دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢١٩

١ ـ ما هو اللعان

اللعان مباهلة بين الزوجين على وجه خاص يترتب عليها دفع حدٍّ أو نفى ولد. ويثبت في موردين :

١ ـ القذف بالزنا ، فإنه لا يجوز قذف المسلم بالزنا حتى مع تراكم القرائن على صحة النسبة إلاّ مع الإطّلاع على ذلك بنحو اليقين. ويلزم حدُّ القاذف حدَّ القذف حتى مع يقينه بصحة النسبة. ولكن بإمكانه دفع الحدِّ عن نفسه إذا فرض أحد أمرين :

أ ـ اقامة شهود أربعة يشهدون بذلك.

ب ـ ان يكون القاذف هو الزوج والمقذوف هو الزوجة ، فإن بإمكان الزوج دفع الحدّ عن نفسه من خلال اللعان بالكيفية الآتية فيما اذا لم تكن له بيّنة.

٢ ـ نفى الولد ، فإنه لا يجوز للشخص اذا اولدت زوجته طفلاً نفيه عنه حتى اذا فجرت وظن بعدم كونه منه لتراكم بعض القرائن ما دام يمكن تولده منه. أجل مع القطع بعدم كونه منه ـ كما اذا ولدت لأقل من ستة أشهر من حين الزواج ـ يجوز له نفيه عنه ولكن لا ينتفي شرعاً فى مرحلة الظاهر إلاّ اذا لاعَنَ أو قامت البينة على عدم إمكان تولده منه.

١٤١

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أن اللعان ما ذكر ، فهو من واضحات الفقه. ويستفاد ذلك من قوله تعالي : ( والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات باللّه إنّه لمن الصادقين والخامسة أنَّ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين ويَدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات باللّه إنه لمن الكاذبين والخامسة أنَّ غضب اللّه عليها إن كان من الصادقين ) (١).

وقد ورد فى صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : « أن عباد البصرى سأل أباعبداللّه عليه‌السلام وأنا عنده ، كيف يلاعن الرجل المرأة؟ فقال : إن رجلاً من المسلمين أتي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول اللّه أرأيت لو أن رجلاً دخل منزله فرأى مع امرأته رجلاً يجامعها ما كان يصنع؟ فأعرض عنه رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانصرف الرجل وكان ذلك الرجل هو الذى ابتلى بذلك من امرأته ، قال : فنزل الوحى من عند اللّه عزّ وجلّ بالحكم فيها ، قال : فأرسل رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى ذلك الرجل فدعاه ، فقال : أنت الذي رأيت مع امرأتك رجلاً؟ فقال : نعم ، فقال له : انطلق فائتنى بامرأتك فإن اللّه عزّ وجلّ قد أنزل الحكم فيك وفيها ، قال : فأحضرها زوجها ، فوقفها رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال للزوج : أشهد أربع شهادات باللّه إنك لمن الصادقين فيما رميتها به ، قال : فشهد ، قال : ثمَّ قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : امسك ووعظه. ثمَّ قال : اتق اللّه ، فان لعنة اللّه شديدة ، ثم قال : إشهد الخامسة أن لعنة اللّه عليك إن كنت من الكاذبين ، قال : فشهد فامر به فنحي. ثم قال عليه‌السلام للمرأة : اشهدى أربع شهادات باللّه أن زوجك لمن الكاذبين فى ما رماك به ، قال : فشهدت ، ثم قال لها : أمسكى فوعظها ، ثم قال لها : اتقى اللّه فإن غضب

__________________

١ ـ النور : ٦ ـ ٩.

١٤٢

اللّه شديد ، ثم قال لها : اشهدى الخامسة أن غضب اللّه عليك إن كان زوجك من الصادقين بما رماك به قال : فشهدت قال : ففرّق بينهما وقال لهما : لا تجتمعان بنكاح أبداً بعد ما تلاعنتما » (١).

٢ ـ وأما ثبوت اللعان فى مورد القذف ، فهو المشهور. (٢) وتدل عليه الآية الكريمة وصحيحة ابن الحجاج المتقدمة وغيرها.

