دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢١٩

الطلاق الذى لاتحل له حتى تنكح زوجا غيره ثلاث مرات وتزوج ثلاث مرات لا تحل له أبدا » (١) وغيرها.

وليس فى السند من يتأمل فيه سوى المثنى ـ فانه مشترك بين جماعة لم تثبت وثاقة بعضهم ـ والأمر فيه سهل بعد رواية البزنطى عنه بناءً على تمامية كبرى وثاقة كلّ من روى عنه أحد الثلاثة. (٢)

هذا من حيث السند.

وأما الدلالة ، فالقدر المتيقن منها هو الطلاق العدّي.

١٢ ـ وأما الحرمة فى كلّ طلاق ثالث ـ بأى شكل اتفق ـ حتى تنكح زوجا آخر ، فلم ينسب الخلاف فيها إلاّ الى عبد اللّه بن بكير الذى هو من الفطحية ، (٣) ويدلّ على ذلك الكتاب الكريم والروايات المتقدمة فى الرقم ٥.

والمنسوب الى ابن بكير(٤) أن المطلقة بالطلاق الثالث لا تحرم على زوجها ، بل اذا انتهت عدة الطلاق الثالث جاز لزوجها العقد عليها بلا توقف على نكاح شخص آخر فيما اذا لم يكن الطلاق عدّياً ، وأما العدّى فلا خلاف فيه حتى منه.

١٣ ـ وأما الحرمة المؤبدة فى الطلاق التاسع ، فالمشهور اشتراطها بما اذا كان الطلاق عدّياً. (٥)

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٣٥٨ ، باب ٤ من اقسام الطلاق ، حديث ٤.

٢ ـ لاستيضاح الكبرى المذكورة راجع : كتاب دروس تمهيدية فى القواعد الرجالية : ١٨٤.

٣ ـ جواهر الكلام : ٣٠ / ١٢٨.

٤ ـ ولربّما يظهر ذلك من الشيخ الصدوق أيضا فى كتاب من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٣٢٠.

وقد نقل الرأى المذكور لابن بكير الحرُّ العاملى فى وسائله الباب ٣ من ابواب اقسام الطلاق حديث ١١ ، ١٢ ؛ والشهيد فى الروضة : ٢ / ١٣١ ؛ وصاحب الجواهر فى جواهره : ٣٢ / ١٢٩.

٥ ـ جواهر الكلام : ٣٢ / ١٢٩.

١٠١

والمناسب عدم الفرق بين العدّى وغيره ، ففى كليهما تثبت الحرمة المؤبدة في الطلاق التاسع لإطلاق رواية زرارة وداود بن سرحان المتقدمة فى رقم ١١. ولا وجه لتخصيصها بالطلاق العدّى إلاّ اذا تَمَّ اجماع تعبدى على ذلك.

قال فى الجواهر ـ بعد ذكر رواية زرارة وداود وغيرها من الروايات الاُخرى ـ ما نصه : « إلاّ أن الجميع كما ترى لا صراحة فيه فى اشتراط التحريم بالتسع في الطلاق العدّى على الوجه المزبور ، بل ظاهره الإطلاق. فالعمدة حينئذٍ الإجماع » (١).

والمناسب تحفظا من مخالفة المشهور والإجماع المدّعى التنزّل من الفتوي بالتعميم الى الاحتياط.

١٤ ـ وأما الإطلاقات الثلاثة للطلاق السنّى ، فالوجه فيها :

أما بالنسبة الى الإطلاق الأول فواضح ، لأن كلّ طلاق جمع الشرائط فهو سنّي ، بمعنى أنه مشروع.

وأما بالنسبة الى الإطلاق الثاني ، فلأن ظاهر صحيحة زرارة المتقدمة فى رقم ١٠ اختصاص الطلاق العدّى بما تحقق فيه الرجوع بعد الطلاق والمواقعة ، ومعه فالطلاق الذييتحقق الرجوع بعده بلا مواقعة هو سنّى بالمعنى المقابل للعدّي.

وأما بالنسبة الى الإطلاق الثالث ، فلصحيحة محمدبن مسلم عن أبى جعفر عليه‌السلام : « طلاق السنّة يطلقها تطليقة يعنى على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين ثم يدعها حتى تمضى اقراؤها ، فاذا مضت اقراؤها فقد بانت منه وهو خاطب من الخطّاب إن شاءت نكحته وإن شاءت فلا ... » (٢).

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٣٢ / ١٢٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٣٤٤ ، باب ١ من ابواب اقسام الطلاق ، حديث ٢.

١٠٢

٤ ـ أحكام العدّة

تجب العدّة ـ بمعنى وجوب التربّص على المرأة فترة معينة بترك الزواج فيها أما مع ثبوت الحق لزوجها فى الرجوع اليها أو بدونه ـ علي :

١ ـ المطلقة فيما اذا كانت مدخولاً بها ولم تكن صغيرة ولا يائسة وإلاّ فلا عدّة عليها. ومقدارها ثلاثة قروء ، أى ثلاثة أطهار.

ويكفى فى الطهر الأول مسمّاه فاذا طلّقت وقد بقيت من طهرها فترة قليلة ثم مرَّ بها طهران تامّان آخران ، فبمجرد رؤية دم الحيضة الثالثة تخرج من‏العدّة.

