جواهر الكلام - ج ٢٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

انهدم الحائط أو هدمه المستعير لم يكن له الإعادة إلا بإذن مستأنف ، ولم يتردد في ذلك فأطرحوا قوله الآخر ، وهو قول لبعض الشافعية ، كما ان القول الآخر لهم ، فجمع الشيخ بين الحكمين المختلفين عن قرب والله العالم.

ولو صالحه على الوضع ابتداء جاز بعد ان يذكر عدد الخشب ووزنها وطولها أو يشاهدها ، ولو لكون الصلح في أثناء الوضع للاختلاف في ذلك ، بل ذكر غير واحد أنه لا بد مع ذلك من ذكر المدة المضبوطة ، لكونه حينئذ هنا كالإجارة وفيه : منع اعتبارها ، لعموم الصلح ، فيصح حينئذ بقصد الدوام ، بل يمكن ان يريد من اعتبرها ما يشمل قيد الدوام ، خصوصا بعد تصريحه بذلك في الصلح على السقي ، بل قد يقال : بعدم الحاجة الى معرفة طول الخشب ووزنه وعدده ، لما عرفت من عدم ثبوت مانعية ما عدا الإبهام من الجهالة فيه ، والمرجع حينئذ في ذلك الى ما يحتمله مثل الحائط المزبور كما ان ذلك هو المرجع في الأجر واللبن ، بل وكذا لو كان الصلح على بناء زيادة على حائطه ، فلا يفتقر الى ذكر الطول وسمك اللبن ، خلافا لبعضهم فأوجبه ، لاختلاف الضرر باختلافهما ، وفيه أنه لا دليل على مانعية مثل ذلك هذا كله في الموضع على حائط مملوك.

أما لو كان موقوفا بحيث لا يكون له مالك مخصوص كالمسجد وشبهه ، لم يجز لأحد البناء عليه ، ولا الوضع بغير إذن الحاكم قطعا ، وليس له الاذن بغير عوض قطعا أيضا ، أما معه وفرض المصلحة ففيه وجهان : أجودهما في المسالك العدم ، وقواه في الدروس ، لأنه تصرف في الوقف بغير ما وضع له ، ولأنه يثمر شبهة.

ولكن الانصاف عدم خلو الأول عن قوة ، ولو كان الوقف خاصة جاز للناظر أو الحاكم مع ملاحظة مصلحة البطون ، فيمضي حينئذ عليهم ، وليس لأهل البطن الأول ذلك ، لما فيه من الضرر على البطون المتأخرة الذي لا يندفع بعدم إجازتهم فيما بعد كما هو واضح.

المسألة الثالثة لو تداعيا جدارا بين ملكيهما مطلقا ليس لأحدهما‌

٢٦١

يد اختصاص عليه ولا بينة حلف كل واحد منهما لصاحبه على ما تقتضيه يده من النصف ، فإن نكل أحدهما كان الجميع للآخر ان قلنا يقضى بالنكول ، والا حلف ، وصار الجميع له ، وان نكل هو أيضا ففي التذكرة هو أي النصف لهما ، وفي أحد وجهي الشافعي أنه يحلف كل واحد منهما على الجميع ، لأنه الذي ادعاه.

قال في التذكرة : « وعليه فإذا حلف الحاكم أحدهما عليه لم يمنع ذلك حلف الآخر عليه أيضا فإذا حلف قسم الجدار بينهما ، لعدم الأولوية ، فإن نكل الآخر بعد حلف الأول على الجميع حكم للمخالف به من غير يمين أخرى ، ولو حلف الثاني على النصف بعد أمر الحاكم له على الحلف بالجميع ، ففي الاعتداد بهذا اليمين وعدمه وجهان : وعلى الأول يكون النصف بينهما ، مع احتمال أنه للثاني خاصة وإن قال في جواب الحاكم قبل الحلف انى لا أحلف إلا على النصف كان في الحقيقة مدعيا للنصف فقول المصنف فمن حلف عليه مع نكول صاحبه ، قضي له ظاهر في موافقة الشافعي ، اللهم الا أن يريد أنه مع النكول يحلف يمينا واحدة على الجميع ، قائمة مقام اليمين المردودة ويمين الإنكار. لكنه كما ترى أيضا.

وعلى كل حال فـ ( ان حلفا أو نكلا قضي به بينهما ) لعدم الترجيح وأس الجدار يتبع من يكون الجدار له ، اختصاصا أو اشتراكا فلو تنازعا فيهما حينئذ وأقام أحدهما بينة بالجدار فهو ذو يد في الأس وكذا الشجرة مع المغرس ، وذلك لأن كون الجدار حائلا بين الملكين امارة على اشتراك اليد ، ولا دلالة على اشتراكهما في الأس والمغرس ، فإذا ثبت الجدار لأحدهما اختصت به.

وكيف كان فهذا كله إذا لم يكن لأحدهما يد اختصاص أما لو فرضت بأن كان متصلا ببناء أحدهما اتصال ترصيف بتداخل الأحجار واللبن فيه ، وفي حائطه المختص به ، كما يظهر ذلك في الزوايا على وجه دال على أنه جدار واحد ، أو كان لأحدهما عليه قبة أو سترة على وجه يكونان من الجدار نفسه كما صرح به في التذكرة أو نحو ذلك دون الآخر كان القول قوله بيمينه مع فقد البينة ، لصيرورته بذلك صاحب يد.

٢٦٢

نعم لو اتصل بهما معا كذلك ، أو كان البناء لهما أو اختص أحدهما بصفة والأخر بالأخرى فاليد لهما ، حتى لو كان لأحدهما واحدة والباقي مع الأخر ، إذ لا أثر لزيادة اليد في الترجيح ، فيحلفان ويقسم بينهما ، كما يقسم لو نكلا الى تمام ما عرفته سابقا ، ولو بنى الجدار على جذع داخل طرفه في بناء أحدهما ففي التذكرة « كان بذلك صاحب يد » ونظر فيه في الدروس من أنه كالأس أو كالجزء قال : « ولو اتفقا على ملكية الجذع لصاحب الجدار المولج فيه فاحتمال اختصاصه أقوى » وظاهره قوة الاختصاص في الأول ، ولعله كذلك ، ضرورة ظهور الفرق بينه وبين الأس بكون الخشبة شيئا واحدا بخلاف الأس ، فإنه أجزاء متعددة باعتبار تعدد آلاته والله العالم.

ولو كان لأحدهما عليه جذع أو جذوع ، قيل : والقائل الشيخ لا يقضى بها لجريان العادة بالتسامح للجار في ذلك ، بل قد سمعت أن مالكا وأحمد لا يجوزا منعه ، للخبر المزبور (١) ولدلالة كونه بين ملكيهما على ثبوت اليد لهما ، فوضع الجذوع من أحدهما مزيد انتفاع ، كاختصاص أحد الشريكين الساكنين بزيادة الأمتعة ، بل قد سمعت أن زيادة التصرف لا يقتضي الترجيح ، بعد الاشتراك بما يقتضي كون اليد لهما.

