دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢١٩

تامة سنداً من جهة أن الراوى عبدالملك نفسه.

من أحكام العهد

العهد التزام مع اللّه سبحانه بفعل شيء أو تركه بصيغة : « عاهدت اللّه » أو « عليَ عهد اللّه أن أفعل كذا » ، مع التعليق على شرط أو بدونه. والوفاء به واجب. وتترتب على مخالفته الكفارة.

ولايعتبر فى متعلقه الرجحان الشرعى بنحو يعدّ طاعة له سبحانه.

وكفارة مخالفة العهد : عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أن العهد ما ذكر ، فينبغى أن يكون من واضحات الفقه.

وأما أن صيغته « عاهدت اللّه أو على عهد اللّه إن أفعل كذا » فلتحقق العهد بذلك عرفا ، فتشمله عمومات وجوب الوفاء بالعهد.

وأما صحته مع التعليق على شرط وبدونه ، فلإطلاق الأدلّة الآتية الدالّة علي مشروعية العهد ووجوب الوفاء به.

وأما أن الوفاء به واجب فممّا لا إشكال فيه لقوله تعالي : ( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا ) (١) ، ( وبعهد اللّه أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكّرون ) (٢) ، ( وأوفوا بعهد اللّه اذا عاهدتم ) (٣) ، فان المراد بالعهد فى الآيات الكريمة المذكورة

__________________

١ ـ الاسراء : ٣٤.

٢ ـ الأنعام : ١٥٢.

٣ ـ النحل : ٩١.

١٦١

اما خصوص العهد الإصطلاحى أو ما يعمّ النذر واليمين ، وعلى التقديرين يثبت المطلوب.

وفى حديث عبد اللّه بن سنان : « سألت أبا عبد اللّه عليه‌السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( يا أيّها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) قال : « العهود » (١).

٢ ـ وأما ترتب الكفارة على مخالفة العهد ، فهو من الاُمور المسلّمة بين الأصحاب. وتأتى دلالة بعض الروايات عليه.

٣ ـ وأما عدم اعتبار كون متعلقه طاعة كما هو معتبر ، فى النذر فلعدم جريان التقريب السابق هناك فيه. ومقتضى إطلاق دليل وجوب الوفاء به الشمول لما يكون متساوى الطرفين شرعا.

٤ ـ وأما ان كفارة مخالفة العهد ما تقدم ، فهو المشهور بين الأصحاب. ويدّل عليه ما رواه احمد بن محمد بن عيسى فى نوادره عن ابى جعفر الثانى عليه‌السلام : « رجل عاهد اللّه عند الحجر ان لا يقرب محرما ابدا ، فلما رجع عاد الى المحرم ، فقال : ابوجعفر عليه‌السلام : يعتق أو يصوم أو يتصدّق على ستّين مسكينا. وما ترك من الأمر أعظم ويستغفر اللّه ويتوب اليه » (٢) وغيره.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٢٤٨ ، باب ٢٥ من ابواب النذر والعهد ، حديث ٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٢٤٨ ، باب ٢٥ من ابواب النذر والعهد ، حديث ٤.

١٦٢

كتاب الشفعة

حقيقة الشفعة

من أحكام الشفعة

١٦٣
١٦٤

حقيقة الشفعة

الشفعة حق ثابت للشريك فى أخذ حصّة شريكه ـ اذا باعها لثالث ـ بالثمن المقرر في البيع. ويصطلح على صاحب الحق المذكور بالشفيع.

وهى ايقاع يتوقف تحققه على انشاء الشريك له ، بلا حاجة الى القبول.

وشرعيتها أمر مسلَّم.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أن الشفعة هى ما تقدم ، فممّا لا كلام فيه.

وأما أنها ايقاع يتوقف على انشاء الايجاب من دون حاجة الى القبول ، فأمر واضح ، لأنها شرِّعت لأخذ الحصة من‏المشتري ، حفظاً لأولوية الشفيع ، فلايحتمل اعتبار قبوله.

٢ ـ وأما أنها مشروعة ، فقد دلّت عليه جملة من الروايات ، كصحيحة عبدالله بن سنان عن أبى عبدالله عليه‌السلام : « لاتكون الشفعة إلاّ لشريكين ما لم يقاسما ، فاذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة » (١) ، وموثقة أبى العباس البقباق : « سمعت

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٢٠ ، باب ٧ من ابواب الشفعة ، حديث ١.

