جواهر الكلام - ج ٢٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وهو آخر خطته في الجهة المقابلة للباب قضي منه بما يسلك فيه إلى العلو بينهما مع التحالف والنكول وما يخرج عنه لصاحب السفل لظهور يد صاحب العلو باعتبار افتقاره إلى السلوك في ملك مقدار الممر ، ويشاركه فيه للتصرف أيضا صاحب السفل ، ويختص بغيره ، لكن في الدروس « وربما أمكن الاشتراك في العرصة لأن صاحب الأعلى لا يكلف المرور على خط مستو ، ولا يمنع من وضع شي‌ء فيها ، ولا من الجلوس قليلا » وفيه : أن مثل هذا التسامح المعتاد لا يقتضي اليد على تمام العرصة كما هو واضح ـ ثم قال ـ : ولو كان مرقاة في دهليزة فالأقرب أن لا مشاركة للأسفل للعرصة ، إلا أن نقول في السكة المرفوعة باشتراك الفضلة بين الجميع ، ويؤيده أن العرصة يحيط بها الأعلى كما يحيط بها الأسفل ، ولو كان المرقاة في ظهره فاختصاص صاحب السفل بالعرصة أظهر » وفيه أيضا : أن اشتراك الفضلة بعد أن لم يكن لأحد بالخصوص يد عليها ـ ولا ترجيح ، بل قد يرتفق الجميع بها ـ لا يقتضي الحكم بالاشتراك في الفرض بعد أن لم يكن لذي العلو تصرف في العرصة ، والإحاطة بمجردها ليست تصرفا ، والحكم بها للأسفل للتصرف ، وظهور كونها دارا لبيوته ، لا للاحاطة ، ولذا جزم في الروضة في الفرض بكون العرصة للأسفل كما أنه جزم في الأخير بأنها مع الدهليز للأخير والله العالم.

( تتمة )

إذا تنازع راكب الدابة وقابض لجامها ، قضي للراكب مع يمينه وفاقا للمحكي عن المبسوط لظهور يد الاختصاص له عرفا وقيل والقائل الشيخ أيضا في محكي الخلاف وابن إدريس في محكي السرائر هما سواء في الدعوى لثبوت يد كل منهما عليهما وزيادة تصرف الراكب لم يثبت شرعا كونه مرجحا ، وتعريف المدعي والمنكر منطبق عليهما بتفسيراته ولذا كان ذلك خيرة ثاني المحققين والشهيدين ، ولكن قد يقال : إن الأول أقوى لما ذكرنا من ظهور العرف في كون يد الاختصاص له خصوصا مع ملاحظة نظائره باعتراف الخصم كتنازع لابس‌

٢٨١

الثوب وممسكه ومن له حمل على الدابة مع من في يده زمامها ، وغير ذلك أما لو تنازعا ثوبا وفي يد أحدهما أكثره فهما سواء لعدم اقتضاء الأكثرية عرفا الاختصاص وما وقع من بعضهم ـ من أنه كمسألة الراكب والقابض ، باعتبار أن كلا منهما زيادة تصرف لم يثبت كونها مرجحا ـ كما ترى.

وكذا لو تنازعا عبدا ولأحدهما عليه ثياب مع فرض ثبوت يدهما عليه لأنه لا مدخلية لزيادة الملك ، فإنه قد يلبسها بغير إذن مالكها أو بالعارية ، فهي حينئذ ليست يدا عرفا ، ومن هنا يعلم أنه لو فرض أن لأحدهما خاصة عليه يد ، والآخر له ثياب عليه ، فالقول حينئذ قول صاحب اليد ، كما أنه لو لم يكن لأحدهما خاصة عليه يد إلا الثياب لأحدهما ، يكون بينهما أيضا ، لما عرفت من عدم كون الثياب يدا لصاحبها.

أما لو تداعيا جملا ولأحدهما عليه حمل وليس للآخر عليه يد كان الترجيح لدعواه قطعا ضرورة ظهور وجود الحمل عليه في يد الاستقلال به ، بل قد يقال بكونه كذلك لو فرض أن للآخر يدا عليه ، بقبض الزمام باعتبار ظهور يد الاختصاص في الحمل كالراكب والقابض فضلا عما لو كانا معا قابضين ، ولأحدهما خاصة الحمل ، وعن الدروس أنه جعل حكم الراكب ولابس الثوب وذي الحمل سواء وفي المسالك « هو كذلك » ، أي في اتحاد الحكم فيها أجمع ، وإن كان هو عنده الاشتراك ، وعند غيره الاختصاص ، وقد عرفت تحقيق الحال في ذلك.

ولو تداعيا غرفة على بيت أحدهما ، وبابها إلى غرفة الآخر ، كان الرجحان لدعوى صاحب البيت قطعا لكونها في ملكه الذي هو هواء بيته التابع لقراره ، ومجرد فتح الباب إلى الغير لا يفيد يدا عرفا.

نعم لو فرض كونه مع ذلك متصرفا فيها بسكنى وغيره ، أمكن تقديمه حينئذ على صاحب البيت ، باعتبار أن يده حينئذ فعلية ويد صاحب البيت تبعية ، والفعلية أقوى وأولى ، مع أنه في المسالك احتمل التساوي أيضا قال : « لثبوت اليد‌

٢٨٢

من الجانبين في الجملة ، وعدم تأثير قوة اليد كما سلف » وفي قواعد الفاضل ومع التصرف اشكال ، وإن كان لا يخفى عليك ما فيه.

نعم قد يشكل ذلك بمنافاته للحكم بشركة الخزانة تحت الدرج ، مع أن يد صاحبه عليها تبعية ، ويد المتصرف بها فعلية ، فلتقدم حينئذ عليها كما ذكرناه سابقا إذ لا فرق في التبعية بين أن يكون منشؤها لحوق السفل بالعلو ، أو بالعكس فإن من ملك قرارا ملك هواه ، ومن ملك شيئا ولو هواء ملك قراره ، والدرج كذلك والله العالم.

٢٨٣

( كتاب الشركة )

بكسر الشين مع إسكان الراء وبفتحها مع كسرها ، بل وإسكانها والنظر فيه يقع في فصول.