وقيل : يقضى بها لذيها مع اليمين وهو الأشبه بأصول المذهب وقواعده ، لأنه تصرف دال على الاختصاص بالملكية على وجه لا يعارضه التسامح المزبور ما لم يعلم ، ولمنع دلالة كونه بين ملكيهما على اليد إذا لم ينضم اليه تصرف بوجه من الوجوه السابقة كما في المسالك.

قال : « وحينئذ فوضع الجذع يفيد اليد للواضع ، ويبقى الأخر ، خاليا ، ويكون حكمه حكم ما سلف من المرجحات ، ولو جامعها اعتبر ما فصلناه » وفيه : أنه لا إشكال في كونه يدا لهما ، كما اعترف به هو سابقا ، ولذا لو ادعاهما به أجنبي كان القول قولهما بيمينهما.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ٦٨.

٢٦٣

نعم هي يد لا تعارض ما يدل عليه الوضع عادة من الاختصاص إذا كان الوضع على وجه ظاهر في كونه في أصل بناء الجدار فلا يد اشتراك معه كغيره من المرجحات السابقة التي هي علامة على اختصاص الجدار في نفسه لا من حيث كونه تصرفا ، وما قدمناه سابقا من عدم الفرق بين الاتحاد والتعدد انما هو في يد الاختصاص ، لا مثل هذه اليد التي يعتبر في الحكم بها لهما عدم ما يقتضي الاختصاص عادة ، ويمكن ارادته ذلك.

نعم لا يرجح دعوى أحدهما بالخوارج التي في الحيطان كالكتابة والتزيين ، والوجه الصحيح من اللبن لو بناه بانصاف اللبن ، ولا الروازن والطين لا لإمكان احداثه له من جهة من غير شعور صاحب الجدار ـ كما في المسالك ، بل وفيها « ومثلها الدواخل فيه كالطاقات غير النافذة والروازن النافذة لما ذكر » ـ إذ هو مناف لأصالة الصحة في تصرف المسلم ، بل لعدم دلالتها عادة على الاختصاص ، بحيث تقطع يد الاشتراك ، إذ الروزنة ونحوها انما تصنع غالبا لبيان الاستحقاق في الجدار لا استحقاقه ، وحينئذ لا فرق في ذلك بين احتمال حدوثها وعدمه في عدم قطع يد الاشتراك المتوقف على وجود ما يرجح عليه مما يدل على الاختصاص ، ولو بأمارة ظنية عرفية كالترصيف بين الجدارين الظاهر في أنه جدار واحد وكذا القبة والسترة الكائنتان في الجدار نفسه.

والحاصل أن إمارة الاختصاص تكون على وجهين ، أحدهما : في الجدار نفسه ، وثانيهما : في التصرف ولو كان طارئا ، إذا كان على وجه يقتضي الاختصاص بالمتصرف ، وان كان التصرف حادثا فتأمل.

ولو اختلفا في خص بالضم ما يعمل من القصب شبه الجدار حاجزا بين الملكين ، قضي لمن اليه منهما معاقد القمط بالضم أيضا جمع قماط : وهي شداد الخص من ليف أو خوص أو غيرهما عملا بالرواية وهي‌ صحيحة منصور ابن حازم (١) المروية في الكافي والتهذيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن خص بين‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من كتاب الصلح الحديث ـ ١.

٢٦٤

دارين فذكر أن عليا عليه‌السلام قضى به لصاحب الدار الذي من قبله القمط » ورواها أيضا‌ في الكافي بسند آخر صحيح أو حسن عنه الا أنه قال : « عن حظيرة » وكذا‌ الصدوق ، إلا أنه قال : « فزعم » عوض « فذكر » المعتضدة بخبر عمر بن شمر (١) عن جابر عن أبي جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « أنه قضي في رجلين اختصما إليه في خص فقال : إن الخص للذي إليه القماط » وبالعامي (٢) « أن قوما اختصموا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خص ، فبعث حذيفة بن اليمان ليحكم بينهم فحكم به لمن اليه معاقد القمط ، ثم رجع إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره ، فقال : أصبت وأحسنت » وبفتوى المعظم من الأصحاب بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا.

فما عن قول للشافعي من الحكم بعكس ذلك في غير محله ، وكذا ما عن أبي حنيفة من عدم الترجيح بذلك ، بل وما عن المصنف في النافع من نحو ذلك قائلا أنها قضية في واقعة ، فلا يتعدى الحكم ، وحينئذ فحكم الخص حكم الجدار بين الملكين سيما بعد قول الباقر عليه‌السلام في خبر عمر فتأمل.

نعم قد يقال : إنه لا يتعدى منها إلى سائر وجوه التراجيح ، بل يقتصر عليها في كل خص ، وأما غيرها فلا بد من الترجيح بالأمارة العادية في رفع يد الاشتراك والله العالم.

المسألة الرابعة لا يجوز للشريك في الحائط التصرف فيه ببناء ولا تسقيف ولا إدخال خشبة ولا غير ذلك من التصرف إلا بإذن شريكه بلا خلاف ولا إشكال لحرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه عقلا ، وشرعا ، من غير فرق بين المضر وغيره ، بل في التذكرة « لا يجوز أخذ أقل ما يكون من ترابه لتتريب الكتاب » نعم استثنى له ولغير الاستناد إليه ، واسناد المتاع ونحوه مع فرض عدم الضرر ، وكذا الجدار المختص عملا بشاهد الحال كما في الدروس ، ولأنه بمنزلة الاستضاءة بسراج الغير ، والاستظلال بجداره ، مع أنه صرح في المسالك تبعا للتذكرة بحرمة ذلك أيضا مع منع المالك والشريك ، لأنه نوع تصرف بإيجاد الاعتماد عليه.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من كتاب الصلح الحديث ٢.

(٢) سنن البيهقي ج ٦ ص ٦٧.

٢٦٥

لكن في الدروس هل لصاحب الجدار منع المستند والمستظل إذا كان المجلس مباحا؟ الأقرب عدم المنع مع عدم الضرر ، ومنه يعلم حينئذ أن الجواز للإذن الشرعية ، لا المالكية المدلول عليها بشاهد الحال ، فلا فرق حينئذ بين ملكه لمولى عليه وغيره ، للسيرة المستمرة ، إلا أن الانصاف كون المتيقن منها حال عدم التصريح بالمنع ، لا مطلقا ، لأن الناس مسلطون على أموالهم وفرق واضح بين الاستناد ونحوه وبين الاستظلال ونحوه بالتصرف في مال الغير في الأول بخلاف الثاني.