٣ ـ وأما أنه لا يجوز القذف من دون يقين ، فهو ممّا لا تأمل فيه ، فإنه من الرمي الموجب للَّعنة فى الدنيا والآخرة ، وهو من الإفك الذى نهى عنه المؤمنون. قال تعالي : ( إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا فى الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم ، يوم تشهد عليهم ألسِنَتُهم وأيديهِم وأرجُلُهم بما كانوا يعملون ) (٣). وقال تعالى فى قصة الإفك : ( لولا إذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفكٌ مبين. لولا جاءوا عليه باربعة شهداء فإن لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند اللّه هم الكاذبون. ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته فى الدنيا والآخرة لمسّكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم إذ تلقّونه بالسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيّنا وهو عند اللّه عظيم. ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم ) (٤).

وفى الحديث : « جاءت امرأة الى رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول اللّه إنى قلت

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٥٨٦ ، باب ١ من كتاب الايلاء ، حديث ١.

٢ ـ جواهر الكلام : ٣٤ / ٥.

٣ ـ النور : ٢٤ ـ ٢٣.

٤ ـ النور : ١٦ ـ ١٢.

١٤٣

لأمتي : يا زانية ، فقال : هل رأيت عليها زنا؟ فقالت : لا ، فقال : أما أنها ستقاد منك(١) يوم القيامة فرجعت الى أمتها فأعطتها سوطا ، ثم قالت : اجلديني ، فأبت فاعتقتها ، ثم أتت الى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبرته ، فقال : عسى أن يكون به » (٢).

٤ ـ وأما أن القاذف يُحَدُّ حَدَّ القذف ـ ثمانون جلدة ـ فلقوله تعالي : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا واُولئك هم الفاسقون ) (٣).

٥ ـ وأما اندفاع الحدّ عن القاذف بلعانه ، فللآية الكريمة المتقدمة فى رقم ١.

وأما تقييد اللعان بعدم وجود البينة ، فللتقييد بذلك فى الآية الكريمة نفسها.

٦ ـ واما ثبوت اللعان فى مورد نفى الولد ، فيستفاد من صحيحة الكنانى عن أبي عبد اللّه عليه‌السلام : « سألته عن رجل لاعَنَ امرأته وانتفى من ولدها ، ثم أكذب نفسه بعد الملاعنة وزعم أن الولد ولده هل يردّ عليه ولده؟ قال : لا ولا كرامة لا يرد عليه ولا تَحِلُّ له الى يوم القيامة » (٤). وغيرها.

٧ ـ وأما عدم جواز نفى الولد فى حالة إمكان الانتساب ، فلقاعدة الولد للفراش المستندة الى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الولد للفراش وللعاهر الحجر » الذى رواه الفريقان.

فمن طرقنا روى سعيد الأعرج فى صحيحه عن أبى عبد اللّه عليه‌السلام : « سألته عن رجلين وقعا على جارية فى طهر واحد ، لمن يكون الولد؟ قال : للذى عنده ، لقول رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر » (٥).

__________________

١ ـ فى التهذيب ( : ١٠ /٨٠) : سيقاد لها منك.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٤٣١ ، باب ١ من ابواب القذف ، حديث ٤.

٣ ـ النور : ٤.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٦٠١ ، باب ٦ من ابواب اللعان ، حديث ٥.

٥ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٥٦٨ ، باب ٥٨ من ابواب النكاح العبيد والاماء ، حديث ٤.

١٤٤

والمقصود من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « للذى عنده » المولى المالك للجارية كما نبّه عليه ‏الكاشاني(١).

ومن طرق غيرنا ما رواه مسلم بسنده الى عائشة : « اختصم سعد بن أبى وقاص وعبد بن زمعة فى غلام. فقال سعد : هذا ، يا رسول اللّه! ابن أخى عتبة بن أبى وقاص عهد إليَ أنه ابنه ، انظر الى شَبَهِهِ. وقال عبد بن زمعة : هذا أخى يا رسول اللّه! وُلِدَ على فراش أبى من وليدته. فنظر رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى شبهه ، فرأى شَبَها بيّنا بِعُتْبَة ، فقال : هو لك يا عبد ، الولد للفراش وللعاهر الحجر ... » (٢)

٨ ـ وأما جواز نفيه عند عدم إمكان الانتساب ، فلأن الفراش لا يتحقق بمجرد العقد خلافا لأبى حنيفة حيث نُسب اليه تحققه بذلك. فقد نقل العيني : « شذَّ أبو حنيفة فيما اذا عقد شخص على امرأة وطلّقها عقيب النكاح من غير امكان الوط‏ء فأتت بولد لستة أشهر من وقت العقد حيث ألحقه بالزوج. وهذا خلاف ما جرت به عادة اللّه من ان الولد انما يكون من ماء الرجل والمرأة » (٣)؛ بل يتحقق بالعقد مع إمكان الالتحاق بالزوج ، فإن القاعدة شُرّعت فى حالات الشك فى الانتساب ، إذ مع الجزم بالانتساب الى الزوج فلا معنى لأن يُعَبِّدُنا الشارع بالإلحاق به ، لانه تَعَبُّدٌ بما هو معلوم بالوجدان ، كما لا معنى للتعبد مع الجزم بعدم إمكان الالتحاق ، إذ لايمكن التعبد بما يجزم بعدمه.

