جواهر الكلام - ج ٢٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

تقتضي استحقاق الأجرة في الأول ، كما عن التذكرة ، فضلا عن الثاني ما لم يكن إجماع ، والإقدام على جواز العقد أعم من الإقدام على التبرع.

وعلى كل حال فـ ( لو اشترط ) فيه أي عقد المضاربة الأجل لم يلزم العقد مدته على أحد منهما ، فيصح لكل منهما فسخه قبله ، بلا خلاف أجده فيه ، للأصل وغيره. نعم في المسالك وغيرها بعد تفسير العبارة ونحوها بما سمعت قال : « لكن العقد والشرط صحيحان ، أما الشرط ففائدته المنع من التصرف بعده ، لأن التصرف تابع للاذن ، ولا إذن بعده ، وأما العقد فلأن الشرط المذكور لم يناف مقتضاه ، إذ ليس مقتضاه الإطلاق ».

قلت : قد يراد من العبارة عدم الصحة من نفي اللزوم ، بقرينة قوله متصلا بها لكن لو قال : إن مرت بك سنة مثلا ، فلا تشتر بعدها وبع صح عندنا لأن ذلك من مقتضى العقد الذي هو تسلط رب المال على فسخ القراض متى شاء ، وعلى منع العامل عما يشاء من النوع والزمان والمكان ، ضرورة ظهور الاستدراك فيه في أن الأول ليس كذلك ، بل هو من أفراد المسألة التي ذكرها بقوله أيضا.

وليس كذلك لو قال : على أني لا أملك فيها أي السنة منعك فإنه شرط باطل لأن ذلك مناف لمقتضى العقد بل المشهور كما قيل : بطلان العقد معه ، فالتحقيق حينئذ أن يقال : إن أريد باشتراط الأجل المعنى الأول صح ، وإن أريد به المعنى الثاني بطل وأبطل ، كما صرح به غير واحد ، بل لم أجد خلافا هنا في بطلانه ، وزاد في القواعد وجامع المقاصد اشتراط ضمان العامل المال ، أو إلزامه بحصة من الخسارة.

إلا أنه قد يناقش في ذلك إن أريد بها الكناية عن اللزوم مثلا بالعارض ، ولو بالشرط ، لا أن المراد به ما ينافي حكمها شرعا ، فإنه لا إشكال في البطلان حينئذ إنما المناقشة في الأول بمنع كونها من منافيات مقتضى العقد ، المراد به ما يعود على العقد بالنقض ، ولا ريب في عدم منافاة اللزوم لعقد المضاربة ، إذ هو كالجواز في العقد اللازم الذي لا إشكال في صحة اشتراطه.

٣٤١

ومن هنا كان له شرطه : أي اللزوم في العقد الجائز بعقد لازم آخر ، ولو أنه من المنافي لمقتضاه لم يصح ذلك ، إذ هو كاشتراطه عدم الملك في البيع ، ونظيره هنا عدم ملك العامل الحصة من الربح ، لا اشتراط اللزوم في المضاربة ، وكذا الكلام في الضمان الذي لا ينافي كون الشي‌ء أمانة ، فإن كثيرا من الأمانات مضمونة كعارية الذهب والفضة ، والعارية المشترط فيها ذلك ، والمقبوض بالسوم ، وغير ذلك ، بل ستسمع ضمان العامل في كثير من صور المضاربة ، بل وكذا الكلام في اشتراط إلزام العامل حصة من الخسارة ، فإن جميع هذه الأمور من الاحكام ، أو مما هو مقتضى إطلاق العقد ، لا أنها من منافيات مقتضاه التي تعود عليه بالنقض. فتأمل جيدا.

بقي شي‌ء وهو أنه قد صرح الفاضل في القواعد وتبعه في جامع المقاصد بصحة شرط المالك على العامل المضاربة في مال آخر ، أو أخذ بضاعة منه ، أو قرض أو خدمة في شي‌ء بعينه ، معللا له الثاني منهما بعموم قوله تعالى (١) ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) وقوله (٢) « المؤمنون عند شروطهم » لكن عن ابن البراج الجزم بفساد العقد والشرط ، وكذا عن المبسوط ، إلا أنه قال : أخيرا « ولو قلنا القراض والشرط جائز ، لكن لا يلزم الوفاء به كان قويا » ثم إنه في جامع المقاصد « قد حكي عن التحرير عدم لزوم الوفاء به ، ـ ثم قال : ـ « وهو حق ، فإن العقد جائز من الطرفين ، لكن لم يذكروا حكم ما إذا عمل العامل ولم يف بالشرط ، فظهر ربح ، والذي يقتضيه النظر أن للمالك الفسخ بفوات ما جرى عليه التراضي ، فيكون للعامل أجرة المثل ، وللمالك الربح ، ـ إلى أن قال ـ ولو شرط ذلك من طرف العامل على الملك ، فالحكم كما هنا ، بغير تفاوت إلا أن الفسخ هنا بعد العمل إذا لم يحصل الوفاء يكون للعامل ، لأنه إنما رضي بالحصة القليلة مع هذا الشرط ».

قلت : لا يخفى عليك ما في الذي جعله مقتضى النظر ، فإن التزام تسلط المالك والعامل بعد العمل على الفسخ بفوات الشرط ، وأخذ المالك تمام الربح ، والعامل أجرة‌

__________________

(١) سورة المائدة الآية ـ ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ـ ٤.

٣٤٢

المثل مما لا يمكن التزام فقيه له ، فالتحقيق عدم مدخلية الشرط في ذلك ، إنما الكلام في حكمه بالنسبة إلى وجوب الوفاء به ، وعدمه ، فيحتمل الأول ، لكن بمعنى الوجوب المشروط بالبقاء على العقد ، وعدم إنشاء فسخه ، لكونه حينئذ كنفس مقتضى العقد ، إذ هو من توابعه ، وبهذا المعنى يندرج في قوله تعالى (١) ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) بناء على كون المراد منه الأمر بالوفاء بمقتضى كل عقد لم يحصل له فاسخ جائز ولازم وفي‌ قوله « المؤمنون عند شروطهم » ويحتمل الثاني لا بمعنى تسلطه على فسخ العقد بل على معنى عدم وجوب الوفاء به وإن لم يفسخ العقد ، للأصل السالم عن معارضة الآية المراد منها العقود اللازمة ، لظهور الأمر فيها بالوجوب المطلق وكذا‌ قوله : « المؤمنون عند شروطهم » المراد منه بيان صحة أصل الاشتراط ، وأما اللزوم وعدمه فيتبع العقد الذي تضمن الشرط ، فإن كان لازما وجب الوفاء بالشرط ، لكونه حينئذ من توابع العقد ، والا لم يجب بل يكون حينئذ شبيه الوعد.

