جواهر الكلام - ج ٢٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

يخرج المال عن الشركة ويختص بالمصالح ، وإنما يكون العوض في ذمته ـ فلا ريب في صحة ذلك في ابتداء الشركة ، أي بعد مزج المالين قبل العمل بهما ، وفي الأثناء وعند إرادة الفسخ ، بل لا فرق في صحته بهذا المعنى بين الشركة والمضاربة.

وان كان المراد منهما صحة الصلح على أن يكون استحقاق أحدهما في المال رأس ماله تاما وللآخر الباقي ، ربح أو خسر والمال باق على الشركة من غير أن يكون ذلك في ذمة المصالح بالفتح ، فلو لم يحصل من المال حينئذ إلا دون رأس ماله ، لم يكن له رجوع عليه ، فإن قلنا إن ذلك أيضا مقتضى العمومات ، كان المتجه أيضا الصحة في الصور الثلاثة وإن قلنا إن جواز مثل هذا الصلح محتاج إلى الدليل الخاص ولا تكفي فيه العمومات بل لولاه لكان من الصلح المحلل للحرام ، وبالعكس ، فالمتجه المنع في غير مورد النصوص المزبورة ، إلا أنه يمكن منع ظهورها في خصوص صورة انتهاء الشركة ، وإرادة الفسخ ، بل لا بأس بإيقاع الصلح المزبور المفروض إفادته الاستحقاق المزبور مع بقاء المال على الشركة يعمل به ، بل لعل عموم (١) « تسلط الناس على أموالهم » يقتضيه ، ومنه ينقدح الجواز في ابتداء الشركة أي بعد مزج المالين ، ثم إيقاع صيغة الصلح على النحو المزبور ، فيعمل بالمال على هذا الوجه الذي مرجعه إلى الكلي المضمون في المال ، وأنه لا يستحق سواه ، سواء بقي المال وزادت قيم أعيانه أو لا ، وسواء عمل به باذن من الأخر أو لا.

ودعوى ـ أن الثابت صحته من النصوص الصلح عما سبق من الربح والخسران لا ما يتجدد ـ يدفعها منع ذلك أو لا ووضوح عدم الفرق ثانيا ، ضرورة أنه بالصلح صارت شركة على هذا الوجه ، سواء بقي المال على هذا الحال أو لا ، ضرورة أنه لو أراد دفع رأس المال له فنفد أعيان مال الشركة واتفق حصول الربح بذلك لم يكن له إلا رأس المال الذي وقع عليه الصلح قطعا ، وليس ذلك تعد من محل النص الذي هو عند التأمل مطلق ، فإن المراد من قوله « أعطني » الكناية عن استحقاق رأس المال نعم لا يجوز التعدي إلى غير الشركة كالمضاربة ولا إلى غير هذه الصورة في الشركة كالصلح‌

__________________

(١) البحار ج ـ ٢ ـ ص ٢٧٢ من الطبعة الحديثة.

٢٢١

على اختصاص الربح بأحدهما دون الخسران ونحوه.

ومن ذلك كله ظهر لك أن المتجه على كل حال الجواز مطلقا ، كما هو مقتضى إطلاق المتن وغيره من عبارات الأصحاب ، بل والنص. نعم الأقوى عدم جواز ذلك بطريق الشرطية ، لا في الابتداء ولا في الأثناء ولا عند الانتهاء ، ضرورة عدم المقتضي للزوم وإنما هو وعد ، بل قيل : إنه مناف لمقتضى العقد الذي هو تبعية الربح والخسارة للمال فهو مخالف للكتاب والسنة ، بل عائد عليه بالنقص ، وليس هو كاشتراط الخيار في عقد البيع ونحوه المنافي للزوم الذي هو مقتضى الإطلاق لا العقد نفسه الذي لا يقتضي إلا الانتقال خاصة ، واللزوم من صفاته وكيفياته الخارجية ، بخلاف عقد الشركة الذي ليس مقتضاه إلا ما عرفت ، فمع اشتراطه لم يبق للشركة معنى بالكلية ، ويكون بمنزلة العقد للشي‌ء بشرط عدمه ، والبيع المشترط فيه عدم الانتقال ، وإن كان قد يناقش فيه بأن ذلك لو كان منافيا لمقتضاها لم يجز حتى بالصلح الذي قد عرفت جوازه للأدلة المزبورة المراد بالشرط فيها ما فهمه الأصحاب من وقوع ذلك بعقد الصلح ، فإنه ربما يطلق اسم الشروط على العقود.

ومن الغريب جعل بعضهم محل النزاع هنا الاشتراط حتى قال : « إنه ليس في عبائر الجماعة إطلاق يشمل صورة الاشتراط في ابتداء الشركة الذي يسمى اشتراطا ولا يسمى صلحا » وقد عبروا به إذ قد عرفت أن محل البحث الصلح لا الشرطية ، ولكن هل صحته مختصة في صورة وقوعه عند ارادة فسخ الشركة أو عامة له ولوقوعه في أثنائها أو عند ابتدائها ، أي بعد مزج المالين لمشروعية الاشتراك على هذا الوجه بالصلح من غير فرق بين الجميع ، ولا ريب في اقتضاء إطلاق المتن وغيره ذلك ، بل لعله مقتضى التأمل الصادق في النصوص أيضا.

وأما مسألة الشرطية في عقد الشركة فهي مسألة أخرى مذكورة في باب الشركة لا مدخلية لها فيما نحن فيه ، فمن الخبط جعل كلامهم هناك مقيدا لإطلاقهم هنا كما هو واضح وبه يظهر لك ما في جملة من كتب المصنفين خصوصا الرياض فلاحظ وتأمل والله العالم.

٢٢٢

ولو كان معهما درهمان ، وادعاهما أحدهما وادعى الآخر أحدهما ، كان لمدعيهما درهم ونصف ، وللآخر ما بقي بصحيح عبد الله بن المغيرة (١) عن غير واحد من أصحابنا « عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجلين كان معهما درهمان فقال أحدهما : الدرهمان لي وقال الآخر : هما بينى وبينك قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أما الذي قال : هما بينى وبينك فقد أقر بأن أحد الدرهمين ليس له فيه شي‌ء وأنه لصاحبه ، ويقسم الدرهم الثاني بينهما نصفين ».

ومثله مرسل محمد بن أبي حمزة (٢) المنجبر إرسالها بالشهرة ، مع أن في سنديهما ابني أبي عمير والمغيرة من أصحاب الإجماع ، وإرسال أحدهما عن غير واحد الملحق بالصحيح عند بعض ، والمراد بكون الدرهمين معهما في الخبرين والمتن أنهما في أيديهما ليتساويا في الدعوى ، إذ لو كانا في يد أحدهما لقدم قوله بيمينه.

