دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢١٩

كتاب الوصية

الوصية بقسميها

الوصية ايقاع

من أحكام الوصى

من أحكام الوصية

١٨١
١٨٢

الوصية بقسميها :

الوصية انشاء يتضمّن تمليكاً أو عهداً بتصرف معيّن بعد الوفاة.

وهى على قسمين : تمليكية وعهدية.

والأولى هى ما تضمنت انشاء ملكية عين أو اختصاص حق بعد الوفاة ـ كالوصية بكون قسم من المال لشخص معيّن أو لجهة معيّنة كالفقراء ـ وأركانها ثلاثة : الموصي ، والموصي به ، والموصى له.

والثانية هى ما تضمنت العهدبتولى تصرف معيّن بعد الوفاة ، كالوصية بتمليك شخص أو جهة مقداراً من المال ، أو الوصية بالدفن فى مكان معيّن أو بولاية شخص على الأطفال القاصرين أو بالتصرف فى المال ببناء مسجد أو حسينية وما شاكل ذلك. وأركانها ثلاثة أيضاً : الموصي ، والوصي ، والموصى به. ومع تعلق الموصى به بالغير ـ كالوصية بتمليك الوصى مقداراً من المال لشخص ـ تكون أطرافها أربعة بإضافة الموصى له.

وهى مشروعة بنحو الاستحباب ، بل بنحو الوجوب أحياناً.

١٨٣

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أن الوصية ما تقدم ، فهو من واضحات الفقه.

وأما انقسامها الى ما ذكر فكذلك حيث إن متعلق الوصية تارة يكون هو الملكية أو الاختصاص بنحو شرط النتيجة ، وأخرى هو التمليك أو الاختصاص بنحو شرط الفعل أو تصرّفاً آخر غير التمليك. والوصية فى الأول تمليكية وفى الثانى عهدية.

٢ ـ وأما أنها مشروعة ، فهو من ضروريات الدين. ويدلّ على ذلك قوله تعالي : ( كُتب عليكم اذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين ، فمن بدَّله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدّلونه إن اللّه‏ سميع عليم ). (١)

وموردها وإن كان خاصاً بالوصية للوالدين والأقربين الا أن فقرة : ( فمن بدّله بعد ما سمعه ) تدل على امضاء مطلق الوصية ، للاستشهاد بها فى بعض الروايات على نفوذ مطلق الوصية ، ففى صحيحة محمد بن مسلم : « سألت أباجعفر عليه‌السلام عن الرجل اوصى بماله فى سبيل اللّه‏ ، قال : أعطه لمن اوصى له به وإن كان يهوديا أو نصرانيا ، إن اللّه‏ عزّوجلّ يقول : فمن بدَّله بعد ما سمعه ، فإنما إثمه على الّذين يبدّلونه ». (٢)

وتدلّ على المشروعية أيضاً السيرة القطعية بين المتشرعة المتصلة بزمن المعصوم عليه‌السلام.

٣ ـ وأما أنها مشروعة بكلا قسميها ، فأمرمتسالم عليه ويقتضيه اطلاق الآية

__________________

١ ـ البقرة : ١٨٠ ، ١٨١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٤١١ ، باب ٣ ، من ابواب أحكام الوصايا ، حديث ١.

١٨٤

الكريمة والسيرة القطعية.

٤ ـ وأما أنها مشروعة بنحو الإستحباب ، فهو من واضحات الفقه. ويدلّ علي ذلك قوله عليه‌السلام : « ما ينبغى لامري‏ءٍ مسلم أن يبيت ليلة إلاّ ووصيته تحت رأسه » (١) ، « من مات بغير وصيّة مات ميتةً جاهلية ». (٢)

وفى وصيّة النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله لأميرالمؤمنين عليه‌السلام : « يا علي! اُوصيك بوصية فاحفظها ، فلا تزال بخير ما حفظت وصيتي ... ياعلي! من لم يحسن وصيته عند موته كان نقصاً في مروّته ولم يملك الشفاعة ». (٣)

٥ ـ وأما أنها قد تجب فيأتى بيانه عند التعرض لأحكام الوصيّة ، إن شاء اللّه‏ تعالي.

