جواهر الكلام - ج ٢٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

عليه ، وقيل : والقائل أبو الصلاح في المحكي عنه تصح الشركة دون الشرط الذي هو إنما يفيد الإباحة لها لا ملكها ، فيجوز الرجوع فيها ما دامت عينها باقية.

والأول أظهر عند المصنف وجماعة ممن تأخر عنه ، لأنه أكل مال بالباطل ، باعتبار عدم مقابلة الزيادة لعوض ، لكون الفرض انها ليست في مقابل عمل ، ولا وقع اشتراطها في عقد معاوضة ، لتضم احد العوضين ولا اقتضى تملكها عقد هبة ، والأسباب المثمرة للملك معدودة ، وليس هذا أحدها ، ولا هو إباحة للزيادة إذ المشروط تملكها بحيث يستحقها المشروط له ، فيكون اشتراطها اشتراطا لتملك شخص مال غيره بغير سبب ناقل للملك ، كما لو دفع إليه دابة ليحمل عليها والحاصل لهما فيكون باطلا ، فيبطل العقد المتضمن له ، إذ لم يقع التراضي بالشركة والإذن في التصرف إلا على ذلك التقدير ، فلا يندرج في قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ، ولا في‌ قوله عليه‌السلام « المؤمنون عند شروطهم » خصوصا مع الجواز في عقد الشركة المنافي للزوم المستفاد من الآية والرواية وأما عدم اندراجه في قوله تعالى ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) فظاهر إذ الشركة ليست من التجارة في شي‌ء إذ هي مقابلة مال بمال ، وهذا الشرط ليس تجارة أيضا ، لعدم تضمنه معاوضة ومجرد التراضي غير كاف في اللزوم ، بل غايته الإباحة ، ولا كلام في الجواز بها ، ولكنه غير مفروض المسألة لعدم استناده إلى عقد الشركة ، ومع ذلك الإباحة في صورة جهلهما بفساد الشرط محل مناقشة بل منع.

نعم لو شرط ذلك للعامل تحققت التجارة حينئذ ، لأن العمل مال ، فهو في معنى القراض كما نبه عليه المصنف بقوله هذا إذا عملا في المال ، أما لو كان العامل أحدهما ، وشرطت الزيادة للعامل صح ، وكان بالقراض أشبه بل لا خلاف فيه بينهم على ما اعترف به جماعة ، بل ولا في جوازه مع العمل منهما أيضا وشرطت الزيادة لمن زاد عمله على الآخر ، ـ وإن كان ظاهر العبارة يوهم خلافه.

وبذلك كله ظهر لك دليل القولين الأخيرين وفساده ، حتى الإجماع المحكي للثاني منهما المعارض بإجماع ابن زهرة المعتضد بالنسبة إلى الأكثر وبما سمعت ، ولكن مع ذلك للنظر في جميع ما عرفت مجال ، وذلك لأن الاتفاق على الجواز‌

٣٠١

في الصورتين المزبورين ليس هو الاشتراط المزبور إذ ليس ذلك قراضا قطعا لعدم قصده أولا وعدم تماميته في الصورة الثانية منهما ثانيا وعدم اعتبار ما يعتبر في القراض من كونه نقدا في الصحة هنا ثالثا فليس حينئذ إلا الشرط المزبور وهو كما أنه قابل للتمليك في مقابلة العمل أو زيادته قابل للتمليك مجانا ، المتحقق شرعا بالهبة وغيرها ، فلا يكون الأكل به حينئذ أكلا بالباطل بل هو بالسبب الصحيح الشرعي الذي هو الشرط وأحد الأسباب المملكة.

ودعوى ـ كونه في مثل هذا العقد الذي مفاده الإذن خاصة لا يفيد ملكا ، إذ هو كعقد العارية ـ يدفعها أنه كذلك مع اشتراطها للعامل خاصة كما أن دعوى كون عقد الشركة من الجائز ، فلا تشمله الآية ولا الرواية مشترك الإلزام مبنى أيضا على أن المراد من عقدها المشترط فيه ذلك إنما هو العقد المشتمل على الإذن في التصرف لا عقد إنشاء الشركة الذي قدمناه سابقا ، فإنه لازم لا ينافيه بطلان الشركة بالقسمة كما لا ينافي لزوم البيع الإقالة ، وأما منع كونه تجارة عن تراض بمعنى تكسب ولو لأحدهما بالطريق المزبور فواضح المنع ، هذا.

مع أنه قد يقال في صورة تساويهما في العمل وشرطت الزيادة لأحدهما ، واختلافهما وشرطت لأدناهما ، بالصحة ، بناء على ما ذكروه ، لمقابلتها حينئذ بالعمل ممن اشترطت له ، وأما الأخر فهو متبرع بعمله لم يرد في مقابلته شي‌ء ، إذ لا امتناع في أن يعملا أحدهما بعوض والأخر بلا عوض.

هذا كله مماشاة مع الخصم ، وإلا فالمتجه الصحة مطلقا ، حتى إذا لم يعملا ، بل نمى المال في نفسه ، فما في القواعد من اشتراط الصحة بذلك قال « ولو شرط التفاوت مع تساوي المالين أو التساوي مع تفاوته فالأقرب جوازه إن عملا أو أحدهما سواء شرطت الزيادة له أو للأخير » في غير محله ، ضرورة انحصار السبب في استحقاق الزيادة فيما فرضه بالشرط المتحقق في الصورتين كما هو واضح ، وبذلك كله ظهر لك ما في كلام جملة من الأصحاب كالكركي وثاني الشهيدين وأتباعهما فلاحظ وتأمل.

٣٠٢

مضافا إلى ما عساه يستفاد من بعض النصوص (١) المتقدمة في كتاب الصلح الدالة على جواز اشتراط رأس المال لأحد الشريكين ، وللآخر الربح وعليه الخسران التي قد سمعت تفضيل الكلام فيها ، وإلى بعض النصوص (٢) المتضمنة للمشاركة في الجارية ، على أن يكون بعض الشريك شريكا في الربح دون الخسران ، وإن حملها بعض الناس على معنى آخر.

بقي الكلام فيما ذكره المصنف وغيره من قسمة الربح على المالين ، بناء على البطلان ، إذ هو غير تام بناء على اقتضاء بطلان عقد الشركة بمعنى الاذن ، لصيرورة التصرف حينئذ فضوليا فلا ربح ، نعم هو كذلك مع فرض الإجارة ، اللهم إلا أن يراد ربح ما حصل من التصرف من كل منهما في ماله ، وأما الأجرة لكل منهما عوض عمله في المال بنقل ونحوه ، فالوجه فيها احترام عمل المسلم ، واقدام المتبرع منهما بزعم صحة العقد فمع فرض بطلانها لم يكن منه تبرع ، لكن قد يقال بمنع الأجرة مع ذلك لأصالة البراءة.