نعم ظاهر الخبرين والمتن وغيره أن الحكم كذلك من غير يمين ، وأنه لا فرق بين كون الدعوى فيهما بالنصف من كل منهما على الإشاعة أو بواحد منهما على التعيين بل لعلهما في الأول أظهر منهما في غيره لكن في التذكرة بعد أن فرض موضوع المسألة دعوى أحدهما الدرهمين والأخر واحدا منهما قال : « الأقرب أنه لا بد من اليمين ، فيحلف كل واحد منهما على استحقاق نصف الآخر الذي تصادمت دعواهما فيه ، فمن نكل منهما قضي به للآخر ، ولو نكلا معا أو حلفا معا قسم بينهما نصفان » واستحسنه في المسالك ، لعموم (٣) « واليمين على من أنكر » وفي الدروس « لو كان معهما درهمان فادعاهما أحدهما وادعى الآخر اشتراكهما ، ففي الرواية المشهورة للثاني نصف درهم ، وللأول الباقي ، ويشكل إذا ادعى الثاني النصف مشاعا فإنه يقوى القسمة نصفين ، ويحلف الثاني للأول ، وكذا كل مشاع ».

وربما أشكل ما في التذكرة بعدم تمامية إحلاف كل منهما في صورة الدعوى على الإشاعة ، لاختصاص الحلف حينئذ بالثاني والبينة بالأول ، ومع ذلك يستحق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام الصلح الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام الصلح الحديث ـ ١.

(٣) المستدرك ج ـ ٣ ـ ص ١٩٩.

٢٢٣

بعد الحلف تمام الدرهم لا النصف ، وما فيها والدروس أيضا بوجوب الخروج عن مقتضى القاعدة ، وتخصيصها بالخبرين المعتضدين بالفتوى ، بل ذلك كله كالاجتهاد في مقابلة النص والفتوى الظاهرين في عدم اليمين أصلا ، والصريحين أو كالصريحين خصوصا الخبرين منهما في فرض موضوع المسألة في الإشاعة ، بل ظاهرهما أن ذلك على وفق الضوابط العامة ، لا أنه تعبد صرف.

ومن هنا أمكن أن يقال : بأن الوجه في عدم اليمين من أحدهما أنه بعد تساويهما في اليد المقتضية لملك كل منهما الكل ، المنافي لقاعدة عدم ملك المال المتحد للمالكين ، التي لا يختص الخروج عن التعارض فيها بالنصف الذي هو خلاف مقتضاها ، لإمكان الحكم بكونه لواحد منهما ، ويستخرج بالقرعة أو بغير ذلك ، فاليد حينئذ بعد ان كانت كذلك لا تصير أحدهما منكرا عليه اليمين ، بل هما بعد أن تساويا من هذه الجهة صارا بحكم من لا يد لأحدهما ، والمتجه فيه قسمة المال بينهما نصفين قطعا للدعوى ، فهو كالصلح القهري بينهما بذلك ، لا أن النصف مقتضى يد أحدهما حتى يكون منكرا بالنسبة إلى دعوى الآخر عليه ، وكذا العكس فيكونان كالمدعي من وجه والمنكر من آخر ، فيتحالفان. ضرورة ثبوت الحكم المزبور في غير ذوي الأيدي كما تسمعه في الوديعة ، وفي التداعي في المال المطروح ونحوهما ، واليد إنما قضت بالجميع.

ومعارضتها بالأخرى لا تقتضي تنزيلها على النصف الذي هو خلاف مقتضاها ، وحينئذ فليس النصف المحكوم به في النص والفتوى إلا لقطع الخصومة بينهما بذلك بالعدل والإنصاف ، لعدم تحقق الدعوى من أحدهما والإنكار من آخر ، لكون المفروض تساويهما من كل وجه ، ففي الحقيقة ليس إلا دعوى واحدة ، وهي ملكية الدرهم ، إلا أن أحدهما يدعى أنها له ، والآخر كذلك ، ولا ترجيح لأحدهما ، بعد معارضة يد كل منهما للأخرى ، الموجب للتساقط نحو البينتين المتعارضتين من كل وجه ، فيقسم المال بينهما ـ على احتماله فيهما بحسب دعواهما ، فإن كانا اثنين فالنصف ، وإن كانوا ثلاثة فالثلث ، وهكذا قطعا للخصومة بينهما ـ بالعدل والإنصاف ، فهو‌

٢٢٤

كالصلح القهري ، ولعله لذا ذكر الأصحاب هذه المسألة وما شابهها في هذا الكتاب.

ومنه يعلم الوجه حتى في الدعوى بالإشاعة ، ضرورة أنها لا تنافي الإقرار بالدرهم الكلي المشاع المنطبق على نصفي الدرهم والثلثين من درهم ، والثلث من آخر ، وهكذا ، فيبقى النزاع بينهما في الدرهم الآخر على إشاعته ، فيدعيه المقر له بالدرهم الأول مضافا إلى ذلك الدرهم ، والآخر ، يدعيه له فيقسم بينهما نصفين على الإشاعة للقاعدة التي ذكرناها ، التي قد أومى إليها في الخبرين السابقين المعتضدين بالفتوى المجردة عن ملاحظة اقتضاء اليد ، الموجبة للتوهم أن مدعى الدرهم الآخر المنضم إلى ما اقتضته يده ، من النصف الذي هو درهم أيضا مشاع ملفق ، مدع صرف ، والآخر منكر ، باعتبار أنه قد ادعى عليه ما اقتضته يده ، فيحلف ويستحق النصف المشاع ، وهو الدرهم الملفق ، إذ قد عرفت إلقاء اليد في المقام ، وأن الحكم بالنصف نصا وفتوى لقطع الخصومة بينهما بعد تساويهما من كل وجه ، فتأمل جيدا فإنه دقيق جدا.

وبه يظهر الوجه فيما في النص والفتوى الصريحين في الإشاعة ، وأنه ليس ذلك من باب التعبد كما لا يخفى على من تأمل الخبرين والفتاوى.

ومنه يعلم الوجه فيما ذكره المصنف وغيره بل المشهور من قوله وكذا الحكم فيما لو أودعه إنسان درهمين وآخر درهما وامتزج الجميع ثم تلف درهم فإن لذي الدرهمين درهما منهما لا احتمال فيه ، وأما الأخر فهو محتمل لكل منهما ولا مرجح ، فالعدل بينهما قسمته نصفين بينهما للقاعدة التي عرفتها وأكدها هنا‌ خبر السكوني (١) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل استودعه رجل دينارين واستودعه آخر دينارا فضاع دينار منهما؟ فقال : يعطى صاحب الدينارين دينارا ويقسمان الدينار الباقي بينهما نصفين » بل ظاهره عدم اعتبار الامتزاج في هذا الحكم ، بل يكفى الاشتباه ، كما أن ظاهره ذلك وإن لم تتصادم دعواهما في الدينار ، وأنه لا يمين على أحد منهما خصوصا مع عدم علم كل واحد منهما بعين حقه.