هذا فى غير المسترابة. وأما هى ـ بأن كانت لا تحيض وهى فى سنّ من تحيض ـ فعدّتها ثلاثة أشهر.

كما أن هذا كلّه فى غير الحامل. وأما الحامل فتنتهى عدّتها بوضع الحمل.

٢ ـ والمتوفّى عنها زوجها. ومقدارها أربعة أشهر وعشرة أيام. من دون فرق بين حالات الزوج من كونه كبيرا أو صغيرا. ومن دون فرق بين حالات الزوجة من كونها صغيرة أو كبيرة ، يائسة أو لا ، مدخولاً بها أو لا ، دائمة أو متمتعا بها.

هذا فى غير الحامل.

واما الحامل فعدّتها أبعد الأجلين من‏المدّة المذكورة ووضع الحمل.

ويلزم على الزوجة اذا كانت كبيرة عاقلة الحِداد خلال عدّة الوفاة وذلك بترك كل ما يعدُّ زينة بحسب العرف الاجتماعى الذى تعيشه ، فيلزم ترك التزيّن بالكحل والطيب والخضاب والحمرة والملابس التى تعدُّ زينة عرفا وما شاكل ذلك.

ويجوز مثل تنظيف البدن وتمشيط الشعر وما شاكل ذلك ممّا لايعدُّ زينة.

٣ ـ والموطوءة شبهة. وعدّتها عدة المطلقة.

١٠٣

٤ ـ والمفسوخ عقدها بعدالدخول بفسخ لعيب ونحوه أو بانفساخ لارتداد أو رضاع ونحوهما. وعدّتها كعدة المطلقة.

أجل ، اذا ارتدَّ الزوج عن فطرة ، انفسخ العقد وكانت العدة عدّة الوفاة.

٥ ـ والمتمتع بها. وعدّتها حيضتان كاملتان بعد انتهاء الأجل أو هبة المقدار المتبقي.

هذا اذا لم تكن حاملاً.

وأما الحامل ، فعدّتها إن لم تكن من‏الوفاة تنتهى بوضع الحمل ، وإن كانت منها فأبعد الأجلين من ذلك ومن أربعة اشهر وعشرة أيام.

والمستند في ذلك :

١ ـ أما وجوب العدّة فى الجملة ، فهو من واضحات الفقه ، بل من ضروريات الدين. ويدلّ عليه الكتاب الكريم فى جملة من المواضع ، كقوله تعالي : ( والمطلقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء ولا يحل لهنَّ أن يكتمن ما خلق اللّه فى أرحامهنّ ان كنَّ يؤمنَّ باللّه واليوم الآخر وبعولتهن أحقّ بردهنّ فى ذلك ) (١) ، ( واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدّتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن واُولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ ) (٢) ، ( والذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا يتربّصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) (٣) ، ( ... ثم طلّقتموهنّ من قبل أن تمسوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّة تعتدّونها ) (٤).

__________________

١ ـ البقرة : ٢٢٨.

٢ ـ البقرة : ٢٣٤.

٣ ـ الطلاق : ٤.

٤ ـ الاحزاب : ٤٩.

١٠٤

وأما الروايات ، فهى فوق حدَّ الاحصاء. وسيوافيك بعضها فيما يلى من أبحاث إن شاءاللّه تعالي.

٢ ـ وأما تفسير العدة بما تقدم ، فهو من واضحات الفقه. وتدلّ عليه الآيات الكريمة السابقة.

٣ ـ وأما وجوب العدّة على المطلقة فى غير ما استثنى ، فلما تقدم.

وأما عدم وجوب العدّة على غير المدخول بها ، فهو ممّا لا كلام فيه. ويدلّ عليه قوله تعالي : ( ثم طلقتموهنّ من قبل أن تمسوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّة تعتدّونها ) ) ، والروايات الشريفة ، كصحيحة أبى بصير عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « اذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها تطليقة واحدة ، فقد بانت منه وتُزوّج من ساعتها إن شاءت » (٢) وغيرها.

٤ ـ وأما الصغيرة واليائسة ، فالمشهور بين الأصحاب عدم ثبوت العدة عليهما(٣) للكتاب الكريم والروايات الشريفة.

أما الكتاب الكريم ، فيدلّ على ذلك قوله تعالي : ( واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدّتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن ... ) (٤) ، فإن المقصود أن اللائى أشرفن على سنِّ اليأس إن ارتبتم فى تحقق اليأس لهنّ واقعا وعدمه فعدّتهن ... ولازم ذلك انه مع عدم الارتياب ـ بان كان يجزم باليأس ، فلا عدّة عليهن لا بالأقراء ولا بالأشهر.

__________________

١ ـ الاحزاب : ٤٩.

٢ ـ وسائل الشيعه : ١٥ / ٤٠٤ ، باب ١ من ابواب العدد : حديث ٣.

٣ ـ جواهر الكلام : ٣٢ / ٢٣٣.

٤ ـ الطلاق : ٤.

١٠٥

والتعبير عنهنّ ب ـ ( اللائى يئسن من المحيض ) وجيه بعد افتراض أنهنّ أشرفن على سنّ اليأس واحتمل ذلك فى حقهنّ.