١٦٥

أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : الشفعة لاتكون إلاّ لشريك » (١) ، ورواية عقبة بن خالد عن أبى عبدالله عليه‌السلام : « قضى رسول الله بالشفعة بين الشركاء فيالأرضين والمساكن وقال : لا ضرر ولا ضرار. وقال : اذا اُرّفت الاُرف(٢) وحُدّت الحدود فلاشفعة » (٣) الى غير ذلك من الروايات.

وينبغى الالتفات الى ان ثبوت حق الشفعة جاء تخصيصاً لقاعدة عدم حلية التصرف فى مال الغير من دون طيب نفسه كما هو واضح ، ولا محذور فى ذلك ، فان القاعدة المذكورة ليست حكماً عقلياً كى لاتقبل التخصيص.

من أحكام الشفعة

يتحقق إعمال حق الشفعة بكلّ ما يدلّ على ذلك من قول ـ كقول الشفيع : أخذت الحصة المبيعة بثمنها ـ أو فعل ، كما اذا دفع الشفيع الثمن وأخذ الحصة.

ويشترط فى ثبوتها :

أ ـ عدم تقسيم العين المشتركة بفرز الحصص.

ب ـ أن تكون العين مشتركة بين اثنين لا أكثر.

ج ـ تسديد الثمن ولايكفى إعمال حق الشفعة من دون ذلك.

د ـ أن يكون المدفوع بمقدار الثمن بدون زيادة أو نقيصة سواء كان مساوياً للقيمة السوقية أم لا.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣١٥ ، باب ١ من ابواب الشفعة ، حديث ١.

٢ ـ اى اذا رسمت الحدود. والعطف تفسيرى والمقصود الردُّ على من يقول بأن الشفعة ثابتة بعد تقسيم الارض وتعيين حصة كل شريك.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣١٩ ، باب ٥ من ابواب الشفعة ، حديث ١.

١٦٦

ذ ـ أن تكون العين المشتركة من الأشياء غير المنقولة وقابلة للقسمة كالدور والبساتين والأراضي. وفى ثبوتها فى غير القابل للقسمة وفى المنقول خلاف.

وفى اعتبار الفورية فى حق الشفعة خلاف.

ولاتثبت الشفعة بالجوار ، فلو أراد شخص بيع داره فلايحق لجاره المطالبة بها بالشفعة.

وحق‏الشفعة قابل للإسقاط بدون عوض أو معه ، ولكنّه لايقبل الانتقال الى الغير بالنقل اليه.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أن إعمال حق الشفعة يتحقق بكلّ ما يدلّ على ذلك من قول أو فعل ، فيمكن استفادته من الروايات السابقة ، فانها اذا كانت مشتملة على إطلاق لفظى فهو المطلوب. وإلاّ أمكن التمسّك بالإطلاق المقامي ، بتقريب أن إثبات حق الشفعة للشريك من دون بيان ما به يتحقق اعماله يدلّ على ايكال الأمر الى العرف وأن الشارع ليس له تحديد خاص فى هذا المجال ، بل كلّ ما يدلّ على إعمال الحق المذكور فى نظر العرف فهو كافٍ.

٢ ـ وأما أنه يشترط فى ثبوت حق الشفعة عدم فرز الحصص ، فهو من المسلّمات عندنا. (١) وقد دلّت عليه روايات كثيرة كصحيحة عبدالله بن سنان المتقدمة وغيرها.

ويظهر من رواية عقبة بن خالد المتقدمة وجود رأى مقابل لمدرسة أهل البيت عليهم‌السلام يرى ثبوت حق الشفعة حتى مع فرز الحصص فلاحظ.

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٣٧ / ٢٥٧.

١٦٧

٣ ـ وأما اعتبار أن تكون العين مشتركة بين اثنين لا أكثر ، فهو المشهور. (١) وقد دلّت عليه عدّة روايات كصحيحة عبدالله بن سنان المتقدمة وغيرها.