ولعل هذا مراد الشيخ والفاضل في التحرير من المحكي عنهما ، لا أن المراد عدم لزوم الوفاء بالعقد ـ باعتبار جواز العقد ، وإلا فالوفاء به واجب حال عدم فسخ العقد ـ إذ هو كما ترى لا دليل عليه ، بل المعلوم خلافه ضرورة عدم كون الشرط أولى من مقتضى العقد الذي لا يجب الوفاء به وان لم يفسخ العقد ، فإن من استودع أو وكل أو استعار أو ضارب : أي جاء بعقد من هذه العقود ، لا يجب عليه الوفاء بمقتضى ذلك ، فيأخذ الوديعة مثلا ، ويفعل ما وكل ويتناول العارية ، ويأخذ عين مال القراض فالشرط أولى ، ومنه يعلم حينئذ أنه هو مراد الشيخ والفاضل فيما ذكراه من عدم لزوم الوفاء به وهو لا يخلو من قوة ، والله العالم.

وعلى كل حال فـ ( لو اشترط ) على العامل أن لا يشتري إلا من زيد ، أو لا يبيع إلا على عمرو صح لأن الناس مسلطون على أموالهم وكذا لو قال : له على أن لا تشتري إلا الثوب الفلاني مثلا أو ثمرة البستان الفلاني‌

__________________

(١) سورة المائدة : ـ ١.

٣٤٣

سواء كان وجود ما أشار إليه عاما أو نادرا لما عرفت خلافا لبعض العامة فلم يجوز الأخير وهو واضح الضعف.

نعم لو شرط أن يشتري أصلا يشتركان في نمائه كالشجر أو الغنم قيل : يفسد بل لم أجد من جزم بالصحة من أصحابنا وذلك لأن مقتضاه أي القراض الاشتراك في الربح الحاصل من التصرف في رأس المال وإن تبعه النماء أيضا في بعض الأحوال لا حصره في الربح الحاصل من نماء المال مع بقاء عينه ، لا أقل من الشك في تناول الإطلاقات له والأصل الفساد ولكن مع ذلك فيه تردد مما سمعت ، ومن إمكان منع اعتبار ذلك في القراض الذي هو دفع المال من ربه ، والعمل من العامل والاشتراك فيما يحصل من ذلك ، سواء كان نماء فعل أو مال ، إذ هو أيضا مسبب من فعل العامل الذي هو شراء ذي النماء ، لكن يقوى في النظر الأول.

نعم لو قال له : اشتره وما يحصل من ارتفاع قيمته ومن نمائه فهو بيننا ، فالأقوى الصحة ، لإطلاق الأدلة ، كما لو أنه اتفق نماء أعيان المضاربة قبل بيعها ، شارك في النماء قطعا ، ودعوى ـ اعتبار شراء مع بيع ولو مرة في المضاربة ـ واضحة المنع ، وبذلك ظهر لك أن لشركة العامل في النماء صورا ثلاثة إحداها معلومة الصحة ، والثانية مظنونة ، والثالثة يشك في شمول الإطلاق لها ، والأصل الفساد ، كما أنه ظهر لك من ذلك ما في المسالك وغيرها فلاحظ وتأمل.

وإذا أذن له في التصرف بمعنى أنه عقد معه عقد المضاربة مثلا وأطلق تولى بإطلاق الإذن المستفادة من العقد ما يعتاد بالنسبة إلى مثل تلك التجارة ، ومثل ذلك العامل في مثل ذلك المكان والزمان ما يتولاه المالك وغيره من عرض القماش ، والنشر والطي ، وإحرازه وقبض الثمن ، وإيداعه الصندوق ، واستيجار من جرت العادة باستئجاره ، كالدلال والوزان والحمال وغير ذلك مما لا يمكن تحديده بالتعداد عملا بالعرف الذي هو الضابط لذلك وحينئذ فـ ( لو استأجر لـ ( مثل ) الأول الذي ( جرت العادة بمباشرته ) ضمن الأجرة ) ، بل يمكن ضمانه العين لو فرض تلفها بذلك.

٣٤٤

ولو تولى الأخير الذي جرت العادة بالاستيجار له بنفسه قاصدا للتبرع لم يستحق أجرة أما مع قصد الرجوع فقد يقوى استحقاقها ، بناء على تناول الوكالة لمثل نفسه ، بل قد يقوى استحقاقه إياها مع الخلو عن القصد ، لقاعدة احترام عمل المسلم المتقدمة والله العالم.

ولا ينفق العامل في الحضر عندنا شيئا من مال القراض وإن قل ، حتى فلس السقاء ، لأصالة حرمة التصرف في مال الغير.

نعم له أن ينفق في حال السفر كمال نفقته من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ، ونحو ذلك مما هو داخل في النفقة من أصل المال على الأظهر الأشهر بل المشهور في التذكرة نسبته إلى علمائنا ، بل في محكي الخلاف الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد‌ صحيح على بن جعفر (١) « عن أخيه أبي الحسن عليه‌السلام في المضارب ما أنفق في سفره ، فهو من جميع المال ، فإذا قدم بلده ، فما أنفق فمن نصيبه » ونحوه خبر السكوني (٢) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام خلافا للمحكي عن بعض ، من كون جميع نفقته على نفسه ، كالحضر ، للأصل المقطوع بما عرفت ، فالعمل عليه حينئذ كالاجتهاد في مقابلة النص.

نعم عن آخر أن له تفاوت ما بين نفقة السفر والحضر ، وهو مخالف لظاهر النص أيضا ، المعتضد بما سمعت ، والمراد بالسفر هنا العرفي ، لا الشرعي الذي هو في الحقيقة أحد أفراد السفر ، قد علق الشارع عليه بعض الأحكام الخاصة ، كقصر الصلاة والإفطار ونحوهما ، كما أنه أجرى أحكام الحضر عليه مع الإقامة والتردد ثلاثين يوما ، وإن بقي معهما صدق اسم السفر الذي يجرى عليه الحكم هنا ، لكونه عنوانه يدور معه وجودا وعدما.

نعم في المسالك وغيرها يجب الاقتصار منه على ما يحتاج إليه للتجارة ، فلو أقام زيادة عنه فنفقته عليه خاصة ، قلت : هو كذلك ما لم يكن لخوف طريق مثلا ، أو حبس ظالم أو نحو ذلك مما يتعلق بالتجارة ، ولذا قال في التذكرة : « لو أقام في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام المضاربة الحديث ـ ١ ـ وذيله.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام المضاربة الحديث ـ ١ ـ وذيله.