وأما قوله : ( واللائى لم يحضن ) فليس من‏البعيد أن يكون المراد منه : واللائي لم يحضن إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر. والارتياب لا يتصور فى حق التى لم تحض إلاّ اذا فرض أنها فى سنّ من تحيض ولم تحض ، ولازم ذلك أن التى لم تحض ولا ارتياب فى حقها ، فلا عدة عليها لا بالأقراء ولا بالأشهر.

وأما الروايات فهى على طائفتين.

أ ـ ما دلَّ على عدم ثبوت العدّة على اليائس والصغيرة ، كصحيحة حماد بن عثمان عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « سألته عن التى قد يئست من‏المحيض والتى لا يحيض مثلها قال : ليس عليها عدّة » (١) وغيرها.

ب ـ ما دلَّ على ثبوت العدّة عليهما وأنها ثلاثه أشهر ، كصحيحة الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه‌السلام : « عدّة المرأة التى لا تحيض والمستحاضة التى لا تطهر والجارية التي قد يئست ولم تدرك الحيض ثلاثة أشهر ... » (٢).

وقد يجمع بحمل الثانية على الاستحباب بقرينة الاُولي. فإن تَمّ ذلك وكان جمعا عرفيا فبها ، وإلاّ يلزم ترجيح الاُولى لموافقة الثانية للتقية. (٣)

ومع التنزّل يلزم التعارض والتساقط ، ومن ثَمَّ لا يبقى دليل على لزوم العدّة على اليائسة والصغيرة ويكون المرجع هو البراءة. وعلى جميع التقادير الثلاثة

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٤٠٤ ، باب ١ من ابواب العدد ، حديث ٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٤٠٨ ، باب ٢ من ابواب العدد ، حديث ٨.

٣ ـ نقل الجزيرى فى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة : ٤ / ٤٨٢ : ان الحنفية قالوا بثبوت العدّة على الصغيرة. وهكذا المالكية والشافعية ، قالوا بثبوت العدّة عليها لو كانت تطيق الوط‏ء.

١٠٦

تعود النتيجة واحدة.

٥ ـ وأما أن العدّة ثلاثة قروء ، فلصريح الآية الكريمة : ( والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء ... ). (١)

وأما أن القرء هو بمعنى الطهر دون الحيض ، فالروايات فيه متعارضة ، فهناك مجموعة دلّت على أنه بمعنى الطهر ومجموعة اُخرى على أنه بمعنى الحيض.

مثال الاُولي : صحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام : « الأقراء هى الأطهار » (٢) وفى صحيحته الاُخري : « قلت لأبى عبداللّه : سمعت ربيعة الرأى يقول : من رأيى أن الأقراء التى سمّى اللّه عزّوجلّ فى القرآن إنما هو الطهر فيما بين الحيضتين ، فقال : كذب ، لم يقل برأيه ولكنه إنما بلغه عن على عليه‌السلام ، فقلت : كان على عليه‌السلام يقول ذلك؟ فقال : نعم ، انما القرء الطهر الذى يقرؤ فيه الدم ، فيجمعه فاذا جاء المحيض دفعه » (٣) وغيرهما.

ومثال الثانية : صحيحة الحلبى عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « عدّة التى تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة قروء ، وهى ثلاث حيض » (٤).

والتعارض بين الطائفتين مستقر.

ويمكن ترجيح الاُولى إما لأنها مخالفة للتقية ـ حسب دعوى الشيخ الطوسي(٥) ـ أو لموافقتها للكتاب الكريم إما ببيان أن القرء عبارة عن الجمع ، وجمع الدم و

__________________

١ ـ البقرة : ٢٢٨.

٢ ـ وسائل الشعية : ١٥ / ٤٢٤ ، باب ٤ من ابواب العدد ، حديث ٣.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٢٢٤ ، باب ١٤ من ابواب العدد ، حديث ٤.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٤٢٥ ، باب ١٤ من ابواب العدد ، حديث ٧.

٥ ـ نقل ذلك الحر العاملى فى وسائله فى ذيل حديث ٧ من الباب ١٤ من ابواب العدد ، ١٥ / ٢٢٥.

١٠٧

حبسه يتحقق فى حالة الطهر ـ كما تشير الى ذلك صحيحة زرارة المتقدمة ـ فيكون القرء متحققا حالة الطهر ، أو ببيان أن ظاهر الآية الكريمة أن مدّة التربّص التى هي ثلاثة قروء تبتدأ من حين الطلاق ، وذلك لا يتم إلاّ بتفسير القرء بالطهر.

٦ ـ وأما انه يكفى فى الطهر الأول مسمّاه ، ومن ثَمّ يكفى فى انتهاء العدّة مجرّد رؤية الحيضة الثالثة ، فتدلّ عليه الروايات الكثيرة ، كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « قلت له : أصلحك اللّه ، رجل طلّق امرأته على طهر من غير جماع بشهادة عدلين؟ فقال : اذا دخلت فى الحيضة الثالثة ، فقد انقضت عدّتها وحلّت للأزواج. قلت له : أصلحك اللّه ، إن أهل العراق يروون عن على عليه‌السلام أنه قال : هو أحقّ برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة؟ فقال : فقد كذبوا » (١) وغيرها ، فإن مقتضى إطلاق قوله عليه‌السلام : « اذا دخلت فى الحيضة الثالثة ، فقد انقضت عدّتها » انه برؤية الدم الثالث تنتهى العدّة سواء كان الطلاق قد وقع فى بداية الطهر الاُول أو قبيل نهايته.