نعم هو كذلك بالنسبة إلى من شرطت الزيادة له باعتبار صيرورته كالقراض الفاسد ، فإن العامل يستحق الأجرة فيه ، لأن « ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده » فكذا هنا ، أما من لم يشترط لعمله شي‌ء فهو في حكم المتبرع على تقديري الصحة والفساد ، اللهم إلا أن يقال ان الشريك كذلك مع فرض صحة عقد الشركة المقتضي لذلك لا مع فساده ، إذ هو حينئذ عمل وقع من المسلم لا عوض له بزعم صحة الشركة فمع بيان فسادها يبقى مضمونا على من وصل إليه.

وكشف الحال في أصل المسألة أن ظاهرهم عدم رجوع أحد منهم على الأخر بأجرة عمله مع حصول عقد الشركة منهما ، بناء منهم على أن مقتضى عقد الشركة ذلك ، بل لعل ظاهرهم ذلك في صورة وقوع العمل من أحدهما أيضا.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام الصلح.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أحكام الشركة الحديث ـ ٨ ـ.

٣٠٣

وإن كان قد يناقش في أصل اقتضاء عقد الشركة ذلك ، بناء على ثبوته بالمعنى المزبور ، أما على تقدير عدمه فالمتجه حينئذ ثبوتها ، لقاعدة احترام عمل المسلم الواقع باذن من عمل له ، كما أن المتجه ذلك أيضا لو وقع العمل بزعم صحة عقد الشركة المقتضى لمجانية العمل ، فمع بيان فساده يتجه الأجرة ، للقاعدة المزبورة أيضا ، اللهم إلا أن تكون معارضة بقاعدة « ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده » مع إمكان منع ذلك هنا بأن يقال : إن عدم الأجرة إنما هو لظهور التبرع منهما ، لا أنه من مقتضيات عقد الشركة كي يتجه إتيان القاعدة.

نعم قد عرفت النظر في أصل ثبوت هذا العقد عندنا ، فضلا عن دعوى اقتضائه التبرع بذاته ، وربما يؤيده قول المصنف هنا أعنى الشرط والتصرف ، كالمحكي عن أول الشهيدين ، وفخر المحققين من أن المراد من البطلان هنا بطلان الإذن ، لأن الشركة العنانية الحاصلة بالمزج مع العقد لا توصف بالصحة والبطلان ، لعدم إمكان وقوعها على وجهين ، وإن نظر فيه في المسالك تبعا لجامع المقاصد بأن الشركة العنانية بالمعنى الذي ذكرناه أي كونه عقدا ثمرته الإذن في التصرف وتوصف بالصحة والبطلان ، بل ليس الغرض من الشركة في الأموال إلا الشرط المدلول عليه بالصيغة وما يلزمه اللهم إلا أن يمنع من كون الشركة بمعنى العقد المزبور هي العنانية كما يظهر من التذكرة أنها مركبة من مزج المالين والعقد ، لكن يشكل بأنها إذا لم تكن شركة فهي أحد الأقسام الأخر لاتفاق الفقهاء على انحصار الشركة الصحيحة في شركة العنان وانحصار مطلق الشركة في المذكورات ، وغاية ما ينزل أنها تطلق على المعنيين معا لكنها في الثاني أظهر.

قلت : لكن قد عرفت فيما تقدم فساده ، إن لم يكن إجماعا بما لا مزيد عليه كما أنك قد عرفت هنا وصف الشركة العنانية بالمعنى الذي ذكرناه بالصحة والفساد ، وأن صحيحها مقتض للملك على الإشاعة في نفس الأمر بخلاف فاسدها فإنها إشاعة في الظاهر لا الواقع فتأمل جيدا.

وإذا اشترك المال بأحد أسبابه السابقة عدا ما كان بالعقد منها بناء على‌

٣٠٤

اقتضائه الإذن لم يجز لأحد الشركاء التصرف فيه إلا مع إذن الباقين لحرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه ، ومجرد اشتراك المال لا يدل عليها وإن كان بالمزج الاختياري المراد به حصول الشركة فإن حصل الإذن لأحدهم تصرف هو دون الباقين لحصولها بالنسبة إليه دونهم.

ولكن يقتصر من التصرف على ما أذن له فيه فإن أطلق له الاذن في التصرف جاز ، لأن الإطلاق في ذلك غير مناف لعدم الضرر فيه وتصرف كيف شاء من وجوه التجارة والاسترباح الغالبة المنزل عليها الإطلاق ، لكن في جامع المقاصد والمسالك تقييد ذلك بالمصلحة كالوكيل المطلق ، فيتصرف حينئذ معها ببيع وشراع مرابحة ومساوية ، وتولية ، ومواضعة ، وقبض واقباض ، وحوالة واحتيال ، ورد بالعيب ونحو ذلك.

نعم يقوى عدم جواز السفر له بالمال ، لما فيه من الخطر المانع من الحكم بتناول الاذن له فيه ، بل في جامع المقاصد « وكذا لا يجوز مكاتبة عبد الشركة ولا إعتاقه على مال ، ولا تزويجه ولا المحاباة بمال الشركة ولا إقراضه ، ولا المضاربة ونحوه ، لأن ذلك كله ليس من توابع التجارة الغالبة ، أي المنزل عليها الإطلاق ، نعم لو اقتضت المصلحة شيئا من ذلك ولم يتيسر استيذان الشريك جاز فعله ».

قلت : لاحظ للفقيه في حصر أنواع التصرف المستفاد من الإطلاق جواز فعلها للمأذون ، ضرورة الاختلاف في ذلك زمانا ومكانا وحالا ، إنما الكلام في اعتبار المصلحة في الجواز أو يكفي فيه عدم المفسدة ، وجهان لا يخلو ثانيهما من قوة وفيما ذكره من جواز فعل ما لم يتناوله الإطلاق مع اقتضاء المصلحة ، وعدم تيسر اذن الشريك ضرورة عدم كفايتها مع فرض عدم تناول الإطلاق ، ودعوى شموله لها معها منافية لاعتبار عدم تيسر إذن الشريك ضرورة الجواز حينئذ بدونها وإن تيسرت ، فالمتجه حينئذ الحكم بفضولية كل ما لم يشمله الإطلاق ، سواء كان فيه مصلحة أو لا ، إلا ما يرجع منه إلى حكم الأمين من حيث كونه أمينا والله العالم.