اللهم إلا أن يقال إن في المنع عن ذلك ونحوه في الجدران المشتركة بين الاملاك وفي الطريق النافذة وغيرها عسرا وحرجا على أن الانتفاع بالفضاء المملوك مثلا لا يتم إلا بالمماسة للجدار والامتناع عن بعضه مقدمة ليس بأولى من سقوط حرمة مثل ذلك مقدمة ، جمعا بين الحقين ، ولقاعدة‌ « لا ضرر ولا ضرار ».

نعم إنما يقتضي ذلك جواز المماسة لا الاستناد ، ولعله يمكن الفرق بينهما إن لم يكن سيرة تقتضي بجوازه حتى مع المنع ، هذا وفي المسالك وموضع الخلاف ما إذا كان المجلس للمستند ، وإلا لم يجز إجماعا ، وكان مراده ما سمعته من الدروس من اعتبار إباحته ، لا كونه ملكا له.

كما أن ذلك ربما يكون شاهدا لما ذكرناه ، وإلا فلا تلازم بين حرمة المجلس وحرمة الاستناد أو اللمس ، وكذا ما فيها أيضا من أنه لو بنى الشريك في ملكه جدارا متصلا بالجدار المشترك أو المختص بحيث لا يقع ثقله عليه جاز ، ولم يكن للآخر الاعتراض عليه ، ولو ألقى ثقله عليه لم يجز بدون إذنه ، فإنه أيضا مبني على ما ذكرنا.

نعم ليس له حك شي‌ء من آلاته حجرا كانت أو آجرا أو لبنا ، ولا الكتابة عليه ولا غير ذلك ، وإن سلم من مظنة الضرر ، لقاعدة « حرمة التصرف في مال الغير » السالمة عن معارضته السيرة والعسر والحرج ، وما في الدروس ـ من تعليل حرمة ذلك بأنه تصرف في ملك الغير بما هو مظنة الضرر ، موهما اعتبار ذلك في الحرمة ـ في غير محله والأمر سهل.

ولو انهدم الجدار أو استرم لم يجبر شريكه على المشاركة في عمارته‌

٢٦٦

بلا خلاف ولا إشكال ، للأصل وقاعدة التسلط ، بل الأقوى توقف عمارته من الشريك خاصة على إذن الآخر لذلك أيضا خلافا لبعضهم ، فجوزه لانه نفع وإحسان ، وحكاه في الدروس عن الشيخ ، ولعله الظاهر من قواعد الفاضل ، وفيه منع اقتضاء ذلك الجواز ، وآخر ففرق بين إعادته بالآلة المشتركة فلا يشترط رضاه وبين إعادته بآلة من عنده ، فيشترط لبقائه شريكا على الأول بخلاف الثاني ، وفيه ما عرفت أيضا ، وفي الدروس « ولو بناه أحدهما بالآلة المشتركة كان بينهما وفي توقفه على إذن الآخر مع اشتراك الأساس احتمال قوي ، ولو أعاده بآلة من عنده فالحائط ملكه ، والتوقف على اذنه هنا أقوى » ومنع الشيخ من التوقف على إذن الآخر ، وله منع الآخر من الوضع عليه في الثانية دون الأولى نعم للشريك المطالبة بهدمه ، قال الشيخ : « أو يعطيه نصف قيمة الحائط ، ويضع عليه ، والخيار بين الهدم وأخذ القيمة للثاني » وفيه : أنه ، يكفي في قوة الاحتمال الأول اشتراك الآلات ، وإن لم يكن الأساس مشتركا ، كما أن له المنع من الوضع أيضا مع فرض اشتراك الآلات ، فما في المسالك ـ تبعا لما سمعته عنها من أن له منع الشريك من وضع الخشبة مع اختصاصه بالآلات دون ما لو بناه بالمشتركة ـ في غير محله أيضا اللهم إلا أن يكون الوضع مستحقا له سابقا مثلا ، فيتجه حينئذ ما ذكره.

وعلى كل حال فقد ظهر لك عدم جواز عمارة الشريك بدون الإذن مطلقا ، نعم في المسالك « على القول باعتبار إذن الشريك لو خالف وعمره فهل للشريك نقضه احتمال ، من حيث تصرفه في ملك غيره ، وتغيير هيئته ، ووضعه الذي كان عليه فصارت الكيفية الثانية كأنها مغصوبة فله إزالتها ، والأقوى العدم إن كان بناه بالالة المشتركة لأن هدمه أيضا تصرف في مال الغير وهو الشريك الذي بنى فلا يصح كالأول ، وإنما تظهر الفائدة في الإثم ، والجواز إن كان بناه بغير آلته لأنه عدوان محض ، وتصرف في أرض الغير ، فيجوز تغييره ».

قلت : قد تبع بذلك الفاضل في التذكرة بل صرح فيها بعدم جواز نقض من بناه أيضا ، لكنه لم يصرح في بناء الفرع تقدير اعتبار الإذن والمتجه أن له ذلك أيضا ،

٢٦٧

فإن له الامتناع من بناء الآلات المشتركة ، كما اعترف به في جامع المقاصد ، ومن التصرف في أرضه مع فرض الشركة في الأساس ، فلم يكن الوضع حينئذ بحق فهو ظالم لا حق لعرقه ، فله الإزالة بلا أرش.

نعم لو قلنا بحرمة ذلك عليه اتجه حينئذ إلزامه به ، كما لو هدمه ابتداء هذا وفي المسالك أيضا « أنه حيث يتوقف البناء على إذن الشريك ويمتنع يرجع أمره إلى الحاكم ليجبره على المساعدة أو الإذن ، فإن امتنع أذن الحاكم ، وهل له الإذن فيه بأجرة يرجع بها على الشريك أو مجانا الأقوى الثاني ، لأن الشريك إذا لم يجبر على العمارة لا يجبر على الإنفاق ، فإذا اختار الشريك بناءه مجانا ، فعل ، وإلا تركه ».

قلت بل قد يشكل جبره على الإذن على وجه تقوم إذن الحاكم مقامه. بأن له الامتناع منها ، لقاعدة « التسلط » و « عدم حل مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه » وغيرها ومن هنا أنكر عليه ذلك في الحدائق ، خصوصا بناء على مختاره سابقا من اعتبار الإذن في الجواز للشريك ، حتى لو أراد بناءه من غير رجوع عليه ، وإنه يأثم لو بناه من غير إذن. إلى غير ذلك من عباراته التي هي كعبارة غيره من الأصحاب ، خصوصا مثل إطلاق المصنف وغيره ، وخصوصا مثل عبارات التذكرة في الظهور أو الصراحة في عدم وجوب الإذن عليه ، بناء على اعتبار اذنه.

