جواهر الكلام - ج ٢٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

عليهم في الحفظ ، وعدم التكليف لا ينافي الضمان حتى بالإهمال ، ودعوى ـ توقف صدق التفريط عليه ـ يمكن منعها ، ولذا يضمن الساهي والغافل والناسي ونحوها فتأمل جيدا والله العالم.

المسألة الثالثة لا خلاف في أنه لو فك حجره بحصول الرشد ثم عاد مبذرا وقلنا بتحقق السفه به حجر عليه ، ولو زال فك حجره ولو عاد عاد الحجر عليه وهكذا دائما ضرورة اقتضاء وجود العلة وجود المعلول كنفيها من غير فرق بين القول بتوقف حجره على حكم الحاكم وعدمه.

المسألة الرابعة قد أطلق الشيخ فيما حكى عنه هنا وكثير ممن تأخر عنه أن الولاية في مال الطفل والمجنون للأب والجد للأب بل هو معقد ما في المسالك ومحكي الكفاية من نفي الخلاف فيه ، بل هو معقد إجماع التذكرة ولا ريب فيه في الجملة ، بل عن مجمع البرهان كان عليه إجماع الأمة.

مضافا إلى النصوص المستفيضة ، في الأول بل ربما ادعى تواترها الواردة في النكاح (١) المدعى دلالتها على ما هنا بالأولوية ، وإلى خصوص النصوص (٢) الواردة في بحث أموال اليتامى والوصية وغيرهما من المباحث الكثيرة ، كما عن الرياض.

نعم قد يتوقف في خصوص من تجدد جنونه بعد بلوغه ورشده الذي هو أحد أفراد ذلك الإطلاق ، لانقطاع ولايتهما حينئذ عنه ، فيندرج تحت عموم ولاية الحاكم الذي هو نائب الأصل ، بل جزم به في المحكي من جامع المقاصد ومجمع البرهان بل عن ظاهر الأخير ونكاح المسالك أنه لا خلاف فيه ، بل ربما استظهر من بعض مواضع نكاح التذكرة الإجماع عليه ، وإن كان المحكي عنها فيه أيضا عكس ذلك ، كما أن المحكي عن إيضاح النافع أن المشهور في باب النكاح عدم الفرق ، وعن غيره العكس أيضا.

وعلى كل حال فلا ريب في قوة رجوع أمره إلى الحاكم إذا لم يكن في النصوص إطلاق يعتمد عليه ، فإنها لم تحضرنا جميعا الآن ، والأحوط توافقهما معا ، وقد يتوقف‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.

(٢) الوسائل الباب ١٥ ـ من أبواب عقد البيع وشروطه.

١٠١

أيضا في ولايتهما مع فسقهما أيضا خصوصا إذا كان يظن معه أو يقطع بالإضرار ، وإن كان مقتضى الإطلاق ذلك ، بل عن نكاح التذكرة الإجماع على الولاية مع الفسق.

نعم عن الفاضل أنه تردد في ذلك في وصايا القواعد بل عن الوسيلة اشتراط العدالة ، والإيضاح « الأصح أنه لا ولاية للأب والجد ما دام فاسقا ، لأنها ولاية على من يدفع عن نفسه ، ولا يعرب عن حاله ، ويستحيل من حكمة الصانع أن يجعل الفاسق أمينا تقبل إقراراته وإخباراته على غيره مع نص القرآن على خلافه ».

ولعل التحقيق عدم اشتراط العدالة ، للأصل والإطلاق ، ولكن متى ظهر للحاكم ولو بقرائن الأحوال الضرر منهما عليهما عزلهما ، ومنعهما من التصرف حسبة ، وإن علم عدمه أقر هما ، وإن لم يعلم حالهما فربما قيل بالاجتهاد في حالهما ، فيتبع سلوكهما وشواهد أحوالهما ، ويمكن عدم اعتبار ذلك عملا بالإطلاق ، بل لعله الأقوى.

وأما ما يظهر من المصنف وغيره من اشتراكهما في الولاية على معنى نفوذ تصرف السابق على كل حال فلا أجد فيه خلافا ، بل عن ظاهر نكاح المسالك الإجماع عليه ، لأنه مقتضى ثبوت الولاية لكل منهما ، بل مقتضاه أيضا البطلان لو اقترنا ، لعدم الترجيح كما هو ثالث الأقوال في المسألة ، وقد قيل : بترجيح الجد لثبوت ولايته على الأب في بعض الأحوال ، وللنصوص المستفيضة في باب النكاح (١) والإجماعات المحكية ، فيثبت في المقام بالأولوية ولعله لذا قال الكركي في المحكي من تعليقه على الإرشاد بعد ان اعترف بعدم تصريح للأصحاب هنا بذلك : كلامهم في باب الأنكحة يقتضيه ، مشيرا إلى الأولوية المزبورة وقيل بتقديم ولاية الأب لشدة اتصاله ، وكون ولاية الجد بواسطته ، والجميع كما ترى حتى الأولوية المزبورة ، بناء على عدم حجية كل ظن للمجتهد ، ودعوى حصول القطع أو دليل معتبر عليها من إجماع ونحوه يمكن منعها ، بل إطلاق كلامهم ، في المقام يقتضي ما ذكرنا ، فتأمل جيدا.

وكيف كان ففي تعدى الحكم إلى أب الجد وجد الجد وإن على مع الأب نظر ولعل إطلاق القائل يقتضيه نعم قد يتوقف في تقديمه على من هو أدنى منه ، لعدم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ ـ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.

١٠٢

انسياقه من الأب فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فإن لم يكونا فللوصي فإن لم يكن فللحاكم أي الثقة المأمون الجامع للشرائط بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل ولا إشكال ، فإن لم يكن الحاكم فظاهر جملة من العبارات المعددة للأولياء ، عدم الولاية حينئذ لأحد ، بل هو صريح المحكي عن ابن إدريس ، وهو كذلك بالنسبة إلى الأم وغيرها من الاخوة والأعمام والأخوال وغيرها ، بل خلاف أجده ، بل عن التذكرة الإجماع عليه في الأم ، بل عن مجمع البرهان أنه إجماع الأمة.

نعم قد يقال : إن قاعدة الإحسان ولاية المؤمنين بعضهم على بعض ولزوم التعطيل بل والضرر في كثير من الموارد قيل : بل وحكاية فعل الخضر يقتضي ثبوتها لعدول المؤمنين ، بل ربما يرشد إلى ذلك.