٣٤٥

طريقه فوق مدة المسافرين في بلد للحاجة لجباية المال أو لانتظار الرفقة أو لغير ذلك من المصالح لمال القراض ، كانت النفقة على مال القراض أيضا ، لأنه من مصلحة القراض أما لو أقام للراحة أو للتفرج أو لتحصيل مال له أو لغير مال القراض ، فإنه لا يستحق عن تلك المدة شيئا من مال القراض للنفقة ، أما لو أقام للتجارة أو لأمر آخر بحيث يكون كل منهما علة تامة في المكث ففي اختصاص النفقة في مال القراض ـ للإطلاق وعدمه للأصل والتوزيع ـ أوجه ، أقواها الأول ، كما أن أقواها الأخير لو تركب الداعي منهما ، بحيث يكون كل منهما جزء العلة ، والمراد بالنفقة ما يحتاج إليه فيه من مأكول ومشروب وملبوس ومركوب ، وآلات ذلك كالقربة والجوالق ، وأجرة المسكن ونحو ذلك مما هو داخل في اسم النفقة الآتي إنشاء الله تفصيلها في النفقات.

وحينئذ فليس المراد مؤنته المندرج فيها جوائزه وعطاياه وضيافاته ، وغير ذلك مما مر بيانها في كتاب الخمس ، وبذلك يظهر لك أن معنى قوله عليه‌السلام « ما أنفق » ما يذهب منه نفقة له ، لا أن جميع ما يتلفه ، وهو الموافق للأصل.

نعم يراعى فيها كغيرها من النفقات ما يليق بحاله عادة على وجه الاقتصاد فلو أسرف حسب عليه ، وإن اقتر لم يحسب له ، لأنه لم ينفق ذلك ، وعلى كل حال فإذا عاد من السفر فما بقي من أعيان النفقة ولو من الزاد يجب رده على التجارة ، كل ذلك ما لم يشرط عليه عدمها ، والا لم يجز للعامل ، ولو أذن له بعد ذلك فهو تبرع محض ، ولو شرطها على المالك فهو تأكيد ، ويقوى حينئذ وجوب تعيينها حذرا من الجهالة ، بناء على اعتبار عدمها في مثل المقام ، ولعله لا يخلو من نظر ، بل ربما قيل بعدم وجوب ضبطها حتى على الأول ، لكونها ثابتة بأصل الشرع فلا يزيد الاشتراط على الثابت بالأصل ، وإن كان فيه ما لا يخفى ، ضرورة عدم رجوع ذلك إلى شي‌ء من العقد مع عدم الاشتراط بخلافه معه.

ثم إن ظاهر النص والفتوى عدم اعتبار ثبوت ربح في النفقة ، بل ينفق ولو من أصل المال إن لم يكن ربح ، لكن لو ربح بعد ذلك أخذت من الربح مقدمة على حق العامل ، ضرورة كون ذلك كالخسارة اللاحقة للمال التي يجب جبرها بما يتجدد من‌

٣٤٦

الربح ، كما أومى إليه في التذكرة بقوله : « والقدر المأخوذ في النفقة يحسب من الربح ، وإن لم يكن هناك ربح فهو خسران لحق المال » وكذا في المسالك قال : « ولا يعتبر في النفقة ثبوت ربح ، بل ينفق ولو من أصل المال إن لم يكن ربح وإن قصر المال.

نعم لو كان ربح فهي منه مقدمة على حق العامل » لكن في الرياض « ولا يعتبر في ثبوتها حصول الربح ، بل ينفق ولو من الأصل ، لإطلاق الفتوى والنص ، ومقتضاهما الإنفاق من الأصل ولو مع عدم حصول التبرع ، ولكن ذكر جماعة أنها منه دون الأصل ، وعليه فلتقدم على حصة العامل ».

وهو من غرائب الكلام إن أراد بالأول إخراجها من الأصل ، حتى لو تجدد بعد ذلك ربح ، خصوصا بعد ما سمعته من الفاضل ، وثاني الشهيدين من أنها منه مقدمة على حق العامل ، وإن قلنا بخروجها من الأصل ، حال عدم الربح ، فالتحقيق حينئذ ما عرفته ، من أنه ينفق ولو من أصل المال ، لكن متى تجدد ربح جبر المال بمقدار ما أنفق منه ، ثم إن بقي ربح أخذ حصته ، وإلا فلا ، وهو الموافق للتأمل في النص والفتاوى ، لا ما سمعته منه ، ولا أنه ينفق حال عدم الربح من أصل المال ، وحال وجود الربح منه من غير جبر للأول.

نعم إن لم يكن ثم إجماع أمكن القول بأن النفقة إنما تكون للعامل ، حيث يكون ربح في المال يحتملها ، أو بعضها ، فتخرج حينئذ منه على المالك والمضارب ، وإلا فلا نفقة له ، كما أن نفقته حال الحضر من نصيبه خاصة ، ولعله أوفق بالأصل والنص ، إلا انا لم نجده قولا لأحد ، وإن أراد ذلك في الرياض بما حكاه عن جماعة كان مطالبا لتعيينهم كما لا يخفى على من لاحظ وتأمل.

وعلى كل حال فإنما يستحق العامل النفقة في السفر المأذون فيه ، فلو سافر إلى غيره أى بتجاوز المأذون أو إلى غير جهته فلا نفقة ، وإن كانت المضاربة باقية ، هذا وفي المسالك وغيرها أن مئونة المرض والموت في السفر محسوبتان على العامل خاصة لأنهما لم يتعلقا بالتجارة ، وهو كذلك بالنسبة إلى الموت ، بل والمرض إذا كان على وجه لا عمل له في المال معه ، أما إذا كان مرضا لا يمنعه من العمل بالمال ، فلا ريب في‌

٣٤٧

استحقاقه النفقة في تلك الحال.

نعم قد يشكل دخول مثل الدواء ونحوه في النفقة ، وقد حققنا ذلك في النفقات من كتاب النكاح ، من أراده فليلحظه ، فإن الظاهر اتحاد البحث في المقامين بالنسبة إلى ذلك.

وكيف كان فـ ( لو كان لنفسه مال غير مال القراض فالوجه ) عند المصنف وجماعة التقسيط لان السفر لأجلهما ، فنفقته عليهما ، وهل هو على نسبة المالين أو العملين؟ وجهان : أجودهما في المسالك تبعا لجامع المقاصد الأول ، لأن استحقاق النفقة في مال المضاربة منوط بالمال ، ولا نظر إلى العمل ، ومن هنا اتجه تفريع المصنف ذلك على ما ذكره أولا ، لكن أورد عليه في الأخير أنه يقتضي أن لا يستحق نفقة أصلا ، لو أخذ مضاربة في حال السفر.