الوصية ايقاع

صحة الوصية العهدية لا تتوقف على القبول. نعم للوصى الرد ـ ولكن لا يلزم من ذلك بطلان الوصيّة رأساً بل بطلان وصايته ـ بشرطين : كون ذلك فى حياة الموصي ، وبلوغه الرد. بل قد يضاف الى ذلك إمكان الايصاء الى شخص آخر. هذا اذا لم يكن العمل بها حرجياً وإلاّ جاز ردّها حتى مع اختلال ما تقدم.

أجل ، فى خصوص الولد قد يقال بوجوب قبوله الوصيّة اذا دعاه والده الى ذلك.

وأما الوصية التمليكية ، فالمشهور ذهب الى اعتبار قبول الموصى له فى صحتها ، فتكون

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٣٥٢ ، باب ١ ، من ابواب أحكام الوصايا ، حديث ٧.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٣٥٢ ، باب ١ ، من ابواب أحكام الوصايا ، حديث ٨.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٣٥٧ ، باب ٦ ، من ابواب أحكام الوصايا ، حديث ٢.

١٨٥

على رأيهم عقداً. (١)

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أن صحة الوصية العهدية لا تتوقف على القبول ، فهو رأى غير واحد من الفقهاء. (٢) وتدلّ عليها الروايات الدالّة على وجوب عمل الوصى بالوصية اذا لم يرد أو ردّ ولم يبلغ الموصى ذلك ، كصحيحة منصور بن حازم عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « اذا أوصى الرجل الى أخيه وهو غائب فليس له أن يرد عليه وصيته ، لأنه لو كان شاهداً فأبى أن يقبلها طلب غيره » (٣) وغيرها ، فإن القبول لو كان معتبراً جاز الرد مطلقاً ، بل لم يتوقف بطلانها على الرد ويكفى عدم القبول.

بل يمكن التمسّك بإطلاق قوله تعالي : ( فمن بدّله بعد ما سمعه فإنما إثمه علي الذين يبدّلونه ) (٤) بعد تفسيره بمطلق الايصاء على ما تقدم.

٢ ـ وأما جواز الرد بالشروط الثلاثة المتقدمة ، فيمكن استفادته من صحيحة منصور المتقدمة وغيرها.

وأما جواز الرد مع الحرج فلقاعدة نفى الحرج المستفادة من قوله تعالي : ( ما جعل عليكم فى الدين من حرج ). (٥)

٣ ـ وأما أنه مع ردّ الوصى فى مورد جوازه لا يلزم بطلان الوصية رأساً ، فلأن أقصى ما يستلزمه الرد خلو الوصية من الوصى وهو لا يقتضى بطلانها.

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٢٨ / ٢٤٢ ، العروة الوثقى / بداية كتاب الوصية : مسألة ١.

٢ ـ جواهر الكلام : ٢٨ / ٢٤٢ ، العروة الوثقى / بداية كتاب الوصية : مسألة : ١.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٣٩٨ ، باب ٣ ، من أحكام الوصايا ، حديث ٣.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٤٠٠ ، باب ٢٤ ، من أحكام الوصايا ، حديث ١.

٥ ـ الحج : ٧٨.

١٨٦

٤ ـ وأما وجوب قبول الولد للوصية اذا دعاه والده الى ذلك ، فلرواية على بن الريّان : « كتبت الى أبى الحسن عليه‌السلام : رجل دعاه والده الى قبول وصيّته هل له أن يمتنع من قبول وصيّته؟ فوقَّع عليه‌السلام : ليس له أن يمتنع » (١) بناءً على التسامح فى أمر سهل الوارد فى سندها.

٥ ـ وأما اعتبار المشهور للقبول فى الوصية التمليكية ، فقد يستدلّ له بالوجهين التاليين :

أ ـ أن تحقق الملك بدون قبول الموصى له مخالف ، لقاعدة سلطنة الانسان علي نفسه الثابتة بالسيرة العقلائية ، فإنّ دخول شيء فى ملك الغير قهراً منافٍ لذلك. وثبوت مثله فى الإرث هو لدليل خاص ، فلا مجال معه للتعدّى عنه.

