضف إلى ذلك انَّ كلّ عالم على هذا الأساس لا يكون فيه ما يدل على الافراد مع انه يفيد استيعابها بلا إشكال.

هذا ولعل الأوفق أَنْ يقال : بأنَّ أدوات العموم الاسمية على قسمين :

١ ـ ما يكون اسماً للمقدار وهو التمام في مقابل البعض من قبيل جميع وعموم وكافة ونحو ذلك فانها كأسماء المقادير يكون بمعنى التمام ولذلك تكون بحاجة إلى مضاف إليه يعين المتقدر بذلك المقدار دائما ويشترط أَن يكون الملحوظ فيه المتكثر امّا بلحاظ الافراد أو الاجزاء ولهذا يشترط ان يكون جمعاً أو بحكمه.

٢ ـ ما يكون كاسم الإشارة يشار به إلى واقع المصداق الخارجي للمدخول تارة على سبيل البدل كما في ( أي ) وأخرى في عرض واحد كما في ( كلّ ) على أحد معنييه فانَّ له إطلاقاً آخر يكون فيه من القسم السابق وذلك عند ما يضاف إلى الجمع أو إلى الاجزاء كما في قولك ( أكلت كلَّ السمكة ) ولهذا لم يكن يدخل هذا القسم على اسم الجنس ولا الجمع بل على المفرد المنكر فانَّ الإشارة لا تكون للجنس الدال على الطبيعة بما هي هي ، أو للجمع الّذي له مراتب متعددة بلا تعيين. ومما يؤيد ما نقول ملاحظة انَّ مرادف القسم الأول في الفارسية كلمة ( همه ) ومرادف القسم الثاني كلمة ( هر ) ، فيقال ( همه مردم وهر مردي ).

والجواب : الصحيح والّذي هو المقصود مما ذكر في المتن انه لا بدَّ من مفهوم آخر يدل على شمول افراد المفهوم الأول وهذا المفهوم في مثل جميع وكافة وعموم هو التمام المقابل للبعض ولكن باعتبار انَّ التمامية لا تتعقل بلحاظ الطبيعة بما هي هي فلا بدَّ من إضافتها إليها امّا بلحاظ اجزائها أو بلحاظ أفرادها ولذلك كان بحاجة إلى ما يدلّ على ذلك من هيئة الجمع أو إطلاق الطبيعة بلحاظ اجزاء نفسها.

وامّا ( كلّ ) فهي موضوعة للاستيعاب ومدخول هذا الاستيعاب إِنْ كان معرّفاً سواء كان مفرداً أو جمعاً فسوف يستفاد استيعاب تمام اجزاء المدخول من إطلاقه لاجزاء نفسه ، وإِنْ كان مفرداً منكراً فالتنكير يدل على الإشارة إلى فرد ما على سبيل البدل بين الافراد وكل يدل حينئذ على استيعاب تمام هذه الإشارات البدلية ومن هنا تستفاد الإشارة إلى تمام الافراد فلو كانت موضوعة للإشارة كيف تدخل على اسم الإشارة كما في مثل ( كلّ هذه الكتب )؟

إِنْ قلت : لو كانت كلمة ( كلّ ) موضوعة بإزاء مفهوم الاستيعاب الاسمي لأمكن تبديلها به مع وضوح عدم اقتناص نفس المعنى بذلك فلا يصح أَنْ نقول استيعاب رجل بدلاً عن كل رجل؟

قلنا : انَّ مفهوم الاستيعاب مفهوم كلي على حد أسماء الأجناس الأخرى بينما الملحوظ في ( كلّ ) واقع الاستيعاب الّذي هو من أطوار الوجود المشار إليه لا من أطوار الطبائع ولذلك لا يدخل على المضاف إليه الا بلحاظ وجوده الواقعي الأفرادي أو الأجزائي.

٢٢١

أطرافا ثلاثة في مرحلة اللفظ طرفا يدل على المفهوم وآخر على الافراد وثالث على النسبة الاستيعابية بينهما كما هو الحال في كل معنى اسمي وهذا هو الّذي سوف يأتي توضيحه في الجمع المحلّى باللام بناءً على افادته العموم ، ولذلك يختص هذا التفسير بالعموم بنحو المعنى الحرفي لا الاسمي فانه لا يوجد فيه أكثر من دالين والاستيعاب ملحوظ فيه بنحو المعنى الاسمي في الاسم المتمثل في كلّ أو جميع أو كافة.

فالصحيح أَنْ يقال في تعريف العموم : انه عبارة عن استيعاب مفهوم وضعا لافراد مفهوم آخر سواء كان الاستيعاب ذاتيا في المفهوم المستوعب أو بدال ثالث.

النقطة الثالثة ـ في أقسام العموم ، وقد قسم إلى ثلاثة أقسام :

العام الاستغراقي ـ وهو الّذي يكون الحكم فيه شاملا لجميع الافراد في عرض واحد.

والعام البدلي ـ وهو الّذي يثبت فيه الحكم على جميع الافراد بدلاً لا في عرض واحد.

والعام المجموعي ـ وهو الّذي يثبت فيه الحكم على الجميع كموضوع واحد مركب له حكم واحد.

وهناك عدة نظريات في تفسير هذه الأقسام من حيث كونها أقسام لكيفية العموم ثبوتا أو لا ـ مع قطع النّظر عن مرحلة ما وضع للدلالة على كل قسم لغة ـ وهي على ما يلي :

١ ـ نظرية صاحب الكفاية ( قده ) الّذي ادّعى فيها وحدة معنى العموم في الأقسام الثلاثة وهو الاستيعاب والشمول وامّا خصوصية الاستغراقية أو البدلية أو المجموعية فهي خارجة عن العموم بما هو عموم وتابعة لكيفية تعلق الحكم بموضوعه من كونه في عرض واحد أو على سبيل البدل أو كونه حكما واحداً لا أكثر (١).

__________________

وإنْ شئت قلت : انَّ ( كلّ ) يختلف عن ( جميع وعموم ) و( لام الجمع ) ، من حيث انَّ ( جميع وعموم ) وضع لمفهوم اسمي محدد هو مفهوم العموم ، وامّا ( كلّ ) فموضوع لمفهوم فارغ نظير ( دالة القضية ) في مصطلح الرياضيات ونظير أسماء الإشارة والموصولات فيحتاج إلى ملئه بمفهوم آخر هو المدخول وامّا اللازم فهو مفهوم نسبي لمدخوله لا انَّه بنفسه مفهوم مستقل بشهادة الوجدان وانَّ كل يعامل معها كأسماء الإشارة والموصولات من حيث انها هي التي تقع موضوعاً أو محمولاً في الكلام بخلاف اللام فان ما يقع موضوعاً مدخولها لا نفسها كما إذا كان مستعملاً بلا لام.

(١) كفاية الأصول ، ج ١ ، ص ٣٣٢

٢٢٢

وهذه النظرية مما لا يمكن المساعدة عليها لوضوح ثبوت الفرق بين العموم الاستغراقي في مثل ( كلّ عالم ) والعموم البدلي في مثل ( أي عالم ) بقطع النّظر عن تعلق الحكم بل بلحاظ مرحلة المدلول التصوري والأفرادي للجملة ، واما الفرق بين العموم الاستغراقي والمجموعي فسوف يتضح من خلال مناقشة النظرية الثانية التي تشترك مع هذه النظرية في هذا الجزء.