وبناءً على هذا ، فأقل زمان يمكن تحقق العدّة فيه ستة وعشرون يوما ولحظتان ، بأن يفترض أن طهرها الأول لحظة ، ثم تحيض ثلاثة أيام ، ثم ترى أقل الطهر عشرة أيام ، ثم تحيض ثلاثه أيام ، ثم ترى أقل الطهر عشرة أيام ، ثم تحيض. وبمجرد رؤية هذا الدم الأخير لحظة من أوله تنقضى العدّة. وطبيعى أن هذه اللحظة الأخيرة خارجة عن العدّة ودورها دور الكاشف عن تمامية الطهر الثالث.

٧ ـ وأما أن عدة المسترابة ثلاثة أشهر ، فيدلّ عليه قوله تعالي : « واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدّتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن ... » (٢) ، فإن

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٤٢٦ ، باب ١٥ من ابواب العدد ، حديث ١.

٢ ـ الطلاق : ٤.

١٠٨

فقرة ( واللائى لم يحضن ) تدلّ على المطلوب ، أى واللائى لم يحضن إن ارتبتم فعدّتهن ثلاثة أشهر. والارتياب فى التى لا تحيض لا يتصور إلاّ فى المسترابة كما تقدم.

والأخبار فى المسألة كثيرة ، كصحيحة الحلبى عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « عدّة المرأة التى لا تحيض والمستحاضة التى لا تطهر ثلاثة أشهر ... » (١) وغيرها.

٨ ـ وأما أن عدة الحامل تنتهى بوضع الحمل ، فهو المشهور. (٢) ويدلّ عليه قوله تعالي : ( واُولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ ) (٣) والروايات الشريفة ، كصحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام : « طلاق الحامل واحدة فإذا وضعت ما فى بطنها فقد بانت منه » (٤) وغيرها.

وفى مقابل ذلك قول الشيخ الصدوق وآخرين بأن عدّتها أقرب الأجلين من الوضع والأقراء أو ثلاثة أشهر ، تمسّكا بصحيحة أبى الصباح عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « طلاق الحامل واحدة وعدّتها أقرب الأجلين » (٥) ، وصحيحة الحلبى عن أبيعبداللّه عليه‌السلام : « طلاق الحبلى واحدة وأجلها أن تضع حملها وهو أقرب الأجلين » (٦) وغيرهما (٧).

ولا يخفى أن الواو فى فقرة : « وهو أقرب الأجلين » حالية لا استئنافية ، إذ قد

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٤١٢ ، باب ٤ من ابواب العدد ، حديث ٧.

٢ ـ جواهر الكلام : ٣٢ / ٢٥٢.

٣ ـ الطلاق : ٤.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٤١٨ ، باب ٩ من ابواب العدد ، حديث ١.

٥ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٤١٨ ، باب ٩ من ابواب العدد ، حديث ٣.

٦ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٤١٩ ، باب ٩ من ابواب العدد ، حديث ٦.

٧ ـ جواهر الكلام : ٣٢ / ٢٥٢.

١٠٩

يكون الوضع أقرب الأجلين وقد لا يكون.

هذا قول الشيخ الصدوق.

ولا تبعد وجاهته ، لأن الآية الكريمة والطائفة الاُولى من الروايات مطلقة من حيث كون الوضع أقرب الأجلين أو لا ، فتقيد بالطائفة الثانية الدالّة على أن الوضع تنتهى به العدّة فيما اذا كان أقرب الأجلين.

ولأجل هذا ، مال صاحب الجواهر الى القول المذكور(١).

٩ ـ وأما أن عدة المتوفى زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام ، فهو من ضروريات الفقه بل الدين. ويدلّ على ذلك قوله تعالي : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً ) (٢)

وأما ما تضمنه قوله تعالي : ( والذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا وصيّةً لأزواجهم متاعا الى الحول ) فهو تشريع قبل نزول آية العدّة ومنسوخ بها.

والروايات فى المسألة كثيرة ، كصحيحة أبى بصير عن أبى عبد اللّه عليه‌السلام : « إن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للنساء : اُفٍ لكنّ قد كنتنّ قبل أن اُبعث فيكنّ وأن المرأة منكنّ اذا توفّى عنها زوجها أخذت بعرة ، فرمت بها خلف ظهرها ، ثم قالت : « لا امتشط ولا اكتحل ولا اختضب حولاً كاملاً وانما امرتكنّ باربعة اشهر وعشرا ثم لا تصبرنّ » (٣) وغيرها.

١٠ ـ وأما التعميم بلحاظ جميع الحالات المتقدمة ، فلإطلاق ما تقدّم من الآية الكريمة والروايات الشريفة.

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٣٢ / ٢٥٣.

٢ ـ البقرة : ٢٣٤.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٤١٥ ، باب ٣٠ من ابواب العدد ، حديث ١.

