دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢١٩

بل إن القصور فى مقتضى التعميم كافٍ وحده لإثبات الاختصاص.

ويؤيد الاختصاص مرسلة أبى بكر عن بعض أصحابنا عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « امرأة نكحها رجل ، فأصدقته المرأة وشرطت عليه أن بيدها الجماع والطلاق ، فقال : خالفَ السنّة وولّى الحق من ليس أهله ، وقضى أن على الرجل الصداق وأن بيده الجماع والطلاق وتلك السنّة » (١) ، والحديث النبوي : « الطلاق بيد من أخذ بالساق » (٢).

وأما موارد الاستثناء التى يصح فيها الطلاق من غير الزوج ، فيأتى التحدث عنها فيما بعد إن شاءاللّه تعالي.

٢ ـ شرائط صحة الطلاق

يلزم لوقوع الطلاق صحيحا توفّر :

١ ـ البلوغ ، فلا يصح طلاق الصبى وإن بلغ عشرا ، بل ولا طلاق وليه عنه.

٢ ـ العقل ، فلا يصح طلاق المجنون إلاّ اذا كان بالغا فإنه يجوز لوليه الطلاق مع اقتضاء المصلحة لذلك.

٣ ـ الاختيار ، فلا يصح طلاق المكره.

٤ ـ القصد ، فلا يصح طلاق السكران والهازل وغيرهما ممّن لا قصد له.

٥ ـ التنجيز ، فلا يقع الطلاق لو قال الزوج لزوجته : أنت طالق إن فعلت كذا.

٦ ـ تعيين المطلقة ، فلا يصح لو قال الزوج : احدى زوجاتى طالق.

٧ ـ أن تكون الزوجة فى حالة طهرٍ ـ من الحيض والنفاس ـ لم يواقعها فيه.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٣٤٠ ، باب ٤٢ من ابواب مقدمات الطلاق ، حديث ١.

٢ ـ كنز العمال : ٥ / ١٥٥ ، رقم ٣١٥١.

٨١

ويستثنى من ذلك :

أ ـ ما اذا كان المطلِّق غائباً ، فإن الطلاق يقع صحيحاً منه حتى مع اتّضاح عدم طهرها حالته بشرطين : عدم إمكان تعرفه على حالها ، ومضى فترة يعلم بحسب عادتها انتقالها من طهر الى آخر. والاحتياط يقتضى أن تكون الفترة شهرا. وأحوط من ذلك أن تكون ثلاثة أشهر.

وفى حكم الغائب الحاضر الذى لا يمكنه التعرف على حال زوجته كالمسجون.

ب ـ ما اذا كانت حاملاً وقد استبان حملها فإنه يصح طلاقها وإن لم تكن على طهر أو كانت فى طهر المواقعة.

ج ـ ما اذا لم تكن مدخولاً بها.

د ـ ما اذا كانت صغيرة لم تبلغ سنَّ التكليف وقد دخل بها الزوج وإن كان ذلك محرَّما.

ذ ـ ما اذا كانت قد بلغت سنَّ اليأس.

ه ـ المسترابة ـ وهى من كانت فى سن من تحيض ولا تحيض لخلقة أو لعارض اتفاقي من رضاع أو مرض طاري‏ء وما شاكل ذلك ـ فإنه يجوز طلاقها وإن كان ذلك فى طهر المجامعة بشرط مضى ثلاثة أشهر على المواقعة الأخيرة.

٨ ـ أن يكون الزواج دائما فلا يقع بالمتمتع بها ، بل تتحقق الفرقة بانتهاء المدة أو هبة المقدار المبقى منها.

٩ ـ اشهاد رجلين عادلين.

١٠ ـ الصيغة الخاصة ، وهي « أنت طالق » أو « زوجتى طالق » أو « فلانة طالق » وما أشبه ذلك من الصيغ المشتملة على كلمة « طالق ». ولا يصح بصيغة « فلانة مطلقة » أو « طلقت فلانة ».

٨٢

وتجزيء الترجمة عند تعذر النطق بالعربية.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا اعتبار البلوغ فى المطلِّق ، فهو المشهور(١) بين المتأخرين لعدّة اُمور :

أ ـ التمسّك بحديث : « رفع القلم عن الصبى حتى يحتلم » (٢) ، فإن مقتضى إطلاقه الشمول لقلم الوضع أيضا.

وضعف سنده منجبر بعمل الأصحاب ـ كما تقدم غير مرة ـ بناءً على تمامية كبرى الانجبار.

ب ـ اتفاق الأصحاب على اعتبار البلوغ فى باب البيع وسائر المعاملات المالية. والطلاق ان لم يكن أولى باعتبار ذلك فيه ، فلا أقلّ من عدم احتمال الفرق بينهما.

ج ـ الروايات الخاصة ، من قبيل موثقة الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على عليهم‌السلام : « لا يجوز طلاق الغلام حتى يحتلم » (٣) وغيرها.

إلاّ أن فى مقابل ذلك موثقة ابن بكير عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « يجوز طلاق الصبي اذا بلغ عشر سنين » (٤) وغيرها.

وقد يجمع بحمل الاُولى على من كان عمره أقلّ من عشر سنين بقرينة الثانية.

هذا ما تقتضيه الصناعة. ولكن الاحتياط باعتبار البلوغ أمر لازم تحفظا من مخالفة المشهور.