٢ ـ نظرية المحقق العراقي ( قده ) ، وقد حاول أَنْ يفرق فيها بين العموم البدلي والاستغراقي بأنَّ الفارق بينهما ثابت بقطع النّظر عن الحكم وتعلقه ولكنه خارج عن مدلول أداة العموم وراجع إلى كيفية ملاحظة مدخول الأداة ، حيث انه إذا كان المدخول الجنس دلت أداة العموم على الاستغراقية وامّا إذا كان المدخول النكرة فحيث انَّ التنكير ناشئ من أخذ قيد الوحدة فيه فلا محالة يكون العموم بدليا لا شمولياً وإلاّ كان خلف أخذ الوحدة. وهكذا جعل الاستغراقية والبدلية خارجتين عن العموم بما هو عموم وراجعتين إلى شئون مدخول العام. نعم المجموعية من شئون كيفية تعلق الحكم عنده كما ذكره أستاذه الخراسانيّ ( قده ) (١).

إلاّ انَّ هذه النظرية أيضاً مما لا يمكن المساعدة عليها في كلا جزأيها.

امّا الجزء الأول منها ، فكأنه مبنيٌّ على افتراض انَّ العموم هو استيعاب مفهوم لافراد نفسه ، وامّا إذا كان بمعنى استيعاب مفهوم لافراد مفهوم آخر فلا مانع من افتراض استيعاب مفهوم لتمام افراد مدخوله ولو كان منكراً بنحو الشمولية أو البدلية ، فكون المدخول قد أخذ فيه قيد الوحدة أو لا ، لا ينافي استيعاب الأداة لتمام افراد الآحاد بنحو الشمول أو استيعابها لها على البدل ، كما تقول كلّ واحد من الرّجال أو كل رجل بناءً على انَّ تنوينها للتنكير وكما تقول أيّاً من العلماء رغم انَّ مدخولها ليس منكَّراً.

وامّا الجزء الثاني ، فلأنه لو أُريد من وحدة الحكم وتعدده الموجب لصيرورة العام مجموعياً أو استغراقيا وحدة الحكم بمعنى الجعل فهو واحد فيهما ، وإِنْ أُريد وحدة المجعول فمن

__________________

(١) مقالات الأصول ، ج ١ ، ص ١٤٦

٢٢٣

الواضح انَّ المجعول تابع في وحدته وتعدده لما جعل موضوعا له فإذا كان موضوعه واحداً بالنوع ومنحلاً إلى افراد عديدة تعدد المجعول وإِنْ كان موضوعه واحداً بالشخص بأَنْ لوحظت الافراد كمركب واحد كل فرد جزء منه كان المجعول واحداً لا محالة ، فالوحدة والتعدد في الحكم تابع لكيفية موضوع الحكم من حيث كونه مجموع الافراد كمركب واحد أم لا.

٣ ـ فالصحيح النظرية الثالثة ، وهي النظرية القائلة بأنَّ هذه الأقسام متصورة ثبوتا للعام بما هو عام فالبدلية في ( أي عالمٍ ) والشمولية في ( كل عالمٍ ) مستفادتان من أداة العموم لا مدخولها فانه واحد فيها (١).

النقطة الرابعة : وربما يتصور انَّ أسماء الاعداد كعشرة مثلا من حيث استيعابها لما تحتها من الوحدات تكون من أدوات العموم ، وقد حاول المحقق الخراسانيّ رفع هذا التوهم بأنَّ العموم هو استيعاب الافراد لا الاجزاء والوحدات في أسماء العدد اجزاء لها لا افراد (١).

وفيه : انَّ العموم ـ كما تقدم ـ هو الاستيعاب وهو كما يكون بلحاظ الافراد كذلك يكون بلحاظ الاجزاء كما في قولك اقرأ كلَّ الكتاب.

والصحيح في الجواب أَنْ يقال : امّا على ما تقدم من انَّ العموم ما دل على استيعاب افراد مفهوم آخر فمن الواضح انَّ أسماء العدد لا تدل على استيعاب افراد مدخولها بل على استيعاب افراد نفسها فحرفية التعريف غير منطبقة في المقام.

وامّا بناءً على عدم اعتبار ذلك في التعريف فائضا لا تكون أسماء الاعداد من العموم لأنها لا تدل على الاستيعاب أصلا بل تدل على مفهوم مركب هو العدد ـ مهما كانت حقيقته ـ نظير سائر المركبات التي لا يتوهم كونها من العموم ، وحيثية شمول كل عدد لما يحتوي عليه من الوحدات حيثية واقعية في ذلك المفهوم المركب لا انَ

__________________

(١) لا ينبغي الإشكال في أنَّ المجموعية مستفادة من كيفية لحاظ مدخول أداة العموم في مثل ( كل العلماء ) وأنه يلحظ المجموع كأمر وحداني أو كأفراد للطبيعة فهذه الخصوصية خارجة عن مدلول أدوات العموم وراجعة إلي كيفية المدخول ، نعم مفهومي ( الجميع ) و( المجموع ) متغايران إلا أنهما مفهومان اسميان ينتزعان عن العموم المجموعي والعموم الاستغراقي.

(٢) كفاية الأصول ، ج ١ ، ص ٢٣٢

٢٢٤

الاحتواء والاستيعاب مدلول للفظ كما هو الحال في أدوات العموم. ويشهد لذلك دخول أدوات العموم عليها على حد سائر الطبائع فنقول ( أكرم كلَّ عشرة من العلماء دفعة واحدة) كما تقول ( أكرم كلَّ رجل و( أكرم كلَّ العشرة ) كما تقول ( اقرأ كلَّ السورة ).

النقطة الخامسة : لا إشكال في استعمال ( كلّ ) لاستيعاب الاجزاء تارة واستيعاب الافراد أخرى. والأداة موضوعة في المقامين لمعنى واحد هو واقع الاستيعاب وخصوصية كونه بلحاظ الاجزاء أو الافراد انما تستفاد بلحاظ المدخول.

وعلى هذا الضوء نقول : هناك ظاهرة واضحة هي انَّ ( كلّ ) كلما دخلت على المنكر إفادة الاستيعاب بلحاظ افراد الطبيعة بخلاف ما إذا دخلت على المعرف فانها تفيد استيعاب الاجزاء كما تقول ( اقرأ كل السورة ) ، وقد حاول المحقق العراقي ( قده ) ، على ما يستفاد من كلامه أَنْ يفسر ذلك على أساس انَّ اللام وضعت بطبعها للعهد والتعيين وهو ينافي التعدد الأفرادي ولذلك إذا ما انسلخ اسم الجنس عنها أمكن إفادة استيعاب الافراد.

وفيه :

أولاً ـ انَّ الملحوظ هو استيعاب الافراد دائما في موارد دخول كل على المنكر مع انَّ المانع لو كان هو اللام كان اللازم وقوع كلا الاستيعابين فيه.

وثانياً ـ انَّ المراد من التعيين إِنْ كان مطلق التعيين المساوق مع التعريف فمن الواضح انه لا ينافي مع التعدد الأفرادي كما في المعرف بلام الجنس ، وإِنْ كان المراد التعيين العهدي خاصة فاستفادة الاستيعاب الأجزائي ليست مختصة به بل هو جار في كل موارد المعرفة كما في قولك ( قرأت كلَّ كتابك ).

