جواهر الكلام - ج ٢٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

كذلك ، بناء على إرادة الضمان مع الصحة منها ، بل يقوى البطلان حتى مع إذن المالك في التوكيل للغير ، أو الاستيجار ، فإن ذلك فرع صحة العقد الذي قد عرفت اعتبار قدرة العامل على العمل المعقود عليه بنفسه ، وإن لم يشترط عليه المباشرة ، على أنه لو اكتفى بذلك في الصحة لم يكن للضمان حينئذ وجه ، ضرورة اقتضاء صحة العقد عدم الضمان إلا ما خرج ، كما هو واضح ، والله العالم.

ولو كان له في يد غاصب مثلا مال فقارضه عليه صح ولم يبطل الضمان السابق ، للأصل السالم عن معارضة وقوع عقد القراض الذي لا يلزمه عدمه الضمان ، بل يجامعه في كثير من المقامات ، ولظهور‌ قوله عليه‌السلام (١) « حتى يؤدي » في بقاء الضمان إلى حال التأدية التي ليس وقوع عقد القراض منها ، وكون العين في عقد القراض أمانة ، لا ينافي الضمان من جهة أخرى ، ورفع اليد عن الغصب ليس وصولا إلى يد المالك ، لكن قد تقدم في كتاب الرهن منا تحقيق ذلك على وجه يعلم منه قوة عدم الضمان ، ولو من جهة اقتضاء العقد الإذن في دوام القبض.

وما في المسالك « ـ من أن مجرد العقد لا يقتضي ذلك ، وإنما يحصل الإذن بأمر آخر ، ولو حصل زال الضمان ـ واضح الضعف ، وإن حكي عن العلامة في التذكرة مستظهرا لذلك ، أن كون المال في يد العامل ليس بشرط في صحة القراض ، فلو قال المالك : أنا أبقى المال في يدي وادفع الثمن كلما اشتريت متاعا صح ، إلا أنه كما ترى ضرورة عدم منافاة ذلك على تقدير تسليمه ، لاقتضاء إطلاق العقد ذلك ، كضرورة المكابرة في عدم دلالة إطلاق العقد على الإذن في البقاء والعمل به وتقليبه ، فإنه إذا لم يكن كذلك لم يبرء حتى ( فـ ) ي صورة ما إذا اشترى به ودفع المال إلى البائع التي حكم المصنف وغيره ، بل في المسالك الإجماع عليه ، بأنه متى فعل ذلك برء من الضمان لأنه قد قضى دينه أي المالك بإذنه ضرورة صراحة ذلك تحقق الاذن منه التي هو قد اعترف صريحا بعد ذلك في كلامه بزوال الضمان معها‌

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٥٠٤.

٣٦١

حتى أنه حكي عن بعضهم القول بالعدم ، وضعفه بأنه حينئذ وكيل محض ، وإن كان له في القبض مصلحة إذ هو كالوكيل بجعل ، وبذلك ظهر لك انتقاض كلامه من جميع أطرافه.

وأما القول بعدم زوال الضمان معها أيضا ، ففيه ـ مضافا إلى ما سمعته ـ أنه أداء إليه ، ضرورة دخوله بذلك تحت سلطانه الذي هو معنى اليد ، وإن أردت زيادة التحقيق في ذلك فلاحظ ما سلف لنا في كتاب الرهن ، والله العالم.

ولو كان له دين لم يجز أن يجعله مضاربة إلا بعد قبضه بلا خلاف ولا إشكال لما عرفت من اعتبار العينية في مال القراض المنافية للدينية وكذا لو أذن للعامل في قبضه من الغريم ما لم يجدد العقد بعد القبض ، إذ هو لم يخرج بالإذن عن كونه دينا.

نعم لو وكله على القبض ثم العقد عليه قراضا فيكون موجبا قابلا عنه صح ، بناء على جواز مثل ذلك.

وفي المسالك ان في قول المصنف « ما لم. الى آخره » إشارة إلى صحة القبض وان كان مترتبا على عقد فاسد ، وفيه إنه يمكن أن يكون ذلك مبنيا على إجازة القبض عنه ، بعد وقوعه ، على أن ظاهر العبارة فرض التصريح بالإذن مستقلا ، لا المستفادة من العقد الفاسد والأمر سهل.

تفريع.

لو قال بع هذه السلعة فإذا نض ثمنها ، فهو قراض لم يصح لأن المال أي الثمن ليس بمملوك عند العقد ضرورة عدم دخوله في الملك قبل وقوع البيع ، على أنه مجهول ، بل التعليق محقق ، فلا إشكال في الفساد ، خلافا للمحكي عن بعض العامة من الجواز ، فلا ريب في فساده.

ولو مات رب المال وبالمال متاع فأقره الوارث لم يصح لأن العقد الأول بطل بالموت ، وليس هو فضوليا بالنسبة إلى الوارث الذي لم يكن له علقة بالمال حال العقد بوجه من الوجوه ، وبذلك افترق عن إجارة البطن الأول العين الموقوفة‌

٣٦٢

مدة زادت على حياتهم ، فإن الإجارة تصح بإجازة البطن الثاني ، لتعلق حق لهم من الواقف ، فالإجارة على المدة الزائدة في نفس الأمر لهم ، وإن لم يعلم بها حال العقد ، بخلاف المقام الذي هو ابتداء ملك للوارث بالموت ، وحينئذ فالمدار في الفضولية كون المعقود عليه حال العقد للغير ، ولكن الفضولي أجرى العقد عليه ، بخلاف نحو المقام الذي هو للمالك ، ولكن بالموت ينتقل عنه إلى وارثه ، فليس هو في عقده على ماله فضولا عن الغير الذي لا مدخلية له حال العقد ، وكذا إجارة الإنسان ماله مدة مات في أثنائها ، بناء على انفساخ الإجارة ، فإنه لا يجدي في صحة الاستمرار إجازة الوارث.

نعم تجدي إجازة الوارث في مثل الوصية التي هي تصرف بعد الموت الذي هو محل تعلق حق الوارث ، وفي مثل التنجيز في المرض الذي تعلق فيه حق الوارث ، وصحة الإجازة في الأول قبل الموت إنما هو للدليل على أنه في التصرف بعده ، وكذا الثاني الذي قد عرفت الحق فيه وهو واضح.

بل لا يصح ابتداء القراض في الفرض الذي قد عرفت امتزاج المال فيه بالعروض حتى في النقد منه خاصة ، لعدم ذكر الحصة له ، وإنما ذكرت للجميع الذي منه العروض.