الأول : في أقسامها ولكن ينبغي أن يعلم أولا أن ماهية الشركة لغة على ما قيل : الاختلاط والامتزاج شيوعا أو مجاورة ، وشرعا اجتماع حقوق الملاك ، في الشي‌ء الواحد على سبيل الشياع فالأول بمنزلة الجنس الشامل للاجتماع مع التمييز في مكان واحد ، والثاني بمنزلة الفصل ، فإن المنساق منه الواحد بالشخص لا الواحد بالجنس ولا النوع ولا الصنف. وحينئذ فلا شركة مع تعدد الشخص نعم المراد بالواحد ، فيما هو متعلق الشركة ، وإن تعدد ، لصدق الاجتماع بالمعنى المذكور في كل فرد من أفراد المتعدد.

وفي جامع المقاصد والمسالك أن قيد الشياع لإخراج اجتماع حقوق الملاك في الشي‌ء الواحد المركب من اجزاء متعددة كالبيت مثلا إذا كان خشبه لواحد ، وحائطه لآخر ، وأرضه لثالث ، فإنه لا شركة لعدم الشياع ، وان صدق اجتماع حقوقهم في الشي‌ء الواحد وفيه : عدم صدق كونه واحدا بالشخص ، إذ هو مجموع أشخاص.

وعن الشهيد في المحكي عن حواشيه أنه لإخراج اجتماعها في الشي‌ء الواحد بالشخص على البدل ، كمستحق الزكاة والخمس ، والمجتمعين على مسجد أو على معدن أو مباح يتعذر فيه الاجتماع ، فإن ذلك اجتماع لا على سبيل الشياع ، قال : « فإن قيل : يخرج هذه بقوله « الملاك » قلنا : الملك المراد به الاستحقاق ، حذرا من المجاز والاشتراك ».

وأشكله في جامع المقاصد بأن الملك أخص من الاستحقاق مطلقا ، فلو حمل على‌

٢٨٤

معناه الخاص المتعارف ، لخرجت هذه الاقسام بالقيد المذكور ، وخرج بقيد الشياع ما تقدم سابقا ـ الى أن قال ـ وفي التعريف نظر لانتقاضه بالشركة في القصاص وحد القذف والخيار والرهن والشفعة ونحو ذلك ، فإنه ليس هناك ملك حقيقي ، فلا مالك حقيقة ، وقد صرحوا بأن هذا أحد أقسام الشركة الثلاثة ».

وكأنه تصدى الى دفع جميع ذلك في المسالك فقال : « ويمكن أن يكون إنما حاول بحمل الملك على الاستحقاق الذي هو أعم منه إدخال الشركة في الخيار ونحوه مما لا ملك فيه ، فإنه محض استحقاق ، فلو حمل الملك على معناه الخاص ، لانتقض التعريف في عكسه إن أريد به المعنى الخاص ، ولو جعل مشتركا بينه وبين الاستحقاق أو مجازا في الاستحقاق ، لزم الاشتراك والمجاز فحمله على معنى الاستحقاق العام يدخل الاقسام ، ويسلم من محذور المجاز والاشتراك كما ذكر.

لكن فيه : أن إطلاق الخاص وإرادة العام مجاز غير شائع ، يجب صون التعريف عن مثله ، وقد يجاب عنه بأن إطلاق الملك على الاستحقاق ليس بمجاز ، بل معناه يتبادر من قولك فلان يملك الشفعة على فلان ويملك الحد ونحوه ، أو أنه مجاز شائع وإن كان مطلق إطلاق الخاص على العام ليس شائعا ، والعبرة في رخصة التعريف إنما هو بالفرد المحتاج إلى استعماله ، لا بنوع ذلك الفرد ، وهذا هو الظاهر هنا.

وينبه عليه أن المصنف بلا فصل ذكر حكم الاشتراك في الحق المذكور فليس بغافل عن دخوله في التعريف وحينئذ فالمستعمل هنا إما المجاز المنصوب على إرادته قرينة ، أو المشترك اشتراكا معنويا إن جعل ذلك الاستحقاق من أفراد الملك حقيقة ، والاشتراك المعنوي لا يضر دخوله في التعريف ، ولو أبدل الملك في التعريف بالاستحقاق لسلم من ذلك كله.

قلت : ولعله لذا عرفها في الإسعاد شرح الإرشاد من كتب العامة بأنها ثبوت الحق في الشي‌ء الواحد لمتعدد ، ولكن قد يقال : بعد الإغضاء عما في قوله ينبغي إلى آخره ، أن الشركة في الحقوق وإن دخلت في التعريف ولو على إرادة الاستحقاق من الملك ، لكن قد ينافي ذلك قيد الشياع فيه ، فإنه لا شياع في استحقاق كل منهما‌

٢٨٥

الثابت له ، فلا محيص حينئذ عن اختصاص التعريف بشركة المال ، أو ارتكاب التجوز في الإشاعة على وجه يشمل ذلك.

ثم إنه لا ريب في ملك الفقراء للزكاة والسادة الخمس ، والمسلمين الأرض المفتوحة عنوة ، إلا أنه ملك جنس لا تعدد فيه ، كي يصدق معه اجتماع حقوق الملاك ، والافراد من حيث الشخص لا ملك لأحد منها ، كما أن الأشياء المباحة من معدن ونحوه هي بين الناس على حد سواء ، بمعنى أن لكل واحد حيازتها ، والسابق منهم أحق من غيره ومع تعدد السابق يقرع ، وكذا المسجد والوقف العام ، وإن كان ربما يفرق بينهما ، إلا أنه على كل حال لا شركة فيها من حيث الملك ، ولا من حيث الحق على سبيل الشركة في الأموال والحقوق ، والأمر في هذا كله سهل.

إنما الكلام في ملك الكلي في الصبرة مثلا كالصاع منها ، وكملك مأة في الثلث بالوصية ونحو ذلك ، بناء على عدم تنزيله على الإشاعة مما لا إشكال في صدق الشركة معه ، ولا إشاعة ، اللهم الا أن يراد منها عدم التعيين ، لا خصوص الثلث والربع ونحوهما.