ولو عين له السفر في جهة ، لم يجز له الأخذ في غيرها. أو نوعا من التجارة‌

٣٠٥

لم يتعد إلى سواها سواء نهاه عن غيرها أم لا لأن عدم الاذن كاف في عدم الجواز لكن لو خالف في جهة السفر ضمن وصحت التجارة ، لعدم بطلان الإذن بذلك ، اللهم إلا أن يفرض تقييدها به ، فيكون فضوليا حينئذ كما أنه لو خالف في نوع التجارة كان كذلك أيضا ويضمن أيضا لو عين غاية للجهة التي قد أذن بالسفر إليها ، فتجاوزها في تلك الجهة ، الا أن الظاهر كون الضمان فيها وفيما شابه ذلك إنما هو لو تلف بما لم يأذن له فيه ، أو بغيره مما تضمن به الأمانة مع التعدي فيها ، ولا ينافي ذلك بقاء الإذن في التصرف ، أما لو خسر مثلا فيما هو مأذون فيه فلا ضمان على الظاهر ، للأصل.

وعلى كل حال فقد ظهر لك أنه لو أذن كل واحد من الشريكين لصاحبه ، جاز لهما التصرف وان انفردا لإطلاق الاذن وعدم ما يدل على تقييدها بذلك نعم لو شرطا الاجتماع لم يجز الانفراد الذي لم يؤذن فيه ولو تعدى المتصرف ما حد له ضمن لقاعدة اليد وغيرها. من غير فرق في التعدي بين أن يكون لعدم تناول إطلاق الإذن أو لمخالفة خصوص ما نص عليه وفي المحدود بين أن يكون نوع التجارة وزمانها ومكانها وغير ذلك.

ولكل من الشركاء الرجوع في الاذن الذي هو كالتوكيل والمطالبة بالقسمة لأنها غير لازمة على وجه يجب الاستدامة عليها ، إذ‌ « الناس مسلطون على أموالهم » بأنواع التسلط الذي منه إفرازه عن غيره ، وفي المسالك جعل ذلك من المصنف إشارة إلى معنى الشركة : فإلى الثانية التي هي العقد بقوله أولا ، ولكل » إلى آخره وإلى الأولى التي هي من الاحكام بقوله « والمطالبة » إلى آخره ، وهي غير لازمة بمعنييها ، ثم قال : « والأنسب في قوله « غير لازمة » أن يكون إشارة إلى الثانية لأن الموصوف بالجواز واللزوم هو العقد ».

قلت : لا يخفى على كل ناظر لكلام المصنف وغيره ممن ذكر نحو ذلك أنه لا شركة عنده بالمعنى الذي أثبتها هو ، ضرورة صراحة كلامهم في أن ذلك كله من أحكام الأذن التي هي ليست من العقود قطعا ، نحو الإذن في دخول الدار ، وأكل الطعام ، بل لو جعلت عقدا فليست إلا وكالة لا شركة ، نعم بناء على ما ذكرنا من العقدية‌

٣٠٦

يراد بجوازها عدم وجوب الاستدامة عليها وابطال كونها شركة بالقسمة كما هو واضح.

هذا ، ولكن ينبغي أن يعلم أنه بناء على ثبوت عقد الشركة للإذن في التصرف يتجه انفساخه بقول أحدهما : فسخت الشركة ، لأنه عقد جائز فيرتفع العقد حينئذ من أصله بذلك ، بخلاف ما لو قال أحدهما للآخر : عزلتك ، فإنها لا تنفسخ بذلك ، وإن انعزل المعزول بذلك ، إلا أن العازل يبقى على الاذن له في التصرف ، لاشتمال الشركة على ما هو كالوكالتين ، ووقوع العزل عن أحدهما لا يقتضي العزل من الأخرى.

ولعله إلى ذلك أشار في التذكرة بالفرق بين قول أحدهما فسخت العقد ، وقوله عزلتك ، فما وقع عن بعضهم من التأمل زاعما عدم الفرق بينهما في غير محله ، وذلك لوضوح الفرق باعتبار اقتضاء الفسخ رفع العقد من أصله ، بخلاف العزل ونحوه الذي هو كالمانع من اقتضاء العقد أثره ، وكذا لو وقع المنع عن التصرف لم يحتج إلى عقد جديد للشركة ، بخلاف ما لو فسخه فتأمل جيدا والله العالم.

وليس لأحدهما المطالبة بإقامة رأس المال ، بل يقتسمان العين الموجودة ما لم يتفقا على البيع لعدم تسلط أحدهما على الآخر بالإقامة المزبورة بوجه من الوجوه كما هو واضح ولو شرط التأجيل في الشركة لم يصح على وجه يترتب عليه أثره بحيث يكون لازما وليس لأحدهما فسخها قبله ، بل لكل منهما أن يرجع متى شاء لأنها عقد جائز ، فلا يلزم مثل هذا الشرط فيه.

نعم في المسالك « يترتب على الشرط المزبور عدم جواز تصرفهما بعده إلا بإذن مستأنف ، لعدم تناول الإذن له ، فلشرط الأجل أثر في الجملة ».

قلت : كأنه أخذ ذلك مما في المختلف قال : قال الشيخان : الشركة بالتأجيل باطلة والظاهر أن مرادهما ليس البطلان من رأس ، بل عدم اللزوم ، ولهذا قال المفيد عقيب ذلك : ولكل واحد من الشريكين فراق صاحبه أي وقت شاء وقال أبو الصلاح : ولا تأثير للتأجيل في عقد الشركة ولكل شريك مفارقة شريكه أى وقت شاء ، وإن كانت مؤجلة ، والعبارتان رديتان ، والتحقيق أن للتأجيل أثرا وهو منع‌

٣٠٧

كل منهما عن التصرف بعده إلا بإذن مستأنف ، وإن لم يكن له مدخل في الامتناع من الشركة إذ لكل منهما الفسخ قبل الأجل » انتهى.

ولا يخفى عليك أن الأمر كما ذكراه في اشتراط الأجل في عقد الشركة الذي هو بمعنى الاذن في التصرف الراجع إلى الوكالة ، أما إذا كان اشتراطه في عقد الشركة على المعنى الذي ذكرناه فلا ريب في بطلانه ، بمعنى عدم الأثر له أصلا إن أريد به الغاية للملك الحاصل بالعقد المزبور ، ولا يجب الوفاء به إن أريد به الالتزام ببقائها إليه ، لما عرفت من الإجماع على كونها عقدا جائزا بالنسبة إلى فسخها بالقسمة ، فلا يلزم الشرط المزبور فيها ، ولعل حمل كلام الشيخين وأبي الصلاح بل والمصنف على ذلك أولى ، ولو قيل أن بطلانه على المعنى الأول يقتضي بطلان الشركة أيضا قلنا : هو كذلك ، ولكن لما كان الامتزاج على أي وجه وقع يؤثر الشركة ولو في الظاهر ، لم يكن للحكم ببطلانها وجه إلا ما سمعته فتأمل جيدا والله العالم.

وكيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أنه لا يضمن الشريك ما تلف من مال الشركة الذي في يده باذن الشريك من غير تعد ولا تفريط لأنه أمانة ومن المعلوم نصا وفتوى أنها لا تضمن إلا مع التعدي أو التفريط في الاحتفاظ وانه يقبل قوله مع يمينه في دعوى التلف ، سواء ادعى سببا ظاهرا كالغرق والحرق أو خفيا كالسرقة لإطلاق الأدلة خلافا لبعض العامة فأوجب البينة في الأول.

وكذا من المعلوم أيضا بلا خلاف ولا إشكال أن القول قوله مع يمينه لو ادعى عليه الخيانة أو التفريط لكونه منكرا والبينة على المدعى واليمين على من أنكر ويبطل الأذن بالجنون والموت والإغماء وغيرهما مما تبطل به العقود الجائزة كالحجر لسفه أو فلس وغير ذلك بخلاف أصل الشركة ، فإنها لا تبطل بشي‌ء من ذلك ، نعم ينتقل أمر القسمة إلى الوارث أو الولي أو غيرهما كما هو واضح.

٣٠٨

الفصل الثاني : في القسمة

وهي تمييز الحق لكل شريك من غيره ولا ريب في أنها أمر برأسه ليست بيعا ولا صلحا ولا غيرهما سواء كان فيها رد أو لم يكن كما لا خلاف أجده فيه ، بل ولا إشكال ، ضرورة عدم اعتبار قصد شي‌ء زائد على مفهومها في صحتها كضرورة اختلافها مع البيع والصلح وغيرهما في اللوازم والأحكام المقتضية لاختلاف الملزومات ، وحينئذ فلا شفعة فيها ولا خيار مجلس ، ولا بطلان بالتفرق قبل القبض فيما يعتبر فيه في البيع ولا غير ذلك ، خلافا لبعض العامة نعم هي لا تصح في غير قسمة الإجبار إلا باتفاق الشركاء بلا خلاف أيضا ولا إشكال للأصل بل الأصول.

ثم هي بالنسبة إلى الإجبار عليها مع طلب أحد الشركاء وعدمه تنقسم قسمين فكل ما لا ضرر في قسمته على أحد الشركاء ولو من جهة الاحتياج إلى رد يجبر الممتنع مع التماس الشريك أو وليه القسمة بلا خلاف أجده فيه أيضا بل الظاهر الاتفاق عليه ، ولعله العمدة بعد قاعدة وجوب إيصال الحق إلى مستحقه مع عدم الضرر والضرار ، ويكون الاقتسام بتعديل السهام بالأجزاء إن كانت في متساويها كيلا أو وزنا أو زرعا أو عدا بعدد الأنصباء ، أو بالقيمة إن اختلفت كالأرض والحيوان والقرعة بأن يكتب أسماء الشركاء أو السهام كل في رقعة وتصان ويؤمر من لم يطلع على الحال بإخراج إحداها على اسم أحد المتقاسمين أو أحد السهام ، هذا إن اتفقت السهام قدرا ، ولو اختلفت قسم على أقل السهام ، وجعل لها أول يعينه المتقاسمون ، وإلا الحاكم وتكتب أسماؤهم ، لا أسماء السهام حذرا من التفريق ، فمن خرج اسمه أولا أخذ من الأول ، وأكمل نصيبه منها على الترتيب ، ثم يخرج الثاني إن كانوا أكثر من اثنين ، وهكذا وبذلك تتم القسمة من غير حاجة إلى شي‌ء آخر من رضى بعده وغيره في قسمة الإجبار وغيرها ، بل ولا في قسمة الرد إذا‌

٣٠٩

كان القاسم في الجميع منصوبا ، أما إذا كانت من غيره ولو منصوبا منهما ، فالمشهور على ما قيل الاحتياج إلى رضى بعد القرعة ، خصوصا في قسمة الرد لاشتمالها على المعاوضة المتوقفة على ما يدل على الرضا بذلك.

وقد يشكل أولا : بالاكتفاء بالرضا بالقرعة ، وثانيا : بفحوى الإكتفاء بها في قسمة الإجبار ، وفيما إذا كان القاسم منصوبا من الإمام ، مع أنها في الجميع كالمعاوضة التي يدعيها الخصم ، وثالثا بما دل من نصوص القرعة (١) على كونها مميزة للحق ، ومشخصة له ، وملزمة به ، بل لعل ذلك هو حكمة مشروعيتها ، وبذلك يخرج عن أصالة بقاء المال على الإشاعة.

إنما الكلام في اعتبارها في القسمة كما عن ظاهر كثير أو الجميع. نعم عن الأردبيلي الاكتفاء بالرضا من الشركاء بأخذ سهم (٢) لعموم تسلط الناس على أموالهم ولأنه من التجارة عن تراض ، وأكل مال الغير بطيب نفسه ، وفحوى‌ قوله عليه‌السلام (٣) « في رجلين لم يدر كل منهما كم له عند صاحبه فقال كل واحد منهما : لك ما عندك ولي ما عندي ، لا بأس إذا تراضيا وطابت أنفسهما » ، ثم قال : وإن لم يكن ملكا فلا كلام في جواز التصرف فيه ، تصرف الملاك مثل ما قيل في المعاطاة والعطايا والهدايا والتحف واحتمال كونه حراما لكونه بعقد باطل ، عمل المسلمين على خلافه ، بل على الملك وتبعه المحدث البحراني وأنكر العثور على القرعة في شي‌ء من أخبار القسمة التي ذكروها هنا ، وفي كتاب القضاء ، بل قال : « ليس المقام في شي‌ء من موارد نصوص القرعة وإنما غاية ما يدل عليه بعض أخبارها كقوله عليه‌السلام (٤) « ما تنازع قوم ففوضوا أمرهم إلى الله عز وجل إلا خرج منهم المحق » الرجوع إليها عند التنازع ، وأما‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى الحديث ـ ١١ ـ و ـ ١٨ ـ.

(٢) البحار ج ٢ ص ٢٧٢ الطبع الحديث.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام الصلح الحديث ـ ١ ـ.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٣ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى الحديث ـ ١٣ ـ.

٣١٠

مع التراضي فلا أثر في الأخبار لاعتبارها ، وكان الشيخ ومن تبعه تبع العامة فيها ، وفيما ذكروه من أحكام القسمة ، بل ظاهر جملة من النصوص الاكتفاء بالرضا من دون قرعة كخبر غياث (١) « عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام في رجلين بينهما مال : منه بأيديهما ومنه غائب عنهما ، فاقتسما ما في أيديهما ، وأحال كل واحد منهما نصيبه ، فما اقتضى أحدهما فهو بينهما ، وما يذهب منهما » ومثله خبر الثمالي (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام وخبر محمد بن مسلم (٣) عن أحدهما وصحيحا (٤) معاوية بن عمار وعبد الله بن سنان وخبر سليمان بن خالد (٥) فان ظاهر الاقتسام لما في أيديهما ذلك.