صحيح ابن بزيع (١) « قال : إن رجلا من أصحابنا مات ولم يوص فرفع أمره إلى قاضي الكوفة فصير عبد الحميد ابن سالم القيم بماله ، وكان الرجل خلف ورثة صغارا ومتاعا وجواري فباع عبد الحميد المتاع فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه في بيعهن إذ لم يكن الميت صير إليه ، وكان قيامه بأمر القاضي ، لأنه فروج ، فذكرت ذلك لأبي جعفر عليه‌السلام فقلت جعلت فداك يموت الرجل من أصحابنا فلا يوصي إلى أحد وخلف جواري فيقيم القاضي رجلا منا لبيعهن أو قال : يقوم بذلك رجل منا فيضعف قلبه لأنهن فروج فما ترى في ذلك؟ فقال : إذا كان القيم مثلك ومثل عبد الحميد بن سالم فلا بأس ».

وخبر سماعة (٢) ورفاعة « سألته عن رجل مات وله بنون صغار وكبار من غير وصية وعقار كيف يصنعون الورثة بقسمة ذلك الميراث؟ فقال : إن قام رجل ثقة فقاسمهم ذلك فلا بأس » قيل : ومثله صحيح ابن رئاب (٣) والمناقشة فيه باحتمال كون ذلك إذنا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ـ ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨٨ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٢ ـ لكن فيه عن زرعة عن سماعة.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨٨ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ١.

١٠٣

خاصا من إمام الوقت كما ترى ، فالقول به حينئذ لا يخلو من قوة ، وفاقا لصريح بعض الأصحاب ، بل نسب إلى مشهورهم ، بل ربما نسب ذلك إليهم ، والله أعلم.

وأما السفيه والمفلس فالولاية في مالهما للحاكم لا غير بلا خلاف أجده في الثاني ، وقد تقدم الكلام فيه سابقا ، بل والأول إذا كان متجددا بعد البلوغ ، عدا ما عن الكفاية ، والرياض من إرسال قول فيه بعود ولاية الأب والجد عليه ، ولم نتحققه لا حد ، كما لم نعرف له دليلا صالحا لقطع الأصل فمن الغريب ميل بعض متأخري المتأخرين إليه ، التفاتا إلى كونه في التزويج كذلك ، وإلى ما عن التذكرة من الإجماع ، وفيه بعد تسليم الملازمة أو الأولوية منع كونه في التزويج كذلك.

وما عن التذكرة من الإجماع في المقام بل المحكي عنها مع أنه إطلاقات ولم تتحقق ، وفي التزويج أيضا ، بل وفي المجنون مضطرب لا يصلح للفقيه التعويل على أمثاله ، بل ربما حكي عنها معقد إجماع على خلاف ذلك ، وكيف يسوغ لها أو لغيرها دعوى الإجماع في المقام ، بحيث يشهد عليها ، مع ظهور كلمات الأصحاب في خلافه ، بل عكسه مظنة الإجماع ، بل لا بأس على من يدعيه في المقام.

وبالجملة فلا ريب في أن الولاية في ماله للحاكم الذي هو ولي من لا ولى له ، بعد أن لم يثبت بدليل شرعي ولايتهما عليه ، بل الدليل وهو الأصل على خلافه ، إنما الكلام فيمن اتصل سفهه ببلوغه ، فإن ظاهر المصنف وغيره من أطلق كإطلاقه أن ولايته للحاكم أيضا ، بل عن بعضهم التصريح بهذا الإطلاق ، بل ربما نسب إلى الأشهر بل قيل : إن وجهه ظاهر ، بناء على توقف الحجر عليه ، ورفعه عنه عليه ، إذ يكون الأمر حينئذ في ماله اليه ، بل ربما جعل ذلك دليلا للمدعى.

إلا أن ذلك كله كما ترى ، ضرورة اقتضاء الاستصحاب ثبوت ولايتهما التي هي المنساقة من آية الإيناس (١) المحكي تفسيرها عن الباقر عليه‌السلام (٢) بالعقل وإصلاح المال‌

__________________

(١) سورة النساء الآية ـ ٥.

(٢) تفسير البرهان ـ ج ١ ص ٣٤٥.

١٠٤

و‌عن الصادق عليه‌السلام (١) بحفظ المال ، ومن‌ خبر هشام بن سالم عن الصادق عليه‌السلام (٢) « وإن احتلم ولم يونس منه رشدا وكان سفيها فليمسك عنه ماله وليه » إذ لا ريب في ظهورهما في إرادة الولي قبل البلوغ ، سواء كان الأب أو الجد أو الحاكم أو غيره ، فإنه المخاطب بإمساك المال وحفظه حتى يرشد ، والتكلفات لا تنافي المنساق ، وتوقف الحجر على السفيه ورفعه على الحاكم مع أنه يمكن منعه في المتصل سفهه ، بل عن التذكرة التصريح بعدم توقف رفعه عليه ، لا يقتضي ثبوت الولاية للحاكم في المال ، ولعله لذلك وغيره صرح جماعة من المحققين بثبوت الولاية لهما في الفرض ، وعن التذكرة أنه نفى عنه البأس في آخر كلامه ، وعن الشهيد أنه حكاه عن ابن المتوج ، بل عن مجمع البرهان أنه مما لا خلاف فيه ولا نزاع ، وعن نكاح المفاتيح لا خلاف في ثبوت الولاية لهما على السفيه والمجنون مع اتصال السفه والجنون بالصغر ، والظاهر عدم إرادته خصوص النكاح ، مع ما عن بعضهم من أنه لا فرق في هذا النزاع بين النكاح والمال ، بل قد عرفت دعوى أولوية المال منه.

لكن الانصاف تحقق الخلاف في المال كما عرفت ، ومنه يظهر ما عن نكاح الرياض وتثبت ولايتهما على البالغ مع فساد عقله بسفه وجنون إجماعا ، حتى لو أراد خصوص النكاح ، إذ الظاهر تحقق الخلاف فيه أيضا.

وعلى كل حال فالتحقيق ما عرفت ، وإن كان كلمات الأصحاب في المقام والنكاح لا تخلو من اضطراب ، وحينئذ فوصيهما أولى من الحاكم ، كما أن الجد أولى من وصى الأب بلا خلاف ولا اشكال ، والله أعلم بحقيقة الحال.

المسألة الخامسة لا خلاف في أن السفيه كالرشيد بالنسبة إلى العبادات فـ ( إذا أحرم بحجة ) وعمرة واجبة ولو بالنذر قبل الحجر أو سببه لم يمنع مما يحتاج إليه في الإتيان بالفرض وإن زاد على نفقة الحضر ، لكن لا يمكن هو من الإنفاق ، بل ينفق عليه وليه أو وكيله وإن أحرم تطوعا فان استوت نفقته‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٦ ـ و ـ ١٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٩.