ب ـ التمسّك باستصحاب عدم الانتقال الى الموصى له بدون قبوله.

وكلا الوجهين قابلان للتأمّل بعد إطلاق الآية الكريمة ( فمن بدّله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدّلونه ). (٢)

أجل ، ادّعى الإجماع فى المسألة على اعتبار القبول. وهو إن تَمَّ كان هو المدرك إلاّ أنه غير تام لكونه محتمل المدرك.

وعليه فاعتبار القبول مشكل.

وممّا يدعم عدم اعتبار القبول صحيحة محمد بن قيس عن أبيجعفر عليه‌السلام : « قضي أميرالمؤمنين عليه‌السلام فى رجل أوصى لآخر والموصى له غائب فتوفّى الموصى له الّذي اوصى له قبل الموصي ، قال : الوصية لوارث الذى أوصى له. قال : ومن أوصى لأحد

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٤٠٠ ، باب ٢٤ ، من أحكام الوصايا ، حديث ١.

٢ ـ البقرة : ١٨١.

١٨٧

شاهداً كان أو غائباً فتوفّى الموصى له قبل الموصي ، فالوصية لوارث الذى أوصى له إلاّ أن يرجع فى وصيته قبل موته » (١) وما كان بمضمونها ، فإن مقتضى إطلاقها لزوم الدفع الى الوارث حتى مع عدم‏قبول الموصيله ، ولا وجه للدفع اليه إلاّ تحقق ملك مورثه والانتقال منه اليه.

نعم قد يلتزم بمانعية الرد عن تحقق الملك بالرغم من اقتضاء إطلاق الآية الكريمة نفيها أيضاً ، ولا وجه له سوى الإجماع المدّعى فى المسألة.

قال السيد اليزدي : « ويحتمل قوياً عدم اعتبار القبول فيها ، بل يكون الرد مانعاً.

ودعوى أنه يستلزم الملك القهرى وهو باطل فى غير مثل الارث ، مدفوعة بأنه لا مانع منه عقلاً. ومقتضى عمومات الوصية ذلك. مع أن الملك القهرى موجود في مثل الوقف ». (٢)

من أحكام الوصى

اذا عيَّن الموصى شخصاً للقيام بتنفيذ وصيته تعيَّن وإلاّ فالنوبة تصل الى الحاكم الشرعي ، فيتولى تنفيذ الوصية بنفسه أو يتصدّى لتعيين شخص لذلك.

ودور الوصى فى الوصية التمليكية بذل المال للموصى له لا أكثر ، بخلافه فى الوصية العهدية فإنه يتولى التصرف الموصى به ....

واذا ظهرت من الوصى خيانة ضم الحاكم الشرعى اليه من يمنعه منها ، فإن لم يمكن عزله ونصب غيره.

واذا مات الوصى قبل تنفيذ الوصيّة كلاًّ أو بعضاً نصب الحاكم الشرعى وصياً لتنفيذها.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٤٠٩ ، باب ٣٠ ، من أحكام الوصايا ، حديث ١.

٢ ـ العروة الوثقي ، كتاب الوصية ، مسألة ١ ، من مسائل الفصل الاول.

١٨٨

ويجوز لكلّ من الأب والجدّ للأب الوصية بالولاية ـ القيمومة ـ على الطفل بعد موته مع فقد الآخر. ولا تصح من غيرهما ولا مع وجود الآخر.

ووظيفة القيّم مع عدم تحديد جهة معينة له هو التصدى للشؤون المرتبطة بالطفل من تربيته وحفظ أمواله والانفاق عليه واستيفاء دينه ووفاء ما عليه من دين وما شاكل ذلك.

ويجوز للموصى نصب ناظر على الوصى ووظيفته : إما إبداء النظر بنحو لا يكون تصرف الوصى نافذاً إلاّ إذا وافَقَ نظره ، أو الإشراف على عمل الوصى بحيث يكون تحت نظره ليعترض عليه ويردعه اذا رأى منه مخالفة لمقررات الوصية من دون أن يلزم الوصى بمتابعة رأيه ، بل يكفى اطلاعه على عمله الموافق بنظره ـ الوصى ـ لمقررات الوصية. ولعل الغالب تداوله فى جعل الناظر هو هذا المعني.