نعم لو فرض كون المال ناضا وأراد التجديد عليه لم يكن به بأس ، حتى إذا كان بلفظ التقرير ، لما عرفت من عدم اعتبار لفظ خاص في مثل هذا العقد ، والله العالم.

ولو اختلفا في قدر رأس المال ، فالقول قول العامل مع يمينه سواء كان المال باقيا أو تالفا بتفريط أو غيره لأنه اختلاف في المقبوض وفي الواصل إليه والداخل تحت سلطانه بالتصرف فيه ، ولا ريب في أن الأصل عدم ذلك بالنسبة إلى الزائد ، بل هو في صورة التلف بتفريط ، غارم محض ، والأصل براءة ذمته ، فيكون هو المنكر ، بل ظاهر المتن وغيره أن ذلك كذلك حتى لو فرض ظهور ربح لذلك أيضا.

لكن قد يشكل حينئذ بأن ذلك يؤل من العامل إلى دعوى زيادة استحقاقه في المال المشخص ، بل ذلك في الحقيقة اختلاف في قدر استحقاق العامل في المال‌

٣٦٣

المخصوص ، ولا ريب في أن القول قول المالك فيه ، لأصالة عدم استحقاقه الزائد وأصالة عدم ربح للمال ، وعدم زيادته ، ولأن الأصل مع بقاء المال يقتضي كون جميعه للمالك ، بل هو كذلك حتى في صورة التلف بتفريط ، إذ المضمون قدر مال المالك ، وإذا كان الأصل يقتضي كون الجميع له إلا ما أقر به للعامل ، فهو ضامن له حينئذ ، إذ الضمان تابع للاستحقاق.

ومن هنا جزم في جامع المقاصد والمسالك بأن القول قول المالك في الفرض واستحسنه في الرياض ، ولعله الأقوى ، ومنه يعلم ما عن فخر المحققين من أن القول قول المالك إلا مع التلف بتفريط ، إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه.

ولو خلط العامل مال القراض بماله بغير إذن المالك خلطا لا يتميز ضمن ، لأنه تصرف غير مشروع له ضرورة كونه أمانة في يده ، فلا يجوز خلطها كالوديعة ، على أن الشركة عيب.

نعم لا يبطل العقد بذلك ، فيبقى الربح حينئذ بينهما على حسب الشرط ، وإن أثم بذلك العامل وضمن ، هذا كله مع إطلاق العقد ، أما مع الإذن في ذلك خصوصا أو عموما فلا بأس به مع المصلحة في الأخير ، كما هو واضح.

الأمر ( الثالث في الربح )

ويلزم الحصة منه بالشرط في هذه المعاملة إن نصفا فنصف ، وإن ثلثا فثلث دون الأجرة على الأصح الموافق لما هو المشهور ، بل المجمع عليه من مشروعيتها ، المدلول عليها بقوله تعالى (١) ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) وغيره وبالمتواتر من السنة المروية من الطرفين ، فما عن المفيد والشيخ في النهاية وسلار وابن البراج وظاهر أبي الصلاح من عدم مشروعيتها فليس للعامل حينئذ إلا أجرة المثل ، وإن وقع من المالك اشتراط الحصة من الربح ، الا أنه من الوعد الذي لا يجب الوفاء به ـ معلوم البطلان وواضح الفساد. نعم لا بد أن يكون‌

__________________

(١) سورة النساء الآية ـ ٢٩.

٣٦٤

جميع الربح مشاعا على جهة الشركة بينهما ( فـ ) لو كان لأحدهما شي‌ء معين منه والباقي للآخر بطل إجماعا.

وكذا لو قال خذه قراضا والربح لي فسد قراضا وان كان يمكن هنا أن يجعل بضاعة نظرا الى المعنى إذ قد عرفت أنها المال المدفوع ليعمل به ، على أن الربح لمالكه بلا أجرة للعامل ، فهي حينئذ توكيل في التجارة تبرعا ، لا تختص بلفظ ، فمنه اللفظ المزبور ، وان ذكر فيه لفظ القراض الا انه يمكن إرادة البضاعة منه ولو مجازا فإنه أولى من الغائه ولكن مع ذلك فيه تردد من ذلك ، ومن ظهور اللفظ في إرادة المعنى الحقيقي الذي هو أعم من الصحيح والفاسد ، وهو غير معنى البضاعة الذي هو الإقدام على التبرع في العمل ، وليس في الفرض ما يشعر بذلك بوجه ، فدعوى اتحاد المعنى حينئذ واضحة الفساد ، كدعوى كون اللفظ لغوا.

وكذا التردد لو قال خذه قراضا والربح لك بين صيرورته قرضا فالربح كله للعامل ، وبين كونه قراضا فاسدا فالربح كله للمالك ، وعليه الأجرة للعامل ، إلا أنك قد عرفت ما يقوى منه كونه قراضا فاسدا كما هو المشهور ، الا أن تقوم قرينة حالية أو مقالية على إرادة الإقدام على التبرع في الأول ، وإنشاء التمليك للمال في الثاني ، وكأنه لمح الى ذلك في المسالك بقوله هنا « ومحل الإشكال إذا لم يقصد القرض ولا القراض ، إما بأن لم يقصد شيئا ، أو لم يعلم ما قصد ، والا لكان قرضا في الأول ، وقراضا فاسدا في الثاني بغير اشكال.

لكن لا يخفى عليك أنه لا دلالة على القصد إلا بظاهر اللفظ الصادر من اللافظ والفرض صدور الفظ القراض منه ، والمنساق من اللفظ حقيقته ، فليس حينئذ إلا الحكم عليه بإرادة القسم الفاسد منه.

نعم بناء على اعتبار الشركة في الربح في مفهوم القراض يتجه احتمال إرادة التجوز منه ، بإرادة البضاعة والقرض ، إلا أن الظاهر اعتبار ذلك في الصحة لا المفهوم ، ومع الإغضاء عن ذلك كله فالأصل احترام عمل المسلم ، والأصل تبعية النماء للمال ، وعدم‌

٣٦٥

إنشاء التمليك بعوض في الذمة ، وبذلك يظهر لك ما في قول المصنف.

أما لو قال : خذه فاتجر به والربح لي كان بضاعة : ولو قال : والربح لك كان قرضا ضرورة عدم الفرق بين هذا وبين ما تقدم ، إلا بعدم وجود لفظ القراض فيه ، ولكن ذلك لا يعين إرادة القرض والبضاعة منه ، إلا بدعوى انصراف الإطلاق إليهما ، أو حمله عليهما ولو لأصالة الصحة كما هو ظاهر المسالك ، إلا أنها يمكن منعها.