والصحيح في تعليل هذه الظاهرة أَنْ يقال : بأنَّ الأصل الأولى يقتضي أَنْ يستفاد من كل الاستيعاب بلحاظ اجزاء المدخول لأنَّ المفهوم المدخول عليه كل سواءً كان مفرداً أو جمعا تكون دلالته على اجزائه ثابتة بمقتضى إطلاقه الأولي ، وامّا ملاحظة الافراد منه فبحاجة إلى مئونة دال آخر ولو من قبيل تنوين التنكير الدال على البدلية المساوق مع الانتشار والإشارة إلى الافراد على سبيل البدل ولهذا كان قرينة على انَّ التكثر الملحوظ

٢٢٥

فيه والّذي يراد إفادة الاستيعاب بلحاظه ببركة الأداة انما هو الافراد لا الاجزاء.

ومنه يعرف : انَّ دخول كل على الجمع أو ما بحكمه كما في اسم الجمع يمكن أَنْ يكون العموم فيه باعتبار استيعابه لتمام اجزاء المدخول حيث تكون مراتب الجمع اجزاء فيه ، ويمكن أَنْ يكون باعتبار استيعابه لتمام افراد المدخول ، ولكن لا يبعد أَنْ يكون الأظهر فيه الأول ، كما هو الحال فيما إذا دخل على اسم العدد المعرف من قبيل كل العشرة. ودعوى : انَّ هذا ينافي صحة استثناء أحد الافراد فيقال ( قرأت كلّ الكتب أو الكتب العشرة إلاّ هذا الكتاب ) وعدم صحة أَنْ يقال ( إلاّ هذا الجزء من الكتاب ) مما يعني انَّ الاستيعاب افرادي لا أجزائي ، مدفوعة : بأنَّ اجزاء العشرة أو الجمع بما هو جمع انما هو مراتبه لا اجزاء آحاده والمفروض انَّ المدخول هو الجمع بما هو جمع.

نعم لو دخل كل على المثنى كما في قولك قرأت كل الكتابين أو كل هذين الاثنين كان ظاهرا في استيعاب اجزاء كل منهما لعدم مناسبة الاثنين مع التكثر والاستيعاب ، فيكون هذا بنفسه قرينة على النّظر إلى اجزاء كل منهما (١).

الجهة الثانية : في أدوات العموم والبحث عنها تارة : في أصل دلالتها على العموم والاستيعاب ، وأخرى في كيفيته من حيث الاستغراقية أو البدلية أو المجموعية.

__________________

(١) لعل الأوفق ان يقال : ( كل ) تدل على الاستيعاب الكمي لمدخوله في تمام الموارد بنحو واحد ، غاية الأمر إذا كان لمدخوله مصداق واحد مشخص في الخارج كان الاستيعاب بلحاظ اجزاء ذلك الوجود المشخص لا محالة ، وان كان لمدخوله وجودات متعددة كما في الطبيعة ذات الأفراد والمصاديق العرضية المتعددة كان الاستيعاب الوجوديّ بلحاظها لا محالة لأن استيعاب وجود الطبيعة في الخارج لا يكون الا بذلك سواء كان المدخول نكرة فيه تنوين أو معرفة ، ومن هنا نستفيد الاستيعاب الأفرادي من مثل قوله تعالى ( كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل ). ومنه يعرف ان ( كل ) التي تدخل على الجمع والمفرد بمعنى واحد ، وان دخولها على الجميع ليس الا بمعنى استيعاب الوجودات والمصاديق المتعددة لطبيعي الجمع أي الثلاثة لا بشرط من حيث الزيادة كدخولها على المفرد ومن هنا يكون الاستيعاب المستفاد منه أفرادياً بخلاف دخولها على العدد المعرف مثل ( كل العشرة ) كما يشهد بذلك الوجدان العرفي فليست مراتب الجمع ملحوظة كأجزاء في مثل قولنا ( أكرم كل العلماء أو كل علماء البلد ) وانما الملحوظ افراد العلماء ومصاديقهم ، بل لو كان الاستيعاب أجزائياً بلحاظ مراتب الجمع فما هو المحدد للجمع في المرتبة العليا دون غيرها من المراتب فان الاستيعاب الأجزائي لا يقتضي ذلك كما لا يخفى.

٢٢٦

« أسماء العموم »

وأول هذه الأدوات وأوضحها ( كلّ ) ولا إشكال في دلالتها على العموم وإِنْ أُثير تشكيك موهوم حول افادتها العموم من قبل بعض قدماء الأصوليين إلاّ انه تشكيك لا ينبغي الالتفات إليه ، وانما الّذي ينبغي البحث عنه تكييف هذه الدلالة وتخريجها لغوياً ، حيث انه وقع الخلاف بين الاعلام في ذلك ، وقد ذكر صاحب الكفاية ( قده ) تكييفين معقولين لإفادة ( كلّ ) لعموم مدخوله.

أحدهما : أَنْ تدل على استيعاب ما يراد من مدخوله.

الثاني : أَنْ تدل على استيعاب ما ينطبق عليه مدخوله.

والتكييف الأول يستلزم توقف العموم على تمامية الإطلاق ومقدمات الحكمة في المدخول مسبقاً لتحديد ما هو المراد منه ثم استيعاب افراده بخلاف التكييف الثاني الّذي يفترض فيه إفادة العموم والاستيعاب لتمام دائرة المدخول بنفس أداة العموم.

وقد اختار جملة من الأصوليين منهم المحقق النائيني ( قده ) (١). التكييف الأول ولا يبعد أَنْ يكون المشهور هو الثاني ، فوجد قولان.

اما القول الأول : وهو أَنْ يكون العموم في طول الإطلاق وتكون أداته موضوعة لاستيعاب افراد ما يراد من مدخولها ، فما ذكر أو يمكن أَنْ يذكر في سبيل نفيه عدة وجوه :

١ ـ ما ذكره السيد الأستاذ ، من لزوم لغوية الوضع والاستعمال لأنَّ المدخول إِنْ جرى فيه الإطلاق لم تكن بحاجة إلى العموم وإلاّ لم يجد دخول الأداة عليه شيئا ، فلا تبقى فائدة فيها حتى التأكيد فانَّ التأكيد انما يكون في دالين عرضيين لا طوليين بحيث لو ارتفع ملاك الأول يرتفع مقتضي الثاني (٢).

وهذا الوجه غير فني إذ يرد عليه :

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٤٤١

(٢) هامش المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٤٤١

٢٢٧

أولاً ـ انَّ الإطلاق ومقدمات الحكمة لا تقتضي أكثر من إثبات انَّ ما أُخذ موضوعا انما هو ذات الطبيعة بلا قيد وامّا التكثر الأفرادي فلا يُرى في مرحلة المدلول اللفظي بالإطلاق أصلاً ، على ما تقدمت الإشارة إليه في الجهة الأولى من الفصل الأول من هذا البحث ، وانما يفاد ذلك بأداة العموم حيث يفاد بها صورة ذهنية أخرى هي ملاحظة الافراد بما هي متكثرة (١) ولا يحتاج في تبرير الوضع أو الاستعمال إلى أكثر من تنويع الصور الذهنية في مقام المحاورة وإخطار المعاني إلي الذهن ولو فرض عدم الفرق بينهما بلحاظ أحكام الشارع ، على انَّ هذا قد يترتب عليه الأثر الشرعي باستظهار انَّ مركز الحكم المجعول وموضوعه انما هو الفرد بما هو فرد لا الطبيعة.