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٣٢ / ٤.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١ ، باب ٤ من ابواب مقدمة العبادات.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٣٢٥ ، باب ٣٢ من ابواب مقدمات الطلاق ، حديث ٨.

٤ ـ تهذيب الاحكام : ٨ / ٧٥ ، رقم ١٧٣.

٨٣

٢ ـ وأما عدم ثبوت الولاية على الطلاق لولى الصبى ، فأمر لا خلاف فيه. (١) ويكفى لإثباته القصور فى المقتضي. ومع التنزّل يمكن التمسّك بالروايات الخاصة ، كصحيحة محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه‌السلام : « الصبى يتزوج الصبية يتوارثان؟فقال : اذا كان أبواهما اللذان (٢) زوجاهما فنعم. فقلت : فهل يجوز طلاق الأب؟ قال : لا » (٣) وغيرها.

٣ ـ وأما عدم صحة الطلاق من المجنون ، فلعدم تحقق القصد منه والروايات الخاصة ، كصحيحة الحلبي : « سألت أبا عبداللّه عليه‌السلام عن طلاق السكران وعتقه ، فقال : لا يجوز. قال : وسألته عن طلاق المعتوه ، قال : وما هو؟ قال : قلت : الأحمق الذاهب العقل ، قال : لا يجوز » (٤) وغيرها.

٤ ـ وأما أنه يجوز الطلاق لولى المجنون فهو المشهور(٥) لصحيحة أبى خالد القماط : « قلت لأبى عبد اللّه عليه‌السلام : الرجل الأحمق الذاهب العقل يجوز طلاق وليه عليه؟ قال : ولِمَ لايطلق هو؟ قلت : لايؤمن إن طلق هو أن يقول غدا : لم اُطلق ، أو لايحسن أن يطلق ، قال : ما أرى وليّه إلاّ بمنزلة السلطان » (٦) وغيرها.

هذا وقد نسب الخلاف فى المسألة الى ابن ادريس تمسّكا بأن الأصل بقاء

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٣٢ / ٥.

٢ ـ الظاهر ان الصواب : اللذين.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٢٢٠ ، باب ١٢ من ابواب عقد النكاح ، حديث ١ ؛ : ١٥ / ٣٢٦ ، الباب ٣٣ من ابواب مقدمات الطلاق.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٣٢٨ ، باب ٣٤ من ابواب مقدمات الطلاق ، حديث ٥.

٥ ـ جواهر الكلام : ٣٢ / ٦.

٦ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٣٢٩ ، باب ٣٥ من ابواب مقدمات الطلاق ، حديث ١.

٨٤

العقد ، وبالنبوي : « الطلاق بيد من أخذ بالساق » (١)

وفيه : أن الأصل لا مجال له مع الدليل الاجتهادي. والنبوى على تقدير تماميته سندا قابل للتقييد بصحيحة القماط وغيرها.

ثم إنه لا يبعد أن يكون قوله عليه‌السلام : « ولِمَ لا يطلق » ناظرا إما الى فرضية عدم زوال العقل بشكل كامل أو الى حالة الجنون الأدوارى مع فرض الافاقة ، كما نبّه عليه فى الحدائق(٢).

٥ ـ وأما تقييد جواز طلاق ولى المجنون بما اذا كان ـ المجنون ـ بالغا ، فلأنه بدون فرض ذلك يكون مشمولاً لإطلاق صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة الدالّة على أن الأب لا يجوز له الطلاق بالولاية.

وصحيحة القماط ان كان لها اطلاق للصبي ، عارض اطلاق صحيحة محمد بن مسلم فى الصبى المجنون وتساقطا ولزم الرجوع الى الاصل ، وهو يقتضى عدم ترتب الاثر على طلاق غيره.

٦ ـ وأما تقييد جواز ولى طلاق المجنون بالمصلحة بالرغم من إطلاق الروايات من هذه الناحية ، فباعتبار الجزم بان الولاية المجعولة للولى ليست تكريما له ، بل لحاجة المولّى عليه الى من يتصرف عنه تحقيقا لمصالحه.

٧ ـ وأما عدم صحة طلاق المكره ، فأمر لا خلاف فيه. ويدلّ عليه حديث الرفع(٣) والروايات الخاصة ، كصحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام : « سألته عن طلاق المكره و

__________________

١ ـ الحدائق الناضرة : ٢٥ / ١٥٥.

٢ ـ الحدائق الناضرة : ٢٥ / ١٥٤.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١١ / ٢٩٥ ، باب ٥٦ من ابواب جهاد النفس ، حديث ١.

٨٥

عتقه ، فقال : ليس طلاقه بطلاق ولا عتقه بعتق ... » (١) وغيرها.

٨ ـ وأما اعتبار القصد ، فللتسالم على تبعية العقود والايقاعات له. هذا مضافا الى الروايات الخاصة الواردة بلسان : « لا طلاق إلاّ لمن أراد الطلاق » (٢).

٩ ـ وأما التنجيز ، فمدركه منحصر بالإجماع المدّعى على اعتباره ، وإلاّ فغيره قابل للتأمّل من قبيل :

أ ـ منافاة التعليق لقاعدة عدم تأخّر المعلول عن علته.

ب ـ أن ظاهر الروايات فعلية الطلاق بمجرد تحقق الصيغة ، واشتراط تأخره الي حصول المعلق عليه شَرْعٌ جديد.