نعم لو قصد القرض والبضاعة منه لم يكن ثم إشكال ، بل لا إشكال في جريان القراض الفاسد عليه إذا قصد به ، فإن التصريح بالقراض ونحوه في العقد ليس بشرط ، بعد صلاحية العقد له.

ولو اختلفا في العقد المبطل ففي المسالك احتمل تقديم المالك ، لأنه أعرف به والعامل نظرا إلى ظاهر اللفظ ، وترجيحا للصحة ، ولو اختلفا في ضميمة اللفظ قدم قول مدعي ما يصح معه العقد ، لأصالة الصحة وعدم الضميمة.

قلت : لا يخفى عليك عدم إتيان الوجهين بعد تسليم كون ظاهر اللفظ ذلك ، ضرورة عدم وجه لمن يدعي خلاف الظاهر بلا قرينة ، وإلا لزم من ذلك فساد كثير ، كما أنه لا يخفى عليك عدم كون الثاني من مقام مدعي الصحة والفساد ، ضرورة عدم اتفاقهما على حصول المعاملة المخصوصة بينهما ، واختلافهما في الصحة والفساد ، كي يقدم مدعيها على مدعيه ، وإنما اختلافهما في أن الواقع بينهما قراض فاسد ، أو بضاعة صحيحة ، نحو الاختلاف في أن الواقع بينهما بيع فاسد أو إجارة صحيحة ، ولعل الوجه في مثله التحالف ، فلم يثبت العقد الصحيح حينئذ لمدعيه ، ويبقى على الأصل الذي قد عرفت اتحاده في الحكم مع القراض الفاسد ، لقاعدة احترام عمل المسلم ، وتبعية النماء.

اللهم إلا أن يقال : إن أصالة الصحة أيضا تجري في نحو الفرض ، باعتبار اتفاقهما على كون الواقع بينهما أحدهما ، والفاسد منهما ينفي بالأصل ، فليس حينئذ إلا الصحيح ، أو يقال : إن محل الفرض في عبارة المسالك الاختلاف في ضميمة اللفظ المقتضي للفساد وعدمها ، ولا ريب في موافقة الثاني للأصل.

٣٦٦

نعم قد عرفت الإشكال في الصحة مع عدم اللفظ ، اللهم إلا أن يدعى انسياق ذلك من نحو اللفظ عرفا ، وهو كما ترى خصوصا بعد ما عرفت من اقتضاء الأصول مع الشك ، نتيجة القراض الفاسد والله العالم.

ولو شرط أحدهما شيئا معينا والباقي بينهما فسد لا لعدم الوثوق بحصول الزيادة فلا تتحقق الشركة بل لعدم ثبوت ما يدل على الصحة في الفرض ، ضرورة اقتصار النص والفتوى على صحة المشتمل على اشتراك جميع الربح بينهما على جهة الإشاعة بنحو النصف والثلث والربع ، وما يؤدى مؤداها ، ومنهما ينقدح الشك في تناول الإطلاقات له ، هذا مع قطع النظر عن ظهور النصوص في البطلان ، ولو لظهورها في اعتبار الشركة الإشاعية في جميع الربح ، فضلا عن صريح الفتاوى ، فحينئذ يبطل القراض وإن وثق بالزيادة ، لعدم اشتراك جميع الربح بينهما حينئذ ، بعد اختصاص أحدهما بشي‌ء معين منه ، كما هو واضح.

ولو قال خذه على النصف صح لتبادر كون المراد من مثل هذه العبارة أن الربح بينهما نصفين ، لا لأن المالك لا يفتقر إلى تعيين حصة للتبعية ، وإنما يفتقر إليها العامل الذي قد ذكر أن النصف له ، فإنه المحتاج إلى الاشتراك ، لما نظر فيه في المسالك بأنه كما يحتمل ذلك ، يحتمل أن يكون النصف المذكور للمالك ، والآخر لم يذكره اتكالا على التبعية ، فيبطل العقد ، وحينئذ افتقاره إلى تعيين حصة العامل لا يقتضي كون اللفظ المشترك محمولا عليه ، وان كان ذلك لا يخلو من نظر ، خصوصا بعد ما سلف منه من إمكان تشخيص أصالة الصحة نحو ذلك الا أنه يسهل الخطب ما عرفته من تبادر المعنى المزبور من غير اختصاص لأحدهما وكذا لو قال : خذه على أن الربح بيننا للتبادر المذكور ، ومن هنا لو اتفقا على ذكر ذلك واختلفا بالتفاوت يقضى بالربح بينهما نصفين كما في كل مقام ذكر فيه لفظ الاشتراك أو ما يؤدي مؤداه في الإقرار وغيره ، فإنه يفهم عرفا منه مع الإطلاق التساوي ، فما عن بعض الشافعية ـ من الحكم بالبطلان لمنع التبادر المزبور فيتجهل العقد ـ واضح الفساد والله العالم.

٣٦٧

ولو قال : خذه على أن لك النصف صح وأما لو قال : على أن لي النصف واقتصر ، لم يصح لأنه لم يعين للعامل حصة وقد قيل : في وجه الفرق إن الربح لما كان تابعا للمال ، والأصل كونه للمالك ، لم يفتقر الى تعيين حصته ، فإن عينها كان تأكيدا ، وأما تعيين حصة العامل فلا بد منه ، لعدم استحقاقها بدونه ، فإذا قال : النصف لك كان تعيينا لحصة العامل ، وبقي الباقي على حكم الأصل ، بخلاف العكس فإنه لم يقتض ذلك كون النصف الآخر لغيره ، بل هو باق على الأصل أيضا ، فيبطل العقد.

قلت : قد يمنع ذلك بدعوى انسياق إرادة كون الربح بينهما نصفين من نحو هذه العبارة عرفا ، من غير فرق بين ذكر النصف للمالك أو للعامل ، فإن المراد النصف الآخر للآخر ، كما هو واضح.

ولو شرط لغلامه أو غلام العامل حصة معهما صح ، عمل الغلام أو لم يعمل بناء على أن العبد لا يملك شيئا ، فاشتراطها حينئذ له اشتراط لسيده والفرض أنه أحدهما ، ويجوز تساويهما في الحصة وتفاوتهما.

نعم بناء على ملكه يتجه فيه ما سمعته من الاشتراط للأجنبي ، لكن قد يناقش بعدم دلالة الاشتراط للعبد على إرادة الاشتراط للسيد ، وعدم قابلية العبد للملك لا يصلح قرينة لذلك ، على أنه يمكن فرض العلم بعدم إرادة ذلك ، والمتجه حينئذ فيه البطلان ، إلا أن الإنصاف إمكان دعوى انسياق إرادة المالك عرفا على نحو الاشتراط للدابة أو السفينة.