وكيف كان ففي المسالك تبعا لجامع المقاصد « أن للشركة معنيين ، بل في أولهما شرعيين ، أحدهما ما ذكره المصنف ، ولكنه معنا من المعاني دخوله في باب الأحكام أولى ، ضرورة حصول الاجتماع المزبور بعقد وغيره ، بل بغيره أكثر ، حتى لو تعدى أحدهما ومزج ماله بمال الآخر قهرا بحيث لا يتميزان تحققت الشركة بالمعنى المزبور به ، وثانيهما عقد ثمرته جواز تصرف الملاك للشي‌ء الواحد على سبيل الشياع فيه ، ولا يدخل فيه المستحقون للإرث ونحوه ، وهذا هو المعنى الذي به تندرج الشركة في جملة العقود ، ويلحقها الحكم بالصحة والبطلان ، واليه يشير المصنف فيما بعد بقوله قيل : تبطل الشركة ، أعني الشرط والتصرف ، وقيل : يصح ، ولقد كان على المصنف أن يقدم تعريفها على ما ذكره ، لأنها المقصود بالذات هنا ، أو ينبه عليهما معا على وجه يزيل الالتباس عن حقيقتهما وأحكامهما ، وفي القواعد وغيرها كفاية اشتركنا في العقد المزبور.

لكن في الحدائق « لا يخفى على من تأمل الأخبار عدم معنى للشركة إلا الأول‌

٢٨٦

الذي ذكره المصنف ، والفاضل ، والشهيد في اللمعة ، وأما المعنى الثاني فلا يشم له رائحة منها » ـ إلى أن قال ـ بعد أن حكى عن بعضهم أنها عقد جائز : « لا عقد هنا بالكلية ، ولا عاقد ، وإنما الشركة اجتماع الأموال على الوجه المذكور ، فلا معنى لوصفه بالجواز نعم البقاء على حكمها أمر جائز ، بمعنى أنه لا يجب عليه الصبر على الشركة بل يجوز رفعها وأخذ حصته ، وبعد هذا الاجتماع لا يصح لأحد الشركاء التصرف فيها إلا بإذن الباقين ، المدلول عليها باللفظ الصريح ، أو الظاهر أو غيره من القرائن كغير المقام مما يعتبر فيه الاذن ».

قلت : قد يؤيد ذلك أيضا ظاهر كلام المصنف واللمعة وغيرهما مما لم يتعرض فيها لكونها عقدا ، بل في جامع المقاصد عن فخر المحققين وأول الشهيدين تنزيل قول الفاضل ـ « وقيل : تبطل إلا أن يشترط الزيادة للعامل » ـ على إرادة بطلان الاذن ، لا عقد الشركة ، ورد ذلك كله في الرياض تبعا لجامع المقاصد وغيره بالإجماع ، وبأن الأصل حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه ، فيقتصر فيها على القدر المتيقن ، وهو ما دل عليها صريحا من الجانبين كما نبه عليه في التذكرة ، وعليه يصح إطلاق العقد عليه وأما الإكتفاء فيها بمجرد القرائن الدالة عليها والألفاظ الغير الصريحة فيها فلا دليل عليه ، وعلى فرض وجوده كما يدعى من ظاهر النصوص مع عدم دلالته عليه أصلا فلا ريب في مغايرة هذا المعنى للأول أيضا ، لحصول الأول بامتزاج المالين قهرا من دون رضا المتشاركين وهو غير الامتزاج مع الرضا به ، وبالتصرف في المالين مطلقا أو مقيدا على حسب ما يشترطانه ، فإنكاره رأسا فاسد جدا ، ولا ينافي التغاير دخول الثاني في الأول دخول الخاص في العام ، فإنه من أفراده ، لمغايرتهما في الجملة قطعا ، وهو كاف في إفراد الخاص عن العام في الإطلاق إلى غير ذلك من الكلمات ، خصوصا التذكرة وخصوصا ما في بعض كتب العامة إلا أنها جميعها من غرائب الكلام.

أما ما في الحدائق من إنكار عقد الشركة رأسا فهو واضح الفساد ، بل يمكن دعوى إجماع الخاصة والعامة على خلافه ، كما أن دعوى كون عقدها ما دل على جواز التصرف من كل منهما ، أو من أحدهما واضح الفساد أيضا ، ضرورة عدم مدخلية‌

٢٨٧

ذلك في الشركة بوجه من الوجوه ، بل هو داخل في قسم الوكالة ، وقد اعترف به في التذكرة ، قال فيها « الشركة قد تقع بالاختيار ، وقد تقع بالإجبار ، وكلامنا في الأولى وهي قد تحصل بمزج المالين بالاختيار من غير لفظ ، فلو امتزج المالان برضاهما حصل الشركة الاختيارية ، وإن لم يكن هنا لفظ ، وأما التصرف فالإذن فيه والمنع منه فذاك حكم زائد على مفهوم الشركة ».

ومن ذلك وغيره يعلم التشويش في كلامه وكلام غيره أيضا ، فكان السبب الذي أوقعهم في الوهم هو دعوى حصول الشركة بالمزج القهري ، فمع فرض اعتبار الامتزاج في شركة العنان لم يكن معنى لعقدها حينئذ ، ضرورة حصولها بالمزج المزبور ، المفيد لذلك مع القهر ، وعدم القصد به إليها ، فضلا عما لو قصدت به اختيارا ، فلم يكن حينئذ معنى لعقدها إلا جواز التصرف ، خصوصا مع ملاحظة الشركة الاكتسابية التي هي من أقسام التجارة المبنية على العمل ، من الشريكين ، أو من أحدهما التي قد وردت النصوص بها ، وفيمن ينبغي أن يشارك وأن لا يشارك ، وغير ذلك من أحكامها ، ولعله لذا اكتفوا في صيغتها بقول اشتركنا ، باعتبار امتناع أن يراد بإنشائه حصولها بدون مزج ، ولا المزج الذي لا يحصل باللفظ ، فتعين أن يكون معناه جواز التصرف ، وإلا لم يكن له معنى أصلا كما صرح بذلك في جامع المقاصد ، إلا أنه لا يخفى عليك ما في ذلك ، إذ لا دلالة في قول اشتركنا على الاذن بوجه من الوجوه ، كما أنه لا حاجة في حصول الإذن منهما أو من أحدهما إلى عقد وليس من مقومات الشركة حصولها ، إذ يمكن اشتراكهما في المال مع الإذن في العمل لثالث ، بل يمكن إرادة الشركة من دون عمل أصلا ، لغرض من الأغراض.