ثم إن الظاهر جريان التقسيط على القول الآخر الذي هو وجوب ما زاد على نفقة الحضر ، ضرورة كونها حينئذ هي التي تقسط على المالين أو العملين ، فما عن فخر المحققين ـ من عدم جريان ذلك على هذا القول ، بل تكون النفقة على نفسه ، لكونه كالحاضر باعتبار اشتغاله بمال نفسه ، وإن استصحبه مال القراض ـ غير واضح ، والتعليل المذكور يسقطها على القول الأخر أيضا ، ومن هنا حكي عن السيد العميد أنه جعل احتمالي سقوط النفقة وثبوت التفاوت بين حالي الحضر والسفر خاصة في عبارة القواعد من توابع الفرض ، وهو ما لو كان معه مال آخر لنفسه ، وربما يؤيد الاحتمال الأول ، بظهور خبر النفقة في الذي ليس معه إلا مال المضاربة ، فبقي محل الفرض مندرجا تحت الأصل.

نعم يندرج في النص المضارب الذي معه مضاربات متعددة ، ضرورة صدق كونه مضاربا ، والتوزيع حينئذ متجه فيه ، إما لأن‌ قوله عليه‌السلام (١) « من جميع المال » يشمل مال الجميع على جهة النسبة ، أو لأن اختصاصه بمال دون آخر ترجيح بلا مرجح مع أن علة الاستحقاق صدق وصف المضاربة المتحققة في الجميع ، فلا عدل حينئذ‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام المضاربة ـ الحديث ـ ١.

٣٤٨

إلا التوزيع بعد تعذر التكرار ، وقيمة النفقة ليست نفقة ، بل قد يدعى انسياقه من أمثال ذلك ، كما لا يخفى على من لاحظ نظائره في النفقات ، كما أنه قد يدعى انسياق ذلك أيضا حتى لو كان مال لنفسه مع مال القراض ، لا سقوط النفقة ، ضرورة صدق كونه مضاربا معه ، إلا أنه لما كان السفر ليس للقراض خاصة ، اتجه التوزيع المزبور.

وعلى كل حال ففي كونه على قدر الأموال أو الأعمال البحث السابق هذا. وفي المسالك بعد أن ذكر التوزيع في القراضين قال : « ولا فرق في ذلك بين أن يكون قد شرطها على كل واحد منهما أو أطلق ، بل له نفقة واحدة عليهما على التقديرين ، لأن ذلك منزل على اختصاص المشروط عليه بالعمل ، هذا مع جهل كل واحد منهما بالآخر ، أما لو علم صاحب القراض الأول ، بالثاني ، وشرط على ماله كمال النفقة جاز ، واختصت به ، ولا شي‌ء على الثاني ».

وقد تبع بذلك الكركي قال : « لو شرط في القراض النفقة فأخذ من آخر قسط لان ذلك منزل على اختصاصه بالعمل له ، وكذا لو شرطا ، ولو شرط أحدهما وأطلق الآخر فإن علم الأول بالقراض ، فالنفقة من ماله خاصة ، عملا بالشرط » وهو قد تبع بذلك الفاضل في التذكرة قال فيها : « فان شرط صاحب المال الأول النفقة من مال القراض ، مع علمه بالقراض الثاني جاز ، وكان نفقته على الأول ، وإذا لم يعلم بالقراض الثاني بسطت النفقة وإن كان قد شرطها الأول لأنه إنما أطلق له النفقة بناء على اختصاص عمله به ، لانه الظاهر ».

قلت قد عرفت في السابق أن شرط النفقة إنما هو مؤكد لثبوتها بدونه ، فصورة الشرط حينئذ كصورة الإطلاق بالنسبة إلى ذلك ، ولا ريب في التوزيع مع الإطلاق فيهما وإن علم أحدهما بالاخر.

نعم لو أريد من الشرط الاختصاص بالنفقة على من عليه الشرط ، اتجه ذلك ، إلا أنه لا فرق معه بين صورتي الجهل والعلم حينئذ ، ودعوى انسياق ذلك من الشرط حال العلم ، دون الجهل لا شاهد لها ، والله العالم.

ولو أنفق صاحب المال مسافرا مثلا فانتزع المال منه بقصد فسخ‌

٣٤٩

المضاربة فنفقة عوده منه خاصة لارتفاع وصف المضاربة الذي هو سبب استحقاق النفقة ، ولا غرر ، بعد دخوله على العقد الجائز الذي هو معرض ذلك ونحوه ، فما عن بعض العامة من ثبوتها واضح الضعف.

وكيف كان فلا إشكال ولا خلاف في أن للعامل ابتياع المعيب والرد بالعيب وأخذ الأرش نعم كل ذلك ونحوه مع الغبطة لأن الغرض الذاتي هنا الاسترباح الذي يحصل بالصحيح والمعيب ، فلا يتقيد إطلاقها حينئذ بالأول ، وإن كان هو كذلك في إطلاق الوكالة ، المحتمل إرادة القنية التي لا يناسبها المعيب ، وكذلك الكلام في الرد بالعيب ، وأخذ الأرش.

ولكن مع هذا قد ذكر غير واحد من الأصحاب أنه يقتضي إطلاق الإذن هنا البيع نقدا بثمن المثل من نقد البلد لانه المتعارف في التجارة لتحصيل الربح ، إذ في النسيئة من التغرير بالمال ما لا يخفى ، كالتضييع بالبيع بدون ثمن المثل واحتمال الكساد في بيع العروض ، لكن في المسالك وغيرها المناقشة في الأخير بأن « المضاربة تفارق الوكالة في بعض المطالب ، لان الغرض الأقصى منها تحصيل الربح ، وهو قد يكون بالعروض ، فالأقوى جوازه بها مع الغبطة » إلى أن قال : « ولو أذن له في شي‌ء من ذلك عموما أو خصوصا « كتصرف كيف شئت » وبحسب رأيك ونظرك ونحو ذلك ، فإنه يجوز له البيع بالعروض قطعا ، أما النقد وثمن المثل فلا يخالفهما إلا بالتصريح » وما أبعد ما بينه وبين فاضل الرياض حيث جعل المدار على حصول المصلحة مع الإطلاق ، وإن كان فرضها في نحو البيع بدون ثمن المثل نادرا ، وظني أنه لا موافق له على ذلك ، وإن كان قد يتوهم من بعض العبارات.