إلاّ أن فى مقابل ذلك روايتين : أحدهما للسكونى والاُخرى لطلحة بن زيد عن الامام الصادق عليه‌السلام ، كلتاهما بلسان : « الشفعة على عدد الرجال ». (٢)

وقد حملها الشيخ على التقية ، (٣) فإن تمَّ ذلك وإلاّ تساقط المتعارضان ولزم الرجوع الى الأصل المقتضى لعدم حل التصرف من دون طيب نفس المالك ، فإن القدرالمتيقن فى الخارج عن الأصل المذكور ما اذا كانت الشركة بين اثنين ، وأما اذا كانت بين‏أكثر فيشك فيالخروج عن الأصل ، فيتمسك به إن فرض عدم وجود إطلاق فى الروايات يدلّ على ثبوت حق الشفعة فى حالة اشتراك العين بين أكثر من‏اثنين.

هذا كله اذا لم‏نناقش فى سند الاُولى بالنوفلى الراوى عن السكونى وفى الثانية بطلحة بن زيد وإلاّ فلا مشكلة من الأساس.

٤ ـ واما اعتبار تسديد مقدار الثمن عقيب إعمال الحق ، فينبغى أن يكون من الواضحات ، إذ لايحتمل ثبوت حق الشفعة وانتقال العين الى الشفيع بإعماله الشفعة مع عدم أدائه الثمن ، وهل ذلك إلاّ الضرر المنفى بقاعدة لا ضرر؟!

هذا مضافاً الى أن روايات الشفعة لا إطلاق لها من هذه الناحية ، فينبغى الاقتصار على مورد اليقين ، وهو ما اذا تَمَّ أداء الثمن.

٥ ـ واما ان الشفيع لايمكنه تملك الحصة إلا بدفع مقدار الثمن بدون زيادة ولا

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٣٧ / ٢٧٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٢٢ ، باب ٧ من ابواب الشفعة ، حديث ٥.

٣ ـ تهذيب الاحكام : ٧ / ١٦٦.

١٦٨

نقيصة فتدلّ عليه رواية هارون بن حمزة الغنوى عن أبى عبدالله عليه‌السلام : « سألته عن الشفعة فى الدور ، أشيء واجب للشريك ويعرض على الجار فهو أحق بها من غيره؟ فقال : الشفعة فى البيوع اذا كان شريكاً فهو أحق بها بالثمن » (١) ، إلاّ أن سندها يشتمل على يزيد بن اسحاق شعر ، وهو لم يوثق. أجل ، بناءً على تمامية كبرى الجابرية بموافقة فتوى المشهور(٢) لا إشكال ، خصوصاً اذا لاحظنا كلام صاحب الجواهر الذى يقول فيه : « لا خلاف بين الخاصة والعامة نصاً وفتويً فى أن الشفيع يأخذ بمثل الثمن الذى وقع عليه العقد ». (٣)

ثم إنه يمكن أن نسلك طريقاً آخر لإثبات فتوى المشهور بأن يقال : إن الروايات حيث لا إطلاق فيها من هذه الناحية ، فينبغى الاقتصار على القدر المتيقن ، وهو ما اذا كان البذل لما يساوى مقدار الثمن.

٦ ـ وأما أنه لايفرَّق بين أن يكون مقدار الثمن مساوياً للقيمة السوقية أو لا ، فلإطلاق البيانين المتقدمين من هذه الناحية.

٧ ـ وأما ثبوت الشفعة فى الأعيان غير المنقولة القابلة للقسمة ، فهو ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب وهو القدر المتيقن من مورد حق الشفعة.

واذا رجعنا الى الروايات وجدنا أن بعضها يدلّ على ثبوت حق الشفعة في جميع الأشياء ، كصحيحة يونس عن بعض رجاله عن أبى عبدالله عليه‌السلام : « الشفعة جائزة فى كلّ شيء من حيوان أو أرض أو متاع » (٤) ، لكنها ضعيفة بالارسال.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣١٦ ، باب ٢ من ابواب الشفعة ، حديث ١.

٢ ـ لاحظ : كتاب دروس تمهيدية فى القواعد الرجالية : ٢٠٩.

٣ ـ جواهر الكلام : ٣٧ / ٣٢٦.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣١٩ ، باب ٥ من ابواب الشفعة ، حديث ١.