٩ ـ وأما أنه لا ينتفى شرعا فى مرحلة الظاهر من دون لعان أو بيّنة ، فلقاعدة الفراش الحاكمة بالإلتحاق ظاهرا بصاحب الفراش.

__________________

١ ـ الوافي : ٢٣ / ١٤٠٧.

٢ ـ صحيح مسلم ، كتاب الرضاع ، باب ١٠ الولد للفراش وتوقى الشبهات ، حديث ١٤٥٧.

٣ ـ عمدة القاري‏ء الذى هو شرح العينى لصحيح البخاري : ١١ / ١١٠.

١٤٥

٢ ـ كيفية اللعان

وكيفية اللعان أن يبدأ الرجل ويقول أربع مرات ـ بعد القذف أو نفى الولد ـ : « أشهد باللّه إنى لمن الصادقين فيما قلت من قذفها أو نفى ولدها » ، ثم يقول مرة واحدة : « لعنة اللّه عليَ إن كنتُ من الكاذبين ».

واذا تمَّ اللعان بالنحو المذكور من الرجل حُدَّت المرأة حدَّ الزنا إن كان قد قذفها بالزنا أو نفى ولدها بنحو يوجب قذفها بالزنا. وبإمكانها بدورها أن تدفع الحَدَّ عن نفسها بلعانها هي بأن تقول أربع مرّات : « أشهد باللّه إنه لمن الكاذبين فى مقالته » ، ثم تقول مرّة واحدة : « إنّ غَضَبَ اللّه عليَّ إن كان من الصادقين ».

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما كيفية اللعان بالشكل المتقدم ، فتستفاد من الآية الكريمة وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمتين سابقا فى رقم ١.

٢ ـ وأما أنه بلعان الزوج يثبت الحد على الزوجة وبإمكانها دفعه عنها بلعانها ، فتمكن استفادته من الآية الكريمة نفسها حيث قالت : « ويَدرؤا عنها العذاب » كما هو واضح.

٣ ـ وأما تقييد نفى الولد بما اذا استلزم القذف ، فلأنه بدون ذلك لا يثبت فى حق المرأة ما يستوجب اقامة الحدِّ عليها.

٣ ـ من أحكام اللعان

اذا تمّ اللعان من الزوج أو الزوجة ترتبت الأحكام التالية :

١ ـ انفساخ عقد النكاح.

١٤٦

٢ ـ الحرمة المؤبدة ، فلا تحل للزوج حتى بعقد جديد.

وهذان ‏الحكمان ‏ثابتان ‏فيمطلق‏اللعان ‏من دون فرق بين كونه للقذف أو لنفى الولد.

٣ ـ سقوط الحد عن الزوج ـ اذا تحقق منه القذف بالزنا أو نفى الولد بنحو موجب للقذف ـ بلعانه ويسقط عنها بلعانها. أما اذا لاعن هو ونكلت هى حُدَّتْ هى دونه. واذا لم يلاعن هو أيضا حُدَّ هو دونها.

٤ ـ اذا كان التلاعن لنفى الولد ، ترتب عليه انتفاء الولد عن الرجل وبقى ملحقا بالمرأة فقط ومن ثَمّ ينتفى التوارث بينهما ، بل بيّنه وبيّن كلّ من ينتسب بواسطته كالجد والجدة والأخ والأخت للأب والعم والعمة.

واذا لاعن هو دونها انتفى عن الرجل أيضا ولا يثبت فى حق المرأة شيء إلاّ اذا كان نفي الولد بنحو موجب للقذف ، فيثبت عليها الحد إلاّ أن تلاعن.

والمستند فى ذلك :

١ ـ اما ترتب انفساخ العقد والحرمة المؤبدة على مطلق اللعان ، فهو ممّا لا إشكال فيه. ويستفاد ذلك فى لعان القذف من صحيحة عبد الرحمن المتقدمة وغيرها ، وفى لعان نفى الولد من صحيحة الكنانى المتقدمة وغيرها.