والتحقيق أنه لا وجه للتوقف مع المصلحة ، إذا كان الإذن على وجه العموم ، فله البيع نسيئة وبدون ثمن المثل ، أما مع الإطلاق فالمدار حصولها في الأفراد المتعارفة بين التجار في تحصيل الأرباح ، وأما النادر وإن فرضت فيه المصلحة فلا يدخل في الإطلاق ، إذ ليس العنوان الإذن في عمل كل ما فيه مصلحة ، وإنما هو الإطلاق المنصرف إلى الافراد المتعارفة التي منها نقصان ما يتسامح به الناس ، والله العالم.

٣٥٠

وعلى كل حال فقد ذكر المصنف وغيره أنه لو خالف ما دل عليه اللفظ لم يمض إلا مع إجازة المالك لكونه تصرفا قد وقع بدون اذن المالك ، وهو غير باطل عندنا ، وإنما هو فضولي ، فإن أجاز نفذ لكن في المسالك تبعا لجامع المقاصد « إنه مع الإجازة بأن قدر على تحصيل النسيئة ، وإلا ضمن الثمن ، لثبوته بالبيع الصحيح ، لا القيمة ، ومع عدمها يجب استرداد العين مع الإمكان ، وإلا ضمن قيمة المبيع أو مثله ، لا الثمن المؤجل وإن كان أزيد ، ولا التفاوت في صورة النقيصة لأنه مع عدم الإجازة بيع باطل ، فيضمن للمالك عين ماله الذي تعدى فيه وسلمه من غير إذن شرعي ».

قلت : قد يناقش في ضمانه بأنه مع إجازة المالك ورضاه بالبيع نسيئة ، صار الثمن الذي في ذمة المشتري له برضاه ، ولم يحصل من العامل ما يقتضي ضمانه ، بل لعل ذلك كذلك في الغاصب إذا باع المغصوب نسيئة ، ثم ندم الغاصب فأجاز المالك ذلك ورضي بالثمن الذي في ذمة المشتري أن يكون له ، خرج الغاصب من الضمان ، ولا ينتقل ضمان العين الذي كان عليه إلى الثمن الذي لم تستولى يده عليه ، وكأن ذلك كله لا إشكال فيه بمقتضى المعلوم من القواعد.

اللهم إلا أن يقال : إن ما نحن فيه مما تسمع تظافر النصوص والفتاوى به ، من ضمان العامل إذا خالف ما اشترط عليه المالك ، وإن بقيت المضاربة صحيحة والربح بينهما ، إذ لا فرق في المخالفة بين الشرط الصريح ، أو المفهوم من الإطلاق ، فكما لو قال له : اشتر مثلا تمرا ، فخالف واشترى غيره كان ضامنا ، ولكنه صحيح والربح بينهما ـ كما ستعرف ، فكذلك ما نحن فيه ، المستفاد من انسياق الإطلاق بل هو أولى بذلك ، والله العالم.

وكذا يجب مع الإطلاق أن يشتري العامل بعين المال لأنه المفهوم أو المتيقن منه ، خصوصا بعد ملاحظة احتمال عدم إرادة المالك التجارة بغير المال الذي دفعه ، والشراء بالذمة قد يؤدى إلى وجوب دفع غيره ، كما في صورة تلف مال المضاربة قبل الوفاء.

٣٥١

وحينئذ فـ ( لو ) خالف واشترى في الذمة للمالك لم يصح البيع إلا مع الاذن فيه ، ولو لاحقا ، لكن قد يشكل ذلك باقتضاء الإطلاق عرفا الشراء بالذمة على وجه الحلول ، وإرادة الدفع من مال المضاربة ، كما هو المتعارف بين الناس ، من غير فرق بين الملاك والعمال والوكلاء وغيرهم.

نعم ليس له الشراء في الذمة على إرادة الرجوع عليه بغير مال المضاربة ، فإنه ليس في الإطلاق ما يشعر بالإذن بذلك ، ويمكن إرادة الأصحاب المنع عن هذا بالخصوص لا ما يشمل الأول الذي قد يتسامح في العرف بجعله من الشراء بالعين ، فإذا اتفق عروض ذلك من العامل ، وفرض تلف مال المضاربة ، أدى المالك من غيرها حينئذ ، لما عرفته من تناول الإطلاق الإذن على الوجه المزبور ، المفروض وقوعه.

ومن ذلك يعلم ما في التعليل المذكور ، كما أن منه يعلم أنه مع تأدية المالك في الفرض المزبور من غير مال المضاربة ، يكون ذلك من مال القراض ، لما عرفته من اقتضاء الإطلاق ذلك ، كما عن الشيخ في المبسوط التصريح به ، وإن حكي عنه أنه حكي فيه وفي الخلاف أقوالا غير محصلة ، لا فائدة في ذكرها ، كما لا محصل معتد به لما أطنب به في الرياض من ذكر الإشكال المزبور ، والجواب عنه ، والنظر في الجواب فلاحظ وتأمل.

وعلى كل حال فـ ( لو ) اشترى العامل في الذمة بينة أنه للمالك لا معه أي الإذن منه ، لا سابقا ولو من الإطلاق المزبور ، ولا لاحقا ولكن لم يذكره أي المالك على وجه يفهم البائع أن البيع له تعلق الثمن بذمته ظاهرا وان كان هو فاسدا في نفس الأمر ، ويجب عليه التخلص من البائع بمقاصة ونحوها.

نعم لو وقع الشراء منه بلا نية أنه للمالك ، أو لنفسه تعلق الثمن بذمته ظاهرا وواقعا ، وكان الربح له ، كما لو نوى لنفسه ، لظهور المعاملة في ذلك ، حتى لو فرض كونه مأذونا في الشراء في الذمة للمالك ، لكن لا ينصرف الشراء في نفس الأمر عمن وقعت المعاملة له الا بينة أنه له ، كما هو واضح ، فما في الرياض ـ من الوقوع للمالك‌

٣٥٢

في هذه الصورة ـ واضح الضعف ، الا أن فيما حضرني من نسخته غير نقية من الغلط.

نعم لو كان قد نوى المالك ثم أجاز كان له ، بل ربما ظهر من المقداد كونه مال قراض حينئذ ، كما أنه يبطل مع ذكره له لفظا ، وعدم اذنه سابقا ولاحقا ، وبذلك كله بان لك صور المسألة وأحكامها ، لكن الإنصاف عدم خلو جعله مال قراض مع الإجازة اللاحقة وأداء الثمن من غير مالها من اشكال ، أو منع والله العالم.