واذا حدَّد الموصى ولاية الوصى بجهة معينة لزم الاقتصار على محل الإذن وكان المرجع بلحاظ الجهات الاُخرى هو الحاكم الشرعي.

ويجوز للقيّم على اليتيم أخذ اُجرة مثل عمله. والاحتياط يقتضى الاقتصار على ما اذا كان فقيراً ولم يكن مال اليتيم قليلاً.

ويجوز ذلك للوصى أيضاً ـ غير القيّم على اليتيم ـ فيما اذا كان لعمله اُجرة ولم تقم القرينة على إرادة المجّانيّة.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما تعيّن من عيَّنه الموصى لتنفيذ الوصيّة ، فهو ممّا لا إشكال فيه. وتقتضيه الأدلّة الدالّة على إمضاء الوصية من الآيات الكريمة وغيرها. بل صحيحة منصور المتقدمة صريحة فى ذلك.

٢ ـ وأما أن النوبة تصل الى الحاكم الشرعى مع عدم تعيين أحدٍ لذلك ، فلأنه بعد

١٨٩

الحكم شرعاً بصحة الوصية ـ تمسّكاً بإطلاقات صحة الوصية ـ يلزم تصدى بعض لتنفيذها ، واذا دار أمر ذلك البعض بين كونه مطلق عدول المؤمنين أو خصوص الحاكم الشرعي ، فينبغى الاقتصار على من يتيقن بإذن الشارع له فى التصدى وهو الحاكم الشرعى ويكون تصدى غيره مورداً لاستصحاب عدم ترتب الأثر.

بل قد يتمسّك لذلك أيضاً بمكاتبة اسحاق بن يعقوب : « سألت محمد بن عثمان العمرى أن يوصل لى كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه‌السلام : أما ما سألت عنه أرشدك اللّه‏ وثبتك ... وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا ، فإنهم حجتى عليكم وأنا حجة اللّه‏ ... ». (١)

٣ ـ وأما أن الحاكم الشرعى بالخيار بين تصديه بنفسه أو تعيين شخص آخر فلعدم اقتضاء ما تقدم لزوم تصدى الحاكم بنفسه ، بل هو أعم من ذلك.

٤ ـ وأما أن دور الوصى فى الوصية التمليكية هو البذل لا أكثر ، فباعتبار أن تملك الموصى له أو اختصاصه بالحق يتحقق بمجرد موت الموصى بلا حاجة الى تمليك من الوصي ، فدوره لا يعدو بذل ما تحقق ملكه أو اختصاصه بمجرد الموت ، وهذا بخلافه فى الوصية العهدية ، فإن التمليك أو التصرف الآخر لابدَّ من قيام الوصى به ، لأن الوصية تعلقت به بنحو شرط الفعل.

٥ ـ وأما أن الوصى اذا ظهرت منه خيانة ضم الحاكم اليه من يمنعه منها ، فهو مقتضى وجوب تنفيذ الوصية بعد الالتفات الى عدم لياقة الخائن لذلك.

هذا اذا لم يستظهر من الوصية كون الايصاء مقيداً بعدم الخيانة وإلاّ يخرج عن كونه وصياً بمجرد الخيانة.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ١٠١ ، باب ١١ ، من ابواب صفات القاضي ، حديث ٩.

١٩٠

ومن هذا يتضح الوجه فى ثبوت الحق للحاكم فى عزل الخائن ونصب غيره اذا لم يمكن منعه عن الخيانة المجددة بضمّ آخر اليه.

٦ ـ وأما أنه اذا مات الوصى قبل تنفيذ الوصية نصب الحاكم غيره ، فقد اتضح وجهه من خلال ما أشير اليه فى الرقم ٢.