نعم في جامع المقاصد « فرع : لو أراد أحد الشريكين الإضرار بصاحبه في الجدار والقناة والدواب ونحوها ، فامتنع من العمارة وغيرها من الوجوه التي يمتنع الانتفاع بدون جميعها ، فليس ببعيد أن يرفع أمره إلى الحاكم ليخير الشريك بين عدة أمور : من بيع وإجارة وموافقة على العمارة وغير ذلك من الأمور الممكنة في ذلك عملا بقوله (١) « لا ضرر ولا ضرار » ولأن في ترك جميع هذه الأمور إضاعة للمال ، وقد نهي عنها ، ولم أظفر بتصريح فينبغي أن يلمح ».

قلت : قد يشهد له في الجملة ما‌ في دعائم الإسلام (٢) قال : « روينا عن جعفر بن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الخيار الحديث ٤ ـ ٥.

(٢) الدعائم ج ٢ ص ٥٠٤ الطبعة الثانية بمصر.

٢٦٨

محمد صلوات الله عليه أنه سئل عن جدار الرجل وهو سترة فيما بينه وبين جاره سقط ، وامتنع من بنيانه قال : ليس يجبر على ذلك إلا أن يكون وجب ذلك ، لصاحب الدار الأخرى ، أو شرط في أصل الملك ، ولكن يقال لصاحب المنزل : استر على نفسك في حقك إن شئت. قيل له فإن كان الجدار لم يسقط ، ولكنه هدمه أو أراد هدمه إضرارا بجاره لغير حاجة منه إلى هدمه ، قال : لا يترك ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا ضرر ولا ضرار » وان هدمه كلف أن يبنيه.

وعلى كل حال فما في جامع المقاصد هو كالصريح في عدم الجبر في غير الصورة المفروضة ، ومنه ما سمعته من المسالك الذي لم يعلقه على الضرر ونحوه ، بل جعله من أحكام الشركة في الجدار التي قد اعترف سابقا باعتبار الإذن من الشريك ، لو أراد التبرع ببنائه ، ولاحقا في مسألة السفل والعلو ، وحينئذ يكون كاقتراح وضع جدار مشترك بينه وبينه في أرض مشتركة ، وآلات كذلك ، ولا ريب في عدم وجوب الإذن بذلك عليه ، وان تضرر الآخر بذلك ، وانه لا وجه لرفع أمره الى الحاكم ، ولا لجبره على ما هو غير واجب عليه.

نعم لو قلنا ان سبق وجود الجدار بينهما يوجب الحق لهما في وضعه على وجه لا يجوز له الامتناع مع طلب الأخر ، اتجه حينئذ ذلك ، لكن ينبغي عليه عدم اعتبار اذنه ، بل نهيه أيضا كما في باقي صور امتناعه عما هو حق عليه ، وكأنه هو الذي لحظه الفاضل فيما ذكره في القواعد من عدم جواز منعه إياه لو أراد الانفراد بالعمارة الا أنه كما ترى ، ضرورة عدم ثبوت حق يكون الجدار بينهما على وجه يوجب ذلك وهو واضح ، ولو سلم فهو غير ما سمعته من المسالك الذي لم أعثر على موافق له فيه ، ولا من احتمله ، بل صريح كلماتهم عدمه ، بل هو في نفسه بناء على اعتبار الإذن في غير محله ، بل منه يعلم ما في تفصيل المحدث البحراني من أنه لا يحتاج الى الإذن من الشريك في العمارة مع فرض التضرر به ، ولا بد منها مع عدمه ، إذ هو مع أنه خروج عن محل البحث الذي هو الجدار المشترك من حيث كونه كذلك : أي مع قطع النظر عن الأمور الخارجية ، قد يناقش فيه بأن فرض ضرر أحدهما بعدم العمارة قد يعارض‌

٢٦٩

بفرض ضرر الأخر بها ، والضرر لا يدفع بالضرر ، كما اعترف به الفاضل وغيره في الرد على الشافعي في القديم من المساعدة في العمارة ، بل ومع فرض عدمه أيضا بعدم وجوب دفع الضرر عن الغير ببذل مال آخر ، وان لم يتضرر به ، والا لوجب ذلك في الجدار الجديد وغيره.

نعم قد يقال بوجوب القسمة ونحوها أو برفع الأمر إلى الحاكم ، ليرى وجها يحكم به لقطع النزاع بينهما ، مراعيا للجمع بين الحقين ودفع الضرر عنهما من باب السياسات المعد هو لها ، ولعله على ذلك يحمل ما‌ في دعائم الإسلام (١) « وعنه صلوات الله عليه عن الجدار بين الرجلين ينهدم ، ويدعوا أحدهما صاحبه إلى بنائه ، ويأبى الآخر قال : ان كان مما يقسم قسم ما بينهما ، وبنى كل واحد منهما حقه ان شاء ، أو ترك ان لم يكن ذل يضر صاحبه ، وان كان ذلك مما لا يقسم قيل له : ابن أو بع أو سلم لصاحبك ان يرضى أن يبنيه ، ويكون له ذلك ، وان اتفقا على أن يبنيه الطالب وينتفع به ، فإن أراد الأخر الانتفاع به معه دفع اليه نصف القيمة » فتأمل جيدا والله العالم.

ومما ذكرنا يعلم الحال فيما ذكره المصنف وغيره بقوله وكذا لو كانت الشركة في دولاب أو بئر أو نهر أو قناة أو ناعورة أو نحو ذلك ، أي لا يجبر الشريك على المشاركة في عمارتها من غير فرق بين كون المشترك ذا غلة تفي بعمارته ، وغيره عند الأصحاب على ما في المسالك ، وبين القابل للقسمة وعدمها ، وانما نبه بذلك على خلاف أبي حنيفة الذي حكم بإجبار الشريك على المساعدة على العمارة في هذه المذكورات دون الحائط ، فارقا بينهما ، بأن الشريك لا يتمكن من المقاسمة فيها ، فيتضرر به بخلاف الجدار ، فإنه يتمكن من قسمته ، ورد بإمكان كون القسمة فيه أكثر ضررا عليه ، فكانا حينئذ سواء.

نعم لو أنفق أحدهما على البئر أو النهر لم يكن له منع الأخر من نصيبه من الماء الذي ينبع في ملكهما المشترك بينهما الذي أثر فيه نقل الطين عنه ، وليس له‌

__________________

(١) الدعائم ج ٢ ص ٥٠٥ الطبعة الثانية بمصر.

٢٧٠

فيه عين ملك ، بخلاف الحائط إذا بناه بآلات منه كما هو واضح.

وكذا ظهر لك مما ذكرناه أيضا أنه لا يجبر عندنا صاحب السفل ولا العلو في الساباط وغيره على بناء الجدار الذي يحمل العلو ولا على جدار البيت ، لأصالة براءة الذمة من وجوب عمارة ملك الإنسان لنفسه ، فضلا عن الغير إلا أن يكون ذلك لازما بعقد ، فيجب حينئذ كعمارة الساقية المستحق إجراء الماء فيها ، خلافا للشافعي فيجبر صاحب السفل على الإعادة ، ولا ريب في ضعفه ، ولو طلب صاحب العلو مثلا بناء جدران السفل تبرعا فهل له منعه؟ ففي المسالك « فيه الوجهان السابقان » وأطلق في التحرير « ليس له منعه ».