وثانيا ـ انَّ الطولية انما هي بين الاستيعاب والإطلاق أي كون المدخول غير مقيد ، وامّا خصوصية شمولية الإطلاق فهي مستفادة بدال آخر ولو كان قرينة عامة من قبيل وقوعه موضوعا للحكم مثلا ، وبالجملة خصوصيتي البدلية أو الشمولية انما تستفاد في المطلقات من دال آخر عقلي أو عرفي على ما أشرنا إليه مراراً ، والاستيعاب المفاد بالأداة ليس في طول الدال على هذه الخصوصية بل في عرضه فيمكن أَنْ تكون مؤكدة له وبذلك ترتفع اللغوية.

وثالثا ـ إذا كان المقصود توقف العموم على تحديد ما يراد من مدخوله في نفسه وبلحاظ العموم لا ما يراد من الحكم جداً المستفاد بالإطلاق ومقدمات الحكمة ولو لم تدخل الأداة فلا طولية بين مفاد الإطلاق ومقدمات الحكمة وبين الأداة ليكون لغواً فانه وإِنْ كان فيه تطويل للمسافة ولكنه صورة ذهنية أخرى يكون موضوع الحكم فيه هو العموم ولكن لوحظ الإطلاق في مدخوله بلحاظ ، وهذا في الواقع جانب آخر لعدم اللغوية في الوضع والاستعمال بلحاظ ما هو غرض الوضع والاستعمال كما ذكرنا

__________________

(١) في هذا التعبير مسامحة فان حقيقة العموم ليست بالدلالة على التكثر الأفرادي بدليل عدم وجوده في الاستيعاب الأجزائي في جملة ( أكلت كل السمكة ) وبدليل وجود التكثر الأفرادي في المطلق أيضاً كما في الجمع المضاف من قبيل « أكرم علماء البلد » وانما المقصود ان هناك مدلولاً تصورياً زائداً يفاد بأدوات العموم هو مفهوم الاستيعاب لتمام وجود مدخولها في الخارج وهذا المفهوم لا يستفاد بالإطلاق ومقدمات الحكمة في مرحلة المدلول التصوري وان افترض ان النتيجة بحسب المدلول الجدي والظهور التصديقي واحدة.

٢٢٨

أولاً ، فهذا الجواب مع الجواب الأول بروح واحدة (١).

ورابعا ـ انَّ ( كلّ ) تدل على عرضية الاستيعاب وعدم بدليته وهي تدخل على ما لا يستفاد منه عرضية الاستيعاب لولاه بالإطلاق ومقدمات الحكمة كما في كلّ رجل بناءً على انَّ تنوينه للتنكير وإِنْ كان قد تدخل على ما يستفاد منه ذلك كما في كل العلماء ، فالحاصل الاستيعاب المفاد بكلّ ليس في طول الاستيعاب الحكمي دائماً لكي يكون لغواً ، ومثله يقال في الأداة الموضوعة للاستيعاب البدلي من أدوات العموم.

٢ ـ ما ذكره المحقق الأصفهاني ، من استلزامه دخول الاستيعاب على المستوعب وهو مستحيل لأنه من قبول المماثل لمماثله وهو غير معقول (١).

وهذا الوجه غير صحيح أيضا إذ يرد عليه :

أولا ـ ما اتضح من خلال مناقشة الوجه السابق من انَّ الشمولية والاستيعاب المستفادة من الإطلاق ومقدمات الحكمة شمولية بلحاظ مرحلة التطبيق والتحليل لا بلحاظ مرحلة التصور ، بل بلحاظ هذه المرحلة لا يستفاد من الإطلاق إلاّ كون الموضوع ذات الطبيعة بلا قيد ، وهذا بخلاف الاستيعاب الأداتي فليس الاستيعابان من سنخ واحد كي يقال بأنه من قبول المماثل لمماثله.

وثانيا ـ ليكن هذا من قبيل ( كلّ العلماء ) بناءً على إفادة الجمع المحلّى باللام للعموم في نفسه وكذلك ( كلّ الكتاب ) بلحاظ اجزائه ، والحل بأنَّ مركز أحد الاستيعابين غير مركز الاستيعاب الاخر فانَّ الاستيعاب الأول مركزه المدخول والثاني مركزه نفس أداة العموم الاسمي.

وثالثا ـ انَّ الاستيعاب مدلول الدالين ، أحدهما الأداة والثاني الإطلاق ولا مانع منه والطولية وإِنْ كانت إلاّ انها طولية بين الدالين لا المدلولين فلا يلزم تعدد في الاستيعاب

__________________

(١) قد يقال : انه لا معنى لإجراء الإطلاق في المدخول بلحاظ العموم لأنه انما يجري بلحاظ الحكم الّذي هو مدلول تصديقي ولا معنى لإجرائه بلحاظ المداليل التصورية الإفرادية.

الجواب : انَّ هذا التفات إلى إبطال أصل هذا القول وعلى كل حال فهذا الجواب مبنيٌّ على التغاضي عن هذاا لإشكال.

(٢) نهاية الدراية ، ج ١ ، ص ٣٣٥

٢٢٩

أصلا حتى يكون من اجتماع المثلين.

٣ ـ ما ذكره السيد الأستاذ ، من انَّ هذا القول له لازم باطل وهو عدم إمكان التصريح بالعموم أصلا لكونه دائما في طول الإطلاق ومقدمات الحكمة وهو خلاف الوجدان العرفي (١).

وفيه : انه إِنْ أُريد دعوى عدم إمكان التصريح بالعموم بمجرد أداة العموم من قبيل ( كل عالم ) لكونه موقوفا على مقدمات الحكمة فيكون في قوتها فهذا هو مدّعى أصحاب هذا القول بحسب الفرض ، وإِن أُريد عدم إمكان التصريح بالعموم والاستيعاب أصلا وبأي وجه فمن الواضح انه يمكن ذلك عن طريق النّظر إلى موضوع الحكم لإفادة انه غير مقيد وانه مطلق كما إذا قال موضوع حكمي هو العالم بلا قيد ومطلقا فتكون الدلالة على عدم القيد دلالة لفظية لا سكوتية حكمية.

ومن المحتمل أَنْ يكون مراده مجرد دعوى وضوح صراحة العموم في الاستيعاب بخلاف الإطلاق وهذا ما سوف نبينه إن شاء الله تعالى فيما يأتي ، إلاّ انَّ عبارته لا تساعد على إرادة هذا المعنى.

٤ ـ ما هو الاعتراض الصحيح والمختار على هذه الفرضية وحاصله :

انَّ المقصود من استيعاب المراد من المدخول يمكن أَنْ يكون أحد الاحتمالات التالية :

١ ـ أَنْ يقصد استيعاب تمام المراد الجدي من المدخول ، وباعتبار انَّ المراد الجدّي يحدد بالإطلاق ومقدمات الحكمة كان العموم في طوله.

وهذا الاحتمال يلزم منه توال فاسدة عديدة.

منها ـ أَنْ لا يكون لأداة العموم مدلول حيث لا يكون مراد جدي للمتكلم كما في موارد الهزل مع انه لا إشكال في انحفاظ المدلول فيه.