وقد تمسّك بهذين الوجهين صاحب الجواهر(٣).

ووجه التأمل :

أما فى الأول ، فلأن العلة ليست هى الصيغة بمجردها ، بل مع الشرط فلا تأخر.

واما فى الثاني ، فلأنه لا توجد رواية تدلّ بوضوح على ذلك. ومع التنزّل يمكن دعوى نظرها الى الحالة الغالبة ، وهى التنجيز.

١٠ ـ وأما اعتبار تعيين المطلَّقة ، فلأنه بدونه يلزم تعلق الطلاق بالواحدة المرددة من الزوجات ، وهو باطل لعدم معقولية الفرد المردد.

١١ ـ وأما اعتبار أن تكون المطلّقة طاهرة بطهر لم تواقع فيه ، فأمر متسالم عليه. (٤) وتدلّ عليه النصوص المستفيضة ، كصحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام : « أما

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٣٣١ ، باب ٣٧ من ابواب مقدمات الطلاق ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٢٨٥ ، باب ١١ من ابواب مقدمات الطلاق ، حديث ١.

٣ ـ جواهر الكلام : ٣٢ / ٧٨.

٤ ـ جواهر الكلام : ٣٢ / ٢٩ ، ٤٠.

٨٦

طلاق السنّة فاذا أراد الرجل أن يطلق امرأته فلينتظر بها حتى تطمث وتطهر فإذا خرجت من طمثها طلّقها تطليقة من غير جماع ويشهد شاهدين ... » (١). وصحيحة الفضلاء عن أبى جعفر وأبى عبد اللّه عليهما‌السلام : « اذا طلّق الرجل فى دم النفاس أو طلّقها بعد ما يمسّها ، فليس طلاقه ايّاها بطلاق » (٢) وغيرهما.

١٢ ـ وأما استثناء حالة غيبة المطلِّق ، فأمر متسالم عليه(٣) للروايات المتعددة الواردة بلسان : « خمس يطلقهنّ أزواجهنّ متى شاءوا : الحامل المستبين حملها ، والجارية التى لم تحض ، والمرأة التى قعدت من المحيض ، والغائب عنها زوجها ، والتى لم يدخل بها » (٤).

وسند الروايات المذكورة جلاًّ أو كلاًّ صحيح ، فراجع.

١٣ ـ وأما تعميم الحكم بالصحة لما اذا اتضح عدم الطهر واقعا حالة الطلاق ، فللتمسّك بإطلاق الروايات المذكورة ، بل وللتصريح بالتعميم فيها بلفظ « متي شاءوا ».

على أنه قد يقال بأن الطهر واقعا لو كان معتبرا يلزم عدم ثبوت الخصوصية لعنوان غيبة المطلِّق.

١٤ ـ وأما اعتبار عدم إمكان التعرف على حالها ومضى فترة يعلم فيها بالانتقال ، فلأن لايحتمل اعتبار عنوان الغيبة بنحو الموضوعية ، بحيث يكون مجرد غيبة الزوج فى الساعات الاُولى كافٍ لجواز الطلاق حتى مع إمكان تحصيل العلم بسهولة أو

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٢٨٠ ، باب ٩ من ابواب مقدمات الطلاق ، حديث ٤.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٢٧٩ ، باب ٩ من ابواب مقدمات الطلاق ، حديث ١.

٣ ـ جواهر الكلام : ٣٢ / ٣٠ ، ٣٢.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٣٠٦ ، باب ٢٥ من ابواب مقدمات الطلاق ، حديث ١.

٨٧

فرض العلم ببقاء طهر المواقعة أو كونها فى حالة حيض أو نفاس.

١٥ ـ وأما الاحتياط باعتبار مضى شهر ، فلموثق ابن سماعة : « سألت محمد بن أبي حمزة متى يطلِّق الغائب؟فقال : حدثنى اسحاق بن عمار أو روى اسحاق بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه‌السلام أو أبى الحسن عليه‌السلام قال : اذا مضى له شهر » (١).

وإنما كان الحكم بنحو الاحتياط دون الفتوى باعتبار أن لسان الروايات السابقة : « خمس يطلقهن أزواجهن متى شاءوا ... » آبٍ عن التقييد ، فإنه لو كان مضى الشهر معتبراً لم يكن للغائب الطلاق متى شاء.

ومن القريب جدا أن يكون اعتبار مضى الشهر من باب أنه الفترة التى يحرز فيها عادة الانتقال من طهر الى آخر. ويترتب على ذلك أنه لو تَمَّ الاحراز قبل مضي الفترة المذكورة كان ذلك كافيا للحكم بصحة الطلاق.

ولكن مع ذلك كله يبقى الاحتياط باعتبار مضى الشهر حتى مع تحقق الاحراز قبله أمرا وجيها.

١٦ ـ وأما أحوطية اعتبار مضى ثلاثة أشهر ، فلموثقة اسحاق بن عمار الاُخري : « قلت لأبى ابراهيم عليه‌السلام : الغائب الذى يطلِّق أهله كم غيبته؟قال : خمسة أشهر ، ستة أشهر.قال : حُدّ دون ذا ، قال : ثلاثة أشهر » (٢) ، فانّه ظاهراً وان كان يقتضى الإلزام بمضى ثلاثة أشهر إلاّ أنه لابدّ من رفع اليد عن ذلك لعدم احتمال اعتبار مضى المدة المذكورة حتّى مع الجزم بالانتقال من طهر الى آخر ، فإن حال الغائب ليست اسوأ من حال الحاضر.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٣٠٨ ، باب ٢٦ من ابواب مقدمات الطلاق ، حديث ٥.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٣٠٨ ، باب ٢٦ من ابواب مقدمات الطلاق ، حديث ٨.