لكن في المسالك استشكله في ضعف المستند بأن التالف لا يحتمل كونه منهما‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أحكام الصلح الحديث ـ ١.

٢٢٥

بل من أحدهما خاصة ، لامتناع الإشاعة هنا والموافق للقواعد الشرعية هنا القول بالقرعة ، ومال إليه في الدروس إلا أنه تحاشي عن مخالفة الأصحاب.

قلت : قال في الدروس : « ولو أودعه واحد دينارين وآخر دينارا فضاع دينار واشتبه ففي رواية السكوني لصاحب الدينار نصف دينار وللآخر الباقي ، والعمل بها مشهور ، وهنا الإشاعة ممتنعة ، ولو كان في اجزاء ممتزجة كان الباقي أثلاثا ، ولم يذكر الأصحاب في هاتين المسألتين يمينا ، وذكروهما في باب الصلح ، فجائز أن يكون ذلك الصلح قهريا ، وجائز أن يكون اختياريا ، فإن امتنعا فاليمين ، والفاضل في أحد أقواله يحكم في مسألة الوديعة بأن الدينارين الباقيين بينهما أثلاثا ، كمختلط الأجزاء وفيه بعد ، ولو قيل : بالقرعة أمكن ».

وفيه : أنها عند الاشكال ، ولا إشكال بعد النص والفتوى ، والقاعدة التي أشرنا إليها في قسمة المال بين مدعيه ، قلوا أو كثروا بالسوية بعد فرض استوائهم في قطع الدعوى بذلك المنزل منزلة الصلح القهري فيما بينهم.

ومنه يعلم ما في احتمال كونه اختياريا ، ضرورة إمكان القطع بعدمه من النص والفتوى ، كالقطع بعدم اليمين في جميع الصور حتى المسألة الأولى التي حصل الاشتباه في مالك المال من تعاقب يديهما المقتضية ملك كل واحد منهما ، بعد معلومية عدم ملكية المال المتحد لمالكين ، وإبطال اقتضاء كل من اليدين في النصف ، ليس بأولى من القول بحصول الاشتباه في مالك الكل الذي هو مقتضى يد كل منهما ، فيكون مالا مشتبها دائرا بينهما ، تأتى فيه القاعدة السابقة.

وأما ما حكاه عن الفاضل ، فهو كما ذكر في غاية البعد مع فرض الاشتباه بدون امتزاج ، ضرورة عدم حصول الشركة بينهما بذلك ، أما مع فرضه فقد يقال : بأنه كالممتزج من الحبوب حينئذ ، اللهم إلا أن يدعى حصول الشركة بها قهرا شرعا بخلاف غيره من الدراهم ونحوها ، لكنه كما ترى ، فالأولى فرض مسألة المتن بدون امتزاج كما في النص.

أما معه وقلنا بحصول الشركة به مطلقا فالمتجه فيه حينئذ حكم الأقفزة في‌

٢٢٦

كون التالف على النسبة ، واحتمال الفرق بالقطع في الحبوب بكون التالف منهما بخلافه في مسألة الدرهم ـ يدفعه أولا : أنه لا قطع بكونه على النسبة في الحبوب ، إذ يمكن التفاوت ، وثانيا : عدم المدخلية لذلك بعد فرض الدليل شرعا على حصول الشركة بالامتزاج في المثليات على وجه يرفع التمييز.

وقد ظهر لك من ذلك كله أن الحكم المزبور ـ في هذه المسائل التي قد عرفت اتفاق النص والاعتبار والمعظم من الفتوى عليه ـ قائم مقام الصلح فيها بالنسبة إلى قطع المخاصمة ، ولهذه المناسبة ذكرها الأصحاب في كتابه.

ومن ذلك المسألة الثالثة وهي ما لو كان لواحد ثوب بعشرين درهما ، ولآخر ثوب بثلاثين درهما ، ثم اشتبها ، فإن خير أحدهما صاحبه فقد أنصفه ، وإن تعاسرا بيعا وقسم ثمنهما بينهما ، فأعطى صاحب العشرين سهمين من خمسة وللآخر ثلاثة التي قد افتى المشهور فيها بذلك لخبر إسحاق بن عمار (١) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهما في ثوب ، وآخر عشرين درهما في ثوب فبعث الثوبين فلم يعرف هذا ثوبه ولا هذا ثوبه قال : يباع الثوبان فيعطى صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن ، والآخر خمسي الثمن ، قلت : فإن صاحب العشرين قال لصاحب الثلاثين ، : اختر أيهما شئت ، قال : قد أنصفه » المنجبر بالشهرة مع احتمال صحة سندها في طريق الصدوق ، بل والشيخ.

فما عن ابن إدريس من القرعة ومال إليه في المسالك في غير محله ، ضرورة عدم الإشكال بعد ما عرفت ، معتضدا بالاعتبار الذي يقتضي بكون مثل هذا الاشتباه كالاشتراك ، بل لو لم يشتبها وبيعا معا كان الثمن موزعا على حسب قيمتهما ، إلا أن الظاهر من النص والفتوى عدم اعتبار المعية في بيعهما في الحكم المزبور ، بل ظاهرهما صيرورة مالكيهما كالشريكين باعتبار احتمال تملك كل منهما لكل منهما ، فهما بمثابة الشريكين فيهما على نسبة قيمتهما.

فما في التذكرة ـ « من أنه إن بيعا منفردين وتساويا في الثمن فلكل واحد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب أحكام الصلح الحديث ـ ١ ـ.

٢٢٧

ثم ثوب ولا إشكال ، وإن اختلفا فالأكثر لصاحب الأكثر قيمة ، وكذا الأقل بناء على الغالب ، وإن بيعا مجتمعين صارا كالمال المشترك شركة إجبارية كما لو امتزج الطعامان فيقسم الثمن على رأس المال ـ » كالاجتهاد في مقابلة النص المعتضد بفتوى المعظم ، المقتضي صيرورتهما بمثابة الشريكين على كل حال.

ولذا قال في الدروس بعد حكاية ذلك عنه : « ويلزم على هذا ترجيح أحد الأمرين من بيعهما معا أو منفردين إذ الحكم مختلف » ويظهر أنه متى أمكن بيعهما منفردين امتنع الاجتماع ، والرواية مطلقة في البيع ، ويؤيدها أن الاشتباه مظنة تساوى القيمتين فاحتمال تملك كل منهما لكل منهما قائم ، فهما بمثابة الشريكين.