فالتحقيق أن يقال حينئذ بعد الإجماع على كونها عقدا : أن قول اشتركنا لإنشاء تحقيقها وصيرورة كل من المالين بينهما على الإشاعة ، إلا أنه يشترط في صحة ذلك تحقق المزج بعده إن لم يكن ، فهو حينئذ شرط كاشف أو ناقل ، نحو القبض في الوقف ، أو أنه جزء السبب ، ومتى حصل مزج بقصد إنشاء الشركة من دون قول تحققت ، وكانت كالمعاطاة ، بناء على جريانها فيها ، وإن كان التحقيق خلافه ، سيما مع‌

٢٨٨

عدم فرق حينئذ بينها وبين العقد إلا على احتمال الكشف ، أما المزج القهري والمجرد عن قصد إرادة إنشاء الشركة فلا يترتب عليه ملك كل منهما الحصة المشاعة في نفس الأمر وإنما يفيد الاشتباه في كل من أجزاء المال ، إلا أن الشارع حكم ظاهرا بكونه بينهما من الصلح القهري الذي قد تقدم نظائره ، فالفرق حينئذ بين المزج القهري والمزج الإنشائي هو ما ذكرناه ، فله حينئذ إيقاع عقد الشركة بعد وقوعه ، كي يتبدل الملك ظاهرا بالملك واقعا ، بل لو سلم افادة المزج القهري الملك في الواقع على نحو المزج الاختياري كما هو ظاهر كلمات الأصحاب أمكن أن يقال حينئذ أنه لا مانع من صيرورته جزء سبب مثلا ، إذا جي‌ء به لإتمام عقد الشركة مثلا ، بل ومن صيرورته سببا تاما في ذلك إذا قصد الإنشاء به في المعاطاة ، ومن اتفاق حصول الشركة به قهرا فإنه لا تنافي حينئذ بينهما ، ويكفي في العقد تحققه به ، لا أنه لا تقع الشركة بغيره ، لكن الإنصاف عدم خلو ذلك من نظر بل منع.

وعلى كل حال بذلك يظهر لك ما في جميع كلماتهم من التشويش والاضطراب خصوصا التذكرة وجامع المقاصد ، والمسالك ، والرياض ، وغيرها التي لا يخفى عليك حالها بعد الإحاطة بما ذكرناه ، فضلا عما يظهر من المحكي عن ابن الجنيد في المختلف من تحقق الشركة بالقول مع الافتراق من دون مزج ، قال : « لو تلف مال أحد الشركاء قبل انعقاد الشركة باختلاط المالين أو بافتراق كان ما تلف من مال صاحبه ، وإن كان التلف بعد العقد والافتراق كان من مالهما جميعا » وهو كما ترى ، ومن هنا قال في المختلف بعد أن حكى ذلك عنه : « والأجود أن لا شركة إلا بالامتزاج ، والتلف قبله من صاحبه » ومراده في محل القرض فتأمل ، وربما يجي‌ء لذلك أيضا زيادة تحقيق في مطاوي البحث.

ثم المال المشترك قد يكون عينا كما هو ظاهر وقد يكون منفعة بالإجارة والجنس والسكنى قيل : والوقف ، وفيه أنه إن كان على محصورين فالاشتراك بالعين والا فلا اشتراك بل هو حينئذ نحو ما عرفته في حق الزكاة والخمس ، والطرق العامة ، والطرق النافذة ، وقد يكون حقا كالخيار والشفعة الموروثين مثلا والقصاص وغيرها.

٢٨٩

وأما سبب الشركة في الثلاثة فـ ( قد يكون إرثا ) كما إذا ورثا مالا أو منفعة أو حقا وقد يكون عقدا في الثلاثة أيضا كما لو اشتريا دارا أو استأجراها أو صالحا عن حق تحجير مثلا ، وقد يكون مزجا في العين كما هو واضح ، بل والمنفعة فيما لو فرض استيجارهما دراهم للتزين مثلا ، بناء على جوازه لكل دراهم مخصوصة ، ثم مزجاهما بإرادة الاشتراك في المنفعة فيتحقق حينئذ اشتراكهما في المنفعة وقد يشكل ذلك بأصالة عدمها ، وإنما هو من الاشتباه لا المزج المعتبر في تحقق الشركة فتأمل.

وقد يكون حيازة بناء على تحققها بشركة الأبدان كما عن الإسكافي أو على فرض نية كل منهما ، بأن ما يحوزه له ولشريكه الموكل له على ذلك ، بناء على الاكتفاء بمثل ذلك ، ولكن الأشبه عند المصنف بأصول المذهب وقواعده في الحيازة ، اختصاص كل واحد بما حازه لأصالة عدم دخوله في ملك الغير حتى مع النية ، لعدم ثبوت قبول مثله النيابة ، فضلا عما إذا لم ينو ، فإنه لا وجه له الا على جواز شركة الأبدان المعلوم بطلانها عندنا.

ومن ذلك يعلم ما في المسالك « من أنه ينبغي أن يستثنى من ذلك ما لو كان عمل كل بنية الوكالة لصاحبه في تملك نصف ما يحوزه ، فإنه حينئذ يتوجه الاشتراك لأن ذلك مما يقبل النيابة » إذ قد عرفت الملك بذلك أيضا عند المصنف.

نعم لو اقتلعا شجرة أو اغترفا ماء دفعة بآنية واحدة أو اشتركا في نصب حبالة الصيد المشترك ورمي السهم المثبت له تحققت الشركة حينئذ في الجملة قطعا ، وفي المسالك « لكن يكون لكل واحد من المجاز بنسبة عمله ، ويختلف ذلك بالقوة والضعف ، ولو اشتبه مقدار كل واحد فطريق التخلص بالصلح ، أو تمليك كل واحد ما بقي له عند الأخر ، بناء على جواز هبة المجهول ».

قلت : أو يحكم بالنصف لأصالة عدم زيادة أحدهما على الأخر ، بل قد يحتمل كونه كذلك مع اختلافهما في القوة والضعف لصدق اتحاد فعلهما في السببية ، و‌

٢٩٠

اندراجهما في‌ قوله (١) « من حاز ملك » ولعدم الدليل على اقتضاء ذلك التفاوت في المجاز ، وإن كان هو منافيا للاعتبار العقلي الذي لا يرجع الى دليل معتبر شرعا فتأمل جيدا والله العالم.

وكل مالين مزج أحدهما بالاخر بحيث لا يتميزان ، تحققت فيهما الشركة اختيارا كان المزج أو اتفاقا مقصودا به الشركة أو لا ، بلا خلاف أجده فيه ، بل لعل الإجماع بقسميه عليه.