١١٠

أجل ، دلّت رواية محمد بن عمر الساباطي : « سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها ، قال : لا عدّة عليها. وسألته عن المتوفّى عنها زوجها من قبل أن يدخل بها ، قال : لاعدّة عليها ، هما سواء » (١) على اشتراط الدخول فى ثبوت عدّة الوفاة ، لكنها مضافا الى ضعف سندهما بالساباطى نفسه ساقطة عن الحجية لهجران الأصحاب لمضمونها.

١١ ـ وأما أن عدّة الحامل المتوفّى عنها زوجها أبعد الأجلين ، فهو ممّا لا خلاف فيه. (٢) وقد يستدلّ له بأنه مقتضى الجمع بين قوله تعالي : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربّصن بانفسهنّ أربعة أشهر وعشرا ) (٣) ، وقوله تعالي : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهنّ ) (٤) بتقريب أن الحامل مشمولة لكلتا الآيتين الكريمتين ، وامتثال الآمر فيهما لا يحصل إلاّ بالاعتداد بأبعد الأجلين.

وفيه : أن آية الأحمال ناظرة الى خصوص المطلقة ، فلاحظ.

والأنسب الاستدلال لذلك بالروايات الخاصة ، كصحيحة الحلبى عن أبي عبداللّه عليه‌السلام : « الحامل المتوفّى عنها زوجها تنقضى عدّتها آخر الأجلين » (٥) وغيرها.

١٢ ـ وأما الحِداد(٦) فلا خلاف بين المسلمين فى وجوبه. (٧) وقد دلت عليه صحيحة ابن أبى يعفور عن ابى عبد اللّه عليه‌السلام : « سألته عن المتوفّى عنها زوجها ، قال :

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٤٦٢ ، باب ٣٥ من ابواب العدد ، حديث ٤.

٢ ـ جواهر الكلام : ٣٢ / ٢٧٥.

٣ ـ البقرة : ٢٣٤.

٤ ـ الطلاق : ٦٤.

٥ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٤٥٥ ، باب ٣١ من ابواب العدد ، حديث ١.

٦ ـ الحداد من الحدّ بمعنى المنع ، فان الزوجة حيث تمنع نفسها من التزيّن فهى حادة.

٧ ـ جواهر الكلام : ٣٢ / ٢٧٦.

١١١

لا تكتحل للزينة ولا تطيب ولا تلبس ثوباً مصبوغا ... » (١) وغيرها.

وقد فهم منها الأصحاب حرمة كل ما يعدّ زينة. قال فى الحدائق : « والمفهوم من هذه الأخبار أن الحداد هو ترك كل ما يعدّ زينة فى البدن أو اللباس وإن اختلف ذلك باختلاف العادات فى البلدان ، فيحكم على كلّ بلد بما هو المعتاد فيها » (٢).

أجل ، قيّد بعض الأصحاب ـ ومنهم السيّد اليزدى ـ التزيّن المنهى عنه بما يعدّ زينة للزوج(٣).

ولعلّه استند فى ذلك الى موثقة عمار الساباطى عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « سألته عن المرأة يموت عنها زوجها هل يحلّ لها أن‏تخرج من منزلها فى عدّتها؟ قال : نعم وتختضب وتكتحل وتمتشط وتصبغ وتلبس المصبغ وتصنع ما شاءت بغير زينة لزوج » (٤).

إلاّ أن الموثقة قد ترمى بهجران الأصحاب لها لاشتمالها على جواز صنع ما شاءت بشرط أن لا يكون معدودا من مصاديق الزينة للزوج ، وهو ممّا لا يقول به الأصحاب.

١٣ ـ وأما جواز ما لايعدّ زينة ، فلأصل البراءة بعد قصور المقتضى للتحريم. هذا لو لم يستفد من أخبار الحداد نفسها جواز ذلك وإلاّ كانت هى الدليل لعدم وصول النوبة الى الأصل العملى بعد فرض وجود الدليل الاجتهادي.

١٤ ـ وأما تقييد وجوب الحداد بما اذا كانت الزوجة كبيرة عاقلة ، فلأن غيرها

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٤٥٠ ، باب ٢٩ من ابواب العدد ، حديث ٢.

٢ ـ الحدائق الناضرة : ٢٥ / ٤٧٠.

٣ ـ ملحقات العروة الوثقي : ٢ / ٦٣.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٤٥١ ، باب ٢٩ من ابواب العدد ، حديث ٧.

١١٢

لاتكليف عليها ، ووجوب الحداد تكليفي.

١٥ ـ وأما ثبوت العدة فى وطي‏ء الشبهة ، فقد نفى السيد اليزدى الإشكال والخلاف عنه(١). وتدلّ على ذلك صحيحة حفص بن البخترى عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « اذا التقى الختانان وجب المهر والعدة والغسل » (٢) وغيرها ، فإنها بإطلاقها تشمل وط‏ء الشبهة. والزنا خرج بالمخصص.

ولكن كيف نثبت أن العدّة هى بمقدار عدّة المطلقة؟ ذلك بالبيانات التالية :

أ ـ ان السكوت عن مقدار العدّة مع كونه عليه‌السلام فى مقام البيان يدلّ على أن عدتها كعدة المطلقة ـ اذ هى العدة المعروفة للمرأة التى لم يمت زوجها ـ ولو كانت غيرها لبيّن عليه‌السلام ذلك.