٧ ـ وأما أنه يجوز لكل من الأب والجد نصب القيّم على أطفالهما بعد الوفاة ، فهو ممّا لا خلاف فيه. (١) ويمكن استفادة ذلك من موثقة محمد بن مسلم عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « سُئل عن رجل أوصى الى رجل بولده وبمال لهم وأذن له عند الوصية أن يعمل بالمال وأن يكون الربح بينه وبينهم ، فقال : لا بأس به من أجل أن أباه قد أذن له فى ذلك وهو حي ». (٢)

وهى تشمل الجد أيضاً لكونه أباً.

وموردها وإن كان خاصاً بالمضاربة إلاّ أنه يمكن التعدّى الى غيره إما تمسّكاً بعموم التعليل الوارد فى ذيلها أو بعدم القول بالفصل.

٨ ـ وأما أن ولايتهما تختص بحالة فقد الآخر ، فللأصل بعد عدم الإطلاق فى دليل ولاية كلّ منهما.

وأما عدم ثبوت الولاية لغيرهما ، فل ـلأصل بعد عدم الدليل خلافاً لابن الجنيد حيث جعل ل ـلاُم الولاية بعد الأب اذا كانت رشيدة. (٣) ولم يتضح مستنده فى ذلك.

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٢٨ / ٢٧٦.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٤٧٨ ، باب ٩٢ ، من أحكام الوصايا ، حديث ١.

وقد اشتمل سندها على الحسن بن على بن يوسف ـ وهو ابن البقاح الراوى لكتاب المثنى بن الوليد على ما ذكر النجاشى فى ترجمة المثنى ـ الذى وثقّه النجاشى فى رجاله : ٢٩ ، منشورات مكتبة الداوري.

٣ ـ جواهرالكلام : ٢٨ / ٢٧٧.

١٩١

٩ ـ وأما أن وظيفة القيّم ماتقدم ، فلانصراف جعل الولاية له الى جعلها بلحاظ ذلك.

١٠ ـ وأما نصب الناظر بأحد المعنيين المتقدمين ، فلا إشارة إليه فى الروايات ، بل ولا فى كلمات المتقدمين من فقهائنا إلاّ أنه بالرغم من ذلك يمكن تصحيحه من خلال إطلاقات صحة الوصية وإمضائها على ما هى عليه ، كقوله تعالي : ( فمن بدّله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدّلونه ). (١)

١١ ـ وأما لزوم الاقتصار على محل الإذن مع تحديد الولاية بجهة معينة ، فلأن ذلك مقتضى وجوب العمل بالوصية وعدم تجاوزها.

وأما أن المرجع فى الجهات الاُخرى هو الحاكم الشرعي ، فلأنه بلحاظ تلك تعود الوصية بلا نصب وصي ، وقد تقدم أن المرجع فى مثل ذلك هو الحاكم الشرعي.

١٢ ـ وأما أنه يجوز للقيّم على اليتيم أخذ أجرة مثل عمله إن كانت له اُجرة ، فلقوله تعالي : ( وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح فإن ءَانستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها اسرافاً وبداراً أن يكبروا ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف ... ). (٢)

وقد تسالم الأصحاب على جواز أخذ الاُجرة فى الجملة واختلفوا فى مقدارها وأنه اُجرة المثل أو مقدار الكفاية أو أقل الأمرين. والمستفاد من الآية الكريمة استحقاق اُجرة المثل ، فإنها المصداق لعنوان المعروف. ويؤكد ذلك صحيحة هشام

__________________

١ ـ البقرة : ١٨١.

٢ ـ النساء : ٦.

١٩٢

ابن الحكم : « سألت أبا عبداللّه‏ عليه‌السلام عمّن تولّى مال اليتيم ما له أن يأكل؟ فقال : ينظر الي ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم فليأكل بقدر ذلك » (١) وغيرها.

وأما الفقر ، فيمكن رفع‏اليد عن‏اعتباره ، لأن‏الآية وان‏اشتملت عليالأمر الظاهر فى الوجوب إلاّ أن‏المادة تتناسب مع‏الندب. ويبقى الاحتياط باعتبارذلك أمراً في محله.

