دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢١٩

المؤبدة فى صورة العلم وعدمها فى صورة الجهل من دون فرق فى كلتا الحالتين بين فرض تحقق الدخول وعدمه.

هذا ولكن يوجد فى مقابل الصحيحة الثانية صحيحة ثالثة رواها زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « إذا نعى الرجل الى أهله أو أخبروها أنه قد طلقها ، فاعتدت ، ثم تزوجت ، فجاء زوجها الأول ، فإن الأول أحق بها من هذا الأخير ، دخل بها الأول أو لم يدخل بها ، وليس للآخر أن يتزوجها أبداً ولها المهر بما استحلّ من فرجها » (١) ، وهى تدلّ على تحقق الحرمة المؤبدة مع فرض الدخول.

وهذه إن كانت ناظرة الى خصوص حالة الجهل كالصحيحة الثانية كانت الثالثة اخص مطلقاً من الثانية ، فتخصصها بفرض عدم الدخول ، وتكون النتيجة انتفاء الحرمة المؤبدة مع الجهل وعدم الدخول وثبوتها مع فرض الجهل والدخول ، وأمّا حالة العلم ، فالحرمة المؤبدة ثابتة فيها للموثقة. وبذلك نصل الى النتيجة التى أشرنا اليها فى المتن.

هذا لو فرض أن الصحيحة الثالثة ناظرة الى خصوص حالة الجهل.

وأمّا اذا كانت مطلقة من هذه الناحية ، فتكون النسبة بينهما ـ الثانية والثالثة ـ هي العموم من وجه. ويتعارضان فى فرض الجهل والدخول ويتساقطان فيه ويلزم الرجوع بعد التساقط الى إطلاق موثقة أديم ، لأن المقيّد له ـ وهو الصحيحة الثانية‏ ـ مبتليً بالمعارض. وبذلك نصل الى نفس النتيجة أيضاً.

١٤ ـ وأمّا أن من زنى بذات البعل تحرم عليه مؤبداً ، فهو المشهور ، (٢) بل ادّعى عليه

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٤٢ ، باب ١٦ من ابواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٦.

٢ ـ جواهر الكلام : ٢٩ / ٤٤٦.

٤١

الإجماع. واستند فى ذلك الي :

أ ـ التمسّك بدعوى الأولوية القطعية وأن الزواج بذات البعل اذا أوجب الحرمة الأبدية فالزنا بها أولى بإيجابه لذلك.

وفيه : أن الأولوية ممنوعة ، فإن الأحكام الشرعية تعبدية ولا طريق لنا الي معرفة ملاكاتها.

ب ـ التمسّك بما فى الفقه الرضوي : « ومن زنى بذات بعل محصناً كان أو غير محصن ثم طلقها زوجها أو مات عنها وأراد الذى زنا بها أن يتزوج بها لم تحل له أبداً ». (١)

وفيه : أن الكتاب المذكور لم تثبت نسبته الى إمامنا الرضا عليه‌السلام ليمكن الاعتماد عليه.

ج ـ التمسّك بدعوى الإجماع التى نقلها بعض الفقهاء.

وفيه : ان تحقق الإجماع غير ثابت. وعلى تقدير ثبوته لايمكن الحكم بحجيته ، لكونه محتمل المدرك.

ومع عدم ثبوت الدليل على الحرمة المؤبدة يمكن التمسّك لإثبات الحلية وترتب الأثر بعموم قوله تعالي : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ). (٢) وتبقى مراعاة الاحتياط تحفظاً من مخالفة المشهور أمرا لازما.

هذا كلّه فى الزواج أو الزنا بذات البعل. وأمّا الزواج والزنا بالمعتدة ، فيأتي حكمه إن‏شاء الله تعالى عند البحث عن الاعتداد.

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل : ١٤ / ٣٨٧ ، رقم ١٧٠٤٨.

٢ ـ النساء : ٢٤.

٤٢

الرضاع

اذا أرضعت امرأة ولد غيرها ـ ضمن الشروط الآتية ـ ترتبت على ذلك حرمة النكاح في الجملة وبالشكل التالي :

١ ـ صيرورة المرضعة اُماً للرضيع ، وصاحب اللبن أباً له ، وأخوتهما أخوالاً وأعماماً له ، وأخواتهما عمات وخالات له ، وأولادهما أخوة له. وهكذا تصير المرضعة جدة لأبناء الرضيع وصاحب اللبن جداً لأبناء الرضيع.

والضابط الكلّي : أن كلّ عنوان نسبى من العناوين السبعة المتقدمة اذا حصل مثله في الرضاع يكون موجباً للتحريم كالحاصل بالولادة ، وأما اذا لم يحصل بسببه أحد تلك العناوين فلا يكون موجباً لانتشار التحريم ـ إلاّ فى الاستثناء الآتي ـ وإن حصل بسببه عنوان خاص لو كان حاصلاً بالولادة لكان ملازماً مع أحد تلك العناوين ، كما لو أرضعت امرأة أحد أخوين ، فانها تحرم عليه لصيرورتها اُماً له ولا تحرم على الأخ الآخر؛ لأنها تصير بالرضاع اُم أخيه ، وهى ليست من المحرمات بعنوانها فى باب النسب وإنما تحرم فيه لكونها إما اُماً نسبية أو زوجة الأب.

