دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢١٩

٢ ـ وأمّا اختصاص الولاية بالجد للأب دون ما لو كان للاُم ، فتدلّ عليه ـ مضافاً الى كفاية القصور فى المقتضى ـ صحيحة ابن مسلم المتقدمة ، فإنها ظاهرة في اختصاص الولاية بالجد للأب.

٣ ـ وأمّا ولاية الأب والجد على المجنون ، فلصحيحة أبى خالد القماط : « قلت لأبى عبد الله عليه‌السلام : الرجل الأحمق الذاهب العقل يجوز طلاق وليّه عليه؟ قال : ولِمَ لايطلّق هو؟ قلت : لا يؤمن إن طلّق هو أن يقول غداً : لم اُطلق أو لا يحسن أن يطّلق ، قال : ما أرى وليّه إلاّ بمنزلة السلطان » (١) وغيرها ، فإن القدر المتيقن فى المراد من الولى هو الأب والجد ، واذا ثبت كونه بمنزلة السلطان فى الطلاق ثبت كونه كذلك فى النكاح بالأولوية.

وبقطع النظر عن الصحيحة المذكورة يمكن التمسّك باستصحاب الولاية الثابتة قبل البلوغ.

٤ ـ وأمّا القول بعموم الولاية لحالة الجنون الطاري‏ء بعد البلوغ الذى ذهب اليه بعض الفقهاء ، فيمكن الاستدلال له بإطلاق الصحيحة السابقة وما هو بمضمونها.

٥ ـ وأمّا ولاية الأبوين فى زواج البكر ، فقد وقعت محلاً للاختلاف ، فقيل باستقلالهما فى ذلك ، وقيل باستقلالها ، وقيل بالتشريك. (٢)

ومنشأ ذلك اختلاف الروايات ، فإنها على طوائف نذكر من بينها :

أ ـ ما دلّ على استقلال الأب. وهى روايات متعددة تبلغ ستاً أو أكثر وفيها الصحاح ، كصحيحة الحلبى عن أبى عبد الله عليه‌السلام : « سألته عن البكر اذا بلغت مبلغ

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٣٢٩ ، باب ٣٥ من ابواب مقدمات الطلاق ، حديث ١.

٢ ـ العروة الوثقي ، كتاب النكاح ، فصل فى اولياء العقد ، مسأله ١.

٢١

النساء ألها مع أبيها أمر؟ فقال : ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيّب » (١) وغيرها.

ب ـ ما دلّ على اعتبار إذن الأب من دون دلالة على الاستقلالية. وهى روايات متعددة تبلغ ستاً أو أكثر وفيها الصحاح أيضاً ، كصحيحة ابن أبى يعفور عن أبي عبدالله عليه‌السلام : « لاتنكح ذوات الأباء من الأبكار إلاّ باذن آبائهن » (٢) وغيرها.

ج ـ ما دلّ على اعتبار إذن البكر وعدم استقلال الأب. وهو روايتان :

احداهما : صحيحة منصور بن حازم عن أبى عبدالله عليه‌السلام : « تستأمر البكر وغيرها ولاتنكح إلاّ بأمرها ». (٣)

ثانيتهما : صحيحة صفوان : « استشار عبد الرحمن موسى بن جعفر عليه‌السلام فى تزويج ابنته لابن أخيه فقال : افعل ويكون ذلك برضاها ، فإن لها فى نفسها نصيباً. قال : واستشار خالد بن داود موسى بن جعفر عليه‌السلام فى تزويج ابنته على بن جعفر فقال : افعل ويكون ذلك برضاها فان لها فى نفسها حظاً ». (٤)

د ـ ما دلّ على استقلال البكر فى أمرها. ولا توجد رواية صريحة تدلّ علي ذلك سوى رواية سعدان بن مسلم : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام لا بأس بتزويج البكر اذا رضيت بغير اذن ابيها ». (٥)

ولابدّ من اسقاط هذه الرواية من الحساب ، لأن الروايات الدالّة على اعتبار إذن الأب استقلالاً أو فى الجملة هى اثنتا عشرة رواية بل أكثر ، ولكثرتها تشكّل عنوان

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٢٠٣ ، باب ٣ من ابواب عقد النكاح ، حديث ١١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٢٠٨ ، باب ٦ من ابواب عقد النكاح ، حديث ٥.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٢١٤ ، باب ٩ من ابواب عقد النكاح ، حديث ١.

٤ ـ وسائل الشيعه : ١٤ / ٢١٤ ، باب ٩ من ابواب عقد النكاح ، حديث ٢.

٥ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٢١٤ ، باب ٩ من ابواب عقد النكاح ، حديث ٤.

٢٢

السنّة القطعية ويلزم طرح المخالف للسنّة القطعية.

هذا مضافاً الى أن الرواية ضعيفة السند فى نفسها ، لأن سعدان لم تثبت وثاقته إلاّ بناءً على تمامية كبرى وثاقة كلّ من ورد فى كامل الزيارة أو تفسير القمي. (١)

وعليه فالأمر يبقى دائراً بين الطوائف الثلاث الاُوَل.