٨٨

وعليه ، فمع الجزم بالانتقال لا يعتبر مضى ثلاثة أشهر وإن كان ذلك أحوط تحفظا على العمل بظاهر الموثقة.

١٧ ـ وأما إن الحاضر بحكم الغائب اذا لم يمكنه التعرف على حال زوجته ، فلما تقدم من عدم احتمال أن تكون لغيبة المطلِّق موضوعية ، بل الخصوصية لعدم إمكان التعرف على حال الزوجة الملازم عادة مع الغيبة. وعليه فيسرى حكم الغيبة الي الحضور الذى هو بمثابتها.

وممّا يدل على ذلك أيضا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل تزوّج امرأة سرّا من أهلها وهى فى منزل أهله وقد أراد أن يطلقّها وليس يصل اليها ، فيعلم طمثها اذا طمثت ولا يعلم بطهرها اذا طهرت ، فقال : هذا مثل الغائب عن أهله يطلِّق بالأهلة والشهور ... » (١).

١٨ ـ وأما استثناء الحامل المستبين حملها ، فهو لما تقدم من الروايات الواردة بلسان : « خمس يطلقهن ازواجهن متى شاءوا : الحامل المستبين حملها ... ».

وأما أنه يصح طلاقها حتى اذا لم تكن على طهر أو كانت فى طهر المواقعة فللتقريبات الثلاثة المتقدمة فى رقم ١٣.

١٩ ـ وأما استثناء غير المدخول بها والصغيرة واليائس ، فللروايات المتقدمة نفسها.

٢٠ ـ وأما أن المسترابة يجوز طلاقها بعد مضى ثلاثة أشهر من المواقعة الأخيرة ، فلم ينسب فيه الخلاف لأحد. (٢) ويدلّ عليه صحيح اسماعيل بن سعد الأشعري :

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٣١٠ ، باب ٢٨ من ابواب مقدمات الطلاق ، حديث ١.

٢ ـ جواهر الكلام : ٣٢ / ٤٤.

٨٩

« سألت الرضا عليه‌السلام عن المسترابة من المحيض كيف تطلّق؟قال : تطلق بالشهور » (١).

واذا كان فى المراد من كلمة « الشهور » اجمال لعدم تشخص عدد الأشهر ، فيمكن من خلال مراجعة روايات عدّة المرأة المسترابة(٢) تحصيل الاطمئنان بإرادة ثلاثة أشهر.

هذا ويمكن أن يقال : ان « كلمة الشهور » جمع يصدق على الثلاثة ، وإرادة الأقلّ غير محتملة ، وإرادة ما زاد تحتاج الى دليل ، ومقتضى الإطلاق الاكتفاء بالثلاثة.

٢١ ـ وأما أنه لا طلاق فى عقد التمتع فأمر متسالم عليه. (٣) واستدلّ له فى الحدائق بما دلَّ على حصول الفرقة بانتهاء المدة بلا حاجة الى طلاق ، كصحيح محمد بن اسماعيل عن أبى الحسن الرضا عليه‌السلام : « قلت له : الرجل يتزوج المرأة متعة سنة أو أقل أو أكثر ، قال : اذا كان شيئا معلوما ، الى أجل معلوم قال : قلت : وتبين بغير طلاق؟ قال : نعم » (٤).

وفيه : ان هذا المضمون تكرر فى الروايات إلاّ أنه لا ينفى إمكان وجود سبب ثانٍ لتحقق الفرقة ـ أثناء المدة ـ وهو الطلاق.

ومن هنا قال فى الجواهر : « لم يحضرنى من النصوص ما يدلّ على عدم وقوع الطلاق بالمتمتع بها. نعم فيها ما يدل على حصوله بانقضاء المدة وبهبتها ، ولكن ذلك لا يقتضى عدم صحته عليها لإمكان تعدد الأسباب » (٥)

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٤١٤ ، باب ٤ من ابواب العدد ، حديث ١٧.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٤١٠ ، باب ٤ من ابواب العدد ، حديث ١٧.

٣ ـ جواهر الكلام : ٣٢ / ٢٨.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٤٧٨ ، باب ٢٥ من ابواب المتعة ، حديث ١.

٥ ـ جواهر الكلام : ٣ / ٢٨.

٩٠

هذا وبالإمكان تحصيل بعض الروايات على ذلك من قبيل رواية محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه‌السلام : « المتعة ليست من الأربع ، لأنها لاتطلَّق ولاترث وانما هي مستأجرة » (١) ، ورواية الحسن الصيقل عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « قلت : رجل طلَّق امرأته طلاقا لا تحلّ له حتى تنكح زوجا غيره ، فتزوجها رجل متعة أتحلّ للأول؟ قال : لا ، لأن اللّه يقول : ( فإن طلقها فلا تحلّ له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فان طلقها ) والمتعة ليس فيها طلاق » (٢).

وهاتان الروايتان إن تَمّ سندهما ـ ولم يناقش فى الاولى بالقاسم بن عروة وفي الثانية بالصيقل ـ كانتا هما المستند وإلاّ انحصر المدرك بالتسالم.