قلت : قد عرفت التحقيق في ذلك سابقا ، وأما ما حكاه عن التحرير فيمكن تنزيله على ما في القواعد من أنه لو طلب صاحب العلو عمارة السفل بنقض صاحبه كان له منعه ، وإن أعاده بآلة من عنده فله ذلك ، وإن كان يجب تقييده أيضا كما في جامع المقاصد بما إذا لم يكن الأساس للآخر ، ولا مشتركا بينهما ، والا لم يجبر بدون الإذن ، لما عرفته سابقا ، لكن فيما حضرني من نسخة للتذكرة سقيمة « وإن أراد بناؤه بآلة من عنده فله ذلك ، وجاز أن يبني على عرصة مشتركة بينه وبين غيره بغير إذنه ليصل الى حقه من الحمل عليه » ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما قدمناه سابقا.

وعلى كل حال فلو بناه في أرضه من نفسه كان له منع صاحبه من الانتفاع بالمعاد بفتح كوة وغرز وتد ونحو ذلك ، أما الاستكان فالظاهر أنه ليس له المنع منه وإن انتفع به ، هذا كله إذا انهدم بنفسه ، أو هدماه معا من غير شرط ، أما إذا استهدم فهدمه صاحب السفل بشرط أن يعيده ، ففي التذكرة أجبر عليه قولا واحدا ، أي إذا كان ذلك منه بملزم شرعي.

ولو هدمه أي الجدار المشترك مثلا بغير اذن شريكه الذي لم يجب هدمه عليه لاستهدامه وجب عليه إعادته لأنه ضمان مثله عادة ، لكن في الدروس « ان أمكنت المماثلة كما في جدران بعض البساتين والمزارع ، والا فالأرش ، والشيخ أطلق الإعادة ، والفاضل أطلق الأرش ، وفي المسالك بعد أن حكي تفصيل‌

٢٧١

الدروس ، وتبعا للكركي « وفيه مناسبة الا أنه خارج عن القواعد الشرعية لانتفاء المثلية في الفائت ، فإنه محض صفة إذا الأعيان باقية ، والمماثلة في الصفة بعيدة ، فالقول بالأرش مطلقا أوضح ».

قلت : قد يقوى ما ذكره الشيخ لصدق المثلية عرفا ، بل تصح الإجارة على صنعة جدار مثل هذا الجدار. نعم لو فرض تعذر ذلك كما في بعض البناء انتقل إلى القيمة كما في كل مثلي تعذر مثله ، وكذا الكلام في كسر الخاتم ونحوه ، وفتق الثوب ونحوه.

ولو هدمه بإذن شريكه وشرط اعادته ، وجب ذلك إذا كان الشرط في عقد لازم ، بل قد سمعت ما في التذكرة في نظيره من أنه ـ كذلك قولا واحدا ، لكن ربما ظهر من بعضهم كونه من المسألة السابقة التي يجب فيها الأرش ، ولعله لعدم إمكان الشرط لما عرفت من عدم إمكان ضبط الصفة ، الا أنه كما ترى ، فإن عود الشي‌ء على ما كان بحيث يتحقق فيه الصدق عرفا ممكن وواقع ، بل من ذلك يعلم قوة ما ذكرناه أولا.

بل قد يؤيده أيضا أن الأرش المذكور هنا ان أريد به ما يخص الشريك من مقابل الهيئة الفائتة ، فهو لا يجدي في عمارة الجدار المزبور الذي تحقق فيه الضرر عليه بهدمه ، ولو لفوات حصة الشريك ، فلم يكن في ذلك جبر لضرره ، وان أريد به ما يقابل تمام الهيئة ، ففيه أنها مشتركة بين الهادم والشريك ، والإنسان لا يضمن لنفسه مضافا الى ما عن الأردبيلي من استبعاد الأرش فيما حكي عنه قال : « فإنه لا يسوى بعد الهدم إلا شيئا قليلا جدا ، والجدار الصحيح تكون له قيمة كثيرة ، بل المناسب على القول بالأرش أن يراد به ما يحتاج في تعمير مثل ذلك ، وفيه أيضا تأمل ، إذ قد يتفاوت العمل والأجرة كثيرا فتأمل ، وبالجملة القول بوجوب الإعادة بحيث يصدق عليه عرفا أنه اعادة قوي جدا في صورة عدم الشرط فضلا عما لو شرطه والله العالم.

ولو اصطلح الشريكان على أن يبنياه ويكون لأحدهما أكثر مما كان له ، فعن الشيخ بطلان الصلح ، لأن فيه اتهاب ما لم يوجد ، وفيه أنه يكفي مشاهدة الآلات أو وصفها ومشاهدة الأرض ، ودعوى ـ أن الجدار جزء صوري من التأليف لا يمكن ضبطه ـ يدفعها ، أن الصورة صفة تابعة للموهوب وضبطها ممكن ، والا لما جاز الاستيجار على‌

٢٧٢

البناء المقدر بالعمل ، كدعوى عدم العوض بعد تساويهما في العمل وغيره التي يمكن دفعها بما عرفته سابقا من عدم اعتبار العوض في الصلح ، على أنه يمكن القول هنا بأن الشارط على نفسه متبرع بما يخص شريكه من عمله ، والشارط لنفسه غير متبرع ، فيشترط له قدرا من الملك.

وكذا دعوى اقتضاء تعليق الملك في عين ـ وهو ممتنع لامتناع الأجل في الملك ومن هنا احتمل بعضهم جواز اشتراط تملك الأكثر من الآلات لا من الجدار بعد البناء وحينئذ فلو انفرد أحدهما بالعمل وشرط لنفسه الأكثر من الآلة صح قطعا ـ ، إذ قد تدفع أيضا بأن هذا الصلح يجرى مجرى الاستيجار على الطحن بجرو من الدقيق ، وعلى الارتضاع بجزء من العبد ، فإنه يملكه في الحال ، ويقع العمل فيما هو مشترك بينه وبين غيره ، وعلى هذا يملك الأكثر مبنيا.

كل ذلك مضافا الى ما سمعته غير مرة من كون الصلح عقدا مستقلا برأسه ، لا يعتبر فيه جريان غيره من العقود على مورده ، فربما كان مورده لا يجرى عليه عقد من العقود ، وإنما فسر أنه كلما يفرض إمكان قطع الخصومة به لو كانت مما لا يكون فيه تحليل حرام ولا تحريم حلال ، ولا ريب في جواز رفع أحد الشريكين يده عما يملكه من آلات الجدار جميعه ، فضلا عن الأكثر ، ببنائه من الشريك الآخر خاصة ، أو مع كونه معه ، فيصح الصلح حينئذ عليه وان لم يكن عوض للمتبرع من ماله وعمله سوى كون الجدار مبنيا ليكون ساترا مثلا بينهما كما هو واضح. والله العالم.