١٠٥

سفرا وحضرا لم يمنع منه أيضا ، بلا خلاف أجده فيه ، لعدم الضرر ، وإلا منع خلافا للمحكي عن الأردبيلي فلم يمنعه وإن زاد ، وهو مع أنه لم نجد له موافقا ـ مناف لحكمة الحجر ، ولذا يمنع من النذر بالصدقة بعين ماله ، وبناء المساجد والقناطر ونحو ذلك ، واحتمال اختصاص منع السفيه بالتصرف المنافي خاصة لا الأعم منه والموافق لتصرفات العقلاء مناف لكلمات الأصحاب ، وعموم أحكام الشرع بل ولحكمة الحجر فلا ينبغي التوقف فيما نحن فيه.

نعم إذا لم يتفاوت بين السفر والحضر لم يمنع لعدم الضرر قيل وكذا إن أمكنه تكسب ما يحتاج اليه بل نفى الخلاف عنه بعض مشايخنا ، لكن قد يشكل بأن ما يكتسبه مال فيتعلق الحجر به أيضا. وأجيب بأنه قبل الاكتساب لم يكن مالا وبعده صار محتاجا إلى زيادة النفقة على أن الاكتساب غير واجب على السفيه ، وليس للولي قهره عليه ، فلا يلزم من صرف ما يحصل به إتلاف لشي‌ء من المال الذي تعلق الحجر به.

وفيه إنما يتم لو لم يمكنه العود أو أمكنه بنفقة مساوية لنفقة الإكمال ، وإلا لم ينفعه احتياجه إلى النفقة والاكتساب ، وإن كان غير واجب عليه ، ولا يقهر عليه إلا أنه إذا اكتسب باختياره تحقق المال ، ولزم الحجر فيه فعاد المحذور نعم لو كان ذلك الكسب الواقع في السفر لا يحصل في الحضر وكان بعد التلبس بالحج مثلا أو قبله ، ولم يمكن العود إلا بصرفه زال الاشكال ، ويمكن حمل عبارات الأصحاب على ذلك أو نحوه.

وكيف كان فـ ( لو لم يكن كذلك ) بل احتاج في السفر إلى ما يزيد على نفقته في الحضر من ماله المحجور عليه حلله الولي من الإحرام محافظة على ماله ، بل في القواعد ومحكي المبسوط ، والتحرير ، أحله بالصوم ، وظاهرهما تعيينه به ، دون الهدي ، مراعاة لحفظ المال ، لكن عن الشهيد أني لم أقف على كون التحليل بالصوم إلا من طرق العامة.

١٠٦

نعم ، روى معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) ، « في الحصر ، ان لم يجد هديا قال : يصوم » وفي كتاب المشيخة لابن محبوب روى صالح بن عامر عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في رجل خرج معتمرا واعتل في بعض الطريق وهو محرم قال : ينحر بدنة ويحلق رأسه ، ويرجع إلى أهله فلا يقرب النساء ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما ».

قلت : الظاهر إرادة من أطلق التحليل بالصوم ما صرح به بعضهم من كونه عشرة أيام من دون اعتبار التوالي والزمان ، وأنه في الحج ، كما أن الظاهر بناء ذلك على ان لدم الإحصار بدلا ، وعن بعضهم أنه استقرب عدمه ، واستشكل الفاضل فيه في القواعد وحينئذ فينبغي بقاؤه محرما إلى زمان الفك كما صرح به بعضهم ، وقد يقال : إنه يتعين حينئذ على الولي تحليله بالهدي إذا فرض نقصانه عن زيادة النفقة ، لأنه صار ولو بالعارض مثلها ، بل لو لا ظهور اتفاق من تعرض للحكم هنا على ذلك أمكن المناقشة في أصل تحليل الولي له ، لأنه بالإحرام صار الزائد كالنفقة ، وربما يؤيده في الجملة ما تسمعه من المصنف من تردده في كفارة اليمين مثلا بالمال ، فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فظاهر من تعرض للحكم هنا صحة إحرامه وإلا لم يحتج إلى تحليل الولي ، وهو كذلك ، إذ النهي عن أمر خارج عن ذات العبادة ، بل وعن شرطها ، لأن المندوب لا يشترط فيه المال فينعقد ، وإن كان للولي التحليل تداركا للزائد. والله أعلم.

المسألة السادسة لا خلاف بل ولا إشكال في أن السفيه إذا حلف مثلا على فعل شي‌ء أو تركه مما لا يتعلق بماله المحجور عليه انعقدت يمينه لأنه بالغ عاقل مكلف وانما هو ممنوع في خصوص التصرف المالي وهذا ليس منه.

نعم لو حنث كفر بالصوم كما صرح به الفاضل وثاني الشهيدين ، والشيخ فيما حكى عن مبسوطة من غير تردد ولا نقل خلاف ، لأنه بمنعه من التصرف المالى كان كالعبد والفقير ونحوهما ولكن قال المصنف فيه تردد ولعله لوجوب الكفارة عليه حينئذ والفرض أنه مالك ، فتخرج من ماله كغيرها من الواجبات من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ـ ٢.

١٠٧

الزكاة والخمس ومؤنة الحج والكفارة السابق سببها.

وفيه أن هذه الواجبات تثبت عليه بغير اختياره ، فلا تصرف له في المال ، وإنما الحاكم به الله تعالى ، بخلاف ما نحن فيه مما كان سببه مستندا إلى اختياره ، بل لو أخرج ذلك من ماله أمكن أن يجعله وسيلة إلى إذهابه ، لأن مقتضى السفه توجه صرفه على ما لا ينبغي ، ومن ذلك تعرف الحال في كفارة نذره وعهده وعوده في ظهاره ، وإفطاره في شهر رمضان ، بل قيل : وقتل الخطأ ، بل في المسالك أنه يقرب من هذا البحث الكلام في الإنفاق على من استلحقه من الأنساب بإقراره والله أعلم.

المسألة السابعة لا خلاف أيضا ولا إشكال في أنه لو وجب له القصاص جاز أن يعفو على غير مال فضلا عنه ، بناء على انه الواجب في العمد لا أحد الأمرين كما هو المعروف عندنا ، بل ظاهر المسالك الإجماع عليه ، لأنه ليس تصرفا ماليا ، وفي المسالك « أنه نبه بذلك على خلاف بعض العامة حيث جعل الواجب في العمد أحد الأمرين ، القصاص أو المال ، فلا يصح عفوه عنه » قلت : يمكن القول بجواز عفوه عليه أيضا ، بعد فرض التخيير وعدم عد ذلك تصرفا ماليا ، وقد تقدم نظير ذلك في المفلس هذا.

وقد ظهر لك من ذلك كله أنه لو وجب له دية أو أرش لم يجز له العفو ، بلا خلاف ولا إشكال ، لأنه من التصرف المالى الممنوع عنه.