٢٢ ـ وأما تحقق الفرقة بهبة ما تبقى من المدة ، فأمر متسالم عليه. وتدلّ عليه صحيحة على بن رئاب : « كتبت اليه أسأله عن رجل تمتع بامرأة ثم وهب لها أيامها قبل أن يفضى اليها أو وهب لها أيامها بعد ما أفضى اليها ، هل له أن يرجع فيما وهب لها من ذلك؟ فوقَّع عليه‌السلام : لا يرجع » (٣) وغيرها.

٢٣ ـ وأما اعتبار الاشهاد فى الطلاق ، فهو من شعار الامامية. وقد تقدم فى بداية البحث عن النكاح حوار الامام الكاظم عليه‌السلام مع أبى يوسف القاضي ، فراجع.

ويدلّ على ذلك قوله تعالي : ( يا أيّها النبيّ اذا طلقتم النساء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ وأحصوا العدة ... فاذا بلغن أجلهنّ فامسكوهنّ بمعروف أو فارقوهنّ بمعروف وأشهدوا ذوى عدلٍ منكم ) (٤).

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٤٩٥ ، باب ٤٣ من ابواب المتعة ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٣٦٩ ، باب ٩ من ابواب اقسام الطلاق ، حديث ٤.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٤٨٣ ، باب ٢٩ من ابواب المتعة ، حديث ١.

٤ ـ الطلاق : ١ و ٢.

٩١

واحتمال رجوع الأمر بالاشهاد الى الامساك الذى هو بمعنى الرجوع بعيد ، لتخلل الفاصل المانع من ذلك.

والروايات فى المسألة كثيرة كادت أن تبلغ حدّ التواتر ، وقد تقدمت الاشارة الى بعضها.

٢٤ ـ وأما أن صيغة الطلاق ما تقدم ، فلصحيحة محمد بن مسلم حيث « سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل قال لامرأته : أنتِ عليّ حرام أو بائنة أو بتة أو برية أو خلية. قال : هذا كلّه ليس بشيء إنما الطلاق أن يقول لها فى قبل العدة بعد ما تطهر من محيضها قبل أن يجامعها : « أنتِ طالق » أو « اعتدّي » يريد بذلك الطلاق ويشهد علي ذلك رجلين عدلين » (١) أو غيرها.

والمذكور فيها جملة : « أنتِ طالق » ولكنه يتعدّى الى غيرها ممّا اشتمل علي كلمة « طالق » من جهة أنه فى الطلاق لا يلزم أن يواجه الزوج به زوجته ويخاطبها به ، بل يجوز عند غيبتها التى لا يتأتى معها الخطاب بضمير « أنت ».

وهل يتحقق الطلاق بجملة « اعتدّي »؟ المناسب ذلك ـ لو لم يثبت تسالم علي الخلاف ـ تمسكا بالصحيحة المذكورة وغيرها. ونسب القول بذلك الى ابن الجنيد. (٢)

إلاّ أنه اذا ثبت تسالم الأصحاب على عدم القول بذلك فالمتعيَّن الاقتصار علي الصيغة المتقدمة ، ولا أقلّ من كون ذلك هو مقتضى الاحتياط اللازم.

٢٥ ـ وأما إجزاء الترجمة عند تعذر النطق بالعربية ، فلأن الطلاق لم يشرّع

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٢٩٥ ، باب ١٦ من ابواب مقدمات الطلاق ، حديث ٣.

٢ ـ الحدائق الناضرة : ٢٥ / ١٩٩.

٩٢

لخصوص العرب.

وهل يلزم توكيل العربى إن أمكن؟ المناسب ذلك الدليل على ترتب الأثر معه. بل ان ذلك يمكن استفادته مما دلَّ على ان الصيغة « انتِ طالق ».

٣ ـ اقسام الطلاق

ينقسم الطلاق الى القسمين التاليين :

الأول : بدعي؛ وهو ما كان فاقدا للشرائط المتقدمة. وحكمه البطلان.

ويلحق بالقسم المذكور الطلاق ثلاثا من دون تخلل رجعة فى البين ـ بأن يقول المطلِّق : « أنتِ طالق ثلاثا » أو يقول : « أنتِ طالق ، أنتِ طالق ، انتِ طالق » قاصدا بذلك تعدد الطلاق ـ إلاّ انه لا يبطل رأسا ، بل تقع لدى المشهور طلقة واحدة دون ما زاد.

الثاني : سنّي؛ وهو الطلاق الجامع للشرائط المتقدمة. وهو على نحوين :

١ ـ بائن؛ وهو ما لا يحق للزوج الرجوع فيه الى المطلقة سواء كان لها عدة أم لا. ومصاديقه ستة :

أ ـ طلاق الصغيرة التى لم تبلغ سن المحيض حتى مع فرض الدخول بها عمدا أو اشتباها.

ب ـ طلاق اليائسة.

ج ـ الطلاق قبل الدخول.

وهذه الثلاثة ليس لها عدّة.

د ـ المطلقة بالطلاق الثالث المسبوق بطلاقين قد تعقبتهما عودة برجوع أو عقد جديد ، فإنها تحرم على زوجها حتى ينكحها رجل آخر ويفارقها بموت أو طلاق ، فيجوز آنذاك للأول العقد عليها بعد انتهاء العدة.