وفي دعائم الإسلام (٢) « روينا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجاز الشركة في الرباع والأرضين وأشرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا عليه‌السلام في هديه ، وإذا أراد رجلان أن يشتركا في الأموال ، فأخرج كل منهما مالا مثل مال صاحبه دنانير أو دراهم ثم خلطا ذلك حتى يصير مالا واحدا لا يتميز بعضها عن بعض على أن يبيعا ويشتريا ما رأياه من أنواع التجارات فما كان في ذلك من فضل كان بينهما ، وما كان من وضيعة كان عليهما بالسواء. فهذه شركة صحيحة لا اختلاف علمناه فيها وليس لأحدهما أن يبيع ويشتري إلا مع صاحبه ، الا أن يجعل له ذلك » وإن كان يحتمل بل هو الظاهر أن قوله « وإذا » الى آخره من مصنفها ، لا فيما رواه عن جعفر بن محمد عليه‌السلام ، إلا أنه على كل حال فيه شهادة على المزج في الجملة.

لكن قد عرفت سابقا الفرق بين المزج الاختياري المقصود فيه الشركة وغيره بالملك مشاعا في نفس الأمر في الأول ، بخلاف الثاني وإن عومل معاملته في الاحكام إلا أنه لو فرض اتفاق العلم ببعضه لأحدهما لم يكن للآخر شركة فيه ، بل لو فرض بقاء ما ليس هو إلا لأحدهما أمكن حينئذ إتيان القرعة عند القائل بها في مثله ، وقسمته بينهما من الصلح القهري عند غيره ، على نحو ما سمعته في نظائره في كتاب الصلح والله العالم.

وعلى كل حال فلا خلاف في أنه يثبت ذلك في المالين المتماثلين في‌

__________________

(١) لم نعثر بهذا اللفظ في أحاديث الخاصة ولا العامة.

(٢) الدعائم ج ٢ ص ٨٥ فصل الشركة.

٢٩١

الجنس والصفة أي بالمزج الرافع للامتياز بينهما الذي قد عرفت سببيته للشركة فلو تخلف أحدهما تحقق الامتياز المنافي للشركة ، فلا يكفي حينئذ مزج الحنطة بالشعير ولا الدخن (١) بالسمسم ، وإن عسر التخلص ، والدراهم بالدنانير ، بل ولا الحنطة الحمراء بالبيضاء ، والصغيرة الحب بالكبيرة والدراهم الصحيحة بغيرها ، ونحو ذلك مما لم يرتفع التمييز فيها بالمزج الذي هو سبب الشركة إذا كان على الوجه المزبور.

سواء كانا أي المالان أثمانا أي ذهبا وفضة أو عروضا كالأدهان وغيرها من المائعات بل والحنطة والشعير والذرة والسمسم ونحوها خلافا للمحكي عن الشيخ في المبسوط فمنع من الشركة في العروض إلا في المكيل والموزون وما عن الإسكافي من إطلاق عدم صحة الشركة إذا كان لكل واحد منهما مبتاع ، إلا أن يتعاوضا بمتاعيهما فيبيع هذا نصف متاعه بنصف متاع هذا ، وان كان يمكن تنزيل كلام الأخير منهما على ما لا يحصل معه الامتزاج الرافع للامتياز.

ثم المراد من عدم التمييز كونه في الظاهر كذلك لا في نفس الأمر ، فإن الأجسام لا تتداخل في المائعات ، فضلا عن غيرها لكن في الرياض بعد ان اعترف بأنه المستفاد من كلمات الأصحاب سيما معقد إجماع التذكرة قال : « وهو مناف لما ذكروه في التعريف من أنها اجتماع حقوق على الإشاعة ، فإن الظاهر منها حيث تطلق أن لا يفرض جزء إلا وفيه حق لهما وبه صرح الفاضل المقداد في شرح الكتاب ، بل صرح فيه بعدم حصول الشركة بمزج الحنطة والذرة والدخن والسمسم ونحوها بمثلها ، بل حصرها في مثل الأدقة والأدهان بمثلها ولكن الظاهر عدم استقامة ما ذكره على طريقة الأصحاب ، لاتفاقهم في الظاهر على عدم اشتراط عدم التمييز النفس الأمري مع أن اشتراطه في نحو الأثمان مخالف لطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار ، لأنهم لا يزالون يتشاركون فيها من زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى زماننا هذا من غير نكير‌

__________________

(١) ( الدخن ) كقفل : حب صغير أملس جدا. أقرب الموارد.

٢٩٢

في صقع من الأصقاع ، وعصر من الأعصار ، فكان إجماعا ، وقد نبه عليه في التذكرة بقي الكلام في التوفيق بين التعريف وما هنا ، والخطب سهل بعد الإجماع على ما هنا ، لعدم الدليل على ما في التعريف من اعتبار الإشاعة بالمعنى المتقدم ، مع احتمال إرادتهم منها هناك عدم التمييز المطلق ».

قلت : وفيه أولا : أن عدم التمييز في نفس الأمر لا يتم في الأدهان ، ولا في غيرها كما سمعت.

وثانيا : أن التعريف للشركة الشرعية الموجبة للملك على الإشاعة التي قد ذكروا أسبابها بعد تعريفها ، ولا ريب في أن المراد منها المعنى الأول ، لا عدم التمييز كما هو واضح لا يشتبه على من له أدنى تحصيل ، وما حكاه في التنقيح لم أجده فيما حضرني من نسخته قال : والفائدة الثانية الشركة أمر حادث وكل حادث لا بد له من سبب والسبب هنا قد يكون إرثا ، وقد يكون حيازة كما لو اقتلعا شجرة أو اغترفا ماء بآنية وقد يكون مزجا كما إذا مزجت الأجزاء المتساوية المصغرة بحيث لا يمتاز جزء عن جزء كالأدقة والادهان ، لا كالحنطة والذرة والدخن والسمسم ، والدراهم الجدد والعتق ، ثم قال : الفائدة الثالثة : إنما قيد الاجتماع على وجه الشياع ، احترازا عن اجتماع لا يحصل فيه ذلك والمراد فيه بالشياع أن لا يفرض جزء الا وفيه حق لهما.

وهو كما ترى أجنبي عما حكاه عنه ، ضرورة كون مراده عدم تحققها مع التمييز ، كمزج الحنطة بالذرة ، والدخن بالسمسم ، والدراهم الجديدة بالعتيقة ، ولذا أفردها وجمع الأدهان والأدقة ، لا بأمثالها التي من ضرورة المذهب تحقق الشركة فيها بالامتزاج وأما ما ذكره من تفسير الشياع فهو في محله ، لا أنه يريد تماميته في مثل الدقيق دون غيره كما هو واضح بأدنى تأمل ، خصوصا مع ملاحظة كونه أجل من أن يقع في هذا الوهم الذي لا ينبغي جوازه على أصاغر الطلبة.