والجميع يشترك فى الدلالة على اعتبار إذن الأب فى الجملة ، ولا معارضة فيما بينها من هذه الناحية ، وإنما المعارضة بلحاظ الزائد ، وهو اعتبار موافقتها أيضاً. وتتساقط بلحاظ هذا الزائد ويلزم الرجوع الى الأصل. والنتيجة على ذلك اعتبار موافقة الطرفين : الأب ، والبنت.

أمّا الأب فلفرض دلالة الروايات على اعتبار إذنه بلا معارضة.

وأمّا البنت فباعتبار أننا نشك فى ترتب الأثر على العقد من دون موافقتها ، والأصل يقتضى عدم ترتبه.

٥ ـ وأمّا أن المعتبر إذن أبيها أو جدها فباعتبار أن الجد للأب أب حقيقة فيشمله ما دلّ على اعتبار إذن الأب.

٦ ـ وأمّا أن الثيّب تستقل فى أمرها فالنصوص والفتاوى متفقة عليه. وقد تقدمت الإشارة الى بعضها ضمن الحديث عن البكر.

أحكام النظر

لايجوز للرجل النظر الى بدن الأجنبية ولو من دون تلذذ. واستثنى جمع من الفقهاء من ذلك الوجه والكفين.

__________________

١ ـ لاحظ : كتاب دروس تمهيدية فى القواعد الرجالية : ص ١٧١ ، ١٧٥.

٢٣

وفى جواز نظر المرأة الى الرجل خلاف.

ويجوز لكلٍّ من الرجل والمرأة النظر الى بدن مماثله ما عدا العورة.

ويستثنى من حرمة النظر الى الأجنبية حالة الضرورة كالانقاذ من الغرق والحرق ونحوهما ، فإنه يجوز النظر بل اللمس أيضاً.

كما يستثنى النظر الى القواعد من النساء والصبية غير البالغة.

ولايلزم على المرأة التحجب من الصبى غير البالغ وإن كان ذلك أفضل.

ويجوز لمن أراد التزوّج بامرأة النظر الى وجهها وكفّيها وشعرها ومحاسنها.

وفى نظر المرأة الى من تريد الزواج به قول بالجواز.

ويجوز النظر الى غير المسلمة وكل امرأة لا تنتهى اذا نهيت بشرط عدم التلذذ.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا حرمة النظر الى بدن الأجنبية فى الجملة ولو لم يكن بتلذذ ، فهو من واضحات الفقه. ويمكن استفادته من قوله تعالي : ( وليضربن بخمرهن علي جيوبهن ) (١) ، والروايات الآتية التى تستثنى الوجه والكفين من حرمة الابداء ، وغير ذلك من الروايات الواردة فى الموارد المتفرقة.

بل قد يستفاد ذلك من قوله تعالي : ( ولا يبدين زينتهن إلاّ لبعولتهن أو ... ) (٢) ، فإن حرمة الابداء امام الغير تستلزم عرفاً حرمة نظره. والمراد بالزينة إن كان مواضعها فالأمر واضح ، وإن كان نفسها فحرمة ابدائها تستلزم حرمة ابداء موضعها بالأولوية العرفية.

__________________

١ ـ النور : ٣١.

٢ ـ النور : ٣١.

٢٤

وأمّا الاستدلال بقوله تعالي : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ... ) (١) فقابل للتأمل ، لأن غضّ البصر ليس بمعنى تركه رأساً ، بل بمعنى عدم الطمع فى الشيء وجعله مغفولاً عنه. (٢)

على انه قد يقال إن المراد غضّ البصر عن خصوص الفروج بقرينة السياق.

٢ ـ وأمّا استثناء الوجه والكفين لدى جمع من الفقهاء فلعدة وجوه نذكر منها :

أ ـ التمسك بصحيحة الفضيل : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الذراعين من المرأة هما من الزينة التى قال الله : ( ولا يبدين زينتهن إلاّ لبعولتهن )؟ قال : نعم ، وما دون الخمار من الزينة وما دون السوارين » (٣) ، فان الوجه لايستره الخمار ، والكف فوق السوار لا دونه ، فتكون الصحيحة دالّة على جواز ابدائهما.

إلاّ أن الاستدلال بها يحتاج الى ضمّ مقدمة أخري ، وهى أن جواز الإبداء يستلزم جواز نظر الغير ، وقد ترفض الملازمة المذكورة ، ولذا يجوز للرجل عدم ستر بدنه من دون استلزام ذلك لجواز نظر المرأة اليه.

ب ـ التمسّك برواية زرارة عن أبى عبد الله عليه‌السلام فى قول الله عزّوجل : ( إلاّ ما ظهر منها ) قال : الزينة الظاهرة ، الكحل والخاتم. (٤)

ودلالتها على جواز ابداء الوجه والكفين فى الجملة واضحة.

إلاّ أنه يرد عليها ما يرد على الصحيحة السابقة. مضافاً الى اشتمال سندها علي القاسم بن عروة الذى لم تثبت وثاقته.

__________________

١ ـ النور : ٣١.