وأما لو شرط لأجنبي ولو كان خادما لأحدهما فالمشهور أنه إن كان عاملا صح الشرط لأنه حينئذ يكون بمنزلة العامل المتعدد وإن لم يكن عاملا فسد لأن الثابت من القراض ما كان تمام الربح فيه مشتركا بين المالك والعامل ، هذا ، ولكن في المسالك « لا بد من ضبط العمل بما يرفع الجهالة وكونه من أعمال التجارة لئلا يتجاوز مقتضاها ، وإنما وصفه بالأجنبي مع كونه عاملا ، لأن المراد بالعامل هنا من يكون إليه التصرف في جميع ما يقتضيه العقد ،

٣٦٨

وهذا المشروط له ، ليس كذلك ، وإنما اشترط عليه عمل مخصوص بأن يحمل لهم المتاع إلى السوق ، أو أن يدلل عليه ، ونحوه من الأعمال الجزئية المضبوطة ، فلو جعل عاملا في جميع الأعمال ، كان العامل الذي هو أحد أركان العقد متعددا ، وهو غير محل الفرض ، وبهذا يندفع ما قيل من ان شرط العمل ينافي كونه أجنبيا ».

قلت : قد يقال : إن ظاهر النصوص أو المتيقن منها كون الربح في القراض بين المقارض ، والمقارض ، والعامل المذكور إن فرض كونه مقارضا صار من تعدد العامل ، وهو غير ما نحن فيه ، ولذا اعتبر فيه تعيين العمل الذي لا يعتبر مع فرض كونه مقارضا ، وإلا كان أجنبيا لا يجوز الشرط له وإن عمل بعض مقدمات التجارة ، فإن ذلك لا يجعله عاملا ، بمعنى كونه مضاربا ، وإلا لجاز الشرط مع العمل لغير التجارة ، بل ومع عدم العمل أصلا ، ضرورة اشتراك الجميع في المصحح ، بناء على أنه الاشتراط المزبور.

ومن ذلك يعلم ما في قول المصنف وفيه وجه آخر بناء على أنه ما حكاه في المسالك من صحة الشرط له وإن لم يعمل ، لعموم (١) « المؤمنون » (٢) « و ( أَوْفُوا ) » أو أن المشروط يكون للمالك حيث لم يعمل ، رجوعا إلى أصله ، لئلا يخالف مقتضى العقد ، ولإقدام العامل على أن له ما عين له خاصة ، إذ قد عرفت أن ظاهر النصوص أو الثابت فيها ما سمعت على وجه لا يعارضه العموم المزبور ، بناء على شموله لمثل المقام. والله العالم.

ولو قال خذه قراضا ولك نصف ربحه صح بلا خلاف ولا إشكال وإنما ذكره مقدمة لقوله وكذا لو قال : لك ربح نصفه بناء على إرادة نصف ما يربح من المال قل أو كثر ، إذ هو حينئذ كالأول في المراد ، وإن تغيرت العبارة وذلك لأن الفرض إشاعة النصف ، فكل جزء من المال إذا ربح فنصف ربحه للعامل ، ونصفه للمالك ، ولو فرض كون الربح للنصف خاصة ، كان ذلك هو رأس المال ، والذي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ـ ٤.

(٢) سورة المائدة الآية ـ ١.

٣٦٩

لم يربح لا اعتداد به ، وكل جزء من النصف الذي ربح بين المالك والعامل ، لما عرفت من الإشاعة المزبورة ، وبذلك ظهر لك أن ما عن أحد قولي الشيخ من البطلان واضح الضعف ، بناء على إرادته ما فرضناه ، وظني أنه لا يريده ، خصوصا بعد تعليله البطلان بمنافاته لمقتضى القراض ، من أن ربح كل جزء بينهما ، وهنا قد شرط ربح النصف الواحد للمالك لا يشاركه فيه العامل ، والآخر بالعكس ، وربما ربح نصفه فيختص به أحدهما ، أو ربح أكثر من النصف ، فلا تكون الحصة معلومة ، ضرورة ظهوره في فرض موضوع البطلان ، أن حصة كل منهما في النصف من حيث النصفية ولا ريب في البطلان مع هذا القصد ، وربما كان ذلك هو المنساق في بادى النظر من مثل اللفظ المزبور ، إلا أن التأمل الصادق يقضي بإرادة ما ذكرناه أولا فتأمل. والله العالم.

ولو قال لاثنين مثلا : ضاربتكما بهذا المال مثلا ولكما نصف الربح مثلا صح لإطلاق الأدلة والسيرة ، ولفظ العامل في النصوص يراد منه الجنس الشامل لما زاد على الواحد ، أو المثال ، كالمالك فإنه لا يعتبر فيه الاتحاد أيضا ، فيجوز مضاربة الاثنين لواحد مثلا ، كما أنه يجوز في الصورتين تمييز كل من مالي العاملين ، وعدمه ، وبذلك ظهر لك الحكم في جميع الصور المتصورة في المقام ، كما أنه ظهر لك مما تقدم سابقا أنه لو وقع عقد المضاربة مع العاملين على النحو الذي فرضناه صح وكانا فيه أى النصف سواء لما عرفته من اقتضاء الإطلاق ذلك ولو للتبادر.

نعم لو فضل أحدهما صح أيضا عندنا وإن كان عملهما فيه سواء ومختلفا ، لأن غايته اشتراط حصة قليلة لصاحب العمل الكثير ، والحصة على الشرط مع ضبط مقدارها ، ولأن عقد الواحد مع الاثنين ، كعقدين ، فيصح كما لو قارض أحدهما في نصف المال ، بنصف الربح ، والآخر في نصفه الأخر بثلث الربح ، فإنه جائز اتفاقا ، كما في المسالك خلافا لبعض العامة ، حيث اشترط التسوية بينهما في الربح مع استوائهما في العمل ، قياسا على اقتضاء شركة الأبدان ذلك ،

٣٧٠

والأصل والفرع عندنا باطلان ، كبطلان ما يحكي عن الجويني منهم ، من اعتبار الاستقلال لكل من العاملين في صحة مضاربتهما ، فلا يجوز اشتراط مراجعة أحدهما الآخر ، إذ هو كما ترى ، لا مستند له ، بل إطلاق الأدلة على خلافه.