المسألة الثامنة : يختبر الصبي لمعرفة رشده قبل بلوغه كما صرح به جماعة ، بل لا أجد فيه خلافا. بل في المسالك هذا مما لا خلاف فيه عندنا ، إنما خالف فيه بعض العامة ، ونحوه المحكي عن المفاتيح ، بل عن ظاهر التذكرة وغاية المراد الإجماع عليه ، ولعله ظاهر كل من قصر الخلاف على بعض العامة ، فتأمل الأردبيلي فيما حكى عنه في غير محله.

نعم قد يقع الاختبار بعد البلوغ إذا اتفق عدمه قبله لعارض ، أو أن الواقع منه قبله لم يفد الرشد ، أو نحو ذلك ، فما عن كنز الفوائد ـ لعميد الدين ـ والفخر في الإيضاح ، والشهيد ، وابن المتوج من حمل ما في القواعد من الإشكال في صحة البيع‌

١٠٨

الاختباري وعدمه على ما بعد البلوغ لو اتفق ظهور السفه ، أو لم يظهر الرشد ـ ليس خلافا في المسألة عند التأمل.

نعم قيل : قد ينافيه‌ المرسل عن أبى جعفر عليه‌السلام (١) « قال في قوله تعالى ( وَابْتَلُوا ) من كان في يده مال بعض اليتامى فلا يجوز له أن يعطيه حتى يبلغ النكاح ، ويحتلم ، فإذا احتلم ووجب عليه الحدود ، وإقامة الفرائض ، ولا يكون مضيعا ، ولا شارب خمر ، ولا زانيا ، فإذا آنس منه الرشد دفع إليه المال ، وأشهد عليه ، فإذا كانوا لا يعلمون أنه قد بلغ ، فليمتحن بريح إبطه أو نبت عانته. وإذا كان ذلك فقد بلغ ، فيدفع إليه ماله إذا كان رشيدا » الحديث.

وفيه أنه يمكن منع ظهوره في مخالفة الأصحاب ، لاحتمال إرادة أنه إذا كان قد آنس منه الرشد بالاختبار السابق دفع اليه المال ، والامتحان بريح الإبط لا يقضي بإرادة ذلك من الابتلاء في الآية ، وبعد التسليم فليس جامعا لشرائط الحجية ، وقد أعرض عنه الأصحاب ، فهو حينئذ من الشواذ خصوصا مع مخالفته لظاهر الآية ، ضرورة ظهورها في كون غاية الاختبار البلوغ ، قيل : لان حتى ابتدائية ، إذ ما بعدها جملة شرطية ، والجزاء جملة أخرى شرطية ، وهي ( فَإِنْ آنَسْتُمْ ) ، فالفاء الاولى جواب الشرط الأول ، والثانية جواب الثاني.

فما عن الأردبيلي ـ من أن ظاهر قوله ( فَإِنْ آنَسْتُمْ ) إلى آخرها يدل على دفع المال بعد إيناس الرشد بلا فصل ، فلو كان الابتلاء قبل البلوغ لزم وجوب الإعطاء بعد الرشد وقبل البلوغ ، وهو منفي بالإجماع ، على أن المعلوم عدم انتهاء الابتلاء بالبلوغ فكأنه مقيد بعدم الرشد ، وعدم صدق اليتيم على البالغ ، يدفعه أنه لا يبعد صدق اليتيم على قريب العهد باليتم.

لا يخفى عليك ما فيه ، وظهور الآية في تسليم المال بعد إيناس الرشد مسلم ، لو لا الشرط الأخر وهو قوله ( إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ ) فإن المراد اختبروهم قبل البلوغ إليه ، فإن‌

__________________

(١) المستدرك ج ـ ٢ ـ ص ٤٩٦.

١٠٩

كان قد بلغوا وقد ( آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً ) بالاختبار السابق ( فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ ) ، ومعلومية عدم انتهاء الابتلاء بالبلوغ لا يقضى بكونه بعده ، بل المراد أن هذا محله الذي يتعقبه تسليم المال بعد البلوغ بلا فصل إذا فرض حصول الرشد منه ، وصدق اليتيم على قريب العهد مجاز لا داعي إليه ، بل قد عرفت وجود الداعي إلى خلافه ، من اتفاق الأصحاب ظاهرا كما أنك عرفت تمام الكلام في الآية في البحث عن علامات البلوغ فلاحظ.

مضافا إلى ما في تأخير الاختبار بعد البلوغ إلى حصول الضرر بالحجر على مال البالغ ، خصوصا إذا طال الزمان ، ولا ملازمة بين ابتلائه قبل بلوغه ، وبين صحة معاملاته المعلوم اشتراطها بالبلوغ ، إذ الاختبار أعم من ذلك قطعا لاحتمال حصوله بالمساومة والمماكسة خاصة ، وبالتواطي من الولي والبائع فيما هو مال الطفل ، ونحو ذلك بل يحصل الابتلاء بغير العقود ، والقول بشرعية أفعال الصبي لا مدخلية له في الصحة ، إذ ذاك في العبادات ، وإذن الولي ـ مع أنه غير محقق لما عرفت من أعمية الاختبار من العقد ـ لا تجدي في غير البالغ ، سواء كانت سابقه أو لاحقة كما هو واضح.

وعلى كل حال فمما سمعت يعلم أن ما عن المبسوط والجماعة من ذكر كيفية الابتلاء لا يريدون به الخصوصية قطعا ، قال في الأول : الأيتام على قسمين ذكور وإناث ، فالذكور على ضربين ضرب يبذلون في الأسوق ويخالطون الناس بالبيع والشراء وضرب يصانون عن الأسواق فالذين يخالطون الناس فإنه يعرف اختبارهم بأن يأمره الولي أن يذهب إلى السوق ويساوم في السلع ويقاول فيها ولا يعقد العقد ، فإن رآه يحسن ذلك ولا يغبن فيه علم أنه رشيد ، وإلا لم يفك عنه الحجر ، وقيل : انه يشترى له بغير أمره ويواطئ البائع على بيعها من اليتيم وينقذه الولي ليشتريها منه ، وقيل : إنه يدفع إليه شي‌ء من المال يشترى به سلعة ، ويصح شراؤه للضرورة ، فيجيز.

وإن كان اليتيم ممن يصان عن الأسواق مثل أولاد الرؤساء فإن اختبارهم أصعب ، فيدفع الولي إليهم نفقة شهر يختبرهم فينظر ، فإن دفعوا إلى أكرتهم وغلمانهم وعمالهم ومعامليهم حقوقهم من غير تبذير ، وأقسطوا في النفقة على أنفسهم في مطاعمهم‌

١١٠

ومكاسبهم سلم إليهم المال.