١٣ ـ وأما الاحتياط باعتبار أن لا يكون مال اليتيم قليلاً ، فلرواية أبى الصباح الكنانى عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام فى قول اللّه‏ عزّوجلّ : ( ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف ) فقال : « ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة ، فلا بأس أن يأكل بالمعروف اذا كان يُصلح لهم أموالهم ، فإن كان المال قليلاً فلا يأكل منه شيئاً » ، (٢) فإن ضعف سندها بمحمد بن الفضيل ـ حيث لم يحرز كونه النهدى الثقة ـ واعراض المشهور عن الفتوي بمضمونها يقتضيان التنزل عن الفتوى باعتبار ذلك الى الاحتياط.

١٤ ـ وأما أنه يجوز للوصى غير القيّم علي اليتيم ‏اُخذ اُجرة المثل ، فلأن ذلك مقتضي الأمر بالعمل لاعلى نحو المجّانّية المقتضى لضمان اُجرة المثل للسيرة العقلائية.

من أحكام الوصية :

ينعقد الايجاب فى الوصية بكلّ ما يدلّ عليها ولو كتابة.

والواجبات الموسّعة ـ كقضاء الصلاة والصوم وأداء الكفارات والنذور و ... ـ تتضيق لدي المشهور وتجب المبادرة الى أدائها مع الإمكان عند ظهور أمارات الموت. واذا لم يمكن اداؤها يجب الإيصاء بها إلاّ مع العلم بقيام الوارث أو غيره بها.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة ، ١٢ / ١٨٦ ، باب ٧٢ ، من ابواب ما يكتسب به ، حديث ٥.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ١٨٥ ، باب ٧٢ من ابواب ما يكتسب به ، حديث ٣.

١٩٣

وهكذا أموال الناس ـ من الوديعة ونحوها ـ اذا كانت عند شخص فإنه يجب عليه ردّها مع الإمكان عند ظهور أمارات الموت ، ومع عدم الإمكان يجب الإيصاء بها.

هذا فى غير الديون.

وأما هى فيجب أداؤها أيضاً عند ظهور أمارات الموت ، ومع عدم الامكان أو كونها مؤجّلة يجب الإيصاء بها اذا خيف ضياعها بدون ذلك.

ولا تصح الوصية إلاّ بمقدار الثلث دون ما زاد عليه إلاّ بإجازة الورثة بعد الوفاة.

وفى الاجتزاء بها حال الحياة خلاف.

والإجازة لازمة لا يمكن التراجع بعدها.

واذا اجاز بعض الورثة دون بعض نفذت الوصية فى حصة المجيز دون غيره.

والميزان فى تحديد مقدار الثلث ملاحظة حال الموت دون الوصية؛ فلو أوصى شخص بعين وكانت بمقدار نصف أمواله حين الوصية وصارت بمقدار الثلث حين الموت صحت الوصية فى تمامها. واذا انعكس الأمر فكانت بمقدار الثلث حين الوصية وأزيد منه حين الوفاة نفذت بمقدار الثلث وتوقفت فيما زاد على إجازة الورثة.

والواجبات المالية ـ وهى الأموال المشتغلة بها الذمة ، كالمال المقترض وثمن المبيع والخمس والزكاة و ... تخرج من الأصل وان لم يوص بها بلا خلاف.

وأما الواجبات غير المالية فقد وقعت محلاً للخلاف.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما انعقاد ايجاب الوصية بكلّ ما يدلّ عليها ، فلإطلاق الآية الكريمة : ( كتب عليكم اذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين ... فمن بدّله بعد ما سمعه

١٩٤

فإنما إثمه على الذين يبدّلونه ). (١) الدال على امضاء عنوان الوصيّة متى ما صدق.

٢ ـ وأما تضييق الواجبات الموسعة عند ظهور أمارات الموت ، فباعتبار أن جواز تأخير الامتثال منوط بسعة الوقت ، أما مع الظن بعدمها ـ بسبب ظهور أمارات الموت ـ فلا معنى له.

هذا ما عليه المشهور. وهو وجيه مع فرض قيام اجماع قولى أو عملى علي إناطة جواز التأخير بعدم ظن الضيق كما ادّعاه بعض الأعلام (٢) وإلاّ فالمناسب جعل المدار فى التضييق وعدمه على العلم أو الإطمئنان بالتمكن من الامتثال وعدمه ـ وليس على الظن بالتمكن وعدمه ـ فمن لم يطمئن بتمكنه من الامتثال لو أخَّر تلزمه المبادرة اليه ولو لم تظهر أمارات الموت عليه.