٢ ـ تحرم على أبى الرضيع بنات المرضعة النسبيات دون الرضاعيات.

وتحرم عليه أيضاً بنات صاحب اللبن النسبيات والرضاعيات. وهذان هما الاستثناء من الضابط الكلّى المتقدّم.

٣ ـ يحرم الرضيع على أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعاً وعلى أولاد المرضعة ولادة لا رضاعاً.

٤ ـ فى جواز زواج أولاد أبى المرتضع الذين لم يرتضعوا من اللبن بأولاد المرضعة نسباً وأولاد الفحل مطلقاً خلاف.

٤٣

٥ ـ لا فرق فى انتشار الحرمة بالرضاع بين كونه سابقاً على العقد أو لاحقاً له ، فمن كانت له زوجة صغيرة وأرضعتها بنته أو زوجته الأخرى حرمت عليه لصيرورتها بنتاً له ، وهكذا في بقية الأمثلة.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أن الرضاع سبب لتحقق حرمة النكاح فى الجملة ، فهو من ضروريات الدين. ويدلّ عليه قوله تعالي : ( حرّمت عليكم .... اُمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ) (١) ، وقول الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (٢) ، وقول صادق أهل البيت عليه‌السلام : « يحرم من الرضاع ما يحرم من القرابة ». (٣)

هذا ما ورد بنحو الضابط الكلى وإلاّ فالوارد فى الموارد المتفرقة فوق حدّ الإحصاء.

٢ ـ وأمّا صيرورة المرضعة اُماً للرضيع وصاحب اللبن أباً له و ... ، فباعتبار أن الآية الكريمة وإن كانت خاصة بالاُمهات والأخوات إلاّ أن ذلك لايقتضى قصر الحرمة عليهما ـ وإن نسب اختيار ذلك الى بعض العامة(٤) ـ بعد استفادة عموم التنزيل من الروايات.

٣ ـ وأما قصر الحرمة على ما اذا حصل بالرضاع أحد العناوين السبعة دون ما يلازمها ، فلأن ذلك هو المستفاد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يحرم من الرضاع ما يحرم من

__________________

١ ـ النساء : ٢٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٢٨٠ ، باب ١ من ابواب ما يحرم بالرضاع ، حديث ١ ، ٣ ، ٤ ، ....

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٢٨١ ، باب ١ من ابواب ما يحرم بالرضاع ، حديث ٢.

٤ ـ جواهر الكلام : ٢٩ / ٣٠٩.

٤٤

النسب » ، فإن ظاهره النظر الى العناوين الثابت تحريمها فى الشريعة ، وليست هي إلاّ السبعة دون ما يلازمها.

ثم إنه مع التنزل وفرض اجمال دليل التنزيل من هذه الناحية واحتمال إرادة

عموم المنزلة منه يلزم الرجوع الى الأصل المستفاد من قوله تعالي : ( وأحلّ لكم ما وراء ذلكم ) (١) ، كما تقتضيه القاعدة فى مورد تردد المخصص المنفصل بين الاقل والاكثر ، والنتيجة واحدة على كلا التقديرين.

وبهذا يتضح النظر فيما صار اليه المحقق المير محمد باقر الداماد من استفادة عموم المنزلة من دليل التنزيل وألّف رسالة فى ذلك ونسب ما صار اليه الى المشهور(٢).

ثم إن الثمرة فى هذا الخلاف كبيرة ، فعلى رأى المشهور تنحصر دائرة انتشار الحرمة بالمرتضع وفروعه من جهة والمرضعة وصاحب اللبن واُصولهما وفروعهما ومن كان فى طبقتهما من جهة اُخري ، ولا يتعدى لما سوى ذلك ، لأن العناوين السبعة لاتتحقق إلاّ فيما ذكر ، بخلافه بناءً على عموم المنزلة ، فإن الحرمة تتعدى الى اُصول المرتضع ومن كان فى طبقته من جهة والمرضعة وصاحب اللبن واُصولهما وفروعهما ومن كان فى طبقتهما من جهة اُخري.

أجل هناك استثناء ـ على رأى المشهور ـ تأتى الاشارة اليه إن شاء الله تعالى في رقم ٤ و ٥.

٤ ـ وأمّا أنه تحرم على أبى المرتضع بنات المرضعة بالرغم من عدم اقتضاء

__________________

١ ـ النساء : ٢٤.

٢ ـ الحدائق الناضرة : ٢٣ / ٣٨٦ ـ ٣٨٧.