ولو أمره بالسفر إلى جهة فسافر الى غيرها أثم وضمن المال ، لتعديه ، وان نفذ بيعه ، وكان الربح بينهما ، إذ لا منافاة بين ذلك ، وبين المنع من السفر ، لكونه مأذونا في التجارة من حيث هي تجارة ، وان لم يجز له السفر ، فإن المنع من أحد المتقارنين لا يقتضي بمجرده المنع من الآخر ، بل هو كذلك حتى في صورة الإطلاق فإن الظاهر عدم استفادة الإذن منه في السفر ، كما صرح به غير واحد ، بل في جامع المقاصد نسبته إلى علمائنا ، لما فيه من التغرير بالمال ، خلافا لبعض العامة ، من غير فرق بين خوف الطريق وأمانه ، وعلى كل حال فلا اشكال ولا خلاف عندنا في الحكم المزبور.

وفي الصحيح (١) عن أحدهما « سألته عن رجل يعطي المال مضاربة وينهى أن يخرج ، قال : يضمن المال والربح بينهما ».

وفي صحيح الحلبي (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل يعطي للرجل المال فيقول : ائت أرض كذا وكذا ولا تجاوزها ، واشتر منها؟ قال : فإن جاوزها وهلك المال فهو ضامن ، وان اشترى متاعا فوضع فيه ، فهو عليه ، وان ربح فهو بينهما ».

وفي خبر أبي بصير (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « في الرجل يعطى الرجل مالا مضاربة وينهاه أن يخرج به الى أرض أخرى ، فعصاه قال : هو ضامن ، والربح بينهما إذا خالف شرطه وعصاه ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام المضاربة الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام المضاربة الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام المضاربة الحديث ١٠.

٣٥٣

و‌خبر أبي الصباح (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المضاربة ، يعطي الرجل المال يخرج به الى أرض ، وينهى أن يخرج به الى غيرها ، فعصى فخرج به الى أرض أخرى فعطب المال؟ فقال : هو ضامن ، وان سلم فهو بينهما ».

بل‌ في صحيح الحلبي (٢) عنه أيضا أعم من ذلك قال : « في المال الذي يعمل به مضاربة ، له من الربح ، وليس عليه من الوضعية شي‌ء الا أن يخالف أمر صاحب المال ، فإن العباس كان كثير المال ، وكان يعطي الرجال يعملون به مضاربة ، ويشترط عليهم أن لا ينزلوا بطن واد ، ولا يشتروا ذا كبد رطبة ، فإن خالفت شيئا مما أمرتك به فأنت ضامن للمال » وفي صحيحه الآخر (٣) عنه أيضا « في الرجل يعطي الرجل مالا مضاربة ، فيخالف ما شرط؟ قال : هو ضامن ، والربح بينهما ».

وفي خبر أبي الصباح (٤) عنه أيضا « في الرجل يعمل بالمال مضاربة؟ قال : له الربح وليس عليه من الوضيعة شي‌ء ، الا أن يخالف عن شي‌ء مما أمره صاحب المال » بل‌ في صحيح جميل (٥) عنه أيضا « في رجل دفع الى رجل مالا يشترى به ضربا من المتاع مضاربة فذهب فاشترى غير الذي أمره قال هو ضامن والربح بينهما على ما شرط ».

واليه أشار المصنف بقوله أو أمره بابتياع شي‌ء بعينه فابتاع غيره ضمن ، ولو ربح والحال هذه كان الربح بينهما بموجب الشرط الا أنه أشكله بمخالفته القواعد المعلومة ، ضرورة عدم الدخول في الملك مع عدم الإذن لاحقا وسابقا ، فكيف يتجه استحقاق الربح حينئذ ، ومن هنا جمد بعض الناس على ما في النصوص ، ولعل اقتصار المصنف على هذين الصورتين لذلك ، لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد ما سمعته من النصوص الدالة على الأعم من ذلك ، وهو كل شرط قد خولف ، وهو الذي جزم به غير واحد ، قائلا أنه لا بأس بتخصيص القواعد بهذه النصوص المعمول عليها بين الأصحاب إلا أنه كما ترى أيضا.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام المضاربة الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام المضاربة الحديث ٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام المضاربة الحديث ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام المضاربة الحديث ٣.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام المضاربة الحديث ٩.

٣٥٤

ويمكن تنزيل هذه النصوص على إرادة بقاء الإذن في المضاربة ، وإرادة الضمان من الاشتراط ، كما يومي إليه ما في ذيل صحيح الحلبي السابق ، وخصوصا ذكره عليه‌السلام له بعنوان التعليل للحكم ، بل لعل ذلك هو المعروف فيما بينهم سابقا من الشرط كما عساه يومي إليه‌ خبر رفاعة (١) عن ابى عبد الله عليه‌السلام « في مضارب يقول لصاحبه إن أنت أذهبته أو أكلته ، فأنت له ضامن؟ قال : هو له ضامن إذا خالف شرطه » هذا.

وفي المسالك « يجب تقييد المخالفة في جهته بما إذا بيع المتاع في تلك الجهة بما يوافق قيمته في الجهة المعينة أو يزيد ، فلو كان ناقصا لا يتغابن بمثله لم يصح ، كما لو باع بدون ثمن المثل » ومثله في جامع المقاصد وزاد « أنه إذا أجاز المالك كان الثمن مضمونا ».

قلت : قد يقال بالصحة من غير احتياج إلى الإجازة ، لما سمعته من النصوص أن البيع صحيح مع المخالفة ، ولكنه ضامن للوضيعة ، ولا ريب أن محل الفرض من ذلك ، والله العالم.

وكيف كان فبموت كل منهما تبطل المضاربة ، لأنها في المعنى وكالة التي هي كغيرها من العقود الجائزة ، نحو العارية والوديعة تنفسخ بالموت والجنون والإغماء ، ونحو ذلك مما يقتضي بطلان الأذن من المالك التي هي بمنزلة الروح لهذا العقد وشبهه ، بل ظاهر الأصحاب في المقام وغيره عدم تأثير إجازة الوارث أو ولي المالك في حال الجنون والإغماء ، لتصريحهم بالانفساخ بعروض أحد هذه العوارض ، وحينئذ فإذا أريد تجديدها مع وارث أحدهما اشترط في الثانية شروط الأولى من إنضاض المال دراهم ودنانير وغير ذلك كما هو واضح.