٩٣

ذ ـ طلاق الخلع والمباراة مع عدم رجوع الزوجة فيما بذلت.

ه ـ ـ طلاق الحاكم الشرعى لزوجة الممتنع من الانفاق والطلاق.

٢ ـ رجعي؛ وهو ما يحق للزوج الرجوع فيه فى العدة سواء رجع بالفعل أم لا. ومصداقه ما عدا الأفراد الستة المتقدمة.

ثم إن الرجعي¨ ينقسم بدوره الى عدّى وغيره.

ويراد من العدّى أن يطلِّق الزوج زوجته على الشرائط ثم يراجع قبل الخروج من العدة ويواقع ثم يطلقها فى غير طهر المواقعة ثم يراجعها ويواقعها ثم يطلقها فى طهر آخر. وبذلك تحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره ، فاذا طلقها أو مات ، جاز للأول الزواج بها بعد انتهاء العدة.

هذا هو الطلاق العدّي. واذا تكرر حرمت فى السادس أيضا حتى تنكح آخر بالشكل المتقدم ، وفى التاسع تحرم مؤبداً.

والطلاق العدّى بالمعنى المذكور متقوّم بأمرين :

أحدهما : تخلل رجعتين. ولا يكفى وقوع عقدين جديدين أو عقد ورجعة.

ثانيهما : تحقق المواقعة بعد كلّ رجعة.

فطلاق العدة على هذا مركب من ثلاث طلقات : ثنتان منها رجعية وواحدة ـ وهى الثالثة ـ بائنة.

ولا خلاف فى تحقق الحرمة المؤبدة بالطلاق التاسع فى الطلاق العدّى بالتفسير المذكور. كما لا خلاف ـ من غير ابن بكير ـ فى تحقق الحرمة فى كلّ طلاق ثالث بأى شكل اتفق. وإنما الخلاف فى تحقق الحرمة المؤبدة فى الطلاق التاسع فيما اذا لم يكن عدّيا بالمعنى المتقدم ، والمشهور صار الى العدم.

٩٤

ثم إن الطلاق السنّى له ثلاثة اطلاقات :

أ ـ سنّى بالمعنى الأعم. وهو كلّ طلاق جامع للشرائط مقابل الطلاق البدعى الفاقد لبعضها. وهذا الإطلاق هو ما تقدمت الاشارة اليه.

ب ـ سنّى مقابل العدّي. وهو ما تتحقق فيه الرجعة فى العدة من دون مواقعة.

ج ـ سنّى بالمعنى الأخص. وهو ما لاتتحقق فيه الرجعة فى العدة ، بل تنقضى ثم يتزوجها الزوج بعقد جديد.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما التقسيم الى البدعى والسنّى ، فهو ـ كما تقدم ـ باعتبار الواجدية للشرائط المتقدمة وعدمها ، فما كان فاقدا لها هو بدعي ، نسبة الى البدعة بمعنى المحرّم ، وغير المشروع ، وما كان واجدا لها هو سنّي ، نسبة الى السنّة بمعنى المشروع.

والمعروف فى كلمات بعض الأصحاب ـ كالمحقق وغيره ـ اصطلاح البدعي على اقسام ثلاثة من الطلاق غير المشروع ـ وليس على جميع مصاديقه وإن كانت كلّها باطلة ـ هي : طلاق الحائض والنفساء فى غير موارد الاستثناء ، والطلاق في طهر المقاربة ، والطلاق ثلاثاً من غير تخلل رجعة(١).

والأمر سهل بعد عدم المشاحة فى الاصطلاح.

٢ ـ وأما أن البدعى باطل ، فلأن المشروط عدم عند عدم شرطه. هذا فى مذهبنا.

وأما الجمهور فقد اتفقت كلمتهم على الصحة مع الاثم(٢).

__________________

١ ـ شرائع الاسلام : ٣ / ٥٨٨ ، انتشارات استقلال.

٢ ـ قال الجزيري : « اذا طلّق الزوج امراته طلاقا بدعيا ، فانه تسُنُ له رجعتها ... ويحسب عليه الطلاق البدعي

٩٥

هذا كله فى غير الطلاق ثلاثا بلا تخلل رجعة ، وأما هو فيقع واحدا عندنا كما سيتضح وجهه.

٣ ـ وأما الطلاق ثلاثا بدون تخلل رجعة ، فقد اتفقت كلمة أصحابنا على بطلانه ، بمعنى عدم وقوعه ثلاثا(١) خلافا للجمهور(٢). واتفقت أيضا على وقوعه واحدا فى حالة الولاء ، أى تكرار جملة « أنتِ طالق » ثلاث مرات ، واختلفت فى حالة الارسال وعدم التكرار ، بأن قيل : « أنتِ طالق ثلاثا ».

ولو رجعنا الى الروايات وجدناها على طائفتين :

الاُولي : ما دلَّ على وقوع طلاق واحد من دون تفصيل بين حالة الولاء وحالة الارسال. وهى متعددة كصحيحة زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام : « سألته عن رجل طلّق

__________________

سواء كان واحدا أو اكثر باتفاق الائمة الاربعة. وخالفهم بعض الشواذ الذين لا يعوّل على آرائهم ». راجع : الفقه على المذاهب الاربعة : ٤ / ٢٧٤ ، مبحث ما يترتب على الطلاق البدعى من الاحكام.