بل يمكن أن يقال : ان المستفاد من صحيحة عبد الرحمن أن الحرمة المؤبدة هي من شؤون اللعان بلا خصوصية لكونه لأجل القذف.

٢ ـ وأما سقوط الحدِّ عن الرجل والمرأة بلعانهما ، فيستفاد من قوله تعالي : ( والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم فشهادة أحدهم أربع

١٤٧

شهادات باللّه انه لمن الصادقين ... ) (١) ومن صحيحة ابن الحجاج المتقدمة فلاحظ.

وأما أنه اذا لاعَنَ هو دونها حُدّت دونه ، فيستفاد من الآية الكريمة ، لأنها ظاهرة فى أن لعان كلّ واحد من الزوجين موجب لِدَرءِ الحد عن نفسه ، بل قد يستفاد من صحيحة ابن الحجاج أيضا.

وأما أنه اذا لم يلاعن الرجل أيضا حُدّ دونها ، فباعتبار تحقق القذف منه فيحد ، وأما هى فحيث لم يثبت فى حقها المقذوف به فلا موجب لحدها.

٣ ـ وأما أنه اذا تلاعنا لنفى الولد ترتب عليه انتفاؤه عنه دونها ، فواضح.

أما عدم انتفائه عنها فلعدم الموجب ، إذ هى لم تنفه عنها.

وأما انتفاؤه عنه ، فلأنه لولا ذلك لم تكن للعانه فائدة.

وتدلّ على كلا الحكمين صحيحة أبى بصير عن أبى عبد اللّه عليه‌السلام : « المرأة يلاعنها زوجها ويفرّق بينهما الى من ينسب ولدها؟ قال : الى اُمه » (٢).

٤ ـ وأما عدم التوارث بين الولد والرجل ومن ينتسب بواسطته ، فلأن ذلك لازم انتفائه عنه باللعان.

٥ ـ وأما أنه اذا لاعَنَ الرجل فقط انتفى الولد عنه أيضا ، فلأنه لازم اللعان وفائدته.

وأما عدم ثبوت الحدِّ على المرأة ، فلعدم الموجب لذلك بعد عدم قذفها بالزنا.

وأما أنها تُحدُّ لو لم تلاعن فيما اذا كان نفى الولد بنحو موجب لقذفها بالزنا فباعتبار دخول المورد آنذاك تحت عنوان القذف بالزنا.

__________________

١ ـ النور : ٦ ـ ٩.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٦٠٨ ، باب ١٤ من ابواب اللعان ، حديث ٢.

١٤٨

كتاب

اليمين والنذر والعهد

من أحكام اليمين

من أحكام النذر

من أحكام العهد

١٤٩
١٥٠

١ ـ من أحكام اليمين

الوفاء باليمين واجب.

ولا تنعقد إلاّ اذا كانت باللّه سبحانه من دون فرق بين أن يكون بلفظ الجلالة أو بسائر أسمائه ، بل وبترجمة ذلك أيضا.

ولاتحرم اذا كانت بغيره سبحانه ولكنها لا تنعقد.

وصيغتها : واللّه أو باللّه أو تاللّه أن أفعل كذا ، إما مع التعليق على حصول شيء أو بدونه. ومع التعليق لا يجب الوفاء بها إلاّ مع حصول المعلق عليه.

ولا تنعقد بالنيّة من دون تلفظ بذلك.

ويلزم فى متعلق اليمين أن يكون راجحا ولو بحسب المصلحة الشخصية للحالف ، فلو كان مرجوحا من البداية لم تنعقد ، ولو صار كذلك بعد ذلك انحلت.

ولا تنعقد يمين الولد مع نهى والده وينحل مع نهيه عنه بعد ذلك. وهكذا الحال بالنسبة الى يمين الزوجة مع نهى الزوج.

واذا حلف المكلف على صوم شهر ، ففى جواز الفصل ولزوم الوصل يتبع قصده.

والحنث الموجب للكفارة هو ما صدر عن عمد دون ما لو صدر عن نسيان أو إكراه أو اضطرار أو جهل.

١٥١

ومن خالف عمدا يحنث وتجب عليه الكفارة ولا يلزمه الوفاء بعد ذلك.

وكفارة حنث اليمين : عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، فإن عجز صام ثلاثة أيام متوالية.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أن الوفاء باليمين واجب ، فهو من واضحات الفقه. قال اللّه‏ تعالي : ( ولاتنقضوا الإيمان بعد توكيدها ) (١) ، ( لايؤاخذكم اللّه باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ) (٢) ، ( لايؤاخذكم اللّه باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان ... واحفظوا أيمانكم ) (٣).