إنما الكلام في اعتبار المثلية إذا كانت بالمزج فيها كما هو ظاهر المصنف بل قيل : هو صريح قوله أما ما لا مثل له ، كالثوب والخشب والعبد فلا تتحقق فيه‌

٢٩٣

بالمزج ، بل قد تحصل بالإرث أو أحد العقود الناقلة كالابتياع والاستيهاب ولعله لأصالة بقاء كل على ملك مالكه ، المقتصر في الخروج عنها على المتيقن الذي هو المزج في المثليات دون غيرها ، لكن في الرياض بعد أن حكى ذلك عن المصنف هنا قال : « وفاقا للمبسوط والإسكافي ، إلا أنه أطلق ، ولكن معلوم النسب لا يقدح خروجه بالإجماع ، ومع ذلك يضعف بتحقق المزج على الوجه المتقدم في كثير منها ، كالثياب المتعددة المتقاربة الأوصاف ، والخشب كذلك ، ونحوهما ، فيتحقق الشركة ، فإن ضابطها حصول المزج مع عدم الامتياز ، ولا خصوصية للقيمي والمثلي في ذلك وقد حصل ».

ولا يخفى عليك ما في الثاني من المصادرة الواضحة.

نعم لو كان في الأدلة ما يقتضي إطلاق تحققها بالمزج الرافع للامتياز ، اتجه حينئذ الاستدلال بإطلاقه ، ولكن لم نعثر على ذلك ، اللهم إلا أن يستدل بإطلاق ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) المقتضى لتحققها في جميع افراد الشك ، أو بإطلاق معقد دعوى الإجماع على ذلك إلا أنا لم نتحققه.

نعم في التذكرة وأما العروض فعندنا تجوز الشركة فيها مع الشرط المذكور ، أي المزج الرافع للامتياز ، سواء كانت من ذوات الأمثال ، أو من ذوات القيمة ، وهو ليس إجماعا صريحا ، مع أنك قد سمعت ما حكاه عن الشيخ والإسكافي ، وإن كان قد سمعت كلامهما سابقا ، ولو سلم الإجماع على ذلك فليس في كلام المصنف صراحة فيما ينافيه ، خصوصا بعد قوله سابقا « وكل مالين مزج أحدهما بالآخر » إلى آخره الشامل للقيمي والمثلي ، بل قوله أيضا « وتثبت في المالين المتماثلين في الجنس والصفة كذلك » أيضا ضرورة صدق ذلك على القيميات ، لكن قوله « أما ما لا مثل له » إلى آخره قد يظهر منه ذلك ، إلا انه من المحتمل إرادته عدم تحققها بالثوب والخشب والعبد ، باعتبار عدم المزج فيها الرافع للامتياز ، فهو حينئذ لبيان ما احترز به من اعتبار المزج الرافع للامتياز ، على أن مثل هذه لا يتحقق فيها الشركة بمزجها باعتبار عدم‌

__________________

(١) سورة المائدة الآية ـ ١.

٢٩٤

ارتفاع الامتياز بمزجها كما هو واضح. وربما يومي اليه افراد الثوب والعبد إذ لو كان المراد الثوب في الثياب والعبد في العبيد والخشب في الأخشاب لناسب التعبير بالجمع.

نعم قد يقال : إن المتيقن من الفتاوى ومعاقد الإجماعات في سبب الشركة المزجية هو ما يتحقق فيها صدق المزج الرافع للامتياز بسببه ، فمتى لم يحصل صدق المزج ، كالدور والبساتين والعبد في العبد والجمل في الجمل والفرس في الفرس ونحو ذلك ، لم تتحقق الشركة المزجية ، إذ هو من الاشتباه ـ لا الامتزاج ـ الشبيه بالتداخل عرفا كما في المائعات وذوات الأجزاء الصغيرة من الحبوب ونحوها مع فرض الكثرة من الجانبين ، وبالجملة المدار في حصولها على ذلك من غير فرق بين المثلي والقيمي ، كالمصوغات الصغيرة مثل حب الذهب ونحوه ، ضرورة صدق امتزاجها على وجه يرتفع الامتياز بينها ، بل إن لم يقم إجماع أمكن القول بتحقق الشركة بامتزاج الشخصين المتحدين في الأوصاف الخارجية ، وان كانا من جنسين كالقرمز مع بعض الأصباغ المساوية له في اللون ، والعسل وبعض افراد الدبس ونحو ذلك.

واعتبار بعض اتحاد الجنس والوصف انما هو للاحتراز عما لا يرتفع بالامتزاج امتيازه من مختلفهما ، بخلاف محل الفرض ، اللهم إلا أن يقال : إن ذلك من متعسر التخلص بالامتزاج ، كالدهن مع الدبس مثلا ، لا مما رفع امتزاجه امتيازه ، وصيره كالمال المتحد باعتبار اتحاده معه في الجنس والصفة ، مع أنه أيضا كما ترى للنظر فيه مجال ، بل قد يقال بتحققها في متعذر التخلص أيضا كل على نسبة قيمة ماله كما في المثليات والقيميات الممتزجة المفروض اختلاف قيمتها على معنى صيرورة ذلك المال مشتركا بينهما على نسبة قيمة مالهما ، لا أن المشترك بينهما قيمتهما الوهمية دونهما.

وبالجملة كلامهم في ذلك غير منقح ، وقد عرفت ما تقتضيه الأصول والقواعد في محال الشك.

كما أنه غير خفي عليك فيما لو أراد الشركة فيما لا مثل له وغيره مما لا تتحقق فيه بالامتزاج لعدم ارتفاع امتيازه به ، باع كل واحد منهما حصته مما في يده ، بحصته مما في يد الآخر أو وهب كل منهما كذلك ، أو باعها بثمن اشترى‌

٢٩٥

الأخرى به منه ، أو غير ذلك ، بل قد يستفاد من النصوص تحققها في مال اشترى بثمن معين مثلا بقول « شركتك فيه » على معنى ارادة نقل نصفه مثلا اليه بنصف الثمن ، وبقول « الربح بينى وبينك » فيه ، ونحو ذلك.