ثم انه لا خلاف ولا إشكال في جواز قسمة الجدار المشترك طولا وعرضا ، وطوله امتداده من زاوية البيت مثلا إلى الزاوية الأخرى ، لا ارتفاعه عن الأرض الذي هو عمقه والعرض هو السطح الذي يوضع عليه الجذوع ، فلو كان طوله عشرا وعرضه ذراعين فاقتسما في كل الطول ونصف العرض ، فيصير لكل واحد منهما طول عشرة أذرع في عرض ذراع جاز ، وكذا لو اقتسماه في كل العرض ونصف الطول بأن يصير لكل واحد منهما طول خمسة أذرع في عرض ذراعين.

ثم القسمة بعلامة توضع جائزة في الأمرين ، وبالنشر جائز في الثاني دون الأول‌

٢٧٣

إلا مع تراضيهما ، كما لو نقضاه واقتسما الآلة ، والقرعة ممتنعة في الأول لإمكان وقوعها على ما لا ينتفع به مع عدم إمكان التبديل ، بل يختص كل وجه بصاحبه ، ولعله لذا قال في القواعد : « ولا يجبر أحدهما لو امتنع عن القسمة في كل الطول ونصف العرض لأن القرعة معيار القسمة ( لكن قال أيضا ) وكذا في نصف الطول وكل العرض وتصح القرعة في الثانية دون الأولى ، بل يختص كل وجه بصاحبه » وظاهره عدم الإجبار في الصورتين ، لكن في محكي التذكرة أنه إن انتفى الضرر عنهما أو عن الممتنع اجبر عليهما في الصورة الثانية ، وإن تضرر الممتنع لم يجبر ، وفي الدروس « ومتى تطرق ضرر عليهما أو على أحدهما وطلبه الآخر فهي قسمة تراض ، وإلا فهي قسمة إجبار ، ولو طلبها المتضرر أجبر الآخر ، وكذا يجوز قسمة عرضه قبل البناء ».

قلت : هذا خلاصة ما في القواعد وجامع المقاصد والدروس ، لكن قد يتوقف في جعل معيار القسمة القرعة ، بمعنى عدم الإجبار عليها مع عدم إمكانها ، كما أنه قد يتوقف في اعتبار إمكان وقوعها على ما ينتفع به ، إذ يمكن حينئذ الرجوع إليها والأخذ في المقام وإن وقعت في الوجه الخارج عنه ، إلا أنه يمكن التبديل بالمعاوضة والإجارة ونحوها ، ولتحقيق ذلك ـ وتحقيق وجوب الإجابة إلى القسمة مطلقا على وجه يجبر الممتنع منها ـ محل آخر يأتي إنشاء الله.

ولو ملكا دارين متلاصقين مثلا ، فليس لأحدهما مطالبة الآخر ، برفع جذوعه عنه ، ولا منعه من التحديد لو انهدم السقف إذا لم يعلما على أي وجه وضع ، لجواز كونه بعوض ، وعن الخلاف نفي الخلاف فيه ، كما نص على ذلك كله في الدروس ثم قال : « نعم لو ادعى أحدهما الاستحقاق ونفاه الآخر جزما احتمل حلف المنكر ، وعليه الفاضل ، وظاهر الشيخ أن على مدعي العارية البينة ، واليمين على الآخر ».

قلت : لكن في القواعد « لو وجد بناءه أو خشبته أو مجرى ماءه في ملك غيره ، ولم يعلم سببه فالأقرب تقديم قول صاحب الأرض والجدار في عدم الاستحقاق » ووافقه عليه في جامع المقاصد ، لأصالة عدم الاستحقاق في ملك الغير ، ولأن اليد تقتضي الاختصاص بالانتفاع ، والوضع أعم من الاستحقاق ، وغايته أن يكون بحق ،

٢٧٤

وهو أعم من العارية التي يجوز فيها الرجوع.

وفيه أن الأصل في تصرف المسلم ويده أن يكون بملك واستحقاق حتى يعلم عدمه ، فالمتجه حينئذ فيما فرضه في الدروس وجوب الإبقاء ، أما لو فرض غير ذلك بأن تنازع أحدهما مع الآخر في الاستحقاق وعدمه ، ولم يكن ثم استناد الى يد ونحوه ، فالمتجه كون اليمين على منكر الاستحقاق وما عن الشيخ من كون البينة على مدعي العارية واليمين على الآخر يمكن تنزيله على ذي اليد ونحوه ، كما أن ما في القواعد وجامع المقاصد إن كان المراد به ما فرضه أولا في الدروس ففيه ما عرفت ، وإن كان المراد به ما ذكره بقوله « نعم » فهو متجه ، وان كان هو غير ظاهر من أول العبارة ، ولكن الأمر سهل بعد وضوح الحال والله العالم.

المسألة الخامسة : إذا تنازع صاحب السفل والعلو في جدران البيت الحاملة للعلو ( فـ ) المشهور كما في المسالك ان القول قول صاحب البيت مع يمينه ولو كان في جدران الغرفة ، فالقول قول صاحبها مع يمينه قيل : ويعضده أن جدران البيت جزؤه وجدران الغرفة جزؤها ، فيحكم بهما لصاحب الجملة بل في جامع المقاصد جعل ذلك دليل المسألة ، وفيه : أنه بعد فرض التنازع في ذلك يكون المراد من الاعتراف بكون البيت والغرفة له مع فرضه ما عدا محل النزاع منها والا لم يكن ثم وجه للمخاصمة ، كي تتوجه البينة على أحدهما ، واليمين على الأخر ، فلا دليل حينئذ للحكم المزبور الا دعوى استقلال اليد من كل منهما على ما ادعاه فيكون القول قوله مع يمينه.