٤٥

القاعدة لذلك ـ حيث لايصرن بالاضافة اليه إلاّ أخوات لولده ، واُخت الولد ليست من المحرمات بعنوانها فى باب النسب وإنما تحرم إمّا لكونها بنتاً أو ربيبة‏ ـ فلصحيحة أيوب بن نوح : « كتب على بن شعيب الى أبى الحسن عليه‌السلام : امرأة أرضعت بعض ولدى هل يجوز لى أن أتزوّج بعض ولدها؟ فكتب عليه‌السلام : لايجوز ذلك لك ، لأن ولدها صارت بمنزلة ولدك » (١) وغيرها.

وأمّا قصر الحكم على بنات المرضعة من النسب دون الرضاع ، فلظهور كلمة « الولد » فى الصحيحة فى ذلك ، وفى غيره يتمسّك بأصالة الحل المستفادة من قوله تعالي : ( وأحلّ لكم ما وراء ذلكم ). (٢)

٥ ـ وأمّا أنه يحرم على أبى المرتضع بنات صاحب اللبن ـ وهو ما يعبَّر عنه في لسان الفقهاء بجملة : لا ينكح أبو المرتضع فى أولاد صاحب اللبن نسباً ولا رضاعاً ـ بالرغم من عدم اقتضاء القاعدة لذلك ـ بالبيان المتقدم ـ فلصحيحة على بن مهزيار : « سأل عيسى بن جعفر بن عيسى ابا جعفر الثانى عليه‌السلام أن امرأة أرضعت لى صبياً فهل يحل لى أن اتزوج ابنة زوجها؟ فقال لي : ما اجود ما سألت ، من ههنا يؤتى أن يقول الناس حرمت عليه امرأته ، من قِبَل لبن الفحل ، هذا هو لبن الفحل لا غيره. (٣)

فقلت له : الجارية ليست ابنة المرأة التى أرضعت لي ، هى ابنة غيرها ، فقال : لو كنّ

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٠٦ ، باب ١٦ من ابواب ما يحرم بالرضاع ، حديث ١.

٢ ـ النساء : ٢٤.

٣ ـ اى من ههنا يأتى الجهل على الناس حيث يقولون : ان لبن الفحل يحرّم زوجة الفحل عليه ، ولكنه اشتباه ، فان لبن الفحل لا يوجب ذلك بل يوجب ما ذكرت وهو حرمة بنت صاحب اللبن على ابى المرتضع.

هكذا فسرّ فى الوافي : ٢١ / ٢٤٧ ، العبارة المذكورة. وفسّرها الحرّ فى هامش وسائله بشكل آخر فراجع. والامر سهل بعد عدم توقف الاستدلال بالصحيحة على فهم المراد من الجملة المذكورة.

٤٦

عشراً متفرقات ما حلّ لك شيء منهنّ ، وكنّ فى موضع بناتك » (١).

وأمّا التعميم لبنات صاحب اللبن من الرضاع أيضاً ، فلفرض وحدة الفحل هنا ، فيقوم الرضاع مقام النسب تمسّكاً بإطلاق : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » ، فاذا حرمت البنات من النسب لصحيحة ابن مهزيار ، حرمت البنات من الرضاع أيضا تمسّكا بالإطلاق المذكور.

٦ ـ وأمّا حرمة الرضيع على بنات صاحب اللبن ولادة أو رضاعاً ، فلأنهنّ أخوات من الأب والاُم أو من الأب فقط ، والأخوات هنّ من أحد العناوين المحرّمة بالنسب ، فتحرمن فى الرضاع أيضاً.

وأمّا حرمة من ينتسب الى المرضعة بالنبوة ولادة ، فلكونهم اخوة من الاُم فيحرمون.

وأمّا عدم حرمة من ينتسب الى المرضعة بالنبوة رضاعاً ، فلعدم اتحاد الفحل الذى هو شرط فى انتشار الحرمة ، كما يأتى إن شاء اللّه تعالي.

٧ ـ وأمّا زواج أولاد أبى المرتضع ببنات المرضعة ولادة وبنات صاحب اللبن ولادة أو رضاعاً ، فقد اختار الشيخ فى الخلاف والنهاية عدم جوازه ، بتقريب أن التعليل فى صحيحة ابن مهزيار المتقدّمة يدلّ على تنزيل بنات صاحب اللبن منزلة بنات أبى المرتضع ، وهكذا التعليل فى صحيحة أيوب بن نوح يدلّ على تنزيل بنات المرضعة منزلة بنات أبى المرتضع ، ولازم ذلك صيرورة أولاد أبى المرتضع إخوة لبنات صاحب اللبن ولبنات المرضعة ، ومعه لايجوز لهم الزواج بهنّ(٢).

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٢٩٦ ، باب ٦ من ابواب ما يحرم بالرضاع ، حديث ١٠.

٢ ـ الحدائق الناضرة : ٢٣ / ٣٩٩.