١٦٩

واذا لاحظنا رواية عقبة بن خالد المتقدمة وجدناها تدلّ على ثبوت الشفعة في الدور والأراضي ، وهى ضعيفة السند بعقبة نفسه وبمحمد بن عبدالله بن هلال الراوى عنه حيث لم يوثّقا.

وأما بقية الروايات فهى لا إطلاق فيها من هذه الناحية ، كصحيحة عبداللّه‏ بن سنان وموثقة البقباق المتقدمتين.

والمناسب بعد هذا أن يقال : إن الروايات المتقدمة وغيرها يستفاد منها ثبوت حق الشفعة فى الجملة ويدور الأمر فى مورده بين كونه جميع الأشياء أو خصوص بعضها ، فيلزم الاقتصار على القدر المتيقن ، وهو الاُمور غير المنقولة من دون تفصيل بينها لعدم احتمال ذلك.

أجل ، قديقال باعتبار كونها قابلة للقسمة ـ فلاتثبت فيمثل الآبار ـ لأن التعبير فى صحيحة عبدالله بن سنان : « ما لم يقاسما » قد يفهم منه اعتبار قابلية الشيء للقسمة.

وأما الأشياء المنقولة ، فقد دلّت صحيحة عبدالله بن سنان : « مملوك بين شركاء أراد أحدهم بيع نصيبه ، قال : يبيعه. قلت : فإنهما كانا اثنين فأراد أحدهما بيع نصيبه فلما أقدم على البيع ، قال له شريكه : اعطني ، قال : هو أحق به. ثم قال عليه‌السلام : لا شفعة في الحيوان إلاّ أن يكون الشريك فيه واحداً » (١) على ثبوته فى الحيوان. والتعدّى منه الى مطلق الأشياء المنقولة يتوقف على فهم عدم الخصوصية للحيوان.

٨ ـ وأما اعتبار الفورية فى إعمال حق الشفعة ، فيمكن أن يوجَّه بأن ثبوت الحق المذكور حكم على خلاف الأصل فيلزم الاقتصار على القدر المتيقن ، وهو ثبوته

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٢٢ ، باب ٧ من ابواب الشفعة ، حديث ٧.

١٧٠

فى أول زمان إمكان إعماله.

وقد يقال بكونه متراخياً الى الحدّ الذى يلزم فيه الضرر ، تمسكاً بالاستصحاب.

والمناسب ان يقال بإعتبار الفورية العرفية ، لأنّ ثبوتها بمقدار أزيد من ذلك أمر غير محتمل ، لإستلزامه ايقاع المشترى فى الضرر ، وحق الشفعة شُرّع لدفع الضرر ولايحتمل تشريعه بنحو يستوجب توجيه الضرر على الغير ، وبعد هذا لايبقى مجال لاحتمال جريان الاستصحاب.

٩ ـ واما عدم ثبوت الشفعة بالجوار ، فيكفى لإثباته القصور فى المقتضي. ويؤيد ذلك رواية الغنوى المتقدمة.

١٠ ـ وأما قبول حق الشفعة للإسقاط بدون عوض أو معه ، فلأنه حق ولايحتمل كونه حكماً شرعياً لكى لايقبل الإسقاط.

وأما عدم قابليته للنقل ، فيكفى لإثباته عدم الدليل على قبوله لذلك.

١٧١
١٧٢

كتاب الجعالة

حقيقة الجعالة

من أحكام الجعالة

١٧٣
١٧٤

حقيقة الجعالة

الجعالة(١) انشاء يتضمن الالتزام بعوض على عمل.

وترجع فى حقيقتها الى كونها ايقاعاً يتحقق بمجرد الإيجاب إما عاماً ، كقول من يريد بيع داره : « من باع دارى فله كذا » ، أو خاصاً ، كقول الشخص السابق موجّهاً الخطاب لشخص آخر معيّن : « إن بعت دارى فلك كذا ».

وهى مشروعة.

وتفترق عن الإجارة بعدّة فوارق.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أن الجعالة ما تقدم ، فهو من واضحات الفقه.