نعم قد يناقش بمنع استقلال يد صاحب السفل على جدار بيته ، مع فرض تصرف صاحب العلو به وبالبناء عليه ، وبمنع استقلال صاحب العلو مع فرض تصرف صاحب السفل به باتصاله بالعالي بملكه ، على وجه هو كالجزء منه ، وبالاستكنان تحت السقف المعلق عليه ، والتصرف في الجدار انما هو بالتصرف في بعض أجزائه ، لأنه شي‌ء واحد عرفا ، وبذلك يظهر لك ما في المحكي عن ابن الجنيد من أن جدار البيت بينهما ، لأن حاجتهما إليه واحدة ، بخلاف جدران الغرفة ، إذ لا تعلق لصاحب البيت‌

٢٧٥

به ، إلا كونه موضوعا على ملكه ، وإن ارتضاه في المختلف ، بل في المسالك هو قول جيد ، إلا أنك عرفت قوة اشتراك الجميع في اليد من كل منهما ، اللهم إلا أن يدعى استقلال اليد عرفا منهما على كل منهما ، خصوصا في جدار الغرفة المتفق على اختصاص يد صاحبها حتى من ابن الجنيد كالسقف الأعلى ، وأن ما ذكرناه ليس من الأمارة على اشتراك اليد في العادة فيتجه حينئذ قول المشهور ، ولو تنازعا في السقف قيل : والقائل الشيخ فيما حكي عنه إن حلفا قضي به لهما وكذا إن نكلا وإلا اختص بالحالف منهما على نحو ما سمعته في التنازع في الجدار وشبهه الذي يدهما معا عليه وقواه في الدروس قال : « وفي المبسوط يقسم بعد التحالف ، والقرعة أحوط » ، وتردد في الخلاف بين القرعة والتحالف ، وقيل والقائل ابنا الجنيد وإدريس لصاحب العلو ومال إليه في المسالك بل اختاره في جامع المقاصد ، بل عن الفاضل ترجيحه في كثير من كتبه ، لأن الغرفة انما تتحقق بالسقف الحامل ، لأنه أرضها والبيت قد يكون بغير سقف ، وهما متصادقان على أن هنا غرفة فلا بد من تحققها ، ولأن تصرفه فيه أغلب من تصرف صاحب السفل ، وإن كان هما معا كما ترى.

نعم قد يقال : ان اليد مختصة به ، دون الأسفل ، لأن سكونه تحته ليس يدا عليه ، وان كان هو محلا للنظر أيضا باعتبار صدق التصرف به بالتصرف في البيت الذي هو من أجزائه ، بل فيما تسمعه من القواعد احتمال اختصاصه به ، باعتبار أن الغرفة على البيت ، فلا يتحقق الا بعده ، والبيت لا يتم الا بالسقف ، وان كان هو واضح الضعف أيضا ، فالأقوى الاشتراك بينهما على الوجه الذي تقدم.

وقيل : والقائل الشيخ كما في المسالك يقرع بينهما وهو حسن عند المصنف ، (١) « لأنها لكل أمر مشتبه » وفيه : أنه لا اشتباه بعد اقتضاء اليد الاشتراك بينهما ، وفي المسالك « وربما منع الاشتباه هنا ، لأن رجحان أحد الطرفين في نظر الفقيه يزيل الاشتباه بالنسبة إلى الحكم » هذا وفي القواعد « أما السقف فإن لم يكن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى الحديث ١١ لكن فيه كل مجهول ففيه القرعة الى آخره.

٢٧٦

احداثه بعد بناء العلو كالأزج الذي لا يمكن عقده على وسط الجدار بعد امتداده في العلو ، فهو لصاحب السفل ، لاتصاله ببنائه ، وان كان بحيث يمكن احداثه كجذع يثقب له في وسط الجدار ويجعل البيت بيتين فهما مشتركان فيه ، فيحتمل ـ التسوية لأنه أرض لصاحب العلو وسماء لصاحب السفل ، ـ واختصاص الأول ـ والثاني ».

وتبعه على ذلك في الدروس قال : « ولو لم يمكن إحداث السقف بأن كان أزجا ترصيفا حلف صاحب البيت لاتصاله به » وكذا في جامع المقاصد والمسالك قال في الأخير منهما : « وموضع الخلاف السقف الذي يمكن احداثه بعد بناء البيت ، أما ما لا يمكن كالأزج الذي لا يعقل احداثه بعد بناء الجدار الأسفل لاحتياجه إلى إخراج بعض الأجزاء عن سمت وجه الجدار قبل انتهائه ، ليكون حاملا للعقد ، فيحصل به الترصيف بين السقف والجدار ، وهو دخول آلات البناء من كل منهما في الآخر ، فإن ذلك دليل على أنه لصاحب السفل فيقدم قوله بيمينه ».

قلت : قد يناقش بأن ذلك لا ينافي وجود يد من صاحب العلو بالتصرف فيه أيضا الممكن أن يكون ذلك بالشراء من صاحب البيت أو غيره ، وحينئذ يكون يد كل منهما عليه ، فيتجه فيه التحالف على النحو المذكور.

المسألة السادسة : إذا خرجت أغصان شجرة أو عروقها إلى ملك الجار ، وجب وثبت له استحقاق عطفها مثلا على مالكها إن أمكن والا قطعت من حد ملكه ، وإن امتنع صاحبها من ذلك عطفها أو قطعها الجار ولا يتوقف على إذن الحاكم في تفريغ ملكه عما لا يستحق بقاؤه عليه ، فضلا عما يكون بقاؤه عدوانا ، وقاعدة « قبح التصرف في مال الغير لا تأتي في دفع الظلم أو الضرر عنه ، خصوصا مع كون هتك الحرمة من المالك نفسه بالظلم وغيره ، ولذا صرح في محكي التحرير بالوجوب والإجبار مع الامتناع ، وجعله المختار في جامع المقاصد.

بل قد يظهر من إطلاق المحكي عن التحرير أن للمالك الإزالة من دون استيذان المالك ، كما لو دخلت بهيمة إلى داره أو زرعه ، بل صرح به في جامع المقاصد ، لأن إزالة العدوان عليه أمر ثابت له ، وتوقفه على اذن الغير ضرر ، ولانه‌

٢٧٧

لو توقف على اذن المالك لتوقف على اذن الحاكم مع الامتناع ، لعدم جواز التصرف في مال الغير بغير إذنه ، وغير اذن من يقوم مقامه مع التمكن ، وحينئذ فما يظهر من المتن والدروس ومحكي التذكرة من اعتبار اذنه لا يخلو من نظر ، وربما يقوى التفصيل بين ما كان فيه ضرر بمراعاة اعتبار الإذن منه أو من الحاكم وعدمه ، فلا يحتاج إلى الاذن في الأول دون الثاني مراعاة للجمع بين القواعد جميعا.

وعلى كل حال فما عن التذكرة ـ من ان مالك الشجرة لا يجب عليه إزالتها ، وان جاز لمالك الأرض ، لأنه من غير فعله ، ويلزمه عدم الإجبار عليه ـ مخالف للقواعد الشرعية.

نعم مع إمكان العطف لا يجوز له القطع ، فلو فعله كان ضامنا ، لكن هل يضمن جميع ما يقطع أم تفاوت ما بينه وبين المعطوف وجهان كما في المسالك من التعدي فيضمن ومن ان العطف حق له ، وما يفوت به في حكم التالف شرعا ، ولعل الأقوى الأول ، كما أنه يقوى وجوب الأجرة له مع امتناع المالك ، وإن لم يستأذن الحاكم ، إذا لم ينو التبرع ، ولو مضت مدة طويلة عليها كذلك مع تفريطه ، ضمن أجرة الأرض والهواء كما صرح به غير واحد ، بل لعله كذلك مع صدق استبقاء المنفعة وإن لم يكن ثم تفريط ولذا صرح غير واحد أيضا بأنه ليس لمالك الأرض إيقاد النار تحت الأغصان لتحرق حيث يجوز القطع لأنه أشد ضررا فلو فعل ضمن ما يتلف بسببه زيادة على حقه وهو كذلك.