نعم ما فيها أي الدروس « من أنه إن عملنا بالرواية ففي تعديها إلى الثياب والأمتعة والأثمان المختلفة ، نظر ، من تساوي الطريق في الجميع وعدمه ، والأقرب القرعة هنا » مخالف لقولهم عليهم‌السلام (١) علينا ان نلقي إليكم الأصول ، وعليكم أن تفرعوا‌ و (٢) « لا يكون الفقيه فقيها حتى نلحن له في القول فيعرف ما نلحن له » ولظهور إرادة التعليم منها مؤيدا ذلك كله بموافقة ما فيها للاعتبار ، ومناسبته لما سمعته سابقا مما شرع لقطع التنازع والتخاصم ، فالأقوى حينئذ التعدية. هذا وربما ظهر من الحكم في هذه المسألة أنه من بيان موضوعات الاحكام ، لا من باب المرافعات ، ضرورة عدم ميزان للحكم فيها من البينة واليمين ، ولعل الأمر في المسائل السابقة كذلك أيضا ، فلا يتوجه ما سمعته سابقا من بعضهم من اليمين فلاحظ وتأمل والله العالم.

وإذا بان أحد العوضين المعينين في العقد مستحقا للغير أو غير قابل للعوضية كالخمر والخنزير بطل الصلح بلا خلاف ولا إشكال ، ضرورة أنهما من أركان هذا الصلح الذي قد وقعا فيه ، وإن لم نقل أنه يعتبر في الصلح العوض ، لقيامه مقام الهبة والعارية إلا أن الحكم بصحته منهما هنا غير ما قصدا فيه ، فالمقصود حينئذ لم يصح بالفرض ، والذي فرض صحته غير مقصود.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب صفات القاضي الحديث ـ ٥١ ـ.

(٢) المستدرك ج ـ ٣ ـ ص ١٩٤ مع اختلاف يسير.

٢٢٨

ولا يقاس ما هنا على المهر في النكاح ـ الذي فساده فيه لا يقتضي فساد العقد ، باعتبار كونه ليس من الأركان فيه ، بل يرجع إلى مهر المثل لحرمة القياس أولا ، ولعدم عوض مقرر شرعا هنا ، ـ كمهر المثل الذي يرجع إليه عند فرض عدم المهر ـ ثانيا ، ولكون المهر في عقد النكاح بعد أن دل الدليل على عدم فساد العقد بفساده ، صار كالملتزم المستقل عند العقد بالنسبة إلى حكم المزبور ، بخلاف المقام الذي لا دليل فيه كذلك ، وإن ثبت وقوع الصلح بلا عوض كما هو واضح.

ولا فرق عندنا بين القصاص وغيره في الحكم بالبطلان مع علم المصالح بفساد العوض خلافا لبعض العامة فأسقط القصاص به ، وهو كما ترى مقتض لترتيب الأثر على الفاسد.

نعم المنساق من العوض في المتن وغيره ما قيدنا به العبارة من كونه معينا ، أما إذا كان مطلقا فظهر استحقاق المدفوع عنه مثلا رجع ببدله ، كالبيع ، ولا فساد في العقد كما أنه لو ظهر في المعين عيب مثلا تخير في الفسخ ، ولا بطلان ، لكون الصحة منها باعتبار الانسياق إليها كالمذكورة وصفها فيها ، فمع فرض عدمها يثبت الخيار ، لقاعدة نفي الضرر وغيرها.

نعم في تخييره بين الفسخ وبين الأرش كما في البيع إشكال ، أقواه العدم ، لحرمة القياس بعد اختصاص الدليل بالبيع الذي لا يدخل فيه الصلح على الأصح ، ودعوى ـ أن ثبوته أيضا من قاعدة نفي الضرر كالخيار ـ واضحة المنع ، ضرورة أنها لا تقتضي إلا عدم اللزوم المترتب عليه الضرر.

ومن ذلك يعلم ثبوت كل خيار في البيع في الصلح إذا كان دليله قاعدة نفي الضرر أو غيرها مما يصلح لتناول الصلح كخيار الغبن الذي قد صرح بثبوته هنا غير واحد ، وتخلف الوصف ، وعدم الوفاء بالشرط ، واشتراط الخيار ، ونحو ذلك بخلاف ما اختص دليله بالبيع كخيار المجلس والحيوان ونحوهما ، بناء على عدم فرعية الصلح للبيع والله العالم.

وعلى كل حال فلا إشكال في أنه يصح الصلح على عين بعين أو منفعة ،

٢٢٩

وعلى منفعة بعين أو منفعة للعمومات المقتضية لذلك ، ولغيره من الصلح عن الحق إسقاطا أو نقلا كحق الخيار ، وحق التحجير ، وحق الشفعة بحق مثله ، أو عين أو منفعة أو غير ذلك من صور الاختلاط ، بل الظاهر أنها تقتضي صحة الصلح عن كل حق حتى يعلم عدم جواز إسقاطه أو نقله شرعا ولذلك أفراد كثيرة ، كحق السبق الى الوقف ، وحق القذف والغيبة ، وحق الرجوع في الطلاق في البذل وغير ذلك مما تسمعه في تضاعيف هذا الكتاب وغيره.

نعم الظاهر في كثير من الحقوق صحة الصلح لإسقاطها لا نقلها ، بل لو شك فيه أمكن القول بعدم مشروعيته بعمومات الصلح فتأمل جيدا.

ولو صالحه على دراهم بدنانير أو بدراهم صح وان لم يكن ثم قبض في المجلس ، لما عرفت من عدم كون الصلح فرعا للبيع عندنا ، وأنه لا يعتبر فيه ما يعتبر في بيع الصرف على الأشبه بأصول المذهب وقواعده وكذا لو قام مقام بيع السلم لا يعتبر فيه قبض العوض في المجلس ، الى غير ذلك من الأحكام المختصة بالبيع حتى الربا ، بناء على أنه منها.

نعم لو قلنا بشموله لجميع المعاوضات ، اتجه حينئذ جريانه في الصلح ، وقد تقدم تحقيق ذلك في كتاب البيع الا أنه على كل حال لو أتلف على رجل ثوبا قيمته درهم مثلا فصالحه عنه على درهمين أو أقل من الدرهم صح ، على الأشبه بأصول المذهب وقواعده والأشهر بل في الدروس المشهور لان الصلح وقع عن الثوب أو عن قيمته الكلية التي لا تختص بالدرهم لا عن الدرهم الذي لم يثبت في الذمة.

لكن في المسالك في شرح هذه العبارة تبعا لجامع المقاصد بل والدروس « هذا إنما يتم على القول بضمان القيمي بمثله ، ليكون الثابت في الذمة ثوبا ، ويكون هو متعلق الصلح ، أما على القول الأصح من ضمانه بقيمته فاللازم لذمة المتلف إنما هو الدرهم فيستلزم الصلح عليه بدرهمين ، الربا فيبطل ، وهو الأقوى ، بل في الدروس ، أنه لذلك أبطله في الخلاف والمبسوط ».