قلت : قد يقال : بمنع صدق الاقتسام شرعا بعد فرض اعتبارها فيه ، بناء على ما حكاه عن الأصحاب على المجرد عنها ، فلا دلالة حينئذ بما في النصوص المزبورة على ما ذكره خصوصا بعد تعارف القرعة قديما وحديثا بين المتشرعة في قسمة الأموال المشتركة.

بل قد يقال : إن تعريف القسمة بأنها تمييز الحقوق بعضها عن بعض يقتضي أن حصة الشريك كلي دائر بين مصاديق متعددة فمع فرض تراضي الشريكين مثلا على قسمة المال نصفين ، على أن يكون نصف كل واحد منهما في النصف المقسوم ، احتيج إلى القرعة في تشخيص كل من النصفين لكل منهما ، فهي حينئذ لإخراج المشتبه والمتردد ، وهو محل القرعة لإشكاله ، لا أن القرعة ناقل أو جزء ناقل ، لاستحقاق كل من المالين إلى الآخر.

بل إن لم يكن إجماع أمكن القول بأن المراد من إشاعة الشركة ، دوران حق الشريك بين مصاديقه ، لا أن المراد منها ثبوت استحقاق الشريكين في كل جزء يفرض وإلا لأشكل تحققها في الجزء الذي لا يتجزى من المال المشترك ، وبذلك يتجه اعتبار القرعة في القسمة بعد تعديل السهام ، ورضى الشريكين مثلا في تعيين كلي مصداق استحقاقهما بالشخص الخارج ، ضرورة كونه حينئذ من مواردها بل لا يتحقق الاقتسام بدونها ، لعدم كون المدار فيه رضاهما بأن ماله من الحق فيما في يد شريكه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام الشركة الحديث ـ ١ ـ وذيله و ٢ باختلاف يسير.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام الشركة الحديث ـ ١ ـ وذيله و ٢ باختلاف يسير.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام الشركة الحديث ـ ١ ـ وذيله و ٢ باختلاف يسير.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام الشركة الحديث ـ ١ ـ وذيله و ٢ باختلاف يسير.

(٥) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام الشركة الحديث ـ ١ ـ وذيله و ٢ باختلاف يسير.

٣١١

هو عوض ما في يده ، كي تكون من قبيل المعاوضات ، وإلا لم يعتبر فيها تعديل السهام « لتسلط الناس على أموالها » مع أن فاقده ليس من القسمة شرعا قطعا ، ولأشكل أيضا قسمة الوقف من الطلق ، وإلا لكانت بعض اجزاء الوقف طلقا ، والطلق وقفا ، على أن هذا الرضا بعد فرض عدم اندراجه في عقد من العقود المملكة ، كيف يكون سببا لنقل المال إلى الأخر ، فضلا عن لزومه ، وليس في القسمة عموم أو إطلاق يقتضي ذلك كي يكون حينئذ أمرا مستقلا برأسها ، بخلافه على ما ذكرنا ، فإنه غير محتاج إلى شي‌ء من ذلك ضرورة الإكتفاء برضاهما في تشخيص المصداق ، والقرعة لاستخراج خصوص ما لكل منهما من المصداق المتردد واقعا ، فتكشف حينئذ عن كون حقه في الواقع ذلك ، ولو لسبق علم الله تعالى بوقوعها عليه ، ولا يحتاج بعد إلى عموم ، أو عقد آخر يقتضي الملك أو اللزوم فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع.

أو يقال : إن القرعة مشروعة للتعيين ، كما شرع قبض المستحق من المستحق عليه في الدين مثلا كذلك أو يقال : إن ملك الكلي في الشركة وغيرها يتحقق في مصداق من مصاديقه في علم الله تعالى شأنه لعدم تصور حصول صفة الملك بناء على أنها كالصفات الخارجة في الكلي الذي لا وجود له إلا بوجود أفراده ، أو وجوده عين وجود أفراده ، ضرورة عدم قيام العرض إلا بجوهر ، كضرورة عدم تحقق الملك في فرد غير معين في علم الله تعالى ، وذلك لا ينافي إجراء حكم الشركة ظاهرا على الافراد كما لا ينافي شرعية القرعة لإخراجه ، سواء انطبقت عليه أو لا ، إذ هي ميزان من الموازين الشرعية في الظاهر.

نعم لو قلنا بأن الملك والكلية ونحوهما من الأمور التي جعلت عنوانا في الشرع وليس لها وجود حقيقة ، ولا مشخصات كذلك ، لم يتجه حينئذ ما ذكرناه ، ويتعين ما قلناه سابقا من التعيين بالقرعة والله العالم.

ومع الإغضاء عن ذلك كله يمكن الإكتفاء بظهور اتفاق الأصحاب على اعتبار القرعة في القسمة شرعا مؤيدا بتعارف ذلك بين عوام المتشرعة ، فضلا عن خواصهم بل قد عرفت اعتبار الرضا بعد القرعة من بعضهم في الجملة ، ولا أقل من أن تكون‌

٣١٢

القرعة كالعقد في اللزوم ، وفاقدها كالمعاطاة ، نحو ما سمعته من الأردبيلي ، وأما احتمال عدم اعتبارها أصلا وأن التراضي كاف في الانتقال واللزوم ، فلا ينبغي الإصغاء إليه بوجه من الوجوه ، هذا كله بناء على ما حكاه عنهم ، وإلا فقد يقال : إن مراد الأصحاب اعتبار القرعة حال عدم التراضي لأنها العدل بينهما؟

أما مع فرض التراضي منهما فلا بأس كما يومي إليه قول المصنف أما لو أراد أحد الشركاء التخيير ، فالقسمة جائزة لكن لا يجبر الممتنع عنها ضرورة صراحة ذلك في مشروعية القسمة بدونها ، وأن الفرق بينها وبين الاولى جبر الممتنع عنها دونها ، وأصرح منه ما في اللمعة في القسمة في القضاء ، « وإذا عدلت السهام واتفقا على اختصاص كل واحد بسهم ، لزم ، وإلا أقرع » وفي الروضة في شرحها « لزم من غير قرعة ، لصدق القسمة مع التراضي الموجبة لتميز الحق ، ولا فرق بين قسمة الرد وغيرها ، والا يتفقا على الاختصاص أقرع » وهو صريح في عدم اعتبارها في أصل القسمة إلا حال عدم التراضي ، والمحدث البحراني قد صرح باعتبار القرعة حينئذ ، وعدمها مع التراضي ، وهو عين ما سمعته منهم ، فما أدري أين محل إنكاره.