وأما الإناث فإنه يصعب اختبارهن فيدفع إليهن شيئا من المال ويجعل عليهن نساء ثقات يشرفن عليهن ، فإن غزلن واستغزلن ونسجن واستنسجن ولم يبذرن سلم المال إليهن ، فإن كن بخلاف ذلك لم يسلم إليهن » وزاد بعضهم أنه لا بد من تكرار ذلك مرارا يحصل بها غلبة الظن ، ليعلم الاتصاف بالملكة ، ولعله مراد المبسوط أيضا ، إذ من المعلوم عدم إرادة الخصوصية ، بل لعل غير الفقيه أعرف منه في طرق الاختبار المفيد ذلك ، ومن هنا لا ينبغي مناقشة في ذلك ، ولا في ذكر الغزل والاستغزال للإناث ، مع أن ذلك غير واجب في الرشد ، وبنات الرؤساء ليس ذلك طريق اختبارهن.

وبالجملة البحث في ذلك ليس وظيفة الفقيه ، ولذا خلت عنه النصوص وبعض الأصحاب إنما ذكره على طريق التنبيه كما هو واضح ، قال في القواعد : « ويعلم باختباره بما يناسبه من التصرفات ، فإن عرف منه جودة المعاملة وعدم المغابنة إن كان تاجرا أو المحافظة على ما يتكسب به ، والملازمة إن كان صانعا وأشباه ذلك في الذكر والاستغزال والاستنساج في الأنثى إن كانت وأشباهه حكم بالرشد ، » إلى غير ذلك من عباراتهم التي ربما يوهم بعض ما فيها ذلك ، لكن التأمل الصادق قاض بإرادة ما ذكرنا ، وقد سمعت فيها تقدم عبارة المصنف فتأمل جيدا ، وأما ما حكاه من القول بصحة بيعه للضرورة والأمر بالابتلاء ، فمع انك قد عرفت ما فيه ولم نتحققه لأحد من أصحابنا عدا ما يحكى عن التحرير من الحكم بها.

نعم قد يظهر من قول المصنف وهل يصح بيعه؟ الأشبه أنه لا يصح بيعه نوع تأمل فيه. بل قيل : إن الحكم بها هنا أولى منها في مطلق بيع المميز الذي أفتى به بعضهم ، وتردد فيه الفاضل في القواعد ، ومن هنا حمل ما فيها في المقام من قوله بعد العبارة السابقة التي حكيناها عنه « وفي صحة العقد حينئذ إشكال » على ذلك ، فيكون وجه الإشكال حينئذ معلومية اشتراط البلوغ في الصحة ، والضرورة مع الأمر بالابتلاء ، وكونه أولى من المميز ، لكن جماعة قد استبعدوا الإشكال في ذلك ، على وجه لم يرجح ، فحملوا العبارة على ما بعد البلوغ ، فظن بعض الناس أن‌

١١١

ذلك حينئذ خلاف من العلامة ، ومنهم في محل الاختبار ، وأنه عندهم بعد البلوغ ، وقد عرفت عدم ذلك عندنا ، وإنما هو لبعض العامة.

والتحقيق ما ذكرناه سابقا من أنه لو حملت على ما بعد البلوغ يمكن أن لا يكون خلافا ، بل يكون وجهه حينئذ فيما لو اتفق وقوع الاختبار بعد البلوغ لعارض من العوارض التي قدمناها سابقا ، ويكون الإشكال حينئذ فيما لو صادف التصرف ظهور سفهه أو عدم ظهور رشده ، فقد يقال بالصحة حينئذ لأصالتها ، وإطلاق الأدلة ، والأمر بالابتلاء ، والاضطرار إلى الاختبار ، ولأن الفرض وقوع الاختبار بإذن الولي ، فتكون عقوده حينئذ مصاحبة للاذن ، ولغير ذلك ، وقد يقال : بالفساد ، لمعلومية اشتراط الرشد في البيع والعلم بانتفائه بل الشك فيه كاشف عن تزلزل العقد السابق ، وإن كان قد وقع مع الجهل بالحال.

نعم لو صادف الرشد واقعا اتجه الصحة ، ولإطلاق ما دل على بطلان معاملة السفيه المنصرف إلى الواقع ، بل عن الشهيد أن الأقوال في الفرض ثلاثة : الصحة مطلقا لأمر الشارع بذلك ، والبطلان مطلقا ، لاعتبار الرشد ، والثالث إن ظهر الرشد ظهرت الصحة ، وإن ظهر السفه ظهر البطلان.

قلت : قد عرفت وجه الثالث بل والأول الذي هو قوي بناء على حصول الإذن من الولي في ذلك ، وإن كان للاختبار ، أما الثاني فهو واضح الفساد ، وكيف كان فحمل العبارة على ذلك ممكن وإن كان بعيدا ، بل ربما نوقش فيما سمعته من وجوه الاشكال ، وأنه يتعين الصحة حينئذ للإذن من الولي ، والأمر سهل بعد ان اتضح لك تحقيق الحال ، والله هو العالم.

١١٢

كتاب الضمان‌

الضمان الذي هو عندنا على ما اعترف به غير واحد منا مشتق من الضمن لأنه ينقل ما كان في ذمته من المال ، ويجعله في ضمن ذمة أخرى ، أو لأن ذمة الضامن تتضمن الحق ، فالنون فيه أصلية.

خلافا لما عن أكثر العامة من أنه غير ناقل ، وإنما يفيد اشتراك الذمتين ، فاشتقاقه من الضم ، والنون فيه زائدة ، لأنه حينئذ ضم ذمة إلى ذمة ، فيتخير المضمون له في المطالبة.

وفيه ما لا يخفى من منافاة وجود النون في جميع تصاريفه ، الا بدعوى اشتقاق ما فيه النون من الخالي عنها ، وهو كما ترى.

ومن صعوبة تحققه في نحو ضمان النفس ، وظهور‌ قوله عليه‌السلام (١) « الزعيم غارم » في اختصاص الغرم به ، ولغير ذلك مما هو في مذهب الخصم ، بعد الغض عن عدم تصور شغل ذمتين فصاعدا بمال واحد ، وقد بينا أن المشغول به في تعاقب الأيدي على المغصوب ذمة واحدة ، وهو من تلف في يده المال مثلا ، وإن جاز له الرجوع على كل واحد ، وإلا فهو مناف للمقطوع به من مذهبنا.