٤٧

وفيه : ان التنزيل فى الصحيحتين قد ثبت بلحاظ أبى المرتضع فقط ، وذلك لايستلزم اُخوّة بنات صاحب اللبن وبنات المرضعة لأولاد أبى المرتضع ، اذ التعبد يتحدد بدائرته ولايسرى الى غيرها ، بعد ما لم تكن الملازمة شرعية.

وعليه ، فالمناسب هو الحكم بالجواز ، تمسّكاً بعموم قوله تعالي : ( وأحلّ لكم ما وراء ذلكم ). (١)

٨ ـ وأمّا عدم الفرق فى انتشار الحرمة بالرضاع بين كونه سابقاً على العقد أو لاحقاً ، فلصحيحة محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه‌السلام : « لو أنّ رجلاً تزوج جارية رضيعة فأرضعتها امرأته فسد النكاح » (٢) وغيرها.

بل يكفينا إطلاق ما دلّ على تنزيل الرضاع منزلة النسب بلا حاجة الي نص خاص.

__________________

١ ـ النساء : ٢٤.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٠٢ ، باب ١٠ من ابواب ما يحرم بالرضاع ، حديث ١.

٤٨

شروط الرضاع المحرّم

لايوجب الرضاع انتشار الحرمة إلاّ اذا تحقّقت الشروط التالية :

١ ـ حصول اللبن من ولادة شرعية.

٢ ـ الارتضاع من الثدى فلا يكفى غيره ، كشرب اللبن المحلوب.

٣ ـ عدم تجاوز الرضيع للحولين.

٤ ـ خلوص اللبن فلايكفى اذا كان ممزوجاً بغيره مما يسلبه اسم اللبن.

٥ ـ كون اللبن بتمامه من رجل واحد ، فلو ولدت المرأة من زوجها الأول وتزوجت بآخر وحملت منه وقبل أن تلد ارضعت بلبن ولادتها الاُولى صبياً عشر رضعات ثم بعد ولادتها الثانية أكملتها بخمس ـ إمّا من دون تخلل المأكول والمشروب أو مع فرض تخللهما بناءً على عدم اخلال فصلهما فى نشر الحرمة ، كما سيأتى إن شاء الله تعالي‏ ـ لم يكف ذلك لانتشار الحرمة.

٦ ـ وحدة المرضعة ، فلو كانت لرجل واحد زوجتان اشتركتا فى ارضاع طفل واحد خمس عشرة رضعة لم يكف ذلك.

٧ ـ أن يكون الارتضاع موجباً لإنبات اللحم وشدّ العظم.

والطريق الشرعى لإحراز ذلك : ارتضاع يوم وليلة أو تحقق عشر رضعات متوالية. وقيل خمس عشرة رضعة.

٨ ـ عدم الفصل برضاع آخر فى التحديد الكمّى والزماني ، بخلافه فى التحديد الكيفي فإنه لا يعتبر فيه ذلك.

وأمّا الفصل بالأكل والشرب ، فلا يعتبر عدمه فى التحديد الكيفى وفى الخمس عشرة رضعة بخلافه فى التحديد الزمانى فإنه يعتبر فيه عدمه.

٤٩

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا اعتبار كون اللبن من ولادة شرعية ، فلا خلاف فيه. ويمكن استفادته من صحيحة عبد الله بن سنان : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن لبن الفحل ، قال : هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد امرأة اُخرى فهو حرام » (١) ، بتقريب أن اسناد اللبن الى الفحل والولد يدلّ على اعتبار الوط‏ء والحمل والولادة. والتعبير ب ـ « امرأتك » يدلّ على اعتبار العقد الشرعى وعدم كفاية الولادة عن زنا.

ويدلّ عليه أيضاً فى الجملة صحيح يونس بن يعقوب عن أبى عبد الله عليه‌السلام : « سألته عن امرأة درَّ لبنها من غير ولادة فأرضعت جارية وغلاماً من ذلك اللبن هل يحرم بذلك اللبن ما يحرم من الرضاع؟ قال : لا ». (٢)

٢ ـ وأمّا اعتبار صدق عنوان الارتضاع من الثدى ، فلأن الحكم فى الادلّة منصبٌّ على عنوان الارضاع والرضاعة ونحو ذلك ، وهو لايصدق عرفاً من دون الامتصاص من الثدي ، ولذا لا يقال لمن شرب الحليب المحلوب من البقرة أنه ارتضع منها ، بخلاف ما لو امتصه من ثديها.

ومع التنزل وتسليم صدقه بدون ذلك ، فيمكن أن يقال بانصرافه الى النحو المتعارف منه ، وفيما عداه يرجع الى عموم قوله تعالي : ( وأحلّ لكم ما وراء ذلكم ). (٣)

٣ ـ وأمّا اعتبار أن يكون الرضاع فى الحولين للمرتضع ، فهو المعروف بين

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٢٩٤ ، باب ٦ من ابواب ما يحرم بالرضاع ، حديث ٤.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٠٢ ، باب ٩ من ابواب ما يحرم بالرضاع ، حديث ١.