١ ـ جواهر الكلام : ٣٢ / ١١٦ ـ ١١٧.

٢ ـ قال الجزيري : « يملك الرجل الحر ثلاث طلقات ولو كان زوجا لأمةٍ ويملك العبد طلقتين ولو كان زوجا لحرة ، فاذا طلّق الرجل زوجته ثلاثا دفعة واحدة ، بان قال لها : انت طالق ثلاثا لزمه ما نطق به من العدد في المذاهب الاربعة. وهو رأى الجمهور. وخالفهم فى ذلك بعض المجتهدين ، كطاوس وعكرمة وابن اسحاق ، وعلى رأسهم ابن عباس رضياللّه عنهم ، فقالوا : انه يقع به واحدة لا ثلاث. ودليل ذلك ما رواه مسلم عن ابن عباس قال : كان الطلاق على عهد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابى بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر : الناس قد استعجلوا فى امر كان لهم فيه اناة فلو امضيناه عليهم فامضاه عليهم ». الفقه على المذاهب الاربعة : ٤ / ٣٠٣ ، مبحث تعداد الطلاق.

هذا وقد جاءت روايات اهل البيت عليهم‌السلام ترد بشدة على الطلاق ثلاثا وانه لايقع الا واحدة أو ليس بشيء وانه مخالف لكتاب اللّه عزّوجلّ.

نعم هو مخالف لكتاب اللّه الناطق بان « الطلاق مرّتان » ؛ البقرة : ٢٢٩.

ان تعريف الطلاق بالالف واللام يدل على ان الطلاق المشروع هو المرّتان لا غير ، وواضح ان عنوان المرتين لا يصدق إلاّ مع التفرقة بين الطلاقين.

٩٦

امرأته ثلاثا فى مجلس واحد وهى طاهر قال : هى واحدة » (١) ، وصحيحة الاسدى والحلبى وابن حنظلة جميعا عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « الطلاق ثلاثا فى غير عدة (٢) إن كانت على طهر فواحدة وإن لم تكن على طهر فليس بشيء ». (٣)

الثانية : ما دلَّ على البطلان رأسا ، كصحيحة أبيبصيرعن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « من طلّق ثلاثا فى مجلس فليس بشيء. من خالف كتاب اللّه عزّوجل رُدَّ الى كتاب اللّه عزّوجل » (٤) وغيرها.

وقد جمع فى الحدائق بحمل الاُولى على حالة الولاء والثانية على حالة الارسال مستندا فى ذلك الى ان روايات الطائفة الاُولى قد اشتملت على تعبير « الطلاق ثلاثا » ، وهو لا يصدق إلاّ مع تكرار جملة « أنتِ طالق » ثلاثا نظير ما لوقيل : « سبِّح اللّه » عشرا فانه لا يصدق على قول : « سبحان اللّه عشرا ». (٥)

وفيه : أن التعبير « طلّق ثلاثا فى مجلس واحد » وارد فى كلتا الطائفتين لا خصوص الاُولي.

ولعلّ الأنسب حمل الطائفة الثانية على نفى وقوعه ثلاثا ، لأن النفى فى جملة « فليس بشيء » مطلق ، فيقيد بالثلاث بقرينة الطائفة الاُولي. ومعه تعود الطائفة الاُولى بلا معارض فيتمسّك بإطلاقها لإثبات وقوع طلقة واحدة فى كلتا الحالتين : الارسال والولاء.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٣١١ ، باب ٢٩ من ابواب مقدمات الطلاق ، حديث ٢.

٢ ـ يراد من الطلاق فى غير عدة ، الطلاق الذى لا يتعقبه رجوع فى العدة.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٣١١ ، باب ٢٩ من ابواب مقدمات الطلاق ، حديث ١.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٣١٣ ، باب ٢٩ من‏ابواب مقدمات الطلاق ، حديث ٨.

٥ ـ الحدائق الناضرة : ٢٥ / ٢٣٩.

٩٧

اللّهم إلاّ أن يقال بعدم صدق عنوان الطلاق ثلاثا فى حالة الإرسال ، فينحصر نظر الطائفة الاُولى الى حالة الولاء ، ويلزم فى حالة الإرسال الرجوع الى القاعدة وهي تقتضى وقوع طلاق واحد أيضا لوفاء جملة « أنتِ طالق » بذلك ، ويكون قيد « ثلاثا » زائدا ولغوا. وعليه فالنتيجة واحدة على كلا التقديرين.

٤ ـ وأما أن طلاق الصغيرة واليائس وغير المدخول بها بائن ، فباعتبار أنه لا عدّة لها ، كما سياتى إن شاءاللّه تعالي.

٥ ـ وأما أن المطلقة بالطلاق الثالث محرمة على زوجها حتى ينكحها آخر ، فهو من ضروريات الفقه بل الدين. ويدلّ عليه قوله تعالي : ( الطلاق مرّتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ... فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدوداللّه ) (١) وهى بإطلاقها تشمل حالة العودة بعد كلّ طلقة بالرجوع أو بعقد جديد.

والروايات فى المسألة كثيرة ، كصحيحة أبى بصير عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « المطلقة التطليقة الثالثة لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ويذوق عسيلتها » (٢) وغيرها.

وهى مطلقة كالآية الكريمة.