وأما أنها ايقاع لا تحتاج الى قبول ، فهو المعروف. ويدلّ عليه :

أ ـ أن الجاعل بإيجابه للجعالة لايتصرف فى سلطان الغير ليحتاج الى قبوله.

ب ـ السيرة العقلائية التى يأتى التمسّك بها ، فإنها قاضية بعدم الحاجة الى القبول.

٢ ـ وأما شرعية الجعالة ، فأمر متسالم عليه فى الجملة. ويدلّ على ذلك :

__________________

١ ـ بكسر الجيم وقد تضم.

١٧٥

أ ـ قوله تعالي : ( ولمن جاء به حمل بعير ) (١) ، بعد ضمّ استصحاب حكم الشريعة السابقة عند الشك فى نسخه.

ب ـ الروايات الخاصة ، كصحيحة عبدالله بن سنان : « سمعت أبى يسأل أبا عبدالله عليه‌السلام وأنا أسمع ، فقال : ربما أمرنا الرجل فيشترى لنا الأرض والدار والغلام والجارية ونجعل له جُعْلاً ، قال : لا بأس » (٢) ، فإنه ليس المقصود ندفع له بعد ذلك لابعنوان الجعالة وإلاّ لقيل : نعطيه ، بل المقصود نقرر له ذلك من البداية بعنوان الجعالة.

وكصحيحة على بن جعفر عن أخيه أبيالحسن عليه‌السلام : « سألته عن جعل الآبق والضالة ، قال : لا بأس به » (٣) فإن المقصود ، السؤال عن الجعالة على ردِّ الآبق والضالة.

ج ـ السيرة العقلائية ، فإنها انعقدت على كون طلب العمل سببا من أسباب الضمان ، فمن طلب من غيره تعمير داره أو حمل متاعه فى سيارته ، كان ذلك سببا للضمان إما باُجرة المثل إن لم‏تقرر اُجرة معينة أو بما قرر إن فرض ذلك ، وحيث إن السيرة المذكورة لايحتمل حدوثها بعد عصر المعصومين عليهم‌السلام ولم يصدر ردع عنها فيستكشف امضاؤها.

٣ ـ وأما أن الإيجاب يجوز أن يكون عاما تارةً وخاصا اُخرى ، فيدلّ عليه إطلاق صحيحة على بن جعفر عليه‌السلام المتقدمة والسيرة العقلائية.

٤ ـ وأما الفوارق بين الإجارة والجعالة ، فهى متعددة من قبيل :

أ ـ أن الإجارة عقد تتوقف على الإيجاب والقبول ، بينما الجعالة ايقاع يكفى في

__________________

١ ـ يوسف : ٧٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ١٣٨ ، باب ٤ من ابواب الجعالة ، حديث ١.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ١٣٦ ، باب ١ من ابواب الجعالة ، حديث ١.

١٧٦

تحققها الإيجاب.

ب ـ فى الإجارة يستحق الأجير الاُجرة بمجرد العقد وتنشغل ذمته بالعمل للمستأجر بمجرد ذلك أيضا ، بخلافه فى الجعالة ، فإنه لا تنشغل ذمة الجاعل بالجعل بمجرد الإيجاب بل بعد العمل ، كما لا تنشغل ذمة العامل بالعمل للجاعل بمجرد ذلك.

ج ـ لابدَّ من تعيين العوضين فى الإجارة بخلافه فى الجعالة.

من أحكام الجعالة

لا محذور فى الجهل بعوضى الجعالة ، كأن يقول شخص : « من أصلح سيارتى فله كذا مقدارٌ » ، مع فرض عدم العلم بما يتطلبه الإصلاح من عمل وأجهزة ، أو يقول : « من باع داري بكذا فله الزائد ».

أجل ، يلزم أن لا يكون مجهولاً بشكل كامل ، كما لو قال : « من باع دارى بكذا فله شيء » وإلاّ بطلت الجعالة واستحق العامل اُجرة المثل.

ويجوز للجاعل التراجع عن الجعالة قبل شروع العامل ولايجوز ذلك بعد الشروع إلاّ مع التوافق مع العامل.

واذا شرع العامل فى العمل ، فلا يجب عليه اتمامه إلاّ اذا فرض طروّ عنوان ثانوي ، كما لو قال الجاعل للطبيب : إن أجريت عملية لعينى فلك كذا ، فإنه لا يحق له التوقف عن اتمام العملية بعد الشروع فيها فيما اذا كان ذلك موجباً للضرر.