وأما الثمرات على القولين فهي واضحة : منها صحة الدور فيه على مذهبنا ـ كأن يضمن الأصيل ضامنه أو ضامن ضامنه ، دون مذهبهم ـ والتسلسل كأن يضمن أجنبي الضامن وهكذا لتحقق الشرائط عندنا ، فيرجع حينئذ كل ضامن مع الإذن بما أداه على الذي ضمن عنه ، لا على الأصيل ، وفي الأول يسقط الضمان ، ويرجع الحق كما كان.

نعم يترتب عليه أحكامه كظهور إعسار الأصيل الذي صار ضامنا الموجب لخيار المضمون له في فسخه ، والرجوع إلى المضمون عنه الذي صار ضامنا ، ولا خلاف في شي‌ء من ذلك بيننا ، إلا ما يحكى عن المبسوط من منع الأول لاستلزامه صيرورة الفرع‌

__________________

(١) المستدرك ج ـ ٢ ـ ص ٤٨٩.

١١٣

أصلا ، وبالعكس ، ولعدم الفائدة ، ورد بأن الأول غير صالح للمانعية ، والثاني بذلك وبما سمعته من الفائدة.

وعلى كل حال فـ ( هو ) بالمعنى الأعم الشامل له بالمعنى الأخص والحوالة والكفالة ولو على جهة المجاز عقد شرع للتعهد بمال أو نفس أو أثر العقد أو غيرهما على حسب ما عرفت البحث فيه في كتاب البيع والتعهد بالمال قد يكون ممن عليه للمضمون عنه مال ، وقد لا يكون : فهنا ثلاثة أقسام.

التعهد بالنفس ، وهو الكفالة ، والتعهد بالمال ممن ليس عليه ، وهو الضمان بالمعنى الأخص الذي يدخل فيه ضمان الأعيان بناء عليه ، وممن عليه له مال ، وهو الحوالة ، ولكن سيأتي صحة الحوالة على البري‌ء ، إلا أن هذا التقسيم جار على محل الوفاق ، أو باعتبار هذا القسم من الحوالة ، وكون القسم المشترك ذا جهتين بحيث يصح تسميته ضمانا خاصا وحوالة ، يسهل معه الخطب.

وعلى كل حال فـ ( القسم الأول : في ضمان المال ممن ليس عليه للمضمون عنه مال ، وهو المسمى بالضمان بقول مطلق ) الذي هو المعنى الحقيقي المتبادر عند الإطلاق ، وما تقدم سابقا من تقسيم الضمان إلى الثلاثة لا ينافي ذلك ، إذ يمكن أن يكون بحسب المعنى المجازي بالعارض ، وإن كان هو في الأصل المعنى الحقيقي ، إلا أنه قد يهجر أو أنه على جهة الاشتراك اللفظي بين المعنى العام والخاص ، والاشتهار أحد قرائن تعيين الثاني عند الإطلاق ، أو أنه باق على الاشتراك المعنوي ، إلا أن الاشتهار قرينة على إرادة تعيين الأخص عند الإطلاق.

لكن في المسالك « أن الحوالة والكفالة فردان حقيقة بالنسبة إلى مطلق الضمان وإن كانا مجازين بالنسبة إليه بالمعنى الأخص ، نحو ما قيل في تقسيم مطلق الماء إلى المضاف والمطلق ، وإن كان الأول مجازا بالنسبة إلى الماء المطلق ».

وفيه ما لا يخفى إن لم يرجع إلى ما ذكرنا من منافاته للاصطلاح ، وكونه فردا حقيقيا للمعنى المجازي لا يقتضي إطلاقه عليه حقيقة كما هو واضح ، ومطلق الضمان إنما هو مفهوم لا لفظ خاص ، إذ الكلام في لفظ الضمان عند الإطلاق ، ولعله لذا قال‌

١١٤

بعد ذكر ما سمعت « وفيه بحث ».

وعلى كل حال فيه بحوث ثلاثة إذ البحث في الصيغة وفي اعتبار لفظ خاص فيها وعدمه قد تقدم في الكتب السابقة ، ويأتي إنشاء الله تعالى بعض الكلام فيه.

الأول : في الضامن ولا بد أن يكون : مكلفا لما مر غير مرة من سلب عبارة غيره في أمثال المقام ، بل لا بد أن يكون مع ذلك جائز التصرف الشامل للمقام وحينئذ ( فـ ) لا إشكال في أنه لا يصح ضمان الصبي ولا المجنون ولو مع إذن الولي.

ولو ضمن المملوك لم يصح إلا بإذن مولاه وفاقا لجماعة. منهم الشيخ ، والفاضل في بعض كتبه ، والشهيد ، والكركي على ما حكي عن بعضهم لا لما ذكر في جملة من الكتب مما لا حاصل له بل لما في الآية (١) من « عدم قدرته على شي‌ء » المستدل بها على ما قيل في كثير من النصوص على منعه من تصرف غير المال ، فضلا عنه ، فيعلم منها ـ مضافا إلى ظهور اللفظ في نفسه ـ عدم اختصاص النفي بالمال ، بل يكون ذلك هو الأصل فيه إلا ما خرج. وما ثبت في ذمته قهرا من عوض الإتلاف ونحوه لا ينافي ذلك ، ضرورة عدم كون ذلك من قدرته ، وإنما هو من جعل الشارع ، ولا أقل من الشك لذلك في تناول العمومات لمثله ، فيبقى أصل بقاء الحق على حاله.

خلافا للمحكي عن التذكرة ، والمختلف ، فيصح للعمومات السالمة عن معارضة الملكية المقتضية للمنع من التصرف المنافي لحق المولى ، ضرورة أنه على الصحة يتبع به بعد العتق ، وهو غير مناف لشي‌ء من حقوق السيد.

وفيه : أن نفي القدرة على شي‌ء أعم من ذلك نعم إذا أذن له مولاه صح عندنا في محكي المبسوط ، بل قولا واحدا في محكي التذكرة ، للعمومات بعد معلومية وجود الذمة له القابلة لذلك ، بدليل ثبوت عوض ما أتلفه من المال فيها ، إنما الكلام‌

__________________

(١) سورة النحل الآية ـ ٧٥.

١١٥

في تعلق ذلك مع الإطلاق بكسبه ، كما عن أحد قولي الشافعية ، بل أرسل القول به في جملة من كتب أصحابنا ، وإن كنا لم نتحققه ، أو في ذمته ويتبع به بعد العتق كما هو مقتضى قول المصنف.