٢ ـ وأما أن اليمين لا تنعقد اذا كانت متعلقة بغير اللّه سبحانه ، فقد يستدّل له بصحيحة محمد بن مسلم : « قلت لأبى جعفر عليه‌السلام : قول اللّه عز وجل : ( واللّيل اذا يغشى والنجم اذا هوي ) وما أشبه ذلك فقال : إنّ للّه ان يقسم من خلقه بما شاء وليس لخلقه ان يقسموا إلاّ به » (٤) وما كان بمضمونها حيث تدلّ على حرمة القسم بغير اللّه سبحانه ومن ثمّ على عدم صحته.

وأما أنّه لا فرق فى الحلف باللّه سبحانه بين لفظ الجلالة وسائر أسمائه فلإطلاق قوله عليه‌السلام : « وليس لخلقه ان يقسموا إلاّ به ».

لا يقال : إن موثقة السكونى عن جعفر عن أبيه عن على عليهم‌السلام : « اذا قال الرجل :

__________________

١ ـ النحل : ٩١.

٢ ـ البقرة : ٢٢٥.

٣ ـ المائدة : ٨٩.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ١٩١ ، باب ٣٠ من ابواب الايمان ، حديث ٣.

١٥٢

أقسمت أو حلفت ، فليس بشيء حتى يقول : أقسمت باللّه أو حلفت باللّه » (١) دلّت على عدم انعقاد اليمين ، إلاّ اذا كانت متعلقة بلفظ الجلالة.

فإنه يقال : إن الموثقة فى صدد بيان أن كلمة أقسمت أو حلفت لا تجزى وحدها ما لم تنضمّ اليها ضميمة ، أما أن تلك الضميمة هل هى خصوص لفظ الجلالة أو الأعم ، فليست فى مقام البيان من ناحيته.

٣ ـ وأما إجزاء الترجمة ، فوجهه واضح وهو التمسّك بالإطلاق أيضا.

٤ ـ وأما أنّه لا تحرم اليمين المتعلقة بغيره سبحانه ـ كالأنبياء والأولياء وغير ذلك ـ فلصحيحة ابن مهزيار : « قرأت فى كتاب لأبى جعفر عليه‌السلام الى داود بن القاسم : انّى قد جئت وحياتك ». (٢) حيث حلف عليه‌السلام بحياة داود انّه قد جاءَ ، ولازم ذلك حمل صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة على الكراهة. وبقطع النظر عن ذلك تكفينا البراءة بعد قصور مقتضى التحريم.

وأما أنها لا تنعقد ، فللأصل بعد القصور فى المقتضي.

٥ ـ وأما أنّ صيغة اليمين ما تقدم ، فلأن الحلف باللّه سبحانه صادق فى كلّ ذلك.

وأما صحتها مع التعليق وبدونه ، فلإطلاق أدلّة وجوب الوفاء باليمين لكلتا الحالتين.

وأما أن اليمين المعلقة لا يجب الوفاء بها قبل حصول المعلق عليه ، فباعتبار أن الالتزام من الحالف يختص بذلك ، ولا التزام قبل حصول المعلق عليه ليجب الوفاء به.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ١٧١ ، باب ١٥ من ابواب الايمان ، حديث ٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ١٩٥ ، باب ٣٠ من ابواب الايمان ، حديث ١٤.

١٥٣

٦ ـ وأما عدم انعقاد اليمين بمجرد النيّة من دون تلفظ بالصيغة ، فلأنّه بدون ذلك لا يصدق عنوان اليمين ليجب الوفاء بها.

٧ ـ وأما أنه يعتبر الرجحان فى متعلق اليمين ولو بلحاظ المصلحة الشخصية ، فلصحيحة سعيد الاعرج : « سألت أبا عبد اللّه عليه‌السلام عن الرجل يحلف على اليمين ، فيري أن تركها أفضل وإن لم يتركها خشى أن يأثم ، أيتركها؟ قال : أما سمعت قولَ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اذا رأيت خيرا من يمينك فدعها » (١) ، فإنها تدلّ على اعتبار ملاحظة الخير فى المتعلق. ومقتضى إطلاقه كفاية كون المتعلق خيرا ولو بلحاظ المصالح الشخصية.