٣ ـ النساء : ٢٤.

٥٠

الأصحاب (١) لصحيحة الحلبى عن أبى عبد الله : « لا رضاع بعد فطام ». (٢) وظاهرها وإن كان يدلّ على كون المدار على الفطام الفعلى دون الوصول الى سنّ الفطام ، وهو الحولان إلاّ انه لابدّ من رفع اليد عن ذلك ، لرواية حماد بن عثمان : « سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : « لا رضاع بعد فطام ، قلت : وما الفطام؟ قال : الحولين الذى قال الله عزّوجل » (٣) ، حيث فسّرت الفطام بالحولين دون الفطام الفعلي. وسندها وإن اشتمل على « سهل » إلاّ أن الأمر فيه سهل ، إن شاء الله تعالي.

٤ ـ وأمّا اعتبار الخلوص ، فلأن نشر الحرمة يتوقف على صدق عنوان ارتضاع اللبن ، ومع المزج الموجب لسلب الاسم لايصدق ذلك.

٥ ـ وأمّا اعتبار كون اللبن لفحل واحد ، فهو المشهور(٤). ويمكن استفادته من صحيحة ابن سنان المتقدمة حيث ورد فيها : « هو ما أرضعت امرأتك من لبنك » ، فإن عنوان لبنك لا يصدق مع تعدد الفحل.

ومنه يتضح الوجه فى اعتبار وحدة المرضعة ، فإن ظاهر كلمة « امرأتك » هو شخص امرأتك دون جنسها.

هذا مضافاً الى تصريح موثقة زياد بن سوقة الاتية باعتبار كلا الأمرين.

٦ ـ وأمّا تحديد مقدار الرضاع الناشر للحرمة ، فقد وقع محلاً للخلاف. ومنشؤه اختلاف الروايات.

وهى بالرغم من اختلافها اتفقت على التحديد الكيفى وأن الارضاع متى ما

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٢٩ / ٢٩٦.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٢٩١ ، باب ٥ من ابواب ما يحرم بالرضاع ، حديث ٢.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٢٩١ ، باب ٥ من ابواب ما يحرم بالرضاع ، حديث ٥.

٤ ـ جواهر الكلام : ٢٩ / ٣٠١.

٥١

أوجب نبات اللحم وشد العظم تحقق به نشر الحرمة.

بل يظهر منها أن المدار فى نشر الحرمة هو التحديد الكيفي ، وأن التحديد الزمانى والكمى ذكر كطريق لاحراز ذلك ، كما نجد ذلك واضحاً فى صحيحة علي ابن رئاب عن أبى عبدالله عليه‌السلام « قلت : ما يحرم من الرضاع؟ قال : ما أنبت اللحم وشدّ العظم. قلت : فتحرّم عشر رضعات؟ قال : لا ، لأنه لا تنبت اللحم ولا تشدّ العظم عشر رضعات » (١) وغيرها.

والاختلاف فى الروايات ينحصر فى ضبط التحديد الكمي ، ففى بعضها اكتفي بعشر رضعات متوالية ، وفى بعضها الآخر اعتبر خمس عشرة رضعة.

مثال الأول : صحيحة عمر بن يزيد : « سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الغلام يرضع الرضعة والثنتين ، فقال : لا يحرّم ، فعددت عليه حتى أكملت عشر رضعات ، فقال : اذا كانت متفرقة فلا ». (٢)

ومثال الثانى : موثقة زياد بن سوقة : « قلت لأبى جعفر عليه‌السلام : هل للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال : لا يحرّم الرضاع أقلّ من يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها ، فلو أن امرأة أرضعت غلاماً أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد وأرضعتها امرأة اُخرى من فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما ». (٣)

وحيث ان التعارض فى المقام مستقر ولا مرجح فى البين ، فيلزم التساقط والرجوع الى الأصل بلحاظ كل اثر بخصوصه ، فبالنسبة الى صحة العقد على من

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٢٨٣ ، باب ٢ من ابواب ما يحرم بالرضاع ، حديث ٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٢٨٣ ، باب ٢ من ابواب ما يحرم بالرضاع ، حديث ٥.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٢٨٣ ، باب ٢ من ابواب ما يحرم بالرضاع ، حديث ١.

٥٢

رضعت عشراً يستصحب عدم ترتب الأثر ، وبالنسبة الى جواز النظر تجرى البراءة على فرض عدم وجود عموم يصلح التمسك به.

٧ ـ وأمّا اعتبار عدم الفصل برضاع آخر فى التحديد الكمى ، فلدلالة موثقة زياد وصحيحة عمر بن يزيد على ذلك بوضوح.

وأمّا اعتبار ذلك فى التحديد الزماني ، فلانصراف عنوان اليوم والليلة الى ذلك.