والوجه فى ذلك : أن كل تكليف لابدَّ عقلاً من المبادرة الى امتثاله إلاّ مع العلم أو الاطمئنان بالتمكن لولم يبادر. وجعل ‏المدار علي ظهورأمارات الموت وعدمه بلا وجه.

٣ ـ وأما وجوب الإيصاء بها عند عدم التمكن من مباشرة الإمتثال فواضح بعد عدم سقوطها عن الذمة بالموت. ولا محذور فى اعتبار اشتغال الذمة بشيئ بعد الموت. وثمرته لزوم تفريغها تسبيباً قبل الموت من خلال الوصية بها.

٤ ـ وأما وجوب ردِّ أموال الناس من الوديعة وغيرها عند ظهور أمارات الموت ، فباعتبار أن ردَّ الأمانة الى أهلها واجب. هذا ما عليه المشهور.

والمناسب أن يقال : إن ردَّها واجب اذا لم يطمئن بأداء الوارث لها وإلاّ فلا

__________________

١ ـ البقرة : ١٨١.

٢ ـ مستمسك العروة الوثقي : ١٤ / ٥٤١.

١٩٥

موجب لذلك ، فإن ال ـلازم فى باب الأمانة حفظها ، وهو متحقق مع الاطمئنان بأداء الوارث لها ، أما ردُّها مع فرض عدم مطالبة صاحبها بها فليس واجباً.

وينبغى الالتفات الى أن أداء الوارث لها اذا كان موقوفاً على الايصاء بها والإشهاد عليها ، وجب ذلك من باب وجوب مقدمة الواجب ولو عقلاً.

٥ ـ وأما أن الديون يجب أداؤها عند ظهور أمارات الموت اذا كانت حالَّة ، فهو مذكور فى كلمات غير واحد من الأعلام.

والمناسب أن يقال : إنه مع مطالبة المالك بها يجب أداؤها اذا كانت حالة ، سواء ظهرت أمارات الموت أم لا ، ومع عدم مطالبته بها فلا موجب للإلزام بأدائها ، فجعل الأمر دائراً مدار ظهور أمارات الموت وعدمه بلا وجه.

٦ ـ وأما أنه لا تصح الوصية إلاّ بمقدار الثلث ، فهو المعروف بين الأصحاب. (١) وقد دلّت عليه روايات متعددة ، كموثقة عمار الساباطى عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « الميت أحق بماله ما دام فيه الروح يبين فيه ، فإن قال : بعدي ، فليس له إلاّ الثلث ». (٢) وغيرها.

ونسب الخلاف فى ذلك الى الشيخ عليبن‏بابويه وأنه أجازها فى جميع التركة. (٣)

٧ ـ وأما نفوذها مع إجازة الورثة بعد الوفاة ، فباعتبار أن الحق لا يعدوهم.

٨ ـ وأما الإجتزاء بإجازة الورثة حال حياة مورثهم ، فالقاعدة وإن اقتضت عدمه لكونهم آنذاك ليسوا أصحاب حق ليتمكّنوا من اسقاطه ، إلاّ أن الروايات قد دلّت

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٢٨ / ٢٨١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٣٦٧ ، باب ١١ ، من أحكام الوصايا ، حديث ١٢.

قال فى الوافي : ٢٤ / ٦٧ ، « ابان فيه : اى عزله عن ماله وسلّمه الى المعطى له فى مرضه ولم يعلّق إعطاءه علي الموت ».

٣ ـ جواهر الكلام : ٢٨ / ٢٨١.

١٩٦

على النفوذ ، كصحيحة محمد بن مسلم عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « رجل أوصى بوصية وورثته شهود فأجازوا ذلك ، فلمّا مات الرجل نقضوا الوصية هل لهم أن يردّوا ما أقرّوا به؟ فقال : ليس لهم ذلك ، والوصية جائزة عليهم إذا أقرّوا بها فى حياته » (١) وغيرها.