٢ ـ وفُسّر فى اللغة بالنقص. لاحظ : مجمع البحرين : ٤ / ٢١٨ ؛ مفردات الراغب : ص ٦٠٧.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ١٤٥ ، باب ١٠٩ من ابواب مقدمات النكاح ، حديث ١.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ١٤٦ ، باب ١٠٩ من ابواب مقدمات النكاح ، حديث ٣.

٢٥

ج ـ التمسّك بقوله تعالي : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) ، فإن تخصيص الجيوب(١) بوجوب الستر يدلّ على عدم وجوب ستر الوجه وإلاّ كان أولى بالذكر من الجيب ، لأن الخمار لا يستر الوجه عادة بل الجيب.

ودلالتها لا تتمّ إلاّ بضمّ الملازمة السابقة.

هذه وجوه ثلاثة لاستثناء الوجه والكفين من حرمة النظر.

وقد اتضح أن الملازمة المتقدمة إن لم تتم فلابدّ من التفصيل بين الابداء من قِبَل المرأة فيجوز وبين نظر الاجنبى فلا يجوز.

٣ ـ وأمّا نظر المرأة الى الرجل ، فقد ادعى الإجماع على مساواته لنظر الرجل في محلّ المنع والجواز. (٢)

وفيه : أن الإجماع الكاشف عن رأى المعصوم عليه‌السلام لم يتضح ثبوته ، بل السيرة القطعية للمتشرعة المتصلة بزمن المعصوم عليه‌السلام على خلاف ذلك ، فالرجال يخرجون ورؤوسهم وأعناقهم مكشوفة ، والنساء يختلطن معهم فى الأزقة والأسواق ، فلو كان نظر المرأة الى ما تعارف للرجل كشفه حين خروجه من بيته محرّماً لزم القول إمّا بوجوب تستر الرجال ، أو عدم جواز الاختلاط ، أو جواز الاختلاط والتحدث مع حرمة النظر. والكل غير محتمل.

وبهذا يثبت جواز نظر النساء الى ما تعارف للرجال ابرازه.

وقد يستدلّ على الجواز ـ مضافاً الى ما تقدم ـ بعدم وجود روايات يسأل فيها الأصحاب عن حكم نظر النساء الى الرجال. والسبب فى ذلك يعود إما الى وضوح

__________________

١ ـ جمع جيب بمعنى الصدر ، لاحظ مجمع البحرين : ٢ / ٢٨.

٢ ـ رياض المسائل : ١١ / ٥٣.

٢٦

الحرمة لديهم أو الشك فى ذلك أو وضوح الجواز. والمتعين هو الأخير ، لبطلان الاخرين :

أمّا الاول : فلعدم احتمال أوضحية حرمة نظر النساء الى الرجال من حرمة نظر الرجال الى النساء.

وأمّا الثاني : فلأن المناسب له صدور السؤال من الأصحاب.

وفى مقابل هذا ، قد يستدلّ على الحرمة :

إمّا بقوله تعالي : ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ... ). (١)

أو بما رواه احمد بن أبى عبد الله البرقي : « استأذن ابن اُم مكتوم على النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده عائشة وحفصة ، فقال لهما : قُوما ، فادخلا البيت ، فقالتا : انه أعمي ، فقال : إن لم يركما فإنكما تريانه ». (٢)

أو بما رواه الطبرسى فى مكارم الأخلاق عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ان فاطمة قالت له في حديث : خير للنساء أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : فاطمة مني ». (٣)

أو بما رواه الطبرسى أيضاً عن اُم سلمة قالت : « كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده ميمونة ، فأقبل ابن اُم مكتوم وذلك بعد أن أمر بالحجاب ، فقال : إحتجبا ، فقلنا يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أليس أعمى لايبصرنا؟ فقال : أفَعَمياوان أنتما ألستما تبصرانه ». (٤)

والكلّ كما تري.

أمّا الأول : فلما تقدم من عدم مساوقة غض البصر لترك النظر رأساً.

__________________

١ ـ النور : ٣١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ١٧١ ، باب ١٢٩ من ابواب مقدمات النكاح ، حديث ١.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ١٧٢ ، باب ١٢٩ من ابواب مقدمات النكاح ، حديث ٣.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ١٧٢ ، باب ١٢٩ من ابواب مقدمات النكاح ، حديث ٤.

٢٧

وأمّا الثاني : فعلى تقدير تمامية دلالته على التحريم هو ضعيف السند بالإرسال ، لبعد عصر البرقى عن عصر النبى صلي‏الله‏عليه‏و‏آله.

وأمّا الأخيران : فلضعفهما بالإرسال على تقدير تمامية دلالتهما.

٤ ـ وأمّا جواز النظر الى بدن المماثل ما عدا العورة ، فهو من الضروريات. وتقتضيه سيرة المسلمين ، وروايات باب الحمام الناهية عن دخول الحمام إلاّ بمئزر. (١)

بل لاحاجة الى دليل على الجواز بعد كونه مقتضى الأصل الذى خرج منه خصوص النظر الى العورة بالدليل الشرعي ، كصحيحة حريز عن أبى عبد الله عليه‌السلام : « لا ينظر الرجل الى عورة أخيه » (٢) وغيرها.

٥ ـ وأمّا استثناء حالة الضرورة ، فلدخول المورد تحت باب التزاحم المقتضي لتقديم الأهم.