إنما الكلام في جملة من الفروع المتعلقة بالمسألتين التي لم نعثر على محرر لها منها ـ ما لو اتفق فسخ المضاربة بفاسخ قهري أو اختياري ، وكان أحدهما قد عمل وربح والآخر بعد لم يعمل ، فهل يستحق حصته من الربح وإن لم يكن له مال ولا عمل.

ومنها ـ فيما لو قارض الاثنان واحدا بعقد واحد ، وحصة مشاعة منهما ، إلا أن مال كل منهما متميز ، فعمل بأحدهما وربح ، ولم يعمل بالآخر ، أو عمل ولم يربح ، واتفق انفساخ المضاربة ، فهل يستحق من لم يربح ماله بربح مال الآخر ، وهل تجبر خسارة مال أحدهما بربح مال الآخر باعتبار اتحاد عقد المضاربة أو لا ، بل هي بمنزلة مضاربتين يلحق كلا منهما حكمها بالنسبة إلى ذلك ، من غير مدخلية للأخرى فيها ، وإنما الاتحاد يؤثر بالنسبة إلى سراية الفسخ أو الانفساخ من أحدهما إلى الآخر ، لكون العقد واحدا فلا يتبعض ، والذي يقوى في هذا ، الثاني ، كما أن الذي يقوى في سابقه الأول ، لأنه مقتضى عقد المضاربة ، إلى غير ذلك من الفروع في المقام التي تلحق الصور المتصورة فيه باعتبار تعدد المالك والعامل ، واتحاد المال وتعدده ، ومنشأ الاشكال في الجميع اتحاد صيغة المضاربة والله العالم.

ولو اختلفا في نصيب العامل فالقول قول المالك مع يمينه عند علمائنا كما في التذكرة ، لأنه منكر للزائد ، ولأن الأصل تبعية النماء للمال ، فلا يخرج عنه إلا ما أقر المالك بخروجه عنه ، من غير فرق في ذلك بين ظهور الربح وعدمه ، لكن في جامع المقاصد « هذا واضح إن كان الاختلاف قبل حصول الربح ، لأن المالك متمكن من منع الربح كله بفسخ العقد ، وأما بعد حصوله فإن كلا منهما مدع ومدعى عليه ، فإن المالك يدعي استحقاق العمل الصادر بالحصة الدنيا ، والعامل ينكر ذلك » وضعفه في المسالك بأن نفس العمل لا تتناوله الدعوى ، لأنه بعد‌

٣٧١

انقضائه لا معنى لدعوى المالك استحقاقه ، وكذا قبله ، لأن العقد الجائز لا يستحق به العمل ، وإنما المستحق المال الذي أصله للمالك ، وحقيقة النزاع فيه ، فيجي‌ء فيه ما تقدم من الأصول.

قلت : أولا : قد يتصور النزاع قبل ظهور الربح فيما لو اتفق لزوم المضاربة ولو بالاشتراط في عقد لازم ، وحينئذ يتجه دعوى المالك.

وثانيا : أنه لا ريب في أن كلا منهما مدع ومنكر إذا كان نزاعهما في تشخيص ما وقع عليه عقد المضاربة ، ضرورة اقتضاء الأصل عدم كل من الشخصين نعم بعد تعارض الأصول في ذلك يرجع إلى أصل آخر ، ولا ريب في كونه مع المالك ، لأن الأصل عدم استحقاق العامل الزائد ، نحو ما ذكروه في الاختلاف في الأجرة في عقد الإجارة ، والثمن في البيع مع عين تلف المبيع ، وغير ذلك من المقامات التي حكموا فيها بأن القول قول المالك ، بل ظهر لك حينئذ أولوية ذلك في حال ظهور الربح. وأما حال عدمه وفرض لزوم العقد ، فإنه وإن كان قد يقال : إن المالك حينئذ مدع استحقاق العمل ، لكن قد يدفع بأنهما قد اتفقا على استحقاقه ، وإنما النزاع في الحصة كالأجرة ولا ريب في أن مدعي زيادتها هو المدعي ، بعد قطع النظر عن النزاع في تشخيص العقد المتضمن لها والله العالم.

ولو دفع قراضا في مرض الموت ، وشرط ربحا صح ، وملك العامل الحصة وإن كانت أزيد من أجرة المثل ، وقلنا بأن التبرعات من الثلث ، لكن من المعلوم أن ذلك فيما إذا فات سببها على الوارث ، بخلاف المقام الذي لا فوات ، فإن الربح أمر معدوم متوقع الحصول ، وليس مالا للمريض ، بل هو على تقدير حصوله أمر جديد حصل بسعي العامل ، وحدث على ملكه بعد العقد ، فلم يكن للوارث فيه اعتراض ، وبذلك افترق عن مثل نماء الدابة والشجرة.

ولو قال العامل : ربحت كذا ورجع ، لم يقبل رجوعه ، وكذا لو ادعى الغلط لسبق إقراره الماضي عليه ، لقاعدة « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » وقاعدة « عدم سماع الإنكار بعد الإقرار » السالمتين عن معارضة قاعدة « سماع الأمين في كل‌

٣٧٢

ما يدعيه » بعد عدم ثبوت هذا العموم فيها ، وإنما الثابت المسلم منها ما لم يسبق بإقرار ، وعلى فرض العموم المزبور يمكن ترجيح قاعدة « الإقرار » عليها ، فتخص بها حينئذ ، بل قد يقال : إن ما نحن فيه من تقديم أحد قولي الأمين على الآخر.

وعلى كل حال فلا ريب في تقديم إقراره السابق ، من غير فرق في ذلك بين ذكره وجهالته محتملا ، وعدمه ، خلافا لبعض العامة ، بل ظاهر قول المصنف وغيره لم يقبل عدم سماع بينته على ذلك ، لكونه مكذبا لها بإقراره السابق ، وعموم (١) « البينة على المدعي » إنما هو ظاهر في كون الدعوى مسموعة ، لا ما إذا أسقطها الشارع بقاعدة « الإقرار » فيبقى حينئذ شهادة البينة نفسها ، بلا دعوى ، ولا ريب في تقديم قوله المخالف لها عليها ، لعدم ثبوت حجيتها في هذا الحال ، خصوصا بعد أن كان المشهود به حقا له ، فلا ريب في تقديم قوله فيه ، فتأمل. هذا كله إذا كان ذلك منه رجوعا أو دعوى غلط أو نحو ذلك.

أما لو قال : ثم خسرت ، أو قال : ثم تلف الربح ، قبل لأنه أمين يصدق بالنسبة إلى ذلك. نعم قيده في التذكرة فيما إذا كان دعوى الخسران في موضع يحتمل ، بأن عرض في السوق كساد ، وإلا لم يقبل ، ولا بأس به.