ومنها ـ أَنْ لا يكون ارتباط بين معنى مدخول الأداة وبين سائر مفردات الجملة بحسب مرحلة المدلول التصوري والاستعمالي للكلام ، وهذا يعني تفكك الجملة وعدم

__________________

(١) هامش أجود التقريرات ، ج ١ ، ص ٤٤١

٢٣٠

الترابط بين مفرداتها بحسب هذه المرحلة وهو واضح البطلان.

ومنها ـ التهافت في اللحاظ وذلك باعتبار انَّ مدخول الأداة إذا ما كان هو المراد الجدي لما يقع بعدها فالمراد الجدي منه يكون في طول مدلول الجملة التامة ـ لأنه طرف فيه والمراد جعله بما هو طرف للإرادة الجدية مدخولاً للأداة ـ مع انه بحسب مرحلة المدلول التصوري للفظ يراد مدلول الجملة التامة ـ كالنسبة الإرسالية في أكرم كل عالم ـ في طول مدلول أداة العموم ومتأخراً عنه ، والطولية الأولى وان كانت ثبوتية تصديقية بينما الطولية الثانية تصورية إثباتية الا انه باعتبار حضور المدلول التصديقي وتعلق الإرادة الجدية في نفس المتكلم بهذا المعنى يلزم التهافت في اللحاظ.

٢ ـ أَنْ يراد دلالة الأداة على استيعاب افراد تمام المراد الاستعمالي للمدخول.

ويرد عليه : انَّ المراد الاستعمالي يتحدد بأصالة الحقيقة فانَّ مقتضاها انه لم يستعمل اللفظ في المقيد وإلاّ كان مجازاً ، لاتفاقهم على انَّ استعمال العام في الخاصّ بما هو خاص مجاز فإذا انتفى ذلك تعين أَنْ يكون قد استعمله في ذات الطبيعة ـ التي هي المدلول الوضعي لاسم الجنس ـ وتكون مطلقة بالحمل الشائع فتكون الأداة دالة على استيعاب تمام الافراد بلا حاجة إلى الإطلاق ومقدمات الحكمة. وبكلمة موجزة :

المراد الاستعمالي بمقتضى عدم المجازية هو نفس المدلول الوضعي فترجع هذه الفرضية على هذا الاحتمال إلى فرضية المحقق الخراسانيّ لا محالة.

٣ ـ أَنْ يراد دلالة الأداة على استيعاب ما يتصوره المتكلم من المدخول في مقام الاستعمال ، وحيث انَّ اسم الجنس موضوع للطبيعة المهملة والمتكلم لا يمكن أَنْ يتصورها الا مطلقا أو مع القيد فيحتاج إلى مقدمات الحكمة لإحراز انه تصور القيد مع الطبيعة أم لا.

وفيه :

١ ـ انه يؤدي إلى أخذ مفهوم غريب عن معنى الأداة في مدلولها لأن عندنا في المقام ثلاثة دوال الأداة واسم الجنس المدخول لها وهيئة الإضافة وبعد وضوح عدم وضع المدخول إلاّ لذات الطبيعة وهيئة الإضافة إلاّ للنسبة الناقصة كان لا بدَّ وأَنْ تستفاد

٢٣١

خصوصية تحديد ما هو تصور المتكلم عن المدخول من حيث الإطلاق والتقييد من الأداة بأخذه في معناها وهو واضح البطلان.

٢ ـ لا يوجد أصل عقلائي يقضي بتحديد ما هي تصورات المتكلم عن اللفظ في مقام الاستعمال وانما الموجود أصالة الحقيقة التي يحدد على ضوئها انَّ المتكلم يقصد المعنى الموضوع له اللفظ وأصالة الإطلاق التي يحدد على ضوئها المدلول التصديقي ، ثم ان هذه الاحتمالات كلها تشترك في افتراض أخذ خصوصية في مدلول الأداة الوضعي والاستعمالي زائداً على مفهوم الاستيعاب مع الاختلاف في تحديد واقع تلك الخصوصية بالمراد الجدي تارة والاستعمالي أخرى وتصور المتكلم ثالثة.

٤ ـ وهناك احتمال رابع يقابل كل تلك الاحتمالات حيث لا يشاركها في الافتراض المذكور ، وهو أَنْ يقال : بأنَّ الأداة وإِنْ كانت غير موضوعة إلاّ بإزاء الاستيعاب المضاف إلى مدلول مدخوله فبلحاظ المدلول الاستعمالي المعنى محدد ومتعين بلا حاجة إلى إجراء مقدمات الحكمة إلاّ انَّ تحديد المدلول التصديقي والاقتناع بأنَّ حكم المولى في عالم الثبوت عام ومستوعب لتمام الافراد لا يمكن إلاّ بأَنْ نجري الإطلاق حيث يحتمل أَنْ يكون موضوع استيعاب الحكم ثبوتا هو المقيد وهذا الاحتمال لا رافع له إلاّ مقدمات الحكمة.

والجواب : انه بعد تسليم دلالة الأداة على الاستيعاب فبإضافة هذا المفهوم إلى مدلول المدخول سوف يستفاد بحسب مرحلة المدلول التصوري والاستعمالي للكلام الدلالة على استيعاب الحكم لتمام الافراد فلو كان المراد الجدي والمدلول التصديقي مقيداً كان منافياً لأصالة الجد التي هي ظهور ثابت في تمام موارد الدلالات الوضعيّة للكلام بنكتة انّ المتكلم يريد ما يقوله وهذا غير أصالة الإطلاق التي يشكِّل ظهوراً بنكتة انَّ المتكلم لا يريد ما لا يقوله ـ والّذي هو أضعف درجةً ـ فانه في موارد الإطلاق حيث انَّ اللفظ لا يدل على أكثر من ذات الطبيعة وهي مرادة للمتكلم على كل حال فلا بدَّ في نفي إرادته للمقيد من التمسك بالظهور السكوتي المذكور ولا يكفي الظهور الأول وهذا بخلاف المقام وسائر موارد الدلالات الوضعيّة.

وهكذا يتضح عدم الحاجة إلى إجراء الإطلاق ومقدمات الحكمة في مدخول الأداة.

٢٣٢

لكن يبقى الكلام عن الدليل الّذي ساق المحقق النائيني ( قده ) إلى القول بهذه الفرضية والّذي لو تم يكون اعتراضا على القول الآخر.

وحاصل ما يمكن جعله دليلاً فنياً على مقالة الميرزا :

انَّ اسم الجنس موضوع للطبيعة المهملة الجامع بين المطلقة والمقيدة والبشرط لا ـ ويقصد بالأخير الماهية المجردة عن الخصوصيات الخارجية التي تقع موضوعا في المعقولات الثانوية كقولنا الإنسان نوع ـ والطبيعة المهملة بهذا المعنى يستحيل أَنْ تنطبق على الافراد الخارجية لكونها جامعة بين ما يقبل الانطباق وهي المطلقة وما لا يقبل الانطباق على جميع الافراد وهي المقيدة فضلا عن المجردة والجامع بين ما يقبل الانطباق وما لا يقبل الانطباق لا يقبل الانطباق ، وأداة العموم لا يمكنها أَن تدل على العموم إلاّ إذا كان مدخولها مما يقبل الانطباق والصدق على تمام الافراد الخارجية وهذا واضح.