ب ـ التمسّك بصحيحة الحلبى عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « عدّة المرأة التى لا تحيض والمستحاضة التى لا تطهر ثلاثة أشهر. وعدة التى تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة قروء ... » (٣) ، فإنها تدلّ على أن عدّة المرأة بشكل عام فيما اذا كانت مستقيمة الحيض هى ثلاثة قروء فتشمل محل كلامنا ، والخروج عن ذلك هو الذى يحتاج الى دليل.

ج ـ التمسّك بصحيحة الحلبى الاُخرى عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « سألته عن المرأة الحبلى يموت زوجها فتضع وتزوج قبل أن تمضى لها اربعة أشهر وعشرا ، فقال : إن كان دخل بها فرّق بينهما ولم تحل له أبدا واعتدّت ما بقى عليها من الأول واستقبلت

__________________

١ ـ ملحقات العروة الوثقي : ٢ / ٥٨.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٦٥ ، باب ٥٤ من ابواب المهور ، حديث ٤.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٤١٢ ، باب ٤ من ابواب العدد ، حديث ٧.

١١٣

عدّة اُخرى من الآخر ثلاثة قروء ... » (١) ، فإنّ وطي‏ء الشبهة هو القدر المتيقّن منهاو قد دلّت على أن العدّة له ثلاثة قروء.

١٦ ـ وأما وجوب العدة على المفسوخ عقدها بعد الدخول بفسخ أو انفساخ ، فلا اشكال فيه. وتدلّ عليه صحيحة ابن البخترى المتقدّمة.

وأما أن مقدارها كعدّة المطلقة ، فللصحيحة الاُولى المتقدمة للحلبى وغيرها.

وأما أن عدة المرتد زوجها عن فطرة هى عدّة الوفاة ، فلموثقة الساباطي : « سمعت أبا عبداللّه عليه‌السلام يقول : كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الاسلام وجحد محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبوته وكذَّبه فإن دمه مباح لمن سمع ذلك منه ، وامرأته بائنة منه يوم ارتدّ ، ويقسّم ماله على ورثته ، وتعتدّ امرأته عدّة المتوفّى عنها زوجها ، وعلى الامام أن يقتله ولا يستتيبه ». (٢)

١٧ ـ وأما أن عدّة المتمتع بها حيضتان كاملتان بعد انتهاء الأجل أو هبة المقدار المتبقى من الاجل ، فقد تقدم بيانه فى مبحث النكاح المؤقت من كتاب النكاح.

١٨ ـ وأما أن عدّتها من الوفاة اذا كانت حاملاً أبعد الأجلين فهو ، ممّا لا خلاف فيه على ما فى الجواهر(٣). وتدلّ على ذلك الروايات الخاصة المتقدمة فى رقم ١١ ، فإنها بإطلاقها تشمل المتمتع بها.

وأما أن عدتها فى غير الوفاة اذا كانت حاملاً وضع الحمل ، فلقوله تعالي : ( واُولات الأحمال أجهلنّ أن يضعن حملهنّ ) (٤) ، فإنه وإن كان ناظرا الى المطلقات دون

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٣٤٦ ، باب ١٧ من ابواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٦.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٥٤٥ ، باب ١ من ابواب حد المرتد ، حديث ٣.

٣ ـ جواهر الكلام : ٣٠ / ٢٠٠.

٤ ـ الطلاق : ٤.

١١٤

عقد التمتع الذى ليس فيه طلاق ، إلاّ أنه حيث لا يحتمل أن يكون حال المتمتع بها أشد من حال المطلقة فى العقد الدائم ، فيعمها ذلك.

٥ ـ من أحكام الخلع والمباراة

الخلع ـ بضمّ الخاء ـ وهو طلاق بفدية من الزوجة الكارهة لزوجها مشروع.

وتشترط فيه ـ مضافا الى الشروط المتقدمة فى الطلاق ـ كراهة الزوجة لزوجها ، وعدم كراهة الزوج لزوجته ، وبذل الزوجة للفدية عن طيب نفس.

والصيغة الخاصة للخلع : « خلعتك على كذا » أو « أنتِ أو هى مختلعة على كذا » ، أو « أنتِ أو هى أو فلانة طالق على كذا ».

والجمع باتباع الخلع بالطلاق ـ بأن يقول الزوج أو وكيله : « خلعتك على كذا فأنتِ طالق » أولي.

ويعتبر ـ لدى المشهور ـ عدم الفصل بين انشاء البذل والطلاق بما يخل بالموالاة العرفية.

ويجوز فى الفدية أن تكون بمقدار المهر أو أقل أو أكثر.

والطلاق فى الخلع بائن ما دام لم ترجع الزوجة عن البذل فى العدّة.

والمباراة(١) تساوى الخلع فى الأحكام المتقدمة وتفارقه في :

أ ـ اعتبار الكراهة من كلا الطرفين فيها بخلافه فى الخلع ، فإن الكراهة معتبرة من الزوجة فقط.

ب ـ أن لا يكون الفداء أكثر من مقدار المهر فيها.

__________________

١ ـ المبارأة ـ بالهمز وقد تخفف الفا ـ هى المصالحة. يقال : بارأه ، بمعنى صالحه. والمرأة بارأها ، بمعني صالحها على الفراق؛ القاموس : ١ / ٨.