نعم قد يناقش في أصل الإكتفاء بالرضا في اللزوم بما ذكرناه أولا ، وتسمع إنشاء الله تمام البحث في ذلك وغيره في كتاب القضاء.

بقي الكلام في الجبر على القسمة وعدمه ، وحاصل البحث فيه أنك قد عرفت جبر الممتنع عنها في كل ما لا ضرر فيها على أحدهما لما سمعت وكل ما في قسمت ه‍ ضرر عليهما كالجوهر والسيف والعضائد الضيقة قال في الصحاح : اعضاد كل شي‌ء ما يشيد حواليه من البناء وغيره كاعضاد الحوض ، وهي حجارة تنصب حول شفيره ، وكذلك عضادتا الباب : وهما خشبتاه من جانبيه.

وعلى كل حال فما كان نحو ذلك لا يجوز قسمته بمعنى أنه لا يجبر الممتنع عنها ، لقاعدة نفى الضرر والضرار ، والنهي عن السرف والتبذير ، وتلف المال في غير الفرض الصحيح ، لكن في المتن هنا لا يجوز ولو اتفق الشركاء على القسمة ومقتضاه عدم المشروعية أصلا وفيه : أنه مناف لقاعدة « تسلط الناس على أموالها » و‌

٣١٣

السفه قد يرتفع بالغرض الصحيح ، على أنه هو في كتاب القضاء فسر الضرر المانع من القسمة بنقص القيمة ، لا خروج المال عن الانتفاع ، ولا ريب في عدم منع المالك من التصرف فيه وإن استلزم نقصا فاحشا في المال وأيضا فالإثم بذلك لا ينافي صحة القسمة شرعا ، كل ذلك مع أنه مناف لما قيل : من وجوب الإجابة فيما لو فرض ضرر القسمة على أحدهما خاصة ، وكان الطالب لها المتضرر ، قال في الدروس « ولو تضرر أحد الشريكين دون الأخر أجبر غير المتضرر بطلب الأخر دون العكس » لكن قال : « وفي المبسوط لا يجبر أحدهما مما يتضرر الطالب ، وهذا حسن إن فسر التضرر بعدم الانتفاع ، وإن فسر بنقص القيمة فالأول أحسن » وكأنه لحظ إمكان فرض الغرض الواقع للسفه على تقدير التفسير بالنقص بخلافه على الأخر ، ثم إن الظاهر ما صرح به في الدروس واللمعة والروضة وغيرها من عدم وجوب الإجابة إلى المهاياة أي قسمة المنفعة بالأجزاء ، أو بالزمان ، كأن يسكن أو يزرع هذا الجزء المعين بل في الأخير سواء كان مما يصح قسمته إجبارا أم لا ، وأنه لا يلزم الوفاء بها لو أجاب إليها فيجوز لكل منهما فسخها ، وحينئذ فلو استوفى أحدهما ففسخ الأخر أو هو ، كان عليه أجرة حصة الشريك ، ولو رجع بعد استيفاء كل منهما مدته فلا شي‌ء له ، إلا مع التراضي كما في كشف اللثام ، وظاهر الجميع خروجها عن حكم المعاطاة ، وصيرورتها كالمقاولة الوعدية ، إلا أنه لا يخلو من نظر في الجملة هذا.

لكن قد يقال فيما إذا كانت قسمته ممتنعة : إنه ينتزعه الحاكم منهما مع التعاسر ويؤجره عليهما إن كان له أجرة ، جمعا بين الحقين وصونا للمال عن التلف ، وجبرا للضرر كما صرح به في الدروس ، ولعل ذلك من السياسات ، بناء على أن للحاكم ذلك ونحوه ، وحينئذ لا ينحصر الأمر في ذلك ، فله حينئذ بيعه عليهم ، مع كونه مقتضاها ، كما عن بعض العامة من كون ذلك وجها ، أما مع قطع النظر عنها فالمتجة ما صرح به بعضهم من عدم وجوب بيع المشترك مع التنازع ، وعدم إمكان القسمة وانتفاء المهاياة ، لأصلي عدم الوجوب ، وعدم صحة البيع عليهم.

وعلى كل حال فقد ذكروا في الضرر المانع من الإجبار على القسمة أقوالا‌

٣١٤

ثلاثة : أولها : أنه عبارة عن نقصان العين أو القيمة ، نقصانا لا يتسامح فيه عادة ، لأن فوات المالية مناط الضرر في الأموال ، فيندرج حينئذ في قاعدة « لا ضرر ولا ضرار » مؤيدة بأصالة عدم القسمة الشرعية السالمة عن معارضة إطلاق أو عموم تقتضيها ، وبذلك وغيره ترجح على قاعدة وجوب إيصال الحق إلى مستحقه الطالب له.

ثانيها : أنه عبارة عن عدم الانتفاع بالمال أصلا.

ثالثها : عدم الانتفاع به منفردا كما كان ينتفع به مع الشركة ، مثل أن يكون بينهما دار صغيرة إذا قسمت أصاب كل واحد منهما موضعا ضيقا لا ينتفع به في السكنى ، وإن أمكن الانتفاع به في غير ذلك.

ولا يخفى عليك ما في الثاني والثالث ضرورة اقتضاء قاعدة نفي الضرر والضرار الأعم من أولهما ، وقاعدة وجوب إيصال الحق إلى مستحقه الطالب له ما ينافي ثانيهما ، فتعين حينئذ تفسيره بالأول ، ولو فرض الضرر على أحدهما بالقسمة ، والآخر بعدمها ، فزع إلى الترجيح ، ومع فرض التساوي إلى القرعة ، هذا كله في الضرر الناشي من حيث كونها كذلك.

أما الضرر الخارج عنها المترتب على حصولها ففي مساواته للضرر منها وعدمه وجهان ، والمتولي للجبر في مقامه الحاكم ، أو أمينه ، بل الظاهر قيام العدول هنا مقامه مع تعذره ، ولو تعذر الجبر قسم الحاكم ، بل لعل ذلك كذلك بمجرد امتناعه ، كما ذكرناه في نظائره بل الظاهر قيام الحاكم مقامه مع غيبته وطلب الشريك القسمة ، خصوصا مع تضرره بعدمها ، بل ربما احتمل أو قيل : بقيام الشريك مقام شريكه بها مع فرض منع ظالم له ، وإرادة قبض حقه فينوي الشريك حينئذ القسمة مع الغاصب ، وتكون قسمة ، لكنه كما ترى. وقد تقدم لنا سابقا البحث في ذلك.