ويثبت ما ضمنه في ذمته ، لا في كسبه إلا أن يشترطه في الضمان باذن مولاه بل هو خيرة الفاضل في جملة من كتبه ، والشهيد في اللمعة ، أو يكون على المولى كما لو أذن له في استدانة لمصالح نفسه ، إذ الضمان قسم منها ، كما عن أبي علي ، بل مال إليه في جامع المقاصد والمسالك ، بل زاد الأول منهم أنه إذا كان السيد معلنا ، بيع العبد وأدى ثمنه في كفالته عن المعسر ، مع أن العبد لا يباع في الدين ، أو يتعلق برقبته ذمته كأرش الجناية كما عن بعض الشافعية ، بل في المحكي عن نسختين من التحرير ذلك إلا ان الظاهر إرادة ذمته منها ، لعدم الدليل على ذلك ، بعد حرمة القياس عندنا ، ومعلومية كون الضمان نقل الدين من ذمة إلى ذمة كما أنه لا يخفى عليك ما في سابقه ، ضرورة كون البحث في الإذن من السيد بالضمان ، على أن يكون الدين في ذمة العبد ، لا أنه وكيل عنه في ذلك أو كالوكيل ، على أنه فرق واضح بين إطلاق الإذن في المقام ، وبينه في الاستدانة المقتضية ملك العين المستدانة ، على أن يملك صاحبها مثلها أو قيمتها في ذمة المستدين ، والعبد لا قابلية له لذلك ، لما حررناه من عدم ملكه لشي‌ء ، فلا وجه لإطلاق الاستدانة ، إلا على السيد بخلاف المقام الذي لا ملك فيه ، فما في المختلف وغيره ـ من بناء الحكم هنا على الحكم هناك الذي لم يخالف في كونه على المولى إلا النادر ـ في غير محله قطعا ، فليس الشك حينئذ إلا في القولين الأولين ، والأول منهما وإن كان لم نعرف القائل به من الأصحاب إلا أنه لا يخلو من قوة ، إن كان المراد به عدم جواز منع السيد له إذا أراد وفاء ذلك من كسبه ، باعتبار حصول الإذن منه في إثبات ذلك في ذمته ، فيتعلق به حينئذ خطاب وفاء الدين ، كما أنه يتعلق به خطاب مطالبة الديان.

إما لاستفادة الإذن عرفا في ذلك من الإذن في الضمان ، أو لترجيح أدلة وفاء الدين والمطالبة به على ما دل على تسلط السيد على عبده باعتبار حصول الإذن منه‌

١١٦

المقتضية زوال الحجر عنه ، وصيرورته بها كالحر المعسر مثلا الذي يجب عليه التكسب في وفاء دينه ، أو لا يمنع من ذلك لو أراده.

ومن ذلك يظهر لك ما في جملة من الكلمات المذكورة في المسالك وغيرها ، حتى ما ذكر دليلا للمصنف من أن الإذن في الضمان أعم من الإذن في الوفاء من كسبه الذي هو أحد أموال السيد ، بل أقصاها صيرورة ذمة العبد قابلة لثبوت ذلك فيها ، إذ هو جيد مع تصريح المولى بذلك ، أما مع الإطلاق فالمفهوم عرفا تبعية خطاب الوفاء والمطالبة لها على الوجه الذي سمعته ، بل قد يستأنس له في الجملة بثبوت الكفارة عليه بالاذن له في الإحرام ، وحرمة قطع الصلاة عليه بالإذن له بالدخول فيها ، ونحو ذلك مما يتبعه الحكم الشرعي بعد الاذن من السيد في موضوعه وعنوانه ، هذا كله مع الإطلاق ، أما مع الاشتراط فلا إشكال بين من تعرض لذلك في صحته حينئذ وتعلقه ويكون كما لو شرط الضمان من مال بعينه الذي أشار إليه المصنف بقوله.

وكذا لو شرط أن يكون الضمان من مال معين وإن كان لا يخفى عليك الفرق بين الموضوعين ، ضرورة كون الثاني اشتراط كون الضمان في مال معين من أموال الضامن ، وستسمع تحقيق الحال ، بخلاف المقام ، فان الكسب ليس من أموال العبد ، والفرض أن الضمان في ذمته فهو حينئذ نحو الضمان في مال الغير باذن الغير وقد يستشكل في صحته ، اللهم الا أن يجعل كإرهان مال الغير باذنه ، على أن الكسب ليس مالا موجودا في الخارج ، وانما هو متجدد آنا فآنا ، ويمكن عدم حصوله أصلا ، فالأوجه حينئذ جعل هذا الشرط على إرادة الاذن من السيد في وفاء ما ضمنه من كسبه ، ورفع الحجر عنه في ذلك ، وحينئذ فلو أعتق العبد قبل إمكان تجدد شي‌ء من الكسب لم يكن إشكال في بقاء الحق عليه ، فيجب عليه أداؤه من كسبه ، أو من غيره من المال الذي يحصل له ، لكن في المسالك « هل يبقى التعلق به بعد العتق أم يبطل الضمان لفوات المحل المعين لأداء المال ، لانصراف الإطلاق إلى الكسب الذي هو ملك المولى ، وقد فات ، الظاهر من كلامهم الأول ، فإن ذلك هو معنى : فإذا أعتق صار كسبه وما في يده سواء ، ومع ذلك لا يسمى في اصطلاح الشرع كسبا ، وإن أطلق‌

١١٧

عليه لغة ، لكن يشكل على هذا صحة اشتراطه في كسبه حال عبوديته ، لأن السيد لا حق له فيه ، فلا مدخل لإذنه فيه ، والعبد لم يكن حين الضمان يقدر على شي‌ء ، اللهم إلا أن يقال : بصحة ضمانه بغير اذن سيده كما مر ، فهنا أولى ».

قلت : ما استظهره من كلامهم كذلك ، وهو دليل على إرادة ما ذكرناه من الشرط المزبور ، لا أنه من قبيل الضمان في مال بعينه وإلا لاتجه فيه ما تسمعه من الكلام في ذلك.

ثم قال : « ويتفرع على ذلك ما لو مات العبد قبل إمكان الأداء ، فهل يلزم المولى الأداء لما بقي يحتمله ، لأن إذنه له في الضمان في كسبه كإذنه في الضمان في مال بعينه من أمواله ، فإذا تلف المال يعود الضمان إلى ذمة صاحب المال على الخلاف ، ولو قلنا بعدم عوده اليه فلا اشكال ، ويحتمل عدم لزومه للمولى ، وإن قلنا به ثمة ، لأن الكسب ليس كمحض مال السيد ، بل حق له ، ولهذا قيل : لو أعتق بقي متعلقا بكسب المعتق فدل على أنه لم يتعلق بالمولى محضا ، وليس في كلام الأصحاب هنا ما يدل على شي‌ء وإن كان الأوجه ابتناؤه على مسألة تعيين الأداء من مال بعينه ».