١١٥

ج ـ أنها تقع بلفظ الطلاق ـ بأن يقول الزوج : « أنتِ طالق على كذا » أو يقول : « بارأتك علي كذا فأنتِ طالق » ـ ولا يكفى الانشاء بلفظ المباراة وحده.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أن الخلع يتميز عن الطلاق بأمرين ـ : الفدية من الزوجة وكراهتها ـ فهو من واضحات الفقه. وتدلّ عليه مضافا الى ذلك نصوص المشروعية الآتية.

٢ ـ وأما أنه مشروع ، فهو ممّا لا إشكال فيه. ويدلّ عليه قوله تعالي : ( ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً إلاّ أن يخافا أن لا يقيما حدود اللّه فإن خفتم أن لا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) (١) ، وصحيحة الحلبى عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « لايحلّ خلعها حتى تقول لزوجها : « واللّه لا أبرُّ لك قسما ولا أطيع لك أمرا ولا أغتسل لك من جنابة ولاُوطئن فراشك ولآذنن عليك بغير إذنك » وقد كان الناس يرخصون فيما دون هذا ، فاذا قالت المرأة ذلك لزوجها حلَّ له ما أخذ منها ، فكانت عنده على تطليقتين باقيتين وكان الخلع تطليقة ... » (٢) وغيرها.

وعليه فالمشروعية لا تأمل فيها ، بل عن جماعة ـ منهم شيخ الطائفة ـ اختيار وجوبه عند تمرد الزوجة عن القيام بحقوق الزوجية بحجة أن النهى عن المنكر واجب وهو لا يتم إلاّ بالخلع(٣).

والتأمّل فى ذلك واضح باعتبار عدم تمامية المقدمة الثانية. ومن هنا حمل في الحدائق الوجوبَ فى كلام الشيخ على الثبوت(٤).

__________________

١ ـ البقرة : ٢٢٩.

٢ ـ الكافي : ٦ / ١٣٩ ، باب الخلع ، حديث ١.

٣ ـ جواهر الكلام : ٣٣ / ٣.

٤ ـ الحدائق الناضرة : ٢٥ / ٥٥٥.

١١٦

٣ ـ وأما أن الخلع طلاق وليس فسخا ، فهو المشهور خلافا لشيخ الطائفة حيث اختار كونه فسخا ، لانه لا ينشأ بلفظ الطلاق بل ولاينوى به ذلك. (١)

والثمرة تظهر فى عدّه من جملة الطلقات الثلاث وعدمه.

والمناسب كونه طلاقا لتصريح الروايات بذلك ، كصحيحة الحلبى السابقة وغيرها.

وزاد فى الجواهر ما نصّه : « بل لو قلنا : إنه فسخ أمكن دعوى اجراء حكم الطلاق عليه للنصوص المزبورة » (٢).

٤ ـ وأما اعتبار اجتماع شرائط صحة الطلاق فى الخلع ـ من حضور شاهدين وكون الزوجة طاهرة بطهر لم تواقع فيه و ... ، فباعتبار أنه لمّا كان فردا من الطلاق فتثبت له أحكامه.

هذا مضافا الى أن بعض الشرائط الخاصة للطلاق قد دلّت الروايات الخاصة على ثبوتها للخلع ، كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : « سألت أبا عبداللّه عليه‌السلام هل يكون خلع أو مباراة إلاّ بطهر؟ فقال : لا يكون إلاّ بطهر » (٣) وغيرها.

٥ ـ وأما اعتبار كراهة الزوجة لزوجها فى تحقق الخلع ، فهو من المسلّمات ، بل يمكن اعتبار كون الكراهة قد وصلت حدّا يؤدى الى ترك الحقوق الثابتة للزوج على زوجته لقوله تعالي : ( إلاّ أن يخافا أن لا يقيما حدود اللّه فإن خفتم ان لا يقيما حدود اللّه ـ ... ) (٤) وصحيحة الحلبى السابقة وغيرها.

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٣٣ / ٩.

٢ ـ جواهر الكلام : ٣٣ / ١٠.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٤٩٦ ، باب ٦ من كتاب الخلع والمباراة ، حديث ١.

٤ ـ البقرة : ٢٢٩.

١١٧

هذا وقد وقع الكلام بين الأعلام فى أن التلفظ بالكلمات المذكورة فى صحيحة الحلبى هل هو شرط فى صحة الخلع أو يكفى تحقق الكراهة الى المستوى المذكور ولو من دون تلفظ بذلك؟

المناسب لو خلينا وظاهر الصحيحة المتقدمة وما شاكلها اعتبار التلفظ بالكلمات السابقة إلاّ أن قوله تعالي : ( إلاّ أن يخافا ان لا يقيما حدود اللّه ) يدلّ علي أن المدار على وصول الكراهة الى حدّ يخاف من ترك الحدود الإلهية من دون مدخلية للتلفظ بما ذكر.

ويؤكد ما ذكرناه السيرة الجارية على اجراء الخلع بدون فحص عن صدور الكلمات المذكورة.

٦ ـ وأما اعتبار عدم كراهة الزوج لزوجته فلأنّه مع كراهته أيضا يكون المورد من مصاديق المباراة دون الخلع.