٨ ـ وأما أنه اذا صار متعلق اليمين مرجوحا بعد اليمين انحلت ، فلأن ذلك مورد صحيحة الأعرج وقد دلّت على الإنحلال.

٩ ـ وأما عدم انعقاد يمين الولد والزوجة مع نهى الوالد أو الزوج ، فلصحيحة منصور بن حازم عن أبى عبد اللّه عليه‌السلام : « قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يمين للولد مع والده ، ولا للمملوك مع مولاه ، ولا للمرأة مع زوجها ... » (٢) وغيرها.

وهل تنعقد اليمين مع عدم صدور الإذن من الوالد أو الزوج لأجل عدم اطلاعه على اليمين؟ لا يبعد الانعقاد ، لأن التعبير المذكور فى الصحيحة مجمل ، فيحتمل أن يكون المقصود : منه لا يمين مع الردع ويحتمل أن يكون : لا يمين مع عدم الإذن ولو من دون ردع ، ومع إجمال المخصص ينبغى الاقتصار على القدر المتيقن وفيما زاد يرجع الى عمومات وجوب الوفاء باليمين.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ١٧٥ ، باب ١٨ من ابواب الأيمان ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ١٥٥ ، باب ١٠ من ابواب الأيمان ، حديث ٢.

١٥٤

١٠ ـ وأما التعميم لحالة الردع فى مرحلة البقاء ، فلإطلاق الصحيحة المتقدمة.

١١ ـ وأما إن من حلف صوم شهر يتبع فى لزوم الوصل وجواز الفصل قصده ، فباعتبار أن الحنث يتحقق بمخالفة الالتزام التابع لكيفية القصد.

وقد يستفاد ذلك أيضا من صحيحة سعد بن اسماعيل الأشعرى عن أبى الحسن الرضا عليه‌السلام : « سألته عن رجل حلف وضميره على غير ما حلف ، قال : اليمين علي الضمير » (١) وغيرها.

١٢ ـ وأما أن الحنث الموجب للكفارة هو المخالفة عن عمد ، فباعتبار أن متعلق اليمين للحالف عادة هو التزام الفعل وعدم المخالفة عن عمد واختيار فاذا تحققت المخالفة لا عن عمد ، فلا يتحقق الحنث لتجب الكفارة.

هذا مضافا الى إمكان التمسّك بحديث رفع النسيان والإكراه والاضطرار(٢) وبصحيحة عبد الصمد بن بشير الواردة فى الجاهل : « أيّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شيء عليه » (٣).

هذا والمنسوب الى جماعة من العامة تحقق الحنث وثبوت الكفارة في الجميع(٤). ولكنه مردود بما سبق.

١٣ ـ وأما ان من خالف عن عمدلا يجب عليه الوفاء بعد ذلك ، فلأن متعلق اليمين التزام واحد بترك جميع الحصص ، فاذا تحققت المخالفة مرة انخرم ذلك الالتزام الواحد ولايمكن الوفاء بعد ذلك ليجب. أجل ، اذا كان الالتزام متعددا ـ كمن حلف

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ١٧٩ ، باب ٢١ من ابواب الايمان ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١١ / ٢٩٥ ، باب ٥٦ من ابواب جهاد النفس ، حديث ١.

٣ ـ وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٥ ، باب ٤٥ من ابواب تروك الاحرام ، حديث ٣.

٤ ـ جواهر الكلام : ٣٥ / ٣٣٩.

١٥٥

على ترك التدخين فترة شهر بنحو كان يقصد تعدد الالتزام بالترك بعدد الأيام ـ تعدد الوفاء والحنث أيضا.

١٤ ـ وأما أن كفارة حنث اليمين ما تقدم ، فلقوله تعالي : ( لا يؤاخذكم اللّه باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم اذا حلفتم ) (١).

وأما اعتبار التوالى فى الأيام الثلاثة بالرغم من اقتضاء الإطلاق جواز التفريق فلصحيحة الحلبى عن أبى عبد اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « صيام ثلاثة أيام فى كفارة اليمين متتابعات » (٢) وغيرها.

من أحكام النذر

النذر هو التزام الشخص فى ذمته بفعل شيء أو تركه للّه سبحانه. والوفاء به واجب ، ويترتب على مخالفته الكفارة.

وصيغته : للّه عليَ كذا إن حصل كذا.

ولا ينعقد بمجرد النيّة من دون تلفظ بذلك.

وفى انعقاده من دون تعليق على شرطٍ كلام.