وكيف كان فـ ( لا يقسم الوقف ) وإن كان مشتركا بين أربابه ، بلا خلاف أجده فيه ، لأن الحق ليس بمنحصر في المتقاسمين ولا ولاية للمتولي على ذلك نعم لو كان الملك الواحد وقفا وطلقا صح قسمته ، لأنه تمييز للوقف عن غيره‌

٣١٥

وظاهره عدم الفرق في ذلك بين تعدد الواقف واتحاده ، وتعدد المصرف واتحاده ، كما صرح به في الدروس قال : « ويجوز قسمة الوقف من الطلق لا الوقف ، وإن تعدد الواقف والمصرف » بل في القواعد « ولا يصح قسمة الوقف لعدم انحصار المستحق في القاسم ، وإن تغاير الواقف اى مع تغاير الموقوف عليه أو بدونه ، كأن يقف أحد الشريكين في هذه البستان حصته على زيد وأولاده والأخر حصته عليهم أو على عمرو وأولاده ».

لكن في الحدائق الموافقة على ذلك مع اتحاد الموقوف عليه ، سواء تعدد الواقف أو اتحد قال : « وأما لو تعدد الواقف والموقوف عليه بأن كانت الدار مشتركة بين زيد وعمرو نصفين مثلا ، فوقف زيد نصفه على ذريته ، وعمرو نصفه على ذريته ، فإنه يجوز للموقوف عليهم من الطرفين قسمة هذا الوقف. بأن يميز أحد النصفين عن الأخر ، كما يميز الوقف عن الطلق » وقد سبقه إلى ذلك الفاضل في محكي التحرير قال : « ولو قيل : بقسمة الوقف بعضه من بعض مطلقا ، أمكن إذ القسمة ليست بيعا ، والأقرب عدم جوازها ، إذ البطن الثاني يأخذ الوقف عن الواقف ، ولا يلزمه ما فعل البطن الأول ، ولو تعدد الواقف والموقوف عليه فالأقرب جواز القسمة » انتهى.

وفيه : أن المانع أيضا متحقق ، وهو عدم انحصار الحق في الحاضرين ، وعدم ثبوت ولاية المتولي على المعدومين بالنسبة إلى ذلك ، لكن الإنصاف أن ذلك يقتضي عدم جواز قسمة الوقف من الطلق ، باعتبار عدم انحصار الحق في القاسمين مع ذي الطلق واحتمال أن القاسم معه الواقف ـ مع أن مثله يأتي في الفرض ـ يدفعه خروج المال عن ملكه بالوقف ، فلا حق له حينئذ كما لو باعه.

فالتحقيق أن الوقف متى كانت قسمته منافية لما اقتضاه الوقف باعتبار اختلاف البطون قلة وكثرة ونحو ذلك لم يجز قسمته ، أما إذا لم يكن كذلك كما في المثال ، بل فيما لو اتحد الواقف وتعدد المصرف ، مثل ما لو وقف نصف داره على زيد مثلا وذريته والآخر على عمرو وذريته لم يكن بأس في قسمته ، إلا أن المتولي لها الحاضرون من الموقوف عليهم ، وولي البطون وليس ذلك مقتضيا لدخول بعض أجزاء كل نصف‌

٣١٦

في الآخر وإلا لاقتضى ذلك في الطلق والوقف وإنما هي تمييز أو أن نحو ذلك يغتفر فيها ، وبذلك يظهر ما في الذي حكيناه عن الشهيد في الدروس ، وأما إطلاق المصنف ونحوه فيمكن تنزيله على غير ما سمعته من الصورة بل قد يقال بجواز القسمة في مقام يجوز البيع ، ضرورة أولويتها منه ، قال في التحرير « ولو أشرف على الهلاك واقتضت المصلحة قسمته فالوجه الجواز ، كما أجزنا البيع حينئذ » ثم إن الظاهر مشروعية قسمة الوقف من الطلق ، وإن استلزمت ردا من الموقوف عليه ، لكن هل تكون الأجزاء المقابلة للرد وقفا أو ملكا وجهان : أقواهما الثاني.

نعم لو كان الرد عوض وصف كالجودة والرداءة ، اتجه كونه حينئذ وقفا ، كما صرح به في القواعد وغيرها ، : قال : « ولو كان بعض الملك طلقا صحت قسمته مع الوقف وإن اتحد المالك ، ولو تضمنت ردا جاز من صاحب الوقف خاصة ، فإن كان في مقابلة الوصف فالجميع وقف والله العالم ويأتي إنشاء الله الكلام في غير ذلك من أحكام القسمة ، فإن المصنف وغيره قد أطنبوا فيها في كتاب القضاء والله المؤيد والمسدد.

( الفصل الثالث )

( في لواحق هذا الباب ).

وهي مسائل : الأولى لو دفع إنسان دابة مثلا وآخر راوية إلى سقاء على الاشتراك في الحاصل ، لم تنعقد الشركة قطعا ، لأنها مركبة من شركة الأبدان والأموال مع عدم المزج ، والكل باطل وفي محكي المبسوط ولا يمكن أن يكون إجارة ، لأن الأجرة فيها غير معلومة فـ ( كان ما يحصل ) حينئذ للسقاء عليه أجرة مثل الدابة والراوية وقيل : إنهم يقتسمون أثلاثا ، ويكون لكل واحد منهم على صاحبيه ثلثا أجرة ماله ونفسه ، ويسقط الثلث لأن ثلث النفع حصل له ، وفي الناس من حمل الوجه الأول على أنه إذا كان السقاء يأخذ الماء من ملكه ، والثاني‌

٣١٧

على أنه إذا أخذه من ماء مباح ، وهذا ليس بشي‌ء لأنه إذا أخذه من موضع مباح فقد ملكه ، والوجهان قريبان ، ويكون الأول على وجه الصلح ، والثاني مر فيه الحكم ، بل في المختلف أن ما قر به الشيخ قريب ».

قلت : ولعل مراد الشيخ أنه يمكن أن يكون الأول على وجه الصلح إذا أراده أما مع عدمها فمر الحكم فيه ، الثاني (١) الذي هو الموافق للضوابط وعلى كل حال فتحقيق هذه المسألة ومسألة الاحتطاب الآتية وما شابهها من المسائل مبني على التحقيق في أن الوكالة في حيازة المباحات جائزة أو لا؟ الظاهر الأول خلافا لما تسمعه من المصنف في كتاب الوكالة ، ومن أن التملك بالحيازة مفتقر إلى نية الملك بها أو الى عدم نية عدم الملك ، أو كونه للغير كما تسمع البحث فيه إنشاء الله.