وأمّا عدم اعتبار ذلك فى التحديد الكيفي ، فلأنّ اللازم بناءً عليه نبات اللحم واشتداد العظم ، ولايهم بعد تحققه ثبوت الفصل بأى شيء كان لإطلاق النصوص من هذه الناحية.

٨ ـ وأمّا أن الفصل بالأكل والشرب لا يعتبر عدمه فى التحديد بخمس عشرة رضعة ، فلأن موثقة زياد قد قيدت الفاصل الذى يعتبر عدمه بالرضاع من امرأة اُخري ، وهذا بخلافه لو أخذنا برواية العشر ، فإنه يعتبر عدم الفصل بذلك لاعتبار عدم التفرق فيها الذى لايصدق مع الفصل بالأكل والشرب.

وأمّا أنه لا يعتبر عدم الفصل بذلك فى التحديد الكيفي ، فلأن المعتبر فيه اشتداد العظم ونبات اللحم كيفما اتفق ، لفرض إطلاق الروايات من هذه الناحية.

وأمّا انه يعتبر عدم الفصل بذلك فى التقدير الزماني ، فلعدم صدق عنوان اليوم والليلة مع الفصل المذكور.

أجل ، لا يضر مثل شرب الماء والدواء بمقدار قليل ، لانه أمر متعارف فى اليوم والليلة ولا يضر بالصدق عرفاً.

٥٣

الاعتداد

لا يجوز الزواج بالمرأة فى عدّتها من الغير.

وتحرم مؤبداً مع علمهما أو علم أحدهما بالصغرى والكبرى ولو مع عدم الدخول. ومع الدخول تحرم كذلك ولو مع جهلهما بذلك.

ولا فرق فى الدخول بين كونه فى القبل أو الدبر.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا حرمة الزواج بالمعتدة من الغير ، فهو من ضروريات الفقه. وقد دلّ علي ذلك الكتاب الكريم فى الجملة. قال تعالى ( واذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن اذا تراضوا بينهم بالمعروف ) (١) ، فإنها بالمفهوم تدلّ على المطلوب.

وقال : ( والمطلقات يتربصن بانفسهن ثلاثة قروء ) (٢) ، فإن المقصود من وجوب التربّص ـ ولا أقلّ بقرينة الآية الاُولى ـ هو الامتناع من الزواج.

وقال تعالي : ( يا أيّها النبى اذا طلقتم النساء فطلقوهنّ لعدّتهنّ وأحصوا العدة ) (٣) ، فإنه لا معنى لإحصاء العدة إلاّ اذا فرض حرمة الزواج فيها.

وقال : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً فاذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن فى أنفسهنّ بالمعروف ) (٤) ، فإنه لا

__________________

١ ـ البقرة : ٢٣٢.

٢ ـ البقرة : ٢٢٨.

٣ ـ الطلاق : ١.

٤ ـ البقرة : ٢٣٤.

٥٤

معنى لوجوب التربص ـ ولو بقرينة ذيلها ـ إلاّ حرمة زواجها بالغير.

هذا من حيث الكتاب الكريم.

وأمّا الروايات فيمكن استفادة ذلك من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الآتية وغيرها.

٢ ـ وأمّا التقييد بما اذا كانت العدة من الغير ، فباعتبار أن المفهوم من نصوص تشريع العدة كون المنع من الزواج هو لاحترام ذى العدة.

واذا شكك فى ذلك أمكن التمسّك بنصوص الزواج المؤقت الدالّة على جواز تجديد الزوج العقد فى العدّة ـ بعد ضمّ عدم القول بالفصل ـ كما فى صحيح محمد ابن مسلم حيث سأل أبا عبدالله عليه‌السلام عن المتعة ، فقال : « إن أراد أن يستقبل أمراً جديداً فعل ، وليس عليها العدّة منه ، وعليها من غيره خمس وأربعون ليلة » (١) وغيره.

٣ ـ وأمّا الحرمة المؤبدة ، فلابدّ لإثباتها من الاستعانة بالروايات. وهى علي طوائف أربع :

أ ـ ما دلّ على الحرمة المؤبدة مطلقاً.

ب ـ ما دلّ على نفيها مطلقاً.

ج ـ ما دلّ على التفصيل بين حالة العلم ، فتحرم مؤبداً وحالة الجهل ، فلا تحرم.

د ـ ما دلّ على التفصيل بين فرض الدخول فتحرم مؤبداً وبين عدمه فلا تحرم.

مثال الاُولي : رواية محمد بن مسلم : « سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الرجل يتزوج

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٤٧٥ ، باب ٢٣ من ابواب المتعة ، حديث ١.