والعامل يملك حصته من الربح بظهوره ملكا متزلزلا ولا يتوقف ذلك على وجوده ناضا على المشهور بين الأصحاب ، بل لا يكاد يتحقق مخالف فيه منا ، كما في المسالك ، بل لعله ظاهر التذكرة أيضا ، لاتفاق اقتضاء العقد والنص والفتوى على كون الربح بينهما ، ولا ريب في تحققه بمجرد ظهوره لغة وعرفا.

وخصوص‌ الصحيح (٢) « رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة ، فاشترى أباه وهو لا يعلم قال : يقوم فإن زاد درهما واحدا انعتق ، واستسعى في مال الرجل » إذ لو لم يكن مالكا لحصته بالظهور لم ينعتق ، فلا وجه حينئذ لذلك إلا دخول الحصة في الملك ، ويسرى العتق في الباقي كما هو القاعدة فيه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام المضاربة الحديث ـ ١.

٣٧٣

ولأن الربح مع ظهوره مملوك ، فلا بد له من مالك ، ورب المال لا يملكه اتفاقا ، ولا يثبت أحكام الملك في حقه ، فيلزم أن يكون العامل ، إذ لا مالك غيرهما اتفاقا.

ولأن العامل يملك المطالبة بالقسمة التي هي فرع الملك ، إذ لا يكفي في استحقاقها مجرد العلقة ، لأنها حينئذ ليست قسمة حقيقة ، وإطلاقهم يقتضي أنها حقيقة.

لكن مع ذلك كله عن الفخر عن والده أن في المسألة أربعة أقوال ، وإن كان لم يذكر القائل بها ، أحدها : ما سمعت.

الثاني : الملك بالإنضاض ، لأنه قبله غير موجود خارجا ، بل مقدر موهوم ، والمملوك لا بد أن يكون محقق الوجود ، نعم الظهور موجب لاستحقاق الملك بعد التحقق ، ولهذا يورث عنه ، ويضمن حصته من أتلف المال وإن كان المالك.

الثالث : الملك بالقسمة ، لأنه لو ملك قبلها لكان النقصان الحادث بعد ذلك شائعا في المال ، كسائر الأموال المشتركة ، والتالي باطل ، لانحصاره في الربح ، ولأنه لو ملك لاختص بربحه ، ولأن القراض معاملة جائزة ، والعمل فيها غير مضبوط ، فلا يستحق العوض فيها إلا بتمامه كمال الجعالة.

الرابع : أن القسمة كاشفة عن ملك العامل ، لأن القسمة ليست من الأسباب المملكة ، والمقتضي للملك إنما هو العمل ، وهي دالة على تمام العمل الموجب للملك لكن في المسالك « عن التذكرة أنه لم يذكر في المسألة عن سائر الفقهاء من العامة والخاصة سوى القولين الأولين ، وجعل الثاني للشافعي في أحد قوليه ، ولأحمد في إحدى الروايتين ، ووافقنا في الباقي على الأول ، فلا يدري لمن ينتسب إليه هذه الأقوال ، وهي مع ذلك ضعيفة المأخذ ، فإنا لا نسلم أن الربح قبل الإنضاض غير موجود ، لأن المال غير منحصر في النقد ، فإذا ارتفعت قيمة العرض فرأس المال منه ما قابل قيمة رأس المال ، والزائد ربح متحقق الوجود ، ولو سلم أنه غير متحقق الوجود لا يقدح في كونه ملكا ، فإن الدين مملوك ، وهو غير موجود في الخارج ،

٣٧٤

بل هو في الذمة أمر كلي ، هذا ما على الثاني.

وعلى الثالث أنه لا ملازمة بين الملك وضمان الحادث على الشياع ، إذ يجوز أن يكون مالكا ، ويكون ما يملكه وقاية لرأس المال ، فيكون الملك متزلزلا ، واستقراره مشروط بالسلامة ، وكذا لا منافاة بين ملك الحصة ، وعدم ملك ربحها ، بسبب تزلزل الملك ، ولأنه لو اختص بربح نصيبه لاستحق من الربح أكثر مما شرط له ، ولا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه ، ولأن القسمة ليست من العمل في شي‌ء ، فلا معنى لجعلها تمام السبب في الملك ، فلا وجه للإلحاق بالجعالة ، كما نبه عليه في الوجه الرابع ، ومن ضعف ما سبق يستفاد ضعف الرابع ، لأنه مرتب عليها.

وقد تبع بذلك كله أو أكثره ما في التذكرة وجامع المقاصد ، إلا أن الانصاف عدم خلو المسألة من إشكال إن لم يكن إجماعا ، وذلك لأن الربح حقيقة ما زاد على عين الأصل الذي هو رأس المال ، وقيمة الشي‌ء أمر وهمي لا وجود له ذمة ، ولا خارجا وإنما هو من فروض الذهن ، وبذلك افترقت عن الدين الذي هو وإن كان كليا ، إلا أنه مال ـ شرعا وعرفا ـ موجود في الذمة ، بخلاف قيمة الشي‌ء ، وعدم انحصار المال في النقد ، بل هو والعرض مال ، لا يقتضي تحقق الربح حقيقة ، بعد ما عرفت أنه حقيقة الزائد على عين رأس المال المتوقف على تحقق رأس المال في الخارج ، ولا يكفي فيه كون الشي‌ء يسوى مقدار رأس المال ، ضرورة عدم صيرورته بذلك عين رأس المال.

نعم قد يطلق على مثل ذلك أنه ربح تسامحا بناء على أصل السلامة ، وإمكان الإنضاض في سائر الأوقات ، ونحو ذلك مما يخرجه من القوة إلى الفعل ، وحيث كانت قريبة إليه أطلق عليه اسم الربح ، وبذلك يظهر لك سقوط جملة من الأدلة السابقة المبنية على كون ذلك ربحا حقيقة ، وطلب القسمة حقيقة انما يتم بعد الفسخ مع رضى المالك بالعروض عوضا عن رأس ماله ، وهو خروج عما نحن فيه.

نعم لا بأس أن يقال : انه بالظهور ملك العامل أن يملك ، بمعنى أن له الإنضاض ولو قدر رأس المال ، فيتحقق الربح حينئذ ويتبعه تحقق الملك ، وبه يورث‌

٣٧٥

ويضمن التالف له ، وغير ذلك ، فإن أراد الأصحاب بالملك حال الظهور هذا المعنى الذي لا ينافيه قواعد الشركة ، ولا قاعدة تبعية النماء ، ولا غير ذلك ، كان متجها والا فقد عرفت ما فيه ان لم يكن إجماعا ، بل لعل الوجه في خبر عتق الأب ذلك أيضا ، بناء على الاكتفاء بمثل ذلك في العتق المبني على السراية ، فإن ملك أن يملك جزء من الأب أيضا موجب كالملك نفسه ، فتأمل جيدا. فإن المسألة محتاجة إلى تأمل وحسن انتقاد.