٢٣٠

وفيه : أن المعلوم من مذهب المصنف ، ضمان القيمي بقيمته لا بمثله الذي هو مذهب نادر ، وليس ما في كلام المصنف والفاضل بل المشهور كما سمعت مبنيا على ذلك بل هو إما لأن الثابت في القيمي في الذمة نفسه كما هو مقتضى‌ قوله عليه‌السلام (١) « على اليد ما أخذت » بل وقوله (٢) « من أتلف » إلى آخره ، وإن كان الواجب دفع القيمة عنه عوضا شرعيا ، لعدم إمكان أداء نفسه ، وعدم معرفة مثل له ، حتى يكون أقرب من القيمة ، فالصلح حينئذ إذا وقع يقع عنه لا عن قيمته ، وليس هذا قولا بكون القيمي يضمن بمثله الذي هو معنى وجوب تأدية المثل التسامحي عرفا ، أو لأنه وإن قلنا بكون الثابت في الذمة قيمته إلا أنها غير متعينة في خصوص الدراهم ، وإن كان لو أديت منها كانت قيمته درهما ومن الدينار كذا ومنهما كذا ، وهذا لا يقضى بكون الثابت في الذمة الدرهم بخصوصه ، كي يستلزم الصلح عليه بدرهمين الربا ، لكون الصلح فرع البيع ، أو لأن الربا يعم المعاوضات أجمع ، فيكون المراد من الثوب في المتن قيمته حينئذ ، ولعل غرض المصنف والفاضل وغيرهما ممن تعرض لهذه المسألة التعريض بما سمعته من الخلاف والمبسوط.

نعم قد يقال بعدم الصحة على هذا الوجه لو فرض أن النقد الغالب من جنس ما صالح به بناء على كونه حينئذ هو الثابت ، بخلاف ما إذا تعدد الجنس واستويا بأن كان دراهم ودنانير والله العالم.

ولو ادعى دارا فأنكر من هي في يده ثم صالحه المنكر عن إسقاط دعواه على سكنى سنة مثلا صح بلا خلاف ولا اشكال عندنا ولم يكن لأحدهما الرجوع عن ذلك لما عرفت من كون الصلح من العقود المستقلة اللازمة وكذا لو أقر له المدعي بالدار ثم صالح المنكر المدعي المقر على سكنى سنة ، أو أن المراد أقر من هي في يده ثم صالحه المقر له على سكنى المقر سنة.

__________________

(١) المستدرك ج ـ ٢ ـ ص ٥٠٤ وسنن البيهقي ج ٦ ص ٩٠.

(٢) قاعدة متصيدة من بعض الاخبار راجع للاطلاع على مدركها الجزء الثاني من القواعد الفقهية للسيد البجنوردى.

٢٣١

وعلى كل حال فهو صحيح ، بناء على عدم اعتبار العوض في صحته ، بل ولازم بناء على ما سمعت من كونه عقدا مستقلا برأسه ، مندرج تحت (١) ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) وغيره من أدلة اللزوم.

ولكن قيل والقائل الشافعي من العامة والشيخ من الخاصة له الرجوع ، لأنه هنا فرع العارية إذ هو إباحة منفعة بلا عوض وقد عرفت سابقا أن الأول أشبه بأصول المذهب وقواعده ، وأن افادة عقد مفاد آخر لا تقتضي لحوق أحكامه ، على أن الصلح هنا يقتضي ملك المنفعة لا إباحتها ، ولقد أفصح عن ذلك كله في الدروس بقوله : « ولو ادعى دارا فأقر له بها فصالحه على سكنى المقر سنة صح ولا رجوع ان جعلناه أصلا وجوزناه بغير عوض ، ولو أنكر فصالحه المدعى عليه على سكنى للمدعي سنة فهو أولى بعدم الرجوع ، لأنه عوض عن دعواه ، وكذا لو كان الساكن المنكر ، لأنه عوض عن جحوده هذا.

ولكن في المسالك « وانما قيد المصنف بإنكار من هي في يده مع جواز الصلح مع الإقرار والإنكار ليتصور كون الصلح المذكور عارية عند الشيخ ، لأنه جعل اباحة منفعة بغير عوض. أما لو أقر له بها فإن الصلح وان جاز الا أن المنفعة يقابلها عوض وهو العين ، فلا يتحقق العارية ، مع أن الشافعي لما شرط في صحة الصلح الإقرار ، وجعله فرعا على العقود الخمسة ، مثل للعارية بما ذكر هنا ، مع كون المدعى عليه مقرا ، ووجهه أن العوضين من واحد ، فكان الحكم راجعا إلى العارية ».

ولا يخفى عليك ما فيه من وجوه النظر ، بل لا يكاد يتصور له وجه صحة ، حتى ما حكاه عن الشافعي فإن المنقول عنه في التذكرة مثالا لذلك هو أن يكون في يده دار فيقر له بها ، فيصالحه على سكناها شهرا ، فإنه ـ سواء أراد سكنى من في يده المقر بها للغير ، أو سكنى المدعي الذي فرض إقراره بها لمن هي في يده ـ غير ما سمعته عنه عند التأمل والأمر في ذلك سهل بعد وضوح الحال.

انما الكلام في صحة هذا الصلح بسبب عدم اشتماله على العوض ، وكذا الصلح‌

__________________

(١) سورة المائدة الآية ـ ١.

٢٣٢

القائم مقام الهبة كما لو قال : صالحتك عن هذه الدار ، فيقول : الآخر قبلت نحو قوله في القائم مقام العارية : صالحتك عن منفعة هذه الدار سنة مثلا ، فيقول الآخر : قبلت ، فيصح صلحا لازما وهكذا ، فإن ما سمعته من الدروس صريح في التردد فيه ، بل صرح الفاضل في غير واحد من كتبه بأن من أركانه المصالح منه ، والمصالح به ، بل في موضع من التذكرة أنه معاوضة إجماعا ، بل أرسله الكركي وغيره إرسال المسلمات ، فان قيل : عليه ، إن الصلح إذا وقع موقع الإبراء ـ كما لو صالحه من الحق على بعضه ـ فإنه صحيح ، لعموم شرعية الصلح ، وليس فيه عوضا. قلنا : يكفي في المغايرة الجزئية والكلية بل ربما كان في قوله تعالى (١) ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) اشعار به ، بناء على إرادة المعاوضة من التجارة ، وان كان فيه ما فيه ، كما أن في الإكتفاء بالجزئية والكلية في تحقق المعاوضة ما لا يخفى. والا لكفت في غير الصلح من عقودها ، على أنه لا يتم في القائم مقام العارية كما في نحو المقام.