وحينئذ فصاحب الراوية والدابة إن كانا قد وكلا السقاء في الحيازة لهما أو امرأة بذلك مثلا وقد حازه بنيتهما مع نفسه ، اتجه حينئذ شركة الجميع بالماء ، وكان لكل منهم ثلثا الأجرة على الآخرين ، فإن تساوت لم يرجع أحدهم على الآخر بشي‌ء ، وإلا رجع بالتفاوت ، فلو فرض كون الماء مثلا بيع بأربعة وعشرين ، وكان أجرة مثل السقاء خمسة عشر ، والدابة اثنى عشر ، والقربة ثلاثة ، كان للسقاء منها ثلاثة عشر ، ولصاحب الدابة عشرة ، ولصاحب القربة واحد ، وربما تكون أجرة المثل أزيد من الحاصل ، ولذا احتمل بعض أن له أقل الأمرين من الحصة وأجرة المثل ، إلا أنه كما ترى.

وإن لم يكن ثم توكيل وقد حازه بنية الجميع ، ولم نقل بجريان الفضولية في نحوه ، أو لم تحصل الإجازة ، أشكل ملكه له أيضا بناء على اعتبار نية الملك في الحيازة ، ضرورة كون الفرض نية الملك للغير معه ، فضلا عن نية التملك ، بل حينئذ هو باق على الإباحة الأصلية ، يملكه إذا جدد النية.

نعم لو قلنا بالملك قهرا حتى مع نية الملك للغير التي فرضناها ، اتجه حينئذ كونه ملكا له ، ومن ذلك يظهر لك ما في إطلاق المصنف الذي تبعه عليه الفاضل في القواعد‌

__________________

(١) هكذا في النسخ ولعل الصحيح « والثاني هو الموافق للضوابط ».

٣١٨

خصوصا مع تردده الآتي ، ولذا ناقشه الكركي بنحو ذلك.

وكيف كان فلو دفع إليه دابة مثلا ليحمل عليه مال غيره مثلا بالأجرة ، والحاصل لهما فالشركة باطلة قطعا لما عرفت.

لكن إن كان العامل قد آجر الدابة فالأجر لمالكها كما في القواعد وجامع المقاصد ، وفي الأخير وعليه أجرة مثل العامل ، وإن كان الحاصل يفي بأجرة مثل الدابة والعامل فذاك ، وإن قصر تحاصا كل على قدر أجرة مثله ، سواء كان ذلك بسؤال العامل ، أو سؤال المالك ، أو سؤالهما ، وفي القواعد « تحاصا إن كان بسؤال العامل ، وإلا فالجميع » وعن الشهيد احتمال وجوب أقل الأمرين من الحصة المشروطة ، والحاصلة بالتحاص ، ووجوب الأقل إن كان بسؤال العامل والأكثر إن كان بسؤال المالك.

لكن لا يخفى عليك قوة ما ذكرناه أولا ، لأن الفرض حصول الرضا ، منهما معا بذلك ، سواء كان بسؤال المالك أو العامل أو بسؤالهما معا نعم قد يشكل الحكم بأن الأجرة لمالك الدابة ، مع أنه لم يصدر منه إلا الأذن بتلك المعاملة الفاسدة ، فينبغي حينئذ أن تكون إجارتها من الفضولي ، اللهم إلا أن يقال بالاكتفاء بهذه الإذن كما تسمع نظيره في القراض ، هذا كله إذا آجر عين الدابة.

أما إذا تقبل حمل شي‌ء في ذمته ثم استعمل الدابة فيه ، فالأجرة المسماة حينئذ له ، وعليه أجرة المثل للدابة بالغة ما بلغت كما في القواعد وجامع المقاصد ، بل في الأخيرين ولو آجر نفسه للحمل على هذه الدابة بكذا ، اتجه أن يكون الأجرة المسماة له ، ولمالك الدابة أجرة المثل ، فتأمل ، فإنه قد يجرى بعض الكلام السابق أو جميعه هنا ، كما أنه لا يخفى عليك الإشكال في أصل المسألة ، ضرورة إمكان صحتها على الضوابط وإن زعما حصول الشركة العنانية بذلك فإنه زعم خارج.

وحينئذ يكون المسمى المقابل لمنفعة الدابة ، وعمل العامل لهما معا يقسم فيما بينهما على حسب اجرة مثلهما ، كما لو استوجرا مثلا على هذا الوجه ، اما لو فرض وقوع ذلك على وجه الشركة الباطلة ، فلا وجه لاختصاص المالك بأجرة‌

٣١٩

الدابة المفروض كونها في مقابل الدابة والعمل ، كما لا وجه للتحاص في الحاصل ضرورة ثبوت اجرة المثل في الذمة على المستوفي ، لا في خصوص الحاصل المفروض حصوله بالمعاملة الفاسدة. فالتحقيق الرجوع في المسألة ونظائرها إلى ما تقتضيه القواعد العامة التي منها يعلم أيضا ما ذكره في الجامع أخيرا.

ولو كان من واحد دكان ، ومن الآخر رحى ، ومن ثالث بغل ، ومن رابع عمل على أن يكون الحاصل بينهم ، فلا ريب في بطلان الشركة ، ثم إن كان عقد اجرة طحن الطعام من واحد ، ولم يذكر أصحابه حتى في النية ففي القواعد وجامع المقاصد « الأجرة المسمى له ، وعليه اجرة المثل لأصحابه ، وإن نواهم أو ذكرهم على وجه التزموا بطحنه أرباعا ، فالأجر بينهم أرباعا ، ويرجع كل واحد منهم على كل واحد من أصحابه بربع أجرة مثله إذ هو كما لو استأجر الجميع على طحن هذا الطعام بكذا ، فان الأجر بينهم أرباعا لأن كل واحد منهم لزمه طحن ربعه بربع الأجرة ، ويرجع كل واحد منهم على كل واحد بربع أجرة مثل العمل الصادر منه أو من دابة ومنفعة دكانه.

نعم لو استأجر الدكان والبغل والرحي والرجل بكذا لطحن كذا فالأجر بينهم على قدر أجر مثلهم ، لكل واحد من المسمى بقدر حصته ، نحو ما لو باع المالين مثلا لرجلين بثمن واحد ، لكن لا يخفى عليك جريان ما ذكرناه سابقا من الفضولية ، بل وجريان بعض ما ذكروه من الكلام السابق من التحاص في المسمى ، ونحوه إلا أن تفصيل الكلام في ذلك محتاج إلى إطناب تام لا يسعه المقام وإن كان هو لا يخفى على الضابط لقواعد الفقه العامة المحيط مما أسلفنا وما يأتي لنا.

وكيف كان فمما ذكرناه سابقا يظهر لك الحال فيما ذكره المصنف في المسألة الثانية وهي ما لو حاش صيدا أو احتطب أو احتش بنية أنه له ولغيره ، لم تؤثر تلك النية وكان ما جمعه له خاصة ضرورة أنك قد عرفت اعتبار عدم التوكيل ، بل والإجارة في عدم تأثير النية وإلا كان تأثيرها الملك للغير ، ويمكن أن يكون المصنف بنى ذلك على اختياره عدم قبول مثل ذلك الوكالة.

٣٢٠