ومنه يتضح أن الحكم بالجواز يعمّ كلّ حالة مزاحمة تكون مراعاتها أهم فى نظر الشارع من مراعاة حرمة النظر أو اللمس.

٦ ـ وأمّا استثناء النظر الى القواعد من النساء ، فلقوله تعالي : ( والقواعد من النساء اللاتى لا يرجون نكاحاً فليس عليهنَّ جناح أن يضعن ثيابهنّ غير متبرّجات بزينة وأن يستعففن خير لهنّ ). (٣)

٧ ـ وأمّا جواز النظر الى الصبية غير البالغة ، فللقصور فى المقتضي ، فإن حرمة النظر إن كانت مستفادة من الضرورة الفقهية فالقدر المتيقن منها النظر الى البالغة. و

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١ / ٣٦٧ ، باب ٩ من ابواب آداب الحمام.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١ / ٣٦٣ ، باب ٣ من ابواب آداب الحمام ، حديث ١.

٣ ـ النور : ٦٠.

٢٨

إن كانت مستفادة من آية حرمة إبداء الزينة فهى خاصة بالبالغة أيضاً. وإن كانت مستفادة مما دلّ على استثناء الوجه والكفين من حرمة الإبداء فهو خاص بالبالغة أيضاً.

وأمّا ما دلّ على أن النظر سهم من سهام ابليس وأنه زنا العين(١) فهو قاصر الدلالة عن إفادة حرمة النظر كما هو واضح.

٨ ـ وأمّا تكشّف المرأة لدى غير البالغ ، فمقتضى المفهوم فى قوله تعالي : ( ولايبدين زينتهن إلاّ لبعولتهن ... أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ) (٢) عدم جوازه ، إلاّ أن مقتضى صحيحة البزنطى عن الرضا عليه‌السلام : « يؤخذ الغلام بالصلاة وهو ابن سبع سنين. ولا تغطّى المرأة شعرها منه حتى يحتلم » (٣) الجواز ، ولابدّ من تقييد إطلاق مفهوم الآية الكريمة بها.

٩ ـ وأمّا جواز النظر الى المرأة التى يراد التزوج بها ، فهو محل وفاق فى الجملة لجملة من النصوص ، كصحيح هشام بن سالم وحماد بن عثمان وحفص بن البخترى عن أبى عبد الله عليه‌السلام : « لا بأس بأن ينظر الى وجهها ومعاصمها(٤) اذا أراد أن يتزوّجها » (٥) ، وموثّقة غياث بن ابراهيم عن جعفر عن أبيه عن على عليه‌السلام : « رجل ينظر الى محاسن امرأة يريد أن يتزوّجها قال : لابأس إنما هو مستام فإن يقض أمر يكون ». (٦)

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ١٣٨ ، باب ١٠٤ من ابواب مقدمات النكاح.

٢ ـ النور : ٣١.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ١٦٩ ، باب ١٢٦ من ابواب مقدمات النكاح ، حديث ٣.

٤ ـ والمعاصم : جمع معصم ، وهو موضع السوار من الساعد.

٥ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٥٩ ، باب ٣٦ من ابواب مقدمات النكاح ، حديث ٢.

٦ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٦٠ ، باب ٣٦ من ابواب مقدمات النكاح ، حديث ٨.

٢٩

وذهب بعض الفقهاء الى جواز النظر الى جميع بدنها ما عدا العورة(١) تمسّكاً بإطلاق بعض الروايات ، كصحيحة محمد بن مسلم : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يريد أن يتزوج المرأة أينظر اليها؟ قال نعم ، إنما يشتريها بأغلى الثمن ». (٢)

وإنما استثنيت العورة للتسالم على عدم جواز النظر اليها.

١٠ ـ وأمّا نظر المرأة الى من تريد الزواج به ، فقد اختار الشيخ الأعظم جوازه لأنه اذا جاز نظر الرجل الى من يريد الزواج بها ، لأنه يبذل أغلى الثمن ، فيجوز نظر المرأة اليه بالأولي ، لأنها تبذل أغلى المثمن ، خصوصاً وأنّ بإمكان الرجل التخلص بالطلاق بخلاف المرأة ، فإنها لاتتمكن من ذلك. (٣)

وفيه : ان بذلها لأغلى المثمن يقتضى جواز معرفتها بالثمن ، وهو المهر لا بالزوج ، فإنه ليس هو الثمن للبضع المبذول.

١١ ـ وأمّا جواز النظر الى غير المسلمة ، فلموثقة السكونى عن أبى عبد الله عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا حرمة لنساء أهل الذمّة أن ينظر الى شعورهنّ وأيديهنّ ». (٤)

والتقييد بنساء أهل الذمّة لاخصوصية له ، بل يجوز النظر الى مطلق غير المسلمة ، فإن تخصيص نساء أهل الذمّة بالذكر هو من باب دفع توهّم أن عقد الذمام يمنحهنّ نحواً من الاحترام.