بل منه يعلم ما في دعوى كونه من عقود المعاوضة ، مضافا إلى خلو نصوص المقام عن اعتبار ذلك فيه ، بل ربما ظهر منها خلافه ، كما لا يخفى على من لاحظها ، بل قد يدعى كون المستفاد منها أن كلما يتفقان عليه ويصطلحان عليه مما لم يكن فيه تحليل حرام ، أو بالعكس كان من الصلح الجائز ، وجرت عليه أحكام عقد الصلح من اللزوم وغيره ، وان كان مقتضى ذلك عدم اختصاص ما يقوم الصلح مقامه بخمسة ، البيع والإجارة والهبة ، والعارية ، والإبراء. كما هو ظاهر جماعة ، بل صريح الكركي في حاشية الكتاب.

ضرورة كون المتجه حينئذ قيام الصلح مقام المضاربة وغيرها ، وفائدته اللزوم وغيره من أحكام الصلح ، الا أني لم أر مصرحا به كما أني لم أر تحريرا لهذه المسألة في كلامهم ، بل ولا أن المراد بالمعاوضة فيه الصورية لا الحقيقية ، بمعنى أنه عند تأليف عقده لا بد فيه من صورة مصالح عنه ومصالح به ، وعلى تقديره فليس في الأدلة ما يقوم بذلك ، والمتجه ما عرفت من عدم اعتبارها فيه صورة وحقيقة ان لم يكن إجماع على‌

__________________

(١) سورة النساء الآية ـ ٢٩.

٢٣٣

خلافه ، ولعل ما ذكره غير واحد من صحة الصلح عما في الذمة بالأنقص في غير الربوي بل وفيه حتى على القول بعمومه له ، باعتبار كون هذا الصلح ليس معاوضة ، بل هو في معنى الإبراء كما اعترف به في الدروس ، مستدلا عليه بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) لكعب بن مالك لما تخاصم مع آخر « اترك الشطر واتبعه ببقيته » وبأنه روي عن الصادق عليه‌السلام (٢) ما يشهد لذلك في الجملة ، بل الظاهر عدم الفرق بين أن يكون صورته صالحتك على ألف بخمسمأة ، أو بهذه الخمسمائة ، وان ظهرت فيها صورة المعاوضة لكن الأقوى جوازها أيضا ، لاشتراكهما في الغاية.

نعم الأقرب كما في الدروس الافتقار الى قبول الغريم هنا وإن لم يشترط في الإبراء القبول ، لأجل إتمام عقد الصلح ، وعلى كل حال فمما ذكرنا يظهر لك أولوية الجواز فيما لو صالح على المؤجل بإسقاط بعضه حالا ، وإن كان بجنسه كما هو مقتضى إطلاق الأصحاب ، لما عرفت من عدم كونه معاوضة ، فلا يجري فيه الربا ، لكن في الدروس بعد اعترافه بإطلاق الأصحاب الجواز قال : « وهو إما لأن الصلح هنا ليس معاوضة ، أو لأن الربا يختص البيع ، أو لأن النقيصة في مقابل الحلول » وفي الثاني منهما أنه لا يتم لفتوى جماعة أو المشهور بعموم الربا ، بل والثالث بأن ذلك يقتضي جوازه في البيع ، ولا يقولون به ، فليس إلا الأول الذي هو قد أفتى به في الصلح عن الحال ببعضه ، فضلا عن المؤجل.

وعلى كل حال فلو ظهر استحقاق العوض أو تعيبه فرده فالأقرب أن الأجل بحاله ، ولو ادعى على الميت ولا بينة فصالح الوصي تبع المصلحة ، وما عن ابن الجنيد من إطلاق المنع في غير محله والله العالم.

وكيف كان فـ ( لو ادعى اثنان ) مثلا دارا في يد ثالث مثلا متفقين على التصريح بأن ملكهما لها بسبب موجب للشركة بينهما كالميراث فصدق المدعى عليه أحدهما بمقدار حقه دون الأخر ، كان ذلك مشتركا بينهما ، ولا يختص به المقر. له ، لما عرفت من اتفاقهما على اتحاد السبب بالنسبة إليهما على وجه يمتنع‌

__________________

(١) المستدرك ج ـ ٢ ـ ص ٤٩٩.

(٢) المستدرك ج ـ ٢ ـ ص ٤٩٩.

٢٣٤

استحقاق أحدهما دون الآخر ، ضرورة عدم الفرق بين الكل والبعض في الشركة ، بعد فرض اتحاد السبب الذي لا فرق في اقتضائه الشركة بينهما ، فمع فرض إقرار المتشبث بأن نصف الدار ليس له ، كان حينئذ من مخلفات الميت باتفاقهما ، ولا معارض لهما فيه فيشتركان فيه ، وتخصيص ذي اليد له بأحدهما غير مجد بعد اتفاقهما فيما بينهما على مقتضى الشركة في المقر به ، وإنما نفع إقراره رفع يده عنه.

وحينئذ فإذا صالحه على ذلك النصف الذي أقر له به بعوض فإن كان بإذن صاحبه ولو لاحقا صح الصلح في النصف أجمع ، وكان العوض مشتركا بينهما ، وإن كان بغير إذنه صح في حقه وهو الربع خاصة وبطل في حصة الشريك وهو الربع الآخر هذا كله مع التصريح منهما بالسبب المقتضي للشريك.

أما لو ادعى كل واحد منهما النصف من غير سبب موجب للشركة كما لو قال أحدهما : لي النصف بالإرث والآخر بالشراء لم يشتركا فيما يقر به لأحدهما لعدم المقتضي لها بعد فرض أن سبب ملك كل منهما غير الآخر ، وإنما الاشتراك قد جاء من جهة الإشاعة.

نعم لو قالا : اشتريناها معا أو اتهبناها وقبضناها معا ففي التذكرة « الأقرب أنه كالإرث ، لاشتراك السبب ، وهو أحد قولي الشافعية ، والثاني أنهما لا يشتركان فيما أقر به ، لأن البيع بين اثنين بمنزلة الصفقتين ، فان تعدد المشتري يقتضي تعدد العقد وكان بمنزلة ما لو ملكا بعقدين ».

هذا خلاصة ما يقال في توضيح ما ذكره المصنف وجماعة في القسمين. ولكن في المسالك « فيه بحث ، لأنه لا يتم الا على القول بتنزيل البيع والصلح على الإشاعة ، كالإقرار وهم لا يقولون به ، بل يحملون إطلاقه على ملك البائع والمصالح ، حتى لو باع ابتداء مالك النصف نصف العين مطلقا ، انصرف إلى نصفه خاصة ، لا النصف المشاع بينه وبين شريكه ، بخلاف الإقرار ، فإنه إخبار عن ملك لشي‌ء فليستوى فيه ما هو ملكه وملك غيره ، وحينئذ فاللازم هنا أن ينصرف الصلح إلى نصيب المقر له خاصة فيصح في جميع الحصة بجميع العوض ويبقى المنازعة بين الآخر والمتشبث ».