وكيف كان فقد صرح غير واحد من الأصحاب ـ القائلين بالملك بالظهور ـ أن المراد به ملك متزلزل ، بل لعله إجماع بينهم ، وحينئذ فالكلام فيما يستقر به وفي المسالك « هو اما إنضاض جميع المال ، أو إنضاض قدر رأس المال مع الفسخ أو القسمة أو لا معها ، على قول قوي ، وبدونه يجبر ما يقع في التجارة من تلف أو خسران ، سواء كان الربح والخسران في مرة واحدة أو مرتين ، أو في صفقة أو اثنتين وفي سفرة أم سفرات ، لان معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال في زمن ذلك العقد فإذا لم يفضل شي‌ء فلا ربح ، وهو محل وفاق ، وسيأتي بعض أحكام ذلك » وفي القواعد « وانما يستقر بالقسمة أو الإنضاض والفسخ قبل القسمة ».

وتفصيل الحال أن في المسألة صورا ، وذلك لانه اما ينضم الى الظهور إنضاض جميع المال ، أو قدر رأس المال مع الفسخ والقسمة ، أو أحدهما ، أو بدونهما ، أو ينضم إليه القسمة دون الإنضاض ، ثم القسمة إما للربح فقط ، أو لجميع المال.

الأولى : أن ينضم إلى الظهور الإنضاض لجميع المال أو قدر رأس المال فقط مع الفسخ والقسمة ، ولا ريب في الاستقرار حينئذ ، ضرورة انتهاء العقد بجميع توابعه مع تراضيهما بذلك.

الثانية : الصورة بحالها لكن مع عدم القسمة ، وفيه وجهان أصحهما في جامع المقاصد ومقربهما في التذكرة ومختارهما في ظاهر القواعد الاستقرار ، لان العقد قد ارتفع ، ورأس المال حاصل نض ، فيخرج عن كونه وقاية ، لارتفاع حكم القراض بارتفاع العقد ، ولوجوب صرف الربح إلى ما شرطاه حيث ارتفع العقد.

٣٧٦

والثاني العدم ، للاستصحاب ولظاهر‌ قوله (١) « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » ولعله لذلك تردد الفاضل في محكي التحرير ، لكن قد يجاب عنهما بحصول التأمل عن الأول بارتفاع العقد المقتضي لخروج المال عن كونه مال قراض ، فيبقى أمانة ، لأن اليد في الأصل لم تكن يد ضمان ، فينتفى حكم جبرانه من الربح ، لأنه دائر مع كونه قراضا ، وبأن وضع اليد على مال الغير وإن كان في العهدة إلى الأداء إلا أنه لا يلزمه خسران التالف بغير تقصير من الربح في صورة النزاع ، وإلا لانتقض بما بعد القسمة قبل القبض.

وفيه منع ارتفاع صدق اسم مال القراض عليه وإن ارتفع بالفسخ صدق كون العامل مقارضا ، والأدلة مطلقة في أن الوضعية في مال المضاربة على الربح الذي هو بينهما مع عدمها ، فالمتجه حينئذ بقاء حكم المضاربة على مالها ، خصوصا مع فرض عدم إنضاض بعض مالها ، وقلنا بان للمالك مطالبة العامل بذلك ، إذ هو ليس إلا لبقاء حكم العقد السابق وإن انفسخ ، وربما يرشد إلى ذلك ما تسمعه في الصورة الثالثة ، بل قد يقال : إن تسليم رأس المال إلى المالك الذي أخذه منه من تتمة انتهاء عمل المضاربة ، والا لزم عدم كون الخسران من الربح فيما لو نض المال أجمع في بلد عمل العامل التي سافر إليها وفسخ هو عقد المضاربة ، ثم تلف بعض المال قبل الوصول إلى المالك ، والتزامه مناف لظاهر الأدلة ، إلى غير ذلك مما لا يخفى بأدنى تأمل ، كزيادة قيم عروض المضاربة قبل القسمة وقبل الوصول ، فإن الظاهر استحقاق العامل فيها على شرطه في عقد المضاربة ، وغير ذلك مما يعرف منه قوة الوجه الثاني.

الثالثة : أن يقع الفسخ ، والمال عروض كله أو بعضه بحيث لم ينض رأس المال ، فإن حصلت القسمة مع ذلك حصل الاستقرار ، لانقطاع حكم القراض ، وإلا بني على أن العامل هل يجبر على البيع والإنضاض ، فإن قلنا به فحكم القراض باق ، لبقاء العمل ، وإن قلنا بالعدم فوجهان كالوجهين السابقين في الصورة الثانية.

الرابعة أن تكون القسمة للربح خاصة ، ولا ريب في عدم مدخليته في الاستقرار‌

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٥٠٤.

٣٧٧

بل إن حصل شي‌ء من الأمور المذكورة يقتضي الاستقرار ، فثبوته به ، وإلا فلا.

وبذلك كله ظهر لك ما في عبارة القواعد من الحكم بالاستقرار بالقسمة في مقابل الإنضاض المقتضى للاستقرار بها وإن كان المال عروضا كله أو بعضه ، فإن فيه عدم إيجابها الاستقرار بمجردها من دون فسخ القراض ، إذ لا معنى لها حينئذ إلا قسمة الربح ، لأن رأس المال لا شركة فيه إلا باعتباره وقسمة الربح وحدها لا تخرجه عن كونه وقاية ، إذ المدار فيه على ارتفاع القراض وانتهاء عمله ، وكذا قوله أو الإنضاض والفسخ يقتضي ظاهرا اعتبار إنضاض جميع المال ، وقد عرفت أنه يكفي إنضاض قدر رأس المال ، كما أنه يقتضي عدم الاستقرار إذا حصل الفسخ والمال عروض ، لكنه صحيح على مختاره من وجوب الإنضاض على العامل.

وأما عبارة المسالك فلا ريب في فسادها على ما حضرني من نسختها من عطف القسمة بأو ، لكنها غير نقية من الغلط ، والمتجه كونها بالواو ، وحينئذ يأتي فيما اختاره البحث السابق الذي ذكرناه في الصورة الثانية.