٥٥

المرأة فى عدّتها ، قال : يفرّق بينهما ولا تحل له أبداً ». (١)

وسندها لا يخلو من إشكال لاشتماله على عبد الله بن بحر الذى لم تثبت وثاقته إلاّ بناء على تمامية كبري : وثاقة جميع رجال تفسير القمي. (٢)

ومثال الثانية : صحيحة على بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام : سألته عن امرأة تزوجت قبل أن تنقضى عدتها ، قال : يفرّق بينها وبينه ويكون خاطباً من الخُطّاب » (٣).

وسندها فى رواية قرب الاسناد وإن اشتمل على عبدالله بن الحسن الذى هو مجهول الحال إلاّ ان صاحب الوسائل قد رواها من كتاب على بن جعفر نفسه ، وطريقه اليه صحيح كما تقدم أكثر من مرة. (٤)

ومثال الثالثة : موثقة اسحاق بن عمار : « قلت لأبى ابراهيم عليه‌السلام : بلغنا عن أبيك أن الرجل اذا تزوّج المرأة فى عدتها لم تحل له أبداً ، فقال : هذا اذا كان عالماً ، فاذا كان جاهلاً فارقها وتعتد ثم يتزوجها نكاحاً جديداً ». (٥)

ومثال الرابعة : صحيحة الحلبى عن أبى عبد الله عليه‌السلام : « سألته عن المرأة الحبلي يموت زوجها فتضع وتزوج قبل أن تمضى لها أربعة أشهر وعشراً ، فقال : إن كان دخل بها فُرّق بينهما ولم تحل له أبداً واعتدت ما بقى عليها من الأول واستقبلت عدة اُخرى من الآخر ثلاثة قروء وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما واعتدت بما بقى عليها من الأول وهو خاطب من الخُطّاب ». (٦)

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٥٠ ، باب ١٧ من ابواب ما يحرمن بالمصاهرة ، حديث ٢٢.

٢ ـ لاستيضاح الكبرى المذكورة لاحظ كتاب دروس تمهيدية فى القواعد الرجالية : ص ١٧١.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٤٩ ، باب ١٧ من ابواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ١٩.

٤ ـ لاحظ : ص ٢٣٢ من الجزء الثانى من هذا الكتاب.

٥ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٤٧ ، باب ١٧ من ابواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ١٠.

٥٦

والمناسب الجمع بينها بما دلّت عليه صحيحة الحلبى الاُخرى عن أبي عبدالله عليه‌السلام : « اذا تزوج الرجل المرأة فى عدتها ودخل بها لم تحل له أبداً عالماً كان أو جاهلاً ، وإن لم يدخل حلت للجاهل ولم تحل للآخر » (١) بأن يقيد إطلاق كلّ واحدة من الطوائف بما تقتضيه الصحيحة المذكورة.

٤ ـ وأمّا إن علم أحدهما يكفى فى تحقق الحرمة المؤبدة ، فهو واضح لو كان العالم هو الزوج ، لكون ذلك مورد موثقة اسحاق المتقدمة.

وأمّا لو كان العالم هو الزوجة ، فيمكن التمسّك بذيل صحيحة ابن الحجاج الآتية ، فإنه بإطلاقه يشمل الزوجة ، وعدم ثبوت الحلية لها بالرجوع كافٍ فى اثبات المطلوب.

٥ ـ وأمّا أن المقصود من العلم الموجب للحرمة المؤبدة هو العلم بالصغري والكبرى ، فباعتبار أن ظاهر الروايات المتقدمة وإن كان هو إرادة العلم بالعدة ، إلاّ أن العلم بها لمّا كان يلازم العلم بالحرمة عادة ، فيثبت أن المراد من العلم الذى هو سبب للحرمة المؤبدة هو العلم بالموضوع والحكم معاً ، ولا يكفى العلم بأحدهما فى تحقق الحرمة المؤبدة.

ولو قطعنا النظر عن هذا ، فيمكن استفادة ذلك بوضوح من صحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج عن أبى ابراهيم عليه‌السلام : « سألته عن الرجل يتزوج المرأة فى عدّتها بجهالة أهى ممن لا تحل له أبداً؟ فقال : لا ، أمّا اذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضى عدتها وقد يعذر الناس فى الجهالة بما هو أعظم من ذلك ، فقلت : بأى الجهالتين يعذر بجهالته ان ذلك محرّم عليه أم بجهالته أنها فى عدة؟ فقال : احدى الجهالتين أهون من

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٤٦ ، باب ١٧ من اواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٦.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٤٥ ، باب ١٧ من ابواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٣.

٥٧

الاخري ، الجهالة بأن الله حرّم ذلك عليه ، وذلك بأنه لايقدر على الاحتياط معها؛ فقلت : وهو فى الاُخرى معذور؟ قال : نعم اذا انقضت عدتها فهو معذور فى أن يتزوجها؛ فقلت : فإن كان أحدهما متعمدا والآخر بجهل ، فقال : الذى تعمد لا يحل له أن يرجع الى صاحبه أبدا ». (١)

٦ ـ وأمّا كفاية الدخول فى الدبر فى تحقق الحرمة المؤبدة ، فلإطلاق ما تقدم.