٢٣٥

هذا إذا وقع الصلح على النصف مطلقا ، أو النصف الذي هو ملك للمقر له ، أما لو وقع على النصف الذي أقر به المتشبث توجه قول الجماعة ، لأن الإقرار منزل على الإشاعة ، والصلح وقع على المقر به فيكون تابعا له فيها ، وعلى هذا ينبغي حمل كلامهم لئلا ينافي ما ذكروه من القاعدة التي ذكرناها ، وهذا توجيه حسن لم ينبهوا عليه ». قلت : لا يخفى عليك ما فيه من أن ما ذكروه من قاعدة الانصراف المزبور فيما إذا كان متعلق البيع مقدار حق الشريك البائع لا في نحو المقام المفروض فيه عدم ثبوت غير الربع للبائع ، والفرض أن مورده النصف ، على أن عبارة المتن وغيرها كالصريحة في كون المراد النصف الذي قد أقر به له ، بل لم يقصد المشتري إلا ذلك ، وإلا لاتجه حينئذ دفع العوض جميعا له ، وبقاء الربع من النصف المقر به للشريك ، ضرورة عدم انتقاله بالصلح المفروض مورده النصف المدعى به الذي لا وجه للصلح عنه الا على إرادة إسقاط الدعوى به ، ضرورة عدم ثبوت شي‌ء له الا الربع الحاصل من النصف المقر به فإذا فرض تنزيل الصلح على المختص به ، ولو بدعواه الذي لا يلحقه شريكه فيه ، وهو الربع من النصف المقر به ، والربع من النصف في يد المتشبث يختص حينئذ بالعوض ، ويكون الشريك على ربعه في النصف المقر به حينئذ ، وهو غير ما قصده المشتري قطعا ، بل غير مفروض البحث.

اللهم الا أن يفرض أن المقر به بالنسبة إلى المقر ليس هو الا النصف الذي لا يلحقه شريكه به فمع فرض كون المقصود بالصلح النصف الذي هو كذلك يتجه حينئذ اختصاصه بالعوض ، ويبقى النزاع بين الشريك والمتشبث فتأمل جيدا والأمر في ذلك سهل.

إنما الكلام فيما ذكره في جامع المقاصد فإنه بعد أن قرر ما في القواعد بنحو ما سمعته منافي تقرير ما في المتن قال : « ولقائل أن يقول : لا فرق بين تغاير السبب وكونه مقتضيا للتشريك في عدم الشركة ، لأن الصلح إنما هو على استحقاق المقر له وهو أمر كلي يمكن نقله عن مالكه إلى آخر ، ولهذا لو باع أحد الورثة حصته من الإرث صح ، ولم يتوقف على رضا الباقين ، فإن أجيب ـ بأن الإنكار لاستحقاق‌

٢٣٦

الآخر صير النصف كالتالف ، فيجب أن يكون منهما لامتناع تلف حصة أحدهما دون الأخر ـ قلنا : فإذا تغاير السبب يجب أن يكون كذلك ، مع اعتراف المقر له بالشركة ، ـ إلى أن قال ـ : ونبه شيخنا الشهيد على ذلك في حواشيه على الكتاب ـ ثم قال : ـ والذي يقتضيه النظر أن الحكم في مسألة الإرث قبل قبض الوارثين صحيح ، لأن الحاصل من التركة قبل القبض هو المحسوب تركة بالنسبة إلى الورثة والتالف لا يحسب عليهم ، وكأنه لم يكن ، وامتناع الوصول اليه كتلفه في هذا الحكم والظاهر أنه لا خلاف في ذلك أما بعد القبض واستقرار الملك لهم ، وانقطاع كل من الورثة عن حق الآخر فلا دليل على إلحاق تعذر الوصول إلى حق بعضهم بالإنكار مع عدم البينة ونحوه بتلف البعض في هذا الحكم ، والأصل عدمه فينبغي التوقف فيه ، فليلحظ الحكم المذكور في المبيع ، ولو كان المشترك دينا فأقر لبعض وأنكر بعضا ففي التركة قبل القبض لا بحث ، وبعد القبض وغير التركة من أقسام الشركة فيه الخلاف المشهور من أن الحاصل لهما ، والتالف عليهما وعدمه ».

وكأنه أخذ ذلك مما حكاه في التذكرة عن أحد قولي الشافعية ، قال فيها بعد أن ذكر أصل المسألة بنحو ما قررناه : « هذا إذا لم يتعرضا لقبض الدار ، أما لو قالا : ورثناها وقبضنا ثم غصبها منا ، فالأقرب أنه كذلك أيضا ، يشتركان فيما يقبضه المقر له منه ، لأن إيجاب الإرث الشيوع وهو لا يختلف ، وهو أحد قولي الشافعي ومحكي عن أبي حنيفة ، ومالك ، والقول الأخر له : إنه لا يشاركه ، لأن التركة إذا حصلت في يد الورثة صار كل منهما قابضا لحقه ، وانقطع عما في يد الأخر ، ولهذا يجوز أن يطرء الغصب على نصيب أحدهما خاصة ، بأن تزال يده ، فإن المغصوب لا يكون مشتركا بينهما.

لكن في المسالك بعد أن حكى عن الشهيد والمحقق الثاني ما سمعت من انصراف الصلح إلى حصة المقر له من غير مشاركة الأخر مطلقا ، وعن الأخير منهما الفرق بين الصلح قبل قبض التركة وبعده قال : « وهذا الفرق انما يتم فيما لو قبض أحد الوارثين شيئا من أعيان التركة أو باعه ، أما الصلح فيبني على ما لو صالح أحد الشريكين في‌

٢٣٧

الدين على حقه فيه هل يختص بالعوض أم لا؟ والظاهر الاختصاص ، لأن الذاهب لا يخرج عن كونه حقا له ، والصلح لم يقع على عين خاصة ، حتى يشتركا في عوضها ، وانما وقع على حقه ، وهو ممكن نقله بعوض فالبحث السابق مثله آت في مسألة الإرث قبل القبض وبعده ».

ومما ذكرناه يعلم حكم المدعى المذكور الذي قد صولح على بعضه ، لو كان دينا فإن قبض عوض الصلح فيه يكون كقبض أحد الشريكين في الدين حصته بالصلح ، وقد تقدم الكلام فيه في باب القرض ، ويأتي فيه في كتاب الشركة مزيد بحث.

والتحقيق أن يقال : ان محل كلام الأصحاب في المدعيين المتفقين على اتحاد جهة ملكهما ، وأنه ليس لأحدهما احتمال اختصاص عن الأخر بوجه ، وحينئذ فإقرار المتشبث بالنصف لأحدهما لم يفد في حق المقر له فائدة تخصه ، بعد سبق إقراره لشريكه ، وانما أقصاه صيرورة هذا النصف لا يد لأحد عليه ، فيبقى على الإرث بينهما بمقتضى إقرارهما ، فهو حينئذ كما لو قال من في يده الدار : ان نصفها ليس لي ، ولا ريب في اشتراكهما فيه ، ولحقوق النقص لكل منهما بسبب النصف الأخر الذي يد المتشبث عليه.