ثم إن كان الميت المالك ، وكان المال ناضا لا ربح فيه أخذه الوارث ، وإن حصل فيه ربح اقتسماه ، وليس لأحد من الغرماء مزاحمة العامل في حصته ، لما ستعرف إنشاء الله من ملكه لها بالظهور ، فكان شريكا للمالك ، وإن كان المال عروضا ، ففي المسالك « إن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام المضاربة الحديث ـ ٨.

٣٥٥

للعامل بيعه إن رجي الربح ، وإلا فلا ، وللوارث إلزامه بالإنضاض إنشاء مطلقا » وفيه أنه ليس للعامل البيع من دون إذن الوارث الذي قد انتقل اليه وإن رجي الربح ، كما أنه ليس للوارث إلزامه بالإنضاض مطلقا بعد انفساخ المضاربة ، اللهم إلا أن يقال : إنه حق للميت ، فينتقل إلى وارثه.

وإن كان الميت العامل ، فإن كان المال ناضا ولا ربح أخذه المالك ، وإن كان فيه ربح دفع إلى الورثة حصصهم منه ، ولو كان هناك متاع واحتيج إلى البيع والتنضيض فإن أذن المالك للوارث فيه جاز ، وإلا نصب الحاكم أمينا يبيعه ، فإن ظهر فيه ربح أوصل حصة الوارث ، وإلا سلم الثمن للمالك والله العالم.

الأمر ( الثاني : في مال القراض )

ومن شرطه أن يكون عينا فلا يجوز بالدين وأن يكون دراهم أو دنانير بلا خلاف أجده في شي‌ء منه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى ما قيل : من أصالة الفساد هنا ، السالمة عن معارضة (١) ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) « والمؤمنون عند شروطهم » ونحو ذلك مما عرفت إرادة العقود اللازمة منه ، وعن الإطلاقات التي لم تسق لبيان ما تجوز به المضاربة ، وإنما هي في معرض أحكام أخر ، وإن كان لا يخلو من تأمل ، ضرورة الإكتفاء (٣) « بتجارة عن تراض » ونحوه في ذلك بعد الإغضاء عن دعوى عدم إطلاق صالح ، ولكن الأمر سهل بعد الإجماع المزبور.

ومنه يعلم أنه لا وجه لقول المصنف وفي القراض بالنقرة التي هي القطعة المذابة من الذهب والفضة تردد ضرورة عدم كونها حينئذ منهما ، ومن هنا لم نعرف مخالفا في عدم الجواز بها ، بل ولا مترددا غير المصنف.

__________________

(١) سورة المائدة الآية ـ ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ـ ٤.

(٣) النساء : ٢٩.

٣٥٦

نعم في المسالك « ربما أطلقت النقرة على الدراهم المضروبة من غير سكة ، فإن صح هذا الاسم كان التردد من حيث أنها قد صارت دراهم ودنانير ، وإنما تخلف السكة وهي وصف في النقدين ربما لا يقدح ، خصوصا إذا تعومل بها على ذلك الوجه ، مع أنه أيضا كما ترى ، بعد معلومية كون الدرهم والدينار حقيقة في المسكوك للمعاملة وتخلف السكة قادح باعتبار اقتضائه انتفاء صدق اسم الدرهم والدينار ، والتعامل بغير المنقوش أو المنقوش لا للمعاملة ، لا يحقق الاسم المزبور ، ولو سلم تحقق الاسم بناء على أنه للأعم من المسكوك للمعاملة ، فليس حينئذ إلا الصحة.

وعلى كل حال فلا وجه للتردد بعد الجزم بشرطية الدرهم والدينار والله العالم.

وكذا لا يصح بالفلوس لفقد الشرط المزبور بل ولا بالورق المغشوش الذي يجب كسره سواء كان فيه الغش أقل أو أكثر إذ المراد به المغشوش بالنسبة إلى تلك السكة في ذلك الزمان ، المعبر عنه في زماننا بالقلب ، لا أن المراد به ما يشمل المتعارف في زماننا من الشاميات والشوشيات وغيرهما من النقد المعلوم امتزاجه بغير الفضة ، ضرورة صحة المضاربة بها ، ووجوب الزكاة ، لعدم اعتبار الخلوص في الدرهم والدينار ، وانما هو القطعة المسكوكة للمعاملة ، سواء كان خليطا أو لا ، وان اتفق خلوصه في ذلك الزمان ، الا أنه أحد الأفراد ، كهيئته السابقة ، وحينئذ فلا حاجة الى ما في جامع المقاصد من تقييد نحو عبارة المصنف بما إذا لم يكن متعاملا به ، أي المغشوش ، فلو كان معلوم الصرف بين الناس جازت به المعاملة ، وصح جعله مالا للقراض ، سواء كان الغش أقل أو أكثر ، إذ قد عرفت ارادة المصنف وغيره من المغشوش ما سمعت ، لا نحو ذلك كما هو واضح.

وكذا لا يصح بالعروض التي هي غير النقدين من المتاع مطلقا والأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن ، ولا يكون حيوانا ولا عقارا ، لانتفاء الشرط المزبور كما هو واضح. وكان المصنف ذكر الأول ولم يستغن عنها بالعروض ، بناء على التفسير الأول دفعا لتوهم الجواز في النقرة باعتبار كونها مادة للدرهم والدينار وفي الفلوس ونحوها باعتبار كونها مثل النقدين في السكة والمعاملة ، فأراد النص‌

٣٥٧

عليها بعدم الجواز.

ولو دفع إليه أي إلى العامل آلة الصيد كالشبكة بحصة ثلث مثلا فاصطاد لم يكن مضاربة قطعا ، لانتفاء الشرط ولا شركة لعدم الامتزاج ، ولا إجارة لعدم معلومية الأجرة ، فليس هي إلا معاملة باطلة وحينئذ كان ما اصطاده للصائد الذي قد حازه ولكن عليه أجرة المثل للالة كما هو واضح. نعم في المسالك وغيرها الحكم بكون الصيد للصائد مبني على عدم تصور التوكيل في تملك المباح ، وإلا كان الصيد لهما على حسب ما نواه الصائد ، وقد سبق الكلام على نظيره ، ويبعد بناؤه على أن العامل لم ينو بالتمليك إلا نفسه ، لان ظاهر الحال دخوله على الشركة ، وحيث يكون الصيد لهما فعلى كل منهما أجرة مثل الصائد والشبكة بحسب ما أصابه.