٦ ـ وأما تعميم مفارقة المحلل لما اذا كانت بالموت ـ بالرغم من التقييد فى الآية الكريمة بالطلاق ـ باعتبار أن المفهوم من الروايات أن المهم فى حصول التحليل ذوق المحلل لعسيلة المطلَّقة دون تطليقه لها بعنوانه. هذا مضافا الى التصريح

__________________

١ ـ البقرة : ٢٢٩ ، ٢٣٠.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٣٥٣ ، باب ٣ من ابواب اقسام الطلاق ، حديث ١٠.

والعَسيلة : لذة الجماع. وهى فى الاصل تصغير العَسَلَة ، اى القطعة من العسل. وقد شبهت لذة الجماع بذوق العسل فاطلق عليها العسيلة. وانما صُغَّرت اشارة الى ان التحليل يحصل بادنى الجماع ، وهو غيبوبة الحشفة. (راجع : مجمع البحرين فى مادة عسل).

٩٨

بالتعميم فى موثقة زرارة عن أبيجعفر عليه‌السلام : « ... فاذا طلقها ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، فاذا تزوجها غيره ولم يدخل بها وطلقها أو مات عنها لم تحل لزوجها الأول حتى يذوق عسيلتها » (١) ، وغيرها.

٧ ـ وأما أن الطلاق فى الخلع والمباراة بائن ما دام لم ترجع الزوجة فى البذل ، فممّا لا خلاف فيه. (٢) وتدلّ عليه صحيحة محمدبن مسلم عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « الخلع والمباراة تطليقة بائن وهو خاطب من الخطاب » (٣).

وأما التقييد بعدم رجوع الزوجة فى البذل فلأنه مع رجوعها يحق للزوج الرجوع أيضا ، وهو ممّا لا خلاف فيه. (٤) وتدلّ عليه صحيحة البقباق عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « المختلعة إن رجعت فى شيء من الصلح يقول : لأرجعنَّ فى بضعك » (٥).

٨ ـ وأما أن طلاق الممتنع من الانفاق والطلاق بائن ، فلأن النصوص وإن لم تدلّ على ذلك ، بل دلّت على ثبوت الولاية للحاكم فى الطلاق ، كما فى صحيحة أبي بصير : « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يوارى عورتها ويطعم ما يقيم صلبها كان حقا على الامام أن يفرّق بينهما » (٦) وغيرها ، إلاّ أنه لابدَّ من كونه بائنا وإلاّ يلزم نقض الغرض وعدم الفائدة فى طلاق الحاكم.

٩ ـ وأما أن الطلاق الرجعى هو ما جاز للزوج الرجوع فيه سواء رجع بالفعل أم لا ، فهو من واضحات الفقه. ويدلّ عليه قوله تعالي : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٣٦٦ ، باب ٧ من ابواب اقسام الطلاق ، حديث ١.

٢ ـ جواهر الكلام : ٣٣ / ٦٢.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٤١٧ ، باب ٨ من ابواب العدد ، حديث ١.

٤ ـ جواهر الكلام : ٣٣ / ٦٣.

٥ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٤٩٩ ، باب ٧ من الخلع والمباراة ، حديث ٣.

٦ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٢٢٣ ، باب ١ من ابواب النفقات ، حديث ٢.

٩٩

ثلاثة قروء ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه فى أرحامهن إن كنَّ يؤمنَّ باللّه واليوم الآخر وبعولتهن أحقّ بردهنّ فى ذلك ) (١).

١٠ ـ وأما تفسير الطلاق العدى بما ذكر ، فهو متسالم عليه. (٢) وتدلّ عليه صحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام : « ... وأما طلاق العدة الذى قال اللّه عزّوجل : ( فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة ) فاذا أراد الرجل منكم أن يطلق امرأته طلاق العدة فلينتظر بها حتى تحيض وتخرج من حيضها ، ثم يطلقها تطليقة من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين ويراجعها من يومه ذلك إن أحبَّ أو بعد ذلك بأيام قبل أن تحيض ويشهد علي رجعتها ويواقعها حتى تحيض ، فاذا حاضت وخرجت من حيضها طلّقها تطليقة اُخري من غير جماع يشهد على ذلك ، ثم يراجعها أيضا متى شاء قبل أن تحيض ويشهد علي رجعتها ويواقعها وتكون معه الى أن تحيض الحيضة الثالثة ، فاذا خرجت من حيضتها الثالثة طلّقها التطليقة الثالثة بغير جماع ويشهد على ذلك ، فاذا فعل ذلك فقد بانت منه ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره » (٣) وغيرها.

ويستفاد من الصحيحة اضافة بعض القيود الاُخرى للطلاق العدّى أكثر ممّا نقلناه فى تفسير الفقهاء من قبيل أن يكون الرجوع قبل أن تحيض الحيض الاول ولا يكفى تحققه أثناء العدة متى ما فُرض.

١١ ـ وأما تحقق الحرمة المؤبدة بالطلاق التاسع العدى ، فمتسالم عليه. (٤) وتدلّ على ذلك رواية زرارة وداود بن سرحان عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « ... والذى يطلق

__________________

١ ـ البقرة : ٢٢٨.

٢ ـ جواهر الكلام : ٣٢ / ١٢١ ، ١٢٨.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٣٤٨ ، باب ٢ من ابواب اقسام الطلاق ، حديث ١.

٤ ـ جواهر الكلام : ٣٢ / ١٢٢.

١٠٠