قال محمد بن مسلم في الموثق (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يشتري الدابة وليس عنده نقدها ، فاتى رجلا من أصحابه ، فقال : يا فلان انقد عني ثمن هذه الدابة والربح بينى وبينك ، فنقد عنه فنفقت الدابة ، قال : ثمنها عليهما ، لأنه لو كان ربحا لكان بينهما » ونحوه غيره ، والله العالم.

ولا تصح الشركة بالأعمال كالخياطة والنساجة بلا خلاف معتد به أجد فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر من غير فرق بين اتحاد عملهما واختلافه ، ولا بين كون العمل في مال مملوك ، أو تحصيل مباح من حطب وحشيش ونحوهما ، للأصل السالم عن معارضته (٢) ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ، بعد ما عرفت ، والتراضي بما لم يثبت شرعيته غير مجد ، والمراد بالتجارة عنه ما ثبتت التكسب به شرعا.

وما‌ يحكى (٣) « من شركة سعد بن ابى وقاص ، وعبد الله بن مسعود ، وعمار بن ياسر فيما يغنمونه ، فأتى سعد بأسيرين ولم يأتيا بشي‌ء فأقرهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشركهم جميعا » غير ثابت ، مع إمكان أن يكون ذلك يوم بدر الذي غنائمه على ما صرح في التذكرة ـ للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيمكن أن يكون ذلك منه هبة لهم ، بل يمكن غير ذلك أيضا.

ومن هنا اتفق أهل الحق على عدم الشركة بذلك عدا ما يحكى عن ابن جنيد منهم مع أن المحكي عنه في المختلف انه قال : « لو اشترك رجلان بغير رأس مال على أن يشتريا ويبيعا بوجوهما جاز ذلك ، ولو اشترك رجلان فكان من عند أحدهما بذر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام الشركة الحديث ـ ٢.

(٢) سورة المائدة الآية ـ ١.

(٣) سنن البيهقي ج ٦ ص ٧٩.

٢٩٦

وبقر ، وعلى الأخر العمل والخراج كانت الشركة جائزة بينهما ولو اشترك رجلان على أن يعملا عملا لكل واحد منهما فيه عمل منفردا ، وأن تكون أيديهما جميعا في العمل وتقسم الأجرة بينهما لم أجز ذلك ، لأن الأجرة عوض عن عمل فإذا لم يتميز مقدار عمل كل واحد منهما لم آمن أن يلحق أحدهما غبن أو أن يأخذ ما لا يستحقه ، وإن تشاركا الفضل وتحالا ، أو تضمن أحدهما بالعمل ثم قسمه على الأخر من غير شركة جاز ذلك ».

وهو كما ترى صريح في عدم الجواز ، لكن في المختلف بعد أن حكى ذلك عنه قال : « والوجه البطلان ، لنا إجماع الفرقة وخلاف ابن الجنيد غير معتد به لانقراضه بحصول الاتفاق بعده ، ولأن الأصل عدم الشركة وبقاء حق كل واحد عليه ، ولانه غرر عظيم ، ولأن الشركة عقد شرعي ، فيقف على الاذن فيه ، ويمكن أن يريد ما ذكره أولا من شركة الوجوه ، ولكن قد يقال : إنه يمكن صحة ما ذكره بالتوكيل من كل منهما على الابتياع والبيع ، كما أن ما ذكره ثانيا يمكن كونه من باب المزارعة ، وحينئذ فلا يكون خلاف منه ، بل تتفق كلمة أهل الحق على البطلان ، وإن اشتهر نقل ذلك عنه ، بل المعروف في الحكاية عن الشافعي موافقته على ذلك ، وإنما المخالف أبو حنيفة ، ومالك ، وابن حنبل على اختلاف فيما بينهم أيضا في تعيين الجائز من ذلك ، وحيث كان الجميع عندنا باطلا ، لم تكن ثم فائدة يعتد بها في التعرض الى ذلك ، وحينئذ فيختص كل منهما بما اكتسبه ، ولا يشاركه الآخر فيه نعم ، لو عملا معا لواحد مثلا بأجرة ، ودفع إليهما شيئا واحدا عوضا عن أجرتهما التي وقعت في عقد استيجارهما على العمل دفعة تحققت الشركة حينئذ في ذلك الشي‌ء إلا انها ليست من شركة الاعمال ، بل هي من شركة الأموال نحو ما لو آجر كل منهما نفسه منفردا ، ثم أدى المستأجر إليهما مالا مشتركا ، فإن الشركة في المال خاصة قطعا ، وحينئذ فلا إشكال في جوازها من غير فرق بين اختلاف عملهما واتفاقه ، ولا بين علمهما بنسبة أحد العملين إلى الأخر وعدمه ، لأن الاعتبار في الصفقة بالعلم بعوض المجموع لا الأجزاء ، واجرة المجموع هنا‌

٢٩٧

معلومة ، فيقسم عليهما على نسبة العمل ، بأن ينسب أجرة مثل عمل أحدهما إلى أجرة مثل العملين ويؤخذ من المسمى بتلك النسبة ، ومع الجهل بالنسبة يحتمل التساوي والصلح كالمالين الممتزجين المجهول قدر كل منهما والله العالم.

ولا تصح أيضا الشركة بالوجوه المفسرة في الأشهر باشتراك وجهين ، لا مال لهما بعقد لفظي ، على أن ما يبتاعه كل واحد منهما يكون بينهما ، فيبتاعان ويبيعان ، ويؤديان الأثمان ، وما فضل فهو لهما ، وقيل : أن يبتاع وجيه في الذمة ، ويفوض بيعه إلى خامل ويشترطا أن يكون الربح بينهما ، وقيل : أن يشترك وجيه لا مال له ، وخامل ذو مال ليكون العمل من الوجيه ، والمال من الخامل ، ويكون المال في يده لا يسلمه إلى الوجيه ، والربح بينهما ، وقيل : أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون بعض الربح له.

ولا شركة عندنا في المفاوضة التي هي اشتراك شخصين فيما يغنمان به من ربح ، وإرث ، ولقطة ، وركاز ، وغير ذلك ، ويغرمان من أرش جناية وضمان غصب ، وقيمة متلف ، وغير ذلك مطلقا ، فهما كما عن بعض أو باستثناء قوت اليوم ، وثياب البدن والخادم وبذل الخلع والصداق والجناية على الحر ، لعدم الدليل عليها عندنا ، بل الإجماع بقسميه على فسادها ، كالشركة بالمعنيين الأولين.