ويشترط فى انعقاده رجحان متعلقه بنحو يعدّ طاعة للّه سبحانه ، فلا ينعقد لو تعلق بالمباح الذى لا يعدُّ فعله طاعة له سبحانه. واذا زال الرجحان بعد الانعقاد انحل.

__________________

١ ـ المائدة : ٨٩.

٢ ـ وسائل الشيعة : ٧ / ٢٨٠ ، باب ١٠ من ابواب بقية الصوم الواجب ، حديث ٤.

١٥٦

ولا يشترط فى صحة نذر الولد إذن الوالد مسبقا. أجل ، مع نهيه المسبق لا ينعقد. واذا نهى عنه بعد ذلك انحل.

ويشترط فى صحة نذر الزوجة إذن الزوج اذا كان متعلقه منافيا لحقه فى الاستمتاع ، بل ذهب المشهور الى اعتبار إذن الزوج حتى اذا لم يكن منافيا لحقه مادام يستلزم التصرف فى مالها.

وفى تحديد كفارة حنث النذر خلاف.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أن النذر هو الالتزام المتقدم ، فهو من واضحات الفقه التى يعرفها كلّ متشرع.

وأما أن الوفاء به واجب ، فهو من واضحات الفقه أيضا. ويدلّ عليه قوله تعالي : ( وليوفوا نذورهم ) (١) ، ( وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن اللّه يعلمه وما للظالمين من أنصار ) (٢) ، ( يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ) (٣).

ويستفاد ذلك أيضا من روايات ثبوت الكفارة بالحنث وغيرها.

وأما أنه تترتب على مخالفته الكفارة ، فهو ممّا لا إشكال فيه. ويدلّ عليه صحيح الحلبى عن أبى عبد اللّه عليه‌السلام : « سألته عن الرجل يجعل عليه نذرا ولايسميه ، قال : إن سميته فهو ما سميت ، وإن لم تسمّ شيئا فليس بشيء. فان قلت : « للّه عليَّ » ،

__________________

١ ـ الحج : ٢٩.

٢ ـ البقرة : ٢٧٠.

٣ ـ الدهر : ٧.

١٥٧

فكفارة يمين » (١) وغيره.

٢ ـ وأما أن صيغته ما تقدم ، فهو ممّا لا إشكال فيه. ويدلّ عليه صحيح منصور بن حازم عن أبى عبد اللّه عليه‌السلام : « اذا قال : « الرجل عليَّ المشى الى بيت اللّه وهو محرم بحجة » أو « عليَّ هدى كذا وكذا » فليس بشيء حتى يقول : « للّه عليَّ المشى الى بيته » أو يقول : « للّه عليَ أن أحرم بحجة » أو يقول : « للّه عليَّ هدى كذا وكذا ان لم أفعل كذا وكذا » (٢) وغيره.

٣ ـ وأما عدم انعقاده بمجرد النيّة ، فلأنّه بدون التلفظ بالصيغة لا يصدق عنوان النذر. ومع التنزّل وفرض الشك فى صدق عنوان النذر ، يكفينا استصحاب عدم ترتب الأثر. مضافا الى إمكان استفادة اعتبار التلفظ من صحيح منصور المتقدم فلاحظ.

٤ ـ واما انعقاد النذر اذا لم يكن معلقا على شرط ، ـ المعبّر عنه بنذر التبرع ـ فهو المشهور. (٣) وقيل بعدم ذلك.

والمنشأ المهم للخلاف دعوى عدم صدق عنوان النذر مع التبرع وأنه لغة الوعد بشرط ، والأصل عدم النقل ، ومعه لا يمكن التمسّك بعمومات وجوب الوفاء بالنذر. بل ان لم يجزم بالدعوى المذكورة ، فلا أقلّ من احتمالها ، ومعه لا يمكن التمسك بالعمومات أيضا لكونه من التمسّك بالعام فى الشبهة المصداقية.

وقد يؤيد اعتبار التعليق على الشرط ـ كما صنع فى الجواهر ـ بصحيحة منصور

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٢٢٢ ، باب ٢ من ابواب النذر والعهد ، حديث ٥.

والمقصود من صدر الصحيح ان مجرد قول الشخص للّه‏ عليَّ نذر لايكفي ، بل لابدّ ان يشخّص المنذور ويسمّيه.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٢١٩ ، باب ١ من ابواب النذر والعهد حديث ١.

٣ ـ جواهر الكلام : ٣٥ / ٣٦٥.