على أنه بقطع النظر عن ذلك يمكن التمسّك بإطلاق صحيحة عباد بن صهيب : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا بأس بالنظر الى رؤوس أهل تهامة والأعراب وأهل

__________________

١ ـ كالسيد اليزدى فى بداية كتاب النكاح من العروة الوثقى مسألة : ٢٦.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٥٩ ، باب ٣٦ من ابواب مقدمات النكاح ، حديث ١.

٣ ـ كتاب النكاح للشيخ الاعظم : ٤٣.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ١٤٩ ، باب ١١٢ من ابواب مقدمات النكاح ، حديث ١.

٣٠

السواد والعلوج ، لأنهم اذا نهوا لا ينتهون ». (١)

ومنه يتضح جواز النظر الى كلّ من لا تنتهى اذا نهيت.

وأمّا اعتبار عدم التلذذ بالنظر ، فللتسالم الفقهى عليه ، ولولاه كان مقتضي الإطلاق الجواز مطلقاً.

من يحرم العقد عليها

يحرم على الرجل العقد على مجموعة من النساء.

ومنشأ التحريم إمّا النسب أو السبب.

والحرمة الثابتة بسبب ما ذكر على نحوين : دائمة ومؤقّتة.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا النسب ، فإنه تحرم به سبعة أصناف : الاُم وإن علت ، والبنت وإن سفلت ، والاُخت لأب أو لاُم أو لهما ، والعمة وإن علت ، والخالة وإن علت ، وبنت الأخ وإن نزلت ، وبنت الاُخت وإن نزلت.

قال تعالي : ( حرّمت عليكم اُمّهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعمّاتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الاُخت ). (٢)

وتعميم التحريم للبنت النازلة ليس إلاّ لصدق عنوان البنت عليها ، فيشملها إطلاق الأية الكريمة. وهكذا الحال بالنسبة الى بقية التعميمات المذكورة فى بقية الأصناف ، فإنها ليست إلاّ لأجل التمسّك بالإطلاق.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ١٤٩ ، باب ١١٣ من ابواب مقدمات النكاح ، حديث ١.

٢ ـ النساء : ٢٣.

٣١

والحرمة كما لا يخفى ثابتة من الطرفين ، فمثل الأصناف السبعة من الرجال يحرم على النساء أيضاً ، فيحرم الأب وإن علا على البنت ، والولد وإن سفل علي الاُم ، وهكذا.

وحرمة الأصناف السبعة بالنسب لا تختص بالنسب الشرعي ، بل تعم ما يحصل بالزنا أيضاً ، فيحرم الولد من الزنا على الزانية واُمها واُختها وعلى اُم الزانى واُخته وهكذا ، فإن المراد من الأصناف السبعة المشار اليها فى الآية الكريمة هو عناوينها اللغوية وإلاّ فالشريعة لم تأت بمصطلح جديد فى هذا المجال؛ فبنت الرجل مثلاً هى من تولّدت من مائه ، سواء كان ذلك بنكاح شرعى أم لا ، واُم الابن هى من اولدته سواء كان ذلك بنكاح شرعى أم لا. والشريعة لا تدخّل لها فى هذا المجال سوى أنها نفت التوارث فى فرض الزنا وإلاّ فبقية الأحكام تترتب ، تمسّكاً بالإطلاق بعد عدم التقييد بما اذا كان الصدق من طريق النكاح الشرعي.

وأيضاً لا فرق فى النسب المتولد من النكاح الشرعى بين أن يكون بسبب العقد أو وط‏ء الشبهة ، تمسّكاً بالإطلاق.

٢ ـ وأمّا السبب ، فالمراد به غير النسب من مناشي‏ء التحريم ، وهي : المصاهره وما يلحق بها ، والرضاع ، والاعتداد ، واستيفاء العدد ، والكفر ، والإحرام ، واللعان.

ويأتى الحديث عن المناشي‏ء المذكورة إن شاء الله تعالي.

٣ ـ وأمّا انقسام الحرمة الى دائمة ومؤقتة فواضح ، فالدائمة كحرمة الأصناف السبعة النسبية مثلاً ، والمؤقتة كحرمة اُخت الزوجة ، وبنت الزوجة غير المدخول بها ، والمطلقة ثلاثاً ، وبنت أخ أو اُخت الزوجة وغير ذلك.

٣٢

المصاهرة

للمصاهرة وما بحكمها عدّة أحكام :

١ ـ تحرم زوجة كلّ من الأب وان علا والابن وإن نزل على الآخر بمجرد العقد ولو منقطعاً ، ومن دون فرق بين كون الاُبوة والبنوة بالنسب أو بالرضاع.

٢ ـ تحرم على الزوج اُم زوجته وإن علت بمجرد العقد وابنتها وإن نزلت بشرط الدخول بالاُم سواء كانت فى حجره أم لا. أمّا مع عدم الدخول فتحرم ما دامت الاُم فى عقده.

٣ ـ تحرم على الزوج اُخت زوجته جمعاً لا عيناً.

٤ ـ يحرم على الزوج العقد على بنت أخ أو اُخت زوجته إلاّ بإذنها. وأمّا العكس فجائز بلا حاجة الى إذن.

٥ ـ من زنى بخالته حرم عليه العقد على بنتها. وقيل بإلحاق العمّة بذلك ، بل قيل بتعميم الحكم لمطلق المزنى بها.