وأما على فرض احتمال اختصاص أحدهما بالمقر به ، دون الأخر الذي يحتمل في حقه أنه قد باع حقه من المتشبث ، أو وهبه إياه ، أو نحو ذلك لم يشارك المقر له ، بل وكذا لو ادعى كل منهما في نصفه ، فحلف أحدهما اليمين المردودة دون الأخر.

وحينئذ فما وقع من أول الشهيدين ـ وتبعه الكركي من احتمال اختصاص المقر له بعوض النصف الذي قد صالح عنه المقر له ، قياسا على بيع الشريك حصته المشاعة التي لا يتصور الاشتراك فيها ـ في غير محله ، ضرورة صراحة كلامهم في فرض المسألة في الصلح عن النصف المتفقين على اتحاد جهة اشتراكهما فيه ، وعدم احتمال اختصاص أحدهما به ، فلا يتصور اختصاصه بعوض النصف المعلوم عدم كونه له ، وأن نصفه ربع منه بيد المتشبث على نحو شريكه ولو فرض وقوع الصلح على وجه ينطبق على نصفه المستحق له في الواقع الذي لا يشاركه فيه الشريك كان كذلك ، لكنه يكون خروجا عن موضوع مسألة الأصحاب التي فرقوا فيها بين اتفاقهما على سبب الاشتراك‌

٢٣٨

وبين اختلافهما فيه ، وسكوتهما عن ذلك ، فحكموا بالاختصاص في الأخيرين ، دون الأول.

ومنه يظهر الوجه في عدم الفرق في المسألة بين قبض الوارث وعدمه ، وبين كون السبب الإرث وغيره ، فما وقع من الكركي أخيرا أيضا ـ من التفصيل بذلك الذي قد عرفته لبعض الشافعية ـ في غير محله فتأمل جيدا ليستبين لك الحال في أطراف المسألة التي منها معلومية القاعدة في أن المال المشترك ما يذهب منه عليهما ، وما يبقى لهما.

ومنها أن الحصة المشاعة التي هي للشريك لا شركة لأحد فيها ، فإذا أراد الصلح عنها مثلا لم يلحقه الشريك بعوضها.

ومنها أنهم قد ذكروا في أنه لو أقر بأن نصف الدار لزيد ، والآخر لي ولشريكي وأنكر الشريك كان النصف الباقي بأيديهما بينهما على حسب نسبة الربع إلى النصف وما أنكر عليهما ، وإن كان المختص بالإنكار المقر له ، بخلاف ما ذكروه فيما لو أقر أحد الأخوين بثالث ، فأنكره الثالث ، فإنه يختص النقصان بالمقر له. وأما المقر فيأخذ نصيبه تاما.

ولعل السبب في ذلك استناد الأول إلى اليد ، ونحوها التي تمضي على الشريكين بخلاف الأخير الذي تختص الخصومة فيه بين المقر له ، وبين المنكر ، كما أوضحناه في غير المقام.

أو أن العمدة في الأخير النص والإجماع ، بل قد يقال : إن ذلك مقتضى تنزيل الإقرار على ما في يده ، ويد شريكه ، وإن كان لا ينفذ في حق الشريك ، لكونه إقرارا في حق الغير ، وينفذ في نصيبه قبل الإقرار ، فيدفع حينئذ الزائد عليه بعد الإقرار ، بل لعل ذلك هو المتجه أيضا في المثال الأول ، فيكون النصف حينئذ بينهما ، لكل منهما ربع ، لا ثلثان وثلث.

ودعوى اقتضاء قاعدة الشركة ذلك ، أي ما يبقى لهما على حسب النسبة ، وما يتلف عليهما ، يمكن منعها في الإنكار ، ضرورة عدم كونه تلفا حقيقة ، ولا دليل على جريان‌

٢٣٩

حكمه عليه ، فتأمل جيدا والله العالم بحقائق الاحكام.

ولو ادعى عليه بشي‌ء مثلا فأنكر أو أقر أو لم تمكن دعوى أصلا فصالحه المدعى عليه مثلا عما ادعى به على سقى زرعه أو شجره بمائه أي ما يسقى به زرعه أو شجره من ماء المدعى عليه قيل : والقائل الشيخ فيما حكى عنه لا يجوز لأن العوض هو الماء وهو مجهول فلا يصح الصلح بناء على فرعيته على البيع وفيه وجه آخر بالجواز مأخذه جواز بيع ماء الشرب أى النهر بتقدير المدة بعد المشاهدة بل قد عرفت فيما تقدم المنع من فرعية الصلح للبيع أولا ، وعدم قدح مثل هذه الجهالة في الصلح ثانيا لكونها تؤل الى العلم.

نعم قد يمتنع الصلح على المجهول الذي لا يؤل إلى العلم كالمبهم ومن الغريب منع الشيخ من ذلك ، مع أن المحكي عنه في الدروس جواز بيع ماء البئر والعين ، وبيع جزء مشاع منه ، وجعله عوضا للصلح ، ومن هنا قال في المسالك : « يمكن أن يكون منعه من الصلح على السقي المذكور مطلقا ، كما يدل عليه الإطلاق والماء فيه مجهول لا يدخل في أحد الأقسام ، لأنه لم يستحق جميع الماء ولا بعضا منه معينا وإنما استحق سقيا لا يعرف قدره ولا مدة انتهائه ، ومن ثم شرطنا في الجواز ضبط المدة ، وهو لم يصرح بالمنع حينئذ ، ولو تعلق الصلح بسقيه دائما لم تبعد الصحة ، لأن جهالة مثل ذلك يتسامح فيها في باب الصلح ».

قلت : قد يقال بالتسامح في الأول أيضا إذا كان لتحقق مسمى السقي قدر في العرف ، وإن اختلف أفراده اختلافا لا يقدح في مثل الصلح ، وحينئذ فلا يعتبر اشتراط المدة ولو الدوام في الصلح ، على أنه لا ترفع جهالة مقدار الماء الذي هو العوض أو المعوض ، إذ ليس الغرض منه الإجارة ، بل نقل الأعيان المقدرة بمثل ذلك ، المندرج تحت عمومات الصلح كما عرفته فيما تقدم.

وأما لو صالحه عما ادعى به مثلا على إجراء الماء من سطح المدعى إلى سطحه أو ساحته أي المدعى عليه ، أو على إجرائه في ساقيته المحفورة له مثلا صح للعمومات بعد العلم بالموضع الذي يجري الماء منه لاختلافه‌

٢٤٠