استيفاء العدد

لا تجوز الزيادة فى العقد الدائم على أربع زوجات.

ومن كانت عنده أربع وطلّق واحدة رجعياً ، فلا يجوز له الزواج بالخامسة إلاّ بعد انتهاء العدة.

ومن طلّق زوجته ثلاثاً وقد تخلل بينها رجعتان أو ما بحكمهما ولم يتخلل بينها نكاح رجل آخر حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره. واذا تكرر الطلاق بعد ذلك حرمت فى السادس كما سبق ، وفى التاسع تحرم مؤبداً على بيان يأتى فى باب الطلاق إن شاء الله تعالي.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا عدم جواز الزيادة على أربع ، فممّا لاخلاف فيه بين المسلمين(٢). ويمكن استفادته من قوله تعالي : « وإن خفتم أن لا تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة » (٣) ، فإن العدد وإن لم

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٤٥ ، باب ١٧ من ابواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٤.

٢ ـ جواهر الكلام : ٣٠ / ٢.

٣ ـ النساء : ٣.

٥٨

يكن له مفهوم إلاّ أن ذلك اذا لم يسق فى مقام التحديد وإلاّ ثبت له ، وظاهر الآيه الكريمة سوقها لذلك.

والروايات الدالّة على ذلك كثيرة ، كصحيح زرارة ومحمد بن مسلم عن أبى عبدالله عليه‌السلام : « اذا جمع الرجل أربعاً وطلّق احداهن فلا يتزوج الخامسة حتي تنقضى عدّة المرأة التى طلّق. وقال : لا يجمع ماءه فى خمس » (١) وغيرها.

واحتمال كون المقصود تحريم وط‏ء الخامسة دون أصل الزواج بها لقوله عليه‌السلام : « لا يجمع ماءه على خمس » ضعيف ، لأن ظاهره الكناية عن الزواج؛ ومع التنزل تكفينا الروايات الاُخري.

٢ ـ وأمّا التخصيص بالعقد الدائم ، فلا خلاف فيه. وتدلّ عليه الروايات الكثيرة ، كصحيحة زرارة : « قلت : ما يحل من المتعة؟ قال : كم شئت » (٢) وغيرها.

ولا يضرها اضمارها بعد ما كان المضمر مثل زرارة الذى لا تليق به الرواية عن غير الامام عليه‌السلام. على أن بالامكان التعويض عنهابالروايات الاُخري.

واذا قيل : إن موثقة عمار عن أبى عبدالله عليه‌السلام قالت عن المتعة : « هي أحد الأربعة » (٣) ، وهذا يدلّ على الخلاف.

قلنا : لابدّ من توجيهها بشكل آخر لعدم التزام أحد بمضمونها. ويمكن حملها على إرادة الاحتياط تحفظاً من إنكار المخالفين ، كما دلّت عليه بوضوح صحيحة البزنطى عن أبى الحسن الرضا عليه‌السلام : « قال أبو جعفر عليه‌السلام : اجعلوهن من الأربع ، فقال له

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٩٩ ، باب ٢ من ابواب ما يحرم باستيفاء العدد ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٤٤٦ ، باب ٤ من ابواب المتعة ، حديث ٣.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٤٤٨ ، باب ٤ من ابواب المتعة ، حديث ١٠.

٥٩

صفوان بن يحيي : على الاحتياط؟ قال : نعم ». (١)

٣ ـ وأمّا عدم جواز الزواج بالخامسة لمن طلّق واحدة رجعياً قبل انتهاء عدتها ، فلاخلاف فيه(٢). وتدلّ عليه صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة وغيرها.

وأمّا تقييد الطلاق بما اذا كان رجعياً ، فهو المشهور باعتبار انقطاع العصمة في البائن. (٣)

والمناسب التعميم ، لإطلاق الصحيحة المتقدمة وغيرها إلاّ ان يثبت إجماع تعبدى على خلافه فيكون مقيداً.

الكفر

لا يجوز للمسلم الزواج بالكافرة غير الكتابية. وفى جوازه بالكتابية خلاف.

وأمّا المسلمة فلا يجوز لها الزواج بغير المسلم مطلقاً.

ولا يجوز للمسلم الزواج بالكتابية على زوجته المسلمة بدون إذنها ، حتى بناءً على جواز زواج المسلم بالكتابية.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا عدم جواز زواج المسلم بالكافرة غير الكتابية ، فقد ادّعى عليه الإجماع(٤). وقد يستدلّ له بقوله تعالى ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركه ولو اعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا. ولعبد مؤمن خير من

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٤٤٨ ، باب ٤ من ابواب المتعة ، حديث ٩.

٢ ـ جواهر الكلام : ٣٠ / ٩.

٣ ـ جواهر الكلام : ٣٠ / ٩.

٤ ـ جواهر الكلام : ٣٠ / ٢٧.

٦٠