٧ ـ وأما اعتبار بذل الزوجة للفداء ، فلتقوّم حقيقة الخلع بذلك ومن دونه لا يكون خلعا بل طلاقا بشكله المتعارف.

٨ ـ وأما اعتبار أن يكون بذل الفداء عن طيب نفس الزوجة ، فلقوله تعالي : ( ولا تعضلوهنّ لتذهبوا ببعض ما آتيتموهنّ ... ) (١). بل بقطع النظر عن ذلك لا مسوغ لإكراهها على بذل ذلك فانه مصداق للظلم المحرّم. إضافة الى دلالة حديث رفع عن اُمتى ما استكرهوا عليه(٢) على عدم ترتب الأثر على ذلك.

٩ ـ وأما أن الصيغة الخاصة : « خلعتك » أو « أنتِ أو هى مختلعة على كذا » ، فلأنه

__________________

١ ـ النساء : ١٩.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١١ / ٢٩٥ ، باب ٥٦ من ابواب جهاد النفس ، حديث ١.

١١٨

بعد ما لم ترد صيغة خاصة فى النصوص لانشاء الخلع فيلزم الحكم بالاكتفاء بكلّ صيغة دالّة عى انشاء الخلع ـ ومن ذلك ما تقدم ـ تمسكا بالإطلاق اللفظى ان امكن تحصيله وإلاّ فبالإطلاق المقامي.

١٠ ـ وأما الاكتفاء بصيغة « هى أو أنتِ أو فلانة طالق على عوض كذا » ، فباعتبار أن الخلع لما كان مصداقا من مصاديق الطلاق فيلزم الاكتفاء فيه بصيغة الطلاق ، غايته يلزم إضافة العوض ، لأن ذلك هو المائز بين الخلع والطلاق المتعارف.

١١ ـ وأما الجمع باتباع الخلع بالطلاق ، فقد اختار اعتباره الشيخ قدس‌سره وجماعة(١). وقد يستدلّ له برواية موسى بن بكر عن العبد الصالح : « قال على عليه‌السلام : المختلعة يتبعها الطلاق مادامت فى العدّة » (٢).

وفيه : أنها لو تمّت سندا ولم يناقش من ناحية موسى بن بكر هى ضعيفة دلالة لإجمال المقصود منها.

ولا إشكال فى أن الاتباع أحوط خروجاً من خلاف الشيخ وامتثالاً للمضمون المحتمل للرواية.

١٢ ـ وأما اعتبار عدم الفصل بين انشاء الفدية والطلاق ، فهو المشهور. (٣) واستدلّ له فى الجواهر :

تارة بأن الخلع معاوضة بين بذل الفداء وانشاء الطلاق فهو على هذا كسائر المعاوضات لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لكلّ مطلقة متعة إلاّ المختلعة فإنها اشترت

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٣٣ / ٦.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٤٩٠ ، باب ٣ من كتاب الخلع والمباراة ، حديث ١.

٣ ـ جواهر الكلام : ٣٣ / ١٣ ـ ١٤.

١١٩

نفسها » (١) ، وموثقة البقباق عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « المختلعة إن رجعت فى شيء من الصلح يقول : لأرجعنّ فى بضعك » (٢).

واُخرى بأن القدر المتيقن من نصوص الباب حالة التحفظ على الموالاة ، والأصل عدم الصحة فيما سوى ذلك(٣).

١٣ ـ وأما أنه يجوز فى الفدية أن تكون بقدر المهر أو اكثر أو أقلّ ، فلعدم الدليل على اشتراط حدٍّ معيّن ، بل وللدليل على العدم ، كصحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام : « المباراة يؤخذ منها دون الصداق ، والمختلعة يؤخذ منها ما شئت أو ما تراضيا عليه من صداق أو أكثر ... » (٤) وغيرها.

١٤ ـ وأما أن الخلع طلاق بائن فممّا لا خلاف فيه(٥) لصحيحة محمد بن مسلم عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « الخلع والمباراة تطليقة بائن وهو خاطب من الخطّاب » (٦).

وأما أنه يجوز للزوج الرجوع عند رجوعها عن البذل ، فلصحيحة عبد الله بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه‌السلام : « ولا رجعة للزوج على المختلعة ولا على المباراة إلاّ أن يبدو للمرأة فيردّ عليها ما أخذ منها » (٧) وموثقة البقباق المتقدمة فى الرقم ١٢.

١٥ ـ وأما أن المباراة كالخلع فى جميع الأحكام إلاّ فى الأحكام الثلاثة ، فهو

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٥٠٣ ، باب ١١ من كتاب الخلع والمباراة ، حديث ٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٤٩٩ ، باب ٧ من كتاب الخلع والمباراة ، حديث ٣.

٣ ـ جواهر الكلام : ٣٣ / ١٤.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٤٩٣ ، باب ٤ من كتاب الخلع والمباراة ، حديث ١.

٥ ـ جواهر الكلام : ٣٣ / ١٠.

٦ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٤٩٥ ، باب ٥ من كتاب الخلع والمباراة ، حديث ٢.

٧ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٤٩٩ ، باب ٧ من كتاب الخلع والمباراة ، حديث ٤.

١٢٠