وإنما تصح عندنا بالأموال بلا خلاف فيه ، بلا الإجماع بقسميه أيضا على الصحة فيها ، وهي المسماة بشركة العنان ، من عنان الدابة ، أو من « عن » إذا ظهر ، أو من « المعانة » بمعنى المعاوضة ، لإمكان تقرير وجه المناسبة في الجميع ، والأمر فيه سهل وإن أطنبوا فيه ، لكن لا ثمرة معتد بها فيه.

إنما الكلام فيما في المسالك. فإنه بعد أن ذكر تفسيرات شركة الوجوه قال : « والكل عندنا باطل ، خلافا لابن الجنيد ، فإنه جوزها بالمعنى الأول ولأبي حنيفة مطلقا وحينئذ فإذا أذن أحدهما للآخر في الشراء فاشترى لهما وقع الشراء لهما ، فكانا شريكين ، لأنه بمنزلة التوكيل ، وقد اشترى بأذنه فيشترط شروط الوكالة ، وإذا كان المال لأحدهما وباع الأخر سواء كان خاملا أو لا ، صح البيع بوكالة المالك ،

٢٩٨

وللمباشرة أجرة المثل لعمله ، ولا شي‌ء له في الربح.

وكأنه أخذ ذلك مما في جامع المقاصد قال : « وأما شركة الوجوه فإن أحدهما إذا اشترى من دون توكيل الأخر له أو مع قصد اختصاصه به ، فلا حق للآخر في الربح ، وإن وكله فاشترى لهما فقد تحققت شركة العنان » كما أنه قبل ذلك بعد أن ذكر الإجماع على بطلان ما عدا شركة العنان من الأقسام الثلاثة ، قال : « والمراد ببطلانها عدم ترتب آثارها عليها ، أما شركة الأبدان فلأنهما إن عملا كان لكل منهما أجرة عمله إن تميزا ، قليلة كانت أو كثيرة ، ومع الاشتباه فسيأتي أن الأصح الصلح ، وإن كان مع ذلك فيه معنى شركة العنان لامتزاج المالين ، وإن عمل أحدهما فلا شي‌ء للآخر في أجرة عمله ، وأما شركة المفاوضة فلأن كل ما انفرد به أحد الشريكين من تجدد مال أو ثبوت غرم ، فهو مختص به ، ولو كان في مال أحدهما المجدد من جنسه مال للآخر فسدت شركة المفاوضة ، وانقلبت إلى شركة العنان ».

قلت : محل البحث بين الأصحاب ومن أجاز ذلك من العامة مشروعية عقد شركة على أحد الوجوه الثلاثة على حسب شركة العنان وعدمه ، واتفاق مصداق من مصاديقها مع مصداق الوكالة لا يقضى بجوازها مع فرض عدم قصد الوكالة ، وعدم ارادتها ، وإنما المراد عقد شركة على هذا الوجه الذي يصح أن يكون موردا للوكالة لو قصدت به.

ومن ذلك يظهر لك ما في المحكي عن الأردبيلي ، فإنه بعد أن حكي عن التذكرة بطلان شركة الأبدان عندنا ، سواء اتفق عملهما أو اختلف ، وسواء كانت الصنعة البدنية في مال مملوك ، أو في تحصيل مباح كالاصطياد والاحتشاش قال : « ولا يظهر دليل على عدم الجواز سوى الإجماع ، فإن كان فهو ، والا فلا مانع ، فإنه يرجع إلى الوكالة في بعض الأمور وتمليك مال في البعض الآخر ، وبذل نفس وعمل في مقابلة عوض ، ولا مانع منه في العقل والشرع ، ولهذا جوز بعض أقسامها بعض العامة » ـ ثم نقل عنه أيضا ـ « أن شركة المفاوضة عندنا باطلة ، وليس لها أصل‌

٢٩٩

وبه قال الشافعي ومالك « ثم نقل عنه أيضا في شركة الوجوه انها عندنا باطلة وبه قال الشافعي ومالك ثم قال : « والبحث فيها مثل ما تقدم فتأمل ».

وفيه ما لا يخفى عليك من الخروج عن محل النزاع إذا فرض كون المقصود لهما المعنى الصحيح وإن سموه باسم الفاسد ، ومن البطلان إذا أراد تأثير عقد الشركة الذي أوقعاه ذلك ، وإن اتفق في بعض الأحوال اتحاد مصداقه مع مصداق مفهوم الصحيح الذي لم يكن مقصودا لهما ، بل به يظهر فساد ما وقع من جوازها من العامة معللا برجوعها إلى الوكالة ، أو نحوها مما هو صحيح ، إذ قد عرفت حقيقة الحال والله العالم.

ويتساوى الشريكان في الربح والخسران مع تساويه أي المشترك بينهما بأن كان لكل منهما نصفه ، ولو كان لأحدهما زيادة ، كان له من الربح بقدر رأس ماله ، وكذا عليه من الخسارة بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ، مع اتفاقهما في العمل ، أو اختلافهما فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، والسنة مستفيضة أو متواترة فيه ، مضافا الى اقتضاء أصول المذهب وقواعده في المشاع ذلك ، بل هو مقتضى الأصول العقلية أيضا.

وما عن بعض العامة من منع الشركة مع عدم استواء المالين في القدر ، وفرض اتفاقهما في العمل ، قياسا على ما لو اختلفا في الربح واتفقا في المال ـ مدفوع بأن المعتبر في الربح المال ، والعمل تابع ، فلا يضر اختلافه ، كما يجوز مع استوائهما في المال عند الكل وإن عمل أحدهما أكثر.

إنما الكلام فيما لو شرط لأحدهما في عقد الشركة زيادة في الربح مع تساوى المالين أو التساوي في الربح والخسران مع تفاوت المالين مع عدم مقابلة ذلك بعمل وقيل والقائل الشيخ ، وابنا إدريس ، وزهرة ، والقاضي ، وجماعة ، بل عن السيد منهم الإجماع عليه كما عن ابن إدريس نسبته إلى الأكثر تبطل الشركة أعني الشرط والتصرف الموقوف عليه ، ويأخذ كل واحد منهما ربح ماله ، ولكل منهما أجرة مثل عمله ، بعد وضع ما قابل عمله في ماله ، وقيل : والقائل المرتضى والفاضل ، ووالده وولده تصح الشركة والشرط بل عن الأول منهم دعوى الإجماع‌

٣٠٠