نعم قد يقال إن له إيقاد النار لمصالحه ، كالتنور ونحوه وإن ادى ذلك إلى تلف الأغصان مع تفريط المالك بعدم العطف مثلا ، أو القطع لعموم « تسلط الناس » ولأن إهماله وتفريطه أقوى من انتفاع المالك بماله المؤدي إلى تلف مال الغير فتأمل وفي حكم الشجرة الجدار المائل إلى ملك الغير.

وكيف كان فـ ( لو صالحه على إبقائه ) أي الغصن مثلا في الهواء لم يصح على تردد ينشأ من عدم جواز افراد الهواء بالصلح تبعا للبيع ، ومن كونه عقدا مستقلا مع عدم كون ذلك صلحا عن الهواء ، بل هو صلح عن منفعة ، قائم مقام‌

٢٧٨

الإجارة ، لكن لا ريب في أن الأقوى الثاني كما عرفته في نظائره ، خلافا للمحكي عن الشيخ.

أما لو صالحه على طرحه على الحائط ، جاز بلا خلاف مع تقدير المدة والزيادة أو انتهائها بل قد عرفت جوازه في نظير المسألة ، مع التصريح بالتأبيد ، بل قد عرفت جوازه مع عدم تقدير بالزيادة ولا انتهائها لتحمل الصلح من الجهالة ما لا يتحمله غيره ، خلافا لجماعة ، فاعتبروا في جوازه الأمرين جميعا ، بل في الدروس وغيرها التصريح بعدم جواز التأبيد والله العالم.

المسألة السابعة إذا كان لإنسان بيوت الخان السفلى ، ولآخر بيوته العليا ، وتداعيا الدرجة قضى بها لصاحب العلو مع يمينه من حيث كونه صاحب سفل وعلو لاستقلال يد اختصاصه بالتصرف فيها بالسلوك ، وإن كانت موضوعة في الأرض المحكوم بها أيضا لصاحب السفل باعتبار اقتضاء اليد عليها ، اليد على محلها ، ويد اختصاص الأسفل على غيرها من الأرض لا يوجب اليد له عليها ، كما هو واضح.

نعم في المسالك هذا مع اختلافها في الخزانة تحتها ، أما لو اتفقا على أن الخزانة لصاحب الأسفل كانت الدرجة كالسقف المتوسط بين الأعلى والأسفل ، فيجري فيها الخلاف السابق ، وفي الدروس « ولو تنازعا في المرقى ومحله فهو للأعلى ، وفي الخزانة تحته بينهما ، ولو اتفقا على أن الخزانة لصاحب الأسفل فالدرجة كالسقف المتوسط بين الأعلى والأسفل ، فيقضي بها بينهما ، ولا عبرة بوضع الأسفل آلاته وكيزانه تحتها ، ثم إذا ثبت الدرجة للأعلى فهو ذو يد في الأس ».

قلت : قد يرجح صاحب السفل بأنها من بيوته الظاهرة في العرف استقلال يد اختصاصه بها لتبعية الهواء للدار كاستقلال يد اختصاص صاحب العلو عرفا بالأعلى ـ ومن ذلك يظهر لك ما في قول المصنف ولو كان تحت الدرجة خزانة كانا في دعواها سواء والفاضل في القواعد « ويقضى بالدرجة لصاحب العلو ويتساويان في الخزانة تحتها ، إلى آخره ـ فيقضى بها بينهما بعد التحالف والنكول ، لان لكل واحد منهما شاهدا بملكها ، باعتبار أن يد الاختصاص لصاحب العلو يقضي بأن مكانها كذلك إذ الهواء كالقرار ، كما أن يد الاختصاص للأسفل تقضى بأن الهواء له أيضا لأنه تابع للقرار ،

٢٧٩

لما عرفت من ظهور يد الاختصاص عرفا بها لذي السفل المفروض كون البيوت له التي هي من جملتها في الحقيقة ، بل لعل كلامهم فيما تقدم ـ في تقديم صاحب السفل لو كان النزاع في الجدار الأسفل ـ شاهد على ذلك ، وكأنه مال إليه في الحدائق ، وفي محكي التذكرة احتماله ، واحتمال الاختصاص بذي العلو ، ولا ريب في ضعفه.

نعم قد يؤيد الأول بظهور التفاوت بين خزانة الدرج وغيرها من البيوت ، باعتبار كونها كالتابع له ، وصاحب اليد عليه ذو يد عليها أيضا ، ومن ذلك مع تصرف صاحب الأسفل حكم المصنف وغيره بالتسوية بينهما ، بخلاف بيوت الأسفل ، بل هي غير التداعي بين صاحب الغرفة وبين من تحتها. فتأمل جيدا. فإنه لا يخلو من مصادرة اللهم إلا أن يفرض اختلاف الهيئات في ذلك عرفا هذا.

وقد يشكل كون الدرجة للعالي وكونهما سواء في دعوى الخزانة والفرض ان الدرجة من اجزائها ، واحتمال كون المراد تسويتهما فيما عداها ـ بقرينة ذكرهم الدرجة للعالي أولا ـ يدفعها احتمال كون المراد بالأول حيث لا تكون خزانة.

ثم إن المتجه للمصنف استحسان القرعة لو تنازعا في سقفها كما ذكره في سقف البيت ولعله لذا في اللمعة اختار القرعة في الاختلاف في الخزانة ، كما اختارها في الاختلاف في سقف البيت ، وبالجملة كلامهم لا يخلو من تشويش ، وقد يحتمل كون الدرجة للأعلى وإن كانت سقفا ، والباقي للأسفل ، ولكن يقوى كونها كالسقف حيث يكون خزانة ، وقد عرفت أن يدهما معا عليه بخلاف الأرض والجدران.

وفي الروضة « ما في اللمعة في القرعة في الخزانة لما ذكروه في السقف ، ـ ثم قال ـ : ويشكل أيضا الحكم في الدرجة مع اختلافهما في الخزانة ، لأنه إذا قضى بالخزانة لهما ، أو حكم بهما للأسفل بوجه تكون الدرجة كالسقف المتوسط بين الأعلى والأسفل ، لعين ما ذكر خصوصا مع الحكم بها للأسفل وحده ، فينبغي أن يجري فيها الخلاف ، ومرجحة » إلى آخره وربما كان فيه منافاة في الجملة لما سمعته في المسالك فلاحظ وتأمل والله العالم.

ولو تداعيا الصحن الذي وضعت المرقاة في صدره أى نهايته في السعة ،

٢٨٠