٦ ـ اذا لاط البالغ بغلام وتحقق منه الدخول حرمت عليه مؤبداً بنت الملوط به واُخته واُمه فيما اذا كان اللواط سابقاً على العقد دون ما لو كان لاحقاً.

٧ ـ من تزوّج بذات البعل عالماً بذلك حرمت عليه مؤبداً ، ومع الجهل تحرم مؤبداً أيضاً بشرط الدخول بها.

٨ ـ من زنى بذات البعل حرمت عليه مؤبداً لدى المشهور.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا حرمة زوجة كل من الابن والأب على الآخر ، فممّا لا خلاف فيها. وهى من ضروريات الفقه بل الدين. وقد دلّ عليها قوله تعالي : ( ولا تنكحوا مانكح آباؤكم

٣٣

من النساء ) (١) ، ( وحلائل ابنائكم الذين من أصلابكم ). (٢)

وقد ورد فى صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : « لو لم تحرم على الناس أزواج النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله لقول الله عزّوجّل : ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً ... ) حرمن على الحسن والحسين بقول الله عزّوجّل : ( ولا تنكحوا مانكح آباؤكم من النساء ... ) ولا يصلح للرجل أن ينكح امرأة جدّه ». (٣)

وأمّا كفاية مجرد العقد ولو من دون دخول أو مع افتراض كونه منقطعاً ، فلإطلاق ما تقدم.

وأمّا تعميم الحكم للأب وإن علا والابن وإن نزل ، فللإطلاق المتقدم؛ مضافاً الى خصوص صحيحة ابن مسلم المتقدمة الواردة فى الجد.

وأمّا التعميم للرضاع ، فلقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ». (٤)

٢ ـ وأمّا حرمة اُم الزوجة مطلقاً وبنتها بشرط الدخول فممّا لا إشكال فيه لقوله تعالي : ( حرّمت عليكم ... واُمهات نسائكم وربائبكم اللاتى فى حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ). (٥)

ومقتضى إطلاق فقرة « واُمهات نسائكم » ثبوت حرمة اُم الزوجة ولو من دون دخول بها ، بخلاف الربيبة حيث قيدت حرمتها بالدخول باُمها.

__________________

١ ـ النساء : ٢٢.

٢ ـ النساء : ٢٣.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣١٢ ، باب ٢ من ابواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ١.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٢٨٠ ، باب ١ من ابواب ما يحرم بالرضاع ، حديث ١.

٥ ـ النساء : ٢٣.

٣٤

واحتمال رجوع قيد ( من نسائكم اللاتى ... ) الى قوله ( واُمهات نسائكم ) أيضاً بعيد جداً لطول الفصل ، ولزوم التكرار فى كلمة النساء ، ولزوم استعمال كلمة « من » فى معنيين ـ إذ على تقدير تعلقها بالربائب تكون نشوية وعلى تقدير تعلّقها بالنساء تكون بيانية ـ وهو مخالف للظاهر حتى على تقدير فرض إمكانه.

٣ ـ وأمّا التعميم لاُم الزوجة وإن علت ، فللتمسّك بالإطلاق.

وأمّا التعميم لبنت الزوجة وإن نزلت فقد يستشكل استفادته من الآية الكريمة ، إلاّ ان فى إطلاق الروايات كفاية حيث استعانت بكلمة البنت مطلقة ، كما فى موثقة غياث بن ابراهيم عن جعفر عن أبيه أن علياً عليه‌السلام قال : « اذا تزوّج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها اذا دخل بالاُم فاذا لم يدخل بالاُم فلابأس أن يتزوج بالإبنة. واذا تزوج بالابنة فدخل بها أو لم يدخل فقد حرمت عليه الاُم. وقال : الربائب عليكم حرام ، كنّ فى الحجر أو لم يكنّ » (١) وغيرها.

على أن المسألة متسالم عليها. (٢)

وأمّا التعميم لكون الربيبة فى الحجر وعدمه ، فلأن التقييد به فى الآية الكريمة لا موضوعية له ، بل اشارة الى الحالة الغالبة تنبيهاً على أنها كبنت الزوج حيث تربّت فى حجره فكيف يتزوّج بها؟!

على أن الموثقة المتقدمة وغيرها قد صرحت بالتعميم. والمسألة متسالم عليها. (٣)

٤ ـ وأمّا عدم جواز العقد على بنت الزوجة ما دام قد فرض العقد على اُمها مسبقاً ولو من دون دخول بها ، فلأنه مع العقد عليها ـ البنت ـ يصدق على الاُم عنوان

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٥٢ ، باب ١٨ من ابواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٤.

٢ ـ جواهر الكلام : ٢٩ / ٣٤٩.

٣ ـ جواهر الكلام : ٢٩ / ٣٤٩.

٣٥

( اُمهات نسائكم ) ، وهو يوجب التحريم متى ما صدق بمقتضى إطلاق الآية الكريمة ، فالجمع بينهما بنحو يكون عقدهما صحيحاً معاً غير ممكن ، وانقلابه ـ عقد الاُم ـ الى البطلان بعد وقوعه صحيحا يحتاج الى دليل ، فيتعين بطلان العقد على البنت.