١٥٨

بن حازم المتقدمة ، فإنه ورد فى ذيلها : « ... أو يقول : للّه عليَّ هدى كذا وكذا ان لم أفعل كذا وكذا » ، وهو بالمفهوم يدلّ على أنه اذا لم تذكر الصيغة مع التعليق ، فلا ينعقد النذر(١).

٥ ـ واما اعتبار رجحان متعلق النذر بنحو يعدّ فعله طاعة للّه سبحانه ، فباعتبار أن المكلف من خلال النذر يجعل الفعل للّه سبحانه ويقول للّه عليَّ كذا ، ولا معنى لأن يلتزم بفعل للّه سبحانه إلاّ اذا كان مطلوباً وطاعة له ، وحيث إن المباح المتساوي طرفاه ليس مطلوبا وطاعة له سبحانه ، فلا معنى لجعله للّه بمثل صيغة للّه عليَ حتى إذا فرض وجود رجحان دنيوى فيه من بعض الجهات.

٦ ـ وأما أنّه ينحلّ اذا زال الرجحان ، فباعتبار أنه معه لا يصدق بقاءً كون الفعل للّه سبحانه ، فيزول عنوان النذر بقاءً وينحل بهذا المعني.

٧ ـ وأما عدم اعتبار إذن الوالد مسبقا فى صحة نذر الولد ، فلعدم وجود نص يدلّ على اعتبار ذلك فيتمسّك بعمومات النذر لنفى ذلك. أجل ، مع النهى يزول الرجحان فلا ينعقد حدوثا وينحل بقاءً.

٨ ـ وأما عدم انعقاد نذر الزوجة اذا كان منافيا لحق الزوج فى الاستمتاع ، فواضح ، لكون المتعلق مرجوحا آنذاك.

وأما اذا لم يكن منافيا لحقه ، فالمشهور اختار عدم انعقاده أيضا(٢) لصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه‌السلام : « ليس للمرأة مع زوجها أمر فى عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ولا نذر فى مالها إلاّ بإذن زوجها إلاّ فى حج أو زكاة أو برّ والديها أو

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٣٥ / ٣٦٨.

٢ ـ جواهر الكلام : ٣٥ / ٣٥٨.

١٥٩

صلة رحمها » (١). نعم مع عدم كون نذرها مستلزما للتصرف فى مالها ولا منافيا لحقه ينعقد ويجب الوفاء به تمسّكا بالعمومات.

هذا ويمكن أن يقال : إن صحيح ابن سنان ناظر الى بيان حكم أخلاقى بقرينة اشتماله على ما لا يمكن الالتزام به ، كعدم جواز صدقة الزوجة وهبتها لشيء من مالها من دون إذن الزوج. وعليه فالمناسب العمل على وفق الاحتياط.

٩ ـ وأما كفارة حنث النذر ، فقيل : إنها ككفارة مخالفة اليمين ، وقيل : ككفارة من أفطر يوماً من شهر رمضان.

ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات ، فبعضها دلَّ على الأول ، كما فى صحيحة الحلبى المتقدمة فى رقم ١ ، وبعضها دلّ على الثاني ، كما فى رواية عبد الملك بن عمرو عن أبى عبد اللّه عليه‌السلام : « سألته عمن جعل للّه عليه أن لا يركب محرّما سمّاه فركبه ، قال : لا. ولا أعلمه إلاّ قال : فليعتق رقبة أو ليصم شهرين متتابعين أو ليطعم ستين مسكينا » (٢).

والتعارض بينهما مستقر. وقد تُرَجَّح الثانية لموافقة الأول لروايات العامة الدالّة على أن كفارة حنث النذر كفارة يمين(٣). إلاّ أن المناسب ترجيح الاُولى لضعف سند الثانية بعبد الملك ، إذ لم يرد فى حقه توثيق ، سوى أن الكشّى نقل رواية ينتهي سندها الى عبد الملك نفسه وأن الإمام الصادق عليه‌السلام قال له : « إنى لأدعو اللّه لك حتي اُسمّى دابتك أو قال : أدعو لدابتك » (٤) ، وهى لو تمّت دلالة على التوثيق ، فليست

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٢٣٧ ، باب ١٥ من ابواب النذر والعهد ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٥٧٥ ، باب ٢٣ من ابواب الكفارات ، حديث ٧.

٣ ـ الفقه على المذاهب الاربعة : ٢ / ١٢٩ ؛ سنن البيهقي : ١٠ / ٦٩ ـ ٧٢.

٤ ـ رجال الكشّي ، رقم ٢٤٦.

١٦٠