وأما الصورة الثالثة فليست مذكورة في كلامه ، وظاهره عدم الاستقرار فيها ، وقد عرفت الحال ، كما أنك عرفت الإشارة إلى صورة الفسخ مع القسمة قبل القبض والمتجه حصول القرار فيها ، بل ويتجه القرار أيضا بإتلاف المالك مال المضاربة الذي ظهر فيه الربح ، لتمحض حق العامل حينئذ في ذمة المالك ، وانفساخ المضاربة حينئذ كما لو استرد المال منه ، بخلاف ما لو أتلفه أجنبي ، فإن الظاهر بقاء المضاربة فيما اشتغلت به ذمة الأجنبي ، كما صرح به الفاضل في التذكرة والله العالم.

الأمر ( الرابع في اللواحق : وفيه مسائل‌ )

الأولى لا خلاف ولا إشكال في أن العامل أمين بل هو إجماعي : فـ ( لا يضمن ) حينئذ ما يتلف إلا عن تفريط أو خيانة ولو للتعدي فيه بأن فعل فيه ما لم يأذن له شرعا فيه ، ولعل منه السفر بلا إذن من المالك ، وشراء شي‌ء‌

٣٧٨

نهاه المالك عنه ، ونحو ذلك مما عرفت ضمان العامل فيه ، وإن بقيت المضاربة ، بل ظاهر الأدلة كونه ضامنا للوضيعة التي تكون في ذلك ، بل صريح بعضهم أو ظاهره ضمانه بالثمن الذي يكون للشي‌ء في البلد التي سافر عنها ، بل قد يقال : أو يقوى ضمانه الوضيعة المتجددة بعد التعدي. وبالسفر مثلا ، وإن تساوى السعر في البلدين على وجه لو بقي في البلد التي سافر عنها لحصلت تلك الوضيعة أيضا ، لإطلاق كونها على العامل مع مخالفته. نعم لو فرض كون الوضعية سابقا على سفره فتعدي وسافر وباع بما فيه تلك الوضيعة أمكن حينئذ عدم الضمان ، فتأمل.

وعلى كل حال فلا إشكال ولا خلاف في أن قوله أي العامل مقبول في التلف لأنه أمين وذو يد على المال باذن المالك ، من غير فرق عندنا بين دعواه التلف بأمر ظاهر يمكن إقامة البينة عليه أو خفي.

وهل يقبل في الرد؟ فيه تردد من كونه أمينا كالودعي ، ولما في عدم قبول قوله من التكليف بما لا يطاق ، لاحتمال صدقه ، فتكليفه ثانيا بذلك من ذلك ، أو التخليد بالسجن ، وهو المحكي عن الشيخ ، ومن أصالة عدم الرد ، فيكون المالك منكرا أظهره أنه لا يقبل بعموم‌ قوله عليه‌السلام (١) « البينة على المدعى » وقبول قوله في التلف مثلا لا يقتضي القبول في ذلك ، وليس في الأدلة ما يقتضي قبول قول الأمين في جميع ما يدعيه على وجه يشمل ما نحن فيه ، والقياس على الودعي غير جائز عندنا ، خصوصا بعد الفرق بينهما بالقبض هناك لمصلحة المالك خاصة ، بخلاف المقام الذي هو لمصلحتهما ، والتكليف برد المثل أو القيمة يرفع التكليف بما لا يطاق ، والتخليد بالسجن ، إذ الكلام هنا في القبول وعدمه من حيث الغرامة وعدمها ، لا من حيث خصوص العين وعدمها.

فمن الغريب ما في جامع المقاصد والمسالك من أنه إذا لم يقبل قوله في الرد لزمه تخليده في السجن لو أصر على إنكاره المحتمل الصدق ، وهم قد تحرجوا من لك في الغاصب حيث يدعى التلف ، فضلا عن المقام الذي هو أمين ، إلا أن يحمل على‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى.

٣٧٩

مؤاخذته ومطالبته به ، وإن أدت إلى الحبس ، للاستظهار به إلى أن يحصل اليأس من ظهور العين ، ثم يؤخذ منه البدل للحيلولة ، إلا أن مثل هذا يأتي في دعوى التلف خصوصا من الغاصب ، وليس في كلامهم تنقيح لهذا فينبغي النظر فيه.

قلت : لا بأس بالتزامه في المقام ، والغاصب مع فرض ثبوت العين عنده ، في ظاهر الشرع ، إلا أن يرضى المالك بالبدل ، ويكون ذلك من جملة التعزيرات الشرعية. لكن لا يخفى عليك أن ذلك كله خروج عما نحن فيه ، وإن كان هو جيدا حيث تكون الدعوى في خصوص العين ، فما أطنب فيه صاحب الحدائق ـ من الإنكار عليه قائلا أني لا أعرف له وجها ، إذ الدعاوي كلها من هذا القبيل ـ في غير محله ، ضرورة أنه ليس ذلك منهما في دعوى الغرامات ونحوها ، وإنما هو في دعوى خصوص العين.

نعم فيه ما ذكرناه من أن المراد هنا من القبول وعدمه بالنسبة إلى الغرامة ، ولو فرض إرادة المالك خصوص العين ، لاتجه حينئذ ما ذكراه فتأمل جيدا والله العالم.

المسألة الثانية : إذا اشترى العامل من ينعتق على رب المال ، فإن كان بإذنه صح الشراء وينعتق قهرا عليه لعدم ملك الولد العمودين فإن فضل شي‌ء من المال الذي دفعه للقراض عن ثمنه كان هو أي الباقي قراضا لعدم انفساخ عقده ، وإلا بطل القراض ، لأن مبنى عقد القراض على طلب الربح ، فكل تصرف ينافيه يكون باطلا ، ومن جملته شراء من ينعتق على المالك ، لأنه تخسير محض ، فضلا عن عدم اشتماله على الغرض المقصود من العقد ، فمع فرض اذن المالك فيه وشراء العامل له بعنوان هذه الإذن لم يكن ذلك من تصرف المضاربة ، وانما هو من تصرف الوكالة الخارجة عنها ، فتبطل حينئذ في ثمنها الذي هو بمنزلة استرداد المالك له ، ويكون الباقي حينئذ رأس المال ان كان ، وإلا بطلت المضاربة من أصلها ، هذا كله إذا لم يكن في العبد ربح حين الشراء.

وأما لو كان فيه أى العبد المذكور فضل فالمحكي عن بعض أنه متى كان كذلك ضمن رب المال حصة العامل من الزيادة لتحقق الملك بالظهور ، ولا يقدح فيه العتق القهري الصادر بإذن المالك الذي مرجعه الى استرداد طائفة من‌

٣٨٠