وعلى هذا الأساس فانْ ادّعي دلالة الأداة على استيعاب المدلول الوضعي للمدخول فهو مستحيل كما قلنا ، وإِنْ ادّعي دلالتها على استيعاب افراد المدخول بعد الدلالة على تحديده في الطبيعة المطلقة فانْ أُريد دلالتها على ذلك جمعا فهو واضح البطلان إذ لا يوجد للأداة إلاّ ما يوجد لغيرها من معنى واحد لا معنيين طوليين أحدهما إطلاق المدخول والآخر استيعاب افراده ، وإِنْ أُريد دلالتها فقط على انَّ مدخولها الطبيعة المطلقة فهو خلف استفادة مفهوم الاستيعاب والعموم منها ، فيتعين أَنْ يكون تحديد المدخول في الطبيعة المطلقة القابلة للانطباق على جميع الافراد بالإطلاق ومقدمات الحكمة.

وبهذا التقرير يظهر انَّ ما أفاده السيد الأستاذ في محاولة لإبطال مستند هذه الفرضية من انَّ الأداة هي التي تدل على انَّ مدخولها عبارة عن الطبيعة المطلقة غير تام (١).

__________________

(١) مضافا : إلى انها لو جعلت قرينة على ان مدخولها مستعمل في الطبيعة المطلقة لزم المجاز ، ولو جعلت قرينة على أن المدلول التصديقي ذلك معناه عدم وجود مدلول تصوري لها وعدم الفرق في هذه المرحلة بين العمومات والمطلقات وهو واضح الفساد كما تقدم.

٢٣٣

والصحيح في الجواب على هذه الشبهة : ما أشرنا إليه من خلال ما تقدم من انَّ المدلول الوضعي الاستعمالي لاسم الجنس وإِنْ لم يؤخذ فيه الإطلاق ولا التقييد إلاّ انه تكون مطلقة بالحمل الشائع عند ما لا يتعقبه قيد إذ لا يراد بالمطلقة إلاّ أَنْ تتصور الطبيعة ولا يتصور معها قيد لا أَنْ يتصور معها عدم القيد ، وهذا يحصل من نفس إطلاق اسم الجنس من دون قيد بعد إحراز عدم استعماله في المقيد بأصالة الحقيقة وبهذا يكون مدخول الأداة قابلا للانطباق على الافراد بذاته بلا حاجة إلى إجراء مقدمات الحكمة فيمكن أَنْ تدل الأداة على استيعاب تمام ما ينطبق عليه.

وربما يحاول الجواب على هذا البيان بتقريب آخر حاصله : انَّ ذات الطبيعة المعبر عنها بالطبيعة المهملة والموضوع بإزائها اسم الجنس هي المعنى المستعمل فيه اللفظ ، وهي باعتبارها جامعا بين المطلقة وغيرها والمطلقة منطبقة على الافراد تكون منطبقة على الافراد أيضا فانَّ الجامع بين ما ينطبق ولا ينطبق لا بد وأن ينطبق ببرهان : انَّ الجامع موجود ضمن فرده وهو المطلقة فإذا كان الفرد ينطبق في مورد كان الجامع منطبقا عليه أيضاً فتدل أداة العموم على استيعاب تمام الافراد بلا حاجة إلى تحديد المدخول في الطبيعة المطلقة وإلاّ لورد النقض بعملية الوضع فانَّ العلقة الوضعيّة أيضا حكم من قبل الواضع يربط فيه بين اللفظ وذات الطبيعة المهملة مع انَّ هذا الحكم يسري إلى تمام الحصص ، فكذلك يقال في المقام انَّ الاستيعاب حكم للطبيعة المهملة التي هي المدلول الوضعي ويسري بذلك إلى تمام الافراد.

والجواب على هذا البيان بنحو تتضح حقيقة المقصود في المقام يتوقف على توضيح حقيقة الطبيعة المطلقة والطبيعة المقيدة ونسبة الطبيعة المهملة إليهما ، فنقول : الطبيعة المطلقة عبارة عن رؤية ذات طبيعة مع عدم رؤية القيد معها وخصوصية عدم لحاظ الخصوصية خصوصية للرؤية لا للمرئي ـ كيف وهو أمر تصديقي وليس تصورياً ، إذ المقصود عدم اللحاظ حقيقة لا تصور عدم اللحاظ ـ ولكنها حيثية تعليلية لأنْ يكون المرئي بالرؤية الإطلاقية موسعا منطبقا على تمام الافراد ، وهذا يعني انَّ الإطلاق خصوصية في اللحاظ والرؤية الذهنية تؤدي إلى أَنْ يكون المرئي والملحوظ بتلك الرؤية منطبقا على الافراد.

٢٣٤

وامّا الطبيعة المقيدة فهي عبارة عن رؤية الطبيعة مع القيد أي مع لحاظه ، ولحاظ القيد وإِنْ كان خصوصية واقعية كعدم اللحاظ ولكنه في نفس الوقت له ملحوظ ومرئي إذ كل رؤية تستلزم وجود مرئي لا محالة ، ولذلك يتقيد انطباق المرئي بهذه الرؤية بمورد وجود القيد وهذا يعني انَّ الطبيعة المقيدة وإِنْ كان واقعها رؤية ذهنية مباينة مع الرؤية الإطلاقية ولكن بلحاظ مرئيها بينهما نسبة الأقل إلى الأكثر.

وامّا الطبيعة المهملة فهي عبارة عن ذات الطبيعة معرّاة عن خصوصية الإطلاق أيضا فضلا عن القيود ، ولكنك قد عرفت انَّ الإطلاق خصوصية في الرؤية واللحاظ لا في المرئي وهذا يعني انَّ الطبيعة المهملة هي عين الطبيعة المطلقة والمقيدة لا انها جامعة بينهما نظير جامعية الحيوان للإنسان والفرس ، وانما لا تنطبق على الافراد مع انها عين المطلقة المنطبقة عليها باعتبار فقدانها لخصوصية النظرة الإطلاقية حيث تقدم انَّ هذه الخصوصية هي الحيثية التعليلية المستوجبة لسعة الطبيعة وانطباقها على كلّ الأفراد ، وهكذا يتّضح انَّ جامعية الطبيعة المهملة ليست بمعنى الكلّي والفرد لكي يرد فيه البرهان المتقدّم.

وامّا النقض فجوابه قد اتضح على ضوء ما تقدم ، فانَّ الوضع حاله حال أيّ حكم آخر على الطبيعة من حيث انَّ موضوعه حين الحكم وإِنْ كان الطبيعة المطلقة غير انَّ خصوصية الإطلاق ليست جزء من المحكوم عليه وإلاّ لم يكن ينطبق على الخارج إذ لا يمكن أَنْ يوجد فيه الطبيعة بقيد الإطلاق وانما هي خصوصية في النّظر والرؤية تصبح حيثية تعليلية لسعة الطبيعة وامّا المرئي والمحكوم عليه فهو ذات الطبيعة ، وكذلك الحال في المقام فانَّ موضوع الاستيعاب هو الطبيعة المطلقة ولكن لا بأن تكون حيثية الإطلاق جزء من المدلول الاستعمالي فانها ليست من شئون المرئي والمتصور لكي تكون كذلك بل من شئون نفس اللحاظ والرؤية الذهنية واما المحكوم عليه بالاستيعاب فذات الطبيعة المرئية والمنطبقة على الافراد الخارجية.