٥ ـ وأمّا حرمة اُخت الزوجة جمعاً لاعيناً ، فلا خلاف فيه بين المسلمين لدلالة صريح الكتاب العزيز ( وأن تجمعوا بين الاُختين ) (١) على ذلك ، والروايات فى المسألة كثيرة(٢).

٦ ـ وأمّا حرمة العقد على بنت أخ أو اُخت الزوجة إلاّ بإذنها وجواز العكس مطلقاً ، فلموثقة محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه‌السلام : « لا تزوّج ابنة الأخ ولا ابنة الاُخت علي العمة ولا على الخالة إلاّ بإذنهما. وتزوّج العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الاُخت بغير إذنها » (٣) وغيرها.

واذا قيل : قد روى على بن جعفر فى كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام : « سألته عن امرأة تزوج على عمتها وخالتها قال : لا بأس » (٤) ، وهى بإطلاقها تدلّ على الجواز بلا حاجة الى إذن.

وفى مقابلها صحيحة أبى عبيدة : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا تنكح المرأة على عمّتها ولا على خالتها ولا على اُختها من الرضاعة » (٥) ، وهى تدلّ على عدم

__________________

١ ـ النساء : ٢٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٢٤ وما بعده من ابواب ما يحرم بالمصاهرة.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٧٥ ، باب ٣٠ من ابواب ما يرحم بالمصاهرة ، حديث ١.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٧٥ ، باب ٣٠ من ابواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٣.

وفى التهذيب ( : ٧ / ٣٣٣) : « سألته عن امرأة تزوجت ... ».

٥ ـ وسائل الشيعة : باب ١٤ / ٣٧٦ ، ٣٠ من ابواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٨.

٣٦

الجواز مطلقاً فكيف التوفيق؟

قلنا : انه بقرينة موثّقة محمد بن مسلم المتقدمة يمكن الجمع العرفى بحمل الاُولى على فرض الإذن والثانية على فرض عدمه وينحل بذلك التعارض.

٧ ـ وأمّا أن الزنا بالخالة يوجب تحريم بنتها ، فهو المشهور لصحيحة محمد بن مسلم : « سأل رجل أبا عبدالله عليه‌السلام وأنا جالس عن رجل نال من خالته فى شبابه ثم ارتدع ، يتزوّج ابنتها؟ قال : لا. قلت : انه لم يكن أفضى اليها انما كان شيء دون شيء ، فقال : لا يصدَّق ولا كرامة ». (١)

وقد يتوقف فى الحكم تارة من جهة متن الرواية واُخرى من جهة سندها.

أمّا من جهة المتن ، فلأن تكذيب الامام عليه‌السلام الفاعل فى إخباره مناقشة صغروية لاتتناسب مقام الامامة وغير لائق به.

وأمّا من جهة السند ، فباعتبار أن الشيخ الكلينى روى بسنده الى أبى أيوب عن محمد بن مسلم أنه : « سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا جالس عن رجل ... » ، (٢) بينما الشيخ الطوسى روى الرواية نفسها بسنده الى أبى أيوب أن محمد بن مسلم هو الذى سأل الامام عليه‌السلام عن رجل نال .... (٣).

وكلتا المناقشتين لا وجه لها.

أمّا الاولي ، فلإحتمال وجود مصلحة فى المناقشة الصغروية قد اطلع عليها الامام عليه‌السلام.

وأمّا الثانية ، فلأن مثل الاختلاف المذكور لا يضر بصحة الرواية.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٢٩ ، باب ١٠ من ابواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٢٩ ، باب ١٠ من ابواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ١.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٢٩ ، باب ١٠ من ابواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٢.

٣٧

٨ ـ وأمّا العمة ، فلا نصّ يدلّ على الحاقها بالخالة. والحاقها مبنى على عدم القول بالفصل أو الأولوية القطعية. وكلاهما محل تأمل.

وعلى هذا ، فلا تمكن الفتوى بالالحاق ولابدّ من التنزل الى الاحتياط ، لاحتمال عدم الفصل.

٩ ـ وأمّا تعميم الحكم بحرمة الزواج لبنت مطلق المزنى بها ، فتدلّ عليه مجموعة من الروايات ، كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : « سُئل عن الرجل يفجر بالمرأة أيتزوّج بابنتها؟ قال : لا » (١) وغيرها.

وفى مقابل ذلك مجموعة اُخرى تدلّ على العكس ، كصحيحة سعيد بن يسار : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل فجر بامرأة يتزوج ابنتها؟ قال : نعم يا سعيد ، إن الحرام لا يفسد الحلال » (٢) وغيرها.

وقد يجمع بينهما بحمل الاُولى على الكراهة ، لصراحة الثانية فى الجواز.

١٠ ـ وأمّا أن اللواط يوجب تحريم زواج اللائط باُخت وبنت واُم الملوط به ، فلم ينقل فى ذلك خلاف بين الأصحاب. (٣) وقد دلّت على ذلك مرسلة ابن أبى عمير عن بعض أصحابنا عن أبى عبد الله عليه‌السلام : « رجل يعبث بالغلام ، قال : اذا أوقب حرمت عليه ابنته واُخته ». (٤)

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٢٢ ، باب ٦ من ابواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٢٤ ، باب ٦ من ابواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٦.