وهو من غرائب الكلام ، إذ المفروض أن العبد هو الضامن ، لا المولى ، فأي وجه لاحتمال عود الضمان إلى المولى بموت العبد ، نعم يتوجه ضياع المال على صاحبه إلا إذا أراد به استيفاءه من الحقوق نحو الضامن المعسر كما هو واضح ، ولو فرض المقام على وجه يكون كاشتراط الضمان من مال بعينه ، لم يكن بد من اجراء ما تسمعه فيه ، ولا معنى حينئذ لدعوى ظهور كلامهم في بقاء التعلق مع العتق.

وأما الكلام في اشتراط الضمان في مال بعينه فلا أجد خلافا في صحته ، لعموم (١) « المؤمنون » وغيره ويتعلق حق الدين المضمون به.

لكن في المسالك وغيرها : هل هو تعلق الدين بالرهن؟ أو تعلق الأرش بالجاني؟ وجهان مأخذهما أن الضمان ناقل للدين إلى ذمة الضامن ، لأن موضعه إنما هو الذمة وتخصيص هذا المال أفاد انحصار المطالبة الآن فيه ، لأن مقتضى الضمان ابتداء التعلق بها ، وأن الضامن لم يشغل ذمته على الإطلاق ، وإنما حصر الاستحقاق في المال المعين ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ـ ٤.

١١٨

وجعله متعلق حق المضمون له ، فينحصر حقه فيه ابتداء ، من غير تعلق بالذمة.

ويظهر الفائدة في أمور منها : التلف بغير تفريط ، فعلى الأول : ينتقل إلى ذمة الضامن ، لأن تلف الرهن لا يسقط الحق ، وعلى الثاني : إلى ذمة المضمون عنه ، لأن فوات العبد الجاني إنما يسقط الحق عن مالكه ، ومالك المال هنا هو الضامن ، فيسقط عنه.

واما المضمون عنه فانتقال المال عن ذمته ليس انتقالا تاما ، لأنه لم يتعلق بذمته ، وإنما تعلق بمال تعلقا ضعيفا ، فإذا مات عاد إلى ما كان ، مع احتمال السقوط عنهما في الموضعين على التقديرين ، أما عن الضامن فلأنه لم يقدم على الضمان إلا في ذلك المال ، ولم يلتزم الأداء من غيره ، عملا بالشرط وقد فات فيبطل الضمان ويعود إلى ذمة المضمون عنه ، وأما احتمال سقوطه عن المضمون عنه على تقدير تعلقه كالجاني ، فلأن الضمان لما كان ناقلا برءت ذمة المضمون عنه بالضمان كيف كان ، فلم يبق للمضمون له عليه حق ، ولا الضامن إلا بما أدى ، ولم يحصل.

لكن لا يخفى عليك ما في أصل الاحتمال الثاني ، ضرورة عدم صلاحية الضمان لإثبات مثل هذا التعلق بعد أن كان هو نقل الدين من ذمة إلى أخرى ، وكذلك الشرط الذي هو بمعنى الإلزام ، وعلى تقديره فلا وجه لاحتمال عوده إلى ذمة المضمون عنه ، بعد انتقاله عنها إلى المال المخصوص ، وإنما المتجه أن يقال : إن هذا الشرط إما أن يكون من المضمون له ، أو الضامن ، أو منهما ، فان كان الأول تخير مع تلفه في فسخ الضمان ، والعود إلى المضمون عنه وعدمه ، وإلزام الضامن الأداء من غيره ، وإن كان الثاني تخير الضامن ، وإن كان الثالث تخير كل منهما على قاعدة فوات الشرط في غير هذا العقد من العقود اللازمة ، إذ هو بناء على ما ذكرناه من عدم مشروعيته بالمعنى المزبور لا معنى له لاشتراط الأداء من المال المخصوص ، ويمكن رجوع ما عن التذكرة من الرجوع على الضامن مع التلف مطلقا إلى ما قلناه بناء على عدم اختياره الفسخ ، كما أن ما عن الشهيد في بعض فتاواه من اختيار بطلان الضمان كذلك ، على معنى اختياره الفسخ ، بل هو أولى مما في المسالك ـ من أنه « يمكن دفع المنافاة بين‌

١١٩

تعلق الذمة والمال المعين مع الحكم بالبطلان على تقدير تلفه. بأن يجعل التعلق بالذمة مشروطا بالأداء من المال عملا بمقتضى الشرط أو يجعل هذا تعلقا برأسه خارجا عن التعلقين ، إذ لا دليل على الانحصار فيهما ، وإنما هو من مناسبات الشافعية وحينئذ فيجعل التعلق مخصوصا بالعين وفاء بالشرط ، فإن التزام المال من غير المعين لم يتعلق به قصد الضامن ، ولا دل عليه لفظ » إذ هو كما ترى ، بعد ما ذكرنا ، مضافا إلى معلومية أن تعذر الشرط في العقود اللازمة إنما يقتضي انتفاء اللزوم لا الصحة ، وإلا كان تعليقا كما هو محرر في محله ، فالتحقيق ما ذكرناه ، ولا ينافيه دعوى عدم قابلية عقد الضمان للخيار كالنكاح والوقف ، ونحوهما ، إذ هي مجرد دعوى لا سند لها ، بل مقتضى العمومات خلافها.

وبذلك كله ظهر لك وجه النظر فيما ذكرناه من كلامه ومن تبعه ، بل وفيما لم نذكره فلاحظ وتأمل وحينئذ فلا ريب في إكمال الضامن مع نقصان المال الذي تعلق الضمان به ، كما أنه لا ريب في كونه المطالب بتحويله إلى جنس الحق ، لما عرفت من كون المال في ذمته ، وهو المخاطب بأدائه من هذا المال.

ومن الغريب احتمال عدم ضمانه النقصان ، كاحتمال براءة ذمة الضامن والمضمون عنه بتعذر المال المشترط فيه الضمان المتقدم سابقا ، إذ هما منافيان للأصول والضوابط ثم لا يخفى عليك أن اقتصار المصنف على المملوك في التفريع على ما ذكره من جواز التصرف مشعر بجواز الضمان من المفلس بل والسفيه ، وأنهما ليسا ممنوعين منه ، بل هما جائز التصرف بالنسبة اليه ، وهو كذلك في المفلس ، وإن كان لا يشارك المضمون له الغرماء.

أما السفيه فقد أطلق غير واحد عدم جواز ضمانه ، لانه تصرف مالي كالاقتراض والهبة ، وهو كذلك لكن ربما احتمل الجواز برضى المضمون له على ان يتبعه به بعد فك الحجر ، لكنه كما ترى ، ضرورة أنه مع الحجر عليه لا تقبل ذمته ذلك على وجه يكون من ديونه ، بحيث يتعلق بتركته بعد موته مثلا ، وإلا لجاز بيعه كذلك كما هو واضح.

١٢٠