وهكذا يتضح : انه لا معنى لدلالة الأداة على استيعاب مدخوله وهو مدلول اسم الجنس الّذي هو ذات الطبيعة إلاّ بأَنْ يكون الملحوظ الطبيعة المطلقة بالحمل الشائع فانه بهذه الرؤية نستطيع الحكم بالاستيعاب على ذات الطبيعة وامّا الطبيعة بما هي

٢٣٥

مجردة عن الرؤية الإطلاقية والتقييدية ـ المسمّى بالطبيعة المهملة ـ فليست مرئية لكي يعقل أَنْ تقع موضوعا لحكم سواءً كان ذلك الحكم الوضع أو الاستيعاب أو غير ذلك من الأحكام ، وأيّ طبيعة تفترض رؤيتها فهي ليست إلاّ المطلقة بالحمل الشائع أو المقيدة وإلاّ كان من ارتفاع النقيضين المحال كما هو واضح ، فالصحيح في الاعتراض على المحقق النائيني ( قده ) ما ذكرناه من انَّ إثبات كون مدخول الأداة هو الطبيعة المطلقة بالحمل الشائع لا يحتاج إلى الإطلاق ومقدمات الحكمة وانما يكفي نفس ذكر اسم الجنس وعدم ذكر القيد معه فإذا أضيف إليه مدلول الأداة تمت الدلالة اللفظية على استيعاب تمام الافراد التي تنطبق عليها الطبيعة فتكون إرادة الخاصّ ثبوتاً خلاف الظهور الإثباتي الّذي هو ملاك جميع الدلالات الوضعيّة لا الظهور السلبي السكوتي الّذي هو ملاك الدلالات الإطلاقية ، صحيح انَّ المتكلم لو كان قد قيّدَ مدخول الأداة وأفاد الخصوص إثباتاً لم يكن بذلك قد استعمل الأداة مجازاً في غير ما وضعت له إلاّ انَّ الدلالة الإثباتية الوضعيّة ليست بملاك أَنْ تكون إفادة غيرها بذلك اللفظ منحصراً بالمجاز ، وانما بملاك إفادة المعنى المطلوب بحسب مرحلة الدلالة اللفظية التصورية التي تحصل في المقام من إضافة مدلول الأداة إلى مدلول مدخولها حيث يفاد بذلك تصور العموم واستيعاب تمام افراد الطبيعة ، كيف ولو كان ملاك الدلالة الإثباتية ذلك لكان التصريح بالإطلاق والاستيعاب وعدم القيد دلالة إطلاقية لا إثباتية وضعية كما إذا قال ( أكرم مطلق العلماء ) لعدم المجازية فيما لو قيده بالعدول مع انه لا إشكال في انَّ هذا ليس من الإطلاق ولا متوقف على مقدماته. كما هو واضح ولعل التباس هذه النقطة هو مبرر نشوء الفرضية التي تبناها المحقق النائيني ( قده ) ثم أن هناك بحثاً حول نوعية العموم المستفاد من كلمة ( كل ) أهي العموم الاستغراقي أم المجموعي بعد وضوح عدم وضعها بإزاء العموم البدلي؟ فقد يقال : بان مقتضى الأصل في ( كل ) إفادة العموم الاستغراقي وامّا المجموعي فبحاجة إلى عناية زائدة منفية بالإطلاق بدعوى ان المجموعية ـ على ما تقدم ـ تتوقف على ملاحظة أمر زائد على ذات الافراد يكون به مركباً وحدانيا يمثل كل فرد جزءاً فيه.

وقد يقال بالعكس وانَّ العموم المجموعي هو المفاد الأولي لأداة ( كلّ ) باعتبار انه

٢٣٦

لا بدَّ من افتراض وجود معنى وحداني للأداة توحد فيه الافراد المتكثرة ، وامّا الدلالة على الافراد المتكثرة بما هي متكثرة فهي معانٍ متكثرة لا يمكن أَنْ تكون مدلولاً للأداة الواحدة.

والتحقيق أَنْ يقال : بأنَّ مدلول أداة العموم وإِنْ كان يقتضي توحيد المتكثرات في معنى وحداني يكون هو موضوع النسبة أو الحكم في الكلام ، إلاّ انَّ هذا التّوحد انما هو من شئون الاستعمال وإراءة المعنى وليس حيثية مأخوذة في المراد ولذلك لا يقتضي أصالة الجدّ والتطابق بين الثبوت والإثبات دخلها في موضوع الحكم ، وانما لا بدَّ من ملاحظة ما هو الملحوظ من خلال هذا المعنى الوحدانيّ المتمثل في مدخول ( كلّ ) فان كان امراً واحداً ولو باعتبار ثابت في مرحلة أسبق بقطع النّظر عن طروّ الأداة كان مقتضى الأصل كونه هو موضوع الحكم كما في ( كلّ العسكر وكلّ القوم ) وإِنْ لم يكن كذلك كان مقتضى الأصل أَن يكون كل فرد موضوعاً مستقلاً فيكون العموم استغراقياً كما في ( كلّ عالم ) وامّا ( كلّ العلماء ) فاستفادة الاستغراقية منه مبتنية على النكتة التي سوف نثبت بها دلالة الجمع المحلّى باللام على العموم.

وعلى هذا الأساس يمكن أَنْ نفسر وجه الفرق بين دخول ( كلّ ) على المفرد النكرة من قبيل ( كلّ كتاب ) ودخوله على المفرد المعرف باللام كما في ( كل الكتاب ) حيث انه في الحالة الأولى يكون ظاهراً في الاستغراقية بلحاظ الافراد بحيث يكون كل فرد موضوعا مستقلا للحكم بينما في الحالة الثانية لا يكون كل جزء من الكتاب موضوعا مستقلا للحكم بل المجموع الّذي له وحدة بقطع النّظر عن دخول أداة العموم موضوع واحد للحكم.

ولعله يشهد على هذا التمييز ما ذكره النحاة من انَّ كلمة ( كلّ ) إذا دخلت على النكرة كانت في الافراد والجمع والتأنيث والتذكير تابعة لمدخولها بخلاف ما إذا دخلت على المعرفة فيجوز فيها الوجهان حينئذ ، فانه إذا كانت داخلة على النكرة كانت ظاهرة في الاستغراقية التي لا تلحظ فيها توحد المتكثرات وإِنْ كان هناك وحدة في مرحلة الاستعمال والرؤية ، بخلاف ما إذا كانت داخلة على المعرفة فتكون ظاهرة في كون المجموع ملحوظا كشيء واحد على أساس النكتة المتقدمة.

٢٣٧

« الجمع المحلّى باللام »

ومن جملة ما ادّعي افادته للعموم دخول اللام على الجمع.

والبحث عن ذلك يقع أولاً في كيفية إمكان تصوير دلالة الجمع المحلّى باللام على العموم ثبوتا ، وثانيا في تحقيق دلالته على ذلك إثباتا ، وثالثا في نوعية العموم المدّعى استفادته منه هل انه استغراقي أو مجموعي؟

اما البحث الثبوتي ، فتارة : يقع الحديث على ضوء تفسير المحقق الخراسانيّ ( قده ) ، للعموم بأنه استيعاب مفهوم لافراد نفسه ، وأخرى على ضوء ما حققناه من انه استيعاب مفهوم لافراد مفهوم آخر.

امّا على التفسير الأول فلا إشكال في انَّ الجمع المحلّى يشتمل على ثلاث دوال ، مادة الجمع وهيئته واللام ، ولا كلام في مدلول مادة الجمع وانما البحث في المقام عن مدلول الدالين الآخرين ، وحينئذ يقال : انَّ هيئة الجمع تارة يفترض انَّ مدلولها معنى اسمي هو المتعدد من افراد المادة وأخرى : يفرض انَّ مدلولها معنى حرفي فقط شأن جميع الهيئات ، امّا على الفرض الأول فيمكن تصوير كيفية دلالة الجمع المحلّى باللام على استيعاب الجمع لافراد نفسه بعدة وجوه.