٣ ـ جواهر الكلام : ٢٩ / ٤٤٧.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٣٩ ، باب ١٥ من ابواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ١.

ثم ان ضمير الغائب يرجع الى الغلام دون الرجل ولو بقرينه حكم الاصحاب بعدم حرمة شيي‏ء على المفعول به. نعم نقل فى الجواهر : ٢٩ / ٤٤٨ ، ان الشيخ حكى عن بعض الاصحاب التحريم عليه ايضاً ، ولكنه استبعد ذلك باعتبار ان المحدث عنه هو الرجل. ثم قال : ولعله لاحتمال عود الضمير فى الأخبار الى كل من الفاعل والمفعول.

٣٨

وقد يحاول التغلب على مشكلة ارسالها من خلال الاستعانة بكبرى وثاقة كلّ من يروى عنه أحد الثلاثة بناء على تماميتها. (١)

بل بالإمكان التعويض بموثقة ابراهيم بن عمر عن أبى عبد الله عليه‌السلام : « رجل لعب بغلام هل تحل له اُمه؟ قال : إن كان ثقب فلا » (٢) وغيرها.

وهى وإن كانت خاصة بالاُم إلاّ إنّه لعدم التفصيل بينها وبين الاُخت والبنت يمكن التعدى اليهما.

وتؤيد ذلك الروايات‏الاُخرى المشتمل بعضها على ذكر الاُخت وبعضها الآخر على البنت(٣) ، فإن ضعف إسنادها لا يمنع من التمسّك بها على مستوى التأييد.

١١ ـ وأمّا التقييد بما اذا كان الفاعل بالغاً والمفعول به صبياً ، فلأن ذلك هو المستفاد من الموثقة لتقييدها الفاعل بالرجل والمفعول به بالغلام.

ودعوي : صدق عنوان الرجل على الفاعل ولو بعد بلوغه ، فيقال : « إنه رجل لعب وثقب » وإن كان ذلك قد تحقق منه مسبقاً. وأيضاً التحريم خارج مخرج الغالب.

مدفوعة : بأن الاُولى مخالفة للظاهر ، فان ظاهر قول القائل : « رجل ثقب » كونه فَعَلَ ذلك حال كونه رجلاً ، كقولنا : « مسافر صلّى قصراً ».

والثانية مجرد احتمال لايمنع من الرجوع الى البراءة فى غير مورد النص.

واذا قيل : إن التقييد بما ذكر لم يرد فى كلام الامام عليه‌السلام ليستفاد منه اختصاص الحكم بمورده.

__________________

١ ـ لاستيضاح الحال لاحظ : كتاب دروس تمهيدية فى القواعد الرجالية : ١٨٤.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٤١ ، باب ١٥ من ابواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٧.

٣ ـ راجع : الباب ١٥ من ابواب ما يحرم بالمصاهرة.

٣٩

قلنا : إن التعميم يحتاج الى دليل أيضا ، ومع فقدانه يكون مقتضى الأصل عدمه.

١٢ ـ وأمّا التقييد بما اذا كان اللواط سابقاً على العقد ، فلأن الموثقة وإن كانت مطلقة من هذه الناحية إلاّ انه يستفاد من جملة من النصوص الاُخرى أن ما يطرأ بعد العقد لا يرتفع به الحل الثابت سابقاً ، كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : « سئل عن الرجل يفجر بامرأة أيتزوج ابنتها؟ قال : لا ، ولكن إن كانت عنده امرأة ثم فجر باُمها أو اُختها لم تحرم عليه امرأته ، إن الحرام لا يفسد الحلال » (١) وغيرها.

وموردها وإن كان هو الزنا إلاّ أنه بعموم التعليل يمكن تسرية الحكم الى اللواط أيضاً.

١٣ ـ وأمّا أن من تزوج بذات البعل تحرم عليه مؤبداً ، فلعدة روايات كموثقة أديم بن الحر : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : التى تتزوج ولها زوج يفرّق بينهما ثم لا يتعاودان أبداً » (٢) وغيرها.

ومقتضى إطلاقها ثبوت الحرمة المؤبدة حتى مع الجهل وعدم الدخول.

إلاّ أن فى مقابلها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : « سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة ولها زوج وهو لا يعلم فطلقها الأول أو مات عنها ثم علم الأخير أيراجعها؟ قال : لا ، حتى تنقضى عدّتها ». (٣) وهى واردة فى صورة الجهل ، ومقتضاها عدم تحقق الحرمة المؤبدة مع فرض الجهل سواء تحقق الدخول أم لا.

واللازم على هذا تخصيص الاُولى بالثانية وتكون النتيجة هى تحقق الحرمة

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٢٦ ، باب ٨ من ابواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٤١ ، باب ١٦ من ابواب ما يحرم بالمصاهره ، حديث ١.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٤١ ، باب ١٦ من ابواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٣.

٤٠