ولايستحق العامل للجعل إلاّ بإتمامه للعمل. واذا أتى ببعضه وأراد التوقف فلا يستحق بالنسبة إلاّ اذا كان طلب العمل لم يلحظ بنحو الترابط. وقد يكون من هذا القبيل طلب بعض

١٧٧

الوزارات فى الدولة تعبيد عدّة شوارع أو بناء عدة عمارات وما شاكل ذلك وارادة العامل التوقف عن تعبيد بعض الشوارع أو بناء بعض العمارات.

ولايستحق العامل الجعل إلاّ اذا قصد أداء العمل بقصد تحصيل الجعل ، أما اذا قام به متبرعاً أو كان جاهلاً بالجعالة أو غافلاً عنها فلايستحق شيئاً.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما عدم المحذور فى الجهل بعوضى الجعالة ، فهو رأى بعض الأصحاب. (١) ويدلّ عليه عموم السيرة المتقدمة وإطلاق صحيحة على بن جعفر المتقدمة ، فإن ما يتطلبه ردُّ الآبق والضالة غير محدد ، ومقدار الجعل لم‏تفترض معلوميته وبالرغم من ذلك نفى عليه‌السلام البأس من دون تفصيل.

وأما حديث نفى الغرر ، فهو على تقدير تمامية سنده خاص بالبيع ، كما تقدمت الإشارة اليه عند البحث فى الإجارة.

٢ ـ وأما اعتبار أن لايكون الجهل بالعوضين بشكل كامل ، فيمكن توجيهه بأن التعامل مع الجهل بالعوض بشكل كامل ليس عقلائياً ، وأدلة امضاء المعاملات منصرفة عن التعامل غير العقلائي.

ومع التنزل يمكن أن نقول : إن مدرك مشروعية الجعالة منحصر بالوجوه الثلاثة المتقدمة ، وهى لم يحرز شمولها لحالة الجهل الكامل ، ومعه يلزم التمسّك باستصحاب عدم ترتب الأثر عند الشك فى ثبوت الامضاء.

٣ ـ وأما أنه مع بطلان الجعالة يستحق العامل اُجرة المثل ، فباعتبار أن استحقاقه

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٣٥ / ١٩٥.

١٧٨

للاُجرة المسمّاة لمّا لم يثبت لفرض بطلان الجعالة فلابدّ من ضمان أجرة المثل؛ لأن الجاعل قد طلب العمل ، وهو سبب للضمان.

٤ ـ وأما جواز التراجع عن الجعالة قبل شروع العامل ، فلم يعرف فيه خلاف بين الأصحاب. (١) ويكفى لاثباته عدم الدليل على اللزوم.

وأما عدم جوازه بعد شروع العامل ، فتقتضيه السيرة العقلائية المتقدمة.

٥ ـ وأما عدم لزوم إتمام العامل للعمل بعد شروعه فيه ، فلعدم الدليل على ذلك.

وأما لزوم الاستمرار مع العنوان الثانوي ، فتقتضيه السيرة المتقدمة.

٦ ـ وأما عدم استحقاق العامل للجعل إلاّ بعد اتمام العمل ، فيكفى لإثباته عدم الدليل على الاستحقاق قبل ذلك.

وأما أنه إذا أتى ببعضه وأراد التوقف ، فلايستحق شيئاً ، فلأن الجُعل قد جُعل على اتمام العمل حسب الفرض.

وأما ثبوت الاستحقاق بالنسبة اذا فرض عدم ملاحظة الترابط ، فلأن ذلك يعني انحلال الجعالة الى جعالات متعددة بعدد الأبعاض المتصورة.

٧ ـ وأما عدم استحقاق العامل للجعل اذا أتى بالعمل متبرعاً أو غافلاً أو جاهلاً ، فيكفى لإثباته عدم الدليل على الاستحقاق ، فإن السيرة دليل لبّي ، يلزم الاقتصار فيه على القدر المتيقن ، والنصوص منصرفة عن مثل ذلك.

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٣٥ / ١٩٨.

١٧٩
١٨٠