١ ـ أَنْ يقال باستيعابه تمام الافراد باعتبار اندراج كل فرد تحت الجمع.

وفيه : انَّ العموم بحسب الفرض استيعاب المفهوم لمصاديق نفسه والفرد ليس مصداقا للجمع كي يكون مقتضى استيعاب الجمع لتمام مصاديق نفسه شموله لكل فرد.

٢ ـ أَنْ يقال بدلالته على استيعاب كل ثلاثة ثلاثة فيكون كل فرد داخلا باعتباره جزء للثلاثة.

وفيه : انَّ الثلاثة أحد مراتب الجمع ومصاديقه ومقتضى العموم استيعاب جميع الافراد التي منها الأربعة أربعة والخمسة خمسة وهكذا.

٣ ـ أَنْ يقال بدلالته على استيعاب تمام مراتب الجمع المتمثل خارجا في المرتبة العليا المشتملة على جميع الافراد ، وهذا بحسب الحقيقة والدقة وإِنْ لم يكن استيعابا لتمام

٢٣٨

مصاديق الجمع لأنَّ المرتبة العليا هي إحدى المصاديق لا جميعها ولكن باعتبار دخول المراتب الأخرى تحتها فكأنها جميع تلك المراتب أي ان اللام تكون قرينة على إرادة هذه المرتبة من مدخولها الجمع.

٤ ـ أَنْ يقال بدلالته على استيعاب تمام المراتب بحسب المدلول التصوري أي كل ثلاثة ثلاثة ، وأربعة أربعة ، وخمسة خمسة مع حذف المتكرّرات بحسب المدلول الجدّي بنكتة ارتكازية انَّ كل فرد لا تثبت له أحكام متعددة باعتبار إمكانية دخوله تحت مجاميع متعددة.

وامّا على الفرض الآخر الّذي يفترض فيه انَّ مدلول هيئة الجمع معنى حرفي بحت كما في الهيئات الأخرى أي تدل على استيعاب المادة لأفرادها فيمكن تصوير استيعاب الجمع لافراد نفسه بعدة أنحاء.

١ ـ أَنْ يقال بطرو اللام وهيئة الجمع على مادته كالعالم في عرض واحد فيدل كل منهما على استيعابها لافراد نفسها بنحو المعنى الحرفي النسبي إلاّ انَّ هيئة الجمع تدل على استيعاب ثلاثة فصاعداً من دون تعيين بخلاف اللام.

وهذا يبعده اننا لا نفهم استيعاب مادة الجمع لشيء من افراده مرتين في عرض واحد (١).

٢ ـ أَنْ يكون كل من اللام وهيئة الجمع بمجموعهما دالاً على استيعاب المادة لتمام افرادها بنحو المعنى الحرفي.

وهذا يبعده لزوم تعدد الوضع لهيئة الجمع واختلاف مدلولها في موارد دخول اللام عليها عن موارد عدم دخوله.

٣ ـ أَنْ يكون الدالان الحرفيان طوليين بحسب المعنى كما هما كذلك بحسب الترتيب والتنسيق اللفظي فتدل اللام على النسبة الاستيعابية بين مدلول مادة الجمع المستوعبة ببركة مدلول هيئة الجمع استيعابا ثلاثيا وبين الافراد بأحد الوجوه المتقدمة

__________________

(١) هذا مضافا إلى لزوم دعوى كون اللام تفيد استيعاب مدخولها ولو لم يكن جمعاً لأنَّ المفروض بحسب المعنى عدم كون مدلول هيئة الجمع جزءً من مدخول اللام بل هو دال آخر له مدلول آخر عرضي نظير سائر النسب والتقييدات المفادة بدوال أخرى.

٢٣٩

بناءً على كون مدلول هيئة الجمع اسمياً لا حرفيا.

وعلى كل حال يرد على كل هذه الوجوه فساد المبنى ، حيث تبيّن مما تقدم انَّ المفهوم الواحد لا يمكنه أَنْ يستوعب افراد نفسه وانَّ دعوى كون الطبيعة تارة تلحظ بما هي هي وأخرى بما هي فانية في افرادها لا أساس لها.

فالصحيح هو المسلك الّذي اخترناه من انَّ العموم هو استيعاب مفهوم لمفهوم آخر وهذا المفهوم المستوعب في ( كلّ ) ، هو الأداة باعتبارها اسماً يتضمن الاستيعاب حيث كان الاستيعاب مدلولاً ذاتيا له بمعنى تقدم شرحه وتوضيحه في أول هذا الفصل ، وامّا في المقام فالاستيعاب يمكن أَنْ يستفاد بمجموع دوال ثلاثة لا دالين ، أحدها مادة الجمع الدالة على الطبيعة وهو المفهوم المستوعب والثاني هيئة الجمع الدالة على معنى اسمي هو المتعدد من افراد المادة المستوعب لثلاثة لا بشرط من حيث الزيادة ، ولا غرو فقد أثبتنا في بحث المشتق دلالة كثير من الهيئات على معانٍ اسمية ، والثالث هو اللام الدال على انَّ مدلول الجمع الّذي هو المفهوم المستوعب ـ بالكسر ـ يستوعب جميع افراد المادة ولو من جهة دلالته على معنى يلازم ذلك من قبيل كون هذه المرتبة هي المتعينة من مراتب الجمع على ما سوف يأتي التعرض لذلك في المقام الثاني.

المقام الثاني : في تحقيق دلالة الجمع المحلّى باللام على العموم إثباتا فنقول : هناك مسلكان لتخريج دلالة الجمع المحلى على العموم.

١ ـ أَنْ يُدّعى دلالة اللام الداخلة عليه على العموم واستيعاب تمام الافراد ، وهذا المسلك يفترض لا محالة وجود وضعين للاّم حيث يقتضي أَن تكون اللام الداخلة على الجمع موضوعة للعموم بخلاف الداخلة على المفرد (١).

__________________

(١) العموم يختلف عن الإطلاق في ناحيتين. إحداهما ـ الدلالة على الاستيعاب لتمام مدخوله إجزاءً أو افراداً. ثانيتهما ـ الدلالة على ان موضوع الحكم هو الفرد بما هو فرد لا الطبيعة إذا كان العموم أفرادياً لا أجزائياً. ومنه يظهر ان حقيقة العموم هو الدلالة على الاستيعاب والتمامية لا ملاحظة الافراد كما أشرنا إلى ذلك في تعليق متقدم. وعليه في الجمع المحلّى باللام يمكن دعوى وجود الخصيصة الثانية بان تدل اللام على الإشارة إلى افراد مادة الجمع المفادة بهيئة الجمع فانها تدل على التكثر الأفرادي فتلحظ الافراد ويشار إليها باللام دون ان يكون هناك ما يدل على الاستيعاب والتمامية لا بنحو المعنى الاسمي ولا الحرفي هذا إذا تصورنا معنى معقولاً للاستيعاب الحرفي فان مفهوم الاستيعاب والتمامية مفهوم اسمي بحسب طبعه فالصحيح عدم دلالته على العموم بوجه أصلاً.

٢٤٠