وبعد الروايات لا يبقى مجال للقول بعدم النفوذ كما هو المنسوب الى الشيخ المفيد وغيره(٢).

٩ ـ وأما عدم إمكان التراجع عن الإجازة ، فواضح اذا كانت الإجازة بعد الوفاة ، لأنها انعقدت صحيحة وانتقل المال الى الموصى له ، وانقلابها الى البطلان بالتراجع يحتاج الى دليل.

١٠ ـ وأما أنه اذا أجاز بعض الورثة دون بعض نفذت فى حق المجيز فقط ، فأمر واضح بعد انحلال الحق وبُعْد كونه واحداً ارتباطياً.

١١ ـ وأما أن المدار فى الثلث على ملاحظته حين الوفاة ، فلأنه المنصرف عرفاً من فقرة : « فإن قال بعدى فليس له إلاّ الثلث » الواردة فى موثقة الساباطى المتقدمة ، أى فليس له إلاّ الثلث بعد وفاته.

هذا مضافاً الى إمكان استفادة ذلك من صحيحة محمد بن قيس : « قلت له : رجل أوصى لرجل بوصية من ماله ثلثٍ أو ربع ، فيقتل الرجل خطأ يعنى الموصي ، فقال : يجاز لهذا الوصية من ماله ومن ديته » (٣) وغيرها.

إلاّ أن هذا كلّه لو لم يتضح من خلال القرائن إرادة ما هو ثلث حين الوصيّة كما هو واضح.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٣٧١ ، باب ١٣ ، من أحكام الوصايا ، حديث ١.

٢ ـ جواهر الكلام : ٢٨ / ٢٨٦.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٣٧٢ ، باب ١٤ ، من أحكام الوصايا ، حديث.

١٩٧

١٢ ـ وأما الواجبات غير المالية ـ كالصلاة وغيرها ـ فقد وقعت محلاً للخلاف فقيل بلزوم اخراجها من الاصل قبل الارث أيضاً كالديون المالية. وقيل بإخراجها من الثلث.

واستدلّ على الأول بأنها دينٌ ، وكل دينٍ لابدَّ من اخراجه من الأصل.

أما الصغرى فلما رواه الشيخ الصدوق باسناده عن سليمان بن داود المنقرى عن حماد بن عيسى عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : قال لقمان لابنه : « ... يا بُنّى اذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشيء ، صلّها واسترح منها فإنها دين ... ». (١)

وأما الكبرى فللآية الكريمة : ( من بعد وصية يوصى بها أو دين ) (٢) الدالّة على لزوم اخراج الدين من التركة قبل الإرث ، ولقصة الخثعميّة التي أتت الى رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : « يا رسول اللّه‏ إنّ فَرضَ الحج قد أدرك أبى وهو شيخ لا يقدر على ركوب الراحلة ، أيجوز أن أحج عنه؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يجوز. قالت : يا رسول اللّه‏ ينفعه ذلك؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أما كان يجزي‏ء؟ قالت : نعم. قال : فدين اللّه‏ أحق ». (٣)

هكذا استدلّ جماعة منهم السيد اليزدى قدس‌سره. (٤)

ويمكن التأمل فى ذلك من ناحية الكبرى باعتبار انصراف لفظ الدين فى الآية الكريمة الى الدين المالي. وقصة الخثعميّة لم ترد فى أحاديثنا ، على انّها لاتدلّ على الإخراج من الاصل.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ٨ / ٣٠٣ ، باب ٥٢ من ابواب اداب السفر الى الحج ، حديث ١.

٢ ـ النساء : ١١.

٣ ـ مستدرك الوسائل : ٨ / ٢٦ ، باب ١٨ من ابواب وجوب الحج وشرائطه ، حديث ٣.

٤ ـ العروة الوثقي ، كتاب الصلاة ، فصل فى صلاة الاستئجار ، مسألة ٣.

١٩٨

كتاب الوقف

حقيقة الوقف

من شرائط الوقف

من أحكام الوقف

من أحكام الحبس

من أحكام الصدقة بالمعنى الأخص ش

١٩٩
٢٠٠