قلت : قد تقدم سابقا إمكان اختصاصه بذلك وإن قلنا بصحة التوكيل ، بناء على عدمه في المقام ، لكون الاذن قد وقعت في العقد الفاسد ، فلا اثر لها ، ونية الشركة مع عدم الاذن لا تجدي ، ودخوله في ملكه يكفي فيه قصده الحيازة ، أي دخول الشي‌ء في حيازته ، والفرض أنه قد تحقق القصد فيه ، فيكفي ذلك في دخول الشي‌ء في ملكه ، وان كان من قصده الشركة التي قد بان فسادها والله العالم.

ويصح القراض بالمال المشاع بلا خلاف ولا إشكال عندنا ، لأنه معين في نفسه ، جامع لشرائط الصحة من غير فرق بين وقوع العقد مع الشريك وغيره.

نعم لا بد في مال المضاربة أن يكون معلوم المقدار بعد معرفة الجنس للنهي عن الغرر ، ولعدم معرفة الربح من رأس المال ، إلا أن ذلك كله في المجهول الذي لا يؤل إلى علم ، أما ما يؤل إليه ولو بالعد بعد وقوع العقد ونحوه فقد يشكل بناء على تحقق عموم أو إطلاق في الباب يشمل الفرض ، ولو قوله تعالى (١) ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) لعدم ما يدل على اعتبار العلم هنا ، أو البطلان مع‌

__________________

(١) النساء : ٢٩.

٣٥٨

مثل هذه الجهالة ، والنهي عن الغرر انما هو في البيع.

اللهم الا أن يقال بأن في بعض النصوص النهي عن الغرر ، فيشمل المقام ، بل لو سلم تحقق إطلاق في المضاربة يشمل محل الفرض كان التعارض من وجه والترجيح للأول بفتوى المشهور بذلك ، بل وبأنه لا تكفي المشاهدة فيه ، وان زال بها معظم الغرر ، لأنها ليست طريقا للعلم فيما اعتبر فيه ، وان حكي عن المرتضى الاكتفاء بها في المقام وغيره ، بل هو أحد قولي الشيخ هنا ، وهو كذلك لو سلم وجود دليل على اعتبار العلم في المقام ومن هنا قيل : يصح مع الجهالة ، ويكون القول قول العامل مع التنازع في قدره بل في المسالك « انه في المختلف عن الشيخ القول بجواز المضاربة بالجزاف من غير تقييد بالمشاهدة ، وقواه في المختلف محتجا بالأصل ، وقوله عليه‌السلام (١) « المؤمنون عند شروطهم » ولا اثر لاقتضاء هذه الجهالة التنازع بعد ان كان القول قول العامل شرعا في قدر الواصل لأن الأصل عدم وصول الزائد اليه.

والتحقيق ان لم يكن ثم إجماع عدم قدح الجهالة التي تؤل الى علم ، نحو أن يقع العقد على ما في الكيس مثلا ، ثم يعد انه بعد ذلك ، لإطلاق الأدلة أو عمومها. نعم بناء على عدم عموم أو إطلاق مستند اليه مثل ذلك ، فلا ريب في أن الأصل الفساد. أما الجهالة التي لا تؤل الى علم فالظاهر عدم جوازها ، لعدم إمكان تحقق الربح معها ، وهو روح هذه المعاملة فتأمل جيدا. والله العالم.

وكيف كان فلو أحضر مالين ، وقال قارضتك بأحدهما أو بأيهما شئت : لم ينعقد بذلك قراض للإبهام في الأول المانع من تعلق العقد ، فإن المبهم لا وجود له في الخارج ، وموقوفية العقد مع التخيير إلى حال وقوعه ، وليس في الأدلة حتى الإطلاقات ما يدل على مشروعية ذلك ، بل لعل الأدلة قاضية بخلافه ، ضرورة ظهورها في سببية العقود وعدم تأخر آثارها عنها ، وجعل الخيار كاشفا عن مورد العقد من أول الأمر لا دليل عليه ، لكونه مخالفا للأصل ، ومن هنا لم يحك خلاف‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب المهور الحديث ٤.

٣٥٩

في البطلان حتى من القائلين بالجواز مع الجهالة وإذا أخذ من مال القراض ما يعجز عنه ضمن مع جهل المالك ، كما في المسالك قال « لأنه حينئذ يكون واضعا يده على المال على الوجه الغير المأذون فيه ، لأن تسليمه إليه إنما كان ليعمل فيه فكان ضامنا » ونحوه في جامع المقاصد ، وفي الأول منهما « هل يكون ضامنا للجميع أو للقدر الزائد على مقدوره قولان : من عدم التمييز ، والنهي عن أخذه على هذا الوجه ، ومن أن التقصير بسبب الزائد ، فيختص به ، والأول أقوى ، وربما قيل : إنه إن أخذ الجميع دفعة فالحكم كالأول وإن أخذ مقدوره ثم أخذ الزائد ولم يمزجه به ضمن الزائد خاصة ».

ويشكل بأنه بعد وضع يده على الجميع عاجز عن المجموع من حيث هو مجموع ، ولا ترجيح الآن لأحد أجزائه ، إذ لو ترك الأول وأخذ الزيادة لم يعجز ، وقد صرح فيهما بأنه لو كان المالك عالما بعجزه لم يضمن ، إما لقدومه على الخطر ، أو لأن علمه بذلك يقتضي الإذن له والتوكيل.

ثم قال في المسالك : « وحيث يثبت الضمان لا يبطل العقد به ، إذ لا منافاة بين الضمان وصحة العقد ، والمراد العجز عن التصرف في المال وتقليبه في التجارة ، وهذا يحصل حال العقد ، فمن ثم فرق بين علم المالك وجهله ، ولو كان قادرا فتجدد العجز وجب عليه رد الزائد عن مقدوره ، لوجوب حفظه ، وهو عاجز عنه ، وإمكان التخلص منه بالفسخ ، فلو لم يفسخ ضمن وبقي العقد ».

قلت : لعل المتجه في مفروض المسألة الفساد من غير فرق بين حالي العلم والجهل ، وذلك لمعلومية اعتبار قدرة العامل على العمل في الصحة ، نحو ما ذكروه في الإجارة ، ضرورة لغوية التعاقد مع العاجز عن العمل الذي هو روح هذه المعاملة ، فضلا عن معلومية بطلان وكالة من هو عاجز عن العمل ، على العمل العاجز عنه ، إذ هو أولى بذلك من الوصي الذي حكموا ببطلان وصايته مع عجزه عن القيام فيما أوصى به ، بل الظاهر أن الحكم كذلك بتجدد العجز ، فضلا عما كان حال العقد ، ومن ذلك يظهر لك سقوط جملة من الكلمات السابقة ، بل لعل عبارة المتن والقواعد‌

٣٦٠